محمد شعير
(مصر)

أمل دنقلفي مكتبة الإسكندريّة

تحتفل «مكتبة الإسكندرية» غداً بالذكرى السبعين لولادة صاحب «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» (قبل موعدها الفعلي بأشهر: 23/ 6 / 1940)، من خلال احتفالية كبرى يشارك فيها المايسترو شريف محيي الدين، مدير مركز الفنون في مكتبة الإسكندرية، والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي ملقياً كلمة الشعراء، وأحمد درويش ملقياً كلمة النقاد، والشاعر فؤاد طمان. ويقدم مثقفون شهادات عن الشاعر الراحل، منهم زوجته الكاتبة عبلة الرويني، وشقيقه أنس دنقل، وصديقه محمد رفيق خليل، والناقد عبد العزيز موافي، والشاعران علاء خالد وحميدة عبد الله، ومحمد زكريا عناني أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة الإسكندرية. وتقيم المكتبة في القاعة الكبرى أمسية شعرية في الثامنة مساءً، تضم قصائد مغناة لأمل دنقل تقدمها أوركسترا مكتبة الإسكندرية، تأليف وقيادة شريف محيي الدين، وبمشاركة نيفين علوبة (سوبرانو) مع قراءات من شعر الراحل. www.bibalex.org

فيلم وأمسية موسيقيّة في ميلاده السبعين

رحل الشاعر الشاب (1940 ــ 1983)، قبل أن يقول كلّ ما في جعبته. غداً، تحتفي «مكتبة الإسكندريّة» بميلاده السبعين، من خلال عرضٍ شريط تسجيلي نادر فيه يتحدّث «الجنوبي» عن هواجسه وأحلامه
«الشاعر ليس إنساناً متميزاً أو متفرداً. هو يعيش حياة الآخرين، ويعاني معاناتهم... لكنّه يفترق عنهم لحظة الكتابة. حينها يزيد وعيه درجةً عن وعيهم». اختار أمل دنقل كلماته هذه بعناية. كان يتحدث مسكوناً على الأرجح بهاجس صورة وكلمة سيتركهما ميراثاً من بعده.
«أوراق الغرفة 8» عنوان شريط عطيات الأبنودي التسجيلي عن أمل دنقل، الذي تعرضه مكتبة الإسكندريّة احتفاءً بميلاد دنقل السبعين. صوّرت المخرجة فيلمها أثناء مرحلة علاج الشاعر المصري قبل رحيله عام 1983. هذا الشريط هو الوثيقة الوحيدة المصورة عن صاحب «أقوال جديدة عن حرب البسوس»، إضافةً إلى حلقة من برنامج «أمسية ثقافية» مع الشاعر فاروق شوشة على التلفزيون المصري... اختفت لاحقاً!

وجدت الأبنودي في تصوير دنقل ضرورةً ملحّة، وخصوصاً بعد الرحيل المفاجئ لصديقه القاص يحيى الطاهر عبد الله، من دون أن يترك أي شريط مسجّل: «شعرتُ حينها بالأسى، ولأننا كنا نعرف أننا سنفقد أمل بين لحظة وأخرى، حاولت إقناعه بأهمية التصوير، وبأن هذا الفيلم وثيقة لأجيال تالية، ولمؤرخين ونقّاد سيبحثون في سيرته وحياته. اقتنع بالفكرة، وتحدث لأكثر من ساعتين عن الحياة والأصدقاء والشعر والحب والموت».

بقي الفيلم في العلب أكثر من عشر سنوات. وعندما وضعت الأبنودي لمسات المونتاج الأخيرة، اختارت من التسجيلات الطويلة نصف ساعة فقط، وقد خصّت «الأخبار» بفرصة الاطّلاع على التسجيل الخام كاملاً... نكتشف هنا ما غاب عنّا من سيرة صاحب أحلام العروبة والثورة، وأحد أبرز المثقفين الذين عارضوا اتفاقية السلام المصريّة مع إسرائيل.
نشاهد صاحب «مقتل القمر» يتحدّث عن سبب اختياره للكتابة. هو بكلّ بساطة لم يكن يملك «خيارات أخرى» على حد تعبيره. «لا يمكن أن أعبّر بالموسيقى أو الرقص، أمّا الكلمة، فلها في المجتمعات المحافظة والمغلقة أو المتخلّفة قيمة كبيرة تصل إلى دور سحري. في الميثيولوجيا الشعبية، الكلمة قد تحيي وتميت، بل لها قوّتها الذاتية المنفصلة عن الإنسان كمثال الأحجبة أو قراءة القرآن على المريض...».

