د. سهير عبد الفتاح
(مصر)

هذه الورقة شهادة أقدمها عن تجربتى الشخصية فى مواجهة المشكلة التى جعلتها مجلة "العربى" موضوعاً لندوتها هذا العام، وهى "الثقافة العربية فى ظل وسائط الاتصال الحديثة".
والشهادة التى أقدمها فى هذه الورقة تدور حول ثقافة الأطفال بالذات، فقد واجهت الأسئلة الخاصة بالهوية والانتماء الوطنى والقومى فى عصر العولمة وفى ظل وسائط الاتصال الحديثة كأم تعيش مع أسرتها فى الخارج، ثم واجهتها بعد ذلك مع الأطفال المصريين والعرب عامة حين قررت بعد عودتى للوطن أن أعمل فى مجال ثقافة الطفل.

وفى اعتقادى أن الحديث عن ثقافة الطفل العربى يغطى موضوع الندوة من زواياه المختلفة، فهو يتناول واقع الثقافة العربية، وما تواجهه من تحديات، وما يمكن أن تكون عليه فى المستقبل. لأن الطفولة هى المرحلة التى تجمع بين الحاضر والمستقبل. والأطفال العرب يمثلون خمسين فى المائة من السكان فى كافة البلاد العربية وهم المادة الأساسية التى نستطيع أن نخطط لها ونرسم مستقبلها بالطريقة التى تحقق ما نرجوه لهم وما نرجوه للثقافة العربية.

وهذه الشهادة ذات شقين كما أشرت:

  • الشق الأول أقدم فيه تجربتى كأم عاشت مع أطفالها الأربعة ثمانية عشر عاماً فى فرنسا، واجتهدت مع زوجها فى تزويد أطفالهما بالقدر الذى يحتاجون إليه من الثقافة العربية لتنشئتهم تنشئة متوازنة تمكنهم من الاتصال بتراثهم القومى من ناحية، وبالثقافة الفرنسية وثقافة العصر من ناحية أخرى وتحميهم من التمزق والذوبان.

  • أما الشق الأخر من الشهادة فسوق أقدم فيه تجربتى كخبيرة فى المجلس العربى للطفولة والتنمية الذى سمح لى عملى فيه بتنظيم عدد من المؤتمرات التى دارت حول موضوعات تتصل من قريب بموضوع هذه الندوة.

وسأبدأ بالشق الأول من الشهادة فأحدثكم عن تجربتنا فى الحفاظ على ثقافتنا القومية خلال إقامتنا التى امتدت فى باريس دون أن نخطط لها، ودون أن نعرف متى تنتهى.
كان المقصود فى البداية أن تكون رحلة تستمر بضعة شهور نتعرف فيها على الحياة الثقافية فى فرنسا. لكن جامعة باريس عرضت على زوجى أن يعمل فيها مدرسا للشعر العربى. وساعدت بعض الأسباب العامة والخاصة على قبول هذا العرض الذى ظل يتجدد سبعة عشر عاماً كان أطفالنا خلالها يتلقون دراستهم الابتدائية ثم المتوسطة ثم العليا فى مدارس باريس وجامعاتها. وطوال هذه السنوات كنا نواجه السؤال المطروح على الندوة. وكان بالنسبة لنا سؤالاً ملحاً ومثيراً للقلق.

لقد بدأ أطفالنا حياتهم الدراسية فى باريس، لأن اثنين منهم كانا فى سن الانتقال من الحضانة إلى المرحلة الابتدائية، والآخرين ولدا فى العاصمة الفرنسية. وهكذا التحقوا جميعاً بالمدارس الفرنسية حيث أصبحت اللغة الفرنسية لغتهم الأولى. وإذا كنا قد حرصنا دائماً على أن تظل العربية باللهجة المصرية هى لغة التخاطب فى البيت فهذا لم يكن كافياً لتزويدهم بالقدر الضرورى من الثقافة القومية التى لابد فيها من معرفة اللغة الفصحى لأنها هى الطريق للاتصال بالتراث المكتوب.

من هنا تضاعف الخطر الذى كان يهدد شخصيتهم، لأنهم لم يكونوا يواجهون المجتمع الأوروبى الحديث المختلط بثقافة قومية تقليدية فقط، وإنما كانوا يواجهونه وهم ومازالوا صفحات بيضاء لا يملكون حتى هذه الثقافة التقليدية أو أى نصيب منها. كل ما كانوا يملكونه من ثقافتهم القومية هو ما يلتقطونه خلال حياتهم الأسرية، أما فى المدرسة والشارع فالفرنسية هى وسيلتهم الوحيدة التى يفكرون بها ويعبرون بها ويتصلون من خلالها بالعالم، وهذا هو الخطر الذى كان لابد أن نواجهه.

