اصـدارات

بيت الشعر التونسي

الخطاب

… ودعماً لمناخ الحوار البناء الذي عمّ ساحتنا و أرسى قواعد جديدة للتعامل الحضاري بين الأفراد و الجماعات، أنشأنا دار الكتب فضاء يلتقي فيه حملة الأقلام على اختلاف توجهاتهم، وخصوصياتهم، من أجل ثقافة جديدة تجمع وتصالح وتؤمن بحق الاختلاف، وسنفتح عما قريب "داراً للشعر"، وقد أنشأنا مركزاً وطنياً للموسيقى العربية والمتوسطية، تتلاقح في رحابه أنغام حضارات شتى، وخصصنا المسرح الوطني بمقر جديد، وأعدنا الاعتبار للمعهد الرشيدي، صيانة لتراثنا الموسيقي و إحياء له، وطورنا مؤسسة بيت الحكمة إلى أكاديمية للآداب و الفنون و العلوم، تحفظ المقومات و القيم، وتناقش فيها القضايا الثقافية المصيرية ويستشرف مستقبلها.

سيادة رئيس الجمهورية             
زين العابدين بن علي              
خطاب اليوم الوطني للثقافة نوفمبر 1992

افتتاحية


للشعراء أن يعتزوا بهذا البيت الذي أنشأه لهم العهد الجديد، يؤويهم، ويؤلف بينهم، كما تشد أسباب البيت من الشعر وأوتاده بعضها إلى البعض، بما يفيد فضيلة البيان وحكمه

وقد أذن سيادة رئيس الجمهورية ببناء هذا البيت لما يكنه للشعر من منزلة وللشعراء من مشاعر التقدير

ولئن كان الشعر ديوان العرب، وخير ما تميزت به وأحبت، فإنه بسعة الرؤية وملكة الكشف، جوهر الإبداع وبشرى المستقبل.

فلا غرابة أن يكون الشاعر في وطننا منذ تغيير السابع من نوفمبر في طليعة القوى المؤمنة بالتغيير الحضاري الذي تعيشه بلادنا، وفي مقدمة حملة لواء قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح .

واليوم وقد مر على إنشاء بيت الشعر عامان، فإني أرجو لكل شعراء تونس ولبيت الشعر مزيدا من الإشعاع والتألق من أجل تونس .

صالح البكاري
وزير الثقافة 

الفكرة

ذا كان الشعر ديوان العرب، وخلاصة لغتهم، فلماذا لم يشيدوا له بيتا عدا تلك الأبيات التي نحتها الشعراء من أجسادهم؟ .

بهذا السؤال بدأت فكرة "بيت الشعر" بالتشكل في تونس منذ ربيع سنة 1989. وازدادت الفكرة إلحاحا داخل مشهد تؤكد وقائعه أن تونس تعيش نهضة شعرية منفتحة- كليا- على الحداثات الكونية، من ناحية، وصعوبات يلاقيها الشعر .
والشعراء في النص كما في الحياة من ناحية أخرى.

ولتكسب الفكرة قوة وحضورا فقد تم تعزيزها برغبة مشروعة في التحدي الخلاق:

أن تسبق تونس إلى تأسيس أول بيت للشعر عند العرب بهدف التخفيف من حدة الشعور باليتم: يتم الشعر المغاربي . تجاه الشعر المشرقي

ولإنجاز بيت الشعر كان مقترحا على الدولة قبول الفكرة، أولا، وإيجاد مقر لائق، ثانيا، وتجهيزه.. بعد ذلك

وقد تم الأمر في وقت قياسي، وهذا وحده كاف لتشريف الشعر والدولة معا.. إذ لا أحد منهما مطالب- بعد الآن- بأن
. يكون عبدا للآخر أو سيدا له

أيها الشعراء:
هذا بيتكم
كونوا أمناء عليه.
تكونوا آمنين فيه.

الشاعر: أولاد أحمد
من كلمة الافتتاح
25/أكتوبر/1993

بيت الشعر

تاريخ التأسيس: 25/أكتوبر/1993.
المدير المسؤول: محمد الصغير أولاد أحمد.
المقر الاجتماعي: 29 مكرر نهج التريبونال. الحفصية. تونس.
الترقيم البريدي: 1006
(1) الهاتف: 571220
(1) الفاكس: 571220
الحساب الجاري بالبريد: 274411 تونس

بيت الشعر:

مؤسسة ثقافية تعني بالشعر والشعراء في مجالات:
الكتابة- النشر- التوثيق- الإعلام- الترجمة- النقد- التنشيط- الإنتاج - للتبادل الإقليمي والدولي


أهدافه:

يعمل بيت الشعر على أن يكون:

  • ذاكرة حية للشعر العربي والإنساني
  • ملتقى جمالي لشعرية الفنون
  • جسرا لتفاعل التعبيرات الشعرية الكونية
  • فضاء حر للارتقاء بالشعر ولإعانة الشعراء

موارده المالية:

تتكون موارد بيت الشعر من:

  • منحة وزارة الثقافة
  • تبرعات الهيئات والأشخاص عينية أو نقدية
  • مردود أنشطة المؤسسة ومطبوعاتها
  • الاشتراكات
  • مداخيل ممتلكات البيت

وسائل تحقيق أهدافه:

انظر البرنامج الهيكلي التأسيسي وهو برنامج استراتيجي يتقصى مكامن الشعر والشعرية في الذاكرة وفي النصوص
كما في المخيال والحياة.

بيت الشعر

تأسس في تونس 25 أكتوبر 1993

سابقة في الوطن العربي

كتابة- قراءات- ترجمة- نشر- توثيق- مكتبة- مكتبة سمعية بصرية- ورشات فنية- مهرجانات- سوق الشعر- مجلة مختصة- ندوات- نقد- أولمبياد الشعر- جوائز- بيت في كل مدينة.. خزينة مخطوطات- من أجل يوم عالمي للشعر.

بيت الشعر التونسي:

ذاكرة للشعر العربي والإنساني

البرنامج التأسيسي

النشر لمجلة:

.تصدر في شكل كتاب فصلي (3 مرات في السنة) تحت عنوان: "بيت الشعر"
المحتوى: قصائد- نصوص- ترجمات- دراسات- نقد- رسوم- تحقيقات- حوارات- ندوات- تقديم كتب- أخبار الشعر .والشعراء

ديوان الشعر التونسي:

إصدار مجموعات شعرية إضافة إلى كتاب نقدي ومجموعة من الكراسات والمطويات والمعلقات.

الترجمة :

.نشر كتاب سنوي يتضمن مختارات من الشعر التونسي والعربي مترجمة إلى لغات أجنبية

نشر كتاب سنوي يتضمن مختارات من الشعر العالمي مترجمة إلى اللغة العربية

البواكير:

.إصدار مجموعتين- سنويا- للشعراء الشبان الواعدين ممن لم ينشروا بعد

الفهرست:

إصدار فهرست سنوي يتضمن جردا مفصلا لأنشطة بيت الشعر وللحركة الشعرية التونسية عامة.

التوثيق

المكتبة:
العمل على أن تكون مكتبة "بيت الشعر" ذاكرة حية للشعر التونسي والعربي والإنساني شراء وجمع الكتب والمجلات والمنشورات الشعرية المختصة .
تكوين خزينة للمخطوطات الشعرية .

التوثيق:

  • جمع صور الشعراء .
  • تكوين مكتبة سمعية بصرية عن الشعر التونسي بالتعاون مع الإذاعات والتلفزات .
  • تكوين ملف عن كل شاعر بالتعاون مع مراكز التوثيق .
  • جمع وتسجيل الشعر الشعبي والشفوي .

