سعد سرحان
(المغرب)

سعد سرحانشكراً للشمس:
لتحياتها الحارة
طيّ بريد الصباح.

* * * *

شكراً للبحر:
آه
يا دمعتنا العظيمة
لا تني تدغدغ
سواحل الحزن.

* * * *

شكراً لليل:
مراراً يتأخر
رأفة بوحشتنا.

* * * *

شكراً للقمر:
لصورته القديمة
لمّا تزل
تضيء برية القلب.

* * * *

شكراً لفصل الربيع:
للأرض تدخله
تلميذةً بوزرة خضراء
تستظهر عن ظهر عشب
كل قصائد المطر.

* * * *
شكراً للشجر:
لأصابع الأرض
مرصعة بخواتم السماء.

* * * *
شكراً للورد:
للترجمان الأخرس
لفصاحته الآسرة.

* * * *

شكراً لأبريل:
لأقسى الشهور
لشاعر السنة.

* * * *

شكراً لشجرة مشمش:
( تصغرني بزهاء طفولة)
...
لها مني بعض نحولي
ولي منها كل الثمر.

* * * *

شكراً للعصافير الصغيرة:
لسيمفونيات من الريش
تهتز لها الأغصان
ويحفظها الهواء.

* * * *

شكراً للحدائق:
حدائق البيوت
ترحاب أخضر
حدائق المدن
رئات خضراء.

* * * *

شكراً للبجع :
فقط لأنه بجع
وربما لأن البحيرة التي
تحمل اسمه
لا وجود لها
في خرائط الماء.

* * * *

شكراً للياسمين:
لقفازات العطر
في حلبات الهواء.

* * * *

شكراً للأمطار:
لخطب السماء البليغة
يتلوها
الغيم
على
الأرض
فيخضر هتاف الحقول.

* * * *

شكراً للجداول:
لسعاة الماء
وهم
يحملون
إلى
البحر
بريداً
عاريّاً.

* * * *

شكراً للتينة العملاقة:
( حارسة النبع
الذي
عند
المنحدر)
...
كانت ستحسب نفسها نرجسة
لولا الثمر.

* * * *

شكراً لزوج من اليمام:
ذات صيف
أضرم في زيتونة الروح
قيلولة من الهديل.

* * * *

شكراً لأحجار طفولتي:
كلما أخطأت قبرة
أصبت رأس تلٍّ
( ... يا للقبرات الرحيمات:
يضمدن بالأعشاش
جروح التلال.)

* * * *

شكراً للأغاني القديمة:
شيدت منهن بعض عمري
تاركاً للمصادفات
أن تشيد ما تبقى.

* * * *
شكراً لأربعاء قديم:
كرز
كل دقائقه
كرز.

* * * *
شكراً للنساء:
لقنَّ القلب
درساً في الانتظار.

* * * *
شكراً للبنات:
أقصد اللواتي
يشتعلن
من
أول
زرٍّ.

* * * *

شكراً للقلب:
لمنفضة العمر
طافحة بالخسائر
وأعقاب النساء.

* * * *

شكراً لسعاد:
( ... ولكل سعاد)
ما مرت بخاطري يوماً
إلا وأعقبتها
أمطار
خضراء.

* * * *

شكراً لخديجة:
لإوزتيها تهُمًّان ببحيرتي
فيرتبك بين شفاهنا
مساء بأسره.

* * * *

شكراً لدليلة:
وهي تتأخر قليلا
أو تأتي قبل الموعد بنبضتين
وهي تنفل لمساء السبت
أوقاتاً للفوضى
ثم...
وهي تمشي الهوينى
صوب شمال الذاكرة.

* * * *

شكراً لأسماء:
أروّي جذعها الملكي
من نبع روحي
فيخضر لي بهذي الأرض
جذرٌ أميرٌ.

* * * *

شكراً للتي:
حاصرتني ذات مصعد
ثم أطلقت على روحي
وابلا من الأريج.