كانت الكلمة سياقاً طبيعياً لهواجس وشجون الشاعر الذي جاء إلى القاهرة من قريته الصغيرة القلعة (قنا ـــــ جنوب مصر)، مع صديقه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، ليتبعهما لاحقاً القاصّ يحيى الطاهر عبد الله. لكنّ الشعر كان «خياراً ذاتياً»، كما يقول. ارتبطت نبرته الشعريّة ببيئة طفولته وشبابه، «في مجتمع محبوس بين جبلين، حيث التضاد واضح جداً بين السهل والجبل، وعنف المناخ والحدة، والالتقاط السريع للأشياء، حيث لا شيء له صفة الديمومة، ولا يملك الفرد ما يكفي من الصبر لكتابة الرواية».

«ارتبط انتقالي إلى القاهرة بتغيير في نوعية الشعر، من الشاعر الرومنطيقي الحالم الذي يذوب وجداً ويكتب عن فتاة تمشي بخطوات موسيقية، وعن مشهد الغروب والنيل، تحولت شاعراً يربط الكتابة بقضايا المجتمع. نفسياً بدأت أخرج من دائرة الاهتمام بذاتي إلى مزج الذات بالعالم».
سرعان ما ترك القاهرة وعاد أدراجه إلى الصعيد بعد سلسلة من الإحباطات، لكنّه لم يتحمل العزلة فقرر العودة مجدداً: «عند المحاولة الثانية، قررنا أن نأتي إلى القاهرة كغزاة. كنت أنا والأبنودي، هو يكتب العامية وأنا الفصحى. جئنا بأفكارنا الخاصة عن العالم. في المرة الأولى كنا نريد أن ندخل في النسيج الموجود. أما في المرة الثانية، فجئنا بخيول جديدة ومستعدين أن نفتح بها المدينة (...). كنا قادمين بلغة جديدة، لا لنأخذ المباركة من رواد الأدب والكتاب القاهريين، بل جئنا لنقول، وكان على العالم أن يسمعنا».

على مشارف الموت، تحدث «الجنوبي» عن المقاهي في حياته، والأصدقاء، والموت، والحياة، وعن قدرته على التنبؤ بالنكسة. قبل 1967، كان كثيرون يرون «مصر دولة عظيمة، ودخان المصانع أجمل ما يغطي السماء. لكنني كنت أرى عكس ذلك، كنت أكتب شعراً لا أستطيع نشره حينها. وعندما استطعت نشره، اعتقد بعضهم أنّني كتبته بعد الهزيمة».
يعترف أمل بأنه لم يعرف الفرح سوى مرة واحدة: «عندما تزوجت»، قبل أن يضيف: «الحياة علاقة جدلية بين الفرح والحزن، والموت والحياة، والإحباط والنجاح. البحث عن حالة واحدة مرحلة من السكون، وهذه حالة تنتاب من لديهم كسل عقلي...».
قبل رحيله بمرض السرطان، أقرّ صاحب «أوراق الغرفة 8» بضرورة الحلم. «الفن والشعر هما أساساً نتيجة لحلم الإنسان بعالم أفضل، ومجتمعات أفضل»، يسرّ إلينا. «بالنسبة إليّ، حلمي أن أرى الناس أحراراً وغير مقيدين بقيود العجز. أحلم بأن يكون الناس ما يريدونه... ما يريده الشخص لنفسه وليس مفروضاً عليه».

