قاسم حداد يعلن ذهاب « جهة الشعر » إلى " سرير الأرض "


بيد واثقة الرجفة يغلق قاسم حداد الباب الموارب لجهة الشعر أحد أهم مراجع الشعر العالمي الإلكترونية بكلمة لا يكتنفها شعر بل يأس، لكنها على نحو غامض وفاتن أشعلت قريحة أصدقائها . أصدقاء الجهة فجاءت ردود الفعل شاعرية إلى حد يتأكد معه أن هذا الموقع الإلكتروني البحريني العالمي - الذي يغلق لضيق ذات اليد - لا يصدر عنه أو له إلا الشعر وهذا ما جعله مرجع الشعراء العرب الأهم . يعلن غلقها حداد لرحيل الداعمين عنها، بعد 22 عامًا . الجهة التي قال الشاعر السعودي سعد الدوسري احتفاءً بها في عامها العاشر « قبلها لم يكن للشعر جهة . بعدها صارت، جهة الشعر ». بينما قال عنها الكاتب الإعلامي المصري سيد محمود حزنًا على خبر إغلاقها « سيبقى الشعر باحثًا عن الجهة ».

يقول حداد « بدأنا عام 1996 بفكرة صغيرة عبر مشروع فردي وشخصي في الوقت نفسه، لكن سرعان ما أصبح مشروعًا جماعيًا تسهم فيه كائنات لا تحصى من شتى أصقاع العالم .

بدأنا بفكرة نشر الشعر العربي في لغته فاشتبكنا بجماليات التعدد اللغوي لنشر الشعر العربي في أكثر من سبع لغات . بدأنا كمن يتعثر في نوم موحش ولكننا الآن نسبق أحلامنا ».

ويذكر حداد المراحل قائلاً « يمكنني إيجاز عدد منعطفات التحول والتحديثات للجهة في الانطلاقات التالية :

الانطلاقة الأولى عام 1996 ، ثم الانطلاقة الثانية عام 2001 حيث تم تغذيتها بمجموعة جديدة ومبتكرة من الملفات تحدث بصورة مستمرة، بعدها الانطلاقة الثالثة عام 2003 حيث تحويل الجهة إلى مصدر عالمي من مصادر المعلومات عن الإبداع الشعري العربي، أما الانطلاقة الرابعة عام 2005 فتحولت الجهة خلالها إلى ورشة عمل شعرية عالمية بالمعنى الأدبي والتقني للكلمة ».

منذ الانطلاقة الخامسة التي تزامنت مع الذكرى العاشرة للتدشين أي قبل 12 عامًا، أخذت جهة الشعر مكانها العالمي كمصدر للمعلومات تستعين بها كافة المهرجانات والمسابقات والفعاليات الثقافية والإبداعية الدولية عن الشعر والشعراء والمبدعين .

كما صارت المساهمة والنشر في الجهة أحد طموحات المثقفين والشعراء العرب باعتبار أن مساهمتهم في الجهة تسافر بهم للعالمية عبر بوابة رصينة ذات اتصال ثقافي كوني جاد وتكون بمثابة الاعتمادية للمنتج الإبداعي للشباب .

يبدو أن مغادرة الداعمين لصرحنا الشعري العالمي « جهة الشعر » قد ورطت حداد مع أحلامنا جميعًا فبماذا سنفتخر في الأوساط الثقافية الكونية دون الجهة؟ هل يقترح علينا حداد أن نتلو عليهم نص رسالته الإلكترونية التي عممها كإعلان للموت الفادح للجهة؟ هل تفي لشاعر وأديب من المغرب والعناية بأسئلته حينما يقول عن خبر إغلاق الجهة « سيدي قاسم . قرأت هذا الخبر المفجع وأنا ممدد فوق الفراش من تعب الجسد . أقول لك : شكرًا على بطولتك التي لم تندحر، وأقول لنفسي : ما الذي بقي بعد للشعر؟ ».

وكذلك الأديب والشاعر الكويتي عبد الله الفلاح حينما يعلق بحرقة المغدور « من المعيب أن تدعي الحكومات والمؤسسات والكثير من الشخصيات في الخليج دعمها للثقافة ...

وموقع # جهة الشعر يتوقف بسبب قلة الدعم !».


نص رسالة قاسم حداد لإعلان إغلاق الجهة :

« الأصدقاء الأعزاء

سوف يتوقف موقع « جهة الشعر » عن البث لأسباب تتعلق بعدم توفر الدعم المالي . ونود هنا أن نتوجه بالشكر لكل من وفر الدعم لها على مدى العشرين سنة السابقة، والاعتذار لأصدقاء « جهة الشعر » الذين بمشاركتهم النشر في الموقع، أسهموا فعلاً في الإنجاز الذي تحقق طوال سنوات عمل الموقع منذ انطلاقه عام 1996».

كل ردود الأفعال على هذه الرسالة من قبل كافة الأدباء والشعراء العرب والتي تفوق في عددها العشرات، تقول يا قاسم ما هو الحل؟ لماذا تفترض أنك عند سدرة المنتهى؟، لقد وضعتنا أمام حقيقة مفزعة بأن كل الجهات الثقافية بدون أمل بعد أن كنت ولاتزال صاحب ورشة الأمل .

لماذا لا تستجيب يا قاسم للشاعر السعودي حينما قال لك « يا له من خبر حزين وكئيب ...!

ألا يمكن التفكير بإنقاذه مرحليًا من خلال إسهامات أصدقاء الموقع، كل وفقًا لطاقته، حتى نجد في المستقبل من يقدر على تحمل أكلافه المالية ومواصلة رسالته؟

هذا مقترح . واعتبرني أول المساهمين ...!».

كل الشعراء والمثقفين الصادقين الذين تفاعلوا مع رسالة إغلاق جهة الشعر يعلمون أن يأس حداد والقائمين على الجهة هو يأس بالمعنى الثقافي العميق وليس بالمعنى الهش والخفيف لبقاء أو عدم بقاء جهة الشعر .

كما أنه ليس الأمر الفاجع هو ذهاب جهة الشعر إلى سرير الارض مبكرًا - كما يطلق قاسم حداد على الموت - فحسب، بل الأمر الكارثي يكمن في دلالة التفريط البارد لمنجز يكاد يكون اهم مكون للاشتغال الشعري والثقافي العربي، ولصيرورة الجهة جزء رئيس من الذاكرة الثقافية العربية وبالتأكيد الخليجية والبحرينية، فيما تكلفة بقائها تقع في حيز الزهيد من المال، وهذا ما يبرر الشكوك في نوايا عالمنا العربي تجاه كل ما هو ثقافي جاد ورصين .

إغلاق جهة الشعر اضافة لفقد البحرين نجم يدل على وجودها على الساحة الثقافية فإنها إشارة لا تخطئها عين لمرحلة من تراجع النشاط الثقافي المحلي والعربي وان النشر الثقافي ذاهب مرة أخرى لما قال عنه حداد التعثر في نوم موحش .

أقول نوماً لئلا أقول موتاً .

--------------------------

الأيام - العدد 10556 الأحد 4 مارس 2018 الموافق 16 جمادى الآخرة 1439



****************************************************

 





قاسم حدّاد : وداعاً " جهة الشعر "





خليل صويلح

( سوريا )




أعلن قاسم حدّاد (1948) أول من أمس عن إغلاق موقعه « جهة الشعر » ، أحد أعرق المواقع الشعرية العربية وأقدمها .

وبرّر الشاعر البحريني المعروف قراره المفاجئ « بعدم توافر الدعم المالي ».

الموقع الذي انطلق في العام 1996 كان « غرفة كونية » لاستقطاب أهم الأصوات الشعرية العربية والعالمية، في أكبر موسوعة شعرية الكترونية . كأنّ هذا التوقيت الذي أتى مواكباً تقريباً لـ « اليوم العالمي للشعر » (21 آذار / مارس ) مرثية للشعر نفسه واندحاره إلى الصفوف الخلفية بالمقارنة مع الأجناس الإبداعية الأخرى، كما أنّ حشود الشعراء الطارئين الذين خرجوا من ماكينة الميديا أطاحوا الذائقة الشعرية من جذورها، ما جعل « جهة الشعر » البوابة الوحيدة لحراسة أسوار الشعر، بعيداً من جحافل هؤلاء الغزاة . لن نجازف إذا قلنا إنّ من لم تلتقط نصّه بوصلة الجهة، لن ينال شهادة الاعتراف بشعريته، ذلك أن هذا الفضاء انخرط باكراً في تأسيس حداثة شعرية منفتحة على كل الجهات، كما كان مرجعاً للغات الأخرى (7 لغات ) في معرفة أحوال الشعر العربي وتياراته المختلفة . هكذا انطفأت أيقونات جهة الشعر في ليلة ظلماء، من « أنطولوجيا عربة النار » ، مروراً بـ « منسيات الآلهة » ، وانتهاء بـ « الجهة الخامسة ». كان قاسم حدّاد قد كتب لحظة انطلاق المشروع : « بدأنا كمن يتعثّر في نوم موحش ولكننا الآن نسبق أحلامنا » ، وها هو ينسحب بهدوء وألمٍ، تاركاً أحلامه تغرق في كابوس عدم توفّر الدعم المالي، فيما تتكاثر المواقع الأخرى، كما لو أنها حظيرة أرانب !

-------------------------

الاخبار - السبت 3 آذار 2018








**********************************************



يا للعار : موقع " جهة الشعر " قد سُدّت في وجهه الأبواب



عقل العويط

( لبنان )


 

كتب الصديق العزيز الشاعر قاسم حداد ما يأتي : " الأصدقاء الأعزاء، سوف يتوقف موقع " جهة الشعر " عن البثّ لأسباب تتعلق بعدم توافر الدعم المالي . ونودّ هنا أن نتوجه بالشكر إلى كل من وفّر الدعم له على مدى العشرين سنة السابقة، والاعتذار لأصدقاء " جهة الشعر " الذين بمشاركتهم في الموقع، أسهموا فعلاً في الانجاز الذي تحقق طوال سنوات عمل الموقع منذ انطلاقه عام 1996".

بعد التحية، تحية التقدير والإعجاب، للموقع وللشاعر الذي أداره، أقول ما يأتي : لا أريد أن أرثي " جهة الشعر ". كما لا أريد أن أرثي أيّ موقع شعري وأدبي وثقافي يتعرض للمصير نفسه . قَدَر الشعر، بل قَدَر الأدب مطلقاً، أن يكون أعزل، وأن تقوده عتمة عينيه المغمضتين إلى الضوء، الضوء الذي ينغمر بالحبر، بالحبر الأسوَد الذي من شأنه أن يعلن الفجر، ويسبق صياح الديك .

ليس من عادة الشعر أن يكون مدجّجاً . ومحميّاً . ومحصّناً .

ليس من عادته أن يكون له بيت . أو سقف . أو مخدة .

بل هو يزدري الأمان، والترف، والبحبوحة، والطمأنينة .

قوّة الشعر الخلاّقة، والفريدة، تكمن في أنه حرٌّ، حرية الهواء الذي لا بيت له يؤويه، ولا نجمة يحتاج إليها لتقود خطاه إلى القصيدة .

عبقريته أنه شريد ذاته، وأن لا يكون ثمّة بوصلة تقوده، إلاّ بوصلة حبره العمياء المبصرة .

فهل يجب أن نرثيه، لأنه اكتشف أن العالم قد بات يضيق ذرعاً به؟

والحال هذه، أيّ عجبٍ، يا عزيزي الشاعر، ويا صديقي قاسم حداد، في أن تضطر إلى أن تغلق – بيدك -" جهة الشعر " ، وفي أن يُغلَق، كلّ يوم، منبرٌ إضافي للشعر، للأدب، أو للحياة مطلقاً؟ !

العجب، كلّ العجب، أن تبقى هذه المنابر مفتوحةً، كما لو أن كلّ شيء على ما يُرام في حياتنا العربية .

لا . كلّ شيء، ليس على ما يُرام في حياتنا، وفي سياستنا، وفي اجتماعنا، وفي ثقافتنا، وفي إعلامنا، وفي صحافتنا .

وأراني سأقول الآتي من الآن فصاعداً : لن يبقى مكانٌ، ولا موقعٌ للشعر، ولا للأدب في هذا العالم . وخصوصاً في العالم العربي .

خصوصاً في هذا العالم العربي التعس والنتن .

ستتدحرج المواقع والأمكنة، الواحد في إثر الآخر، وستنبئ على التوالي، بأن الزمن، في العالم العربي، هو زمن الأفول والموت .

هذا العالم العربي يتقدّم إلى الأمام بالطبع . لكنه لا يتقدّم إلاً صوب هاويته .

هاويته هذه، لا تشبع . إنها تفغر فاهها على الدوام، من أجل أن تزداد التهاماً . وكلّما ازدادت التهاماً، ازدادت جوعاً وفراغاً وخواءً وعدماً .

في مقدورنا أن نتخيّل كلّ شيء، على صعيد مستقبل الأدوات والمنصات الشعرية والأدبية، في العالم العربي، ومصيرها . كلّ الافتراضات ممكنة في هذا المجال . الأسوأ بينها هو الأكثر احتمالاً . بل الأقرب إلى اليقين . بل هو اليقين مجسَّداً .

من الآن سأقول ما يأتي : لن يبقى مقهى للشعر، وللأدب . ولا رصيف . ولا مكتبة . ولا مأوى . ولا ملجأ . في هذا العالم العربي الثقيل الدم، البشع، والصفيق الوجه .

ستُصادَر الكتب . والمجلات . والمواقع الافتراضية . وسيُصادَر الحبر . فقط لأن الشعر يُكتَب به . وإذا استُغنيَ عن الحبر، فسيُصادَر الكومبيوتر، لأنه هو أيضاً لا يطيق الاكتفاء بميكانيكا التكنولوجيا، وبتبسيطيتها المادية، وقد رأيناه يصطفّ – افتراضياً - إلى جانب فكرة الشعر . لأن الشعر هو وحده يخلّص العالم، ووحده يخلّص هذا العالم العربي الذي لا يريد أن يخلّص نفسه .

الآن، مع غلق موقع " جهة الشعر " ، الذي جاهد صديقي قاسم حداد، الجهاد الحسن طوال عشرين عاماً، من أجل أن يكون موقعاً للجمال والخلق والدهشة، يهمّني أن أقول للشاعر المتألم بسبب ما آل إليه هذا الموقع الشعري الممتاز، إني أزداد اقتناعاً بأن الشعر سيكون أقوى، وأمنع، كلّما تكاثرت عليه الظلمات، وسُدّت في وجهه الأبواب .

----------

النهار - لبنان



***************************



جهات الشعر التي لا تنسدّ


صبحي حديدي

( سوريا / باريس )



أعلن الصديق الشاعر البحريني الكبير قاسم حداد أنّ موقع « جهة الشعر » ، الذي أسسه وظلّ يشرف عليه ويترأس تحريره منذ عام 1996 ، سوف يتوقف عن البثّ « لأسباب تتعلق بعدم توفر الدعم المالي ». هي خسارة أخرى جديدة « في مشهد الخسارات الأكبر » كما كتب إليّ وهو يبلغني الخبر، المحزن حقاً؛ الذي يعنيني بصفة شخصية أيضاً، لأنّ العزيز قاسم كان قد شرّفني بمهامّ تحرير الأقسام الأجنبية في الموقع، وتلك الإنكليزية والفرنسية بصفة خاصة، طيلة سنوات
وكنتُ، كما ذهب بي الرأي في مناسبة الاحتفال بالذكرى العاشرة لانطلاق الموقع، أفضّــل إخراج تسمية
« جهة الشعر » من صيغة المفرد إلى صيغة الجمع؛ متكئاً في هذا على ذريعة أولى شكلية هي العنوان الإلكتروني للموقع، أي jehat.com ، الذي يتيح ــ صوتياً، على الأقلّ ــ نطق حرف التاء، وافتراض جمع المؤنث . كأنّ قاسم كان يستبطن هذه الحال مسبقاً، وغريزياً؛ أو كأنّ عقله الباطن انحاز إلى نوع من الالتباس الإيجابي، إذا جاز تعبير كهذا، فرجّح صيغة هي منزلة ليست بين منزلتين، بل تضمّ المنزلتين : جهة، وجهات !

غير أنّ ذرائعي الجوهرية كانت أقلّ شكلانية وأكثر وجاهة، كما أرجو وأعتقد . فهذا الموقع الفريد، الذي بدا نسيج وحده ( بمعنى انفراد المفرد المنفرد، حقاً، وهنا تحديداً !) في السبق والريادة والمفهوم والتصميم والخدمة والديمومة والتحديث والتطوير والتبدّل؛ لم يكن جهة واحدة في واقع الأمر، بل جهات متعددة ومتغايرة متقاطعة . وللمرء أن يبدأ من شكل القصيدة، حيث في وسع المتصفح أن يقرأ نماذج من الأشكال الثلاثة التي يُكتب بها الشعر العربي اليوم : قصيدة العمود، وقصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر . وإذا كانت الغلبة واضحة للشكل الأخير، من حيث الكمّ والنسبة العددية في الأقلّ، فليس هذا لأنّ تحرير « الجهة » كان يميل إليه دون العمود والتفعيلة، بل ببساطة لأنّ قصيدة النثر كانت وتظلّ الشكل الغالب في الكتابة الشعرية العربية اليوم .
للمرء أن ينتقل، بعدئذ، إلى أجيال الشعر بمختلف مستويات ومعاني
« الجيل »: السنّ، في تصنيفاته الشائعة ( شباب، كهول، شيوخ… ) ؛ والانتماء إلى حقبة زمنية أو تاريخية محددة، أو طور مميّز جمالياً أو فكرياً أو سياسياً؛ وصولاً إلى انخراط الشاعرة / الشاعر في تيّار جمالي أو أسلوبي يسمح، على نحو جزئي، بتحقيب خاصّ لا يتكئ بالضرورة على معطيات السنّ والزمن . و « الجهة » في هذا لم تكن متعددة وتعددية ومفتوحة على أربع رياح الأرض، وكلّ أطياف الكتابة الشعرية، فحسب؛ بل كانت، بحقّ، جمهورية ديمقراطية من طراز فريد !
أمّا اللغة الشعرية، بمعنى جنسية اللغة وليس خصوصيتها التعبيرية أو الدلالية أو البلاغية عند هذه الشاعرة أو ذاك الشاعر، فإنّ
« الجهة » لم تستضف شعراً بالعربية فقط، بل باللغات الفارسية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والهولندية . ويخطئ، بل يتعسّف حقاً، من يظنّ أنّ اعتماد هذه اللغات كان تفصيلاً شكلياً لا يتجاوز زخرفة الموقع، أو ادعاء العالمية، أو دغدغة بعض اللغات الأوروبية، أو تكلّف الانتماء إلى العولمة . لست أعرف أسباباً أخرى يمكن أن يسوقها المرتاب ــ عن حسن نيّة، غالباً ــ في أمر اعتماد « الجهة » ستّ لغات أخرى غير العربية؛ وأعرف، في المقابل، عشرات الأسباب التي لم تكن تبرّر هذا التدبير الخاصّ في تصميم « الجهة » ، فحسب؛ بل تجعل منه سمة / وساماً، واجباً، وامتيازاً في آن معاً .
ولكي أختتم الحديث عن تعدّد الجهات في مضمار الشعر كنوع كتابي، أتوقف عند ميّزة جوهرية لعلها لم تلفت انظار البعض بصفة محددة، أو لم يمنحها الكثيرون ما تستحقّ من قيمة؛ وأعني القسم الخاصّ الذي أفردته
« الجهة » للشعراء بأصواتهم، أو لإلقاء الشعر، وللجانب الصوتي ـ الأدائي من حياة القصيدة بين الشاعر والقارئ المستمع . وفي يقيني، وهذا رأي سبق لي أن شدّدت عليه مراراً؛ أنه إذا كانت معادلة الإبداع الإنساني تحتاج عموماً إلى طرفَين اثنين هما المرسِل والمستقبِل، فإنّ معادلة الشعر ( على نقيض من الرواية مثلاً ) تحتاج إلى ثلاثة أطراف : الشاعر، والقارئ، والمستمع .

لكنّ « الجهة » كانت جهات خارج نطاق الشعر أيضاً، كما في الأبواب المختلفة التي أفردتها للنثر الفنّي، غير قصيدة النثر بالطبع، وللنقد الأدبي والتأمّل الوجداني والنظري . وفي حدود ما أعلم، وفوق كلّ ذي علم عليم، لست أعرف موقعاً عربياً استضاف هذا العدد الهائل من الكتابات المحدثة، النقدية والنظرية والشهادات الشعرية والبيانات . ولعلّ موقع « الورّاق » كان نظير « جهة الشعر » الوحيد، ولكن في احتضان التراث وليس الحديث أو المعاصر . ثمة، كذلك، ذلك الباب السخيّ الذي أفردته « الجهة » للتشكيل، والآخر للتصوير الضوئي . صحيح أنّ الوشائج بين الفنون قائمة أصلاً، خصوصاً بين الشعر والتشكيل والموسيقى، إلا أنّ هذه القرابة تحتاج دائماً إلى تظهير وتمثيل .
هل انسدّت جهات الشعر بتوقف
« الجهة » ؟ كلا، بالطبع، رغم أنّ الخسارة فادحة ومؤلمة . ثمة مشاريع شتى طموحة، قائمة بالفعل أو في أطوار التحقق، تستهدف الإبقاء على جذوة الشعر العربي متقدة في النفوس، ومدّ تلك الأمثولة الجميلة ــ أنّ الشعر ديوان العرب ــ بأسباب الإحياء والتجدد .

-------

القدس العربي - Mar 05, 2018



****************************************************






طريق الثقافة الوعر



عبدالهادي شلا

( فلسطين / كندا )



حين تأتي صرخة مكتومة على استحياء من شاعر كبير فيصرح بأنه " لا يملك موهبة التسول !" ، وهو شامخ بحزن شديد، عن إغلاق موقعه الإلكتروني لعدم توفر الدعم المالي، ويشكر كل من ساهم في دعمه خلال 22 عاماً ... في رسالة قصيرة تردد صداها بين الأدباء، فإن هذا يعني أن هناك خللاً كبيراً في منظومة الثقافة العربية الجادة رغم كل ما يقام من معارض ومسابقات ومهرجانات تحت اسم الثقافة والإبداع، وأن علينا أن ننظر إلى كل هذه المظاهر بإمعان، لأنها لا تسير في الجادة الصحيحة، وأن نلفت نظر القائمين عليها، لأن ذلك لا ينطبق فقط على ما جاء في رسالة الشاعر البحريني الكبير قاسم حداد، من أسفٍ على جهد تجمد تحت وطأة الحاجة إلى قليل من دعم مالي يمكن أن يوفره شخص واحد أو مؤسسة ثقافية ذات ميزانية فيها الفائض الذي يمكن أن يبقي صرحاً شعرياً قائما .

