واللاإنتماء، وعذراً للعام الجديد الذي دسته رقصاً موتيَّاً!

عبدالله حبيب
(عمان)

عبدالله حبيبالسبت، 14 نوفمبر 1998، أوستن

(2) [1 كان قد نشر في حلقة سابقة]

لا أدري لِمَ لا تصلني الطرود البريدية التي تحتوي على كتب أو مطبوعات من البلدان العربية تحديداً إلا غالباً في أيام ماطرة، بحيث يصل ماء المطر إلى الكتب أو المطبوعات نفسها فيبللها بعد أن يذيب المغلف، وبحيث أضطر أحياناً إلى "سَشْوَرَةِ" الكتب المرتجفة ماء بارداً.
والاسم والعنوان ذائبان.
والاسم ذئب يعوي.
والميتافيزيقيا سكنت على الأرض قبل أن تقيم في السماء، وقد قيل عن أهمية سقراط الاستثنائية في تاريخ الفلسفة انه جلبها من غيوم السماء إلى بيوت الناس.
اليوم وصلتني من دمشق أربع نسخ من ترجمتي لكتاب روبير بريسون "ملاحظات في السينماتوغرافيا"، ونسخة من ترجمة حسن عوده لكتاب جيل دولوز "الصورة – الحركة". لقد كان تمطر هنا بتفاوت في الغزارة منذ الصباح الباكر. وكنت عند الظهيرة أقطع طريقي إلى المكتبة البحثيَّة على ضفَّة "غوادالوبي" (1) الاسمنتيَّة وأنا أرفع مظلتي، وأوزع عيني على الانعكاسات والسطوح والذكريات التي كوَّنها المطر على الرصيف والوجوه والجهات.
بالنسبة لي لم يكن كل شيء "يغتسل" و"يتطهر" كما في سائد التعبير عن المطر وما يفعل المطر، ولست مضطراً الى رؤية الأشياء بعيون غيري. أظن ان الخلل يبدأ حين تستعير بصر غيرك في رؤية ما تبصر. لقد كان كل شيء يذوي بطريقة ودودة ما في المطر، ذائباً في الحنين إلى عنصره السحيق، بما في ذلك دخان لفافتي – كان كل شيء يعود إلى أصل ما.
كان هناك شجن ما في المشهد كله، وكان بدر شاكر السيَّاب يقطع الطريق وهو مُحْتَمٍ بـ"العينين/ الشُّرفتين" اللتين ستدكُّهما "هيئة الأمم الأمريكية" من جديد في غضون هذه الأيام (فهذا واضح جداً من ناحية "الحتميَّة السياسية" منذ بداية الأزمة). قبل أيام طلب مني الصديق البروفيسور جون داوننغ أن أختار نصاً من نصوصي الشعرية وأقرأه مترجماً إلى الإنجليزية لطلبة المساق الذي يدرِّسه؛ فرددت عليه أن كل شيء في المناخ الحرفي والمجازي الراهن يرشح لي بامتياز اختيار "أنشودة المطر" وقراءته بالعربية والإنجليزية (حيث تتوافر ترجمات ممتازة لها) مع ربطها بتجربة السيَّاب الشخصية والسياسية والإبداعية ومقاربة ذلك بما يدور في العراق اليوم، وهذا ما كان. "ما مر عام والعراق ليس فيه جوع"، لكن الطلبة الأمريكان لا يفهمون. وللأمانة الشديدة: هذا أيضاً من الأخطاء التاريخية للحركة الطلابيَّة العربية في أمريكا التي ركزّت كثيراً على "السياسي" المباشر الذي يخص أجندتها القصيرة النظر على حساب "الثقافي" الطويل المدى والذي يخص جميع الناس وجميع الأجيال. وهذا من أسباب خلافي مع الإخوة في المنظمة الطلابية العربية في الجامعة والتي نحاول فيها إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
اليوم مطر، وكتب مبلولة ترتعش تحت معاطف مزقتها الريح في المسافة بين الأطفال، والأثداء، وشعراء أموات.
الشيء بالشيء يذكر: في صيف 1989 كنت في زيارة لإيطاليا. وهناك أخذني الصديق السينمائي والمسرحي الإماراتي محمد الدوسري لمشاهدة نافورة شهيرة (نسيت اسمها الآن) تعود وتتدفق منذ عصر الإمبراطورية الرومانية. غمست ذراعي في الماء في نفس اللحظة التي كان فيها محمد الدوسري يهتف بي بطريقة "أبي تَمَّاميَّة" لا زلت أتذكرها لغاية الآن فقد جعلتني أشعر بما يشبه الدوخة القصيرة: "ماء وزمن!. ماء زمن يا عبدالله!. ماء وزمن يا أخي"!.
الأرض لا تزال تمطر، والسماء تـ...
"تثاءب المساء والغيوم ما تزال..."
حين عدت في بداية الليل إلى المجمع السكني الذي أقطن به، وتفقدت صندوق بريدي المعدني المقفول ضمن صناديق بريد القاطنين الآخرين – والمصممة أصلاً بطريقة لا يمكن أن يخترقها بموجبها ماء المطر -- تحت المظلة الخشبية الواسعة الواقية من الشمس والمطر والقمر والنجوم وجدت كتباً في مغلف، ووجدت ان الماء يسيل من أعضائها على الرغم من ان الصديق بندر عبدالحميد [من المؤسسة العامة للسينما في دمشق] كان كمن لديه هاجس بالأمر، ولذلك فقد وضعها في مغلف من ذلك النوع الذي تحتوي بطانته على مُشَمَّع نايلوني!. لكنها تبللت!. يا إلهي: كيف يمكن أن يحدث هذا؟!. حقاً، حقاً كيف يمكن أن يحدث هذا؟!. ذلك ليس له علاقة بالنحس الذي ما انفك يجثم على ترجمة كتاب بريسون (تقريباً لا أصدق ان هذه الترجمة قد ظهرت أخيراً)، فهو في هذه الحالة يشترك فطرياً مع غيره.
هذه مدينة ماطرة، ولذلك فإني لا أتوقع أبداً ان سلطات البريد توصل البريد في شاحنات مفتوحة؛ فأنا لمَ أرَ شاحنة بريد غير مغلقة طوال وجودي في هذه البلاد (وإلا لكان الأمريكان الأماجد قد رفعوا قضية ضد السماء والعناصر والطبيعة تتعلق بمسألة "خصوصية البريد وسلامته")!.
كيف إذاً تتعرض الكتب والمطبوعات المرسلة إليَّ من البلاد العربية للمطر؟!. أي شيء غريب فعلاً وغير قابل للتفسير المنطقي هذا؟!. هذا السؤال غيمة صيف على صحراء بعيدة، بعيدة!. (2).

