الثقافة العربية
في ظل وسائط الإتصال الحديثة

المحتوى الثقافي العربي
لبرامج الأطفال في القنوات التليفزيونية

أشرف أبو اليزيد

فهرس

ندوة مجلة العربي 2010

تمهيدٌ لا بدَّ منه

يبدو البحث عن المحتوى الثقافي العربي في برامج الأطفال بالقنوات التليفزيونية كالنبش عن إبرة في كومة من القش. فالبحث هو عملية عكسية تأتي بعد حضور ما نبحث عنه، الذي يظهر نتيجة للتخطيط له.

فإذ علمنا بغياب التخطيط لجُلِّ ما يبث لأطفالنا، أو أيقنا بغياب مقومات المحتوى المفترض العثور عليه، بدا ذلك البحثُ عبثيا، إن لم نفترض عكس ذلك، وهي الفرضية التي نستجيب لها ونحن نحلل مضمون المواد التي تبث عبر تلك القنوات.

من هنا تأتي دراسات المحتوى لتجيب عن الأسئلة الهاجسة، ولدينا سؤالان أساسيان، هما: ماذا قيل؟ وكيف قيل؟

ومن الضروري قبل الخوض في هذا التحليل، استعراض مجال البحث، وهو القنوات التليفزيونية المخصصة للأطفال، أو البرامج المخصصة للأطفال في خريطة القنوات العامة، قبل الخوض في محتوى تلك المواد المتلفزة.

ضوضاء في الفضاء

بات إطلاق قناة تليفزيونية أمرًا يسيرًا، لا يتطلب سوى قرار، وحفنة نقود، تضمن حيزًا في قمر صناعي، عربي أو غربي. ولم تعد تلك العملية حكرًا على الحكومات والدول، بل أصبحت متاحة للمؤسسات والأفراد، على حد سواء، بعد أن أصبح توافر مكان صغير (قد يكون شقة متواضعة) مناسبًا لإدراج مكائن تسمح بتبادل شرائط تعرض تلقائيا أو تقنية بث لمتحاورين على منضدة يواجهون آلة تصوير تلفزيوني.

قبل عدة عقود كان يمكن الحديث عن بضعة قنوات عربية تزاحم الفضاء الذي شغلته قبلها قنوات تليفزيونية أطلقها الغرب. يمكننا بداية أن نوجز هنا مسردًا لدخول التلفزيون إلى حياة سكان الأرض، وارتباط عوالم هؤلاء إلى التلفزيون.

إذا عدنا لبداية البث التليفزيوني في العالم، سنجد أنه يحتفل بعيده الماسي، وأن ثلاثة أرباع القرن قد شهدت تحولاتٍ جذرية في صعود هذا الجهاز العجيب ـ التليفزيون ـ ليمثل قمة الحراك الاجتماعي في العالم كله.

كانت بريطانيا هي أول من يقدم خدمة البث التلفزيوني المنتظم في عام 1936، من خلال هيئة الإذاعة البريطانية BBC التي تعتبر أيضاً أولى مؤسسات التلفزة التي تقدم التصوير والبث الحي من خارج الاستوديوات المغلقة. وهو أمر مختلف عما شهده عام 1935 عندما عرف الألمان للمرة الأولى خدمة الإرسال التلفزيوني. وفي العقد نفسه (1939) دشنت فرنسا أول إرسال تلفزيوني منتظم من برج ايفل، وفي العام نفسه انطلق البث التلفزيوني المنتظم للمرة الأولى في موسكو، إذ وظف السوفيات ـ رواد الفضاء آنذاك ـ الفضاء في الإرسال عبر الأقمار الاصطناعية، لتصبح محطة موسكو من بين أوائل المحطات التلفزيونية في العالم التي بثت برامجها فضائياً إلى العالم، كما استطاعت اليابان أن تلحق بذيل العام 1939 لتبدأ البث التجريبي للتليفزيون الذي بدأ أمريكيا في مادته قبل أن يتراجع ليمثل 5 بالمائة في مقابل 95 % من المواد المحلية.

عرفت حقبة الخمسينات بأنها عصر التلفزيون الذهبي، وتنافست شركات التلفزة الأميركية الثلاث الكبرى NBC وCBS وABC حول اقتسام تلك الكعكة الإعلامية الطازجة، بل وغطت شركة CBS حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 1952، وهو ما جعل كفة جون كينيدي ترجح أمام منافسه ريتشارد نيكسون.

وفي العقد نفسه دخل التلفزيون إلى الصين بمساعدة تقنية من الاتحاد السوفياتي (1958)، وهو ما استمر عقدًا قبل أن تقلص الثورة الثقافية (1966 و1967) محطات التلفزة الصينية إلى واحدة مكرسة للشعارات الرسمية.

في عام 1951 أجرت الشركة الفرنسية لصناعة الراديو والتليفزيون أول تجربة للإرسال التليفزيوني بمصر، عندما صورت حفلات أقيمت بمناسبة الزواج الثاني للملك فاروق، واستغلت الشركة ذلك في الترويج لصناعتها وعرضت على الحكومة المصرية إقامة محطة تليفزيونية بالقاهرة، ولم تكتفِ بذلك بل قامت بوضع عدد من أجهزة التليفزيون في عدد من النوادي العامة على سبيل الدعاية، وقامت ببث سهرة شاهدها أعضاء هذه النوادي.

بعد ثورة 23 يوليو 1952، بدأت الدولة تستعد لإنشاء مبنى للتليفزيون، ورصدت مبلغ مائة وثمانية آلاف جنيه لإقامة مبنى الإذاعة والتليفزيون على مساحة 12 ألف متر مربع، وهو المكان الحالي بشارع ماسبيرو المطل على كورنيش النيل، وسخرت الدولة جيشا من العاملين لإنجاز المهمة وحددت منتصف عام 1957 موعدا لافتتاح المبنى إلا أن وقوع العدوان الثلاثي (1956) أجل خطط مصر المعلنة ببدء الإرسال التلفزيوني، إلى عام 1959 حين وقّعت مصر اتفاقية مع هيئة الإذاعة الأمريكية RCA زودت بواسطتها البلاد بشبكة إرسال تلفزيونية. وفي الحادي والعشرين من يوليو في العام التالي بدأ إرسال أول قناة تلفزيونية في تمام السابعة مساء لمدة خمس ساعات وكانت البداية بالقرآن الكريم، ثم حفل افتتاح مجلس الأمة، ثم خطاب الرئيس جمال عبد الناصر، ونشيد وطني الأكبر، فنشرة الأخبار، والختام بالقرآن الكريم. كانت بداية التليفزيون بقناة واحدة وهي القناة "! أو ما أطلق عليها فيما بعد بالقناة الأولى، وبدأت ساعات الإرسال في التزايد من خمس ساعات في البداية إلى ست، ثم إلى ثلاث عشرة ساعة، وبعد ذلك أنشئت القناة الثانية وكانت تسمى بالقناة 7.

رسميا بدأ أول بث تلفزيوني عربي في بغداد مطلع مايو 1956، عقب مشاركة شركة باي البريطانية في معرض استضافه العراق، قامت بعده الشركه بتجهيز العراق بأجهزة بث اقتصرت على بغداد، وانطلقت أواخر الستينيات شمل البصرة والموصل وكركوك.

وفي نهاية شهر ديسمبر عام 1956 أقيمت بالجزائر مصلحة بث محدودة الإرسال، استحدثت من أجل الجالية الفرنسية لقوات الإحتلال، اقتصر بثها على مدن قسنطينة، ووهران والجزائر العاصمة.

في لبنان وضع حجر الأساس لمبنى التلفزيون في العام 1957، وبدأ البث في مايو 1959 بلغتين: اللغة العربية فيما عرف بالقناة 7، وباللغة الفرنسية فيما سمي بالقناة ، بمشاركة شركة أر تي أف الفرنسية، قبل أن يشيد مبنى شركة تلفزيون لبنان والمشرق عام 1961 ليبدأ بث القناة 11 باللغة العربية، وكان معظم مساهميه من الفرنسيين.

وفي مساء 23 يوليو 1960، بدأ التلفزيون العربي السوري إرساله في دمشق لمدة ساعة ونصف فقط في اليوم الأول من داخل استديو متواضع شُـيِّـدَ بجانب محطة الإرسال

أما دولة الكويت فكانت أول دولة خليجية تؤسس محطة تلفزيونية رسمية. وقد بدأ إرسال هذه المحطة في الخامس عشر من نوفمبر 1961. وكان بثها يلتقط في بقية أقطار الخليج بوضوح، خاصة في الصيف، كما أنشأت الكويت عام 1969 محطة إرسال تلفزيوني في دبي تحت اسم تلفزيون الكويت من دبي.

تلك المحطات العربية الأولى ـ وما تلتها من محطات تلفزيونية مبكرة ـ تشير إلى أمرين، الأول الارتباط الوثيق بين استقلال الدول وإعلامها الذي بدأ يستخدمُ وسيطا جديدًا له تأثير غير محدود، والثاني هو الارتباط الأشد بين التقنية المتاحة في الساحة العالمية، مع المحتوى الموجود في تلك الساحة، وهو ما جعل من دخول المواد المعلبة المجهزة الغريبة عن مجتمعاتنا العربية مؤثرًا في تشكيل الثقافة، ومحركا لتأسيس ردة فعل تقدم موادًا محلية للثقافة العربية، تستنطق مجتمعاتها، وتجسد آدابها، وتستلهم فنونها.

بعد عقدي التأسيس (في خمسينيات وستينيات القرن الماضي)، بدأ عقدان جديدان على التليفزيون العربي (في السبعينيات والثمانينيات)، شهدا هجرة مكثفة من الإعلاميين العرب ـ لظروف سياسية واقتصادية ـ للإعلاميين إلى لندن وباريس وعواصم أوروبية سواهما، ليشكلوا عمودًا فقريا لمؤسسات غربية موجهة للدول العربية، وليعود هؤلاء لاحقا ليؤسسوا وجه الفضاء الإعلامي الجديد مع ثورة البث الفضائي المباشر.

وقبل أن تنتهي الألفية الثانية، تبدأ الثورة اللاحقة التي أشرنا إليها، في العقد الأخير من القرن العشرين، بابتداع ما قد يكون (قناة لكل مواطن)، سواء بأن يكون مؤسسها، أو متابعها، أو متصلا بها، أو خاضعًا لتأثيرها هو وعائلته، حتى أصبح من العسير حصر تلك القنوات وتصنيفها، وإن كانت تقسم في معظمها بين إعلام رسمي قد لا يتوخى الربح مقابل ما ينفق على تلك الآلة الإعلامية، وإعلام خاص يقوم على بيع المنتج التليفزيوني عبر الشاشة، بإعلانات تتخلله، أو رسائل تصل إليه، وغيرها من الأساليب.

برامج الأطفال في قنوات التليفزيون العربي

شهد التلفزيون العربي (التلفزيون العربي : القنوات العربية التي تبثها أجهزة التلفاز) إضافة مادة للمشاهدين الصغار، وبدأت برامج الأطفال في التلفزيون العربي أبوية، بمعنى أنها قدمت سلطة بديلة للآباء تتمثل في وجود (أب مكافيء) أو (عم مقابل) أو (أم مماثلة)، حيث تقوم هذه السلطة بدور الآباء في الرعاية العلمية والاجتماعية والترفيهية لمشاهدي التلفزيون الصغار خلال وقت البرنامج، وقد جاء دخول برامج الأطفال للتلفزيون لاحقا بالطبع لحضورها بالإذاعة.كما عُرفت ـ مع العقد الأول لتأسيس التلفزيون العربي ـ أسماء عديدة في الدول العربية.

في عام 1964 دخلت السيدة أنيسة محمد جعفر ـ الشهيرة بماما انيسة (مواليد مدينة الكويت عام 1935م) ـ تلفزيون الكويت لتقدم اول برنامج للاطفال في الكويت والخليج. كانت السيدة أنيسة بين أوائل المذيعات ومقدمات البرامج بتلفزيون الكويت من بداية الستينات وكانت ثالث مذيعة بالتلفزيون تخصصت في برامج الأطفال، بعد حصولها على عدد من الدورات التدريبية بالتلفزيون العربي بمصر (1962) وإذاعة بي بي سي ((1964 . وكان من برامجها في التلفزيون للأطفال (جنة الأطفال)، (مع الأطفال)، (مجلة الأطفال)، (نادي الأطفال)، (صبيان وبنات)، (الأطفال والصيف)، (ماما أنيسة والأطفال)، وهو البرنامج الذي أعطاها لقبها الأشهر حتى اعتزالها العمل في 1984م.

أما أول برنامج أطفال محلي عرض في التلفزيون العربي بالمملكة العربية السعودية فقد كان في شهر رمضان المبارك من عام 1385هـ (ديسمبر 1965م) حيث تنافست قناتا الرياض وجدة على هذا البرنامج بمسميين، ففي محطة تلفزيون الرياض كان هناك برنامج (بابا علي)، نسبة إلى مقدِّمه علي الخرجي ومقدمته: أهلاً أهلاً أهلاً بيكم .. بابا علي يرحب فيكم، وكان البرنامج يتكون من أنشودتين وتمثيلية وردود ومقابلات من أجل التعارف. أما في جدة، فقد كان هناك برنامج بعنوان)بابا أمين) نسبة إلى مقدمه أمين سالم الرويحي، من إخراج ميشيل قطريب ومن أبرز القائمين عليه المخرج والملحن صافي مفتي، وكانت شارة بداية برنامج أطفال جدة ، وهي من أداء عائشة وسامية ووفاء بنات مراد من كلمات فاطمة زكي وألحان صافي مفتي: مين فيكم مين اللي يغير مني، مين الشاطر مين يقدر يقلدني، مين فيكم مين!

ومن الوجوه اللبنانية على شاشة تلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال المنتجة والمؤلفة ديزيريه فرح التي كانت مسئولة عن دائرة الأطفال فى المؤسسة اللبنانية للإرسال (1993- 2001 ) وأعدت وقدمت برامج عديدة للمشاهدين الصغار منها بيت بيوت (1986 ـ 1989)، و (صار وقت النوم) من 1989 إلى 1991، و(ديدي وجوجو) عامي 1991 و1992، و(كيف وليش) بين 1993 و2001، و(Big Beit) في عامي 2002 و2003.

كما اتجه أعلام الفن في مصر والعالم العربي لتقديم برامج خاصة بالأطفال، من بينهم عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس ويونس شلبي وهالة فاخر وآخرون. ولدت الفنانة هالة فاخر في الثامن من يونيو 1946، في بيت فني ، فوالدها هو الممثل الراحل فاخر فاخر. تتعلق الطفلة هالة بالتمثيل ، فيختارها المخرج حسن الإمام في فيلم : لن أبكي أبدا (1957) وعمرها لم يتجاوز الحادي عشر ، وبعد انخراطها في عالم التمثيل لأكثر من ثلاثة عقود يجعلها المخرج الراحل رحمي بطلة مسلسل العرائس الذي لاقى نجاحا كبيرا في وقته : بوجي وطمطم ، مع الفنان يونس شلبي . وقد ساهمت الفنانة هالة فاخر من خلال قدرتها الهائلة على الارتجال ، وعلى رؤية المدهش في كل ما هو عادي ، أن تكون قريبة من عالم الأطفال ، وأن تكون من أكثر الممثلات قدرة على تقديم كل ما هو ملائم للطفل.

وكان من بين أشهر البرامج الذي استمر سنواتٍ طوالا وقدمها التلفزيون المصري يوم الجمعة (العطلة الأسبوعية): برنامج (سينما الأطفال) للسيدة عفاف الهلاوي، والذي كان يجمع بين تقديم مادة فيلمية، أجنبية مترجمة أو تعلق عليها وتلخصها المقدمة، مع قراءة وعرض مشاركات مشاهدي البرنامج التي ترد بالبريد إلى (ماما عفاف).

في العام 1954 تعرف العراقيون على فن الدمى (عرائس التحريك) بعد زيارة مدينة الألعاب المصرية (لونا بارك) لبغداد لتقديم بعض من ألعابها، استهوت فنانين عراقيين أبدعوا في تقليدها وابتكار أشكال أخرى منها، وشكلوا لها فرقًا قدمت هذا الفن في التلفزيون عبر برامج كثيرة خصصت للأطفال مثل برنامج (القره قوز)، فضلا عن المشاركة في إنتاج أكبر برنامج للدمى موجه للأطفال هو النسخة العربية من برنامج (إفتح يا سمسم). استمر برنامج (قره قوز) الذي كان يقدم على الهواء مباشرة قرابة العام، وكان يقدمه عبد الستار عبد الرزاق بمساعدة فكري بشير، وقد زامن هذا البرنامج قيام برنامج إذاعي يحمل نفس التسمية (قره قوز) قدمه الثنائي أنور حيران وطارق الربيعي؛ اللذان انتقلا لاحقا إلى التلفزيون عندما ترك عبد الستار العزاوي العمل في التلفزيون ، ثم توسع عملهما ليشمل نشاطهما المدارس فقدما أول عرض لهما في الإعدادية الشرقية ببغداد عام 1956م أطلقا عليه أسم (رحلة إلى قمر).

ويمكن أن نستمر ـ بلا انقطاع ـ في استحضار نماذج للعاملين والبرامج الموجهة بهذا القطاع الثري المتخصص، ولكننا اكتفينا بهذه الشذرات التي تقدم صورة مبسطة عن هذا العالم.

في إطار ما تحتاجه أفلام الأطفال المصورة والمرسومة والمتحركة من ميزانيات ضخمة، فقد كانت البداية، قبل دخول عالم التحريك لعصر الكمبيوتر، تعتمد على مواد أجنبية على الأغلب، بين أفلام ومسلسلات وبرامج. وأدى زيادة عدد المحطات التلفزيونية، وزيادة البث الخاص بكل منها، وشغف الأطفال بذلك الوسيط الجديد إلى أن تستورد الحكومات وشركات الإرسال العربية موادًا أجنبية، تترجمها حينا، وتدبلجها حينا آخر، وتعربها أحيانا، ويحظى بعضها بالرقابة والحذف كذلك. وكانت أفلام الرسوم المتحركة مثالا أول مادة أجنبية تعرض على شاشة التلفزيون السعودي أول أيام فترة إرساله التجريبية (السبت 19 – 3 – 1385هـ الموافق 17 يوليو 1965م)، قدمها المذيع بقوله: نستهل برامجنا بباقة من الرسوم المتحركة لأحبائنا الصغار.

وكان التلفزيون العربي في المملكة العربية السعودية نموذجًا لما درجت وتدرج عليه باقي المحطات، وحتى اليوم، مع تأسيس قنوات متخصصة للأطفال.

وقد استقدمت أفلام من شركة بارامونت (Paramount) ومن شخصياتها المعروفة لولو الصغيرة وكاسبر الصديق الودود وأودري الصغيرة وجابي. وقدمت أستوديوهات فليشر (Fleisher Studios) وهي التي قدمت شخصيتي بوباي البحَار والفتاة بيتي بوب ورفيقها جرامبي.

أما الشركة الأشهر في مجال توريد المواد الفيلمية المرسومة والمصورة فهي والت ديزني (Walt Disney) وهي شركة رسوم متحركة ترفيهية مستقلة، هي اليوم من عمالقة منتجي الأفلام السينمائية، وأهم شخصياتها الكرتونية الفأر ميكي ماوس ودونالد كاك (بطوط) وجوفي (بندق) وصديقتاهم زيزي وميمي، والكلب بلوتو والسنجابين شيب وديل.

كما أن هناك شركة فوكس القرن العشرين (Fox) وأهم ما أنشأت من استوديوهات تيري تونز (Terry Tons) الذي أنتج شخصياتها الكرتونية (مايتي ماوس) و(دوبيتي دوك) والغرابين الضاحكين هيكل وجيكل .

أما شركة هنَا ـ باربيرا (Hanna-Barbera) فهي شركة مستقلة أسسها كل من وليام هنَا وجوزيف باربيرا المنشقين من شركة مترو جولدن ماير (MGM) عام 1955، ومن أهم شخصيات أفلامها الكرتونية (توشي ترتل ودام دام) و(سكوبي دو) و(فلنتستون) و(توب كات).

ثم تأتي شركة وارنر بروذرز (Warner Brothers) التي قدمت أفلام ومسلسلات ورسومًا متحركة منذ عشرينيات القرن الماضي، ولها أستوديوهان رئيسيان قدما الكثير من الكرتون هما Looney Tunes وMerrie Melodies ومن أشهر شخصياتها الكرتونية الأرنب المشاغب (بجز باني) وشخصيات أخرى مثل البطة دافي داك والصياد إلمار فود والخنزير الصغير بوركي بيج.

ومن الشركات العريقة في هذا المجال يونيفيرسال Universal التي قدمت الكثير من الأفلام والمسلسلات ومن ضمنها الشخصية الأكثر شهرة نقار الخشب وأصدقائه.

ويمكن الإشارة كذلك لشركة (MGM) التي قدمت أفلامًا سينمائية ومسلسلات تلفزيونية ورسومًا متحركة قبل أن تتعرض استوديوهاتها الكرتونية في عام 1955م لهزة عنيفة هجرها على إثرها معظم القائمين على صناعة الكرتون ومن ضمنهم جوزيف باربيرا ووليام هنَا اللذين أسسا شركة خاصة بهما. وقدمت ( MGM ) شخصيات أهمها القط توم والفأر جيري الشهيرين.

كما نذكر في هذا السياق شركة ديبيتي- فريلينق Depatie – Freleng Enterprises وهي شركة كرتونية قدمت شخصيات شهيرة مثل بينك بانثر وآكل النمل.

وكان أول مسلسل كرتوني ناطق باللغة العربية بعنوان مغامرات سندباد، وهو مسلسل رسوم متحركة ياباني أنتج في منتصف السبعينات عن قصص تراثيه من بغداد. وقد عرض في صيف أغسطس 1979 بالتلفزيون السعودي. كان ذلك بداية لعدد من المسلسلات المنتجة في اليابان الناطقة باللغة العربية الفصحى، وجاء بعد (مغامرات سندباد) مسلسل (مغامرات الفضاء يوفو جراندايزر) ومسلسل (لولو الصغيرة) ومسلسل (الليث الأبيض)، باكورة لعدد هائل من المسلسلات المدبلجة منها (الرجل الحديدي) و(جزيرة الكنز) و(سنان) و(بشَار) و(عدنان ولينا) و(زينة ونحول) و(ساندي بل)، وقد تمت دبلجتها في لبنان أو الكويت.

والواقع إنه حين يقوم المنتج الغربي بإعادة تفصيل الأحداث والشخصيات، بل والتاريخ العربي، وفقا لتصوراته، فيمكننا أن نكتشف حفنة من الأخطاء في كل درب. فالمتابع للمسلسل (الذي يأتي تاليا لفيلم عاشت شخصياته في الحلقات التلفزيونية التي تعرض في كافة قنوات العالم بلغات عدة)، فزي الأميرة ياسمين بنت السلطان هو أشبه بلباس الجواري، يظهر الصدر والكتفين والبطن، فضلا عن كثير من طقوس السحر والنوم على المسامير التي تتناثر في كافة المشاهد، وكأن الشرق معادل للشعوذة والماورائيات، وهو تعميم تطلقه ديزني على المجتمع الشرقي وتعاطيه مع أمور الحياة.يخترق الأمير أحمد بجواده حشود الفقراء بتكبّر وغرور محاولاً جلد طفلين يمرّان أمام حصانه، فيمنعه علاء الدين، الذي تحول في المشاهد الأولى للص عبثي، . كما عمدت ديزني الى تصوير السلطان على أنه شخص أبله، يسيطر عليه وزيره ويتخذ القرارات بدلاً منه في حين تُظهر الأفلام والمسلسلات الأميركية في المقابل، ومنها أفلام من إنتاج ديزني، الرئيس الأميركي على أنه قائد مطلق الصلاحيات، ومتنبّه دائماً لسير الأمور في البلاد ولا يغفل عن أي خائن أو متلاعب بمصالح الوطن.

دراسات سابقة

هذا الحضور المبكر لبرامج الأطفال ـ أصيلة ومعربة، عربية وغربية ـ وازاهُ حضورٌ مماثل لدراسات وردود أفعال بحثية وإعلامية تناقش محتوى هذه البرامج. ويمكننا أن نأخذ نموذجًا للدكتور عاطف عدلي العبد عبيد، (عاطف العبد)، ممثلا لذلك الكم الهائل من الدراسات المعنية بالطفل وعلاقته بالتلفزيون. فبعد نيله درجة الدكتوراه في الإعلام في قسم الإذاعة بكلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1984 حول دور التليفزيون في إمداد الطفل بالمعلومات من خلال برامج الاطفال، دراسة تحليلية وميدانية، بإشراف الدكتور سمير محمد حسين، والدكتورة منى الحديدي، ناقشتها لجنة منهما وعضوية الدكتور حامد زهران، والسيدة سامية صادق رئيس التليفزيون المصري آنذاك، بدأ عاطف العبد حياة عملية خصها بإنتاج عشرات الأبحاث والكتب والدراسات التطبيقية في المجال نفسه منها: عادات وأنماط مشاهدة الاطفال في سلطنة عمان لبرامج الاطفال التليفزيونية (مجلة البحوث الإعلامية، قسم الإعلام، جامعة الأزهر، يوليو 1994)، الطفل ووسائل الإعلام (المجلة العربية للطفولة والتنمية 2002)، الطفل العربي بين وسائل الإعلام وأجهزة الثقافة (بالاشتراك عن المجلس العربي للطفولة والتنمية، 1988)، الإعلام المرئي الموجه للطفل العربي (دار الفكر العربي ، 1989)، برامج الاطفال التليفزيونية، دراسة تحليلية وميدانية (دار الفكر العربي 1986)، علاقة الطفل بوسائل الاتصال (دراسة ميدانية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988)، برامج الاطفال من تليفزيون سلطنة عمان، دراسة ميدانية استطلاعية (مسقط، مطابع الألوان الحديثة، 1993) الإعلام وثقافة الطفل العربي (القاهرة، دار المعارف، سلسلة اقرأ603، نوفمبر 1995)، بل من الطريف أن نذكر أن عالم العبد المشغول بهاجس دراسة تأثير الإعلام ـ والتليفزيون خاصة ـ على الطفل العربي في مصر وسلطنة عُمان والدول العربية قد جعل ابنته تتخصص في المجال ذاته. وتقول ابنته نهى عاطف العبد في دراسة أجرتها على التلفزيون الذي شكل موضوع رسالتها لنيل درجة الماجستير في الإعلام أن "الطفل يشاهد في التلفزيون برامج تحوي مضامين موجهة الى جمهور يكبره سناً ما يؤدي الى نموّه قبل الأوان". وتضيف: "فهو يتجرّع كمية ضخمة من العنف والإباحية التي في حال عدم فهمه لها، يختزنها في ذهنه للمستقبل"، مطلقة على "ما يحدث عبارة تأثير البيت الساخن".