* * * *

شكراً للخامسة مساءً:
للنقرات الثلاث
للباب موارباً
فعلى مصراعيه
ثم...
لذيل الفرس
للفرس ولونها الأشهى
ثم...
للقميص الشفيف
وأزراره الطيعة
ثم...
لصورتي على الحائط
وهي تغمز لي إثر كل هفوة
ثم...
للشريط المرافق لهكذا احتفال.

* * * *

شكراً لبرج الدلو:
لحبله الطويل الطويل
لم
يدرك
قط
مياهي
العميقة
...
لكأني بئر سراب.

* * * *

شكراً لدرب الجنون:
لبيتنا العتيق في نهايته
لبابه الخشبي
ذي الصرير الذائع الصيت
للمقهى الصغير في رأسه
صاخباً كفكرة خرقاء
لأطفاله
يتسلقون بهمة النمل
جدرانه
المتربة
لأحذيتي التي نفقت غرقاً هناك
ولرفاقي بعين المكان
لحسن تشيما
وعبد الحق الهندي
لسقاية النجارين
ويوسف الكتامي
لحميد الوكيلي
وباقي أعلام الذاكرة
...

* * * *

شكراً لطفولتي:
لمسودة عمري التي
يلزمني أكثر من عمر
كيما أنقحها.

* * * *

شكراً لأحمد بوكماخ:
لأيام الجد والنشاط
للثرثار ومحب الاختصار
لزوزو يصطاد السمك
لطاحونة الطلاسم
وضحكاتنا الكتيمة
بسبب تأويلنا الداعر
للسطر الخامس منها
لأكلة البطاطس
وباقي وجبات الجزء الثاني
من سلسلة إقرأ.

* * * *

شكراً للطباشير:
لأنامل الضوء
وهي تناول شجيرة الرأس
فاكهة ساطعة.

* * * *

شكراً لمدرسة اللمطيين:
من بوابتها الجليلة
حتى مطعمها حيث
الخبز أبيض
مثل الطباشير الأبيض
والسمك المعلب
من بحر قزوين
...
ومن سّي أقصبي
بكل رباطة جأشه
إلى ميطْخيس زبيدة
التي اكتشفت مؤهلاتي
في الحساب والخجل.

* * * *

شكراً لثانوية الزنجفور:
لخريطتها الأولى
حيث لا أسوار
بل شوك غزير
لأشجار الليمون
خلف فصولها
مأخوذةً بدروس الشغب
للسجائر وأنصافها
على مرمى وشاية
من أنف الإدارة
للغياب الجماعي
وذرائعه الماكرة
لحكايات بناتها
مع قلبي القديم
...
لقدماء شياطينها
ولكل الطرق المؤدية إليها.

* * * *

شكراً لسروالي الرمادي:
( شاهدة أمي
وكشتبانها شاهد
على أنه لم يكن بالياً تماماً
حين اشتريته)
لن أنسى أبداً
أني جنيت من ورائه
نزهة شاسعة
مع أجملهن.

* * * *

شكراً لمعطفي الأسود الطويل:
لجيبه المثقوب متواطئاً
مع أصابعي
إذ
تنحدر
صوب
اللفافة
النافرة.

* * * *

شكراً لساعتي اليدوية:
الأرقام رومانية
والعقارب سوداء
والميناء أزرق كميناء
...
فيا أشرعة المواعيد
تلوح بُعَيْدَ عاصفة القلب
أما من ذريعة أخرى
سوى لجج الوقت؟

* * * *

شكراً لحذائي:
( ذاك الذي من كتان أزرق)
يا للرعونة...
كلما انتعلته
جرى بي مسرعاً
عشرين عاماً
إلى الوراء.

