وضحى المسجن؛ شاعرة من البحرين، كتبت الشعر في سن مبكرة جداً، وأخذها السؤال دائماً عن ماهية الشعر وما تكون عليه العلاقة والشاعر، وها هي تخطو الثلاثين. عتبة أخرى للشعر ولديها صندوقها الأسود الذي يستدل به الآخرون عليها، أصدرت عام 2005 ديوانها الأول «أُشير فيغرقُ» عن الموسسة العربية للدراسات والنشر، وفي عام 2007 أصدرت «كفّ الجنّة» ديوانها الثاني عن دار فراديس، ثم صدر ديوان «بيكيا عُشاق» عام 2010، عن دار مسعى للنشر والتوزيع وهذا العام قبل شهر تقريباً أصدرت ديوانها الجديد عن دار مسعى أيضاً «السير وحيدة برفقة أغنية وكلب». «الحياة» التقتها وحاورتها حول ديوانها الجديد.
> «السير وحيدة برفقة أغنية وكلب»، عنوان متناقض لكنه جميل.. لماذا هذا العنوان؟
- وحيدة وبرفقة..عنوان غريب فعلاً، وهذه هي المرة الأولى التي ينبهني فيها أحدهم إلى هيئة هذه الوحدة، لكونها تحاول أن تلتصق بالكائنات على رغم تمسكها بالعزلة، ربما لأن عزلة المبدع ليست عزلة مادية عن الكائنات والأشياء بقدر ما هي عزلة داخليّة، عزلة ناتجة عن اغترابه. عموماً هذا العنوان عنوان قصيدة كتبتها عام 2011 في الوقت الذي تركت فيه البحرين وانتقلتُ للعيش في الكويت، أثناء الظروف التي مرت بها البحرين بعد أحداث 14 فبراير، وعلى رغم أنها لم تكن زيارتي الأولى للكويت إلا أن فكرة إقامتي في الكويت في محاولة للبحث عن ملامح حياة أكثر هدوءاً جعل روحي في مواجهة مفاهيم كثيرة عن الحياة والذات. فكانت هذه الوحدة وبهذه الهيئة.
> «العام الثلاثون» نص تكتبين فيه سيرة لبقايا أيام قديمة.. ما الجديد بعد الثلاثين لشاعرة تستبدل الفعل بآخر؟ - تدرجتُ في الوعي والألم منذ بدأت الكتابة في الثلاثة عشر من عمري، لكني لا أزال أنا منذ ذلك العمر الذي بدأت فيه الكتابة وحتى الثلاثين.. أسير بعينين مغمضتين وأحاول أن أصحو من غيبوبتي فلا أفلح، لديّ إحساس مؤلم بأني الموضوع الأكيد وأن العالم كله حلم؛ لذا أريد أصحو علني أتأكد أو أفهم.
المضي مع الآخر وإلى الآخر ليس أمراً صحياً
> «مرحبا يا عزلتي.. مرحباً يا أناي الذي لا أقصده ولا أخونه».. أراكِ متوحدة وذاتكِ ألا تخافين عزلة تفضي إلى الجنون؟ - يقتضي النمو بعض العزلة، فالمضي مع الآخر وإلى الآخر ليس أمراً صحياً دائماً، عزلتي ليست معنية بالبؤس والحزن، عزلتي متأملة فقط وهي بالمناسبة لا تحب الجدران إلا بقدر ما أحتاج إليها حين يتطلب الأمر هدوءاً للكتابة أو هدوءاً في الحياة؛ لذا فإن الجنون الذي قد تقود إليه عزلتي من المتوقع أن يكون جنوناً مثمراً لا مرضياً.
لكني من جهة أخرى لا أنفي عن نفسي محبتي للعزلة بمعناها البسيط أيضاً، كم من الصعب أن يكون المرء في مواجهة الضوء طوال الوقت، كم من الصعب أن يكون لديه الكثير من الأصدقاء والكثير من المناسبات الاجتماعية.
هذه كثرة مزعجة حقاً، خصوصاً مع احتمال أن تكون مزيفة.
> ما الذي يخبئه الشاعر في صناديقه السود؟ أليس من ذاكرة لحنين حي لا يموت؟ - صندوقي الأسود موجود فقط ليستدل به الآخرون على ما حدث حين أتهاوى، حين تفشل وسائلهم الأخرى في تبيّن ما حدث في ظل ضبابية المشهد، مشهد النهاية.