ظاهرة البيت الساخن هي إحدى الظواهر التي تشير إليها الدراسات السابقة في هذا المجال، ويمكن أن نوجز ظواهر تقدمها دراسات متعددة في دول العالم العربي:

  • الاعلام المرئي الموجه للطفل العربي، دراسة ميدانية وتحليلية (دراسة:عاطف العبد، القاهرة 1989): تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الدول المصدرة للرسوم الأجنبية بنسبة 30.78% تليها بريطانيا بنسبة 15.39% ثم ألمانيا فاليابان وفرنسا ودول أوربية أخرى بنسبة 7.69% وكل يوم تعرض الشركات العالمية المتخصصة في صناعة السينما والإنتاج التلفزيوني مثل Walt Disney (والت ديزني) و Dream works (دريم وورك) و Warner Brothers (ورنر بروذرز) وParamount (بارا ماونت) وغيرها من شركات هوليوود العالمية المتخصصة في صناعة السينما وأفلام الكارتون وبرامج الأطفال بشكل خاص، والتي أصبحت متداولة في كل بلدان العالم، و مدى تعلق الأطفال بما تنتجه هذه الشركات من أفلام بل وأصبح الطفل يترقب ما هو جديد من أفلام.
  • أثر أفلام الكارتون في تصورات أطفال المرحلة الابتدائية حول رؤية الذات الإلهية لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية بدولة الكويت (دراسة د. بدر حمد العازمي، ود. فهد خلف اللميع (كلية التربية الأساسية، دولة الكويت): استحوذت أفلام الكارتون استحوذت على شاشات التلفزيون العربي سواء الفضائية منها أو الأرضية حيث بلغت نسبة عرض أفلام الكارتون 73.5% من مجموع برامج الأطفال في تلفزيون دولة الكويت و 66.7% في القناة الأولى لتلفزيون المملكة العربية السعودية وترتفع إلي 85.8% في الأجازات ونهاية الأسبوع وفي تلفزيون دبي بلغت 64.7% وأخيرا 50% في تلفزيون عمان. وتعد بيئة بيئة الطفل مجالا خصبا لزرع وترسيخ وبناء والتزويد بالقيم والمفاهيم ومعارف ومعلومات مختلفة، ويجب على الأسرة متابعة ومعرفة ما يعرض في وسائل الاعلام خصوصا أفلام الكارتون ومحاولة محاربة السلبي منها وخاصة المرتبط بالجوانب العقائدية، وأن هناك نوعًا من عدم الاهتمام الملموس من قبل وسائل الاعلام فيما تعرضه أفلام الكارتون ودليل واضح على نوعية لا تفهم ولا تفقه ولا تراقب بصورة جدية المواد التي توافق على عرضها، كما أن المدرسة غائبة عن بيئة الطفل الاعلامية والتي تشكل قيما ومفاهيم تعارض ما تحاول المدرسة ترسيخه، وأن الطفل يميل إلى قبول ما تقدمه أفلام الكارتون، ويعتبر ما فيها من قيم وسلوكيات قدوة له وأساسا للمعرفة.
  • علاقة الطفل بالوسائل المطبوعة والالكترونية (دراسة إنشراح الشال، دار الفكر العربي 1987): أفلام الكارتون السبب الأول في إعجابهم ببرامج الأطفال المقدمة في التلفزيون المصري كما أظهرت الدراسة نفسها أن أفلام الكارتون المسجلة على أشرطة الفيديو كادت تكون المادة الوحيدة التي يقبل عليها أفراد العينة.
  • اتجاهات الاباء حول العلاقة بين العنف التلفزيوني والسلوك العدواني (دراسة دينا ديب 1993): أكد الآباء وجود علاقة ايجابية بين مشاهدة العنف التلفزيوني والسلوك العدواني لدى ابنائهم، وان الذكور اكثر محاكاة للسلوك العنيف الذي يشاهدونه من الاناث.
  • السلوكيات التي يكتسبها الاطفال من المواد التلفزيونية التي تعرض العنف في التلفزيون (دراسة عدلي رضا 1994) توصلت الدراسة الى ان اكثر من نصف العينة تؤكد ان التلفزيون مسؤول عن اكتساب العنف من خلال المواد الدرامية الاجنبية، اذ اكد 83% من افراد العينة انها اكثر المواد التلفزيونية التي تساعد على نشر العنف لدى الاطفال.
  • دور الرسوم المتحركة في إكساب طفل ما قبل المدرسة بعض القيم المرغوب فيها (دراسة ليلى الجهني، مجلة الطفولة العربية، العدد التاسع عشر، الكويت، 2004): حين يتعلق الطفل ببطل معين من شخصيات أفلام الكارتون فإنه يرغب في أن تكون جميع مقتنياته وأدواته مرسوم عليها شخصيته المحببة. الرسوم المتحركة تتضمن خطابا قيما يسعى عبر توظيف الصوت والصورة واللون والحركة والسرد القصصي إلي إكساب الطفل قيما بعينها أو تنفيره منها وتكمن الخطورة بالخطاب كونه غير مباشر يعتمد على الانفعال الذي يعيشه الطفل أثناء اندماجه في المشاهدة واستمتاعه بها بحيث ينشأ لديه استعداد لتقبل ما يتضمنه ذلك الخطاب من معلومات واتجاهات وقيم بغض النظر كما كانت نافعة أو ضارة.
  • عدد ساعات مشاهدة الأطفال العرب للشاشة السحرية زادت بمعدلات مرعبة. والمفزع أن متوسط المشاهدة اليومية بلغ بحسب إحدى الدراسات ست ساعات و50 دقيقة يومياً، أي نحو نصف ساعات اليقظة للطفل في اليوم الواحد. رغم أن المعايير الدولية تحدد عدد الدقائق المناسب للطفل أمام التلفزيون هو 45 دقيقة يومياً وكل زيادة على ذلك من شأنها أن تؤثر سلباً في جهاز الطفل العصبي والنفسي (نهى عاطف العبد).
  • القنوات العربية المتلفزة المحلية منها والفضائية ما زالت قاصرة عن إنتاج برامج للأطفال تتناسب وتطور التكنولوجيا الذي تزامن بدوره مع تقدم متسارع للثقافات المحلية والانفتاح الكبير على تلك الغربية. دخلت ديزني مكاناً خالياً وتسلّلت من نقاط الضعف هذه لتفرض نفسها كعملاق للسحر والترفيه من دون منازع الى درجة أن مفهوم الطفولة أصبح مرتبطاً باسم ديزني ومرادفاً له في مشارق الأرض ومغاربها (أستاذة الإعلام الدكتورة نهاوند القادري، لبنان).
  • حول الفترات المخصصة للمتابعة وفقاً لعمر الطفل: الشريحة العمرية بين 6 - 9 أعوام تتابع بنسبة 69% أثناء تأدية الواجبات المدرسية، وكانت نسبة الأسر التي تفرض على أولادها متابعة برامج التلفزيون أيام العطل فقط متدنية جدا. حول مدى قدرة الأهل على تحديد نوعية البرامج والمحطات وفقاً لعمر الطفل : الأطفال من عمر 6 - 9 سنوات يتمكن الأهل من تحديد نوعية البرامج بنسبة 66% ومن أعمار 9 - 3 عاماً بنسبة 63% ومن 13 - 16 عاماً بنسبة 29%. ينجح الأبوان في تحديد نوعية البرامج والمحطات للمرحلتين العمريتين الأولى والثانية بينما بالنسبة للمرحلة العمرية الأخيرة فإنهم لا يستطيعون ذلك لعدة أسباب أهمها تغيبهم عن المنزل لساعات طويلة، وعدم تمكن البعض من إقناع أطفالهم بمشاهدة برامج محددة، وقيام العديد من الأطفال بمشاهدة التلفزيون عند الأصدقاء أو الجيران (دراسة أجراها مكتب اليونيسيف في دمشق).
  • لا بد من وجود رقابة على طفرة المادة الإعلامية التي تُقدم لأطفالنا. ومن الضروري تقديم مثال حي على ثقافتنا العربية كمنافس وليس كبديل ما ينتج بالطبع نظاماً دفاعياً لدى أطفالنا. مع وجوب أن يعتمد هذا المثال في مواد التدريس في المدارس بحيث يدخل التلفزيون ورسائله كمادة في المناهج التربوية في العالم العربي، وهذا أضعف الإيمان. (الدكتورة فاديا حطيط، أستاذة علم تربية الأطفال في الجامعة اللبنانية)
  • يرى بعض خطباء المنابر أن بعض برامج من إنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي (خالية تقريباً من الأهداف التربوية الإسلامية، فهي لا ترمى إلا إلى التسلية والفكاهة، فمن برامجها: برنامج – افتح يا سمسم – وهو أمريكي الأصل، ففكرة البرنامج أمريكي، ويعرض هناك لأهداف تعليمية، بينما التقليد الذي يعرض عندنا يندر بل ينعدم فيه إبراز الأهداف الإسلامية، وكأنه لا يعرض على مسلمين) ويضيف أحدهم (والذي يزيد الطين بلة هو أن تقوم بتقديم برامج الأطفال ممثلة هابطة، أو راقصة ماجنة، وتظهر أمام الأولاد في صورة مبتذلة بكامل تبرجها... وهي تعلم الأولاد الفضيلة والقيم والأخلاق، فهل هناك تناقض أكثر من هذا؟) ويختتم (في حلقة من الرسوم المتحركة واسمها (مغامرات نوال) وهي – مما يؤسف – من إنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج، قد ظهر في أحد المشاهد أحد القساوسة وقد لجأ إلى الاحتماء بالصليب عندما داهمته مجموعة من القتلة واللصوص بحثاً عن التــابوت الذي فيه بطلــة القصـــة (نوال)، وقد تكرر مشهد لجوء القس إلى الإمساك بالصليب، مع تكرار مشهد حصول الأمن وتحقق الفرج وزوال الخوف بذهاب القتلة واللصوص بفضل اللجوء إلى الصليب – على زعمهم – وإنا لله و إنا إليه راجعون، وكأن مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك مشتركة بالفعل مع مؤسسات التنصير، وإنا لنتساءل عن تأثير هذا المشهد وغيره على عقيدة أبناء الإسلام في صرف الاستعانة والاستغاثة بالله تعالى إلى الاستغاثة بالصليب!) ثم يفسرون القصص كيفما اتفق (عرض أكثر من مرة مسلسل كرتوني بعنوان (الإله زيلا) حول أسرة تجوب البحار والمحيطات، ثم تعترضها وحوش خرافية تهدد هذه الأسرة فلا ينقذها إلا (الإله زيلا) الذي تستدعيه الأسرة البشرية بجهاز إلكتروني فيجيب في الحال، ولهذا الإله ابن يصاحب الجماعة البشرية يدعوه فيجيب، وهي صورة مصغرة لاعتقاد النصارى في الأب والابن، ولا شك أن هذا تصور وثني للألوهية عنواناً وشكلاً وموضوعاً إن لم يفهم الولد أو الطفل العربي بسبب اللغة؛ فإن الأحداث والمشاهد أمام الأعين تترك بصماتها في نفسه، مما يشكل خطراً على فطرته الموحٍدة، إذ يكفي في تصور الطفل أن هناك كائناً بهذه القوة، وبهذا النفع للإنسان يُدعى فيجيب في الحال؛ فيكون ذلك جرحاً وخدشاً لفطرة التوحيد التي هو عليها.) [الشيخ ناصر بن محمد الأحمد، 21/ 8/ 1413 هـ في موضوع منشور على شبكة الإنترنت].

