عبدالوهاب عزاوي (*)

إلى الأغلبية الصامتة

عبد الوهاب عزاوي- ما هذا؟
- أين..؟
- هناك .. تلك ال.. كتلة
- إنه.. إنها.. رجل .. غالباً
- ماذا يفعل..؟
- يبدو نائماً
- هنا.. وسط الشارع!
- أجل .. لعله متعب أو.. مكتئب.
- هل نقترب منه ؟
- لا أعرف .. لعله يرغب في بعض الخصوصية
- في الشارع؟!
- بعض الناس لديهم عادات غريبة
- إنه لا يتحرك
- أجل... هل نلكزه؟.. بلطف
- من الأفضل أن نحييه..
يقتربان
- إنه لا يجيب
(فترة صمت)

- أين وجهه؟!
- إن ملامحه .. فلنقل غير مألوفة
- ما الذي على وجهه هل هو دم ..؟
- إنه أسود اللون .. قد يكون دماً.. لكنْ.. لا يبدو أنه يتألم
- ما هذا الذي على الأرض ..؟
- أين؟
- هنا أمام صدره.. هل هو قلبه؟
- لا.. إنها أشبه بالأمعاء
- لكن الأمعاء لا تأتي في الصدر .. عادةً
- إنه قلبه غالباً
- هل ينبض؟
- يبدو أنه لا ينبض.. أو لعله ينبض ببطء
- إلى أي حد تقريباً ؟
- لا أعرف ولكنه قد ينبض .. أو لعله سينبض بعد قليل
- لا يا رجل .. القلب لا ينبض بعد أن يتوقف
- وما أدراك .. هل تعرف الرجل؟
- الأمر ليس له علاقة بالأشخاص وإنما بالقلب نفسه
- متى بت مطلعاً بشؤون القلوب .. ها.. ثم كيف لك أن تؤكد أنه قلب أصلاً؟ أليس من الممكن أن تكون رئة؟.. انظر إليها لعلها تتنفس
- الملامح ليست واضحة .. أنا أرجّح أنّه قلب .. في القلب عدة أجواف في العادة .. هل ترى أي تجويف؟
- لا أعرف أنا لست طبيباً
فترة صمت

- إنه ليس نائماً
- لا ليس من المعقول أن يكون نائماً
- لا..
فترة صمت

- هل هو ميت؟
- قد يكون ميتاً .. إلى حد ما
- إذاً لا نقدر أن نوقظه
- هل تود أن نحاول
- ... لا
( يتردد الشخصان)
- هل نسعفه؟
- لا أعرف إن كان من المفيد أن نأخذه إلى المشفى .. ثم .. ماذا سنقول لهم.
- نقول إننا وجدناه في الشارع
- هكذا ببساطة
- أجل .. ثم إنهم سيتعرفون عليه غالباً
- لماذا؟!
- أجل لابد أنهم سيتعرفون عليه .. هذا من مهماتهم
- هل أنت متأكد
- لا أعرف .. ولكن من المرجح أن شخصاً ما سيتعرف عليه
- من؟!
- من أصابه .. أو من ألقاه هنا
- لماذا لا نفتشه .. لنعرف إن كان يحمل هوية أو بطاقة ما تدل على اسمه
- أليس من الممكن أن تكون مزورة؟
- ممكن ..
- لو كان حياً لسألناه
- أليس من الممكن أن يكذب؟..
- ماذا سنفعل..؟
(فترة صمت)

