رسالة إنسان الأزمة في المجتمع المعاصر

معتصم زكي السنوي
(العراق)

جدلية الثقافة والحضارة أننا نشهد هذه الأيام من آثار الغرب في ما يسمونه "حضارة"و"ثقافة"ما يدعونا إلى وقفة تأمل وتفكير. إغراق في الاقتصاديات، واستعباد للماكينات وسباق إلى الإلكترونيات، وازورار عن القلب والجوهر والروح في الإنسان... ونشهد موكباً حاشداً من الصور تلاحقنا بها السينما والصحف والإذاعة والتليفزيون -تجعلنا نجري ونلهث إلى غير غاية. ونعيش على هامش أنفسنا، وكأنما أضحى مثلنا الأعلى أن نقيم في معسكرات أو مخيمات وكأننا خطوط هندسية أو أرقام حساب. وباسم الثقافة والحضارة أهدروا الناطقية فينا، وباسم العقل، بعد أن ابتذدروسه،ددوا بما هو روحي وأبدي، وسخروا من الأديان بعد أن سخروها لحكم الجماهير. قالوا لنا أن تقدم العلم سيمهد السبيل إلى الوئام بين جميع الشعوب. ولكن المبدأ الأعلى للعلم وهو السماحة والنزاهة، قد أفلت منهم ولم يفهموا دروسه، حتى قال أحد علمائهم : "متى خرجنا من مجال تخصصنا عدنا كما كنا بدائيين ".

الثقافة والحضارة
أن الثقافة والحضارة لا يترجلان ولا يستعاران ولا يستوردان ولا يقومان باللوائح أو المراسيم.. والشعوب لا تتثقف ولا تتحضر إلا في أنوالرعاية،عكوف. ولن تبلغ من ذلك ما تريد إلا بالتعهد والرعاية، وكلها تتنافى مع العجلة والتهور والاندفاع. وليست الثقافة ولا الحضارة محفوظات أو مجهزات أو "معلبات "بل هي كما قال هريو : "ما يتبقي في نفوسنا بعد أن نكون قد نسينا كل ما حفظنا "وليس شأن الثقافة والحضارة كشأن ما يسمى باللغة العصرية باسم "القهوة الفورية "Inst ant Coffee أو Nescafe وشتان عندنا بين هذه القهوة "الجاهزة "وبين القهوة المجهزة، أعني تلك لا تصير قهوة ألا بعد أعداد خاص وعلى مراحل، وتلك في نظرنا هي نفحة الحضارة الحقيقية في عمل القهوة : لأنها تتطلب تريثاً وعناية، وتجعل للذهن مجالاً للتأمل والروية.. وما قلته عن القهوة الفورية نستطيع أن نقوله عن بعض الأفكار الجاهزة والإيديولوجيات المستوردة والعقائد المجهزة حتى قبل أن تجهز. كما يقول برجسون. وتحضرني في هذا المقام حكاية واقعية تعبر في نظري عما أريد أن أؤكده من جوانبه الثقافية والحضارة، وأنهما لا تقومان إلا بالعراقة والأصالة. في سنة 1910 مثلت مسرحية "اوديب ملكاً"على مسرح "أورانج القديم "في فرنسا وكان الثري الأمريكي "كارنيجي"من شهود المسرحية، فأعجب بها أيما أعجاب. وما كاد ينتهي التمثيل حتى نهض من مكانه وأسرع إلى مدير المسرح يهنئه، ووجه إليه السؤال التالي : "كم من الدولارات تلزم لإخراج هذه المسرحية في أمريكا على هذا النحو من الإبداع ؟ فأجابه الفنان الفرنسي : "مع الأسف يا مسيو كارنيجي... ليست الدولارات هي الشيء المطلوب هنا، بل يلزم لذلك إلفان من السنين"! وأكبر الظن أن المدير الفرنسي أراد أن يقول ما قاله من قبل الشاعر العربي القديم : حسن الحضارة مجلوب بتطرية وفي البداوة حسن غير مجلوب وأود أن أنوه هنا أن وزارات الثقافة في البلدان العربية قد أحسنت حين راعت هذا المعنى عند إنشائها "المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب"، فدلت بهذا على أنها قد انتهت إلى أن لجان هذا المجلس لا تنشئ ثقافة، وإنما ترعى الثقافة القائمة، وأن هذه الرعاية أمر يحتاج إلى الجهد والوقت والمال.. والواقع أننا لا نستطيع أن نبحث عن ثقافة أو حضارة بمعزل عن وعي الإنسان وموقفه منهما.