هنري ميشونيك

ترجمة: عبداللطيف الوراري

هنري ميشونيكلا يحتاج هنري ميشونيك[1932 ـ 2009] إلى تقديم، وإن كانت وضعيّته كشاعريّ ولغويّ ومترجم قد غطّت على قدره كشاعر وجد نفسه يواجه الشّعر ويكتبه عن ميْلٍ لا عن تصنُّع، وهو في السادسة عشرة من العمر. لقد سعى بهبة الكلمات الّتي لديه إلى أن يكون مهموماً بطفولته التي استهلكتْها أيام الحرب والمطاردة والخوف، وأن يكون شاهداً على ذلك العذاب الذي يلحقه الناس بالنٌاس، قبل أن يتوجّه لدراسة الآداب حتى يتحرٌر ماديٌاً.

بين الفكر والقصيدة، جعل هنري ميشونيك من عمله عملاً لا ينفكُّ عن أخلاقيّاته، وما يني يقدّم نفسه طريقةً لاستبصار الحياة. كما عمل على هدم أسوار " اللّاهوتي ــ السياسي" التقليدية، ممّا أدخل في شعره، وفي فكره الشعريّ بالنتيجة، قدْراً هائلاً من هواء اليوتوبيا التي تقترح واجب حماية التعدُّد، بما في ذلك تعُّدد اللُّغات التي تفرض نفسها. يقول ميشونيك:

أكتب القصائد، وهذا ما يجْعلُني أفكّر في اللغة بصفتي شاعراً لا لغويّاً. ما أعرفه وما أبحثه يمتزجان. وحتى ما أترجمه، ولاسيّما النصوص التواراتية. وهكذا لا يوجد لا البيت ولا النثر، ما يوجد إلّا أسبقيّة الإيقاع المعمَّمة، في سمعي...حتّى القصيدة، تلك التي أعني بها تحويلاً لشكل الحياة إلى شكلٍ لغويّ ولشكل اللُّغة إلى شكل حياة، تتقاسمُ مع التأمُّل المجهولَ نفسه، الخطرَ نفسه واللذّةَ نفسها..". صدرت له مجاميع شعرية عديدة، منها:

Dédicaces proverbes

عن دار غاليمار عام 1972، ونالت جائزة ماكس جاكوب في العام نفسه. ثمّ:

Voyageurs de la voix

عن دار فرديي عام 1985، ونالت جائزة مالارميه عاماً بعد ذلك.
Je n'ai pas tout entendu
عن دار دومرشي عام 2000.
Tout entier visage
عن دار أرفويان عام 2005.
Et la terre coule
عن الدار نفسها عام 2006، ونالت جائزة ناتان كاتز في العام نفسه، والجائزة الكبرى العالمية للشعر التي حملت اسم أوجين غيليفيك من مدينة سانت مالو عام 2007. في قصائد هنري ميشونيك تكلّمنا قوّتها العارية مع صرامة كلماتها البسيطة والمضيئة الّتي تؤرّخ للبدايات وللأصل، بالقدر الّذي تؤذينا في الصميم داخل انسيابيّةٍ طافحة بإيقاع الذّات، مثل هذه القصيدة الّتي تسيل مثلما " الأرض تسيل، كما يسيل الدّم".

والأرْضُ تسيــل

والأرْضُ تسيل
من الدّم تسيل
بقدْرما الأقوال
تمتزجُ
بها
منذ متى عبرْناها
لأجْل الحيّة
البشوشةُ
الّتي دائماً ما تُلازمُنا
كلَّ يـد
أنْظُر إليكم
بطريق الصّدفة
وقْتَما أمشي
بحيْثُ إنّ الزّمن
الّذي يعبُرُنا
ليْس إلّا
النّوْم
يسهرُ
من أجْلِنا
وليْسَ إلّا الصّرْخات تحْدُث بالصّمْت
لمّا الصّمْت
يخْنُقُ الصّمْت
وليْس إلّا الأقوال
الآنَ
تكُونُ بالدّم الّذي يخْرُج من الأفْواه
ولمّا نُريد
أن نتكلّم يوْماً
فإنّما بسبب اللّيْل
الّذي يتكلّمُنا
ولمّا نعتقِدُ أنّنا نُطْعَم
فإنّما من الأرْض
الّتي نَبْصقها مراراً
تلك الّتي يسيلُ مِنْها
كلُّ هذا الدّم

*

لِي كلُّ الْحَيَوات فِي حَياتِك
أبْلُغك في كلّ أرْض تكُونين بِها
أنا اللّيْل
لِأَنام فيك
وأنا النّهار
لِأَراك
ونحنُ نَدُور
حوْل الْعَالم ندور
النّوْم في مُتناول الْيَـد
لكنّ الْعُيون تَحْرس
كلَّ الْعُيون
الّتي ترْحل
إنّما لَا مكانَ
لِنَوْمٍ
بمِقْدار ما يُخيِّم ساطِعاً
هَذا اللّيْل !

*

مِن نَوْمٍ إلى آخر
نَسير وقوفاً حيْثُ
الأيّامُ السّاعاتُ تُفكِّر بنا
مُنْذ متى نَطِير مِنْ
غُصْنٍ إلى آخر
نعم، نَحن الّذين نجْعل
من الطيور ممّنْ هناك مُسلّيةً
حتّى التي شاءت أن تطير بنفسها
عبْر السّقوف إذ القتلةُ
يُطْلقون نار الله
في كلّ يوم مؤونة كراهيّتهم

*

أنا الحياة
أمشي
من شمْسٍ إلى شمس
في دغـل السّحاب
شجرةُ الرّوائح
في الأيدي
فأسمعُ إلى زُهورٍ بأكملها
أنا طيّ كلّ ما يُقال في
كلّ ما ليس يُقال
أمتلئ بالأقوال
حتّى عندما لا تشاءُ أن تقول
لا أُباعُ للقصص
باسْمٍ
وسِواه
هذه القصص تحيا الموت
وكلماتي جميعُها
نَذَرْتها للحياة

ايلاف
29 يوليو 2009