إبراهيم الحجري
(عُمان)

زائغون، يتورطون في الجرائم ، كالصبي الكبير في شلة الأطفال يقوم بالجرائم مهدداً الآخرين إذا بلغوا عنه أو وشو به ، الكلام قد يشفي الضمير المعذب ، والسكوت لا يغير شيئاً في الراكد .
بلدي تمارس السكوت
الكلام يفتض صدأ الصمت
السكوت يذهب بعيداً إلى الحد الذي تنتفي فيه الحياة
أول وصف للميت : ساكت ، سكت ، سكتة قلبية ، سكتة دماغية ، سكتة جسدية = مات .
الكلام فعل الحياة ، السكوت فعل الموت .
الثرثرة طبعاً مقيتة ،
المتحدث اللبق من يضع الإشارات الجيدة والكافيه في أذهان المستمعين .

الثرثار يلعب بالإشارات
من يلعب بالإشارات يُتعب الذهن فلا يعود الذهن يقبل كلامه بل يلعب وحده مع نفسه بأفكار أخرى ويبقى صوت الثرثار مجرد خلفيه ، لذلك عندما يسألنا الثرثار هل أنت معي ؟ نجيبه طبعاً ، مستلين آخر كلماته ونكررها له مرتين فيواصل من جديد ونذهب نحن من جديد مع لعبة الأذهان .
حضور جسدي وغياب ذهني

المنطق فاسد
لأن حمل الكلام على أنه فضة هو مجرد تركيب، فالكلام ليس فضة أصلاً، لذلك فالاستدلال فاسد، والنتيجة التي تترتب على الاستدلال فاسدة، بالتالي، كل الجملة فاسدة، فاسدة منذ البداء .

إنها شهوة الإسكات والكلام المنفرد ، شهوة الثرثرة، كما في صحف السلطة المتعسفة، الكل يثرثر عن مجد الملك ثرثرات لا تنتهي والسكوت من ذهب
أي ذهب؟ ذهب السلطة لمن يعلمون ويسكتون، سكوت الابتزاز من ذهب، سكوت المتواطئين من ذهب، سكوت الوضيعين والجبناء أيضا من ذهب، الكلام في حالة الأخيرين يودي بالحياة .

إذا فالسكوت من ذهب النظام ـ جميل كم يكتسب النظام من صفات سيئة جديدة كل مرة بعد أن كان مقدساً منذ زمن ليس ببعيد ـ
الكلام من فضة والسكوت من ذهب
لا يمكن قول ذلك دون كلام، إن السكوت الذهبي لا يستطيع أن يوصل إلى أي شيء من هذا، أي مديح للسكوت يحتاج إلى كلام ، كأحد رجالات السلطة الضاغطة عندما يتحدث عن أن المال يجب أن يكون في آخر أولويات الشعب وأن تكون خدمة الملك في المقدمة ، نفس رجل السلطة يحتاج إلى المال الكثير ليقول ذلك القول لخدمة الملك ، يحتاج رجال الملك إلى مال وفير وخير عميم ، الشعب الفقير لا يستطيع أن يمتدح السلطة ، وحده الرجل السلطوي الغني يستطيع ذلك، مديح الفقر لا يكون بالفقر بل بالغنى ، الفقير يقارن نفسه بالغني في أدبياته ، الغني لا يفعل ذلك يكاد يتعفف عن ذكر الفقر ، حتى سب الملك يحتاج إلى مال فلننظر إلى المعارضة الغنية ، المعارضة الفقيرة مهروسة وتشحذ .

الساكت شيطان أخرس، هذا أجمل لكنه ليس جميلاً في حق الشيطان، الشيطان لا يكون أخرساً، تنتفي صورة الشيطان إن انتفى الفعل والإيماء الدلالي والإشارة والوسوسة، لا يعود شيطاناً : الشيطان الأخرس، لا بد أن يتكلم في لحظة ما، الشيطان الأخرس صفة تنفع للمحاسبين، لأمناء الصناديق، لوزراء المالية لأمين عام الأمم المتحدة لرئيس البنك الدولي للقاضي، لكن ليس للشيطان الحقيقي: الانسان الشيطان، الشعراء الشياطين بغل المعري وديونيزوس نيتشه ليسا صامتين بل شيطانين .
صفة سيئة تتبع الشيطان في حين أنه الأكثر صلاحاً لعصرنا الراهن، الشيطان يستحق إعادة الاعتبار اليوم، أحب أن أكون شيطاناً، آدم يعي وجوده عندما يخالف الأمر الإلهي ـ قبلها هو مجرد مخلوق صناعي ـ يبدأ الوجود بالشيطنة، اليوم نستطيع القول بكل راحة أن الشيطنة وجود أنسني، أفضل بمراحل من الوجود الملائكي، كذلك الشياطين وحدهم من يقدرون الوجود الملائكي، أما الملائكة فلا .

وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟ ، نص يختزل قوة الكلام، الكلام الذي يغضب الله، هذه الصورة مريحة للأبكم، الأبكم القديم، لأنه لا حصاد للسانه، لكن ذوي الألسنة يكبون على وجوههم في النار، لو كانوا ساكتين فأين مصيرهم ؟ الجنة ؟! .

لسانك حصانك إن صنته صانك وان أهنته أهانك، هذه هي حكمة أفضل اقتراباً، لكنها لمصلحة السلامة: النفاق، حكمة عملية : عميلة، النفاق يعني السكوت أيضاً ، الكلام المنافق كالسكوت خردة لا تصلح لشيء .

متى يكون السكوت ذهباً؟ عندما يكون الكلام مؤثراً، عندما لا يملك الكلام قيمة يكون السكوت خردةً مجردة، لا بد من فنان حقيقي ليخرج منها شيئاً، قيمة السكوت من قيمة الكلام، كلما ارتفعت قيمة الكلام المسكوت عنه كان السكوت قيّماً لكن لمن؟ لأعداء الحقيقة التي تضر المصالح !، لأعداء الكلام الفاضح ، لاحظوا معي كيف يُقيّمون الشيء: بالذهب والفضة والأحصنة، بالغالي والرخيص .

مدح السكوت إنما هوَ للصمت عن قول الكلام المؤثر، صمتُ الحجر ، صمت الكائنات الصماء: الجماد، لا يساوي شيئاً، لا قيمة له، لأن الكلام المنتظر منه لا يساوي شيئاً، الصوت المنتظر من الحجر لا يساوي شيئاً، الكلام الذي قد تجترحه الشمس ليس مؤثراً، الموجودات لا تتكلم إنها فقط تُستنطق، يتم الكلام باسمها، النطق باسمها، حتى يكون كلامها مؤثراً، وله معنى، الكلام هو إذن مقياس السكوت .

يكفي أن الجمال في صف الكلام : الجمال الناطق، مَن فضّ الجمالَ ومَن ذَهب؟ الكلامُ مَن فضّهُ والسكوتُ مَن ذَهب .

ebrahimalhajry@gmail.com

أقرأ أيضاً: