حاورها : جمال نعمان
(صنعاء)

الفلسفة هي الإطار الذي يجمع بين الفنانة والناقدة في ذاتي

آمنة النصيريالفن، النقد, الفلسفة عالم ثلاثي تقطن فيه وتديره آمنة النصيري، امرأة يمنية في الثلاثينيات من العمر ، تجمع بين ممارسة الفن التشكيلي، والنقد الفني، وتدريس مادة الفلسفة في جامعة صنعاء، إذن هي امرأة ثلاثية الأبعاد بحجم العالم الذي يتشكل في تكوينها الثقافي والمعرفي والإبداعي، تجمع في أعمالها الفنية بين الشكل المستلهم من بيئتها وتراثها وبين الطفولة التي تعبر عن عفويتها في اختيار ألوانها، وبين عمق المضمون ودلالاته الإنسانية انطلاقا من إيمانها بأن للفن رسالة إنسانية خالدة، ترفض تجاوز الواقع والتنكر للمحيط الاجتماعي الذي تعيشه، ولكنها ترفض أيضا الانغلاق على الذات والانعزال عن العالم الواسع. تتخذ من المرأة في مجتمعها اليمني والعربي مرتكزا حيويا لأعمالها الفنية خارج نطاق الصراع الاجتماعي، وفي صميم القضايا الإنسانية .
(الوطن) التقت الفنانة التشكيلية والناقدة اليمنية آمنه النصيري في صنعاء استقرأت تجربتها الفنية والنقدية في مجتمع تقليدي شديد التمسك بموروثه الثقافي وبخاصة منظومة القيم المتعلقة بالنظرة والتعامل مع المرأة.

آمنة النصيري تجمع بين عفوية وبراءة ونقاء الطفولة وبين عمق ودقة اختيار الفكرة والنضج في التعاطي مع القضايا المجتمعية والإنسانية. في الحوار نكشف معنى المعادلة التي تحاول الفنانة النصيري أن تتبعها بين التعبير عن الفن التشكيلي اليمني

* ما واقع الفن التشكيلي في اليمن في الوقت الحاضر ؟

الحركة التشكيلية اليمنية عمرها بشكل عام ثلاثون سنة تقريبا وهي حقبة لا تذكر إذا قسناها بعمر تاريخ الفن، وهذه فترة غير كافية لتشكيل تيارات ومذاهب ذات خصوصية ، كما أنه لم يكن هناك تراكمات للفن التشكيلي، بل كان هناك انقطاع طويل لليمن عن العالم ، وبعد هذا الانقطاع ظهر الفنانون التشكيليون فجأة كهواة مثل عبد الجبار نعمان وهو رائد من رواد الحركة التشكيلية ، وهاشم على  ، وعدد من الفنانين في عدن ، هذه المجموعة البسيطة شكلت النواة الأساسية لظهور الحركة التشكيلية اليمنية ، ومع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات اتجه مجموعة من الشباب للدراسة في الخارج وبدأ يتكون جيل من الشباب، وهو جيل أتي من أكاديميات ومدارس فنية وتم التكوين الحقيقي لجيل تشكيلي في اليمن في الثمانينات عندما تخرج عدد كبير من الفنانين من روسيا، ومن إيطاليا ،ومصر، وكثير من الدول العربية والأجنبية ، والحركة التشكيلية اليمنية تحاول أن تتجاوز فترة الانقطاع الطويل لليمن عن الفنون ونلاحظ أن كثيرا من التجارب اليمنية تتميز في هذا المجال الآن حتى أنه أصبح ثمة إبداع لبعض الفنانين على الساحة اليمنية يساوي ما ينتج على الساحة العربية والعالمية من حيث الجودة وجدية الطرح وجدة الشكل الفني، وتقييمي للحركة التشكيلية اليمنية الآن يدل على واقع مبشر رغم حالة الركود الثقافي، وفي ظل وجود المشاكل الاقتصادية التي تنعكس على نشاط الفنان بشكل رئيسي، حيث ان الكثير من الفنانين لا يستطيعون السفر للخارج لمشاهدة المعارض أو متابعة ما يحدث في العالم، وبرغم ذلك توجد أعمال على مستوى عالٍ في الطرح وشديدة الجدية .
ويمكن القول ان الفن التشكيلي اليمني أكثر أشكال الثقافة اليمنية مسايرة للتطور الحاصل في الحركة التشكيلية العالمية .