أن الناطقية الإنسانية هي مركز الكون كله والعالم الخارجي أو "عالم الأعيان "، كما يقول المتكلمون الإسلاميون لا يكون كذلك إلا بالقياس إلى "عالم الأذهان". وكل أمر "واقع "فهو ملون دائماً بموقف الذات من الموضوع، أن الذات "تقد العالم على قدها "كما يقول "كانط"، والإنسان ليس مجرد نتيجة للتاريخ، بل هو القوة المحركة للتاريخ.. والدين دعامة أساسية للحضارة، لأنه منبع للقيم الروحية، ولأنه هو "البعد الجواني للإنسان من حيث هو إنسان ". فما من حضارة تصلح لأن يطلق عليها الروح،سم إذا جعلت ديدنها أن تتنكر للدين ولقيم الروح. وهناك مجتمعات متقدمة ربما نجحت في حل مشكلات الإنتاج، ولكنها لم تستطع حتى اليوم أن تحل مشكلة الإنسان. والإنسان لا يقنع بالمادة بل يريد الروح، ولا يكتفي بالحياة في الحاضر بل يتطلع إلى حياة المستقبل. أن الحضارة تقوم في النهاية على الإيمان كما يقول "مادارياجا والإيمان رابطة أخلاقية تجعل الناس يرتفعون فوق مصالحهم الشخصية المباشرة. وأن المدافع والذخائر والمؤن مادة لا حياة فيها بغير الإيمان..وفي معركة "فالمى "تغلب الإيمان بلا مدافع على المدافع بلا إيمان"!

الحرية والعدل
والحرية والعدل روح المجتمع المتحضر. ولا يمكن أن يدوم مجتمع بلا حرية ولا عدالة، وليس هناك سوى اختيار واحد، أما الحرية وأما الطغيان. فإذا ألغيت الحرية فسم طغيانك كما تشاء، فاشية أو نازيه أو دكتاتورية أو "المافيا "أو استبداد الصعاليك. المجتمع المتحضر هو المجتمع الأخلاقي أو "المدينة الفاضلة "بتعبير الفارابي، وهي تلك التي يجعل أهلها أموراً سياسية خاضعة لقانون الأخلاق ويدأبون على الإنصات إلى صوت الضمير. ولا ريب أن العلوم الأخلاقية والنفسية والاجتماعية هي اليوم ألزم من علوم المادة التي هي أدنى إلى أن تكون خطراً يتهدد الناس في مجتمع لا يزال أهله على جهل بأنفسهم. ومن البين كما يقول مالك بن نبي، أن تربية إنسان متحضر وأعداده أصعب من صنع محرك، أو تعويد قرد على أن يلبس رباط رقبة. أن الروح هي التي تتيح للإنسانية أن تنهض وتتقدم. وحيث تغيب الروح يكون السقوط والاضمحلال، لأن ما يفقد القدرة على الصعود لا يملك إلا أن يهوي منجذباً بثقل لا سبيل إلى مقاومته. والدين هو "مجمع "القيم الاجتماعية. ولكنه يقوم بهذا سياسية، حال نشأته وانتشاره وحركيته.. وحين يعبر عن فكر الجماعة، أما حين يصبح الإيمان مطوياً بغير أشعاع أعني حين يصير إيماناً فردياً. فإن رسالته التاريخية تنتهي على الأرض،إذ يكون عاجزاً عن تحريك دفة الحضارة. ويصبح إيمان متعبدين، يعزلون أنفسهم عن الحياة ويهربون من واجباتهم ومسؤولياتهم - "مالك ابن نبي ": وجهة العالم الإنساني "ترجمة عبد الصبور شاهين، سنة 1959.