*****

ماذا لو تحقّق حلم شادي عبد السلام؟

مع زوجته الكاتبة عبلة الروينيصحيح أنّ الشعر كان «فرح أمل دنقل المختلس»، وشغل حياته الشاغل، إلا أن كثيرين لا يعرفون مدى عشق أمل لفنّ التمثيل. يخبرنا أقرب أصدقائه شاعر العامية عبد الرحمن الأبنودي أنّه كان يعتبره «ممثلاً فاشلاً». بدأ أمل التمثيل وهو طالب في المدرسة الثانوية. كان يؤدي دور العراف تريزياس في مسرحية «أوديب» لكنه، يقول الأبنودي، «كان يشبهني. لم نكن نستطيع الغياب والخروج عن شخصيتنا الحقيقية، لهذا كان النظار والمدرسون لا يشاهدون تريزياس، بل أمل بنظرة عينيه القوية وإصبعه المدورة التي تكاد تخترق عيون الآخرين».
زوجة الراحل، الناقدة عبلة الرويني تخبرنا أيضاً أنّ شادي عبد السلام، المخرج الكبير الذي رحل مبكراً أيضاً، طلب من أمل القيام بدور البطولة في مشروعه الثاني «أخناتون» الذي لم يرَ النور. يومها، قالت عبلة: «أنت بالفعل تشبه أخناتون؟»، فأجابها غاضباً: «بل هو الذي يشبهني». فقد كانت ملامح أمل الصخرية المنحوتة أحد عناصر قوته «يفعل ما يريده هو، لا ما يريده منه الآخرون... قصيدته لا تتواطأ ولا تنحني، وهو كذلك...».

لم يحقق أمل حلمه بالتمثيل، لكنّه أفاد من توقه ذاك في كتابة القصيدة، إذ إن أبرز ملامح قصيدته التي يرصدها القارئ تبقى الحس الدرامي والسينمائي. هذا الطابع جعل الرحابنة يختارونه لـ «تمصير» مسرحية «الشخص» (1982) التي قامت ببطولتها فيروز، واختيرت عفاف راضي لبطولتها في مصر برؤية إخراجية لجلال الشرقاوي.

ومع عفاف راضي، خاض أيضاً تجربة تأليف شعر الأغاني، فكتب لها أغنية «ولد وبنت سمرا» التي أدتها راضي. لكنّ تلك التجربة بقيت يتيمة، لأنّ أحداً لم يقدم على تلحين قصائده، وقد يعود السبب في ذلك إلى طبيعة مواضيعه ودرامية قصائده وتعدّد أصواتها.
كتب أمل أغنيته اليتيمة هذه إذاً للفنانة عفاف راضي، بعدما تعرّف عليها عندما عملا معاً في مسرحية «الشخص». في تلك الفترة، تخبرنا رفيقة دربه، كتب دنقل ثلاث أغنيات لراضي، فاختارت أن تغنّي هذه الأغنية التي تنشر كلماتها للمرّة الأولى. الأغنية ذاتها تكاد تكون مجهولة لكثيرين. لكن منذ سنوات قليلة، لحّن المايسترو شريف محيي الدين قصائد عدة من ديوان أمل الأخير «أوراق الغرفة 8»، وغنّتها الفنانة نيفين علوية. وستحيي أوركسترا «مكتبة الإسكندريّة» أمسية بقيادة محيي الدين لقصائد ملحّنة من أعمال دنقل. وتقول الأغنية الوحيدة التي كتبها صاحب «لا تصالح»: «ولد وبنت سمرا/ ماشيين تحت الشجر/ وشبكة إيدين ونظرة/ وخطوة على القمر/ ووردة في غصن بكرة/ مشتاقة للمطر./ فضل الطريق يضيق/ على الحلم البريء/ وأدي الطريق طريق/ خالي من كل شيء/ غير إسمين على الشجر/ ودمعتين عقيق».

