موسى حوامدة
(فلسطين/الأردن)

Mosaلم افهم دعوة المسيح إلا بعد ان دخلت التجربة فتجسد لي ابن مريم رافعا يديه الى السماء معاتبا ربه قائلا: ها أنا ذا يارب كشفت ضعف الأصدقاء وهوانهم ولم أكن في حاجة الى تلك الفضائح فقد كنت ستعفيني من (كشف الظنون ) كي يظلوا في العين قذاها، وفي الحلق مرارته، لكن المحنة كبيرة على الانبياء فلماذا تدخلني إليها يا رب و(أنا اضعف خلقك إنسانا)؟ ؟

يا حكمتك فوق الحكم، وعظمتك فوق العظائم، وصنيعك فوق الصنائع والبدع/لا حاكم عليك، بل محكوم بك وقد حُكمت بتجربتك وامتحنت بشق عصا طاعتك فاكتشفت الرديئين والخبيثين وتعلمت قراءة الوجوه والعيون والأفئدة وصيّرتني الفجيعة برقا شرقيا وسرا يمانيا، أظهرت لي حجم الأعداء الذين لم أكن أتوهم ولا كنت أتوقع وأبانت لي الغلظة والقسوة وأكثرت الأنجاس والحساد والحاقدين وألقت بي في صحراء لا ترحم تحت صهد ريح شرسة لا ترفق ولا تعرف غير السفوف والصفوق والهبوب والغبار!!!

وهب يا رب أني كفرت بك؟
فهل يضير تبخر نقطة، ماء المحيط؟وهل تفسد النطفة ملايين الجينات ومليارات النفوس وهل تنقص حبة رمل كل هذه المفازات والصحاري؟
وهب يارب أني تأمّلت أو تساءلت؟ فهل تطلق علي كلابك بدل أوليائك؟ وهل تظهر لي قطيع السوء بدل جمع المحبين وهل ترسل لي الدبابير الخنازير بدل العصافير والبلابل؟وهل يا رب تخلط الليل بالنهار واليمين باليسار فلا اعرف الغاضب الكاره أو الساخط الناقد من الناقم والشرير ومن الناكر والمنكر والماكر والممكور والمكفِر المكفَر اوالكافر والمؤمن والجن من الأنس؟ هل كان ضروريا يا رب ان نساق للإيمان كما تساق الإبل لمياه الغدير؟ أو القطيع للمراعي أو المسالخ؟
وهب يارب أني رفضت وِِرد الماء كدرا وعافت نفسي الطين فهل تحول أشباه المثقفين رجال دين معممين أو نقادا متمترسين وهل تسمح لهم باستخدام سيف بطشك بعبدك الذاهب عنك الزاهد في طاعتك ورحمتك ورهبتك ورضاك !!المأخوذ بنور بهاك العارف فضل رحمتك الموقن نعيم تدبيرك؟ ؟ وقسوة تعاليمك اعرف يا رب انك لم تقسم الناس قسمين؛ مؤمنين وغير مؤمنين ولم تفضل أحدا على احد ولا رجلا على امرأة أو سيدا على عبد لذا قبلت أنال غضب المؤمنين ومدعي الإيمان وسائر الأوصاف والإنصاف والأرباع والصفات لكنني استنكرت المتأدبين المتثاقفين أولئك الذين حسبتهم من الصف الآخر فإذ بهم اشد ضراوة وحقدا من ادعائك المختلطين المشوشين فاختلط النابل بالحبائل والحائك بألمكائد والدعي بالبغي وصار اليسار يمينا واليمين وسطا وتكالبت الأمم على عبدك الممسوس بكفرك فانثنت الأقلام وتبدلت الصحائف وامحت خطوط الطول والعرض فصار الكون عماء وكان لي ولك من قبل ضياء؟
اللهم وقد أدخلتني التجربة ان تدخل كل الطامحين إليها والساعين الى مجدها وحلاوتها وبريقها وشررها وشرها فقد استكثروا ان تصيبني نقمتك فغدوا لك من العابدين الشاكرين المخلصين الصالحين ليظهروا عبدك وابن عبدك عاريا من محبتك وعقيدتك وروحك وقبسك ونورك البهي.

اللهم وقد أغريتني بحديقة لعناتك وبستان شتائمك وأعاصيرك الهوج وطلاسمك السود ان تمطر شآبيب رحمتك وقناطير لعناتك على المريدين الذين يطلبون (التجربة) فقد ظن البعض أنني اغتنيت ووصلت كلمتي إليك وصبت محنتي بين يديك وقبلت معصيتي لديك فأوغروا صدورهم وكظموا غيظهم وسددوا سهامهم ورشقوا نبلهم بعد ان استرحموك ودعوك ان تخفف عني بركاتك وتلملم عن قصيدتي زبانيتك فقد أغاظهم كثرة الترديد وساءهم نشوة التأكيد فخفت عقولهم وزاغت أبصارهم وهاجوا وماجوا وما علموا ان البخور لا يحترق بغير يدي صاحبه وألسنة اللهب لا تبزغ من غير نارها وحطبها وان الكلمات لا تسيل مثل المطر على كل من هب ودب ورفع بيدقا أو شد سارية أو نصب علما أو حفظ عِلما وبرى قلما ولكنك أدخلتني التجربة التي لم يقو عليها ابن (كلب…)
فلم يا رب اصطفيتني من دون رعاعك وحافظي أو منكري كلماتك وزاعمي مجانبتك؟ هل أكرهتك أم أكرهت عبادك غير المؤمنين ؟ ؟وقد أصبت من خدمك بما لا يرضيك وقصفت من معك بما لديك فقبلت ورضيت عدلك وظلمك حرا طائعا لا عبدا خانعا

لكن ان تسوي الليل بالنهار والجنة بالنار والأسود بالأبيض الأخضر بالسماء فتلك تجربة اخرى لا تقبل ميازينك ان تصب نارها علي فارحمني من رحمتك وعطفك وقد كفاني ما أصابني منك من قبل ومن بعد ولا شكر يوجب السعادة إلا معصيتك وبتر أيدي أشباه المثقفين وانغال المستكتبين وقد نكأت جراح عشيرتك ولم احظ برحمة أتباعك فكف تجاربك عني فما أنا باغ مراتب الانبياء وحسبي كلمة فاه بها فمي ونطقها لساني ولن يكف عن ترديد ما لا يرضيك ولا يرضيهم وحسبي أنني أقول ما لا يقال وامشي الى حيث لا تنصح وصاياك التي لم يقو على تخريبها نبي قبلي وحسبي كثرة الأعداء فهم لجنتك دٌفَّع ولقناعتي قطاع طرق لن يبصروا قافلتي فقد عميت عيونهم فهم لا ينظرون الى سرك الباهر ونورك القاهر ومنارك الساطع وعدلك الوافر وكرمك الأكثر ر فخذهم الى جنتك تكفيني جهنم دنياك ولن تفوتني معصيتك ورحمتك ورضاك !!!!!

hawamdeh87@hotmail.com
musa_hawamdeh@yahoo.com

المصدر: إيلاف
الثلاثاء 21 يناير 2003


أقرأ أيضاً