رؤية طاغور للحضارة الغربية
سنة 1916 ألقى طاغور محاضرة في جامعة طوكيو خاطب فيها الشبيبة بقوله : "أنكم لا تستطيعون أن تقبلوا الحضارة الحديثة كما هي. أن واجبكم أن تدخلوا عليها التغيير الذي تتطلبه عبقريتنا الشرقية. وواجبكم أن تبثوا الحياة حيث لا يوجد إلا الماكينة، وأن تستعيضوا بالقلب الإنساني عن حسابات المصلحة الباردة، وأن تتوجوا الحق والجمال حيث لا سلطان إلا للقوة الغاشمة والنجاح اليسير. أن حضارة أوربا نهمة ومسيطرة، تلتهم البلاد التي تغزوها، أنها تبيد الأفراد والهيئات والشعوب التي تعوق مسيرتها الفاتحة. أنها حتبذر،لها سياسية، تستسيغ لحوم الآدميين، أنها تقهر الضعفاء وتثري على حسابهم، أنها آلة للطحن. أنها تبذر، أينما ذهبإنسانية، والغيرة والشقاق.. أنها تصنع الفراغ حولها. أنها حضارة علمية لشباكها،ة، ومصدر قوتها أنها تركز جميع قواها صوب غاية واحدة، الثروة والسلطة وتحت اسم الوطنية لا تراعي كلمة الشرف. أنها تمد بلا خجل شباكها، ونسيجها الكذب، وتقيم للمعبود الهائل البشع الذي تعبده المعابد المشيدة للكسب والمنفعة... ونحن نتنبأ دون تردد بان ذلك لن يدوم، لأن في العالم قانوناً أخلاقياً مهيمناً ينطبق على الجماعات كما ينطبق على الأفراد، فإن هدم كل مثل أعلى في الأخلاق ينتهي بأن يؤثر في كل عضو من أعضاء الجماعة، ويولد عدم الثقة والاستهتار، ويحطم في الإنسان كل ما هو مقدس، أن حضارة تجعل دأبها أن تتمرد على القوانين التي سنها العلي القدير لا تستطيع أن تنتهي إلا إلى "كارثة ". ورومان رولان الذي سجل بعض فقرات هذه المحاضرة في "يومياته"أعلن أن هذه المحاضرة التي تبين منعطفاً في لأفكاره:الم لم يكن لها صدى في كبرى الصحف الأوربية ولم تنشر إلا في المجلة المسماة (أوت لوك The outlook) الصادرة بنيويورك في 9 من آب 1916.
الثقافة ليست معلومات محفوظة ولا تطبيقات منقولة بل هي في مفهومها الصحيح شيء يجاوز المهارة أو البراعة في أية ناحية من نواحي العلوم النظرية أو العملية. الثقافة مرادفة في نظرنا لحضور القلب ويقظة الروح، وهما لا يكونان إلا مع الضمير الحي والعقل الناضج والقلب السليم. ومتى استيقظ الوعي والضمير في الإنسان أصبح النظر والعمل عنده متلازمبينهم،فترقان وأصبحت حياته مصداقاً لأفكاره : فبعد عن الآلية والأنانية، وقصد إلى الغايات بأفضل الوسائل،وأتجه إلى الجوهر والمخبر، دون وقوف عند المظاهر والأعراض.. والأساس المتين الذي تقوم عليه الثقافة الواعية، ثقافة القلب والعقل والحس، هو الاعتقاد بالقيم الروحية والمبادئ الأخلاقية، فلسنا نتصور أن مثقفاً واعياً لا تصدر أفكاره وأعماله عن يقين راسخ بأن الثقافة - كالحضارة - تقوم على الإيمان، أي على الرابطة الأخلاقية التي تدفع الناس إلى أن يفكروا ويعملوا متساندين، مرتفعين على بواعث الأنانية والأثرة متخطين نوازع المصلحة المادية المباشرة.