*****

من أوراقه الشخصيّة تمارين في النثر والصداقة والحبّ

لم يتورّط أمل دنقل في كتابة النثر. لم يكن يريد أن يستهلك النثرُ روحه الشعرية. والمرة الأولى التي كتب فيها نثراً كانت رسالة إلى رئيس تحرير مجلة «الآداب»، الراحل سهيل إدريس. الرسالة التي نشرها صاحب «الحيّ اللاتيني» في كانون الأول (ديسمبر) 1977 بعنوان «جيل بعد جيل»، جاء فيها: «هل أحسب عمري بأعداد مجلة «الآداب». لست وحدي في هذا. جيل كامل ظلت «الآداب» وجبته الشهرية الدسمة، والحبل السريّ الذى يصله بآلام العروبة».
إذاً، كانت الرسائل مدخل «الجنوبي» إلى النثر. هناك رسائل كتبها إلى والدته وشقيقه، موضحاً تطوّرات مرضه. أما رسائله إلى عبلة الرويني رفيقة عمره، فتقدم وجه العاشق. هذه الرسائل غير مؤرخة، لكنّه كتبها إثر خلافات بين العاشقين في بداية علاقتهما. «لو لم أكن أحبك كثيراً، لما تحمّلتُ حساسيتك لحظةً واحدة. تقولين دائماً عني ما أدهش كثيراً عند سماعه. أحياناً أنا ماكر. وأحياناً أنا ذكي. رغم أنني لا أحتاج إلى المكر أو الذكاء في التعامل معك، لأنّ الحبّ وسادة في غرفة مقفلة أستريح فيها على سجيتي...».
ويضيف الشاعر الراحل: «ظللنا فترة طويلة نبحث عن شكل مريح للحب بيننا، ولم نجده في أغلب الأحيان. فما نكاد نلتقي إلا ونتشاجر، وكأنّ بيننا غضباً وعناداً ساطعاً. كنا أشبه بالمتنافرين دائماً نتكسر في الطرقات الممدودة أبعاداً مختلفة، فتجمعنا الأشلاء في استمرار معاند. في لحظة، نحشو العالم في جيوبنا ونلملم كل الأوراق الخضراء، وصوت العصافير والأقلام الملونة، ثم في لحظة أخرى، نمزّق جميع الأوراق ونذبح صوت العصافير، ونكسر جميع الأقلام الملونة والدفاتر. اللاقانون كان هو القانون الوحيد الذي يحكم قلبينا، فعندما نقرّر، لا نفعل شيئاً. وعندما تتساوى الأشياء، نحطم كل شيء ونتعامل بمنطق المفاجأة. هكذا كنّا نحب بأسلوب كتابة القصائد، تكتبنا الحروف من دون أن نحاول رشوتها أو التحايل لوجودها».
عندما كتب قصيدته «مقابلة خاصة مع ابن نوح» أعطاها إلى عبلة قائلاً: «هذه أول قصيدة أكتبها إليك». دُهشت عبلة، فالقصيدة تحمل رؤية سياسية أساساً. يومها أشار إلى المقطع الذي يعنيها: «كأن قلبي الذي نسجته الجروح/ كأن قلبي الذي لعنته الشروح/ يرقدُ الآنَ فوقَ بقايا المدينهْ/ وردةً من عطَنْ/ هادئاً/ بعد أن قالَ لا للسفينهْ/ وأحبَّ الوطنْ». كان ذلك في عام 1978، حين بدأت سياسات الانفتاح وتصاعدت معركة الدولة مع «المثقفين». وقد رحل مثقفون كثيرون في ما عرف بالتغريبة الكبرى للثقافة المصرية، أو وفق تعبير دنقل «الثقافة المصرية في المنفى». حينها، أرسل له الصحافي وناشر «السفير» البيروتيّة طلال سلمان يدعوه إلى العمل في الجريدة. لكن فكرة السفر شكلت أزمةً نفسيةً لعبلة الرويني. لذا، اختار أمل أن يقول «لا» للسفينة ويحبّ الوطن.

كذلك، توجد في الأوراق الشخصية لأمل دنقل ثلاث رسائل من أدونيس، توضح مدى قوة علاقتهما، وهي مؤرخة في عام 1968 عندما كان «مهيار» رئيساً لتحرير مجلة «مواقف». هذه الرسائل تأكيد لخطأ شعراء السبعينيات الذين قسّموا الشعر إلى فسطاطين: «أدونيسيون» و«دنقليون». وكلّنا نتذكّر جملة أمل الشهيرة التي قالها عام 1983: «أحبّ أدونيس، لكنّي لا أحترم الأدونيسيّين».