الإعلام

إذاعيا:

إنتاج حصة إذاعية تحمل "بيت الشعر" تدوم حوالي 10 دقائق، مضمونها: أنشطة وبرامج بيت الشعر- قراءات شعرية-
. أخبار الشعر والشعراء- تقديم كتب- مسابقات- شهادات حية

تلفزيا:

إنتاج حصة تلفزية تحمل عنوان "بيت الشعر" تهدف إلى جعل الشعر حاضرا في وسائل الإعلام بطريقة تقني مرنة .

المضمون:

قراءات وصور وأخبار.
.حصص نموذجية خاصة بالندوات والمهرجانات التي ينظمها بيت الشعر

صحفيا:

بالتعاون مع الصحف والمجلات الوطنية والأجنبية يعمل مكتب الاتصال التابع لبيت الشعر على إنتاج أركان وصفحات وملاحق شعرية قصد التعريف بإبداع الناشئة وبالحركة الشعرية عامة
. تكوين ملف صحفي عن كل شاعر -

الورشات

ورشة القراءة:

.حفل إمضاء وتقديم كل كتاب شعري أو نقدي يصدر حديثا -
.قراءة شعرية لشاعر كل 15 يوما -
.التدريب على تقنيات الإلقاء -

- ورشة الكتابة :

  • تجريب كتابة السيناريو
  • شهادات حول مسائل الكتابة
  • قراءات للمبتدئين في الشعر بحضور شعراء ونقاد
  • دروس في العروض والموسيقى
  • قراءات دورية من الشعر القديم
  • تجريب الكتابة المشتركة

- ورشة الحديث :

  • لقاء شهري مع شاعر يتم حول تجربته
  • لقاء فصلي مع ناقد
  • لقاء كل شهرين مع مسرحي أو تشكيلي أو سينمائي أو موسيقي يتحدث فيه عن علاقته بالشعر في شكل محاورة
    وشهادة مكتوبة

- ورشة الشعر والحركة:

:لقاء يجمع كل شهرين بين مبدعين

  • شاعر/ مسرحي
  • شاعر/موسيقي
  • شاعر/مخرج
  • شاعر/مترجم
  • شاعر/مختص في الإضاءة
  • شاعر/سينمائي
  • ………/ شاعر

ينتج عن اللقاء عرض فرجوي يتوج بلقاء مفتوح مع الجمهور يتم فيه الإستماع إلى شهادة المشاركين في العرض
. حول مدى استفادة كل منهما من الآخر وتنشر الشهادتان في مجلة بيت الشعر.

- ورشة الموسيقى :

  • إنتاج عمل موسيقي متكامل مرة كل سنة إنطلاقا من الشعر بمشاركة شعراء وموسيقيين
  • تجريب كتابة الأغنية
- ورشة الفنون التشكيلية :
  • إنجاز شعار بيت الشعر
  • إنجاز أغلفة المجلة والدواوين الشعرية المنشورة في بيت الشعر
  • إنجاز بطاقات بريدية تحمل أبياتا شعرية
  • إنجاز منحوتات مستوحاة من أعمال الشعراء
  • إنجاز معلقات وجداريات شعرية

- ورشة السينما:

  • عرض ومناقشة أفلام قصيرة وأخرى طويلة تتعرض لحياة شاعر أو هي أفلام مأخوذة من أعمال أدبية
    لشاعر بعينه

- ورشة الشعر الشعبي:

  • ورشة متكونة من فريق عمل يعمل على جمع وتحقيق وتسجيل التراث الشعري الشفوي وإقامة الأمسيات والتظاهرات والندوات للتعريف به.
  • تنظم الورشة يوما لكل مدينة مرة كل شهرين

- حانوت الشعر:

  • إنتاج أشرطة شعرية صوتية ومرئية
  • عرض وبيع مختلف إنتاج الورشات
  • بيت الدواوين الشعرية والكتب النقدية

تظاهرات كبرى

  1. أولمبياد الشعر المتوسطي:
    • تظاهرة احتفالية كبرى بمشاركة حوالي 60 شاعرا وشاعرة وفنانا من كل البلدان المحيطة بضفاف البحر الأبيض المتوسط.
    • تدور وقائع هذه الأولمبياد في بيت الشعر والمسرح الروماني بقرطاج وبعض المدن الداخلية بهدف التعريف بمناخات تونس وجعلها منارة شعرية متوسطية.
    • تنظم هذه الأولمبياد مرة كل سنتين لمواصلة عدة مهرجانات عالمية توقفت لتأكيد معاني الأخوة والسلام المتوسطيين.
    • ويمكن تنظيمها بالتناوب بين بلدان البحر الأبيض المتوسط.
  2. سوق الشعر:
    تظاهرة احتفالية كبرى تجمع بين ناشرين وشعراء ونقاد وقراء وكتاب وفنانين وإعلاميين:
    قراءات- إمضاءات- عقود نشر- محاضرات- بيع- ندوات- جوائز.
    تنظم هذه التظاهرة مرة في السنة وطيلة أسبوع كامل.
  3. اليوم الوطني للشعر:
    - على غرار الأيام الوطنية والعالمية للمسرح والموسيقى وغيرها من الأعياد الثقافية يقترح "بيت الشعر" يوما وطنيا للشعر، يهدف هذا اليوم إلى تحسيس المواطنين بضرورة الشعر وإضفاء مسحة من الشعرية على سلوكهم وحياتهم.
    ويسعدنا دعوة الدولة التونسية إلى المبادرة بإقرار يوم وطني للشعر ودعوة بقية الأمم من خلال منظمة اليونسكو إلى إقرار هذا اليوم عالميا للشعر على غرار اليوم العالمي للموسيقى.. مثلا.
    وذلك لما للشعر من قدرة تعبير عن المعاني الإنسانية الكبرى.
  4. الذكرى السنوية لتأسيس بيت الشعر:
    احتفال يدوم نصف شهر ويتضمن الأنشطة التالية:
    معرض وثائقي- معرض سمعي بصري- عروض لإنتاج بيت شعر- أمسيات شعرية- إنتاج عمل ركحي تساهم فيه ورشات بيت الشعر، إستضافة شاعر عربي أو عالمي- إصدار بطاقات بريدية تتضمن أشعارا تونسية وعالمية- إنتاج معلقات..
  5. إعادة تشكيل المقاهي والمراحل الأدبية:
  6. عرض متكامل وعمل فرجوي يقع فيه إستعادة إحدى مراحل الحركة الأدبية والشعرية بحساب مقهى كل سنة بمشاركة أدباء وشعراء وفنانين وصحفيين ومسرحيين عايشوا تلك المرحلة.

الندوات

آخر كل سداسية تنتظم ندوة تدوم يومين على الأقل يكون محورها الشعر وتتم بالتنسيق مع الجامعات والجهات الثقافية المختصة محليا وعربيا وعالميا.

*محاور مقترحة:

  • مفهوم البيت عند العرب.
  • الشعر والكتاب المدرسي.
  • الشعر العربي ما بعد الرواد.

1. مسائل الترجمة..

بيت في كل مدينة

في كل مدينة من المدن هناك نواد للأدب والشعر بإمكانها أن تتحول إلى بيوت شعرية تعمل على لم شتات شعراء الجهة بالتنسيق مع بيت الشعر.

لتنفيذ هذا البرنامج يعمل بيت الشعر في مرحلة أولى:

  1. يوم المدن في بيت الشعر:
    يخصص "بيت الشعر" يوما في كل شهر لمدينة يتم فيها استضافة شعرائها وفنانيها والمشرفين على مؤسساتها الثقافية على أن يكون البرنامج المقدم ممثلا للحركة الشعرية والإبداعية بالجهة.
  2. يوم بيت الشعر في المدن:
    إقامة يوم "بيت الشعر" في كل مدينة.
    - معرض وثائقي.
    - استشارة شعرية.
    - أمسية شعرية مشتركة بيت الشعر وشعراء المدينة.

لقاءات عربية

يستضيف بيت الشعر شاعرا عربيا بارزا مرة كل ثلاثة أشهر ثم شعراء متوسطيين وعالميين طبقا للبرنامج التالي:

اليوم الأول:

حفل استقبال ودراسات نقدية حول أعمال الضيف.

اليوم الثاني:

شهادة الضيف حول تجربته الشعرية والحياتية على أن تكون غير منشورة ومكتوبة خصيصا لمجلة "بيت الشعر".

اليوم الثالث:

تقوم ورشات بيت الشعر بقراءة موسيقية- مسرحية- تشكيلية لأشعار الضيف خلال حفل يختتم بقراءة شعرية له.

ديوان الشعر العالمي

مرة كل شهر يخصص "بيت الشعر" يوما كاملا لأحد الشعراء العالميين بالتنسيق مع المراكز الثقافية الأجنبية ومع المعاهد والمنظمات العالمية المختصة.

أمثلة:

جانفي: لوكار وجماعته 1927.
فيفري: أكتافيوبات- المكسيك.
مارس: يانيس ريتسوس- اليونان.
أفريل: سان جون بيرس- فرنسا.
ماي: ريلكة- ألمانيا.
جوان: رني شار- فرنسا

* ربط علاقات واتفاقيات بين "بيت الشعر" وبيوت الشعر في العالم.. وتنظيم أنشطة مشتركة وزيارات متبادلة.

الجوائز

يسند بيت الشعر ثلاث جوائز سنويا:

  1. جائزة أفضل كتاب شعري.
  2. جائزة أفضل كتاب نقدي متعلق بالشعر.
  3. جائزة أفضل عمل فني (تشكيلي- مسرحي- موسيقي- سنمائي) له علاقة بالشعر.

نموذج لنشاط ورشة لقاءات عربية
بيان قفصة من أجل منطلقات جديدة
لقراءة الراهن المتغاير في الشعر العربي

في أيام الوفاء للشاعر محمود درويش، بمبادرة من "بيت الشعر" ومندوبية الثقافة في قفصة، عشنا لقاء نوعيا أتاح وضع الشعر، هذا الفن النبيل والجبار، في أكثر من محيط واحد.

ذلك لأن اللقاء أنطوى على علاقة إنسانية وجمالية مباشرة مع شخصية الشاعر، وعلى محاولة الحفر النقدي المعمق في سطوح وأعماق (وفي شكل ومحتوى النص الشعري) وعلى وضع ذلك كله أمام محك القراءة والقارئ، في الزمان والمكان في التاريخ الماضي والتاريخ الراهن والتاريخ المتحرك نحو المستقبل.

إن النقاد والشعراء الذين جاؤوا لتحية محمود درويش في هذا التكريم عملوا في سياق ما يشبه الورشة النقدية التعددية، الساعية إلى بلورة رؤية مغايرة لشعره، أساسها الكشف عن الشعر في الزمن المتبدل واستكشاف علاقة الضغط والتفاعل المتبادلة بين الشعر والزمن. ومن ثم يمكننا القول أن لقاء قفصة يمثل منطلقا جديدا لقراءة محمود درويش، ولكنه أيضا تأسيس لمنطلقات أخر جديدة في قراءة المشهد الشعري العربي بأسره.

ذلك هو المضمون المعرفي الجدلي والمسؤول في شكل ومحتوى الورشة النقدية، وتلك هي الدلالات العميقة للقاء والوفاء.

تونس والمغرب وسوريا هي المناطق التي ينتمي إليها النقاد والشعراء المساهمون في هذه الندوة الفكرية. وتلك إشارة واضحة على شمولية الالتفاف حول الشاعر محمود درويش بوصفه صاحب مشروع شعري عربي وإنساني دائب التطور والاغتناء، فيما هي شهادة على زمن ثقافي عربي مغاير.

يحضر فيه المغرب العربي بفاعلية مبدعة.

إن بلورة الرؤية الجديدة إلى شعر محمود درويش انشغلت بإبراز السؤالين الأساسيين في مرحلة الانعطاف الراهن على المستويين العربي والإنساني.

  1. سؤال حول معنى أن يكون الشعر ضروريا مرتبطا بأسباب الحياة وصانعا لجمالياتها وعبقرياتها في الألم والفرح، في الحضور والغياب، وفي الوجود والعدم.
  2. سؤال حول مبررات هذه الضرورة وإشكالية إمكانها وتحقيقها وتحققها.

ومما له دلالة خاصة أن هذين السؤالين استولدا أسئلة أخرى لا تقل عمقا وتحريضا على العمق حين شارك الجمهور بحيوية ومعرفة وحرص وشجاعة في مناقشة وإغناء القراءات النقدية، سواء لجهة وضع تجربة محمود درويش الشعرية في نسق عريض من السياقات الفردية والجمالية والسياسية والإنسانية، أو لجهة وضعها في سياق الشعر العربي الحديث، نازعة إلى إبراز الكوني كبعد تراهن عليه القصيدة حين تنطلق من المخزون الحضاري والتاريخي الثري للهوية العربية.

من هنا فإن القراءة استحوذت عليها قضايا الشعرية في النص وزمنه من أجل أن تحرر قراءة شعر محمود درويش مما ليس واجبا شعريا، لا إلغاء للسياسي بل دفاعا عن الشعر الذي لا يمكنه أن يكون ضروريا في حال تبعيته ولا إبداعيته. وهذه النقطة المركزية التي اشتركت فيها الكلمات والمداخلات، هي بدورها التي أفضت إلى التعبير عن حالة الإبدال والتغاير في شعر محمود درويش، من حيث تجديد وظيفة وطبيعة الشعر، أم وظيفة وطبيعة الشاعر، مؤالفة بين الشعري والأنطولوجي، في أفق زمن شعري لا يشبه في شيء الزمن الشعري الذي بنته حركة الشعر المعاصر منذ الخمسينات.

وفي كلمته التمهيدية قبل الأمسية الشعرية عقب الجلسات النقدية، كان محمود درويش صريحا وواضحا وبليغا حين قال: "لا أستطيع أن أضع الضمير في مواجهة لا مبرر لها مع الجمالية، ولا أستطيع أن أخون حواسي كلها أو بعضها، لأنتمي إلى جسد حداثة مشوه يغير أسمه وملامحه في كل لحظة. ولكنني، وأنا مثقل بما لا يعينني، أعرف كيف أموت وأولد في سياق قصيدة لا تبحث، وأنا مثقل بما لا يعينني، أعرف كيف أموت وأولد في سياق قصيدة لا تبحث، وهي تكتب، عن هدف سوى شعريتها التي لا تستطيع أن تحقق لا تاريخيتها إلا في تجاوز تاريخيتها من خلال الاندماج فيها، لا الاغتراب عنها".

لقد تبلورت في قفصة دعوة إلى قراءة مغايرة لزمن شعري مغاير، يفعل فيه محمود درويش بقوة. وإنه لمن صنف الشعراء النادرين الذين يعيشون تجربة العبور ويتحلون بالقدرة على إعادة طرح وإنتاج الأسئلة الأساسية. ومن ثم فإن تجربته الشعرية الأخيرة تتميز بشجاعة مراجعة الواضح والمتفق عليه، بغاية حماية القصيدة والدفاع عنها وعن ضرورتها، ذهابا إلى ما أسماه الشاعر بـ "الخلاص الجمالي".

لقاء قفصة، إذن، كان لحظة تأمل جماعي حول شعر محمود درويش، في ضوء إشكاليات نظرية جديدة، أظهرت أن مسألة الحداثة الشعرية العربية الآن هي أبعد من ن تنحصر في منازعات الحدود بين قصيدة النثر وسواها، كما إن بروز الرواية لا يتضمن نهاية الشعر بأي حال، لذلك فإن هذا اللقاء وهو يخلص الشعري مما ينفي الشعر ويلغيه، جعل من الوفاء محمود درويش فرصة تأمل في الخطاب السائد عربيا حول الشعر، لأن رؤية جديدة لشعر محمود درويش غير ممكنة إذا لم يتعلم الخطاب النقدي كيف يتواضع أمام القصيدة.

ولنا أخيرا أن نحيي، بمحبة، مبادرة "بيت الشعر" والمندوبية الثقافية بقفصة على هذا التكريم النوعي لمحمود درويش. إن جدية الفكرة ووضوح قصديتها والتشاور المسؤول لإنجاحها، مثلت برهانا على أن الثقافة العربية لا تنتفي عنها الحيوية المطلوبة. ولذلك فإن هذا اللقاء دلنا على إمكانية مصاحبة الشعر باستمرار، ونحن نرجو أن يواصل "بيت الشعر" مبادرة تكريم الشعراء ويؤصلها. فسؤال الشعر هو سؤال الوجود والمصير، بامتياز.
محمد بنيس- محمد لطفي اليوسفي- المنصف الوهايبي- توفيق بكار- محمد الغزي- صبحي حديديي.

قفصة- تونس في 6-جوان 1995

نموذج لنشاط ورشة الندوات
ورقة دقة
(من أجل إنجاز مشروع بيت الشعر)

انعقدت يومي 16 و 17 جويلية 1995 ندوة دراسية تمهيدية نظمها بيت الشعر، بالتعاون مع المندوبية الجهوبة للثقافة بباجة، في إطار مهرجان دقة الدولي بمشاركة عدد من الشعراء والباحثين والموسيقيين والصحفيين، وقد اجتمعوا للتفكير في استراتيجية الشعر وأصدروا الورقة التالية

بادرت تونس، منذ أكتوبر 1993 ببعث بيت للشعر يضم الشعراء ويحتفي بإبداعهم فكان إنجازا ثقافيا يستجيب لطموحات المثقفين، ويمكنهم من إطار يحتضن تجاربهم ويرعى نصوصهم حتى يتبوأ الشعر المقام الذي يستحق في مجتمعنا، وينهض بدوره في تطوير ثقافتنا، وحماية ذاكرتنا الحضارية.

وهذا ما يجعل بيت الشعر سابقة استثنائية في البلاد العربية ومكسبا يحتاج إلى دعم يسنده ويعضد مشاريعه وأهدافه.

إن لبيت الشعر برنامجا متكاملا يتصل بمجالات عديدة أبرزها: نشر الشعر وتوثيقه وتحقيقه وترجمته، وتمتين صلته بالوسائل السمعية البصرية حتى يسترجع، بطرق عصرية، سالف مكانته في ثقافتنا من حيث هو سلوك ومعرفة.

وعلى أساس هذا المشروع نقترح ما يلي:

  1. وضع قانون أساسي ينص على أن بيت الشعر "جمعية للشعر ذات بعد عربي ودولي".
  2. دعم بيت الشعر بتوفير ميزانية خاصة تناسب حجم أنشطته ومشاريعه العديدة.
  3. مساعدة بيت الشعر في إصدار مجلته، على أن يوافق العدد الأول الذكرى الثانية لتأسيس البيت (أكتوبر 1995).
  4. تمكين بيت الشعر من نشر مجاميع شعرية تونسية إثراء لديوان الشعر التونسي المكتوب والمسموع والمرئي.
  5. دعوة الدولة التونسية إلى المبادرة بإقرار يوم وطني للشعر ونقترح أن يكون يوم 21 مارس من كل سنة باعتباره اليوم الأول من الربيع الفلكي.

ويسعدنا أن تبادر تونس بدعوة بقية الأمم، من خلال منظمة اليونسكو، إلى إقرار هذا اليوم عالميا للشعر، على غرار اليوم العالمي للموسيقى… مثلا، وذلك لما للشعر من قدرة تعبير عن المعاني الإنسانية الكبرى.

إن بيت الشعر مؤسسة أرادت أن تكون جادة، تناهض ثقافة التهميش والاستهلاك السريع، لذلك فإن في دعمها دعما للأبعاد الحضارية العميقة، وإسهاما في تحقيق القيم الإنسانية الباقية.

الموقعون:

  1. منصف الوهايبي (شاعر وباحث)
  2. شكري المبخوت (باحث)
  3. محمد بن صالح (شاعر وباحث)
  4. محمد الغزي (شاعر وباحث)
  5. أولا أحمد (شاعر)

نموذج لنشاط الورشات
ورشة: الشعر- الركح

"العين تسترق السمع والأذن تسترق الصور.."

  1. السؤال: ينبثق عمل الورشة من سؤال أساسي: كيف يمكن للفضاء الركحي (السمعي والبصري) أن يتفاعل مع فضاء القصيدة عبر معالجات فنية، مثمرة؟
  2. الهدف: إقامة تواصل بين عقلين، تعبير بين، وشكلين فنيين (الشعر- المسرحية) مختلفين. والبحث تطبيقيا عن احتمالات وأوجه هذا التواصل.
    2-1: كيف يمكن أن يغتني الشعر من فن الركح؟
    2-2: كيف يمكن أن يغتني فن الركح من الشعر؟


    بمعنى آخر: ماذا يحدث لو فاض حقل تعبير مخصوص عن حدوده المألوفة فتقاطع مع حقل تعبيري آخر؟
  3. المنهج ومراحل العمل: إن عمل الورشة لا معنى له لو لم يتصل بالإنتاج. وهذا الإنتاج لا معنى له إن لم يخرج على السائد، المتعارف عليه، سواء في مجال الممارسة الشعرية وتقديم الشعر أو في مجال الممارسة الركحية وتوقها إلى الشعرية.
    لذا نقترح منهجا يرتقي من البسيط إلى المعقد ويسعى إلى بلوغ درجة عالية من التمكن الفني.

    3-1 القصيد الركحي:
    3-1-1: اكتشاف إمكانيات الفضاء السمعي: كيف تتحول القصيدة من نص مكتوب إلى خطاب شفوي؟
    أ- الشعر/الصورة الصوتية؟
    ب- إيقاع الشعر/إيقاع الكلام؟
    ج- الشعر/الصوت/الموسيقى؟

    3-1-2: اكتشاف إمكانيات الفضاء البصري:
    أ- الشعر والأداء الحركي والإيماني؟ (الأداء).
    ب- الشعر والتشكيل الركحي (الإخراج).

    3-2: العرض الشعري:
    إخراج مجموعة من القصائد تشترك أو تختلف في المضامين، في عرض شعري متكامل.
    الإجابة تطبيقا على أسئلة: لماذا العرض؟ كيف العرض؟

    3-3 المسرح الشعري:
    الدرجة العليا من عمل الورشة
    إذا كان المسرح الشعري ينبني على استعمال مادة لغوية تختلف في بنياتها وتقنياتها عن اللغة النثرية، فكيف يمكن النظر إلى:

    3-3-1: التجربة الشعرية كفعالية قادرة على إنتاج الخطاب الدرامي.
    3-3-2: الخطاب الدرامي كفعالية قادرة على استيعاب التجربة الشعرية والارتقاء إلى سماء الشعرية.
    "على الشعر أن يبرر وجوده المسرحي لا أن يكون مجرد شعر رائع أتخذ شكلا مسرحيا "إليوت).