جدلية الثقافة والحضارة رسالة الإنسان المثقف
والإنسان المثقف منوط برسالة أخلاقية اجتماعية عليه أن يؤديها فهو بحكم وعيه المستنير تكون رسالته السعي الدائب إلى تقدم المجتمع وإسعاده، فهو يجعل جهده أن يذكي في نفوس الناس الشعور بالمثل الأعلى وهو ذلك الشعور الذي استضاء بنور العقل، فأصبح حرية نابعة عن الذات ووعي للحقوق والواجبات ؟: ينبه وعيهم للحقوق حتى لا يستغلهم المستغلون وحتى يتعاونوا في ما بينهم، وحتى يبذلوا جهودهم نفسه. المجتمع. والمجتمع لا يتطلب من المثقف لكي يؤدي هذه الرسالة، أن يكون عارفاً فحسب، بل أن يكون على الخصوص، فاضلاً". ولا يتطلب منه أن يكون قد وصل إلى أعلى درجة من الثقافة فحسب، بل إلى أعلى درجة من الأخلاق في عصره. وما من واحد من أهل الثقافة يستطيع أن يزهو بنجاح دعوته والإيمان.ه ما لم يكن قد بدأ بإصلاح نفسه... أن الالمدنية:قيقية هي تلك التي يتألق فيها نور العقل والإيمان. أما المدنية : أن أعظم ما يميز "المدنية "خلق التسامح والبعد عن التحيز وتجنب الميل مع الهوى. وما دامت المدنية الحاضرة لا تزال مشوبة بنزعات العصبية ونزوات الكراهية، وعلى الخصوص في الأمور السياسية، فهي بعيدة في جوهرها عن المدنية الحقيقية "الجوانية ص26". وقد يدور في الذهن السؤال : "هل العلم صديق الإنسان ! "أني لا أرى حداً لما يأتي به الإنسان من مغامرات رهيبة في آفاق العلم، وأن العقل لا تساوره الحيرة بإزاء ما ستكون عليه الحياة أمام أحفادنا ". وتفسيراً لأسباب تخوفنا من العلم مع أنه في ما يقال رهن إشارة الإنسان وطوع أمره : "وأنه ليهولنا أمر القوى التي أستطاع العلم ابتعاثها حتى اليوم، وقد يساورنا القلق لفكرة القوى التي قد يوفق إلى ابتعاثها في الغد. فقد يأتي يوم نرى فيه الوجود الإنساني نفسه تحت رحمة عالم من العلماء، ونرى أن لمسة زر صغير قد تفجر قوى عنيفة تقضي على جماعات وشعوب بأسرها.. أفكانت هذه نبوءة وتنبيه من قبل المفكرين بالأخطار التي سيتعرض لها العالم بعد ذلك بعشرين سنة بفضل الأسلحة الذرية؟ مهما يكن الأمر فقد مضت. ونأمل في أن يكون العلم في المستقبل قوة رحيمة كلها خير وبركة تخفف أعباء سكان الأرض جميعاً. بالرغم من أن الشك يخامرني في استطاعة العلم أن يجعلنا أوفر سعادة وهناء، وإن كنت على يقين بأنه لا يجعلنا أكثر حكمة ورشاداً إذ أن صداقة العلم للإنسان أو عداوته أنه إنما هي مسألة إنسانية في صميمها، ترجع إلى قوة النفوس ومتانتها. "والأمر كله يتوقف علينا، وعلى مدى شعورنا بوجوب الإقلاع عن الخطة السقيمة التي سارت عليها قافلتنا في ماضيها. ولو سار أهل العلم على أساس الحكمة والروية لزال خوفنا منه. ولأصبحنا نرى في ذلك المحسن المتفضل الذي يدر الخير على الجنس البشري جميعاً، ومن ثم نستطيع أن نستخدم المال الذي اعتاد إنفاقه على السلاح والذخائر لقتل الشعوب في وجوه الإصلاح وفي تحسين مرافق الحياة من شأنه أن يحل مشاكل الإنتاج والطعام والزراعة والصناعة وما إليها، وأن يهيئ لنا حياة أرغد وأهنأ وأوفر سلامة واطمئناناً، وعالماً أرحب مكاناً لإقامتنا القصيرة مما كان عليه في تاريخيه المضطرب العصيب".. وجهه المفكرون المعاصرون بعد أطلاق القنبلة الذرية في الحروب العالمية الثانية فقالوا : "لقد آن لنا أن نتعلم كيف نعيش معاً في وفاق وامن