فوزية السندي
(البحرين)


فوزية السنديفي عينيك أراني،
أرى قدميَّ المتعبتين تنتشلان الوحل البارد
ثيابي المكنوزة نحو قلق ساري
ظلالي الذهيلة وهي تقتفى ضلالي
دموعي المشتكاة..المجارة من وجنة لا تهتديني.

أشفق على مسراتي الكئيبة دونك
أساور دياجير الكسير من تعبي
أناور غاية النكران
لذا أحبك،
أحبك.. كمن تهوى غديراً أبكم،
شلالاً أخرس، أسرفَ في شرخ قلبي نحوك
لأشهد إحداث العصف النادر
ما أهدرته تلك القبلات القليلة
و هي ترتشف شفاعة أرواح كانت لنا.

في حضنك أتعلم كيف أموت بتؤدة الخنق
في عسل دمعك أحترف هتون لسع الشمع
مع غالي يديك أحاول نشيش احتراقي
إطلاقاً،
لا أتقن تهجى معالم حبك ولا تقصي نواياه الخفية
حينما أتنفس رواحك الهاذي و مجيئك الصعب
لا أكترث بمجون هذا العالم و هو يتعالى بفخر هكذا..
بل أركن لزوايا قلبك المشرئبة بي
و أحبك كساقية لا تتعب من دوار شهيق يتلو زفيراً
يتهالك نحو هواء آخر بخيل على رئتين تنعدمان.

حينما أراك،
أبحث، مجتلة من حدوثك، عن حبر غائم
أنقب به عن غيم عليم بماء قلب يتماوه بك
لأرسم زوالك المبكر، أدون رائحتك الجليلة
أنحت انشغالك الحثيث بي،
أوتر آلات عمري كلها،
لأنتحبك أو أغنيك أو أمتثل بمرآك
يا جرأة قدري.. جرم وقتي..
قديس صمتي.

لي بيت مزحوم بعرائش خضراء تنشر أردية الليل
بتلات ورد محاصرة ببكاء الماء
عشب يتيم يتعاضد ضد مشكل جفاف يرسو
صبار يكتم ظمأ نواحيه و يغدق صخب أشواكه الخجولة
طوب أحمر يرتصف تيه دروبي
زهيرات تصطبغ بدم يكفي لأنتحر صوب مرواها
عباد شمس أعمى
نهر من حصى و آجر كاسر يكتم زوايا الهلاك
حديقة ترعى آلهة لا يصطبرون على صيت ينوعها
لذا تغويهم بقداستها،
وهي ترتكب جنوح المذبح تلو الآخر.
أمامها،
أنحنى ببالغ صداي
أركع بمنتهى اغتفاري
أنثني على ركبتي
وأرتقب اندلاعك نحوي
مساء و آخر..
ليل و آخر..
نهار و آخر..
بعد جور هذا العصي على صمتي كله
أخلع خطوي من منتهاك
و أتزود بي.

قبل أن أحبك،
كنت أضيع روحي في صرة مستقبل كسيح لا يرحم
أساوم مواضي الغائمة بعرفان وقت كاهن لا يهتم
و أغلق صبر حواضري على قدر ممل.

و..
ما إن صدحت نحوي بعينيك النافذتين كقطتين لاسعتين
و أنا أدوام نحر أنفال فوزي الخاسر نحوك كشريان مهدور
تدميت،
حتى اجتلت خواطري بنوايا بواقيك
حتى ارتحلت شواغفي نحو شفتين عاجيتين تبرقان بمطر داو
لأشتهي زوالك المبكر كيلا أموت بلاك
كيلا يتعطف قبري القليل علي و يقترب سراعاً دونك.

ما إن تراخيت بخطوك الغريب صوب ملاذ صمتي
حتى استحلت كل شيء لم يمض.

حينما أحببتك،
كسوت بي كل المرايا التي تراك
أتحفت الوجد الذي تناجز بي
عاندت ذخير البنفسج الذي استرقاني للشفاية منك.

قل لي: من أنت؟
لأمزق ما تبقى من وقت كسيح راح يلهو بلذيذ سم يسترسل

لأواسي وجيد ُسكر بات يوافي خلايا جسدي
لأغاوي لهفة جن تعالت بغتة من قلب قديم
لتكتويني وحدي بهالات سحرك.

مزدانة بك،
بنحول خطو الغريب والطريق يتشاسع
بغرق المبحر نحو سماء تشتعل
بكفيف القبر ملتثماً كفناً متعباً،
يستهل تراب المجازات لئلا يضمحل
منتهاة بك،
ولاشيء دونك يمتثلك دوني.


لرائحتك هول ياسمين عتيد يخلب بتلات المدى
لهمسك خرير المدار و هو يرتب الكواكب لتغزوه
لجبينك حس تعاريج النبات المغالي بهسيس البراعم
ليديك راحة السنابل المثقلة بفجورها المذهب
لعينيك قدرة السناجب المعتورة بخفايا الخفاء
لقميصك لعنة الأشرعة قبل الغرق بندرة الهواء
لخطوك غيلة المعاول وهي تناوش خطايا الروح
أحبك و أعجز عن صفات عطرك
عن غفو لهجك الغريب على جناية ساعدي.

حين أراك تبتهل لموتك المؤجل
أهرع نحوك،
َكيمامة مبتلة بوفير أجنحة تحرس ذهابك
أُزز الهواء كنحلة راوغتها رحى الرياحين،
غادرتها خدور الأكمة و ما فيها
داوتها أسافين الورود بلقاحها الشهي
حتى نالها الإغماء المبكر،
دون قطرة عسل واحدة
تعتريها منك.

أحبك،
بت أعض أصابعي كلما تذكرت أسماً يصطبغ بميقات حلولك
كلما تذكرت قدومك نحوي، بصبا لم أعهده، بينوع لا أتذكره
ببرودة قبر قاس علي، بغصة شاهد هاذ نحوك
أحب فيك هواك المغالي بإهتيال هواي
ديمومة تجليك نحو غمام يحتذي هطولي
تهجيك لواحة جسدي على الدوام
و تجنيك لراحة روحي على الدوام.

أشتهي،
حدوثك ملتحماً بأنفاسك المشاعة قربي
نفاذك العميق في غيبوبة راوحي
أحب رجفة عينيك،
كلما زلت جفونك المستباة بحدقتين شهوانيتين
و مضت في رجفة لا تراعي أحد
كفارس قدير على لجم ذبيحة لا تنتهر الذبح.

وحده الليل،
غفيرنا الخجول
حامي عزلتنا البهية
بهي وقتنا القتيل
رمح قلبينا المحاربين
راعى غزوتنا الجريئة
وحده،
القادر على نبش حبرنا المؤكد.

أحبك كما لم أحب
أحياك كما لم أحيا
كما قلبي- الآن- يكاد يعتني بي:
لا يحرض قبري قبل حلولك
لا ينتزع شظايا روحي من قساوة العظم قبل أن يهتديك
لا يدعني أنام وحدي، مسمراً مرآك خلف عتمة جفوني الرائية منحاك

كل هذا،
لئلا أموت دون أن أحياك
لذا..
لذ بي.. محتلاً إياي.