حسين الجفال
(السعودية)

حسين الجفال يأمل الروائي الكويتي الحائز على جائزة البوكر 2013 سعود السنعوسي أن يحوز أبطال روايتيه «سجين الضوء 2010» و«ساق البامبو 2013» الشهرة والنصيب من الضوء، وكلتاهما صدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون. السنعوسي كاتب شاب وجد نفسه تحت الضوء في شكل سريع، أقلقه الأمر فراح يبحث عن عزلة تليق به ويألفها، ليتمكن من إعادة ترتيب أفكاره. «الحياة» التقته وحاورته حول تجربته الروائية، والرواية في الخليج، فإلى تفاصيل الحوار:

> منذ ما يقارب العامين تحصلت على جائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية عن رواية «سجين المرايا»، وفي العام 2011 تحصلت قصة «البونساي والرجل العجوز» على المركز الأول في مسابقة «العربي»، وها أنت في القائمة القصيرة للبوكر العربية. ألا يثقل كاهلك أن تكون تحت الضوء بهذه السرعة؟

- لا أخفيك أن الأمر يقلقني، ها أنت تقول إنني تحت الضوء، وأنا كائن يزعجني أن أكون تحت الضوء بهذه الصورة. نعم يسعدني ذلك الالتفات الإعلامي، ولكن الظهور الكثير ليس في صالحي إطلاقاً. أنا بطبيعتي أحب العزلة، وكوني كاتب يفرض علي أن أخلص لعزلتي أكثر. أتمنى أن تنال روايتي الاهتمام الذي نلته أنا، وهذا ما يقلقني أكثر، لا يهمني أن يعرف الجميع سعود، ولكن يهمني أن يتعرف الناس إلى عبدالعزيز بطل «سجين المرايا» وهوزيه ميندوزا بطل «ساق البامبو». الجوائز تثقل كاهلي من دون شك، ولكنها تحملني قدراً أكبر من المسؤولية، وهذا ما يحتاجه الشاب في مقتبل تجربته.

> تضج أعمالك بالمشاعر الإنسانية من خلال الطرح الأدبي لمعالجة الصراع الاجتماعي. هل يأتي اليوم الذي تعري فيه ما يحدث الآن على أرض الواقع في الكويت؟

- أتصور أن من يقرأ «ساق البامبو» سيجد قضايا واقعية كثيرة تحدث في الكويت، أو ربما في الخليج. أنا لا أعري، مشكلاتنا عارية بالأساس، نعرفها حق المعرفة، ونقرأها في الصحف اليومية ونتناولها في مجالسنا وكل مكان. الجديد هو تناول هذه المشكلات في عمل إبداعي.

> ما الرابط المشترك بين رواية «سجين المرايا» و «ساق البامبو» غير الوجع الإنساني والحب الذي هو مداد الحياة؟

- لا رابط مشترك بين العملين بطبيعتهما المتباينتين سوى الوجع. «سجين المرايا» لا تشبه «ساق البامبو» في شيء. وهذا ما أتمنى أن أحققه في عملي المقبل، أريد لكل عمل أن يتفرد بصوت راويه وشخوصه، لا يجمعهم سوى الهم الإنساني.

> سؤال الهوية المقلق الذي تصدح به رواية «ساق البامبو» والعمالة الأجنبية المتقاطرة والتي تكاد تشكل معادلة مُرّة في دول الخليج. إلى أين تفضي وكيف نعالج هذه القضية من منظور إنساني؟

- لو أنني أملك لها علاجاً لما كتبت الرواية. أنا لا أقدم علاجاً أو حلولاً. أنا أوجع القارئ بحقيقته أو حقيقة الأشياء من حوله، لعله بدوره يبحث عن علاج. مخطئ من يظنني أملك تصوراً عما ستفضي إليه الأمور. أنا لا أعرف سوى أننا نسير نحو منحدر، وأننا نغص بالسلبيات التي ألفناها لأن بعضاً منها جزء أصيل في ثقافتنا، ونتيجة انغلاقنا على ذاتنا فنحن لا نميز بين الخطأ والصواب. ودوري هنا أن أقارن، وأبين تلك الفروقات بيننا وبين الآخر. وحده الانفتاح على الآخر والتعرف إليه يقودنا إلى أن نتعرف على أنفسنا، ونحن لن نتمكن من معرفة مشكلاتنا ومعالجتها إلا من خلال الآخر كما أتصور.

> على أي ارتكاس تهيئ وتخلق عوالم شخوصك الروائية؟ هل تعيد كتابة مشاهد حياتية، أم للخيال يد كبيرة في أعمالك؟

- شيء من هذا وذاك. أنا ابن بيئتي، وبيئتي تغص بالنماذج الحية، ولكن للخيال المساحة الأكبر على رغم أن هذا الخيال يبدو واقعياً، وأحياناً أكثر من الواقع ذاته.