وسلام وأن نعمل على تنظيم أنفسنا وضم صفوفنا في مواجهة الفتنة النائمة التي لو قدر لها أن تستيقظ لقضت على الغالب والمغلوب على السواء"وكتاب الأستاذ البير باييه بعنوان "أخلاق العلم "يؤكد موقف المثقف الجواني من العلم والأخلاق والمدنية، فالفصول الأولى منه تؤكد هذه الفكرة : وهي أن العلم لا يستطيع أن يرشدنا إلى القيم الأخلاقية، ولا إلى ما ينبغي أن يكون، ولهذا يجب "ألا نطلب إلى العلم ما لا يسوغ له أن يعطينا"(دفاع عن العلم ص53). وبعد أن طوفت في الآفاق شرقاً وغرباً، التماساً لمعنى الثقافة والحضارة - لا أجد معبراً عن موقفي منهما خيراً من بيت عربي للشاعر الصوفي فريد الدين العطار يقول فيه :

فأن تقرأ علوم الناس ألفا
بلا عشق فما حصلت حرفا

إحالات نصية

  • { هريو، أدوار :
    (1872 -1957)، سياسي فرنسي، زعيم حزب الاشتراكيين الرتديكاليين، الذي سيطر على السياسة الفرنسية في الحقبة(1899 - 1940)، أدى دوراً مهما في مجلس النواب، وفي الوزارات العديدة التي تقلد مهماتها. ورئيسياً للوزراء (ولاسيما في وزارتيه(1924 - 25 و 1932). كان يؤثر سياسة المصالحة ودفع ديون الحرب التي عقدتها فرنسا مع الولايات المتحدة أبان الحرب العالمية الأولى، تقلد منصب عمدة ليون منذ 1904 حتى وفاته (فيما عدا المدة 1941 - 45 حينما أعتقله الألمان). نادى بقيام دولة متحدة أوروبية. ولمع أسمع أيضاً مؤلفاً وباحثاً. كتب سيرة للموسيقار بيتهوفن.
  • (*) برجسون، هنري :
    (1859 -1941). فيلسوف فرنسي. أصبح في 1900 أستاذاً بالكوليج دي فرانس، وظفر في عام (1927) بجائزة نوبل في الأدب. وهو ثنائي في فلسفته : ففي العالم اتجاهان متعارضان هما الحياة والمادة، فالحياة تصعد وتخلق وتجاهد خلال المادة وأن تسمو عليها بالزيادة في الخصوبة ودقة التركيب، أما المادة فمثقلة هابطة مقيدة، والإنسان يعرف المادة بالذكاء العقلي الذي يوائم المادة كما توائم الأداة وظيفتها فهو يرى المادة ممتدة في مكان وفي لحظات متقطعة من الزمن، وهو بذلك يصوغ نظريات العلم، ويرى الأشياء كائنات مستقل بعضها عن بعض، لكن فوق العقل وذكائه "حدساً"يستمد من غريزة الحيوانات الدنيا. وبالحدس ندرك دفعة الحياة التي تسري في تيار الصيرورة المتصل، وبالحدس تدرك حقيقة الزمن، وأنه ديمومة متصلة لا تنقسم ولا تقاس، وتظهر حقيقة الديمومة في قوة الذاكرة، ومن مؤلفات برجسون : "الزمن والإرادة الحرة"، و "المادة والذاكرة"و "الضحك "و "التطور الخلاق "وبعضها ترجم إلى العربية.
  • { كانت عمونوئيل :
    (1724 - 1804)، فيلسوف ألماني، يعد من أعظم الفلاسفة جميعاً. ولد في كونجزبرج، حيث تعلم وعلم بجامعتها المنطق والميتافيزيقية. فند مذهب الشك الذي انتهت إليه الفلسفة عند هيوم، لأنه لم تحلل المعرفة الإنسانية تحليلاً وافياً، بأن جعلتها معتمدة على الحس وحده، مع أنها تعتمد كذلك على مقولات ومبادئ عقلية، لولاها لأصبحت معطيات الحواس خليطاً مهوشاً، كما أن هذه المبادئ والمقولات العقلية بغير خبرة الحواس تصبح هياكل فارغة من المضمون. وقد شبه مذهبه بثورة كوبرنيق في علم الفلك، فبعد أن كانت الأرض مركزاً والأجرام تدور حولها أصبحت الأرض تدور حول الشمس الثابتة. وكذلك في نظيرة المعرفة، فبعد أن كان صواب فكرة ما، متوقفاً على كونها مطابقة لخارج