من النهرِ جئتُ ، ومن شجرٍ تخرجين
كلانا – إذا غابتِ الأرضُ – يهدمُ صاحبه بالحنين
وكلانا يمد لصاحبِه ما تبقى من الأرضِ
تحت السعال،
ويدفنُ صاحبه في الكمين.
أنا قادمٌ من مكاني ، إلى قدميك
ومن غِنوةٍ في الجبالِ إلى رئتيك
.. قيل لي في البدايةِ : من طال ماتت رؤاه
وحين سألتُ إلهك غنّى :
ومن مات طالَت إلى كل معنى يداه
.. ثم أوحى إلينا بتلك البلاد
في السماءِ مكاني. وفي الموتِ ، في أجلٍ لا يعيش
وفي الحبٍّ ،في نقرات الحياةِ على صفحات النعوشِ
وفي الدربِ .. في الدمِ يغسلهُ الأولياءُ،
ويلقونه للجياد.
ادلهِمّي، وسيلي على كل مقبرةٍ في البلاد
ضوّعي رجلاً كان ، لولا الطريقُ ، مكاني
أنا قادمٌ من بلادِ الزمانِ
نسيتُ يدي في الطريقِ ،
فقلتُ :
لنا المجدُ دونَ يدٍ، ولنا الموتُ فوق الفؤاد
فتنحّى الطريقُ وراء النقوش، وتحت المعاني.
لنا مدنٌ، يا أنايَ، لنا مدنٌ، يا أنا.
هل بكينا غداً؟ سوف نبكي غداً.
هل حملنا الدموعَ لأبنائنا، مثلما يفعل الطيرُ؟
أم سوف نحملُ بعض الدموعِ لأبنائنا،
مثلما يفعلُ الجندُ خلف المجن؟
وأنتِ – ابنتي – مررينا على غفوات العباد.
أحبّكِ. هل قلتُ إني أحبّك؟
هل نعست يدُنا فجأة، غادرتنا النسورُ
ومن كتفيّ إلى كتفيك
يضلّلنا للحقيقةِ قلبي ودربُك.
أحبّكِ. ياااا وطني، يكبُر الناسُ بالخوفِ للموتِ
نكبُرُ بالموتِ حتى يغادر هذي الحدودَ،
ويرجع ، مثل الهزائم ، للهِ خلف عيون العبيدِ،
وللكامنين .. على خفقات المعاد.
أحبّكِ. قولي أحبكَ. غداً سأقولُ : أحبّكِ،
إيهٍ ، غداً ستقولين لي : كم أحبّكَ. إني أحبّك،
يا صفتي في الصفاتِ، ويا لغتي في اللغات ،
وياااااا، كما أحبك.
أنا عملٌ صالحٌ يسكنُ الأرضَ، أنتِ .. دمٌ صالحٌ في السماء
أنا حدثٌ فسّرته النجومُ بموتِ النجومِ.. وأنتِ طريقٌ إلى الغرباء
أنتِ مطويّةٌ عن مآلِ العبادِ .. أنا بشرٌ خارجٌ من دمِ الأولياء
لنا وجعٌ في أعاليِ الفؤادِ .. لنا وردةٌ في حدود الشتاء
سنموتُ معاً.
عندما سنموت معاً سيموتُ النخيلُ " وتحيا الرمال"
سنحبُّ الإلهَ، وأقدارَه، والنبيّين - أقوامَهم
سنحب خصوم الإلهِ، ضحايا النبيين
زيتَ الكتابِ المقدّسِ
سوف نحبُّ فتىً وفتاةً يعيشان خلف العيونِ، وتحت الجسورِ،
ضرّهما الموتُ والأصدقاء.
لم يجرب ابن آدم الغربة قبلي
لقد وجدتُ وحيداً في أماكن الحروب
كما وجدتُ قبل ذلك منزوياً في قصة حب قصيرة.
لم يجرب ابنُ آدم الحب قبلي،
أنا الذي قلتُ لحبيبتي :
أنا وأنت سلطانة وعبدٌ. ضعي قدمك على خدي
واجعليني ذلك الذين تشيرين إليه في قصائدك
ومع أنها لم تفعل كل ذلك،
فقد بقيتُ أردد : أنا وأنت عبدان وسلطانة.
...
أحبّك، نامَ المنامُ وذابت رؤاه
وفلّ الظلامُ على جبلِ الموتِ خوف الّرماة
أنا قلقٌ في يديك
وأنتِ دمٌ سادرٌ في أقاصي الحياة
دعينا – إذن – يا ابنتي
كل ما سيكونُ لنا سنكون له
وكل ترابٍ على أرضنا سوف نجعله خزفاً في أعالي الفؤاد
سنكونُ البلادَ :
أنا غنمٌ في الجبالِ وأنت غدٌ في عيونِ الرعاة
أنا الناسُ ، ما يعشقون وما لا يرونَ
وأنتِ الحياد.
ظلليني، هنا الشمسُ ليست لنا ولا زيتها زيتنا
انحني، مثلما تضحكين، لأرقى إلى وردة العارفينَ .. أنا
بيننا جبلٌ، فوقه قبرنا
سننجو من الموتِ حين تموتُ الجبالُ،
ونركبُ – عندئذٍ – للنهاية، خلف السماء وخلف البلادِ وخلف الوجوه وخلف النقو.... وحدنا.
أحبّك .. هل قلتُ أني امرؤٌ ضرّه البحرُ والأنبياء
وأني وحيدٌ وراء الحروبِ
ومنقسمٌ في السماء ،
كمثل التآويل ، مثلِ الحساب ومثل الجزاء،
ومثل ... الجراد.
هل قلتُ منذ قليل، وحين بدأت القصيدَ وأنت هنا،
أنني وطنٌ حجبته رؤوسُ الجمالِ،
وأنكِ جئتِ كمثل دعاوي الحروبِ، ومثل الرياح الخفيفة
( حين سيوقفها شجنٌ عالقٌ في قميص الشتاء)
وكنتِ – كما أبداً – فوق كل الجِمالِ،
فقلتُ لنا، حينها : يا أنايَ اهبطي يا أنا،
واحفري وطنا.
- ...... ؟
...
لم يجرب ابنُ آدم الحربَ قبلي
أنا الذي قتلتُ في الحروبِ كل الهاربين ، والمنسحبين
وعفوتُ عن العدو المحب.
أنا الذي أجبرتُ إكسركس أن يبكي على الناجين من جيشه
وكتبتُ على مداخل يلبا الصغيرة
" إمبراطورية نابليون الجديدة"
وقلتُ للاسكندر المقدوني :
انظر إلى قتلاك، إنهم يأكلون حذوة فرسك.
..
أحبّكِ. لي بلدٌ مات شبّانه في المجاعات
نامت مجاعاته في الإذاعات
ذاعت متاهاته في القراطيس
طاست حماماته في الرؤوسِ،
رست في يديه السنونَ محمّلة بالنشيج
كخلّ وفيّ ، كموتٍ بطيء ؛
أحبّكِ ..
يااااا كل ما كان ما سيكون، وما جاء ما سيجيء وما لن يجيء ... إلخ