بالنظر حولنا إلى ما يتفرع عن عالم الإبداع من مسرح وموسيقى وفن تشكيلي جاد ورفيع، فإننا سنصاب بخيبة أمل كبيرة، لا من قلة عدد المطروح على الساحة الإبداعية ولكن من المستوى غير المبشر لما يعرض على العامة، لاسيما المتلقي الذي يجتهد في البحث عن كل ثمين يغني به ملكة التذوق عنده، إضافة إلى جيل نطمح إلى أن يكون قادرا على تحمل المسؤولية والرسالة العظيمة من وراء الفن الرفيع وما يتفرع عنه .

أن تُفتح أمام هذا الغث أبواب على مصاريعها فترفع أسماء وتفرد لها صفحات في الصحف والقنوات الفضائية فإن هذا يجعلنا نعيش صدمة لا تقل عن تلك التي نستشعرها في كثير من مناحي الحياة في وطننا العربي .

سيقول البعض إن الحياة في تطور واستمرار في البحث بما يتوافق مع متطلب العصر ونحن نضم صوتنا إليه، ولكن أليس من الواجب أن يكون لهذا التوافق مع العصر ومراحله أدواته الحاضرة بإيجابية، وأن تُستغل بأفضل صورها وإمكانياتها؟ أليس من حقنا أن نقول إن هذه الأدوات والإمكانيات العجيبة التي توفرت لنا في عصر التقنيات يجب أن تكون عاملا مساعدا على الارتقاء بمستوى الثقافة والمعرفة التي باتت في متناول اليد بمجرد الضغط على مفتاح صغير في جهاز بحجم ساعة اليد؟ !

كيف يكون الحال إن تعطلت عجلة العطاء، ولم نجد هذا المفتاح الصغير ليدلنا على مواطن الثقافة الرفيعة، في وقت كان يمكنها أن تصل إلى كل من يبحث عنها، لكنها توقفت لسبب مادي لا يعجز عنه إلا صاحب مبدأ لا يجيد التسول !

إن الخوف الذي يحتل عقولنا وقلوبنا يكاد يصيب كل طموحاتنا إلى ثقافة مستنيرة تخرجنا من ضلال المرحلة وما بها من تضارب وتناقض وضجيج تعلو فيه الأصوات الغريبة وصرخات الجياع والمنكوبين وقد تحولوا إلى مادة تشغل بال الإنسان الذي يتخبط بين ما يسمع وما يرى، وكأن الطحن في الماء هو القانون السائد الذي يفرد جناحيه !

قد تكون هناك أصوات استغاثة أخرى في فروع ثقافية مماثلة لا تصل إلينا الآن، لكنها حتما ستصل في وقت نتمنى ألا يكون الأوان قد فات عليها، لتجد من يمد إليها يد الإنقاذ !

  • الكويتية - 24-03-2018



* كاتب فلسطيني من كندا

***********************************************************

********************************************

"











جهة الشعر ": صمت المغنّي



عباس بيضون

( لبنان )

يوم ظهرت " جهة الشعر " كانت الميديا الجديدة في أوائلها، وكان الشعر في بداية أزمة لا تزال تتفاقم حتى الآن وتعجّبنا يومها لهذه المجازفة . كانت بحقّ أعجوبة أن توصل فناً متراجعاً بأكثر الوسائط تقدماً . خيّل إلينا يومها أنّ الشعر سيستعصي على هذه التجربة وأنه لن يتكيف معها . لكنّ شاعراً واحداً، شاعراً واحداً خرج عن الصف وحمل هذا الفن القديم الى أحدث السبل . قاسم حداد فاجأنا بدون شك حين أقدم على هذه المغامرة . بدأت " جهة الشعر " بدون ضجيج وبدون ادعاء وبدون معارك تعجّ بها الفنون عادةً . كان لها طبع صاحبها وهدوؤه ورفقه، هو الذي عاش حياته صاحب قضايا، ودفع من حياته ثمن قضايا .

والشعر، بدون شك كان يومها قضيته الأولى، وبالتأكيد وضع الشاعر كل جهده وكل حميته، في هذه القضية . هكذا نشأت جهة الشعر ونمت وكبرت، ونحن، وقد استطاع قاسم حداد بأن يشركنا جميعاً في قضيته ويجعلنا نؤمن بها قدر إيمانه هو بها، كانت أمامنا مؤسسة تزداد إبهاراً عاماً بعد عام . كانت أمامنا مؤسسة فيها خفة وسلاسة وجمال ورشاقة ومستوى لا نظنّ، أنّ الشعر وجد لنفسه محلاً يشبهه أكثر منها، محلاً يقدمه حديثاً وراهناً وابن يومه وابن ساعته مثلها . لقد كانت " جهة الشعر " جزءاً حقيقياً وفاعلاً من مغامرة الحداثة، ولا أظن أن الحداثة الشعرية وجدت تعبيراً وتقنية أفضل . لقد بدا الشعر بها يسابق زمنه، بقدر ما يمتلك هذا الزمن ويتحقق فيه، وبقدر ما يوجِد مدارات أخرى للقصيدة ومنصات أخرى لها، وبقدر ما يقدم الشعر بما هو عليه من لمح وعمق وحلم وانخطاف .

ظلّت " جهة الشعر " تنمو وتتطور بدون أن تتعثر، وبدون أن تطالبنا نحن جمهورها وقارئيها بشيء . لقد ازدادت أبوابها حتى وصلت الى الشعر العالمي . زادت فجمعت الى القصائد حوار الشعر وتنظيراته والشعراء وأحوالهم . كل ذلك ونحن لا نعرف إلا أن وراءها قاسم حداد وأنها على عاتقه بدون أن نعرف شيئاً عن تمويلها وعن جهازها، وبدون أن نعرف شيئاً عن ظرفها حتى صار لدينا ما يشبه اليقين أن " جهة الشعر " باقية وأنها، على نموها واتساعها، لا تواجه ما تواجهه مؤسسات نشر أخرى نكاد نسمع صراخها من كل مكان . كانت الأزمة في ذروتها والصحف تتساقط واحدة بعد أخرى والمواقع تتبعها في ذلك، و " جهة الشعر " صامتة لا تتشكى ولا تستغيث . كان هذا غريباً لمؤسسة مدارها الشعر، والشعر بحد ذاته في أزمة نشر وأزمة استهلاك وأزمة جمهور .

 
كان غريباً لمؤسسة هي في حد ذاتها أعجوبة، أن تستمر على أعجوبتها
. خلنا مع ذلك أنّ لجهة الشعر حظاً ليس لغيرها، وأنّ الشعر لا يزال معها ديوان العرب وكنزهم . لكنّ ما خلناه راسخاً ووحيداً لم يكن كذلك وها هي " جهة الشعر " بلسان منشئها الشاعر قاسم حداد تعلن أنها لم تعد قادرة على الاستمرار وأن شكواها لا تختلف عن شكاوى المؤسسات الأخرى . إنها نقص المال وصعوبة التمويل . هكذا يقف قاسم حداد ليقول إن الأعجوبة انتهت وأن علينا أن نجد لأنفسنا جهات أخرى . يقول قاسم حداد أنه لا يحسن التسول، الأمر الذي نعرفه عنه، لقد استطاع أن يحفظ جهة الشعر سنيناً طويلة ما زلنا نعجب من ذلك ونعجب من أنه تم طوال هذا الوقت، غير أن قاسم حداد لا يتسوّل ولم يعتد التسول ولو في سبيل قضيته الأولى .