* * * *

شكراً لقابلة الحي:
كانت تعرف أسماءنا جميعاً
وتحفظ أعمارنا بالشهور والأيام
تسأل كل واحد منا
عن رتبته في الفصل الدراسي
( وتداري خيبتها)
ومثلنا كانت
تنتظر أوقات العطل
...
وحين كبرنا
صارت تحزن كلما أمعنَّا في الغياب
وتبكي إذ نعود إليها شاحبين
...
أذكر:
مرة قبلت منها الجبين
فاشتعل
بوجهها اليابس
ماء الأمل.

* * * *

شكراً لأمي:
لنصف ابتسامة ونصف إغماضة
ترصعان صورتها في ألبوم العائلة
لوشوشاتها في أذن والدي
حتى والأمر ليس جللاً
لتطيُّرها الدائم
لصوتها في الهاتف طافحا بالوصايا
لفطائرها المرموقة
( ليس بسبب السمن كما هو شائع
وإنما بفضل أصابعها طبعاً)
لجويراتها أيضا
لهن إذ بالثرثرات يشغلن
المساء عن شؤونه
فلا ينتبه إلا وقد حل الليل
لصلواتها البيضاء لأجلي
مطوية بعناية
تحت ملابسي
بحقيبة السفر
...

* * * *

شكراً لوالدي:
للصبارة التي كانها
وللصبارة التي ظَلها
لستين صمتاً
ونيف من الشكوى.

* * * *

شكراً لجدتي:
ولقريتها التي
لسبب غامض
لا تحمل اسمها.

* * * *

شكراً لجدي:
ولحاكورته الكريمة
حيث اللوز واللوز
كلما افترت أغصانه
عن ابتسامات ناصعة
خجلت من طفولتي الغبراء.

* * * *

شكراً لمهيار:
لملعقة من سكر الفرح
تذوب
وئيداً
في
قهوة
حزني.

* * * *

شكراً لأصدقائي:
لازدرائهم قصائدي
ولإطرائهم حذائي الأخير.

* * * *

شكراً لسهراتنا الفادحة هناك:
من مطلع الطيش
حتى
الهزيع
الأخير
من
الضحك.

* * * *

شكراً للأزرق:
لون البرتقال
والصباح
وزهرة عباد الشمس
لون المعادن
والأحجار
والفاكهة
لون الابتسامة
والحب
وقوس قزح
لون الغيم
والموج أيضاً
...
شكراً للأزرق
ولكل أسمائه المستعارة.

* * * *

شكراً للجبال:
لأصواتها
وأيائلها
لأعشابها
وظلالها
لمائها وفصاحته
لأسمائها الغريبة
( لأسباب وحدها القمم تعرفها)
ولدروسها الواضحة
التي
لن
تفهمها
السفوح
أبداً.

* * * *

شكراً لأجمل توأمين:
تشرين الأول
وتشرين الثاني.

* * * *

شكراً للقلم الرصاص:
لمبراته وأناتها
وللممحاة التي لازمته
طيلة " شهر الكرز".

* * * *

شكراً للقصيدة:
للشوكة السحرية
أتناول بها
كعكة الحياة
التي
لا
تنتهي
أبداً.

* * * *

شكراً للشمال:
يا لبهائه
وكبريائه
يا لأصابع البوصلات
وهن يومئن إليه
بلهفة العاشقات
...
ويا لقلبه المعدني
الذي لا يلين.

* * * *

شكراً للأرض:
لدورانها الأعمى
حول طاحونة الزمن
غير عابئة
بجعجعة العالم.

* * * *

شكراً للصحراء:
أيا حناء الله
منذ متى
وأنت تكتمين
برص
الأرض؟

* * * *

شكراً للأسلحة:
أيتها المرايا الصقيلة
لكم أنت صادقة
إذ تعكسين بجلاء
أبشع وجوه الخوف فينا.

* * * *

شكراً لنشرة المساء:
تفرج القتلى على موائدنا
كيلا يناموا
دون عشاء.

* * * *

شكراً للحروب:
علمتنا أسماء العواصم جميعا.

* * * *

شكراً للحياة:
للإجراءات اللازمة للموت.

* * * *

أقرأ أيضاً: