نضال برقان
(الأردن)

نضال برقانمما لا شك فيه أن الإعلام الرقمي بات يحتل مكانة مرموقة في المشهد الإعلامي، محليا وعربيا وعالميا، بيد أن هذه المكانة ما كانت لتؤثر على كينونة الإعلام الورقي، بخاصة أن هذا الإعلام راح ينفتح على الفضاء الرقمي، بوصفه فضاء من شأنه تعزيز مكانة الإعلام الورقي (الرصينة)، من دون أن يلغيها، وهو حال نلمسه واضحا، وإن بشكل متفاوت، من خلال المواقع الإلكترونية للمؤسسات الإعلامية الورقية بشكل عام.

المؤسسات الإعلامية الورقية أدركت أهمية الجانب الرقمي، بخاصة فيما يتعلق بالجانب الخبري لمنتجاتها، وهو جانب لا يقبل التأخير غالبا، إلى حين صدور مطبوعاتها الورقية في اليوم التالي.

غير أن الحال يختلف كثيرا فيما يتعلق بالإعلام الثقافي، الذي ما زال الجانب الورقي منه يحتل مكانة لا ينازعه فيها أحد، ذلك أن الكثير من المواقع الإلكترونية، التي تعنى بالثقافة هي في النهاية مجرد (مستودعات) لتلك المواد التي تنشر، أول ما تنشر، ورقيا.

ولعل أول أسباب هذه الحالة يتمثل بعدم وجود ثقة بين المبدعين والفضاء الرقمي، وهو الفضاء المفتوح لـ(كلّ من هبّ ودبّ)، ما انعكس سلبا على السوية الفنية للمواد التي تنشر خلاله، من دون أن تمرّ، قبل ذلك، في محطة ورقية.

كما أن الإعلام الثقافي، على غرار قطاعات الإعلام أخرى، يتطلب كوادر مؤهلة لإنتاج مواده، وهو ما تعوزه جّـل المواقع الإلكترونية، التي يعتمد كثير منها على مواد المؤسسات الإعلامية الورقية، وهي مؤسسات تضم كوادر مؤهلة بطبيعة الحال.

من جانب آخر؛ فإن كثيرا من المواقع الإلكترونية تحصر ما يندرج تحت عنوان (ثقافة وفن) بأخبار لنجوم الغناء العربي، فقط، على غرار موقع (العربية نت)، على سبيل المثال لا الحصر.

وعلى صعيد المواد الإبداعية، فأن الحديث عن «اقتباسات» و»سرقات» لا يمكن حصره، ولا يمكن البتّ فيه من دون مرجعية ورقية، وهو عرف سائد في الوسط الثقافي، وللخروج منه فإن جل المبدعين يلجأون إلى النشر الورقي، ومن ثم الرقمي، بخاصة إذا استثنيا ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولنا أن نتتبع بعض المواقع الثقافية الرقمية لندرك حقيقة ذلك، ولعلّ خير مثال على ذلك هو موقع (جهة الشعر)، الذي يشرف عليه الشاعر البحريني قاسم حداد. الموقع نفسه، على أهميته، يكاد لا يتضمن إلا نزرا يسيرا من المواد الإبداعية التي لم تمر في المرحلة الورقية.

بالمجمل؛ سيبقى الإعلام الثقافي الورقي سيد الإعلام الثقافي بعامة، وربما يستمر الحال كذلك إلى أمد ليس قريبا.

الدستور
14-05-2012