قبل فترة قلت لوكالة الصحافة الفرنسية إن العريض يعتبر «واحداً من الشعراء الموسوعيين» ويمثل «بداية الحداثة الشعرية بمنطقة الخليج».
وأضفت لقد كان يتكئ على مزيج واسع من الثقافات بدءاً من الإنجليزية والهندية والفارسية والعربية، مما أعطاه مجالاً وقدرة لكي يختط لتجربته الشعرية طريقاً مغايراً عن الشعراء الآخرين، وكان يحلق في الشعر بجناح عربي لكن بأفق كوني مفتوح.
وأشرت إلى أن العريض يعتبر من «مؤسسي المسرح الشعري» بمنطقة الخليج منذ أعماله الأولى في هذا الميدان في الثلاثينات.
وذكرت أن العريض الذي يكتب الشعر باللغة العربية والأوردية والفارسية والإنجليزية بدأ حياته العملية مدرساً للغة الإنجليزية في مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق في العام 1927، وفي المدرسة الجعفرية بالمنامة في العام 1930، وانتقل إلى وظائف عدة في دائرة الجمارك وإذاعة البحرين وإذاعة دلهي في العام 1943.
وعشية استقلال البحرين عن بريطانيا في العام 1971، انتخب العريض في العام التالي 1972 رئيساً للمجلس التأسيسي، وعين في العام 1974 سفيراً متجولاً ثم سفيراً مفوضاً فوق العادة في وزارة الخارجية.
وأصدر العريض أول دواوينه تحت عنوان «الذكرى» في 1931 الذي طبع في بغداد، ثم أصدر مجموعة من المسرحيات الشعرية أبرزها «وامعتصماه» و»ديوان» و»شموع» و»أرض الشهداء» وهي ملحمة شعرية حول فلسطين و»قبلتان» وهي قصة شعرية أندلسية، وترجم «رباعيات الخيام»، وعدت ترجمته أفضل ترجمة بعد ترجمة الصافي النجفي.
وكرمت البحرين العريض قبل شهور عندما منحه جلالة الملك المفدى وسام الشيخ عيسى بن سلمان من الدرجة الأولى وأصدر أمراً في فبراير الماضي بإطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بالعاصمة المنامة.
وإن كان الشاعر إبراهيم العريض وهو الشاعر الذي أثرى اللغة العربية بشعره وترجماته للخيام، أصبح بيت العريض بيتاً للشعر من كل مكان تعقد فيه الاجتماعات الخاصة بالشعر والشعراء وإلى جانب خلوة يستطيع الزائر لها الاستماع إلى شعر العريض وقراءة المعلقات العربية ومن ثم زيارة المكتبة التي تحتوي عل دواوين الشعر من كل العالم والتأمل في محتويات المكتب الخاص لإبراهيم العريض.
وعن هذا البيت من الممكن القول إنني تعرفت عليه منذ أوائل الستينات من خلال المرور عليه ونحن خارجون من الحورة، المنطقة التي نسكن، متجهين إلى السوق، عابرين طريق اليتيل وفريج بن سوار، وكان بيت العريض مختلفاً عن البيوت الأخرى في فريج العوضية، طبعاً في تلك الفترة لم نكن نعرف على ماذا يحتوي البيت، لكن آثار البيت كانت تمطر علينا بين وقت وآخر شيئاً من المجلات التي تصل إلى الشاعر الكبير منها على سبيل المثال مجلة هنا لندن، حيث نحرص نحن الذين كنا في بداية المراهقة المتعطشين للقراءة على الحصول عليها.
من جانبه، قال الشاعر سعودي عبد الله الخضير عن العريض :»كنت تواقاً إلى أن أقوم برحلة إلى عالم الشاعر الكبير إبراهيم العريض فهو من جيل التنوير، الجيل الذي درس وبذل وأعطى، وقدم عطاء خالصاً لرسالة الفكر والأدب والحياة، وشخصية فريدة متميزة في فكرها وآرائها وفي فلسفتها للحياة والفن».