لا أقتنع بأعمالي دائما

* هل يمكن اعتبارك من جيل الرواد وإذا كان الأمر كذلك أين تضعين نفسك في قائمة أسماء رواد الحركة التشكيلية؟

 أعتقد أني من جيل الثمانينات وإن كنت بدأت في أواخر الثمانينات ويصعب علينا أن نقسم الحركة التشكيلية اليمنية إلى عدة أجيال ذلك لأن كل الذين بدؤوا مع بداية الثمانينات وحتى نهايتها يمثلون جيلا واحدا وهو جيل شاب، والفنان إذا كان صادقا في تجربته يصعب أن يقتنع بها، وأنا عندي دائما شعور بحالة عدم الرضا عن نفسي، وأعتقد أن الشعور بحالة عدم الرضا عن العمل هو الدافع الحقيقي الذي يطور الفنان، لأني لو وصلت إلى حالة الرضا، ووضعت نفسي في سلم معينا أو وجدت مكانا معنيا فربما لن أتزحزح عن هذا المكان إطلاقا .
ما يشغلني الآن ليس إيجاد موقع بين الفنانين اليمنيين وإنما إيجاد موقع في الساحة العربية والعالمية بشكل عام ، ليس كاسم ، وإنما كخصوصية بحيث يشاهد أعمالي الآخرون ويعرفون أن هذا العمل لفنانة من اليمن ، ومن المهم جدا أن نوجد مكانا لنا بين الآخرين ، وأن نتعامل مع ثقافة الآخر ، طبعا مسألة مهمة أن يعرفك أهل وطنك ، وأن تحظى بتقديرهم لكن الأهم من هذا هو هل يمكن للفنان أن يضع بصمة مميزة بالنسبة لحركة الفن ككل، وأنا هنا أحلم بالعالمية ، ولكن ليس بمعنى الشهرة لأن الشهرة يمكن أن يحققها الواحد بشطحات قد لا تكون إنسانية ، وأقصد بالعالمية الوصول إلى الآخرين من خلال تقديم أعمال إنسانية فيها مضمون جاد ، وفيها طرح بصري وفني جديد بحيث لا تكون هذه الأعمال مؤقتة .

* كيف بدأت تجربتك ، وبمن تأثرت من الفنانين الذين سبقوك في الحركة التشكيلية؟

أنا بحكم كوني امرأة ـ كنت معزولة عن الحركة التشكيلية الرجالية ، لأن الحركة التشكيلية والوسط التشكيلي اليمني كان ـ للأسف ـ رجاليا ، فكنت أمارس العمل التشكيلي لوحدي، ولم التق بأحد عدا في المعارض فقط، وحقيقة أنا لا أجد تقارباً بيني وبين أحد من الفنانين اليمنيين للسبب الذي ذكرته ـ وإنما تأثرت كثيرا بفنانين مصريين لأني بقيت في مصر فترة طويلة مع أسرتي كما تأثرت بفنانين عالميين بحكم دراستي لأعمالهم ربما لكوني فتاة ، أعتقد أن هذا ساعدني علي تكوين ملامح خاصة لتجربتي ، لكنني عندما أشاهد أعمال الفنانين (جرافيك في اليمن) أجد أن ثمة ملامح عامة مشتركة بيني وبينهم في هذه الأعمال ، غير أن أعمالي مختلفة نوعا ما، وهذا من حسن حظي أما ما يتعلق بمسألة التأثر والتأثير، فأنا ألاحظ أن جيل الشباب الجديد يتأثر بالجيل الذي سبقه، فنجد جيل التسعينات متأثرا بجيل الثمانينيات.