لم نكن قلقين لأن أطفالنا أصبحوا يتقنون الفرنسية ويتكلمونها بطلاقة ويكتبونها ويقرأونها، فالفرنسية مكسب هى أو أى لغة أجنبية، ولكن القلق كان مصدره أنهم يستخدمونها وحدها ولا يعرفون لغتهم القومية، وهذه خسارة فادحة.

ولهذا قررنا أن نعلمهم العربية بطريقتنا الخاصة. وهو قرار لم يكن تنفيذه سهلاً رغم الظروف التى وجدناها مشجعة فى فرنسا، وأولها ما يمكن أن يقوم به زوجى لتحقيق هذه الغاية، ثم أن اللغة العربية هى اللغة القومية للمهاجرين العرب، المغاربة والمشارقة وهم لا يقلون عن مليونين يضاف إليهم حوالى أربعة ملايين من المسلمين الأفارقة الذين يستخدمون العربية فى أداء الطقوس الدينية. ثم إن فرنسا من البلاد التى وقعت على اتفاقيات تعهدت فيها بتقديم المساعدة لمن يرغب فى تعليم لغته القومية، من أبناء المهاجرين. واللغة العربية إحدى اللغات الأجنبية التى استفادت من توقيع هذه الاتفاقيات، إذ أصبحت ضمن اللغات التى يحق لتلاميذ المرحلة المتوسطة أن يختاروها كلغة أجنبية إلى جانب اللغة الفرنسية.

هذه الظروف شجعتنا على البحث عن مدرس عربى يستطيع أن يعطى أولادنا دروساً خصوصية فى اللغة العربية. وقد عثرنا بالفعل على مدرسة تقيم مع زوجها طالب البعثة على درس كل يوم سبت مدته ساعتان، على أن يقوم زوجى بما يستطيع القيام به بقية أيام الأسبوع. وهكذا سارت الأمور، وإن لم نحقق كل ما نريد، لأن المدرسة كانت محدودة الكفاءة لا تملك الحد الأدنى من القدرة على التعامل مع أطفال يعيشون فى بيئة أجنبية ويتعلمون لغتها ويحتاجون للراحة فى يوم العطلة يوم السبت، ويشعرون بالخجل لأنهم غير قادرين على النطق الصحيح ولأنهم يقعون فى أخطاء القراءة والكتابة. ثم إن وقت الدرس لم يكن كافيا للتغلب على هذه الصعوبات، ومعاملة الأطفال بالرفق الواجب وتشجيعهم على استخدام لغتهم القومية فى التعبير عن أنفسهم، وعدم إشعارهم بأنهم فى امتحان دائم، وبأنهم يخرجون من مدرسة ليدخلوا مدرسة أخرى فى البيت. من هنا كان النجاح الذى تحقق عن طريق الدرس الخصوصى محدوداً. لكننا كنا نزود أطفالنا بكل ما نستطيع من صور التعبير عن ثقافتنا القومية، وكنا نعودهم على الاعتزاز بها ونشجعهم على أن يبحثوا عنها بأنفسهم وأن يتلقوها بطريقتهم الخاصة. فالثقافة العربية ليست لغة فقط، ولكنها إلى جانب اللغة تاريخ وفن، وعمارة وموسيقى، وكفاح يومى فى سبيل التحرر والتقدم.

ومع ذلك ظلت اللغة هى شاغلنا الشاغل. ولم تكن اللغة مشكلتنا وحدنا فى فرنسا، وإنما كانت مشكلة المهاجرين العرب الذين لم يستطيعوا حتى الآن أن يصلوا إلى أسلوب مضمون للمحافظة على هويتهم القومية، خاصة لأجيالهم الجديدة التى ولدت وتربت فى فرنسا، ولم تعد تربطهم بالوطن الأم أو باللغة الأم رابطة قوية.