وأضاف أن العريض يمتد عطاء ويرتقي فكراً ويسمو أدباً مجالدة في سبيل تحقيق الذات، ومعانقة للطموح وحباً للاجتهاد وطلباً للتحصيل.
وفي السياق نفسه، قال د.محمد جابر الأنصاري إن العريض أشهر من أن يعرف فقد ظلت البحرين مشهورة لدى المثقفين العرب باثنين ـ اللؤلؤ.. وإبراهيم العريض.
ومن أرض بومباي، وفي 1908 تناثرت حروف الطفولة ألماً ويتماً توفيت والدته بشهرين من ولادته ووالده مشغول بتجارة اللؤلؤ، وتمزقت براءة الطفولة فيه وذبل روض الحنان وبدت ألوان الحياة الجميلة في عينيه لوناً واحداً يحمل الشجن والدموع طفولة منكسرة لم ترتو من ماء الخليح ولم تذق طعم العروبة، ولم تشم رائحة السواحل.
وبدا صغيراً يعيش حياة القلق، بين أب مشغول في تجارته وأم تركته ـ بقدر الله ـ لحضن غير حضنها ولكن تلك الطفولة تحولت إلى شلالات من العطاء والتجدد والطموح.
من جهتها سردت ابنته ثريا العريض جانباً من حياة والدها، قائلة «تعلم الصبي العربي في مدرسة أنجمن إسلام الإسلامية الخاصة وكان يتعلم أبناء الطبقة القادرة من الجالية المسلمة، وكان والدي متفوقاً في دراسته موهوباً في الفن والاستعداد العلمي والأدبي، وظل مشغوفاً بمتابعة العلم، في البدء كان ميله الفطري للرسم كما عشق القراءة وأغرم بالرياضيات ونظرياتها وقد فهمت وهو يستعيد معي ذكرياته عن فترة الطفولة والصبا تلك أنه كان الأول على دفعته في سائر أرجاء الهند في الاختبارات النهائية.
وإن إتقان الأستاذ إبراهيم العريض لثلاث لغات وهي الأوردية والفارسية والإنجليزية تعلماً ودراسة ونظماً يدل على أن نشأته في الهند كان لها أكبر الأثر في تكوين قاعدة من أصالة الثقافة غير العربية والتعرف على ثقافات أخرى والانفتاح على حضارات متنوعة تعرفاً وقراءة وتجديداً.
وإن أكبر الحواجز النفسية التي مرت على الشاعر العريض عدم إتقانه اللغة العربية وهي اللغة الأم بالنسبة له، فحينما عاد إلى البحرين عام 1927، انخرط ذلك الشاب في مجتمع عربي لا يحسن شـيئاً من لغته، وأسئلة حائرة تجول في خاطره كيف لا أتقن لغتي الأساسية؟ كيف أستطيع مقابلة الجمهور؟ كيف أقرأ وأكتب؟ كيف أتحاور مع الناس؟
وقالت منى الغزال في كتابها إبراهيم العريض بين مرحلتي الكلاسيكية والرومانسية إن الأستاذ العريض التقى بعد عودته إلى البحرين بالكثير من الأدباء الذين كان لهم إسهامهم في توجيه الشاعر وتشجيعه على ارتياد مجال الأدب والشعر ومنهم عمر يحيى وهو شاعر سوري كان يعمل مديراً لمدرسة الهداية الخليفية، قال العريض فيه: كنت في ظله كمن سار في الروض يرى الورد فيه والريحانا، ومنهم كذلك سليمان التاجر الذي علمه قواعد النحو وكانت مكتبته الحافلة بالكتب مرتاداً له يلتهمها التهاماً، وهذا يدل على أن الشاعر العريض حين استقر في وطنه البحرين بدأت رحلته مع اللغة العربية والتراث الأدبي العربي القومي، وتمكن في فترة قصيرة من أن يتجذر في اللغة والتراث وأن يسيطر على الأدوات اللازمة للقول الشعري.