الأحد، 15 نوفمبر 1998، أوستن.

لا مطر. لا كتب مُبْتَلَّة. جسدان يهطلان في آخر الأرض وقلب الوجد على سرير يحترق ويطير بنيرانه الخضراء.

الثلاثاء، 1 ديسمبر، 1998، أوستن.

مكالمة طويلة من [...] حول بحثها المتعلق بتجربة قصيدة النثر في عمان وبقية دول الخليج. كان المرء ينتظر منذ زمن بدء تقاليد بحثيَّة عصرية وديموقراطية لدينا، وذلك لدراسة ما استطاع المراس والتراكم الإبداعيين التوصل إليه في مختلف حقول التعبير عندنا بصورة منهجية.
لكن أي منهج نقدي هذا الذي يتوقف عند ويغرز في عدم وجود ذكر لسنوات النشر في مجموعات [...] الذي هو أول من كتب قصيدة النثر في بلاده، ثم إقصائه من البحث ما دام لا يتوفر لدى الباحثة "دليل" على ان تلك المجموعات نشرت في سياق تسلسل زمني معين؟!. أليست مهمة الباحث هي أن "يوجد" الدليل عوضاً عن "الاستناد" إلى دليل سبقه إليه غيره؟!. أعلم أن [...] لم يتعاون كثيراً مع الباحثة [...] حين قَصَدَته وذلك لأسباب تخصه، لكن ما الذي يعنيه انه لم يذكر سنوات النشر في مجموعاته التي لم تصدر من دور نشر أصلاً بل من مطابع؟!. ما الفرق بين الباحث "القارىء" والمؤرشف الميكانيكي والمحقق الجنائي الموسوس والمهووس؟!. ما الذي يعنيه إخفاق الباحثة في قراءة التقشف النَّشري الذي ظهرت به تلك المجموعات (وهو تقشف شكلي يعكس ويوازي – على صعيد ما – التقشف اللغوي والتعبيري الذي كتبت به تلك المجموعات)؟!. ألا يعني صدور أعمال شعرية لشاعر من الخليج في مدينة غربية بعيدة عبر طباعة بسيطة ونسخ محدودة في الثمانينيات شيئاً؟!. ما العلاقة بين المنفى النشري والتوطُّن في الشِّعر والمكان الوطني كما يتجلى ويتشكل في التجربة نفسها؟!. ما الذي يعنيه ذلك في منجز قصيدة النثر الباحث عن لغة جديدة وحساسية جديدة للأشياء؟!. بل وقبل ذلك: ما الذي تعنيه الثمانينيات وكيف هي مختلفة بحدود متفاوتة عن التسعينيات سياسياً واجتماعياً وثقافياً؟!. وقبل ذلك أيضاً: ما العلاقة بين المشروع الاجتماعي الناهض في الستينيات والسبعينيات بتبلور زخم قصيدة النثر في الخليج في الثمانينيات وما بعدها؟. لِمَ لم تواكب التجربة الإبداعية العمانية الحداثية – مثلاً – المشروع الاجتماعي الحداثي كما حدث في التجربة البحرينية المتوازية بحيث أن رموز الحركة الاجتماعية العاملة على تحقيق الحداثة السياسية كانوا أنفسهم رموز الحركة الإبداعية الحداثيَّة (تجربة قاسم حداد أنموذج كبير على ذلك)؛ بل أتت الحالة العمانية بوصفها بناءً لاحقاً على أنقاضٍ ماضية (كم أشكر سماء عيسى لالتقاطته الحاذقة هذي والتي أقنعني بها في حديث شائك تبادلناه ذات ليلة طويلة في 1983، ويزداد اقتناعي بها سنة بعد سنة إن لم يكن يوماً بعد يوم). كيف يمكن للباحث أن يأتي إلى موضوع بحثه وهو مجرَّد من الذاكرة، جاهل بالسياق، مدقع الفقر في مراقبة واستقراء التفاصيل التي ترسم المشهد العام؟.
باحثة تبحث عن ماذا إذاً؟!.

الاثنين، 21 ديسمبر 1998، أوستن.

شعوري العميق باللإنتماء حتى في أعمق تجلياته المصيرية، وما هو أسوأ من ذلك شعوري باللارغبة في الانتماء أصلاً.
شعوري بعدم القدرة على البقاء في "هنا" – أيُّ "هنا" كانت، هذا على الرغم من عدم رغبتي في "هناك" -- أيُّ "هناك" كانت. لا "هنا" ولا "هناك"!. لا أنتم، ولا أولئك، ولا هُمْ!. لا أنا، ولا أنا، ولا عبدالله!.

الثلاثاء، 22 ديسمبر 1998، أوستن.

أردد بصخب كبريائيٍّ راقص غير خال من العبث والسخرية من الذات وأنا أسوق السيارة المترنحة في شوارع أوستن ذلك النشيد الذي لم يعد يتذكره سوى قليلون، مقلداً صوت الآلات النفخيَّة والنحاسيَّة والقرعيَّة بفمي وكتفي ويدي وهي تضرب على رف لوحة القيادة حين يتطلب الأمر القيام بدور طبَّال، متذكراً تلك السنوات البعيدة في مجز وأنا أردد هذا النشيد وحيداً بين النخيل حين أعود من طقس المشاركة المتعبة وغير المرغوبة في سقي أشجار مزرعة الوالد استعداداً للاستماع إلى شريط خطاب جمال عبدالناصر عند خالي محمد مع الشاي بالحليب والزنجبيل وهو يدخن سجائر الـ"دنهل" بشراهة:
"الله أكبر الله أكبر/ الله أكبر فوق كيد المعتدي/ والله للمظلوم خير مؤيِّد/ أنا باليقين وبالسلاح سأفتدي/ بلدي ونور الحق يسطع في يدي/ قولوا معي قولوا معي/ الله الله الله أكبر/ الله فوق المعتدي/ يا هذه الدنيا أطِّلي واسمعي/ جيش الأعادي جاء يبغي مصرعي/ بالحق سوف أردُّه وبمدفعي/ فإذا فنيتُ فسوف أُفنيهِ معي/ قولوا معي قولوا معي/ الله الله الله أكبر/ الله فوق المعتدي/ قولوا معى الويل للمستعمِر/ والله فوق الغادر المتكبر/ الله أكبر يا بلادى كبِّري/ وخُذى بناصية المُغِير ودمِّري/ قولوا معى قولوا معي/ الله الله الله أكبر/ الله فوق المعتدي".
لا فائدة، لا فائدة: أنا ابن تلك الحساسية العتيقة؛ ذلك الحلم القديم الذي أرضعوه الهزيمة، والرماد، والذل، والعار. لا فائدة. لن أحاول حتى النوم في هذه الليلة. لا فائدة.

الأحد، 27 ديسمبر 1998، أوستن.

اليوم وأمس مكالمتان طويلتان وبديعتان من ولصديقي العزيز سالم آل تويَّه الذي يبحث عن مباهج صغيرة على أرصفة عاصمة "الإمبراطورية" الشمطاء...
القحط الذي هناك رمى به إلى الأرصفة التي هناك...
أيكون سالم آل تويَّه الفتى العماني "النبيل" حقاً هذه المرة؟!.
ترى كيف سيكون حاله بعد عشر سنوات من الآن إن استطاع أن يتحمل الأذى، والحياة، والألم، والكتابة، والخناجر التي توجَّه إلى الظهر ذات العدد الأكبر والإيجاع الأشد من تلك التي تسدَّد إلى القلب مباشرة، حتى ذلك التاريخ؟.
سيستطيع، وسيكون.

الاثنين، 28 ديسمبر 1998، أوستن.

يا سعدي يوسف: "قطرة البيرة" التي سقطت على – لا، طفرت إلى؛ لا، طفرت من – شاشة الحاسوب، وأشعَّت مثل لؤلؤة مستحيلة من أمام الكلام (لأنها كانت تشعُّ وتتلون مثل المستحيل)... (أظنها لؤلؤة من دلمون، وأظن أن...)...
لو قضيت العمر كله أتأملها بنفس الحنان والخوف...
لو قضيت العمر كله...
لو كنت لؤلؤة لقضيت العمر كله وأنا...
لكن ماذا أقول عن الكلام الذي خلف اللؤلؤة المستحيلة؟!.

الأربعاء، 30 ديسمبر 1998، أوستن.

مشاهدة "الاختيار" على الفيديو ليوسف شاهين. بصراحة شديدة: بوليسية وتحليل نفسي فارغان.

الخميس 31 ديسمبر 1998 -- الجمعة، 1 يناير 1999، أوستن.

البلاطات التي تحت أقدامنا، والبلاطات التي تحت قدميَّ بصورة أكثر دقة كادت تتشقق من رقص عنيف، صاخب، غير محترف في الـ High Life Cafe، وذلك على عكس التباطؤات الحسيَّة للآخرين (بلفافاتهم وكؤوسهم التي حوى بعضها كوكاكولا بكميَّات بذيئة من الثلج فحسب) في الحلبة الضيِّقة.
أعرف وأعترف من زمان انني أسوأ راقص في العالم (وإن كان ترقيصي للدراجات النارية الرياضية التي أحنُّ لها أيما حنين موتِيّ كان أفضل بعض الشيء في بداية الثمانينيات وحتى بشهادة الأعداء)، لكنني حين أرقص إذ أكون منتشياً أحاول أن أرقص بروحي، وليس بجسدي، وسامح الله كل من لا يفطن إلى هذا من الأصدقاء والأحباب. الألمانيَّة بينا بُشْ هي مثالي الأروع على ذلك: إنها ترقص في الموت وعلى القبر تماما.
كنت أرقص كمن يريد أن يموت. في الحقيقة كنت أرقص راغباً في الموت فعلاً في تلك اللحظات بالضبط. كانت [...] تختلس النظر إلي من زاوية عينها، أو ترمقني بنظرة مباشرة فيها عتاب مكبوت يفيض عن الكبت والكتابة: "حتى في هذه الليلة"؟!، "أللموت خاطرٌ لديك أكثر مني حتى في هذه الليلة"؟!. تسبب الأمر كله في شعوري بالخجل الحقيقي الشديد، واعتذار حقيقي من جديد. أيها الموت: إني أرضى بقسوتك علي، لكني لا أقبل أبداً أن تجعلني أقسو على هذه المرأة الرائعة.
في طريق الذهاب والعودة الاستماع الى فيروز التي كان صوتها ينهمر علينا من الضباب الذي يغلف فجر المدينة في اليوم الأول من السنة الجديدة بعد انقطاع طويل عن صوتها. أية عذوبة جارحة في هذه الليلة الضبابية؟!.
أية ليلة حنون، وأي عام جديد دسته بقدميَّ هناك بعنف ومن غير قصد تقريباً؟!.