أما بالنسبة إلى ذاكرتي فهي مهتزة تقريباً، لكني توقفت عن اعتبارها مقبرة؛ لذا لم يعد وارداً لديّ أن أحن للأشياء التي اختفت أو الأشخاص الذين اختفوا..لا حنين عندي للموتى ربما لأني أؤمن بأنه لا يجب ترميم الثقة بينك وبين الموتى بناءً على خدعة الحنين.
الذين يؤمنون بالشِعر لديهم حنين دائم حنين غير مفهوم لعوالم وكائنات.
الحياة تعيش لحظة النهاية
> تؤشرين لعام 2011 كأول روزنامة كونية وآخرها؛ كلنا يعرف أن العد لا ينقطع والحياة تركض.. ما الصدف التي تأملينها؟ - من السهل الآن أن نقول إنها لم تكن آخر الروزنامة وإن الحياة تستمر، لكن الأحداث المتسارعة في وقتها جعلت الكل يفكر في الحياة لحظة النهاية، وبالنسبة إليّ حاولتُ أن أوثق تجربتي مع الألم في هذا العام، لم يكن سهلاً أبداً أن أفتح عيني على البشر الذين عبروا فجأة - تاركين أرواحهم بلا أبوابا أو نوافذ في تونس وليبا في مصر وسورية في اليمن والبحرين- ثم أقول الحياة تستمر.
> لا تعيدوا شيئاً إلى مكانه: لا ماء إلى بحرة، لا كلمة إلى قصيدتها، لا شيء لا أحد.. هل تنشدين الأبدية /العدم؟ ألهذا الحد تمكن اليأس منكِ؟
- أنا متطرفة وحادة وكل ما أحبه أو أؤمن به أنصهر معه كلياً؛ لذا فإن خساراتي تجيء مضاعفة. لستُ يائسة بقدر ما أنا عنيدة لأني أريد الشيء لا ظله، أريد النار كاملةً ولا أكتفي فقط بالدفء الذي توفره لي..هذه الطبيعة الحادة تجعلني أتنازل عما أحببته أحياناً، لكنه تنازل غير حقيقي، تنازل من يهرب من شخص وهو يحبه.
> «الآن في ساعة مفتوحة الذراعين/في يوم مكرر كغلطة فيلم سينمائي/ لا رغبة لديّ في تلوين أي شيء/لافمي الممزق/ولا ورد أصفر يذبل في مزهريتي» كأنكِ تمارسين الطبيعة كما يجب؟ لم كل هذه الاستكانة؟
- شخصياً أحب الأشياء بطبيعيتها، وهذا لا يعني أني لا أميل إلى تزيين الأشياء بقدر ما يعني إني لا أميل إلى تزيينها بالشكل الذي تفقد فيه طبيعيتها، أحب أن أكون بريّة، وأحب الذبول والتهاوي كما أحب التفتح والصعود. لا أحب أن أشطب الأخطاء ولكني أميل لتأملها، لا أنوي أن أتخلى عن أي جرح في جسدي ولكني أميل إلى التصالح معه.
> تفتتحين ديوانك بـ«قلبي أبيض/خطوتي خفيفة/أسير وحيدة برفقة أغنية وكلب) وتختتمين الديوان بـ (نسيت../ثبتوا أطراف روحي على الخشبة ودقوا المسامير» في روح كل شاعر أمل معلق وغد مرتقب، أينكِ من كل هذا؟ - نسيت أين أنا من كل ما ذكرته، نسيت فعلاً.
ولكني مؤمنة أن في الحياة أشياء جميلة تستحق أن نحيا من أجلها، حياتي شخصياً أحبها لأنها درامية وصاخبة في جوهرها، فيها الكثير من المنعطفات التي غيرتني وأخذتني للأجمل ولو بعد ألم، أحياناً أتخيّل أن الله وزع صناديق صغيرة على البشر ليطلعوا على حياتهم وأني لم أكن حاضرة ساعة توزيع الصناديق. لذا بقى صندوقي مغلقاً في اللحظة التي فتح الناس فيها صناديقهم، وهكذا صارت حياتي في كل مرحلة منها مفاجأة بالنسبة إليّ. بكل حب وكل قصيدة وكل ألم.
الثلاثاء ٢٢ أكتوبر ٢٠١٣