- هل لديه أولاد.. أو أسرة؟
- يبدو صغيراً بالسن.. وهو لا يلبس خاتماً فأصابعه مقطوعة.. لا أعتقد أنه متزوج
- لعله متزوج وهناك من قطع أصابعه لأخذ الخاتم
- لماذا سيقطعها كلها لأخذ خاتم واحد
- من الصعب قطع الخنصر وحده.. (يحاول أن يثني خنصر يده اليسرى للأعلى ليوضح لصاحبه صعوبة الأمر).. ولكنه صغير على أن يكون متزوجاً
- هذا منطقي
- لكن لا بد أن لديه أم .. كلنا لدينا أمهات .. ولابد أنها ستحزن عليه
- أجل.. كثيراً .. من الجيد أنه غير متزوج .. لأن أولاده فيما لو أنجبهم سيحزنون عليه كثيراً
- من المهم أن يتحاشى المرء إيذاء الآخرين
- لكن .. كيف له أن يعرف أنه سيُقتل لاحقاً حين تزوج فيما لو كان متزوجاً؟
- هل هو مقتول
- لست متأكداً ولكن من الصعب أن يؤذي المرء نفسه إلى هذا الحد
- لعله تعرض للسرقة
- معقول .. ولكن لماذا سيقطعه السارق إلى هذا الحد
- أجل..
- لعله قتل على يد مريض نفسي
- هل نفتشه..؟
- لا أعتقد أننا سنجد شيئاً
- ثم ليس من حقنا أن نتطفل عليه
- ولكن.. لا أعتقد أنه سيمانع
- من قتله هو المسؤول عن متابعة حالته.. هذا من آداب المهنة
- أية مهنة؟
- لا أعرف تماماً ولكن من الواضح أن هناك إهمالاً وفوضى كبيرين (يتكلم بتدفق) وهذا شائع هذه الأيام التي انتشر فيها الفسق والفجور والتراخي في الدقة في العمل "إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه".. و..
- (مقاطعاً) ماذا لو كان عمله القتل فقط ...؟
- ماذا تقصد؟
- هناك أشياء تتألف من عدة مراحل
- هل تقترح أن عملاً كهذا يحتاج لقاتل وإلى شخص آخر لإيصال القتيل إلى .. وجهته
- إلى حد ما
- بكل الأحوال نحن غير مشاركين .. ولم يستشرنا أحد
- همم..
- ثم ألا تعتقد أنه من المهم أن نعرف من هو قاتله أولاً
- قد يكون هذا صعباً ولكن من الممكن أن نتوقعه
- ليس من الجيد التدخل في شؤون الآخرين
(فترة صمت)

- انظر إلى حلقه
- يبدو مقضوماً
- لا إنها بقايا الحنجرة
- منذ متى وأنت تعرف بالطب إلى هذا الحد ؟
- لا لكني أتوقع ..
- هل له عينان متبقيتان
(يتمعن في وجه القتيل )
- لست متأكداً .. إنه منتفخ
- هل من الممكن أن يكون ميتاً منذ عدة أيام
- إذاً هو موجود هنا منذ عدة أيام ولم نره حتى الآن
- لا .. إنه مقتول سابقاً وألقي هنا اليوم
- هل من الممكن أن يتهمنا أحد بقتله؟
- هذا ممكن .. ولكن لمَ سنقتله؟!.. ثم نحن غير قادرين على تقطيعه بهذا الشكل
- هل هو معارض
- لمن؟
- لنظام الحكم طبعاً
- لا أعرف ولكني أرجح أنه مهتم بالسياسة
- هل نخبر الشرطة ؟
- أفترض أنهم يعلمون بوجوده
- ولماذا يتركونه هنا
- لعله طعم
- طعم! لمن؟
- لكشف المهووسين بالموتى
- لكن لا يوجد سوانا في الشارع
- عادة يستهلك الصياد أكثر من طعم ليصطاد سمكة واحدة
- إنها نسبة مكلفة
- أجل .. عليك أن تعطي التسعة لتأكل العشرة
- لكننا هنا نعطي أكثر من عشرة
- لا بأس المهم ألا يتوقف العمل
- هل نتركه هنا
- لا أعرف
- لماذا لا نعدل وضعية رأسه فرقبته ملوية بشدة
- لا أعتقد أنه سيرتاح إن عدلناها
- هل نودعه ؟
- لكنه لا يسمع
- حسناً .. هل نتركه هكذا كأننا لم نره
- لا.. علينا أن نأخذ صورة تذكارية معه
- حسناً
- لكن مهلاً .. عدل رقبته قليلاً لتكون الصورة أفضل
- أجل

(بعد أن يعدل وضعية رأس القتيل .. صوت فلاش مع وميض)

يمضيان.

عن ملحق النهار اللبنانية
1/2012

أقرأ أيضاً: