عقل العويط
(لبنان)

عقل العويطلا الأوطانُ تُسعده. ولا هي تُغنيه.
لا الرحمُ. لا السقفُ. لا العراءُ. لا الهربُ. لا اللجوءُ. لا الجسدُ. لا الروحُ. لا العدمُ. لا الوجودُ. لا الشمسُ. لا النبعُ. لا الظلُّ. لا القحطُ. لا اللذةُ. لا الأملُ. لا الوجعُ. لا القلبُ. لا اليأس.ُ لا موضعُ العقل. لا المسقطُ. لا المنفى. لا المنتهى. لا القبرُ. لا الأرضُ. ولا السماء.
لا المكانُ. ولا الزمان.
ولا البيوتُ. مهما يكن شأنها. ولا المراتبُ. ولا المالُ. ولا الأضواءُ. ولا الظلماتُ. ولا الجحيمُ. ولا النعيمُ. ولا السديمُ. ولا الأديمُ. ولا ذهبُ النوم وحريرُهُ. ولا الحلمُ. ولا الفجرُ. ولا الليلُ إذا اندمل جرحُهُ. ولا إذا تفتّح. ولا الجرحُ إياهُ إذا استبدّ. ولا إذا تأرّق. ولا النهارُ. ولا الحياةُ إذا تطاولتْ. ولا غفوةُ الموت. ولا الحياةُ في الموت. أو في الأبد.
يُسعده ويُغنيه أنْ لا شيء يُسعده. ويُغنيه.
أغبطه. وأحسده. لأن لا شيء يُسعده. ويُغنيه.

***

أنتَ، أيها الشاعر: أمعِنْ في دجنتكَ المدلهمّة. ووحدكَ. فهي الدربُ. وهي الملْكُ. وهي المكانُ. وهي الزمانُ. ولا تخرجْ الى ضوء. ولا تبتسمْ لأحد. ولا تسلّمْ على أحد. ولا تسلسْ. لكي لا يقال انكشفْتَ. ثم يقال: ابتسمتَ. وسلّمتَ. وأسلستَ.
ثم: لا يكنْ لكَ مولدٌ. وعمرٌ. ووجهٌ. وقناعٌ. ومرآةٌ. وبيتٌ. وعيدٌ. ودمعةٌ. ولا غلطةُ أحلام.
ولا تنمْ. ولا تقمْ من نومٍ. ولا تأخذنّكَ سِنةٌ. أو يقظةٌ. أو دوارٌ. ولا يعرفنّ أحدٌ بوجودٍ لكَ. أو بغياب.
ولا يكنْ لكَ البتّةَ ملْكٌ أو زمانٌ أو مكان. لتكنْ لكَ فقط الدجنةُ المدلهمّةُ. ووحدكَ. فهي لا شيء.
واتّعِظْ بالدجنة. وهي الكلّ الليليّ في اللاشيء: فليكنْ لكَ إذاً لا شيءٌ. لئلا يغبطوكَ. ولئلا يحسدوكَ.
أكتبْ فقط. وليكنْ لكَ الشعرُ الذي لا يُسعِد. ولا يُغني.
ولتكنْ لكَ اللغةُ فقط.
لكي لا يغبطوكَ. ولكي لا يحسدوكَ.
وليكنْ لكَ اللاشيء. فهو كلّ شيء.
ثم: لا تعدْ من دجنتكَ المدلهمّة أيها الشاعر. ولا تسلسْ. فليس يليق أن تسلس. ولا أن تعود.

***

مَن حياتُهُ لحمُ الشعر يُطعِم الشعرَ لحمَ الحياة. ويَسعد. ويغتني.
ولا يخسر الملْكَ ولا الزمانَ ولا المكانَ، ولا يموت. لا يموت مَن بيتُهُ القصائدُ. ومَن أعمارُهُ الكلمات.