ثابت، أصبح الواقع الخارجي نفسه هو الذي يتشكل حسب ما تقتضيه مبادئ العقل ومقولاته. فإذا كانت خبرة الحواس تأتينا بالمادة الخامة للمعرفة، فالعقل هو الذي يصوغها أشياء في مكان وزمان. ولما خبرتنا بالواقع الخارجي مقصورة على ظواهره المدركة بالحس، كانت هذه الظواهر وحدها هي ما يمكن معرفته عن العالم بجهازنا العقلي. وأما ما وراء الظواهر مما يسميه كانت بالشيء في ذاته، فلا سبيل إلى معرفته بالعقل المحض، وإذا حاول الإنسان المحاجة بعقله النظري في حقائق الأشياء في ذاتها، وقع في تناقض، فالبحث في المكان والزمان ذاتهما، ينتهي إلى أنهما لا متناهيان ومتناهيان معاً، والبحث في المادة من حيث هي، ينتهي إلى أنها منقسمة إلى غير نهاية، ومنقسمة إلى نهاية في آن واحد، والبحث في الإرادة ينتهي إلى أنها مسيرة، وأنها حرة معاً، والبحث في الله ينتهي إلى أنه موجود وغير موجود معاً. كل هذه النقائض ترجع إلى مجاوزة الإنسان لحدود الظواهر. على أن حقائق الأشياء في ذاتها إذا استحالت على العقل الخالص، فمعرفتها ممكنة بوسائل أخرى. فالأحكام الخلقية قائمة أساساً على أيمان بقانون خلقي ضروري يعبر عنه بصورتي الأمر الاتيتين : أفعل، كما لو كان مبدأ فعلك سيصبح عن طريق أرادتك قانوناً عاماً من قوانين الطبيعة. وأفعل، كأنما تنظر إلى الإنسانية متمثلة في شخصك أو شخص سواك، باعتبارها غاية في ذاتها، وليست أبداً وسيلة لشيء عداها. وإذا كانت الأفعال الخلقية التي تنبني على هذا الأمر القاطع لا تجد جزاءها في هذا العالم، فلا بد إذا أن نفرض خلود النفس، ليتحقق ذلك الجزاء، وعلى أساس الإيمان أيضاً نسوغ حرية الإرادة ووجود الله، وهكذا يكون للعلم مجال الظواهر، وللأخلاق مجال الشيء في ذلته. وأهم مؤلفات كانت "نقد العقل الخالص"، و"أسس الجانب الميتافيزيقي من الأخلاق"، و "نقد العقل العمل"، و "نقد الحكم ". وكلمة "نقد"هنا معناها التحليل الذي يستخرج الجوانب المتضمنة في قضايا المعرفة، ولهذا تسمى فلسفته النقدية. وعنى (كانت) أيضاً بالتربية، وقام بتدريسها في جامعة كونجربرج، ونشرت محاضراته 1803، وفيها دافع عن التجريب في المسائل التربوية، وحدد وظيفة التربية بأنها المساعدة على تنمية استعدادات الإنسان حتى يستطيع التمتع بالحرية والوصول بعقله إلى تحقيق أغراض وجوده.
  • { مادارجا، سلفادور دي :
    (1886 -)، ك1931،لوماسي أسباني. أهم آثاره المقالات، على الرغم من أنه ألف شعراً وروايات ومسرحيات. ذهب إلى لندن 1916، وعمل صحفياً بها، وشغل وظيفة أستاذ الأدب الأسباني في جامعة أكسفورد (1938 - 1931). كان له نشاط دبلوماسي، إذ انضم إلى سكرتارية عصبة الأمم 1921، ورأس القسم الخاص بنزع السلاح 1922. كان سفيراً لأسبانيا في الولايات المتحدة 1931، وفي فرنسا (1933 -1934)، ومندوباً لأسبانيا في عصبة الأمم (1934 - 1936). أعتزل منصبه الأخير لسوء معاملة دولته له، ولم يشترك في الحرب الأهلية الأسبانية (1936 - 1939). من أشهر مؤلفاته، عبقرية أسبانيا، ونشأة الإمبراطورية الأمريكية الأسبانية "1947، و "تدهور الإمبراطورية الإسبانية "1947، و "الانجليز والفرنسيون والأسبان"1938، وهي دراسة عميقة لسيكولوجية هذه الشعوب. ومن مقالاته السياسية : "نزع السلاح "1929، و "النظرية والتطبيق في العلاقات الدولية"1937.