ورغم حدة هذه الرأي الأخير، الذي تدعو للفصل التام (والمستحيل) بين عوالم تتجاور في الواقع، فإن علينا أن ندرك أن سبب هذا التطرف هو عدم الوعي بدور الفنون، وعدم الإيمان بحقوق الآخرين في العيش بالمجتمعات المختلطة، مثلما تعكس ـ بوجه كبير ـ عن قصور من جانبنا العربي في إنتاج موادٍ تقدم الحوار مع الآخر وأفكاره دون تكفيره أو إلغاء حقه بالوجود. إننا لو طرحنا البديل ـ المعرفي والفني والتقني ـ لما اكتفينا بالنقل الممسوخ، والترجمة الحرفية، والدبلجة المأساوية.

كما أن هذا الرأي، وسواه، هو محصلة طبيعية لكل السلبيات التي ذكرتها النماذج العشوائية المختارة من الدراسات التي تعرضت لعلاقة الأطفال بمحتوى ما يبث في التلفزيون العربي من برامج وقصص وأفلام.

من أجل محتوى ثقافي عربي لأطفالنا

مثلما أوجزنا في استعراض الأفكار التي تضمنتها دراسات ميسرة في مجال هذا البحث، سنوجز هنا في النقاط التالية منظومة مقومات الثقافة العربية الواجب تضمينها في البرامج والأفلام والمواد السمعبصرية الموجهة إلى هذه الشرائح.

وللحق، فإن البحث عن الإيجابيات يسلك ـ باختصار ـ الطريق الأخرى، في اتجاه معاكس لما أبرزته السلبيات التي أثيرت في الدراسات السابقة:

  1. فإذا كنا نخشى العامية الهجينة، واللغة الأجنبية المهيمنة، فإن علينا اعتماد اللغة العربية الفصحى لبرامج الأطفال، وزيادة الحصة المخصصة للبرامج التي تعلمها، ومن بينها البرامج الثقافية للآداب العربية.
  2. وإذا كنا نعاني من عدم ملاءمة ما يُنتج للأطفال في عالمنا العربي لمقتضيات الحاجات القيمية والعلمية والتربوية والفنية لأطفالنا، فإن الضرورة توجب مشاركة ممثلي الخبرات التربوية والفنون والتقنيات التكنولوجية لإنتاج برامج خاصة بفئات الأطفال المختلفة، ويتم تحددي المراحل السنية المختلفة ليصنف بها كل برنامج، مع وضع أهداف علمية ومجتمعية ودينية وشخصية ضمن محتوى البرامج.
  3. وإذا كنا نشعر بالهوة الشاسعة بين مدارك أطفالنا، التي تسع العلوم الأجنبية، وما نقدمه لهم متخلفا وبدائيا، فإنه في عصر المعلوماتية، يجب أن نكرِّس المنتج المعرفي المتاح للبيئة التي يمضي فيها الطفل المتلقي وقتا يكاد يكون موازيا للوقت الذي يمضيه بين قاعات الدرس. مع زيادة الجرعة العلمية المواكبة للتطور في العالم والبيئة المحيطة بالطفل العربي، والاهتمام بعنصر التشويق اللازم.
  4. وإذا كنا نهاجم تلك الشخصيات البطولية الغربية التي تنبت في حقول الخرافة، فالأحرى بنا البحث عن أبطال عرب ينشأون في بستان الواقع، يكوِّنون المثل الأعلى والقدوة للأجيال الناشئة.
  5. وإذا مللنا الشكوى من مغالطات الآخر المنتج للثقافة، سواء كانت مغالطات تمس تاريخنا وعقيدتنا وهوياتنا، فإن الواجب أن نشترك في تكوين منظومة تاريخية محققة ومتكاملة، قد تتباين سبل عرضها، ولكن لا يختلف فيها محتواها سواء قدم في كتاب مدرسي، أو عمل تلفزيوني.

إن الغرب المنتج للثقافة يستعين بالعلم، وهو ملك للجميع، ويتوسل بالمال، وهو متاحٌ في عالمنا العربي، ويستفيد من خبرات بنيه، وهو ما يملكه كياننا في كافة المجالات، ولا أشعر أن ما ينقصنا سوى إعادة ترتيب أولوياتنا، لنكون عند قدر المسئولية الملقاة على عاتقنا من أجل تنشئة أجيال عربية جديدة.

مجال البحث

أولا: قنوات عربية مخصصة للأطفال:

القناة

المصدر

المحتوى

اللغة

الفئة العُمرية

الشق التجاري

بيانات التردد

mbc3

المملكة العربية السعودية

برامج مسجلة ومباشرة

العربية والإنجليزية مع الترجمة المكتوبة أو الناطقة

مفتوحة (ما قبل المدرسة حتى مرحلة المراهقة)

إعلانات تجارية

Nilesat
11939
Vertical
3/4
27500

هادي

المملكة العربية السعودية

رسوم ومواد فيلمية مصورة

العربية

للأطفال في سن ما قبل المدرسة

شرائط الرسائل

Badr3
11661
Vertical
3/4
27500

أجيال

المملكة العربية السعودية

برامج مسجلة ومباشرة قصص وأغان عربية ورسوم ومواد فيلمية مصورة عربية أو غربية

العربية

مفتوحة (ما قبل المدرسة حتى مرحلة المراهقة)

ـــ

Nilesat
12150
Horizontal
3/4
27500

Spacetoon
باللغة العربية

مملكة البحرين

قصص وأغان عربية ورسوم مصورة

العربية والإنجليزية مع الترجمة المكتوبة أو الناطقة

مفتوحة (ما قبل المدرسة حتى مرحلة المراهقة)

إعلانات تجاريةمع إعلانات خاصة بمنتجات المحطة

Nilesat
11786
Vertical
3/4
27500

Spacetoon
باللغة الإنجليزية

مملكة البحرين

قصص وأغان
ورسوم مصورة

الإنجليزية وأحيانا مع الترجمة المكتوبة أو الناطقة

مفتوحة (ما قبل المدرسة حتى مرحلة المراهقة)

إعلانات تجارية مع إعلانات خاصة بمنتجات المحطة

Nilesat
12342
Vertical
3/4
27500

الجزيرة للأطفال

دولة قطر

برامج مسجلة ومباشرة قصص وأغان عربية ورسوم ومواد فيلمية مصورة عربية أو غربية المصدر

العربية

للأطفال في سن المدرسة حتى مرحلة المراهقة

إعلانات تجارية

Nilesat
10719
Vertical
3/4
27501

براعم

دولة قطر

برامج مسجلة ومباشرة قصص وأغان عربية ورسوم ومواد فيلمية مصورة عربية أو غربية المصدر

العربية

للأطفال في سن ما قبل المدرسة

إعلانات تجارية

Badr3
11863
Vertical
3/4
27501

طيور الجنة

المملكة الأردنية الهاشمية

أغان عربية وبرامج مصورة

العربية

مفتوحة (ما قبل المدرسة حتى مرحلة المراهقة)

