يعتبر تو فو (أو دو فو أيضاً) المولود عام 712 ميلادياً أعظم شعراء الصين على مر العصور. هو معروف بشعره الشديد التأمل.
احتفى تو فو في بواكير نتاجه الشعري بجماليات العالم الطبيعي والتحسر على مرور الزمان. وسرعان ما مال إلى الكتابة بشكل ساخر ولاذع عن الحرب كما في قصيدتي "بالاد عربات الجيش" و"المرأة الجميلة". ومع الاضطرابات التي حلت بين 755 و759 بدأت تتردد في شعره نغمة من التعاطف العميق مع الانسانية العالقة بين براثن حرب لا معنى لها بل حمقاء. ويسجل له أيضاً إدخاله إلى الشعر الصيني صدراً من الحياة المعيوشة، اليومية.
امتدح النقاد تو فو لاستعماله الماهر لأشكال الشعر الصيني التقليدي. ولا شك أن مكانته العظيمة في تاريخ الأدب الصيني تستند على كلاسيكيته الفخمة والرائعة. تتميز لغته الشعرية بكونها كثيفة ومضغوطة ما يمكنه من استعماله كأنه مضامين إيحاءات العبارة ومن العزف على الألحان الكامنة للكلمة.
كان تو فو خبيراً بكل أنماط المدارس الشعرية في عصره لكن تميزه أو سيادته كانت في أوجها في شعر "لوشين" أو "الشعر المنتظم" الذي عمل على تنقيته وتشذيبه. وصولاً إلى نقطة الكثافة المتوهجة.
****
صُرار ليل داخل المنزل
صرار الليل المنزلي...
ضئيل الشأن،
ومع ذلك كم يحرّك أشجاننا طنين أغنيته الحزينة.
هناك في الخارج داخل العشب كان صراخه مثابة رعشة،
لكن صوته يرتعش الآن تحت سريرنا، لنشاركه حزنه.
أتمدد بلا حراك بجانبك، ولا يرتاح بالي
أنتِ أيتها الزوجة العجوز، يا من تعانين طوال الليل حتى الفجر.
الأغنية التي نشدو بها بأنفسنا قد تحركنا، تزيد تململنا،
على مدار الليالي الطوال. أما أغنية الصرار الليل
الخريفية فتسكن من روعنا.
التفكير بإبني الصغير
يا الصبي المهر، إنه الربيع ولم نزل مفترقين.
عصافير الصفارية تغرد، وكأنها تدفئ مواجعنا.
مع هذا الفراق عنك: يدهشني مرور عيد ميلادك،
لا أحد أفتخر له بالأشياء البديعة التي بمقدورك إتيانها.
يتساقط المطر هناك عند الدرب الجبلية الفارغة،
عند بوابة العليق، قرب "الأشجار العتيقة"، في القرية التي تسكنها.
لا أنقطع عن التفكير فيك، والنوم ترياق وحيد للحزن.
ينكوي ظهري، المنحني، المتقوس
تحت أشعة الشمس المبتسمة عند شرفة المنزل.
مواجهة الثلج
أيتها الحرب ذات العويل، ثمة العديد من الأشباح الجميلة الشابة:
أيها الحزن الشادي، ثمة عجوز أعرج.
فوضى سحاب تتدلى داخل الغروب:
اندفاعة من ندف الثلج ترقص، متلوية مع الريح.
إناء الشراب مدفوع جانباً، القدح خال من اخضراره.
تصمد المدفأة، هناك حيث الفحم يتوهج أحمر.
لم ينفذ خبر من أي مكان.
يجلس الحزن ليخط رسالة
إلى الخواء.
الزائر
إلى الشمال والجنوب من كوخنا
تنساب مياه الربيع،
ووحدها أسراب النورس
تقوم بزيارتنا يومياً،
بخصوص الضيوف لم نعم بعد
بتنظيف دربنا من أوراق الأزهار،
أما من أجلك يا نسيب أمي
فبوابة القصب والأغصان المجدولة
سنفتحها للمرة الأولى:
الأطباق البعيدة عن المدينة
تعوزها النكهة الذكية،
والمشروب هو أبأس
ما قد يقدمه منزل فقير،
إذا كنت توافق، سأدعو
جاري العجوز
من فوق السياج ليأتي
ويساعدنا على إنهائه!
التأمل خلال الربيع
في البلدان المحتلة
تبقى التلال والجداول قائمة أبداً،
وثمة ربيع للمدن،
حيث يتكاثر العشب والأوراق،
***
مع أنه في أوقات كهذه
قد تذرف الأزهار الدموع،
مفارقة الأحبة،
العصافير تغرد فريسة المخاوف الخفية،
***
نار المنارة بقيت مضرمة
على مدى ظهور ثلاثة هلالات،
جاعلة أخبار الوطن
تساوي آلاف الذهبيات،
***
رأس عجوز أشيب
يحك لدى كل حظ عاثر،
يكسوه شعر متناقص،
لا يتلاءم مع قلنسوته!
***
حين أمطرت خلال نزهة مسائية
I
الغروب هو وقت الخروج بالقارب
حين نسيم خفيف يولد تموجات بطيئة في القناة،
قصب الخيزران المنحاد هو مكان النزهة
وحيث اللوتوس ندي مع برودة المساء،
لكن فيما الشبان يمزجون الشراب المثلج
والشابات الجميلات يعدون سلطة اللوتوس،
تنسل غيمة داكنة فوق الرؤوس:
قبل انهمار المطر يجب إنهاء قصيدتي!
II
أمطرت هناك أيضاً، مبللة ملابس الذين على المقاعد
فيما ريح ماطرة هبت لصدم جانب القارب،
بنات منطقة "يواه" يرتدين تنانير مبتلة
واللواتي من منطقة "ين" تنتحب ملابسهن ذارفة الماء:
الرسام يقشر الغصن على الضفة،
تتلوى الستائر والأزهار تنثر الرغوة،
على طول درب العودة ثمة عاصفة عاوية
وعلى الشاطئ ثمة منظر الخريف في حزيران
نسائم هائمة
ثمار الدراق والخوخ التي أخذتها
لم تكن بلا صاحب:
جدار العجوز، رغم انخفاضه،
يسور بستاناً:
***
لذا كما نسائم الربيع
أتسلل ليلاً لصاً
للثمر، أكسر
غصناً وأوقع الزهر!
المستقبل
الأحد 17 كانون الأول 2006