*****

من يدجّن شاعر المنبوذين والحريّة والمقاومة؟

ما زالت قصيدته راهنةً أكثر من أي وقت مضى. تمرّد على المؤسّسة الرسمية واختار الهامش وناصر المنبوذين... حقيقة جوهريّة لن تمحوها احتفالات التكريم
رغم مرور 27 عاماً على رحيله، لا يزال أمل دنقل حاضراً في المشهد الشعري العربي، وقصيدته تزداد إشراقاً يوماً تلو آخر. قصيدة فاعلة لم تتخلَّ عن موقفها الجمالي الذي هو «جوهر» موقفه السياسي والفكري. لقد صنع أسطورته الخاصة بوصفه واحداً من الذين اختاروا الوقوف على هامش المؤسسة الاجتماعية والثقافية والسياسية. رغم أن قصائده اعتبرت أيقونةً للمقاومة، إلا أنّ نقاداً كثيرين يؤكدون انحياز الشاعر إلى مبدأ الحرية. من هنا، يظهر خلف نص الرفض والمقاومة والتحريض، نص آخر يكتبه «الرجل الصغير» والهامشي، في علاقته بمدينته وسكانها من المنبوذين والمهمشين.

قصائد أمل حاضرة بقوة تثير الدهشة، ليس فقط لأنّ «الجنوبي» صاحب قصيدة سياسية لم يتغيّر الظرف الذي كتُبت خلاله، بل لأنه يلمس أعمق ما في الحدث. ليست أشعاره فقط ضد «الدكتاتورية» و«القهر» أو الصلح مع إسرائيل، أو حتى ضد أخلاق البرجوازية المصرية. بل إنّه لم يكن «معارضاً سطحياً» وفق الناقد محمد بدوي: «يلتقي في النهاية مع السلطة في مجمل رؤيتها للعالم مثل نزار قباني... بل إنّه شاعر معارضة في نقده للأسس التي قامت عليها كل أشكال السلطات، سلطات قهر الجسم البشري، ومراقبة هذا الجسم، والاعتداء والعنف وهو ما نكاد نجده في كل قصائده».

ويضيف بدوي «الشيء الوحيد الذي التقى فيه أمل مع السلطة العربية، أنه آمن بالأصل العربي لهذه السلطة كهوية وكثقافة. وهذه المفارقة بين جذرية نقده الشعري وكلاسيكية اللغة عنده وانضباطها وصرامتها الشديدة». وربما لهذا، لم تتحمل المؤسسة الثقافية الرسمية أشعاره. عندما رحل عام 1983، لم يكن قد أصدر أيّاً من دواوينه في مصر. بل صدرت كلّها في بيروت، ونشرت «دار الآداب» ديوانه الأول «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» (1969)، وأصدرت «دار العودة» دواوينه الأخرى: «تعليق على ما حدث» (1971)، و«مقتل القمر» (1974)، و«العهد الآتي» (1975). وحدهما الديوانان الأخيران صدرا في القاهرة، بعدما اطمأنت المؤسسة إلى رحيله، فصدر «أوراق الغرفة 8» و«أقوال جديدة عن حرب البسوس». وما ينطبق على النشر ينطبق على النقد. قليلة هي الدراسات التي كُتبت عن أشعاره قبل الرحيل. وعلى فراش المرض، كتب يوسف إدريس صرخته الشهيرة «بالله لا ترحل يا أمل، فكلنا فداؤك»... مناشداً الدولة التدخل لإنقاذ شاعر التمرد، لكنّ وزير الثقافة عبد الحميد رضوان تساءل يومذاك: «من يكون أمل دنقل؟».

اليوم يبدو الوضع مختلفاً، لا تتصدر قصائد أمل دنقل التظاهرات في مصر فقط، أو يصبح شعره أيقونةً، بل تلجأ إليه المؤسسة الرسمية أيضاً. منذ سبع سنوات، أقام له «المجلس الأعلى للثقافة» احتفالية كبيرة، وكان وزير الثقافة فاروق حسني مهتمّاً بإقامة معرض مستوحى من أشعاره. واليوم، تريد «مكتبة الإسكندرية» أن تسبق الجميع في الاحتفال بأشعاره، بل إن احتفاليتها تسبق الموعد الرسمي لميلاده بخمسة شهور. هل أصبح أمل مستأنساً إلى هذه الدرجة؟

الاخبار
السبت ٩ كانون الثاني ٢٠١٤


إقرأ أيضاً:-