  • { المؤلفاته:
    أبو نصر محمد : (870 -950) سمى بالفارابي نسبة إلى فاراب، ببلاد الترك. فيلسوف المسلمين درس على يوحنا بن حيلان، وصحب متى بن يونس، وهو من كبار مترجمي الفلسفة اليونانية. اتصل ببلاط سيف الدولة الحمداني، وعمل لديه، شرح كتب أرسطو المنطقية والطبيعية والأخلاقية، فلقب بالمعلم الثاني. ومن مؤلفاته : "إحصالعقل.وم ". ورسالة في "معاني العقل. و "آراء أهل المدينة الفاضلة"و "الجمع بيالأول،الحكميين أفلاطون الإلهي وأرسطو ". والفلسفة عند الفارابي هي العلم بالموجودات بما هي موجودة، وبتحصيلها نتشبه بالله والموجود : أما واجب الوجود بذاته أو بغيره، وهو الممكن، وواجب الوجود بذاته عقل وعاقل ومعقول، وله غاية الكمال والجمال ولا برهان عليه، بل هو برهان على كل شيء، وهو العلة الأولى والواحد الذي لا شريك له، وهو الله الذي يصدر عنه كل ما في الوجود. وأول ما صدر عنه هو ست:ل الأول، أو المبدع الأول، ثم سلسلة من العقول عدتها ثمانية. وعنها تصدر الأجرام السماوية. والوجالله، مراتب ست : مرتبة الموجود الأول. وهو الله، ومرتبة العقول التسعة المسماة بملائكة السماء، ومرتبة العقل الفعال المسمى بالروح القدس، أو بالروح الأمين، ومرتبة النفس، ومرتبة الصورة، ومرتبة المادة، ومن هذه المراتب الست يتكون العالم العلوي. وكذلك الأجسام على مراتب ست : مرتبة الأجرام السماناحية،مرتبة الحيوان الناطق، ومرتبة الحيوان غير الناطق، ومرتبة النبات، ومرتبة المعادن، ومرتبة الأسطقسان الأربعة (الماء، والهواء، والتراب، والنار)، ومن هذه المراتب الست يتكون العلم السفلي. وللنفس الإنسانية قوى عليا وقوى دنيا. والدنيا من العليا بمثابة المادة من الصورة. وأعلى هذه القوى هي القوة الناطقة. والعقل موجود في نفس الطفل بالقوة. وينتقل إلى الفعل بعد أدراك الحواس، والقوة المتخيلة لصور الأجسام، وبفعل العقل الفعال، ويبقى العقل بعد موت الإنسان فيتحد بالعقل الفعال، وأن كان الفارابي يرى أن العقل الإنساني يظل بعد الموت مستقلاً بذاته. وفي الأخلاق يوافق الفارابي أفلاطون تارة وأرسطو تارة أخرى. والمعرفة العقلية عنده أسمى من العمل الخلقي، وأن الإنسان والحيوان يشتركان في الإحساس والنزوع ويمتاز الإنسان بإرادته الصادرة عن الفكر والروية. وقد حاول الفارابي التوفيق بين أفلاطون وأرسطوواحد:حية، وبين آراء الحكيمين اليونانيين وتعاليم الإسلام من ناحية أخرى. ونظريته في النبوة هي قوام هذا التوفيق. فالنبي والفيلسوف كلاهما يتلقى علمهالفيلسوف.احد : هو العقل الفعال. وأذن فلا خلاف بين وحي النبي وعقل الفيلسوف. والنبي، أو الفيلسوف المتشسع بوشاح النبوة هو مدير شؤون المدينة الفاضلة، التي تعد حاجتها إليه ضرورة اجتماعية وأخلاقية. وكذلك كان الفارابي في فلسفته السياسية متأثراً بأفلاطون، وأرسطو، وبالقرآن، والسنة، وللفارابي كتاب الموسيقى الكبير، الذي يعد أعظم مؤلف للعرب في الموسيقى، وقد ترجم هذا المخطوط إلى الفرنسية 1930 - 1935 بعناية المستشرق الفرنسي البارون رودلف ديرلنجه.