وعلى الصعيد ذاته، يجب ألا ننسى أن الثقافة الأخرى كانت متجذرة وهذا ما أكده د.إبراهيم عبد الله غلوم في كتابه «مسرح إبراهيم العريض»، حين قال إن الأستاذ العريض حين رجع من الهند إلى البحرين سنة 1926 جاء إليها شاباً حظي بقدر كبير من الثقافة والتحصيل العلمي، وقل أن يحظى به الآخرون من أبناء بلاده، أي أن الظروف التي توفرت لثقافة العريض ونشأته في بلاد أجنبية كالهند لم تتوفر لأبناء جيله بسبب الفارق الحضاري الواضح بين مجتمع الهند ومجتمع الخليج العربي في أوائل القرن الحالي.
وأضاف «نعتقد أن تجربة إبراهيم العريض في كتابة المسرحية هي أكثر تجارب البدايات المسرحية في الخليج العربي تمثيلاً للافتراض الذي تذهب إليه هذه الدراسة، وهو أن مسرحية الدرس التاريخي نموذج الموقف القومي من التغيير، ومن ناحية أخرى فإن تلك التجربة تسبق من الوجهة التاريخية جميع تجارب التأليف المسرحي المحلي إلى الظهور، وتحتل مكانة خاصة بذلك لأنها تنتمي إلى فترة مبكرة من تاريخ الحركة المسرحية، فقد نظم العريض مسرحيته الشعرية الأولى «وامعتصماه» في 1932، ونشرها في كتيب بالقاهرة عام 1932 ليمثلها طلابه في المدرسة الأهلية في نفس العام، ثم نظم مسرحيته الثانية في عام 1933 وهي «بين الدولتين».
وأشار إلى أنه «بينما يتمكن العريض من إخراج مسرحيته بممثلين من مدرسته، ويتمكن أيضاً من طبعها ونشرها في الساحة العربية فإن المسرحية الثانية لا يكتب لها شيء من ذلك، وأعدها للنشر في مجلة الرسالة مهداة إلى الأديب المصري أحمد الزيات، ثم وقعت الحرب العالمية الثانية، وحالت صعوبة الاتصال دون ذلك، كما أعدها للإخراج مع طلابه، ووزع شخصياتها عليهم ولكنه اضطر إلى إغلاق مدرسته، والانتقال إلى العمل الوظيفي، ثم ظلت هذه المسرحية مجهولة تماماً، رغم أنها تضمنت شعراً أكثر جودة من شعر المسرحية الأولى، ولم يحل دون نشرها سوى أن العريض وضع خطة هذه لمسرحية بحيث تكون في جزأين، نظم الجزء الأول منها، واحتفظ بنسخته المخطوطة، فظلت- في نظره- غير مكتملة ثم طوى صفحات تلك المسرحية. مع تقدم تجربته الشعرية وأصبح عامل الزمن يزيد من إهمالها، ويباعد عنه فكرة نشرها، رغم أننا نرى فيها بحزئها الأول، مسرحية تامة الفصول والأحداث، وأياً كان الأمر، فإن السبق الزمني الذي تحققه تجربة إبراهيم العريض في مسرحيتيه السابقتين، له أهمية في سياق هذه الدراسة، لأنه يربطها بالموقف القومي من حركة التغيير في فترة حبلى بالأحداث والتحولات».
وبدوره، قال د.سامي حنا إن إبراهيم العريض يمثل مرحلة من أهم مراحل تاريخ البحرين الثقافي الحديث، وهو لا يزال يمثل الرمز الحي للاستعياب الثقافي لا في وطنه البحرين فحسب بل في منطقة الخليج العربي وربما في العالم العربي بأسره.
الوطن - الجمعة 12 فبراير 2016 12:43