امرأة ثلاثية الأبعاد

*: تجمعين بين كونك (فنانة وناقدة) هل آمنه الناقدة تخدم آمنه (الفنانة) أم تعيقها، و إلى أي مدي يكون حضور النزعة النقدية لديك عندما تنفذين أعمالك الفنية؟

: هناك تصور ـ ربما خاطئ لدى الجمهور العربي ، وهو أن النقد عمل يناصب الإبداع العداء بينما الأمر مختلف تماما، لأن النقد عمل مكمل للعمل الإبداعي والناقد يقف وسيطا بين الجمهور والفنان، ودور الناقد في الأساس هو مساعدة الفنان على اكتشاف جوانب النقص في عمله الإبداعي، وأحيانا يساعده على اكتشاف ملامحه الخاصة، وعندما يكتب الناقد أي موضوع نقدي لعمل إبداعي فانه يساعد الفنان صاحب هذا العمل على الوقوف عند ملامح القصور في تجربته من ناحية وعند الملامح التي تستدعي تطويرها والسير في اتجاهها بصورة أكثر،مهمة الناقد أو النقد هي أن يشرح ويبسط العمل الفني للجمهور ، والفنان ليس مسؤوليته تبسيط العمل وإيصاله نظريا إلى الجمهور ، و إنما تنتهي وظيفة الفنان عندما يعلق عمله داخل صالة العرض ، وهنا تبدأ وظيفة الناقد ، فيفسر العمل ويقدم قراءته له وتبريراته الجمالية والفكرية ويجعل هذا الفن مفهوما لجمهور المتلقين العاديين .
أما بالنسبة لي ، أنا أعتقد أن آمنه (الناقدة) تغيب عندما تحضر آمنه(الفنانة) برسم لوحة أو عمل فني ما . عندما أرسم أكون متحررة من كل القيود لا أضع لنفسي أي أطر مسبقة ولا أرسم بوعي مسبق على اعتبار أنني ناقدة ، و إنما أبدأ التفكير بالتغلب على العيوب في عملي الفني ، أو في محاولة السيطرة على أدواتي ـ كما يقولون ـ ولا أمارس النقد ـ وهذا الأمر لا يحدث إطلاقا ، كل ما يحدث هو أنني أرسم و أنا في منتهى الحرية بعيدا عن دوري كناقدة .
ولكن ربما أن الجانب النقدي النظري يساعدني على أن أفهم أعمالي بشكل جيد ، و أن أتفهم الملامح التي يمكنني أن أنحو باتجاهها في أعمالي الفنية بشكل أجد آمنه النصيري في خصوصياتها الإبداعية لكن عندما تحضر آمنه الفنانة تغيب آمنه الناقدة)

* أين تقف آمنه أستاذة الفلسفة من آمنه الناقدة و آمنه الفنانة ؟

 الفلسفة هي الإطار الفكري الذي يجمع الكل. النقد الفني هو تخصص قريب مما يسمى بفلسفة الفن ، لهذا لا أجد تناقضا بين هذه المجالات الإبداعية (الفن التشكيلي، الفلسفة ، والنقد الفني، أو فلسفة الفن) كلها مرتبطة ببعضها البعض، وتتضافر لتشكل (آمنه النصيري).
أنا أشعر أن دراستي للفلسفة ثم دراستي للنقد الفني أفادتني كثيرا جدا في عملي التشكيلي لذا تطغى على أعمالي روح التأمل ومحاولة النظر إلى العالم بعمق أكثر خارج إطار الحياة المتغيرة.
أيضا في أعمالي التشكيلية، أنا أبحث دائما عن القضايا الأكثر شمولية، والمرتبطة بالإنسان والمفاهيم الإنسانية الواسعة وبالمعاناة الإنسانية بشكل عام، ولذلك فالمحتوى الموجود في أعمالي هو ربما نتيجة دراستي للفلسفة.

* أنتِ (ثلاثية الأبعاد، فن، ونقد، وفلسفة) وهذه تمثل البيئة الحقيقية لأعمالك الفنية كفكر وشكل ووعي في المقام الأول هل تشرحين لنا كيف تجسدين (الفكرة، أو الوعي) من خلال الشكل الفني واللون اللذين تستخدمينه ما في أعمالك؟

 كغيري من الفنانين الكثيرين ما زلت أؤمن بضرورة أن يحتوي العمل الفني على فكرة ، و لابد أن يكون هناك محتوى إلى جانب الشكل ولا بد أن يكون المحتوى إنسانيا وأنا أعتقد أن وظيفة الفن والإبداع في الأخير هي التعبير عن الإنسان.
و كفنانة لا يمكن أن أتغافل عن قضايا المجتمع من حولي وأغوص في قضية الشكل لأن العمل التشكيلي إذا أوغل في الشكلانية يفقد أهميته وقيمته كعمل قادر على التأثير ولهذا أحاول بوعي، أو بلا وعي أن أعكس همومي كامرأة في المقام الأول .
قضايا المرأة كثيرة في مجتمعنا اليمني، بل والعربي وأنا لا أتحدث عن المرأة كقضايا مؤقتة ، وإنما كوجود داخل المجتمع ، أتحدث عن وجودها كإنسان ومعاناتها كإنسان وعن ارتباط هذا الإنسان بالوجود وعن كيفية التعبير عن ارتباط هذا الإنسان بالوجود ، وهذه العلاقة معقدة جدا، تدخل فيها غالبا الأفكار الفلسفية .
أنا متأثرة بالفكر الصوفي، وأطروحة الدكتوراه فيها جانب كبير مرتبط بالفكر الصوفي وعنوانها (القيم الجمالية والفلسفية في فن التشكيل الإسلامي) وقد اخترت هذا الموضوع بوعي بغية معالجة مسألة مهمة وهي كيف يمكن استلهام الفكر الصوفي في تطوير الفن التشكيلي المعاصر ؟

ألوان طفولية

* ولكن ماذا عن استخدام الشكل واللون في التعبير عن الوعي ؟

 عندما أرسم أي عمل تشكيلي ـ أيا كان الشكل الذي أبحث عنه ـ أحاول أن أغير في ملامحه ، مع إضافة جماليات خاصة بي فأنا أفكر دائما عن ماذا يمكن أن يتحدث هذا العمل؟ وماذا يمكن أن يقدم للإنسان، أيا كان الإنسان، رجلا أو امرأة .
أما ما يتعلق باللون : تجربتي بدأت بالأبيض ولأسود . كنت أشتغل بالحبر الصيني . وبأقلام الفحم ، بعد ذلك أدخلت بخجل وبحذر شديد اللون فبدأت أشتغل على الألوان القاتمة من خلال تقنيات الجرافيك التي كانت تحدد الكثير من الواني ، لأنها بشكل عام ألوان محدودة و اعتمدت على ألوان الطباعة ، وكانت معظم أعمالي تنتمي إلى الدرجات اللونية الداكنة . بعد ذلك اكتشفت أن لدي نفسية أخرى تبحث عن اللون الذي  لا تحققه تقنيات ( الجرافيك ) فتركتها تماما ، وبدأت أرسم باللون مباشرة بالاعتماد على الإحساس الفطري في استخدام اللون وحاولت التخلص من التراكم المعرفي السابق عن استخدام اللون في تقنيات ( الجرافيك )

* بعض النقاد يصفون ألوانك بأنها طفولية ، ما هي فلسفة الاختيار للألوان التي تعتمدينها ولماذا ؟

 صحيح أسمع كثيرا عن الطفولية في الواني التي أستخدمها، وهذا في حقيقة الأمر ليس له فلسفة مدروسة عدا وجود الطابع العفوي والروح الطفولية في الواني هي ربما من هذه العفوية في اختيارها لأن هذه هي الواني المفضلة منذ الطفولة ، وأعتمد الإحساس الفطري في استخدامها، لكن ربما الدراسة الأكاديمية بعد ذلك ، والتأثر بما هو سائد في العالم كان قد جعلني أبتعد قليلا عن هذا الأسلوب لكوني شعرت أنه أسلوب ضعيف لكن سرعان ما تراجعت، و الآن اشعر أن هذا الأسلوب الأقوى، أنا أعبر عن ذاتي بعفوية وتلقائية، وكلما كان هناك تلقائية أكثر في العمل الإبداعي كلما كان تلقيه أسرع من قبل الآخرين لأن فيه كمية كبيرة من الصدق ولهذا أجد الكثير من الكتابات التي تناولت أعمالي وعن المعارض التي أقمتها خلال السنوات الأخيرة تصف اللغة اللونية التي استخدمتها بأنها لغة طفولية وربما هذا صحيح وأنا لا أخجل من وجود هذه السمة .