إعلانات تجاريةمع إعلانات خاصة بمنتجات شخصيات القناة مع شرائط الرسائل

Nilesat
11317
Vertical
3/4
27501

كراميش

المملكة الأردنية الهاشمية

أغان عربية وبرامج مصورة

العربية

مفتوحة (ما قبل المدرسة حتى مرحلة المراهقة)

إعلانات تجاريةمع إعلانات خاصة بمنتجات شخصيات القناة مع شرائط الرسائل

Nilesat
11317
Vertical
3/4
27501

ثانيا: قنوات أجنبية متاحة للعالم العربي:

القناة المصدر المحتوى اللغة الفئة العُمرية الشق التجاري
بيانات التردد
Nickelodeon
العربية

المملكة العربية السعودية

برامج مسجلة ومباشرة قصص وأغان عربية ورسوم ومواد فيلمية مصورة العربية والإنجليزية مع الترجمة المكتوبة أو الناطقة مفتوحة (ما قبل المدرسة حتى مرحلة المراهقة) إعلانات تجاريةمع إعلانات خاصة بمنتجات شخصيات القناة

Badr3
12170
Vertical
3/4
27500

Playhouse Disney Disney
شبكة أوربت
قصص ورسوم ومواد فيلمية مصورة الإنجليزية مع الترجمة العربية الناطقة غالبا مفتوحة (ما قبل المدرسة حتى مرحلة المراهقة) إعلانات خاصة بمنتجات شخصيات القناة

Badr3
11096
Horizontal
3/4
27500

Disney Disney
شبكة أوربت
قصص ورسوم ومواد فيلمية مصورة الإنجليزية مفتوحة (ما قبل المدرسة حتى مرحلة المراهقة) إعلانات خاصة بمنتجات شخصيات القناة

Badr3
11604
Horizontal
3/4
27500

Cartoon Network شبكة أوربت قصص مرسومة ومصورة الإنجليزية مع الترجمة العربية الناطقة غالبا مفتوحة (ما قبل المدرسة حتى مرحلة المراهقة) إعلانات خاصة بمنتجات شخصيات القناة Badr3
11096
Horizontal
3/4
27506

 

ثالثا: برامج خاصة بالأطفال في قنوات عربية عامة:

اسم البرنامج المحتوى القناة المصدر
بوجي وطمطم مسلسل تعليمي بالدمى والشخصيات الحية ناطق باللغة العربية التلفزيون المصري جمهورية مصر العربية
بكار مسلسل رسوم ناطق باللغة العربية التلفزيون المصري جمهورية مصر العربية
افتح يا سمسم مسلسل تعليمي بالدمى والشخصيات الحية ناطق باللغة العربية الكويت مؤسسة الانتاج البرامجي المشترك

رابعًا: دراسات حالة

غالبًا ما يكون الهدف جميلا، والنية نبيلة، والمسعى خيرًا. هكذا تبدو بروتوكولات إنشاء القنوات الفضائية الخاصة بالأطفال. سندرس في هذا القسم من قراءتنا للمحتوى الثقافي العربي لبرامج الأطفال في القنوات التليفزيونية لثلاثة نماذج عربية تقدمها ثلاثة قنوات متخصصة للأطفال، فضلا عن قناة دولية لمنتوج غربي باللغة العربية.

• قناة براعم (قطر)

الإعلامي محمود بوناب المدير العام التنفيذي لقناة الجزيرة للأطفال، يقول عن قناة براعم الموجهة لأطفال ما قبل المدرسة من سن 3 إلى سن 6 سنوات :

"التفكير في مشروع قناة براعم والعمل عليه بدأ منذ إطلاق قناة الجزيرة للأطفال، التي خصصت آنذاك، وعلى مدى سنوات، بثها للفئة العمرية من 3 إلى 15 سنة. اختلاف الشرائح العمرية في هذه الفئة، جعل من الصعب أن تلبي الجزيرة للأطفال احتياجات الفئة من 3 إلى 15 عاماً، مما استدعى إطلاق قناة براعم، وبالتالي فإن الجزيرة للأطفال أصبحت مخصصة للأعمار من 7 إلى 15 سنة. طموحنا في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، نابع من صلب رؤية الشيخة موزة بنت ناصر المسند، حرم أمير قطر، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة التي تتطلع إلى تقديم مضمون راق وآمن لأطفالنا، يكون قادراً على المنافسة في فضاء مسؤول يراعي خصوصياتنا الثقافية والاجتماعية. مشروع قناة براعم، أكثر المشاريع التلفزيونية العربية حساسية من حيث مضمونه وهويته وطموحه، ذلك أن التعامل مع الأطفال في هذه السن المبكرة جديد على العمل التلفزيوني العربي، فضلاً عن أن ما تقدمه هذه القناة سيساهم في نمو أطفالنا وتوجيه مداركهم وقدراته. قناة براعم هي بداية الطريق، وهي تطمح للمساهمة في تربية أجيال عربية واعية مؤمنة بقدراتها الذاتية والجماعية، بداية من السن المبكر للأطفال. هي مضمون يتعامل مع الطفل من حيث تعزيز مداركه وقدراته الذهنية والجسدية والنفسية".

والحقيقة أن قناة البراعم تؤكد أفكارها من خلال مجموعة من البرامج المترجمة خصيصًا لها، ففي برامج القناة يلتقي المشاهدون الصغار مع ) فافا) وهي سلحفاة طيبة، هادئة وجريئة، تساعد أصدقاءها الصغار في عمر ما قبل المدرسة على التمييز بين الصواب والخطأ، ثم هناك مسلسل كرتوني بعنوان (نان وليلي)، بطله طفلان يحبان اللعب والتعلم والاكتشاف، أما عائلة (آل ماااع) فتحكي حلقات المسلسل الاثتنان والخمسون عن عائلة أفرادها ستة خراف تعيش في بيت صغير بمنطقة ريفية. تضم هذه الأسرة ثلاثة أجيال: التوأم الصغيران والأبوان والجدان. وهو مسلسل مدبلج ويعرض باتفاق مع تلفزيون ويلز. وهناك رحلة يومية يقوم بها (وسام ودلال)، مع مواقف متعددة. وفي برنامج (هيا نرسم) وهي مغامرات ملونة، يرافق الأطفال فيها الصديق راسم في عالمه الناصع البياض وبأقلام تلوينه السحرية فيتحول عالمه الأبيض إلى قوس قزح يزهو بالألوان. ومن أبطال القناة موزتان ماردتان تعيشان في حارة واحدة بجوار أصدقائهما الدببة، وتستضيف براعم أيضا مغامرات البطل ) لوبيدو) وهي رسوم متحركة للصغار بطلها كلب مرح ودود يهوى اللعب وخوض المغامرات برفقة صديقته هيفاء. وهناك موستي القط الذي يعيش في قرية جميلة، الزرافة جوجو المتفائلة التي تعيش مع صديقيها القرد تيكو، والعصفور كريك. وأخيرًا بين البرامج مرمر أنثى الفيل التي طافت العالم لاكتشاف الطبيعة بأفلام وثائقية حية تتغنى بثروات الطبيعة.

نادرًا ما يلتقي الأطفال المشاهدون لقناة (براعم) مع مذيعين ومذيعات عرب، نجد من تلك الأمثلة الاستثنائية برنامج (نام القمر) لمقدِّمة تجلس في معظم الأحيان تحكي قصة قبل النوم على أريكة لا يرافقها سوى القمر الذي يأتي بحركات محدودة، ثم يوضع رسم ركيك أحيانا لتوضيح أحد مشاهد القصة.

ونجد أننا عدنا في (براعم) إلى الأعمال المترجمة، لعدم توافر مادة عربية مناسبة، وأن المواد العربية ـ على ندرتها ـ لا تقدم بالتقنية الموازية. لكن الميزة في برنامج مثل الفيلة (مرمر) أننا نعم مع الصغار بوجبة من الأفلام الوثائقية التي تقربنا من العالم الخفي بكنوزه.

• قناة أجيال (السعودية)

الإعلامية سناء مؤمنة، هي أول امرأة سعودية تدير قناة تلفزيونية رسمية، حيث تولت منصب مدير عام قناة (أجيال) للأطفال، تقول:

"قناة (أجيال) تتميّز وتختلف لأن لها خطا خاصا بها، وهو خط مخطط له ومدروس وأكاديمي، يقدّم برامج لشرائح الأطفال من سن 4 إلى 8 سنوات, ومن سن 8 إلى 12 عاما، وهذه القناة ستتميّز بما تقدم وبما ستنتج للطفل السعودي.الطفل السعودي أو الخليجي يتميّز ببعض الخصوصية التي يكتسبها من خصوصية المجتمع الذي يعيش فيه، خاصة ما يتعلق بالتمسك بتعاليم الدين الإسلامي والقيم الاجتماعية. لدينا كتاب متخصصون في برامج الأطفال منذ بدايات التلفزيون السعودي، أخذوا على عاتقهم الكتابة لبرامج الأطفال لعقود من الزمان في تلفزيونات المدينة المنورة والرياض وجدة، والآن هناك عديد من الكتاب والكاتبات المتخصصين أكاديميا في الكتابة للأطفال. اكتشاف مواهب الطفل السعودي وصقلها من أهم أهداف قناة (أجيال)، حيث إننا ندعم الأطفال الموهوبين، ونتتبّعهم ونأخذ بيدهم حتى يصقلوا مواهبهم. طموحاتي وتطلعاتي ليس لها حدود، ومن أهمها: الوصول بقناة (أجيال) إلى كل منزل سعودي وخليجي وعربي، ومن ثم إنشاء قناة أخرى للشباب من سن 14 إلى 20 سنة تخدم هذه الفئة المهمة من المواطنين السعوديين".