    أ  - الدراما الشعرية (من الكتابة الدرامية الشعرية إلى الكتابة الركحية).
    ب- الدراما الملحمية (من الكتابة الدرامية الملحمية إلى الكتابة الركحية).

نموذج لتصور إحدى التظاهرات الكبرى
ألمبياد الشعر المتوسطي

الفكرة:

  1. تهدف أولمبياد الشعر المتوسطي إلى إستعادة تراث قديم جعل من تونس- طوال حقب تاريخية متعاقبة- قبلة يقصدها الشعراء والفنانون بحثا عن أرض للحلم والحرية. فمنذ عليسة التي ورد ذكرها في الآوديسة- مرورا بشعراء قرطاج، وإفريقية، والفتح العربي، ووصولا إلى سرفنتاس، وفلوبيرن وأندري جيد، وباول كلي. وموطن أبي القاسم الشابي لا يزال يغذي مخيال الشعراء الجوالين ويأسرهم بسحر مخصوص.
  2. في العصر الحديث صار الفن لغة مشتركة بين الشعوب وظل الشعر أكثر تعبيرا عن القيم الإنسانية الباقية.
  3. لذلك فإن استقبال تونس لشعراء وفنانين من العالم، ومن حوض البحر المتوسط تحديدا، سيكون حدثا رمزيا له دلالات حضارية بالغة الأهمية.
  4. يمثل كل بلد من بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط شاعر وشاعرة وفنان له علاقة بالشعر. وتتكفل لجنة "المباريات" باختيار أفضل خمس قصائد على أن يتم عرضها فيما بعد في بيت الشعر على أن تتولى ورشة الفنون التشكيلية رسمها ونقشها على طريقة المعلقات.
  5. تدور وقائع هذه الأولمبياد في عدة أمكنة رمزية تمثلها المحاور التالية:
    • شعر الأرض
    • شعر البحر
    • شعر الجبل
    • شعر الصحراء

      ولإضفاء صبغة المهرجان على هذا الحفل يتم الاستفادة من خبرات الموسيقيين والمسرحيين والمخرجين.
  6. هكذا يخرج الشعر من الفضائات التقليدية المخصصة له إلى الجمهور الواسع.

    وفي هذا المجال يمكن تصور حصص إذاعية وأخرى تلفزية يقع إنتاجيا بالمناسبة.

سيناريو لألومبياد الشعر المتوسطي

الأماكن:

أ- قرطاج: المسرح الروماني رمز الثقافة المتوسطية
ب- جربة: عليسة والأوديسة وحكاية الشعر والبحر
ج- القيروان: مهد الحضارة العربية والإسلامية والشعر في المغرب العربي.
د- الكاف: مدينة فوق جبل. شعر الجبل.
هـ- توزر: على تخوم الصحراء يعلو النخيل. موطن الشعر. الشعر الشعبي.

*التاريخ: مرة كل عامين من 15 جويلية إلى 10 أوت بالتنسيق مع المهرجانات الصيفية الوطنية والمراكز الثقافية لبلدان البحر المتوسط ويمكن اقتراح تنظيمها بشكل دوري بين عواصم المتوسط.

التقديرات المالية

عدد المدعوين: 60 شاعرا وفنانا
- النقل الجوي: 60 بطاقة سفر
- النقل الداخلي: كراء 15 سيارة لمدة 15 يوما
- النقل الجوي الداخلي: 60 بطاقة ذهاب- إياب (تونس- جربة)
- إقامة وأكل: 600 ليلة.
الجملة: 000ر75 دينار

الأجور

  • التصور والإنجاز:
  • منشطين (2):
  • سكرتير إدارة:
  • متعاونون وفنيون:
  • مصاريف مختلفة:
  • الجملة: 000ر25 دينار
  • المجموع: 000ر100 دينار

ورقات من السجل الذهبي

لا يملك الشعر، في العالم الكثير من الملاجئ، وحتى بعض الملاجئ الموجودة فإنها في الحقيقة أقفاص مذهبة.
ليكن إذا بيت الشعر التونسي مقاما سريا ومضيئا إلى الأبد تماما مثل الشمس الوهاجة والبحر اللذين يعانقانه.

الشاعر ألان كاستي "فرنسا"
19 يونيو 1994

ربما الحلم وحده هو الذي كان بوسعه أن يقودني إلى هذا البيت الشعري/البيت السحري، محراب الشعر التونسي قديمه وحديثه ومعاصره فلينطلق الشعر ولينتشر من هنا إلى كل أصقاع تونس والدنيا.

بشير القمري "المغرب"
11 أبريل 1994

إن هذا البيت هو أول بيت من نوعه، فشكرا لتونس على هذه البادرة التي ستلهب في قلوب الآخرين حنينا مجددا إلى العودة إلى الينابيع.
آن للشعر أن يعود، وها هو يعود إلى بيته بعد رحيل طويل.

محمود درويش
6-12-93

بيت الشعر تجربة مغايرة وجديدة ومترشحة.

"أحمد الشهاوي" مصر
4-12-94

البيت، قل: المسكن. هكذا ألقى "هيدغر" في متاهات الحفصية حيث يرن الجزيري وماء الشعر. حالات قصوى للاحتفال بالسؤال. البيت لعنة مشتركة تهيئ كونيتها لاختراق الآن المنقى.

الشهيد: بختي بن عودة "الجزائر
27-9-94

إعلموا- أيها التونسيين- أنكم بهذا البيت، وبهذا المجتمع، مثل يحتذى ومبعث أمل لنا جميعا.

أميل حبيبي "فلسطين"

في هذا البيت: بيتنا جميعا، أستشعر سعادة غامرة أن تكون مديره الشاعر أولاد أحمد.
وفي هذا أكثر من دلالة على أننا بدأنا نتغير في هذا البلد الذي نحبه.. وعسى أن يحبنا هو أيضا.

منصف الوهايبي تونس"
صيف 1994

سعدت بهذه الفرصة، التي أتاحت لي زيارة "بيت الشعر" واللقاء بالقائمين عليه. أتمنى أن يكون هذا البيت بيتا لكل الشعر العربي، وهناك بوادر لاحظتها تشير إلى ذلك، رغم حداثة عهد هذا البيت الجميل العتيق المدهش.

الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب
7 مارس 1994

"ولنا أخيرا أن نحيي، بمحبة، مبادرة "بيت الشعر" على هذا التكريم النوعي لمحمود درويش. إن جدية الفكرة ووضوح قصديتها والتشاور المسؤول لإنجاحها. مثلت برهانا على أن الثقافة العربية لا تنتفي عنها الحيوية المطلوبة. ولذلك فإن هذا اللقاء دلنا على إمكانية مصاحبة الشعر باستمرار، ونحن نرجو أن يواصل "بيت الشعر" مبادرة تكريم الشعراء ويؤصلها. فسؤال الشعر هو سؤال الوجود والمصير، بامتياز".

محمد بنيس- محمد لطفي اليوسفي- المنصف الوهايبي-
توفيق بكار- حمد الغزي- صبحي حديدي.

توس في 6 يونيو 1995
  حسونة المصباحي

عاش يتمنى بيتنا للشعر

باريس- شتاء 1991:
طائرات الحلفاء العملاقة المجهزة بأحدث صواريخ القتل والدمار تقصف بغداد ليل نهار. سافرت إلى باريس مدمي القلب، مسلوب الروح لإنجاز تحقيق صحفي حول حرب الخليج لمجلة DIC/CUU الألمانية. والعرب الذين التقيتهم في مقاهي "الحي اللاتيني كانوا يهيمون كالأشباح الضالة وسط غابة الحقد التي تبدت لهم أفظع وأشرس مما كانوا يتصورون.

فجأة وأنا أقطع ساحة "سانت أندريه دي زار" طالعني وجه صديقي الشاعر الرهيب كما أنا أسميه أولاد أحمد. كان يرتدي معطفا أسود، ويبدو هادئا كما أنه ليس عربيا على الإطلاق.

- أليست حزينا بسبب ما حدث؟ سألته.
- لا…. أبدا‍ وهو يدخن بنهم كعادته.
- لقد حزنت قديما عندما كنت أسرع مع النعاج في "وادي الفكة" بحثا عن الكلأ، أما الآن فالشاة لا يهمها سلخها بعد ذبحها قال. ثم أضاف بعد قليل من الصمت.
- لم يعد يهمني الآن يا صديقي البدوي التائه غير مشروع وحيد: بيت الشعر في تونس.
- أنزوينا في بار صغير في شارع "السين" شارع السورياليين في فترة ما بين الحربين.
كنت عطشانا، وكان أولاد أحمد أكثر ظمأ مني. وشيئا فشيئا، انبسطت أمامنا زرابي قيروانية، وأضيئت حولنا قناديل الشعر، وضج البار بروائح ياسمين سيدي بوسعيد، وبدأ لنا أن صليحة تغني لنا وحدنا لتنسينا هموم الحرب القذرة. راح أولاد أحمد يحلم: "اسمع يا صديقي.. بيت للشعر في قلب المدينة العتيقة.. أليس هذا رائعا؟ لقد أصبحت اختنق المدينة العصرية الفاسد، وأضيق بباراتها النتنة، وبمثقفيها ذوي الأحذية المثقوبة والجيوب الفارغة، وبعيون مخبريها التي لا تنام ولا تدع أحدا ينام.
- وظل أولاد أحمد يهذي على هذا المنوال حتى فجر اليوم التالي.

تونس- خريف 1992

أولاد أحمد فرح، يكاد يطير من شدة الفرح. لقد التقى مسؤولين مرموقين أبدوا تحمسا كبيرا لإنجاز مشروع بيت الشعر. وحدهم الشعراء متشائمون. بل أن بعضهم بدأوا يتآمرون ويخططون لوأده.. إنهم يتحركون في العتمة يا عزيزي.. وأنا أراهم في معاطفهم القاتمة، يرفعون معاولهم عاليا استعدادا للفتك بالزهرة حال انبثاقها من الأرض.. غير أن هذا ليس مهما على الإطلاق.ز هناك أناس يقفون إلى جانبي.. وسوف يساعدونني حتما على إنهاء حياة البطالة الرهيبة التي أعيشها منذ سنوات. تصور إني غير قادر على شراء قميص لابني ناظم.

قاطعته: هذا شيء طبيعي ما دمت تصرف أموالا طائلة على "العرائس" الخضر.

صاح في:

- وهل أنت أيضا تريد أن تحرمني من متعتي الوحيدة في هذا الوطن المر كالإفلاس على الأرصفة الباردة؟.

فجر بنفسجي على جبل سيدي أبي سعيد، برد نوفمبر، الحلم يتسع، وأولاد أحمد يبدو في العتمة الراحلة مثل راع يتأهب لفتح الزريبة، وأخذ الشياه إلى المزرعة.

في طريق العودة إلى تونس اسمعني مقاطع من أناشيد طاغور العظيم.

ميونيخ- ربيع 1993

ثلوج نيسان الغزيرة. جادة ليوبولد مزدحمة كعادتها كل يوم سبت. المنصف الوهايبي يلاحق البافاريات الجميلات بنظرات محمومة. زهرة العبيدي تغني لي بصوت خافت أغنية أغاني جبال الكاف العالية وصبيها يرقص في بطنها. نواقيس الكنائس القروسطية.

أولاد أحمد في معطفه الأسود الطويل لا ينقطع عن الهذيان.. المشروع جاهز الآن.. صالح البكاري قال لي أن الرئيس يبارك المشروع.. أعدائي يترصدونني في المتعرجات.. على أن أتجنب الهفوات القاتلة….

- لن يستطيع يهمس لي المنصف الوهايبي

- إذا كان هناك أحد ينوي تدمير مشروع بيت الشعر فهو صاحبه.. هذا الذي لا يكف عن الهذيان تقول زهرة.. أغضب أنا.. أنت عدو نفسك أقول له.

- أسمع.. أنا أب لود وحيد، ومؤلف لخمسة كتب صغيرة الحجم ولا أسمح لأحد بأن يكلمني بهذه اللهجة.

- في بار "التيركنهوف" يعرض أولاد أحمد مشروعه على الألمان.

- يحملقون فيه مندهشين..

- ولكن ريلكة مات من زمان يقولون له..

- لا يهم.. سأدعوه وهو عظام رميم يقول أولاد أحمد. ثم ينهي كأس البيرة في جرعة واحدة..

ميونيخ- صيف 1993

عند الفجر رن الهاتف رنينا عنيفا انتشلني من نوم عميق تململت زوجتي غاضبة:

- قل لأصدقائك المجانين ألا يتلفنوا مستقبلا في مثل هذه الساعة.

- اللعنة عليهم جميعا‍ قلت أنا، ثم تناولت السماعة.. أتاني الصوت أجش، مثقلا بالسهر وما فيه من عربدة وجنون:

- اسمع أيها الوغد.. أنا هنا في عَمّان لحضور مهرجان جرش. معي ذلك الوغد الآخر سيف الرحبي.. هو يسلم عليك.. لقد دعوت جميع الشعراء لحضور حفل افتتاح بيت الشعر الذي سيتم قريبا..

ولكني سمعت أن عددا كبيرا من الشعراء يعارضون إدارتك لبيت الشعر لأنك غير منضبط. ألم أقل لك أكثر من مرة أنك عدو نفسك.

- سأدعوك أنت أيضا.. لا تهتم بما يقولون.. وزير الثقافة لا يلعب مع الصبيان في السهل.

- أضع السماعة بعد عشرين دقيقة من الكلام.

- من؟ تسألني زوجتي

- أولاد أحمد. أقول لها.

- لعنة الله عليه حيا وميتا تقول.

تونس- خريف 1993

يفتح أولاد أحمد المحفظة المليئة بالوثائق.

- اسمع أيها الوغد.. لقد أعلمتني الوزارة أن بيت الشعر سوف يفتتح رسميا يوم 24 أكتوبر في العاشرة صباحا. وهذه جميع الوثائق المتعلقة بالمشروع منذ أن ولد في ذهني وحتى هذه الساعة.. هل تريد أن تطلع عليها؟

- أريد أن أشرب واحدة معتقة، قبل كل شيء، أقول له.. نجلس في مطعم "الكوسموس" يحتفي بنا الجرسون فوزي احتفاء خاصا.

- لا بد أن ينهي الصحن الذي طلبه حتى لا يدفعه الشراب إلى ارتكاب حماقات..