ومن المؤسف أن هذه المشكلة لم تلق حتى الآن من الحكومات والمنظمات العربية المختلفة ما تستحقه من اهتمام. وليس أمام المهاجرين العرب وأبنائهم إلا أن يلجأوا للدروس الخصوصية التى لا يضمنون نتائجها أو لما يقدم فى بعض المساجد من دروس لا تزود المهاجرين دائما بالثقافة التى تحفظ لهم علاقتهم بوطنهم الأصلى وتساعدهم فى الوقت نفسه على انتزاع مكانهم فى بلاد المهجر والاندماج فى حياة العصر واستخدام وسائط الاتصال الحديثة بالكفاءة المطلوبة فى الذين يريدون أن يضمنوا لأنفسهم العمل الناجح والحياة الكريمة فى هذه البلاد التى تتقدم كل يوم من خلال العلم، والنشاط الحر، والقدرة على استخدام التقنيات الحديثة، واعتبار العالم كله مجالا واحدا مفتوحا للنشاط والحركة. وتلك هى العولمة التى تستفيد منها كل أمة بقدر ما تطور ثقافتها وتزودها بعلوم العصر وتقنياته. فإن عجزت الثقافة القومية عن التطور والتقدم فسوف تعرض نفسها للموت وتعرض أهلها للانقراض.

ليست الثقافة القومية مجرد تراث نتذكره فى المناسبات. وليست اللغة القومية مجرد وسيلة نحقق التواصل بها فيما بينما أو نؤدى بعض الشعائر الدينية، بينما نستخدم اللغة الأجنبية الانجليزية أو الفرنسية فى الاتصال بالعالم الخارجى واكتساب المعارف الجديدة ومتابعة ما يحدث واستخدام وسائط الاتصال الحديثة. هذا الفصل بين المجال القومى والمجال الخارجى خطر يهدد الهوية كما يهددها النقل عن الآخرين وتقليدهم فى كل شئ، لأن الفصل يعزل الثقافة القومية ويحبسها فى نطاق ضيق لا تستطيع فيه أن تتطور أو تواصل الحياة إلى جانب الثقافات الأخرى المتقدمة التى لا نستطيع أن ننافس أصحابها فى التمكن منها. فلا يكفى أن نعرف الانجليزية لننافس الإنجليز أو الأمريكيين فى تطوير التقنيات الحديثة. لأن التقنيات الحديثة ليست ثمرة للغة وحدها، وإنما هى ثمرة للثقافة الحديثة بكل فروعها. وللخبرات والمهارات التى اكتسبها العقل الإنسانى خلال تطوره.

ولاشك أن الثقافات الحديثة متاحة للمهاجرين العرب فى فرنسا وغيرها من البلاد المتقدمة، لكنهم يظلون معرضين للذوبان إلا إذا أتيح لهم أن يعرفوا ثقافتهم القومية ويستخدموها فى مجالات الحياة كلها. عندئذ يتخلصون من وضع التابع المقلد ويتمكنون من الابتكار فيضيفون للثقافة الإنسانية من ناحية، ويساهمون من ناحية أخرى فى إحياء ثقافتهم القومية وتزويدها بما ينقصها لتعيش فى هذا العصر وتأخذ منه وتعطيه.
وإذا كان الأمر كذلك فالحفاظ على الهوية القومية فى المهجر لا يمكن أن يكون مسئولية فردية، وإنما هو مسئولية الحكومات والمنظمات العربية التى لا تؤدى واجبها للأسف فى هذا المجال الحيوى رغم الوعود والتوصيات العديدة التى صدرت عن المؤتمرات والندوات التى بحثت أوضاع الثقافة العربية فى المهجر.

لقد تحدثت هذه التوصيات عن ضرورة تنسيق المبادرات وتوجيه الجهود على المستوى العربى والمستوى الفرنسى لمنح اللغة العربية مكانة لائقة بها يوصفها لغة حية ولغة حضارة عريقة يتكلمها أكثر من 250 مليون نسمة فى 22 بلداً عربياً، وذلك بإدماجها ضمن البرامج الرسمية الفرنسية على كل المستويات. وهذا يتطلب مفاوضات واتفاقيات على أعلى المستويات بالتنسيق مع كل دول المجموعة الأوربية.
كما طالبت هذه التوصيات بمراجعة مقررات اللغة العربية المعدة لطلاب بعض البلاد كفرنسا بواسطة الخبراء لضمان جودتها وقدرتها على أداء الدور المنوط بها، مع الاستعانة بتكنولوجيا التعليم والأجهزة الحديثة التى تستطيع بها هذه المقررات أن تحقق الدور المحدد لها. وطالبت أيضاً بتزويد مكتبات السفارات العربية فى الخارج بكتيبات عن تاريخ الحضارة العربية مع مساعدة المهاجرين على التغلب على التحديات القائمة وفهم ماهية العولمة وتبصيرهم بالجوانب الإيجابية فى ثقافة المهجر وأساليب التكيف الاجتماعى والثقافى فى مناطق الجذب حتى لا يتقوقعوا أو يذوبوا فى الخارج. وأن تقوم الجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة، كالمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة بالاتصال بالسفارات فى البلدان التى بها مهاجرون للاتفاق مع هذه الدول على تفعيل تعليم اللغة العربية فى المدارس والمعاهد والجامعات بالخارج. وطالبت أيضا هذه التوصيات بتشجيع الأبحاث المتعلقة بتدريس اللغة العربية وكل ما يسـاهم فى إنتاج وسائل تربوية تأخذ بعين الاعتبار وضعية الازدواج اللغوى والثقافى، وطرق تعليم اللغة العربية فى أجواء ومناخات ثقافية غير عربية. (1)

