إبراهيم الحسين ـ السعودية

1 ـ فريدا كاهلو*.. ستذهبين إلى دمك

إبراهيم الحسين أيّ عشبة مُرّة تلك التي
أكلتِ منها يا فريدا
هكذا أنظر في وجهك، في عينيكِ
وبصوتٍ خفيض أحدّثك:
ستذهبين فريدا كاهلو إلى دمك ينزّ من بدنك
ستذهبين إلى سهامك مغروزةً وثابتةً فيه
تخطرين بين جذوعِ أشجارِك التي وقفت بكلّ صمتِها متفرجةً عليك
لم تمد غصناً واحداً لتحميكِ أو لتقيك
جذعٌ واحد لم يتزحزح من مكانه ليصدَّ عنك
سهمٌ في الظهر وسهمٌ في الظهر مرةً أخرى، وأخرى، سهامٌ في الخاصرة، سهامٌ في النحر..
ليميلَ الرأس ولو قليلاً لكنه لم يمل
سهامٌ كثيرة لترفَّ النظرة لتذبلَ النظرة لكنها تزداد نضارةً وعنفوانا
لهاثٌ واضحٌ وحار كان يخرجُ من اﻷرض التي تركضين عليها.. لكنك المتشبثة بقرونك لكنك المستميتة في ذلك لم تتنازلي عن فرعٍ واحد من فروعها عن جزءٍ ولو صغير.

تسعيْن بحاجبيك المقرونين حتى ﻻ يضيع ملمحٌ واحد منك فتخطئك السهام
اخترتِ وقتا يكون لونُ الدم فيه أكثرَ إيلاماً وموجعا أكثر وجميلاً
هكذا لم تختبئي خلفَ أيّ جذع هكذا كنتِ واضحة وجلية..
لم تختبئي خلفَ صرخةٍ أو بكاء وإﻻ كنّا رأينا فمَك مفتوحا ومشرعا
حتى قرونك كان يمكن أن تصدّ عنك لكنك حيَّدْتِها وتركتها كما هي دائما مرفوعة وعالية تركتها آيةً ترشد الضالَّ من السهام
تركت كل ما يمكن أن يُختبأ خلفه واختبأتِ فقط خلف ملامحك
اختبأتِ خلف جسدك الذي كان مغريا للسهام حتى تقع فيه.

سهمٌ واحد لم يجرؤ على اﻻقتراب من وجهك ﻷن جمالَه أرعبَ كلّ السهام فانحرفت كلُّها عنه وذهبت إلى مناطق أخرى
أظنّه قرطَك الذي ظل صامدا طيلة ذلك حتى يتدخل في الوقت المناسب ظنّاً منه أنك معنية بسلامتك لم يدرك أنه بالنظرة الفاحصة يكتشف أنه بإيعاز منك لم تتحرك جذوع اﻷشجار وأنك أنتِ من أمرَها بذلك أنت من أشار إليها بعدم اﻻقتراب..
وأنك كنت تدعين السهام إليك كأنها أصدقاؤك الذين اشتقت إليهم، كنت بانتظارهم أصدقاؤك الذين تركتِ وجهك مفتوحا لهم حتى إذا ما وصلوا ﻻ يكونون مضطرين ﻷن يطرقوه..
وجهك اللهب يا فريدا خرج من حطبك الذي يستعر داخلك
حطبك الذي تعمدت إخفاءه تحت جلدك دفْعا ﻷي شفقة
كنت عالية جدا وفوق ألمك كنت آمنة في نظرتك النقيّة ومحصّنة بها.

بقي أمرٌ يا فريدا..
ليالٍ وأنا أقلّب أمر قوائمك النظيفة من أي سهم.. أظنك أنت من أرادها كذلك كي تركضي بضيوفك تسارعي بسهامك إذا ما اكتملوا إلى صدر قلبك.. عثرت على ذلك صدفة في بياض بطنك
وإن لم يكن اﻷمر كذلك سأنتظرك في لوحة أخرى في نار أخرى نلتقي وتفشين إليّ سرك شفاهة من فمك المزموم على ما يمور بك ويعذّبك إلى فمي.