> الغوص والصيد أشغال كانت تمد أهل الكويت بالرزق قبل النفط، ما الذي يغيّبها برأيك في الأعمال الشبابية الصادرة حديثاً؟

- المعايشة. نحن لم نعايش ذلك الزمن كي نعكس صورته. هناك أعمال للرواد تناولت تلك الفترة بصورتها الحقيقية نظراً لقربهم من ذلك الزمن، وعلى رغم هذا هناك محاولات للجيل الجديد للكتابة عن كويت الماضي، وفي ذلك تحد كبير لأن الكتابة عن ذلك الزمن تحتاج إلى دراية لا تتوافر إلا في القراءة المكثفة والتواصل مع الأجيال التي سبقتنا. هناك أمر آخر، وهو أن الجيل الحالي مشغول بمشكلاته وقضاياه، وأنا أرى أنه من الأجدر أن يكون هذا الجيل صورة لزمنه. أنا لا أتبرأ من الماضي هنا، ولكن ليس الأمر سهلاً إلا إن استفاد الكاتب من الماضي لإسقاط مشكلاته وانعكاساته على زمننا هذا.

> في الكويت تجارب مهمة تعمل في صمت كالروائي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل وليلى العثمان، كيف تقوّم الأعمال الروائية الشابة في الكويت ومسيرتها؟

- هناك أسماء شبابية تمكنت من وضع اسمها وتكريسه بين الأسماء الأدبية الكبيرة في الكويت. نحن نحتاج إلى الجدية والإخلاص للكتابة. أنا متفائل أن جيل الشباب في الكويت يسلك مسلكاً جديداً، امتداداً لجيل الرواد ولكن له بصمة الخاصة. وتتوافر لنا كجيل شاب كثير من الفرص التي لم تكن متاحة لجيل الرواد، السفر وسهولة الحصول على المعلومة والانفتاح الجبري الذي نحن أنفسنا أمامه، كل هذه الأمور من شأنها أن تنهض بالأدب من طريق الشباب. ما يتميز به المشهد الثقافي في الكويت هو الواصل بين الأجيال، وهو أمر في غاية الأهمية.

> إلى أين تتجه خطواتك القادمة بعدما خطفت جائزة البوكر للرواية؟

- أنا متريث بطبيعتي، وأتصور بعد اتساع القاعدة القرائية سأكون أكثر تريثاً. ما يهمني هو أنني أكتب لنفسي بالدرجة الأولى، ويأتي إشراك القارئ وتوريطه في الأسئلة بعد ذلك. أحتاج إلى وقت وعزلة للتعامل مع أفكاري المؤجلة، وأتمنى أن أبدأ في ذلك في أقرب وقت.

> العمالة الوافدة والنظرة الفوقية للمجتمع المتخم بالنفط تجاه هذه العمالة التي تكاد أن تشكل علامة فارقة في المجتمع الخليجي، إذ تزيد عن تعداد بعض الدول التي تعمل فيها، فكيف من الممكن أن نتبادل الإيجابيات المتحضرة مع العلم أن العاملين كلهم في حرف وليسوا على مستوى كبير من العلم يمكنهم من الإسهام ثقافياً وحضارياً في مجتمعاتنا؟

- كل ما نحتاج إليه هو الانفتاح على الآخر. نحن منغلقون على ذاتنا وهذا ما يجعلنا نقف في مكان نظنه الأنسب وهو غير ذلك. انفتاحنا على الآخر يعرفنا إليه، وإذا ما تعرفنا إليه تغيرت حتى معاملتنا معه ومع أنفسنا قبل ذلك. ما الذي نعرفه نحن عن الآخر رغم وجوده بيننا؟ ماذا نعرف عن زميل العمل المغترب غير مهماته الوظيفية؟ وماذا يعرف هو عنا؟ هل يربطنا والخدم في بيوتنا غير تلبيتهم حاجاتنا؟ لا شيء. أنا من الناس، ما كنت لأتغير إلا من خلال الآخر وتعرفي إليه. بت أشعر به وشعوري هذا قادني لأن أغير نظرتي إليه، ومن ثم تغير سلوكي أيضاً. نحن نسافر كثيراً، ولكن أسفارنا لم تغير شيئاً فينا لأننا نسافر بانغلاقنا ذاته. متى ما نظرنا إلى العالم من حولنا وآمنا بأننا لسنا الوحيدين هنا.. ثق تماماً بأننا سنتغير.

الحياة- الخميس ٣٠ مايو ٢٠١٣