لكن شيئاً من هذا لم يتحقق للأسف حتى الآن. ومازال الخطر الذى يهدد أبناءنا فى المهجر قائماً، خطر التقوقع والتحجر من جانب، وخطر التحلل والذوبان من جانب أخر. فما هو حال الثقافة العربية فى الوطن؟ وما هو وضعها فى ظل وسائط الاتصال الحديثة؟ هذا هو موضوع الشق الثانى من شهادتى الذى أقدم فيه باختصار شديد تجربتى العملية فى مجال ثقافة الطفل حيث توليت بعد عودتى لمصر إدارة ثقافة الطفل فى الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة، ثم انتقلت إلى المجلس العربى للطفولة والتنمية لأقدم خبرتى فى هذا الميدان. وفى إطار عملى فى المجلس ساهمت مع زملائى فى تنظيم مؤتمرين وورشة عمل تناولت موضوعات تتصل بالموضوع المطروح فى ندوة "العربى" هذا العام. أما المؤتمر الأول فكان موضوعه "الطفل العربى فى مهب التأثيرات الثقافية المختلفة". وقد عقد فى شهر سبتمبر عام 2005 بمكتبة الإسكندرية. ثم كانت "لغة الطفل العربى فى ظل العولمة"، هو موضوع المؤتمر الثانى الذى عقده المجلس العربى للطفولة والتنمية بمشاركة الجامعة العربية فى شهر فبراير سنة 2007.

وقد أوصى هذا المؤتمر الأخير بتنظيم ورشة عمل تقوم بوضع إستراتيجية تساعد على تنمية لغة الطفل العربى، وهذا ما تحقق فى شهر يوليه من العام ذاته 2007 حيث انعقدت الورشة التى شاركت فيها مجموعة مختارة من اللغويين والتربويين والإعلاميين العرب استقر رأيهم على ضرورة البدء فى تنظيم حملة قومية تشارك فيها كل المؤسسات الرسمية والمنظمات الأهلية للدفاع عن لغة الطفل العربى بوصفها شرطا ضروريا لتأمين الوجود العربى كله.

وأول ما أحب أن ألفت إليه النظر هنا هو أن هذه الفاعليات الثلاث – المؤتمرين وورشة العمل – لم تكن فى الحقيقة إلا معالجات مختلفة لموضوع واحد هو العولمة وتأثيراتها على لغة الطفل العربى. واللغة اختصار للثقافة، والثقافة اختصار للوجود العربى كله. ومن ناحية أخرى فالعولمة تعتمد على وسائط الاتصال الحديثة. وندوة "العربى" إذن تتناول موضوعا يشغلنا جميعاً، أو يجب أن يشغلنا جميعاً، لأن تأثيره على الوجود العربى تأثير حاسم ملموس. وهذا ما يجب أن نفكر فيه من الآن ونواجهه مواجهة جادة حاسمة، لأن العولمة واقع لا نستطيع الخروج منه.