" جهة الشعر خلال عقود وأعوام، نجحت في أن تؤسس للشعر المعاصر ديواناً حديثاً، بل نجحت في أن تشكّل له متحفاً وأرشيفاً . إذا كان الشعر يعاني ما يعانيه فإنه لا يزال قمة الآداب العربية ولا يزال رمزها . قضية قاسم حداد هي هكذا قضية الثقافة العربية بل وقضية اللغة العربية . " جهة الشعر " المتواضعة القليلة الجلبة هي ركن، تركه وإهماله سيكونان على عاتق العرب جميعاً . إنهما ما يشبه الخيانة بحق اللغة وبحق الثقافة، وبالتأكيد فإن وزارات الثقافة العديدة ستكون مع حدث كهذا عديمة الفعل وعديمة الإدراك . لنحيّي قاسم حداد ولنحمل عنه بعض خسارته وخسارتنا



*******************************************





هنا تقبل التعازي في - جهة الشعر - للشاعر قاسم حداد



ماجد ساوي

( السعودية )

كلمة التأبين ... 

انها لخسارة كبيرة للشعر العربي في العصر الحديث وهي توقف موقع جهة الشعر بإشراف الشاعر البحريني قاسم حداد . لقد صدمت من الخبر ولم يخطر ببالي يوما انني لن ادخل اليه لا بحث عن الادب الرفيع والكلمة الراقية والخطاب الخلاب




انني كشاعر عربي من هذا العصر البائس أعلن احتجاجي على هذا القرار الذي قرر بسبب عدم وجود تغطية مالية للموقع ليستمر، وانا أعجب الى ما ال اليه حال الشعر والشعراء في وطننا العربي الاكبر، فأمة تربو على الثلاثمائة مليون ليس في مقدورها دفع نفقات تشغيل أحد أكبر واعرق وأشهر وارصن المنابر الثقافية الحديثة على شبكة الانترنت وهو الموقع الذي لطالما نشر جديد المئات من الاسماء الشعرية والادبية والثقافية لعشرين عاما هي عمره فهو أطلق في العام 1996.



كلمة الشاعر ماجد ساوي 

عن موقع جهة الشعر .



في العام الفين وثلاثة تعرفت الى موقع جهة الشعر صدقة وكنت مقلا في قراءاتي للشعراء العرب المشهورين وكنت اعرف هذا الاسم جيدا " قاسم حداد " , فقد وقعت على عدة نصوص له منشورة على الشبكة التي كانت مصدر مطالعتي الدائم لضعف امكانية شراء الكتب والدواوين عندي اثناء الدراسة , وقد اعجبت بشعره الرائق حقا , وتصفحت العديد من دواوينه المنشورة في الموقع لاحقا , ورأيت فيه شاعرا استثنائيا , عذبا جم المخيلة غزيرة الصورة كثيف الاوصاف , ومن يومها اصبحت متصفحا او زبونا دائما للموقع فلا يكاد يمر يومان الا وانا اقضي فيه الساعات الطويلة احيانا للقراءة , ففيه منشورات كثيرة وزواياه الناشرة قاربت المائة وعشرين زاوية , ومنشورات لأكثر من مائة اسم ادبي وثقافي وشعري شهير ومنقطع النظير مداومين على النشر فيه . ويحتوي عل ارشيف ضخم للكتابات لأكبر الشعراء العرب المعاصرين ومنه تعرفت الي فكرهم ونظرتهم ورؤيتهم للأمور المتعلقة بالشأن الثقافي والادبي .



في البدء لا اعلم ان كان مجرد العسر المالي هو الدافع لإيقاف الموقع عن النشر والعمل على الشبكة , وهل هناك اسباب مخفية غائرة لا نعلمها , الا انني لا يسعني هنا الا احترام قرار الشاعر المؤسس قاسم حداد بإيقاف الموقع عن العمل والنشر على شبكة الانترنت , وان كنت اطالب بلا توجس او خجل بان تقدم يد العون والمساعدة من ابناء هذه الامة الى المشرف السيد قاسم حداد , والقيام بتوفير التغطية المالية الكافية لاستمراره على الانترنت , وانا هنا ادعوا هل السعة المالية والمهتمين , بصيرورتنا الثقافية وخصوصا على المنبر الجديد " الانترنت " , الى النفير لإيقاف القرار المصدر من لدن السيد قاسم حداد , وان يبقى هذا الافق المضيء من ثقافتنا عاملا ونشيطا وناشرا على الانترنت .

--------

لحوار المتمدن



*************************

هل من استجابة سريعة

محمد عبدالملك



لم أَفقْ من دهشتي الأولى حتى جاءتني الدهشة الثانية، بين الدهشتين فاصل زمني قصير جداً هو مسافة يوم واحد فقط، ولا أدري كيف تعبث بِنَا الأقدار

كلنا نعرف موقع جهة الشعر للشاعر الصديق قاسم حداد فهو أكبر وأفضل وأقدم موقع عربي للشعر، تأسس عام 1996 ، هذا الموقع الذي مضى عليه قرابة الربع قرن أعلن الشاعر عن توقفه مؤخراً

فوجئت بالخبر بالأمس، وأنا أتصفح جريدة الشرق الأوسط، باحثاً كعادتي عن الصفحة الثقافية . وُرود الخبر في جريدة عربية واسعة الانتشار هو دلالة على أهمية هذا الموقع الشعري عند المثقفين العرب في الأقطار العربية . وهو الموقع الأكثر شهرة عربياً وقد تجاوزت شهرته النطاق العربي فذهبت الى آفاق عالمية، فمواده تترجم الى عدة لغات أجنبية

بكل وضوح، أقول إن هذا الموقع الشعري، بالغ الثراء، وهو قبل كل شيء مفخرة بحرينية بامتياز، تؤكد عنايتنا بالشعر والثقافة، وهو إعلان واسع الانتشار عن هويتنا كشعب تعني له الثقافة الشيء الكثير

هذه الثقافة التي يعتبرها الكثيرون عنواناً للتحضر والتقدم . الموقع إستمر كل هذه الفترة الطويلة بجهد متواصل وحثيث بعناية واجتهاد من الشاعر قاسم حداد، الذي كرس وقته وحياته لكي يكون هذا الموقع متألقا وثريا وفاعلا، فاستحق بذلك انتشاراً واسعاً، واستقطب اهتمام الشعراء والمهتمين بالشعر

الموقع قدم ولائم  شعرية دسمة تمظهر المشهد الشعري العربي والعالمي . ويفد الى ولائمه واحتفاءاته واحتفالاته الشعرية الكثير من المهتمين والمتابعين للشعر العربي، من الأقطار العربية والأجنبية

بعد كل هذا التاريخ الحافل والثري لهذا الموقع توقف قلبه أخيراً عن الخفقان . الخبر المفاجئ علق عليه كاتب العمود الثقافي الدائم في جريدة الشرق الأوسط فاضل السلطاني، متحسراً علي الموقع الذي يغذي الشعر العربي في منصة رفيعة ومزدهرة . المفاجئة الثانية جاءتني الْيَوْمَ [ وما أقرب الليلة بالبارحة ] ، في جريدة الأيام تعلن عن موت آخر، لموقع ثقافي آخر، الخبر يعلن عن إغلاق [ الرواق للفنون ] الموقع التشكيلي الشهير في العدلية الذي نال حظوة واهتمام كبيرين على مدار سنوات، من المهتمين بالثقافة والفنون حتى أصبح واجهة ثقافية متميزة، طالما أسعدت عشاق الثقافة بمعارض فنية عبرت عن هويتنا واهتمامنا بالفن التشكيلي