الخميس، 7 يناير 1999، أوستن.

ضفدع وضفدعة.

الإثنين، 11 يناير 1999، أوستن.

الإنسان – الآلي (بابتسامة واسعة): شكراً جزيلاً لك!. هذا لطف شديد منك!. سأراك في وقت قادم قريباً!. فلتنعم بيوم سعيد!.
الإنسان – الإنسان (بابتسامة واسعة أيضاً): [كلمة بذيئة جداً ولا يمكن تلطيفها للنشر]! (3).

الثلاثاء، 19 يناير، 1999، أوستن.

في موقف الحافلة في الثامنة والثلث من الصباح الضبابي ثمة طابور من الطلبة المتثائبين يحمل بعضهم إفطاره في كيس من النايلون. بعد قليل بعضهم أغفى في الحافلة المزدحمة بعض الشيء، وبعضهن يضفين آخر اللمسات المكياجيَّة في غياب المرآة، وبعضهم فارغ الوجه مثل آلة بلا وقود. إنها حافلة تحمل عمالاً إلى مصنع. احترامي لميشيل فوكو في مقارناته العميقة يزداد.
فور الهبوط من الحافلة في الحرم الجامعي في أقرب موقف إلى قسم الدراسات السينمائية والثقافية في اليوم الأول من الفصل الدراسي الجديد ثمة طالب مسيحي يوزع بحماس منشورات جماعة "مسيحيون في الحرم الجامعي". لِمَ لا ينتظر هذا المعتوه حتى ثاني أو ثالث يوم في الفصل الدراسي مثلاً؟. منذ اليوم الأول؟!. اللعنة على المصانع، والكنائس، والسجون، والجامعات، وكل ما من شأنه أن يجمع البشر جميعهم في محيط واحد. اللعنة على هذا الصباح. اصطادني التافه الحقير فوراً وقال لي بابتسامة أوسع من فرج بقرة: "إني أريد أن أهديك إلى درب سيدنا اليسوع المسيح في هذا الصباح الطيب"!. قلت له: [عبارة في غاية البذاءة ولا يمكن تلطيفها للنشر]، وانصرفت عنه بازدراء وهو مُسَمَّر في مكانه وفاغر العينين.

الأربعاء، 20 يناير 1999، أوستن.

شاهدت الليلة فيلم "العصفور" ليوسف شاهين عبر الفيديو للمرة الأولى. فيلم بهيٌّ عن حبيبتنا "بهيَّة". لا أظن أن هذا الفيلم تضيره كثيراً تأثيرات السينما الغربية (تحديداً مدرسة "الموجة الجديدة" الفرنسية) الواضحة فيه بالنسبة لي في الأقل (تأثير مدرسة "الواقعية الجديدة" الإيطالية واضح أكثر في واحد من أفضل أفلامه بالنسبة لي: "باب الحديد" الذي يتجلى فيه ممثلاً بارعاً بقدر ما هو مخرج بارع). في النهاية استوجبت خلفية وتجربة يوسف شاهين ان لا يكون "مصرياً" بالضبط وبالمعنى الضيق للكلمة، أو انه لم يكن مصرياً فقط. للرجل خلفية كوزموبوليتانيَّة استثنائية مرتبطة بطبيعة مدينة الإسكندرية في نشأته، هذا ناهيك عن دراسته في "كلية فيكتوريا" مُزامِلاً لأشخاص مثل إدوَرد سعيد.
لكن هذه قد تكون مشكلة في حالات الاستمراء والتماهي: أين لغتك في لغات الدنيا كلها؟.

  1. "غوادالوبي" (Guadalupe): اسم نهر يقطع مدينة أوستن – تِكْسَس، وهو أيضاً اسم شارع رئيس بها محاذٍ للطرف الغربي من حرم جامعة تِكْسَسْ في أوستن. (هامش أضيف إلى المتن في يوم الجمعة 1 أكتوبر 2010، مسقط).
  2. ستتضمن الحلقات القادمة المزيد حول الأقدار المائية الغريبة لكتبي في ومدينة أوستن، وقرية مجز الصغرى، ومدينة مسقط. (هامش أضيف إلى المتن في يوم الجمعة 1 أكتوبر 2010، مسقط).
  3. بالإنجليزية في الأصل. ترجمتي.

إقرأ أيضاً:-