العولمة تطور تاريخى نتج عن تطورات وتفاعلات استمرت قرونا عديدة وعصورا متوالية. وكما كانت الثقافة القومية ثمرة لتفاعل الثقافات الريفية والمحلية التى تجاورت وتفاعلت وانصهرت فالعولمة ثقافة عالمية مشتركة، وتقنيات متقدمة، ووسائل اتصال عابرة للسماوات والقارات، واقتصاد عالمى مشترك، ومعاهدات واتفاقيات وتحالفات وقوانين دولية تفرض نفسها على الجميع.
نحن لا نستطيع ولا أحد يستطيع أن يخرج من العولمة لأنه لا يستطيع أن يخرج من العالم. وإن كنا نستطيع أن نحسن وضعنا فيها، وهذا ما يفرض علينا مواجهة القضية المطروحة، لا بالكلام النظرى فقط، ولكن بالعمل المدروس، والخطط المرسومة، والمتابعات اليقظة. فإذا بدأنا مما نحن فيه الآن فسوف نرى أن تأثير العولمة علينا، وعلى أطفالنا بالذات، تأثير سلبى فى معظمه، كما يتضح من الدراسات والبحوث الميدانية التى قدمت فى مؤتمر "الطفل العربى فى مهب التأثيرات الثقافية المختلفة"، الذى عقده المجلس العربى للطفولة والتنمية عام 2005 وكنت مقررة له.

لقد أثبتت البحوث الميدانية أن التليفزيون هو الوسيلة الأولى التى يلجأ إليها الأطفال فى تمضية أوقات فراغهم، وأنه يأتى فى المقدمة قبل اللعب مع الأصدقاء، وقبل قراءة الكتب والمجلات.
كما أثبتت هذه البحوث أن نسبة إقبال الأطفال على مشاهدة المواد الأجنبية – المسلسلات، والأفلام، والصور المتحركة .. الخ – تتساوى تقريباً مع نسبة إقبالهم على المواد العربية.
وحول تأثير التليفزيون، والكمبيوتر، والإنترنت، والتليفون المحمول وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة على شعور الأطفال بالانتماء، أجاب 52% من الأطفال الذين سئلوا بأنهم مسلمون أو مسيحيون. أما الانتماء للوطن فلم يحصل إلا على 35%، كما تبين أن نسبة ليست قليل من الأطفال تحبذ الهجرة والحصول على جنسية أجنبية. (2)

ولا تقل سلبية التأثيرات الاجتماعية والنفسية والثقافية. فقد تبين أن مشاهدة الأطفال للتليفزيون تقوى لديهم الاستعداد للعنف. وأن الذين ينتمون منهم لأسرة فقيرة أو مفككة يلجأون للتليفزيون وما يقدمه لهم من مواد خالية وقصص بوليسية هربا من الواقع المؤلم الذى يعيشون فيه.

وأخطر النتائج التى ترتبت على انتشار التليفزيون وغيره من وسائل الاتصال الحديثة تتمثل فى تراجع سلطة الوالدين وسلطة المجتمع بشكل عام، ونشوء سلطة جديدة ووجود عالم آخر داخل البيت له ممثلوه ونجومه وقيمه ولغته وذوقه وعاداته، هو ذلك العالم الذى نقلته وسائل الاتصال الحديثة إلى البيت واخترقت أسواره وهدمت استقلاله وحولت الأسرة المترابطة إلى حزبين مختلفين: الآباء من ناحية، والأبناء من ناحية أخرى. ولكل حزب اهتماماته وعاداته ومصادر معلوماته وطريقته الخاصة فى التفكير والتعبير. (3)

من هنا رأينا فى المجلس العربى للطفولة والتنمية أن نعقد مؤتمرا خاصاً بلغة الطفل نبحث فيه مستقبل اللغة العربية. لأن مستقبل أى لغة مرتبط بمستقبل المتحدثين بها، أى بالطفل أو الأجيال الجديدة. إذا كنا سنضمن لأطفالنا أن يعرفوا لغتهم القومية معرفة جيدة، وأن يعتبروها وسيلتهم الأولى لمعرفة العالم، واكتشاف الطبيعة، والاتصال بحضارة العصر وعلومه وبالأمم الأخرى فسوف نضمن للغتنا الحياة والتطور والتجدد.
وإذا ضمنا حياة اللغة فى المستقبل فسوف نضمن حياتها فى الماضى، أى سنضمن حياة التراث القومى الذى كتب بها. لأن هذا التراث سيظل حيا طالما كانت صلة الأجيال الجديدة به قوية. وهذا لن يتحقق إلا بأن تظل علاقة الأجيال الجديدة بلغتها القومية قوية. وهكذا انعقد المؤتمر الثانى تحت عنوان "لغة الطفل العربى فى عصر العولمة" سنة 2007، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية واشترك فيه أكثر من خمسمائة باحث يمثلون ستة وعشرين دولة عربية وأجنبية، وكنت مقررة لهذا المؤتمر أيضاً.

ثم عقد بعد ورشة العمل التى قامت بوضع إستراتيجية تنمية لغة الطفل العربى فى يوليو من نفس العام.

د. سهير عبد الفتاح