- نصائح فوزي ثمينة جدا.. يقول أولاد أحمد.. غير أني من شدة الركض.. والحماس لم أعد قادرا على أكل شيء فالمشروع الذي كان بالأمس حلما يبدو مستحيلا أصبح الآن واقعا…… سوف يكون احتفالا عظيما، سوف أحضر ابني ناظم حتى يتأكد أن أباه ليس رجلا عاقا، ولا شاعرا فاشلا مجنونا.. التلفزيون أيضا سوف يكون حاضرا.. حتى رئيس جمعية اليهود الفرنسيين دعوته حتى أثبت للجميع أنني لست ضد أحد.. البيت سيكون مفتوحا للجميع حتى لأعدائي.. يجب أن نتجاوز المعارك السخيفة، ونرتفع عن الصغائر.. أنا سعيد أيها الوغد.. سعيد جدا. ولو كنت غنيا لأقمت وليمة في "باب بحر"…. ودعوت إليها جميع الناس.. حتى المخبرين الذين نكدوا حياتي في السنوات العجاف. سوف لن يستثنوا من الدعوة. لقد عاش على الدوعاجي وهو يتمنى حبة عنب. حبة عنب فقط،ومات دون أن يتذوق حلاوتها. وعشت أنا سنوات طويلة وأنا أحلم ببيت للشعر في قلب المدينة العتيقة، هناك حيث تخفق أرواح الشابي والعريبي والدوعاجي وعبد الرزاق كرباكة والبشير خريف ومصطفى خريف والعربي الكبادي وصليحة وحبيبة مسيكة. وها أنا أحصل عليه.. الدنيا حظوظ وأحلام ومفارقات يا صديقي.. أليس كذلك؟ يلتحق بنا الصافي سعيد والأزهر العرمي وقاضيان محبتان للشعر.. يطول السهر ويشتد الوجد بأولاد أحمد فينهض وينشد نص "الوصية" وهو يرقص مثل الزنوج.

في الصباح أغادر إلى ميونيخ دون أن يودعني أولاد أحمد مثل اعتاد أن يفعل في كل مرة أزور فيها تونس… وكان ذلك قبل 48 ساعة من افتتاح بيت الشعر…

حسونة المصباحي
ميونيخ: 14/11/1993 محمد علي اليوسفي

زيارات ماضية إلى مستقبل الشعر

في ثاني زيارة إلى "بيت الشعر" سلكت الطريق ذاتها، طريق الأسواق المسقوفة التي تنمل فيها العين من طول الفرجة، ولا تستطيع الخطوات هناك أن تكون ملكك، أي متناسقة، متتابعة، أو مسرعة كما تريدها، دائما أحس، وأنا خارج أسوار المدينة العتيقة، أن ما حولي بنته رغبات ومطامع حضارية، دون أن أتمكن من لجم حنين إلى كل غياب.. أما داخل الأسوار، وعندما لا أتوغل كثيرا في القرون، وخاصة القرن الثامن عشر الذي سميته جدي، أتذكر أن هذه الشوارع الضيقة شكلت الممانعة الأساسية أمام الزحف "الأوروباوي" كما قد يقول الوزير المصلح خير الدين التونسي.

أول ما لفت انتباهي في حفل الافتتاح الذي أشرف عليه وزير الثقافة، تثبيت وجه تونس المتسامح على جدران المكان: لوحة رخامية تسجل ذكرى الشهداء والمناضلين وإجتماعهم في هذا المكان بقيادة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. قبل تلك اللوحة، وعلى يمين المدخل قرأت "بيت الشعر 25 أكتوبر 1993".

الافتتاح تم يوم الأحد 24 أكتوبر مع فرحة أولاد أحمد الذي كان يخشى انتظار يوم إضافي مجهول. وبجانب تلك اللوحة أخرى كتب عليها: "دار الجزيري" في هذه الدار انعقد المؤتمر الثاني للحزب الحر الدستوري التونسي سنة 1937" سوف اختار فيما بعد صورة لهذه اللوحة وتحتها أولاد أحمد الذي وقف خصيصا، حتى يشهد الجميع كما تقول الصورة أمام ذلك التاريخ وتحت تلك الرخامة. يكفي التمعن في عينيه "بريق" وشفتيه "بهجة مكتومة جزئيا"، ولا سيما يده المضمومة الأصابع أمامه، وقد تجاوز الأبهام بقية الأصابع في حركة مقصودة، توحي بالتهيؤ التام أمام الكاميرا، كما توحي بضجيج مشاريع كثيرة في رأس صاحبها. وسوف ينتقل إلى تصنيفها بعد هذه الصورة مباشرة: "في البرنامج جناح للضيوف، مجلة شعرية، ورشات تبدأ بالدراسات ولا تنتهي بشعر الأطفال، علاقة الشعر بالفنون الأخرى، مساعدات إجتماعية للشعراء.. خارجيا: الإتصال بسفارات ومنظمات ومثقفين من البلدان العربية والعالم.. "أريده بيتا كونيا للشعر.. عندي ورقة عمل من سعدي يوسف" الورقة التي أحتضنها في ملفه طيلة أيام الانتظار" قريبا سيأتي محمود درويش ليزور البيت، بيت الشعر فكرة مفتوحة.. مثل الشعر تماما".

في حفل الافتتاح الذي لم يمض عليه شهر، كان هناك خليط من الأجيال الشعرية ورجال الإعلام والثقافة. كان هناك خصوم أولاد أحمد الكثيرون. وأولاد أحمد لا بد أن يكون طرفا في كل خصومة. وإلا كف عن كونه هو هو كما يقول المناطقة.

في حفل الافتتاح استوقفني البئر

البئر متوسطة صحن الدار

بدر كما يمكن أن تكون بئر

فتحت الغطاء ورأيت شاعرا منتحرا.

ما مدى مسؤولية أولاد أحمد في ذلك؟ لا أعتقد انه يتحمل مسؤولية ما. لم ينس في كلمته الافتتاحية أمام جموع المثقفين، مخاطبا رئيس الدولة ووزير الثقافة، أن يذكر صديقه الشاعر المنتحر صلاح الدين ساسي:

"الذي وعد في وصيته الأخيرة بالعودة ثانية إلى تراب تونس" إنه في ترابها يا أولاد أحمد.

لذلك كتبت في "دفتر التهاني" الموضوع على طاولة تحت أحد الأورقة، وقد بدأت حبات مطر كاذبة تخدع المزارعين في الأقاليم وتبلل غلاف الدفتر السميك:

هنيئا للأحياء،

وهنيئا لشعرائنا الموتى

إذ يجتمعون ليلا في هذا المكان"

كنت مرتاحا لأمر واحد مؤكد في لحظته: أن هذا الشاعر الكثير الوعود والمواعيد الخلبية كمطر اليوم، زودني بما احتاج لهذا الموضوع.

لكن مدير "بيت الشعر" ذا الاسم الطويل والمستطرف "محمد الصغير أولاد أحمد" لا يريد أن يعرف إلا باسم قبيلته. قال لي: اكتب مرة واحدة الاسم بكامله حتى يعرفوني، ثم أكمل بأولاد أحمد فقط. كان أولاد أحمد كلهم في بيت الشعر.

ذلك أن هذا الجنوبي جاء ذات يوم من "سيدي بوزيد" إلى العاصمة، بلباس معفر وشعر أشعث ويدين مرتبكتين ومعدة شبه خاوية، يستعيد الآن حسه باتساع المكان في بيت الشعر. بل في قصر الشعر. قال لي أنه تعود الغرف الضيقة التي يرتطم بها رأسه كلما أفاق في الظلام. كان ذلك في الثمانينات عندما دخل سجونا وعرفته قطط المدينة وشوارعها. وهاهو ذا اليوم يسكن أحد أجمل قلوبها. لم يكن يعرف أنني لم آت لجمع معلومات وطرح أسئلة. بل جئت لأقرأ المكان المنفتح على سماء غائمة واكتب الهامشي، أقصد الشاعري: لا المكتبة، ولا التلفاز، لا الغرف ولا الشعراء، ولا حتى الأكل الجاهز والقطة التي تقفز إلى موائد الشعراء، والشاي بالنعناع.