  • { طاغور، رابندرانات : (1861 - 1941)، شاعر هندي ولد بكلكتا، سليل أسرة ثرية بنغالية عرفت بالجمع بين النزعة الغربية العملية ومثالية الهند وزهدها. درس القانون بانجلترا، لكنه لم يلبث أن مسرحية،الهند ليدير أملاك والده الشاسعة، ثم أسهم في الحركة الوطنية، وشارك فيها بشعره وأغانيه. ثم ترك هذا اللون الثائر من الأدب ليخلد إلى أدب التأمل والفلسفة، وأن لم يفقد مع ذلك اهتمامه بالسياسة. من أكثر أدباء العالم إنتاجاً فله خمسون مسرحية، ومائة كتاب شعري، ومجموعة ألحان لهذا الشعر، وله أربعون مجلداً في القصص، ومجموعة كتب في المقالات السياسية والفلسفية، وله مجموعات في فن الرسم. أتجه في آثاره إلى مخاطبة طبقات الهند، فكانت تأملاته الفلسفية نثراً وشعراً تعجب المثقفين، وأغانيه والألحان تجذب إليه الفلاحين والعمال، وكان عامة الناس ينظرون إليه على أنه معلم من معلمي الهند القدامى. كان يستوحي أدب الهند القديم الشعبي والكلاسي وخاصة مؤلفات كاليداسا. ألف بالبنغالية، ثم ترجم معظم أعماله إلى الإنجليزية فلفت الأنظار في الغرب، ومنح جائزة نوبل للأدب 1913 عن قصيدته "جيتنجالي"التي ترجمها إلى الإنجليزية 1912. ومن أهم مؤلفاته "البستاني"و "الهلال "، و "دورة الربيع "، ومن مسرحياته "مكتب البريد "و "شيترا"، ومن أشهر مؤلفاته الفلسفية "السادهانا"و "القومية"و "دين الإنسان"، ترجم كثير منها إلى العربية وخاصة بمناسبة العيد المئوي بمناسبة العيد المئوي الذي أقيم في نيودلهي 1961. وأهم ما ترجم له إلى العربية "البستاني"و "جني الثمار"و "البيت والعالم "و "جوتنجالي "و "رعاة الحب "و "الزنابق الحمر "و "سادهانا "و "شيترا "و "مكتب البريد "، و "الهلال". أهتم طاغور بالتعليم، ولكن كان إعجابه بالتعليم الغربي الحديث يصاحبه سخط على ماديته، وجفافه الروحي، وانفصاله عن الطبيعة ومنابع عظمه الوجود والخالق، أنشأ مدرسة خاصة في النضال سماها شتتينيكتان أي "دار السلام "1901 لطبق فكرته في التعليم التي تقوم على مزج مزايا التعليم الحديث بالأصالة القومية العريقة والاتصال الدائم بالله وبالطبيعة وإطلاق سراح الغرائز قليلاً حتى لا يعرقل كبتها التام النمو الروحي السليم، وذاع صيت مدرسته التي علم فيها وكتب لطلابها بعض المسرحيات وشاركهم في تمثيلها حتى أصبحت 1922 جامعة "فيستفابهراتي"، وأهم ما كان يعلم فيها الفنون والصناعات الريفية لإيمانه بأن الإصلاح الاجتماعي يجب أن يسبق الإصلاح السياسي، وأن إنعاش الريف أهم أسس الإصلاح الاجتماعي فيه. ألفت عنه عدة مؤلفات بالعربية. زار الصين واليابان وأوروبا والولايات المتحدة. وزار مصر 1936.
  • { رولان، رومان :
    (1866 - 1944). كاتب مسرحي وروائي فرنسي من كتاب السير المشهورين. ترجم لبتهوفن وتولوستوى و1937،. ألف قصة في عشرة أجزاء عنوانها "جان كريستوف "1912 (ترجمت إلى العربية)، وهي سيرة لهذا الموسيقار الألماني وتحتوي على وصف لأهم مظاهر الحضارة الألمانية والفرنسية في ذلك الوقت. نال رولان جائزة نوبل للآداب 1915، وكان يؤمن بالسلم وينادي بهذه الفلسفة. اعتكف في سويسرا إلى 1938، وعبر عن معتقداته في قصته "فوق المعركة "1916. ومن مسرحياته "الذئاب "1937، ومن قصصه المشهورة "النفس المسحورة"(1922 -1933). كتب ستيفان زويج عنه سيرة 1921.
  • { (الموسوعة العربية الميسرة
    1972، ص897- 898- 1896 -1611 -1262- 1147- 345 -1435).

ألف ياء
26/06/2006