ومن متابعة القناة نرى أنها تحقق جوانب دون أخرى، فلا تزال الرسوم أجنبية، تنقل شخصيات خرافية لحيوانات وكائنات وأبطال من عوالم غير عربية، كما أن بعضها يفتقر إلى الجودة الفنية التي تسمح له بالمنافسة. وربما يذكر لها أنها تشجع المواهب من خلال برامج حية، كما أنها تفتح مساحة من إرسالها للتواصل الهاتفي مع مشاهديها الصغار.

• قناة طيور الجنة (الأردن)

على الموقع الرسمي لقناة طيور الجنة يمكن أن نقرأ ضمن "المانيفستو" الخاص بالقناة التي انطلقت بتاريخ 25 يناير 2008:

"لم تكن فكرة ولادة قناة خاصة للأطفال تحمل اسم قناة طيور الجنة وليدة اللحظة، بل مرت بمرحلة مخاض طويلة كانت بدايتها فرقة طيور الجنة الخاصة بأناشيد الأطفال منذ العام 1994 بتأسيس أ.خالد مقداد. وتعد فرقة طيور الجنة من أكثر الفرق الفنية المتخصصة بفنون الأطفال انتشاراً في الوطن العربي، بعد أن وصل إنتاجها من الألبومات الفنية للأطفال إلى العديد من الدول العربية والعالمية مثل كندا وبريطانيا وغيرها. ان تقديم فن هادف وملتزم وبلحن وأداء جميلين في آن معا ضمن ضوابط شرعية قادر على أن يجذب الطفل ليبحر في عالم من الترفيه والتثقيف في ذات الوقت. من خلال فضائية طيور الجنة نسعى لتحقيق أهداف المؤسسة نصنع جيلا طفوليا واعيا ومثقفا قادرا على مواجهة التحديات ومستشرفا مستقبله و مستقبل أمته بأمر مشرق. تهدف قناة طيور الجنة إلى تلبية احتياجات الطفل العربي والطفل المسلم المختلفة. تقدم القناة أفضل البرامج التربوية والعلمية والترفيه والأناشيد التي تلائم الأطفال وجميع أفراد الأسرة. جدول برامج مدروس بعناية ويشتمل على مجموعة من أرقى البرامج المتنوعة التي تلبي حاجات الطفل المتعددة بفئاتهم العمرية المختلفة باستخدامها لأحدث تجهيزات البث التلفزيوني الفضائي ، تبث قناة طيور الجنة إرسالها وفقا لأرقى المعايير سعيا دائما لمواكبة الأفضل في مجال التطورات التقنية للتلفزة والبرامج المتنوعة".

ورغم مثالية هذه العبارات المجتزأة ـ على ما يبدو ـ من طموح القناة في عشرين سنة قادمة، فإننا لا نعثر سوى على بعض الأغنيات، التي تمزج بين عامية اللهجات المحكية في الأردن ولبنان والشام، غالبًا، وفصحى ليس بها من الإبداع شيء كثير.

هذه القناة التجارية بمعنى الكلمة جاءت تطويرًأ لأنشطة فرقة موسيقية أسسها أبٌ مع عائلته، لذلك نجد ولديه عصام ووليد هما بطلا معظم البرامج. والبرامج التي يقدمانها هي تسمية بها مبالغة، حيث يقوم أحد البرامج على أحدهما يذيع ـ بشكل دائم ـ وقائع مشكلة أو معركة تحدث بين الأب والأم بسبب المصروف اليومي والتسوق والمماطلة في الوقت حين يستعد الوالد للخروج، وما شابه من أمور يحاول أن يجد فيها كاتبها شيئًا فكهًا لكنها تخلو من أية أمور تربوية.

ثم أن الأغنيات هي مادة القناة الأساسية، وهو أمر مفهوم لتوجه صاحب القناة، وانشغاله بهذا العمل 14 عامًا قبل أن توفر له الفضائيات فرصة الخروج من إلقاء الأغنيات في حفلات خاصة وعامة، إلى إذاعتها عبر الفضائيات، وبالتالي تنظيم حفلات ببلدان عربية تسجل وتذاع، وتتكرر الرحلة.

وهذه الرحلة يلزمها إنشاء أغنيات خاصة بكل بلد، ولا مانع من سرقة ألحان معروفة ووضع كلمات عليها، أو تحريف كلمات أصيلة، بأخرى، فلا ملكية فكرية ستقتص من أحد، ولا اتهام بالشوفينية سيصيب أحدًا.

من معاني الأغنيات تشدو طفلة صغيرة على خلفية أطفال يحملون أسلحة (لما نستشهد بنروح الجنة، من غير فلسطين شو يعني بطولة؟). إن المقاومة شرف، وجهاد، وحق أصيل لكل شعب ضد من يغتصب حقه، ولكن هذه الأغنية ليست هي المقاومة. لا يجب أن يحمل الأطفال السلاح، ولا يجب أن نزرع فيهم قتل أرواحهم. ربما يمكن أن نسمع الأغنية نفسها مع خلفية لأبطال مقاومين حقيقيين كبار. ولكن يبدو أن الأفكار تتماهى لتنتج أخطاء كُبرى، حيث يظهر بطلا المحطة الصغار عصام ووليد في إعلان تجاري تذيعه المحطة عن مجموعة أسلحة باسم (القناص)! وهكذا نجد أن العنف يتم الدعوة له من خلال المثالين المجسدين لقناة (طيور الجنة)، يا لها من طيور؟!

وسأختتم في تحليلي لمحتوى قناة طيور الجنة، بالنظر إلى شقها التجاري الذي تأسست من أجله. فهناك شريطان تفاعليان (لبث رسائل sms ) وهناك أرقام لتحميل نغمات وأغنيات القناة، وهناك إعلانات تجارية عامة، وهناك إعلانات عن منتجات باسم طيور الجنة (حقائب، وأدوات مدرسية، وحصالات، وأدوات رعاية الرضع .. إلخ).

ومن الطريف أن تلد قناة طيور الجنة قناة أخرى هي قناة كراميش (تصدر أيضا من المملكة الأردنية الهاشمية) لتذيع أغان عربية وبرامج مصورة باللغة العربية واللهجات المحلية وهي نفسها قناة مع إعلانات تجارية وإعلانات خاصة بمنتجات شخصيات القناة مع شرائط الرسائل، وكأننا أمام نسخة مستنسخة من قناة طيور الجنة، بل وعلى نفس التردد (ارجع إلى جدول القنوات في هذا البحث). فهل من تحليل لهذه الظاهرة سوى توسيع الشق التجاري الذي نشأت له طيور الجنة.

هذا الاستنساخ الغنائي كنا نبحث عنه في قناة (سنا) من سورية، (رغم أن أغنيات منها صورت في تركيا)، ولكنها على ما يبدو تجد صعوبة في استمرار الإرسال، وإن كانت معظم مادتها باللغة العربية الفصحى.

• قناة (نيكلوديون) العربية

خبر "أطلقت شبكة (ام تي في) العالمية والمجموعة الاعلامية العربية في عام 2008 قناة (نيكلوديون) العربية، وهي محطة تلفزيونية مفتوحة ناطقة باللغة العربية سيتم تخصيصها للاطفال عبر منطقة الشرق الأوسط. وذكر بيان صحافي ـ مصدره المنتج ـ أن قناة نيكلوديون تكون من خلال هذه الاتفاقية أول علامة تجارية إعلامية عالمية للأطفال تطلق خدمة تلفزيونية باللغة العربية في الشرق الأوسط في حين تحافظ في الوقت نفسه على احترام الطابع العربي وتعكس الثقافة والقيم المحلية. قناة نيكلوديون العربية تبث على مدار الساعة عبر الأقمار الصناعية الى أكثر من 36 مليون منزل حيث يتوقع أن يصل جمهور القناة الى 190 مليون مشاهد في كافة أنحاء المنطقة.وتتضمن برامج القناة مزيجا من المحتوى العالمي لبرامج نيكلوديون الى جانب برامج عربية منتجة محليا".

علينا بداية أن نلمِّح إلى أن الشركة المنتجة هي شركة ترفيه، تقدم محطات للأغاني والبرامج المنوعة التي لا تتمتع بنسبة قبول من ناحية توافقها مع القيم العربية، بغض النظر عن شهرتها التجارية.

حين تفتح المحطة سيظهر لك على شاشتها بين حين وآخر شابٌ مختلف، من دولة خليجية على الأغلب، يسأله صوتٌ خارج الشاشة، من أنت فيجيب: نيكلوديون، وما اسمك: فيرد: نيكلوديون، وأين تدرس: نيكلوديون، وهكذا حتى يصل للسؤال الأخير: ما معنى نيكلوديون، فيرد الولد: ما تعرف نيكلوديون. نيكلوديون شبهي! أي أن القناة تشبهه في كل شيء!