*فريدا كاهلو ـ Frida Kahlo

2 ـ فريدا كاهلو، لن تخرج من قلبي

اﻵن وفي هذا الصباح
اﻵن وفي لوعةِ موسيقى هذا الصباح
باتَ شبه مؤكّد
أنّ فريدا كاهلو
لن تخرجَ من قلبي ولن تغادرَه
ليس ثمة صوتُ لحذائها
وهي تصعدُ بخارَ قهوتي
لم يكن هناك أدنى جلبة
وهي تجرجر حقائبها في عظامي

مثل ساكن جديد
بدأت تعليقَ لوحاتِها على جدران قلبي
حملت ظلالَها وأضواءَها الرطبة ونشرتها في عيوني
رتبت جراحَها وأوجاعَها في شراييني
وعلّقت على مقبض قلبي ﻻفتةً صغيرة: أنّها ذاهبةٌ إلى مِسْكِ دمِها
أنّها ستتمدّد، تحتَ قرونِها، قليلاً
وإلى نهاياتِ شعرِها تتصاعد
ستربطُ الستائرَ بحاجبيها
أنّها، خلف إطباقةِ فمها، ستخلط اﻷلوان
قبل أن تغسل خُضْرتَها مثلَ شجرةٍ عريقة
قبل أن تلقي ملامحَها على وجهها وتنام.

3 ـ أعرفُكِ فريدا.. أعرفُكِ فريدا*

أعرفُكِ فريدا
أعرفُ أقراطَكِ وقلائدَك
أسمعُ هسهستَها حتى وإن كنت تخطين خطواتِكِ على مهلٍ
في آخر القصيدة
أعرفُ اﻷوراقَ التي تسقطُ منكِ
حين تهبّين في صُوَرِك

أعرفُكِ فريدا
أعرفُ مفرقَ شعرِكِ من اﻷلوانِ
التي تصعدُهُ متجهةً إلى رأسِك،
إلى مواقدِهِ كي تشتعلَ هناك
أعرفُ حاجبيكِ وﻻ يمكن أن أخطئَهما
أعرفُ وجهَكِ بضوئِهِ وظلالِه
وجهَكِ الذي لم يكن غيرَ مواجهتِك،
لم يكن غيرَ وقوفِكِ غيرَ مباليةٍ
في طريقِ وجوهِنا المسرعة
أمام عيونِنا الطويلة
أعرفُ وجهَكِ فريدا
وأعرفُ من أيّ الجهاتِ تخرجُ عليّ ملامحُك..
وأعرفُ الطرقَ التي تسلكُها للوصولِ إلى عيني
أعرفُ فمَكِ وأعرفُ قضبانَه
أعرفُ نظرتَكِ بجميعِ جدرانِها
التي طالما كتبتُ عليها فَوَرَاناتِي

أعرفُكِ فريدا، أعرفُكِ فريدا
أعرفُكِ وأعرفُ كيف تخضرِّينَ خلفَ صُوَرِك
وكيف تُخْفِينَ ما نَزَّ من أعضائِك
كي تَبدين بلا أثلامٍ وﻻ تصدّعات

أعرفُكِ فريدا..
وأعرفُ رائحتَكِ؛
كما يعرفُها قلبي الذي
ينهضُ اﻵنَ على قوائمِه
ويرتجف.

*فريدا كاهلو: http://pinterest.com/DoubleDRanch/style-icon-frida-kahlo/

4 ـ نظرتُكِ، فريدا

لو كان ماءً ذاك الذي تنظرينَ إليه نظرتَكِ هذه فريدا
فقطعاً بعد قليلٍ سيغلي وسيضبِّبُ صورتَكِ البخار
لو كان خشباً ذاك الذي تحفرينه بها
من المؤكد أنّ بعد وقتٍ قصير سيسودُّ وسيتصاعدُ منه الدخان

بعد كل صورةٍ لك بعد كل نظرة
نتضوّرُ في قلوبنا المعلقة فوق عينيك
نهربُ إلى مفرق شعرك ظناً أنّا سنبتردُ هناك، سنكونُ في مأمنٍ وسننجو
فمن أيِّ مرجلٍ تخرجين بتلك النظرة
من أيِّ أتون
من أيِّ تنّورٍ نسمعُ زفيرَه..
تطلقينَ نظرتَكِ التي ﻻ تخبو وﻻ تهمد، فريدا.