صدر العدد الرابع من "نقد" والمخصص لتجربة الشاعرة الراحلة نازك الملائكة، وقد جاء في الافتتاحية التي كتبها ماهر شرف الدين، والتي حملت عنوان "مؤسِّسة لا عدّاءة" وهي أجزاء من دراسة طويلة ستصدر مستقلّةً في كتاب: "بين تجارب الروّاد تبدو تجربة نازك الملائكة أشبه بـ«الورطة» النقدية، فمن جهة أولى ثمة خلاف لم ينتهِ حتى اليوم حول الأسبقية في كتابة قصيدة التفعيلة (الشعر الحرّ)، ومن جهة ثانية ثمة خلاف حول النظرة إلى ما سُمّي «ردّتها» عن الحداثة، ومن جهة ثالثة خلاف حول تقييم تجربتها الشعرية والمفاضلة بين هذه التجربة وبين تجربتها النقدية (الأساسية في التنظير لحركة الحداثة الفتيّة أنذاك)، وما استتبع ذلك من خلاف بين القيمة التاريخية والقيمة الفنّيّة لهذه التجربة، ناهيك بكون الملائكة المرأة الوحيدة البارزة في جيل الروّاد، والمثقفة الأبرز بينهم. لكن قراءة منهجيّة لآثار نازك الملائكة وسيرتها، بما في ذلك رصد تقلّباتها النفسية أو «التطوّر النفسيّ» (المصطلح الذي استخدمته في تقديم الطبعة الثالثة من «قرارة الموجة»)، أو حتى «التاريخ النفسي» (المصطلح الذي استخدمته في تقديمها ديوان «مأساة الحياة وأغنية للإنسان»)، ستُلزم نقّادها بما هو أكثر من معيار النقد الأدبي. ومن ذلك استبدال تعبير «ردّة» بآخر: النكوص؟".
الافتتاحية التي تعرّج على مختلف المراحل التي مرّت بها تجربة الملائكة، تُختتم بالقول: "إن مشكلة تراجع نازك الملائكة (عن آرائها) تكمن في أنه تراجع قطعيّ، ينسف ما سبق، وما سيلي، لذلك كانت أصداؤه حاسمة. واعتقادي أن مردّ ذلك يكمن في تعامل الشاعرة مع نفسها كمَثَل أعلى، وتصوّرها أن الشعراء يدورون في فلكها، أو فلك دعوتها (لاحظ استعمالها الدائم تعبير «دعوتي»، مع إرفاقه بصفة مثل «المعروفة»)، وهذا هو التفسير الأوجه للشبهة الأخلاقية التي وصمت مواقفها النقدية. وهذا بالطبع يقود إلى مشكلة (أخرى) تكمن في أنها تعاملت مع التجديد كقضية شخصية لا بدّ لها من ياء متكلّم. وهذا، أيضاً، ما سيُفقد كتابها هذا الكثير من مزاياه وخصائصه التجديدية بالنسبة إلينا، نحن أبناء الجيل الجديد، الذين لم نقرأ من سيرتها سوى حديث «الردّة». على الدوام قُرئت تجربة هذه المرأة، التي جعلت الخليل مستشاراً عندها، من أسباب ريادتها، لا من نتائجها. قُرئت زمنياً لا معرفياً. قُرئت، في سباق الريادة، كعدّاءة، لا كمؤسِّسة".
ضمّ العدد الدراسات الآتية: "لا أبوّة لها ولا أبناء في الشعر العربي" لشوقي عبد الأمير، "ريادة في الإبداع وفي التنظير النقديّ أيضاً" لعبد العزيز المقالح، "من وعي التجديد إلى انكساره" لماجد السامرّائي، "استبطان النصّ الشعري في الممارسة النقدية" لحبيب بوهرور، "حول «التوازن الدقيق بين الجديد والثابت»" لجورج طراد، "كينونة الشعر القصوى" لعبد الحق بلعاد، "استعمال الموروث" لعلي المنّاع، "«عاشقة الليل» بين «الشظايا والرماد»" لنور الدين محقق، "حضور التشخيص («لعنة الزمن» نموذجاً)" لفيصل عرفات، "خارطة الكتابة بين نبض التراث والانفتاح على الآخر" لرابح طبجون.