الخبر يذكر أن سبب احتضار هذا الموقع هو رغبة استبداله بمطعم، وما أكثر المطاعم من حول هذا الموقع في حي العدلية السياحي، وأنا أتساءل ماذا سينقصنا لو لم يتحول هذا المكان الى مطعم، في منطقة مزدحمة بالمطاعم؟ وماذا عن غذاء الروح؟ وهذا الموقع تأتي أهميته من وجوده في مكان يرتاده قطاع واسع من الناس يتأملون رسوماته ويحضرون أنشطته الفنية، كما أنه يعتبر واجهة فنية تنم عن اهتمامنا بالفن والابداع والثقافة . وهو رمزياً يحمل دلالات نريد تأكيدها في ذهن الزائر، في وقت نتحدث فيه عن رغبتنا لتنمية السياحة باعتبارها ثقافة في أحد وجوهها . كما أنها واجهة يتعرف فيها ضيوف البحرين على الفن التشكيلي المحلي، وهو أيضا يحمل ضمنا دلالة اهتمامنا كشعب متحضر بالثقافة

هذا الموقع هنا أصبح رمزاً لهويتنا الجديدة الحديثة التي نريد أن يعرفنا بها العالم . وجود هذا الموقع في مكان مزدحم يتيح اتصالاً مباشراً بين الفن والمجتمع، ألا نقول دائماً إن على الفن والثقافة أن يذهبا الى الناس إن لم يأتِ الناس إليهما؟ ألا نريد تقريب المسافة بين الناس والثقافة؟ إغلاق هذا الرواق هي خسارة كبيرة أخرى لنا جميعاً، وأتمنى أن نتدارك ما يحدث لموقعين ثقافيين معاً في وقت واحد، وأن تتحرك الجهات المسؤولة لتعمل ما في وسعها

ودعوة أوجهها الى تجارنا الأفاضل لأن نثبت أننا مجتمع يجل الثقافة ويعزها ويكرمها ويضحي من أجلها بالجهد والمال، تماماً كما تفعل المجتمعات المتحضرة، وأذكر هنا أن المؤسسات التجارية في كل المجتمعات الغربية دون استثناء تدفع بسخاء بالغ للمشاريع الثقافية، كلنا يعرف ذلك جيدا، وقد أنشأت الشركات الكبيرة في بريطانيا صناديق مشتركة لدعم الثقافة . شركات أخرى تمول فرق مسرحية ومدارس فنون جميلة، وأخرى تدعم مسرحاً يقدم فيه عروض مسرحيات شكسبير . وجائزة البوكر البريطانية الشهيرة للرواية رعتها شركة بوكر للأغذية في العام 1967. وجائزة نوبل العالمية تمولها مؤسسة نوبل

إن الاهتمام بالثقافة أصبح عنواناً لتحضر المجتمعات، ودعم مؤسساتنا التجارية للثقافة هو دعم للمجتمع البحريني

الغربيون يعتبرون خدمة الثقافة واجباً وطنياً واجتماعياً وإنسانياً، فالثقافة بجميع أنواعها تحث الناس على التقارب والاندماج، وهي تحمل ضمناً وعظاً إنسانية وتذوقاً جمالياً، فهل تأتينا استجابة سريعة تثلج صدورنا؟

---------------------

الأيام - الثلاثاء 13 مارس 2018





*********************

جهة الشعر . جهتنا



سعدية مفرح

( الكويت )


فوجئت، ومجموعة كبيرة من أصدقاء الشاعر قاسم حداد، قبل أيام، برسالة قصيرة أرسلها إلينا عبر " واتساب " ، ينعى فيها موقعه الإلكتروني الشهير " جهة الشعر ": " الأصدقاء الأعزاء . سوف يتوقف موقع جهة الشعر عن البث، لأسباب تتعلق بعدم توافر الدعم المادي . ونود هنا أن نتوجه بالشكر لكل من وفّر الدعم المادي له على مدى العشرين عاما السابقة، والاعتذار لأصدقاء جهة الشعر الذين بمشاركتهم النشر في الموقع أسهموا فعلا في الإنجاز الذي تحقق طوال سنوات عمل الموقع منذ انطلاقته عام 1996". 
أعادتني الرسالة المحبطة إلى شهادتي في
" جهة الشعر " التي  كتبتها  بمناسبة مرور عشرة أعوام على إنشاء الجهة، باعتبارها حدثاً غير مسبوق في فضاء الإنترنت العربي يومها . وقلت فيها إنه لا يمكن أن تتجه البوصلة نحو جهة الشعر، من دون أن يكون قاسم حداد هو الهدف الأول، والعنوان الأخير، وربما من دون أن يكون  البوصلة  أيضا . فليست لهذه الجهة جهة واحدة تركن إليها، ولا اتجاه بعينه يكون الطريق نحوها . إنها الجهات الأربع كلها، وبعدها جهات أخرى غير مكتشفة، وما زال الشعراء  يبحثون عن مفاتيحها السرية في آبارهم الأولى
عشر سنوات، والحلم الذي بدأ متحققا في فضاء المستحيل يكبر في فضاء الشعر الجميل، وهو يمارس لعبة الإغواء، باعتبارها اللعبة التي اخترعها الشعراء أصلا، في خيلاء القافية، وزهو البيان، وخفّة الموسيقى وبهجتها المعلنة، ليشاغب أهل الكلام فيما يملكون وما لا يملكون، فيوجز لهم المسافات، ويختصر لهم ما تبقى من زمنٍ في قصائدهم الجديدة، مقترحا عليهم أزمانا مستقبلية لا بد أنها ستأتي، فيما هم يذهبون إلى حيث لا يذهب الشعر بالضرورة

جهة الشعر، إذن، هي جهة القلب، وهي جهة الشاعر، أعني جهة قاسم التي اتخذها بديلا عن قبره المقترح في أقاليم الكون وأقانيم الكلام، فأصبحت هذه الجهة، بكل من حاول أن يلج بوابتها المفتوحة على الكون، في احتمالاته الأجمل شعرا ونثرا وكلاما وتشكيلا وألوانا وحياة إضافية، كافية لاستمرار البهجة في ضواحي القول، جهة مستمرة في رحلة الخلق الشعري، عبر الاستعانة بآخر الاقتراحات البشرية، لكي تكون  الحياة   أكثر سهولةً وبساطةً واخضرارا وجمالا وكمالا، ولتكون السماء أكثر قربا، والبحر أكثر اتساعا، والأرض أرحب صدرا، وربما ليكون الشعراء أوسع رؤيةً، وأكثر تماسّا مع الكون ومفرداته التي لا يراها الآخرون إلا عبر القول الشعري، ومفازاته السرية بالضرورة

ولعل قلةً من الشعراء، ومن تبعهم من الغاوين، يتذكّرون بداية هذه الجهة في فضاء الإنترنت، قبل أكثر من عشر سنوات، بوصفها من ألعاب التكنولوجيا الحديثة، حيث لم ينظر أكثر من حاولت أن تلفت نظرهم إلى لمستها الحانية في صيغتها الأولى، حيث أطراف الأصابع تناوش أطراف الأصابع في بحر من اللون الأزرق بدرجاته المتموّجة، إلا باعتبارها لعبة ملونة من الألعاب التي يزدهر بها عالم التكنولوجيا، بكل إرباكاتها لذاكرتنا المحتشدة بالشفهي والمدوّن من القول، والتي لا تصلح إلا كي يتسلى أطفال الشعر وطلبة المدارس بالتنقل بين وصلاتها في لحظات النزق وساعات الدرس الأخيرة

لكن الجهة كانت في بدايتها المجرّدة أكثر من هذا كله، وأوسع من الحلم المستكين في الذاكرات المتعبة
. ففي سنوات قليلة جدا، كان الإنترنت يقدم نفسه فيها عنوانا للكائن البشري في آخر تحولاته التكنولوجية، وصارت هذه ملاذا للقصيدة العربية ووطنا لأصحابها من دون التزاماتٍ مسبقة، ولا شروط مسبقة غير شرط الإبداع المتحقق، مكتشفا أو غير مكتشف، وحرّرت كل من صار من أهلها، من كثيرٍ من تبعات النشر الورقي
وما زال للشهادة بقية قبل المشاركة في النعي الجماعي لجهتنا التي لا نريدها أن تموت
.