قضايا المرأة

* قلت بأن المرأة تمثل عنصرا حيويا تستلهمين قضاياها ومعاناتها في أعمالك فكيف؟

 تحت تأثير الجو النفسي للقضية ، وربما كفنانة أو حتى كفنانين بغض النظر عن كوننا رجالا أو نساء أعتقد أن الأمر يستدعي مني أو منا أن ننتج الأعمال الخاصة بمسألة العنف ضد المرأة وأريد أن أنبه إلى أن العنف ضد المرأة في مجتمعنا له أشكال مختلفة وكثيرة جدا.
وفي كل الأحوال يمكنني كفنانة تشكيلية أن أتغاضى عن كل هذا، وأنحو للتعبير عن قضايا وتهويمات بعيدة عن واقعي ، هذه المسائل تشغلني بالدرجة الأولي، ولكن في نفس الوقت أن لا اجعل نفسي محصورة في إطار مشاكلي الذاتية مع المجتمع، يمكن القول أنني بعض الأحيان مغرقة في التعبير عن المرأة وقضايا المرأة، ولكن في نفس الوقت لا أنأى بعيدا بقضايا المرأة عن قضايا المجتمع ككل أنا أحاول أن أعمل معادلة، وهي معادلة صعبة جدا بين أن أكون صادقة مع مجتمعي ومع نفسي في التعبير، وأن أقدم فنا ملتزما بقضايا الآخرين، وفي نفس الوقت أقدم ذاتي كفنانة، لأن الفن الخالد غير مرتبط بالأحداث الآنية والمؤقتة ، لكن المرأة من القضايا ذات الأولوية فأجد نفسي أعبر عن المرأة بوعي، أو ربما بدون وعي لأن الفنان عندما يكون صادقا يبدأ بتلقائية وعفوية من محيطة .

* يبدو أن لديك قدرا من النزوع التعصبي للمرأة في أعمالك رغم حرصك على الحفاظ على البعد الإنساني العام، أليس هذا ما يكتشف في أعمالك الفنية ؟

 لا ليس تشددا للمرأة وإنما نوع من الصدق في التعبير عن النفس ، والفنان في جزء كبير من عمله هو تعبير عن الذاتية وأنا ربما أعبر عن ذاتي وبالتالي أعبر عن الآخر لكني لا أنتمي إطلاقا للنسوية كحركة لإيماني بأن المجتمع يتطور بشكل شامل وواحد ولذا لا يهمني التركيز على قضايا النوع 
عالم مغلق

* ما الاتجاهات التي تعبرين بها عن المرأة، (مقاومة سلطة الرجال أم سلطة الموروث السلبي والثقافة التقليدية) أو محاكاة الواقع؟

 عندما بدأت أعبر عن المرأة كنت أعبر بوعي شديد، فالمرأة كائن اجتماعي مهمش، وهذا كان في بداية تجربتي نهاية الثمانينات، لكن بعد ذلك تحررت كثيرا من قضية الارتباط الدائم بالمضمون الاجتماعي، أصبحت أملك رؤية أوسع، وأعبر عن قضايا المرأة كإنسان، وبهذا أجد نفسي خرجت خارج إطار الصراع الاجتماعي قليلا، وكفنانة صادقة لا يمكن أن أتجاوز كل معاناة المرأة كإنسانة في مجتمعي.
المرأة تمثل عالما مغلقا في مجتمعي ولا تزال ترى هذا العالم المغلق شكلا من أشكال الحماية والدفاع عن النفس، لكن هذا العالم يحمل بعض المفارقات الجمالية الخارجية أحيانا يمكن استلهامها في الأعمال التشكيلية أيضا،

* ولكن بقدر ما تعبر هذه الستائر والحجابات عن عالم المرأة المغلق فهي تثري الفنون الشعبية ، وهذا ربما يمثل مصدر إلهام وإثراء للفنانين ؟