جئت لأرى أحلام أولاد أحمد وهي تربك جسده النحيل: لا هو مسؤول كبير ينظم مسارب مقننة من الباب إليه في مكتبه الصغير، ولا هو شاب خلوق متواضع يتفرغ إليك بكامله.

كيف يتفرغ إليك ورأسه من دوامة المشاريع، لا يفرغ؟

ذلك أن أفكاره وزواره وزائراته والهاتف الذي لم تأته الحرارة بعد، كلها عوامل تدفع به في وثبات مفاجئة من زاوية إلى أخرى، من شخص إلى آخر، ومن فكرة إلى ألف. لم أسأله عن البئر، ولا عن القطة. قال: "هذا ليس بيتا للشعراء بل الشعر، الشعر في كل شيء ونصحني ربما ليتخلص مني أيضا ويتفرغ إلى فكرة، بزيارة الغرفة التي تعرض فيها راضية الدويري أعمالها ذات الطابع التقليدي: بسك وطنافس وصناديق ومرايا وستائر تتزوج المكان بحق حتى كأنك في سيدي بوزيد بل في قرية "الدوير" البربرية.

لو كنت غير ربما خرجت مستاء.

ثم لحظات لصراحة، أو صمت، أو سلوك، عند أولاد أحمد لا تخلو من سقوط في الفراغ ومحاورة للذات.

وثمة لحظات، وهي كثيرة، مثل نقط الكلام وفواصله، تؤكد أنه طرف في اللعبة الشعرية، بضجيجها ومعاركها وفوضاها. مازال "في الساحة" رغم أنه "في البيت" قال لي: "ويقولون أولاد أحمد لا يشتغل "قلت له سمعت ببدايات ضعيفة، فلم آت لحضور أنشطة البيت الأولى، بيت مثل هذان وحدث مثل هذا، يقف وراءه رئيس الدولة ووزير الثقافة..

قال لي: "ثمة وعود لنبدأ البداية الحقيقية" وأضاف: "هل قرأت نص المشروع الخاص الذي أعده سعدي يوسف لإقامة بيت شعر؟ هو مشروعي تماما".

قرأت: "في العديد من بلدان العالم جماعات وجمعيات تعني بالشعر، الشعر وحده. ولكم قادني مسعى، أو مصادفة، إلى أن أعرف وأتعرف، عدادا من هذه الجماعات والجمعيات في أنحاء العالم مختلفة. وقد سنحت لي الفرصة بمراقبة "بيت الشعر الفرنسي" عن كثب وأعجبت بما يقدمه هذا البيت، في قلب باريس، من أنشطة شعرية منتظمة رفيعة المستوى دقيقة الأعداد والتنظيم.

وعلى خلاف توسيع أولاد أحمد لمفهوم الشعر ليشمل كل الفنون وبعض جوانب الحياة يقول سعدي يوسف: "إن مبنى بيت الشعر سيكون وقفا للشعر، لا يستخدم إلا لأغراض رعاية الشعر والشعراء، ولا يمارس أي نشاد عام خارج ساحة الشعر".

ولعل في التأكيد محاولة للإقناع بعدم وجود طابع "سياسي" لهذا المشروع خصوصا وأنه في بلاد الشاعر تحديدا.

ولعل أولاد أحمد بدوره أراد من وراء توسيع مفهوم الشعر اكتساب أصدقاء جدد لعل.ز ولعل.. لعله.

إلى الآن لم أدخل "بيت الشعر" لم تبدأ زيارتي الثانية.. مازلت أمام الباب أتأمل الرخامة. قلت لا بد من صورة لها. إنها أجد من البناء برغم ترميمه.

(……………………………)

علي باشا؟

عدو جدي!

وعدو السلالة الحسينية

ابن الأخ الذي قطع رأس عمه.

وتحالف مع دايات الجزائر.

هو ذا يهديهم بيتا، سوف يصيرن بعد أكثر من قرنينـ بيتا للشعر!

(……………………………)

حركة السكريتارات والعاملات لا تهدأ. راضية تنزل بعض قطع معرضها إلى "الداموس" القبو لأن برنامجا تلفزيونيا سيصور هناك. قال أولاد أحمد "سوف يخصص للمعارض، وربما لورشة تحميض الصور. ونادى من يقودني إلى الرطوبة والقدم: دهاليز حجرية طويلة. قفزت إلى ذهني بيروت، الطائرات، الملاجئ.

قلت هذا حصن حصين. وخرجت من الرطوبة والقدم منحنيا، حتى لا يصطدم رأسي بمداخل لا تتجاوز المتر التي أطلقتها على القاعات؟ لكن، هل يأتي كل الشعراء؟ وأولا أحمد طرف؟ لا يبدو أن ذلك يهمه. الشعر موجود في كل شيء، قال: وأي نشاط متميز سوف يجرجر الشعراء أفلت أولاد أحمد من مصطلح "فضاء" الضارب أطنابه هذه الأيام في ترجمة أحادية لكلمة "اسباس" المتعددة الدلالات: مكان، حيز فضاء.. وبذكاء مشهود ابتكر تلك الأسماء للقاعات: بيت الشعر (للجلوس والكتابة) بيت لأقصد (المكتبة)، بيت الشعراء (لهم طبعا) خصوصا وأننا نسمي الغرفة بيتا في تونس والبيت دارا.

غير أن أولاد أحمد استدرك ذلك "بالفصحى" في كلمة الافتتاح أمام وزير الثقافة والمثقفين:

"وبهذه المناسبة أمد يدي لمصالحة جميع شعراء بلادي بدون استنثاء وأقول لهم: هذا بيتكم فاسكنوه، كونوا أمناء عليه تكونوا آمنين فيه".

كان مشغولا كثيرا. كان رأسه بين يديه، وأوراقه لم يصطحبني إلى الباب كما قد يفعل أي صديق في بيروت أو دمشق.. قال لي سوف أحضر أمسية غسان زقطان، ومن ثم نأتي كلنا إلى هنا.ز كلنا؟

وحيدا، قال لي أحد المتكلمين في نفسي: "ومن أدارك؟ دار الدزيري؟ ربما بعد قرنين، ترفع الجبال القادمة بناصرها الكثيرة: دار أولاد أحمد"

(……………………………)

ذلك هو أولاد أحمد في شهر عسله مع بيت الشعر وللمفارقة فإنه لا يغادره آلا في الليل ربما، كي يترك روح علي باشا ترفرف في ليل الشعراء.

ملاحظة: نسيت المعطف، معطف أو لا أحمد، ربما لأنه لم يكن يرتديه آنذاك!

7/12/1993

مختارات شعرية

النور في قلبي وين جوانحي فعلام أخشى السير في الظلماء؟

أبو القاسم الشابي

وإذا ما عشت فيهم فلتعش للكلمات

شاهد أنت عليهم وعليك الكلمات

منور صمادح


 

وعدلت أهل أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لا يعشق

المتنبي

وقد طوقت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإيابِ

امرئ القيس

 

وَما نيلُ المطالبِ بالتمني وَلَكن تأخذ الدنيا غلابا

أحمد شوقي

مَطَر……

مَطَر……

أتعلمينَ أيَ حُزنٍ يبعث المطر؟

وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟

بدر شاكر السياب


 

هُنا وُلدِت وَلَم أُولَد

سَيكملُ ميلادي الحَرونَ إذا

هذا القطارُ

وَيَمشي حَوليَ الشجرُ

محمود درويش