إبراهيم الحجري
(عُمان)

البيت الطيني مهدد بالمياه ، لكن بسبب الديكة التي تصيح على أسواره ، لا ينهدم ، وربما بلا سبب أيضاً بالمياه التي تسقط عليه من السماء الدنيا ، لا تعلم إن كانوا سيستخدمون الاسمنت في الجنة ، ولا كم سيكون سعر البترول والكهرباء وهل ستوزع مجاناً ؟ لكنك تعلم أن الأسعار سريعة الاشتعال ، والبيت الطيني الذي تحلم ببنائه ، ستموت ولم تضع على روزنته كحلاً !.

البيت الطيني قد يكون كبيراً بما يكفي لإسكان شعب ، لكن البيت الطيني حانة تفتح في النهار فقط عندما تكون الأرض مكتفية بمصباح الشمس المتدلي ، لأن رجلاً اسمه جمعة أو سالم ، أو أي اسم من الأسماء التي تعرفها ، قتل البومة البيضاء بطلقة من بندقيته !.

البيت الطيني بوابة قد تجدها في قصيدة ، وقد تمر عليها سريعا لأنك مشغولٌ بالذهاب والعودة ، لكنك لو توقفت قليلاً سيطلع لك المجانين والمغايبة والسحرة ونساء بدينات بثياب شفافة ونخيلاً وجناً وفقهاء ورجال حرب ورجال خدعة وسفراء ومظلومين وأخوة وشجرة ليمون . البيت الطيني صندوق خشبي له صرير تسمعه الجدات من بعيد . . من بعيد وهن ميتات !.

البيت الطيني ، قرية ، أو مجرد مدينة ، لكن أيضاً سمكة كبيرة تخرج من البحر بعد عناء ورجال أشداء وإزرة وفانلات كثيرة وعرق وروائح وزلق ، سمكة تخرج من البحر بجهد ، تزرع أعشاب اللعاب السائل في الأفواه ، ثم تنزلق في غفلة الجميع وتعود للبر !.

البيت الطيني حديث عند الشريعة ولطخة على دشداشة العيد البيضاء ، البيت الطيني حماسي يترك أثرا مدريا ، البيت الطيني يبدو غير متجانس مع القنوات الفضائية وشبكة الانترنت ، لأن البيت الطيني هو الخربة الموحشة و المنازل المندثرة كالعطر النافد وألوان الثياب التي تطير في الريح وأغطية رأس بالكشاكيش والفراريخ ، البيت الطيني غطاء رأس مزدان بالتشجير ومطرز طار بعيداً ثم سقط على شارع مسفلت وداسته شاحنة بترول . البيت الطيني له علاقة سرية بالبحر يتهدم مع رسو ناقلات النفط العملاقة في نفس خط العرض الذي له !.

البيت الطيني قد يكون حصناً أو قلعة أو مجرد برج على جبل بنيان يذكرنا بما يجب نسيانه من دماء ، الدماء لون جميل على الجدار الطيني ، لكن البيت الطيني معلم حنين مجتهد ، وصندوق ذكريات متماسك ، وأصوات يرن صداها غائراً وبعيداً داخل الذاكرة ، ودمعة لا تسيل سريعاً .

ebrahimalhajry@gmail.com