-1-
قلْتُ لزوجتي
وقد بلغْنا الستين معاً (أنا قبلَها بقليل):
سنحيا من الآن أجملَ عشْر ٍفي حياتنا،
بعدَها نصبحُ في السبعين (أنا قبلَها بقليل)،
فيكون لنا أيضاً أن نحيا أجملَ عشْر ٍفي حياتنا،
بعدَها نصبحُ في الثمانين ...
كلُّ زيادة ٍعند ذلك منحةٌ إضافيةٌ،
قدَرٌ كأقدارنا التي قادتْنا منذ التقيْنا،
قادتْنا كطفْلين فرحيْن،
كطفليْن غافليْن ...
قلْتُ هذا كلَّهُ لزوجتي،
وأجملُ منه ... أنها وافقتْ.
-2-
كنّا نعاني من مرضيْن:
أنا من وساوسي،
وزوجتي من مرض ٍيتخفى في صدور النساء،
وكانت هي أقوى مني،
واسْتخفتْ بخوْفي.
ولأنها هي الأقوى، شُفِيَتْ تماماً
وأنا أيضاً
ربّما ...
بل نعم، شُفيتْ.
-3-
فَرِحْنا بِنا ...
ولكننا في ما مضى لم نكنْ نعرفُ كم نفرَحُ ولا كيف.
أما اليومَ، بعد أكثر من خمسة ٍوثلاثينَ عاماً،
فقد أصبحنا نُدركُ الفرح،
نختبرُهُ، نحياهُ طولاً وعَرْضاً.
أصبحنا إذاً، كما كنا،
نفرَحُ بنا ...
ولا نعرفُ كم نفرَحُ ولا كيف.
-4-
حين أُخفي عنها قصّة من قصصي،
أشعرُ بأنني ناقصٌ
أشعرُ بأن ما أكتمُهُ يُجوِّفُني،
يجعلُني فارغاً ...
وما يُعيدُني إليَّ في كلِّ مرّة ٍ
أنها تُبْصِرُني،
تُشْفِقُ على ما أكْتمُهُ،
تعرفُهُ وتجهلُهُ ...
عندَها، تجعلُني واضحاً أمامي
كأنني ما كتمتُ شيئاً
ولا أخفيْتُ يوماً قصّة من قصصي.
-5-
هي الصبْحُ في عينيَّ والمساء،
هي الشروقُ في أصابعي والغروب ...
وما قضَمْتُ يوماً أظافري،
إلا لأنني ضلَلْتُ عنها (قبل أن أعرفها)،
أو لأنني تغافلْتُ عنها (عندما التقيْنا)،
أو لأنني تشاغلْتُ عنها (بعدما عرفْتُها).
-6-
سِرْنا هنالك تحت المطر،
في بلاد ٍبعيدة.
سِرْنا تحت مظلّة ٍواحدة،
كانت الشجراتُ الصغيراتُ تغبِطُنا،
والشجراتُ العاليات.
لم نذبْ في البلاد البعيدة،
لم نغترِبْ.
كنا نرى الوجوهَ الغريبة، والدروبَ الغريبة،
فنكافئُ أوهامَنا،
ونسيرُ تحت مظلّة ٍواحدة ...
وحيثما سِرْنا، كانت الأشجارُ تتْبعُنا.
-7-
عندما التقيْنا لقاءنا الأوّل،
قفزْنا إلى غدِنا.
ومن غدِنا رُحْنا نُرتِّبُ أيامنا،
رُحْنا نعيشُ كمنْ يتذكَّرُ ...
...ما زلْنا كذلك، نمشي معاً،
وفي كلِّ يوم ٍ، غدُنا نقطةُ انطلاق ٍلنا.
-8-
لم تكتملْ حديقةُ بيتنا،
في قريتنا التي لم نزلْ نؤلِّفُها،
من بعيد ٍأو قريبٍ،
كلَّ يوم ٍنؤلِّفُها،
لكي يتشكَّلَ العالم من حولها على هوانا.
في هوانا إذاً صحْوةُ الكائنات،
هوانا نشْوةُ التكوُّن.
كيف إذاً لحديقتنا أنْ تكتملْ؟!
-9-
لا نحبُّ السَّفَرَ إلا معاً.
... وسافرْنا كثيراً
بل مرّةً واحدة ...
منذ التقيْنا ... وإلى الأبدْ.
السفير- 27-يونيو 2014