لسنوات مرّت حلمتُ ولا أزال حلم قصير في سيرورته، طويل في مداه؛ فقد تكرر كثيرا ولكثرة ما تكرر ألتبس واقعه بالخيالات، والتبست خيالاته بالواقع وفقد مصداقيّة كونه حلم، ومصداقيّة كونه واقع، فما عاد ممكناً أن أخبر أحداً به على أنه حلم لأني لستُ متأكدة من كونه مجرد حلم، وما عاد ممكنا أن أخبر أحداً به على أنه واقع لأن أحداً لن يتوانى عن نعتي بالجنون. ذلك أن الناس اعتادوا على أن المشي يكون فوق الأرض لا فوق الهواء.
هل أبدو مهلوسة الآن؟! قد أكون كذلك، ولكن هذا ما أجدني أقوم به منذ سنوات،... إنني أمشي في الهواء.. نعم أمشي في الهواء، وأريد أن يلتفت أحد لذلك من تلقاء نفسه دون أن أضطر لإخباره عن هذا الذي يحدث لي؛ لأنني كلما هممت بإخبار أحد بذلك، وجدتُ سطحَ الهواء يذوب من تحتي، وقدرتي على السير في الهواء تتضاءل.
غير أني فقدت الأمل في التفات أحدكم لذلك، فأفصحت عن سري لأحد الأصدقاء، فارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، فابتسمت بدوري متطلعة له:
هل أمر سيري في الهواء يدعو للابتسام؟ أفكر في نفسي... إذاً لابد إنه ينعتني بالجنون الآن. لكن ظنوني خابت، حيثُ وجدته غير متفاجئ بحكاية حلمي أو يقظتي، مُبررا ذلك بقوله إن كل الشعراء وهذا يعني أن كل الشواعر أيضاً على حدّ قوله يحلمون بهذا الحلم.
يا للهول!!
بكل بساطة اكتشفتُ أن حلمي مسروق من آخرين، واكتشفتُ أن أحلام آخرين مسروقه مني أيضاً.. لنحدد من الذي يحلم بالسير على الهواء أو يجد نفسه يسير على الهواء واقعاً، أنا أم كل هؤلاء الذين يسمون شعراء أو كل اللواتي يسمون شواعر!!
أقول لنفسي تباً لهم جميعاً، ولماذا يحلمون كلهم هذا الحلم، لماذا لا يخترعون لهم أحلاما أكثر أهميّة من حُلم "السير في الهواء" ولماذا يصرّون على الاشتراك في حلم واحد، حين الأحلام كثيرة جداً؟!
لكني وفي غمرة المفاجأة والغضب من سرقة حلمي، توصلتُ لاحتمالين، أولهما أني قد أكون رأيت ذلك في مشهد سينمائي برؤية سريالية وما أمر سيري في الهواء إلا إسقاط نفسي لما شاهدته وبهذا يكون أمر سيري في الهواء مجرد حلم أو وهم. ثانيهما أن صديقي ربما يكون كاذباً في دعواه، لكثرة ما استغّل الأصدقاء تصديقي للأشياء التي لا تصدّق وكذبوا عليّ.. وبهذا يكون السير في الهواء حلمي الذي التبس واقعه بالخيالات، والتبست خيالاته بالواقع وفقد مصداقيّة كونه حلم، ومصداقيّة كونه واقع...السير في الهواء.. سري الذي أخبرتكم به. .....إنني أسير في الهواء فهل تُلاحظون.