كمقدمة لتحليل مسلسلات هذه المحطة تعالوا نسمع الإعلان الذي يقدم مسلسلا يوميا في (نيكلوديون) اسمه Unfabulous : "إذا كنتِ معجبةً بشخص، وكان هو معجبًا بفتاة أخرى، وكانت هي معجبة بشخص معجب بك، فماذا تفعلين؟"

ولنسمع عبارة ضمن عبارت مماثلة في مسلسل بطله شخصية يابانية اسمها أوزو، الذي يذهب أصحابه لكي يستعينوا بلص سارق على مدار المسلسل لتحقيق أغراضهم: "لقد تعامل معي بالشر، فيجب أن أتعامل معه بنفس الشر".

في مسلسل الأشباح: يقول الرجل لزوجته: "رغم هذا لا زلتُ زوجك". فترد عليه: "فسخًا للزواج".

ثم تتحول أغنية (ماما زمانها جاية) الشهيرة في مصر، إلى أغنية: نيكلوديون زمانها جاية، جاية بعد شوية، جايبة لعب وحاجات، جايبة معاها "دورا" ... (بطلة في مسلسلات نيكلوديون).. وهكذا يكون الاقتباس الإبداعي!

يمكننا أن نقتبس ـ إلا ما نهاية ـ تلك العبارات التي لا تتفق مع ما جاء في خبر الإعلان عن تلك القناة، التي لا تعدو أن تكون قناة عربية بمواد أجنبية أرادت أن تربح من تسويق كل منتجها، وليس من بيع بعض منتجاتها. فلا تزال المسلسلات تتحدث عن الأشباح والخلطات السحرية والعبقريات الشاذة. المنطق الأمريكي نفسه في غيبيات القرن العشرين.

أوقفني برنامج (صحتين) الذي يقدم في 3 دقائق فتى أو فتاة تطهو شيئًا، بحضور ماما مارينا. قد يكون الناتج غريبا، مثل الشوربة الوردية، ولكن الجيد هو الفقرة الملحقة بعد الطهو التي تقدم فوائد المكون الرئيسي للوجبة.

الشيء المثالي في مسلسلات القناة أنها ناطقة باللغة العربية الفصحى، ولكن هذا هو العسل الذي تسبح فيه سموم الأفكار.

خامسًا: خلاصات:

في حين أن المتابعة شملت كل القنوات التي ذكرناها في قوائم القنوات، إلا أننا اخترنا التركيز على ما يُبث في القنوات موضوع دراسات الحالة لأنها تجسد ـ فعليا ـ صورة مكررة من باقي القنوات، فضلا عن أنها تجسد تنوع شرائح القنوات، عمريا ونوعيا. وهكذا نحن بين موادٍ مؤلفة خصيصا باللغة العربية، وأخرى ناطقة باللغة العربية ولكنها مترجمة عن لغة أجنبية، وأخيرة تلك المواد المقدمة باللغة الإنجليزية في ظل تنامي استخدام هذه اللغة الأجنبية في مجال الطفل العربي، الذي يحاصر بهذه المواد على القنوات المخصصة له، وتحت تأثير أن هذه اللغة أصبحت ـ بشكل أو آخر ـ لغة التدريس في المدارس الخاصة والأجنبية التي يلتحق بها الأطفال العرب في صفوفهم المختلفة.

أولا: البرامج التليفزيونية المخاطبة للطفل العربي: تكاد تكون قليلة، وهي نسخ قاصرة من برامج فرنسية وإنجليزية، والحوارات الهاتفية تضيع بين تحيات وكلمات غير مفهومة، والمسابقات تفتقر لحس المنافسة الحي لضعف إمكانات استوديوهات برامج الأطفال. كما أن هذه البرامج تفتقر إلى مقومات الثقافة العربية فنادرًا ما تتكيء على تاريخ الأمة العربية أو نهضة الحضارة الإسلامية، أو رموز الإبداع الإنساني الأدب والفني على مر العصور. إنها برامج آنية عابرة تمضي الوقت ولا تستفيد به.

ثانيا: الأفلام التسجيلية: معظمها للطبيعة وكائناتها، وأغلب ما يُقدم عن شخصيات الأطفال هو مادة أجنبية مصورة. إن العرب بطاقاتهم يمكن أن يقدموا مادة محلية جديرة بالاهتمام. استحضر هنا ما حدث في جائرة اليوم العالمي لبث برامج الأطفال لعام 2008 وهي مسابقة سنوية أنشئت عام 1994، من قبل اليونيسيف، حيث فاز في فئة البث التلفزيوني، من قناة الأطفال في التلفزيون المركزي في الصين فيلم وثائقي مدته ساعة بعنوان (على الطريق) الذي يعرض الرحلة اليومية للذهاب إلى المدرسة والعودة منها لعشرين طفلاً في ‏أرجاء الصين. ‏ ألا يستحق أطفالنا العرب برامج مماثلة؟ كما أنني أود الاستفادة من الأرشيفات الوطنية كالتحرير والنهضة والإنشاءات ووجوه الحضارة العربية والإسلامية لإبراز معالم بلداننا كما يقدم (الآخر) رموز حضارته قدمت أو كانت حديثة.

ثالثا: المغامرات المصورة بالرسوم المتحركة: لا تزال مصدرها الغرب، والشرق الأقصى، وعلينا أن نقبل سلبياتها، إلا إذا قررنا أن ندخل مجال الانتاج. وإذا كان الانتاج مكلفا فلماذا لا نلجأ لاتفاقيات بتقديم الأفكار والنصوص وشراء المنتج، بينما يقوم بتنفيذه متخصصون هنا وهناك. إن الكلفة العالية للرسوم المتحركة لا تسمح بقيام صناعة كاملة ولكننا نؤمن أن المستقبل بتقنياته الميسرة سيغير وجه هذه المعادلة، ولكن هل نحن مستعدون بنصوصنا وأفكارنا؟

رابعًا: الأغاني: كما أسلفنا، تحظى الأغنية بمساحة تلق واسعة لاعتمادها على أكثر من حاسة للطفل العربي، واستخدامها لأكثر من فن. ألا يجب النظر في إنشاء هيئات إجازة للأغنيات الخاصة بالطفل العربي، تجيز المسموح به، وتمنع أو تعدل ما يثير الفتنة، والعصبية، والعنصرية، وما شابهها من أمور أصبحت من المحكيات اليومية ضد الأغنيات.

خامسًا: المسابقات: تتميز مسابقات برامج الأطفال بالتلفزيون بالسطحية والاهتمام بمواضيع آنية، وعدم التوجه لتأصيل القيم الدينية والتربوية والتاريخية والفنية. إن الجائزة قد تكون أضخم بشكل مبالغ فيه قياسا بالمُنتج. فهل هناك مسابقات للأطفال عن أمجادنا وعلمائنا ومؤرخينا؟ وهل تقيم الجوائز مواهب عملية للمتسابقين وجهدًا مجتمعيا؟ كانت المسابقة في جيلنا تعني كتابة بحث علمي، وأصبحت مجرد الإجابة عن سؤال بتعيين اسم لاعب أحرز هدفا أو نجم قام ببطولة فيلم؟ ما هكذا يكون تشجيع الثقافة والمحتوى الثقافي.

سادسًا : المواد الإعلانية: من المخاطر المرتبطة بتأثير الإعلانات التليفزيونية على قيم وسلوكيات الأطفال فقد أكدت دراسة علمية أجراها باحثون في جامعة هيرتفوردشاير، هاتفيلد (بريطانيا عام 2000) أن الأطفال دون السابعة الذين يشاهدون الكثير من إعلانات التليفزيون يكتسبون عادات سلوكية ذميمة مثل الطمع والإلحاح في طلب السلع المعلن عنها في التليفزيون بصورة متكررة قد تزيد خمس مرات عن أولئك الذين يشاهدون عددا أقل من هذه الإعلانات. كما ذكرت هذه الدراسة أن الأطفال الذين تعرضوا لحملات إعلانات ألعاب الأطفال بشكل مكثف زاد طلبهم بشكل مثير عن طلبات أقرانهم الذين تعرضوا لنفس الإعلانات لفترة أقل، وأن أولئك الذين شاهدوا التليفزيون مع آبائهم كانوا أقل عرضة لتأثير الإعلان ولجشع المعلنين. وأظهرت الدراسة أن مشاهدة الإعلانات مع الأمهات أو الآباء قد تعدّل من هذه السلوكيات؛ لأن وجود شخص بالغ يمكن أن يساعد الطفل على تمييز المادة الإعلامية المقدمة. وقد ساد سوق الإعلانات العربية ـ في القنوات الخاصة بالأطفال والقنوات العامة ـ خلطٌ كبير، ولم يعد السماح بإعلان يستبصر مخاطره ضد الطفولة. هناك استغلال التجاري للطفل العربي من خلال المواد الموجهة له على القنوات الخاصة به، سواء عبر الدعوة لاستخدام الرسائل النصية، أم عبر البرامج التنافسية التي تعتمد على الاتصال الهاتفي، أو عبر الإعلانات التجارية التي تستخدم الإلحاح والشخصيات المحببة والأطفال أنفسهم للترويج لسلع تجارية مختلفة.

يتبع ...