وضمّ ملفّ "نازك الملائكة في عيون الشاعرات العربيات الشابّات": «بلا تاء تأنيث» للميس سعيدي (الجزائر)، «قاعدة اللاقاعدة» لهنادي المالكي (العراق)، «تكفيراً لا رغبة» للمياء مقدّم (تونس)، «إيميل إلى حيث هي» لخلود فلاح (ليبيا)، «لغة زمنها الحقيقي» لعنود عبيد (السعودية)، «أول شاعرة - وثاني شاعرة» لإيناس العبّاسي (تونس)، «صدمتان وعاطفتان» لعائشة السيفي (عُمان)، «سليم هو الُملام» لنوال العلي (الأردن).
وضمّ قسم "منتخبات": منتخب «عاشقة الليل»، منتخب «شظايا ورماد»، منتخب «قرارة الموجة»، منتخب «شجرة القمر»، منتخب «مأساة الحياة وأغنية للإنسان»، منتخب «للصلاة والثورة»، منتخب «يغيّر ألوانَه البحرُ».
وفي قسم "أحوال الشعر" نقرأ: "مسرح محمد الماغوط... اغتصاب عذرية الشرف" لأنور محمد، "ملتقى «صفحة جديدة للأدباء الشباب العرب»" لعبد الوهّاب عزّاوي، "بودلير في البصرة"، "مهرجان القامشلي الشعريّ الثاني". وفي "مكتبة الشباب" نطالع: "حرير" للمصري عماد فؤاد تصدّى له علي حسن الفوّاز، "حرام..." للسعودي عبد الله ثابت تصدّى له أحمد الواصل، "مهب القبلي" لليبيّ عبد السلام العجيلي تصدّت له خلود الفلاح، "أعلى من الشهوة وألذّ من خاصرة غزال" للسوري حسين حبش تصدّى له أديب حسن محمد.
سلسلة «نقد»
ومع هذا العدد تضيف مجلة "نقد" تقليداً جديداً إلى عالم النشر، إذ نشرت ديواناً جديداً للشاعر اليمني الشاب محيي الدين جرمة بعنوان «حافلة تعمل بالدخان والأغاني الرديئة»، متمنّيةً من القرّاء والكتّاب والنقّاد التعامل مع هذه المجموعة على مثال ما يتمّ التعامل مع المجموعة المنشورة بشكل مستقلّ. هذا التقليد الجديد الذي ستعتمده المجلة تحت مسمّى "سلسلة نقد" يفتح الباب للشعراء الشباب لتأمين نشر إنتاجهم بانتشار واسع.
من ديوان محيي الدين جرمة نقرأ قصيدة بعنوان "قابيل" يقول فيها:
"ما زال فارّاً من وجه اللاعدالة
قضيّته مقيّدة
ضدّ مجهول
حتى اللحظة التي بلا وقت
يحتاج إلى أكثر من حياة ليعيش
وإلى أكثر من موت ليحيا
أن يلامس الصمت
مصافحته يدُ الثرثرة".
وفي قصيدة أخرى بعنوان "زرقاء بلا لون":
"صورة الريح في جدار مرآة
في عتمة نومهم الذي بلا نوم
منذ زمن غابر في الغبار
يعتاشون على رماد الذاكرة
كعتماتٍ حمراء مدلاّة في وجوه
تفرّ من رعبها الطرق
والمرايات
في حين تسيل من مخدّات ورديّة
أحلام مكسوّة بالمطر
لظلال عبرات ساخنة
ومنسية
كتراب عالق على الخارطة".
جدير بالذكر أن "نقد" مع هذا العدد تكون قد أتمّت عامها الأول، على أن تخصّص عددها الخامس لتجربة الشاعر أنسي الحاج.