ما بين الكتابة بالقلم أو من خلال الكمبيوتر، مسألة هي لم تحسم بالنسبة لي... وربما هذا شأن الكثيرين من أبناء جيلي.. نحن الذين ترعرعنا ونشأنا برفقة القلم.. حتى صار أقرب إلينا من لساننا!..
إنه وضع أشبه ما يكون بالبرزخ.. أعيشه بعد أن تعرفت على الكمبيوتر بعد طول توجس وتردد.. فلا أنا الآن تارك القلم ولا أنا متمسك بالكمبيوتر إلى الأبد.. إنما أنا بين بين!..
اعترف لك.. بأنني لا زلت لا أعرف من الكمبيوتر إلا الشيء اليسير.. كونه يسهل لي الكتابة.. ويحفظ لي في ذاكراته ملفاتي.. وإن كنت لا أكتمك إخفاقات حدثت.. ومصائب وقعت.. أودت بجهد جلسات طويلة إلى المجهول..
ومع ذلك.. يبقى لبروز الكلمة على شاشة الكمبيوتر من حروف متناثرة تجمعها نقلات الأصابع لتتشكل بفعل هو كالسحر.. ولتولد العبارة أو الفقرة أو الصفحة وتكون كلها تحت مشيئتك.. مطواعة قابلة للتغيير أو للحذف أو للنقل.. أو حتى للاستنساخ كما تتكاثر الشياطين!.
لكل ذلك سحره الطاغي في نفسي.. وإن كان لمسكة القلم وقبض الأصابع عليه بانفعال يسري تياره السري لتتشكل الكلمة وبخط يشي بحالة وأحاسيس صاحبه.. فالخط كالبصمة.. يمكنك أن تتعرف من خلالها على كاتبها الذي تعرفه.. بهيئة حروفه المميزة الخاصة.
لست مستعجلاً لأقرر إلى من سوف انحاز .. القلم أم الكمبيوتر.. وغير مضطر لذلك.. وربما غير قابل أصلاً لأن أقدم بمثل هذا الاختيار!..
ربما أبدأ بالقلم ثم انتقل إلى الكمبيوتر أواصل على شاشته ما بدأ هاجساً أولياً ليكتمل عملاً مسرحياً، أو قصة أو مقالة.. أو حتى عملاً من أعمال وظيفتي اليومية وربما أفعل العكس!..
ذلك كله يقودني إلى القول بأن الكتابة بالقلم بكل حميميتها.. والكتابة من خلال الكمبيوتر بكل آفاقها.. تظل فعلاً يتعدى حركة الأصابع وتوتراتها المختلفة بانقباضها على القلم، أي قلم، أو بتوزعها على لوحة الحروف تلملمها وتعيد تنفيذها كلمات تشف عن روح ومعاناة كاتبها..
وذلك في ظني.. هو جوهر المسألة.