------------------

8 مارس 2018



*****************************************************

أسسه قاسم حداد قبل 22 عاماً وأصبح نافذة لتعارف الشعراء العرب

« جهة الشعر » يتوقف بسبب الدعم المالي .. وأدباء يتأسفون !



علي فايع

( أبها / السعودية )

لم يجد أدباء وشعراء سوى التأسف على إعلان موقع « جهة الشعر » التوقف عن العمل بعد (22) عاماً منذ افتتاحه بسبب الدعم المالي . إذ اكتفى المشرف على الموقع الشاعر قاسم حداد بأنّ قال لـ « عكاظ » الأمر مؤسف، لكنه تعذر بعدم رغبته في التصريح الصحفي حول هذا الموضوع في الوقت الحالي !

فيما عبّر شعراء آخرون وأدباء ومثقفون بكلمة « للأسف » وربما كانت لازمة لأكثرهم، لأنّ الموقع كما يقولون يحمل أضخم أرشيف للشعر العربي الحديث على الشبكة العنكبوتية، وقليل منهم بادر بحلول واقتراحات لتجاوز التوقف !


الشاعر والمترجم شريف بقنة قال لـ
« عكاظ » إنّ جهة الشعر كان بمثابة المرجع الرئيس للشعر العربي الحديث وخاصة قصيدة النثر على مدار العشرين عاماً الفائتة، إذ كانت انتقاءاته بغاية الدقة والحياد لم يكن مرتعاً لكل ما كُتب ونشر في الشعر الحديث . لا أبالغ إن قلت إن الكثير من الأسماء الكبيرة الآن في الشعر السعودي الحديث كانت تنشر قبل 15 أو 20 عاماً في جهة الشعر بداياتها أمثال أحمد الملا، سعد الدوسري، محمد حبيبي، عبد الله السفر، إبراهيم الحسين وغيرهم . أعتقد أن غياب مثل هذه الواحة الأدبية والمرجع الغزير للشعر العربي الحديث خسارة فادحة للمشهد الشعري العربي على شبكة الإنترنت لا زلنا نتذكر الكثير من المواقع الإلكترونية التي غيبتها الأيام عن الشبكة العنكبوتية، مثل موقع قصيدة النثر ومنتدى مدد وجسد الثقافة ومجلة أفق وغيرها، إلا أن جهة الشعر كانت بمثابة الشجرة العتيقة الباسقة التي نستظل بفيئها ونتكئ على جذعها الفارع منذ بدايات الإنترنت خسارة جهة الشعر خسارة لمئات المجلدات من الشعر العربي الحديث، خسارة تبعث على الأسى .

فيما بادر الأكاديمي والشاعر محمد حبيبي إلى اقتراح الحلول لتفادي هذا التوقف بعد أن وصف الأمر بالمحزن للغاية بأن تكون هذه النهاية فيما لو حدثت لموقع جهة الشعر لا قدر الله
.

وأضاف حبيبي، جهة الشعر أضخم موقع يحتوي نصوصا وأسماء شعرية عربية وقام ويقوم بدور حيوي في التعريف بالشعر الحديث العربي للقراء العرب وغير العرب، إذ يحتوي على ترجمات بأكثر من لغة وعلى أسماء شعرية من مختلف أجيال الشعرية العربية الحديثة ومن مختلف الأقطار العربية ومن مختلف المهاجر التي يتواجد بها الشعراء والشاعرات العرب
.

وعدّ حبيبي الموقع نافذة أولى لإطلالة الشعر العربي الحديث وتعارف الشعراء العرب على مختلف تيارات كتابة القصيدة الحديثة ويحتوي أرشيفا مهما من القصائد والمجموعات الشعرية فقدانها خسارة فادحة للأدب العربي الحديث، وتأسف على كلّ المبادرات الجادة في وطننا العربي لأنها تنطلق وتعتمد على الجهود الفردية في ظل عزوف العديد من المؤسسات الثقافية عن تبنيها ودفعها لمواصلة رسالاتها النبيلة
.

كما شكر حبيبي الشاعر قاسم حداد على اضطلاعه بالموقع منذ تأسيسه وطيلة
22 عاما على نفقته وحسابه الخاص دون شكوى أو تذمر، ووعد بأنهم لن يتخلوا عنه وسيتبنون المبادرات لاستمراره قولا وعملا، فيما لو لم تقم المؤسسات الثقافية بدورها تجاه موقع جهة الشعر أقدم وأضخم أشيف ومنصة شعر عربي حديث على شبكة الإنترنت .

الجدير بالذكر أنّ « جهة الشعر » انطلق عام 1996 بإشراف الشاعر قاسم حداد من البحرين ولايزال حتى الآن بإشرافه، إلا أنه كان يختار رئيس تحرير زائر ما بين فترة وأخرى وتولى رئاسة تحريره العديد من الشعراء، منهم سليم بركات، إذ يعدّ أحد أضخم المواقع الشعرية على الإنترنت ينطق باسم الشعر العربي الحديث .

--------------------------

عكاظ - الاثنين 5 مارس 2018



******************************************

عن كتاب ( جهة الشعر )




سيكون من العسير علينا الزعم بوجودنا في العالم، بالمعنى الفني والمعرفي لهذا الوجود، إذ لم ننتبه لتسارع ضرورة حضورنا في مهب المستقبل الذي لا يمكن تفاديه . وخصوصاً من طرف المتصلين بشؤون الثقافة وفنون الإبداع . فمما يؤسف له أن العلاقة بين الإبداع العربي وبين التقنية لم تزل علاقة إما شبه مفقودة،  أو أنها مشوبة بالشك والحذر وعدم الثقة . ولا نكون مغالين إذا وصفناها بعدم الاكتراث المحرج . المبدع .

عربي، إلا فيما ندر، لم يزل بعيداً عن حقل التقنية الحديثة، فهو غير متصل بآلية الكمبيوتر غالباً، أو هو لم يسمح لنفسه الاستجابة لاكتشاف عالم النشر الإلكتروني وشبكة الانترنت خصوصاً، وهي إحدى آليات الحوار الحضاري .
إنها فلسفة الوقت التي يتوجب العمل على اكتشافها في كل لحظة فالمسافة التي تفصلنا عن حركة الكون من حولنا، هي دائماً قيد السيطرة، إذا توفرت لدينا إرادة إذكاء النص بشهوة الحياة .
من هذه الشرفة، نرجو أن يرى زائرنا تجربة " جهة الشعر " ، بوصفها تساؤلاً قلقاً نقترحه على الواقع الثقافي العربي . نسمي " جهة الشعر " تساؤلاً، بأمل ألا يستمر عدم اكتراث مبدعينا العرب بمستقبلهم الماثل .



***********************************

جهة الشعر ..  جهة القلب

سيد محمود

( مصر )



« الشعر  وحيد » هكذا تعلن نشرات الأخبار في أيامنا، تريده كأي طائر مقتول في خرائب الحرب التي لا تنتهى .