 هذا صحيح هناك علاقة قوية جدا بين الفن التشكيلي و الزي الشعبي والفنون الشعبية البصرية بفروعها المتعددة ، مثل زخرفة الأواني والعمارات التي تحمل تقريبا نفس القيمة الفنية البصرية التي نجدها في كل النواحي، وأنا أستفيد من الفن الشعبي من جانبين كقيمة جمالية بصرية وكمحتوى، أستخدم (الموتيفات) الشعبية في الزخارف الشعبية على أساس أنها ها زالت خصبة وثرية وغير مستهلكة ، كما استغل أجواء الحكايات الشعبية والكثير من أعمالي أستوحيها من الحكايات الشعبية المتداولة حيث استلهم روح الحكايات الشعبية واعكسها في أعمالي كما أحاول أيضا أن استلهم التراث والموروث التاريخي، والقيم البصرية الجمالية الموجودة في الأعمال القديمة ، في النحت والزخرفة الغائرة والبارزة على الأحجار ، وعملية الاستلهام هذه تتم في إطار محاولة  إعادة صياغة التراث بمفاهيم تتلاءم مع صور الفن التشكيلي الحديثة الموجودة في العالم .

الإحساس بالجمال

*  هل يمكن القول ان الفن التشكيلي العربي، شكل ثقافي دخيل، أو يمثل مظهر اغتراب أشبه بظاهرة الفيديو كليب في السنوات الأخيرة؟

: ميزة الفن التشكيلي أنه يمكن تكييفه مع طبيعة فكر المجتمع، فهو أشبه بقطعة قماش نأخذها ونفصلها بالشكل الذي يتناسب مع البيئة فنحن نأخذ الفن التشكيلي كقيم جمالية وتيارات ثم نلائمه في التعبير عن القضايا العربية والمجتمعية الني نعيشها سواء كانت فلسفية أو ثقافية أو سياسية هذا فيما يتعلق بالمحتوى ، وأيضا في الشكل.
والفن التشكيلي لا يمكن أن يكون ظاهرة شاذة لآن الإنسان عنده إحساس بالجمال فالطفل يولد وعنده إحساس بالجمال وطالما يمتلك الإنسان الإحساس بالجمال وعنده مقدرة على التذوق فان فنا كهذا لا يمكن أن يكون دخيلا عليه والمسألة هي كيف نكيف هذا الفن مع قضايانا ، ومع رؤانا الجمالية ، الآن هناك محاولات كثيرة لإعادة صياغة التيارات التشكيلية في الوطن العربي بصورة تتلاءم مع تراثنا العربي فمثلا الآن الحروفية آخذة حيزا كبيرا في هذه المحاولة ، والحروفية التي يجري الاهتمام بها ليست (الحروفية التزيينية) وإنما الحروفية بمفهومها الواسع الذي يستهدف تكييف الفن التشكيلي مع التراث الثقافي العربي ومع الحرف العربي الذي يمكن التعبير الجمالي به عن مضمون ذي قيمة إنسانية هادفة .
فنجد دعاة الأصالة ودعاة التجديد ينادون بالعودة إلى الحرف العربي كأهم مظاهر التعبير عن الجمالية العربية والحروفية تحتمل أوجها مختلفة ، وثمة أساليب مختلفة عن الحرف العربي فهناك الطابع التزييني وهو جانب مفرغ منه من المحتوى وهناك الجانب الأكثر عمقا الذي يأخذ به الكثير من الفنانين العرب لتوظيفه بشكل يصبح فيه معبرا عن الهوية الجمالية العربية وكأحد أشكال التعبير عنها .

*  ما حجم الأعمال الفنية التي أنجزتيها خلال تجربتك وما هي مشاركاتك ومشاريعك المستقبلية ، وماذا ترسمين حاليا ؟

 مشاركة في العديد من المعارض والندوات العربية بالإضافة إلى ستة معارض شخصية . وفي منتصف هذا العام سأصدر كتابين عن قضايا الفنون التشكيلية وعرض لتجربة التشكيل اليمني كما أن لدي عددا من المعارض التشكيلية في عدة دول عربية .

الوطن الثقافي-


إقرأ أيضاُ