يقول الناشرون
: « لا أحد يقرأ  الشعر » لا أحد يقترب منه، هو مثل المقاهي المهجورة .. ليس لديها سوى الذكرى، ذهب الرواد إلى العزلة وظل أصحابها يجربون لغاتهم في فضاء « التواصل الاجتماعي » ، إنهم غرباء داهمهم الضجيج ومهمتهم الآن إعادة اختراع العجلة أو ابتكار لغة جديدة تبنى شعريتها في فضاء المفارقة تراهن على بلاغة القنص التي تسقط غالبًا ضحية لمعادلات جاهزة .

والنتيجة كتابة قصيدة واحدة بمئات التوقيعات


هذا ما يقوله أعداء  الشعر
!

أما جمهوره القديم فيريده أليفا ناعما فهو لا يحتمل التجريب يتحصن بنجومه القدامى ويتفادى بهم المغامرة لأنه باحث عن الأمان، و الشعر  قلق بطبيعته، لا يرضى أبدا بمثل هذا المصير ولا يريد أن يؤدى فقط دور الوردة وينتهى بين صفحات كتاب
.

يفضل  الشعر  التنفس بحرية، يريد رعشة الطائر في الهواء أكثر من دفء العش
.

يفضل أن يعيش غريبًا ويبعث غريبًا كما بدأ من رحم الأساطير، يحب صورته كطفل رجيم بلا عائلة، يستظل بالوحشة ولا يعرف غيرها
.

والغريب أن شبكة الإنترنت التي أدت في الماضي دورها في
« علاج المسافة » لم تعد قادرة على أن تكون حاضنة للشعر أو ملجأ لمقاومة الغياب، كما أنها لم تعد رئة صالحة لاستنشاق الهواء الجديد .

ومثلما انتهى قبل سنوات موقع قصيدة النثر الذى أسسه الشاعر المصري عماد فؤاد في مستقره الهولندي ميتا بالسكتة  القلب ية انتهى هذا الأسبوع دور موقع
« جهة   الشعر » الذى أسسه في العام 1996 الشاعر البحريني الكبير قاسم حداد الذى وجه قبل يومين رسالة قصيرة إلى الأصدقاء يبلغهم بتوقف الموقع الذى تكفل طوال سنوات بصيانة القصيدة مستندًا على ذائقة رفيعة تفاعلت مع أجيال الكتابة العربية على تنوعها انحيازا للموهبة وليس لأى اعتبارات أخرى .

بعد
22 عامًا من حماية  الشعر  لم يعد قاسم قادرًا على الاستمرار، وصل صاحب « ورشة الأمل » إلى محطة اليأس ورفض أن يتحول لزهرة وحيدة مهمتها أن تصنع الربيع في ظل ثقافة وقعت مع الخريف عقد إذعان .


كتب قاسم في رسالته القصيرة
: « الأصدقاء الأعزاء .. سوف يتوقف موقع « جهة   الشعر » عن البث لأسباب تتعلق بعدم توفر الدعم المالي، ونود هنا أن نتوجه بالشكر لكل من وفر الدعم لها على مدى العشرين سنة السابقة، والاعتذار لأصدقاء « جهة   الشعر » الذين بمشاركتهم النشر في الموقع، أسهموا فعلا في الإنجاز الذى تحقق طوال سنوات عمل الموقع منذ انطلاقه ».

بهذا التوقف يخسر  الشعر اء أرضا جديدة ويفقد  الشعر  اليد التي تفرغت لرعايته وتبقى المفارقة التي تؤكد فداحة الغياب أن محرر الموقع ينتمى لمنطقة الخليج حيث الإنفاق على الثقافة بلا حدود
!. 

لكن أي ثقافة تلك التي يدفعون لأجل استمرارها؟


إنها ثقافة
« الاستعراض » التي تحتفى بالركود وتمجد الضوء وتختزل مهمتها في مشهد الافتتاح لكنها في غمرة الزحام لا تؤسس لشيء يمكث في الأرض .

إنها ثقافة واجهات تخفى عطبها وراء الفخامة وتنزعج من التقشف لأنه يكشف فتنتها الكاذبة
.

أقول لقاسم حداد
: « ما أجملك أيها الذئب جائع وتتعفف عن الجثث ».

هكذا كتبت وعشت وينبغي أن تبقى كما أنت محتميا بـ
« فتنة السؤال » ، أما  الشعر  فسيبقى باحثا كما كان عن  جهة   الشعر  و جهة   القلب .

--------------------

نشر في : الثلاثاء 6 مارس 2018



 

***********************************************

«« جهة الشعر ».. يتوقف لعدم توافر الدعم المادي

المحرر الثقافي



في الوقت الذي يزداد فيه الحديث عن تنامي النشر الإلكتروني وسحب البساط من وسائل النشر التقليدية، فوجئ كثيرون أثناء دخولهم لموقع « جهة الشعر » بهذه العبارة الحزينة « الأصدقاء الأعزاء .. سوف يتوقف موقع جهة الشعر عن البث لأسباب تتعلق بعدم توافر الدعم المادي .. ونود هنا ان نتوجه بالشكر لكل من وفر الدعم المادي له على مدى العشرين عاما السابقة والاعتذار لأصدقاء جهة الشعر الذين بمشاركتهم النشر في الموقع اسهموا فعلا في الإنجاز الذي تحقق طوال سنوات عمل الموقع منذ انطلاقته عام 1996».
كان موقع « جهة الشعر » الذي انطلق مع بداية انتشار الإنترنت في المنطقة العربية، ويشرف عليه الشاعر البحريني قاسم حداد، يقدم وجهة نظر مغايرة للثقافة السائدة، وكان بمنزلة جهة خامسة للثقافة العربية، ورغم أن الثقافة تأتي دائما في آخر سلم الأولويات التي يهتم بها الدعم المادي، فقد استمر الموقع أكثر من 20 عاما بفضل الدعم القليل لعشاق الثقافة، ورغم محدودية هذا الدعم فانه كان كافيا لاستمرار الموقع، من المؤسف بعد كل هذه السنوات أن يسدل الستار على أحد اشهر المواقع الثقافية العربية الإلكترونية علي الإنترنت .

----------------

3 مارس، 2018



*************************************





" جهة الشعر ".. كما لو أن الأمر كان متوقعاً



الشاعر قاسم حداد ()



غسان زقطان

( فلسطين )





لا يرغب الشاعر قاسم حداد، كعادته، في الإسهاب وهو يتحدث عن توقف موقع " جهة الشعر " ، تحفظ أمام أسئلة الصحافة التي بحثت عن " الأسباب الكامنة " وراء توقف أحد أهم المواقع في المشهد الثقافي العربي وأكثرها تأثيراً، ليس ثمة أسرار هنا، الإعلان المقتضب الذي يتصدر الموقع الآن يشير، دون تفجع، إلى ضعف التمويل أو غيابه، كما لو أن الأمر كان متوقعاً .

قبل 22 عاماً، في العام 1996 ، أعلن قاسم حداد إطلاق " جهة الشعر " ، كانت تلك قفزة مبكرة، أقرب الى مغامرة شعرية بحد ذاتها، حين كان العالم يقف على تخوم " العالم الافتراضي " باحتمالاته المفتوحة خارج الحدود وحيث تصل المخيلة

كانت هناك مبادرات شبيهة تحاول أن تخرج من نمط
" المؤسسة الثقافية " السائدة، الرسمية غالباً، أو تلك الخارجة من أكمام المؤسسة الرسمية ومعاييرها وهي تحمل جيناتها .

"
جهة الشعر
" ذهبت أبعد، كانت أقرب الى اقتراح ثقافي مفتوح على التعددية والابتكار وحرية الكتابة، وهو ما سمح للموقع أن يستوعب مختلف التجارب الشعرية، وأن يتحول الى مختبر يحتفى بمنجز القصيدة العربية الحديثة بأشكالها الرئيسية الثلاثة؛ القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، قصيدة النثر كانت غالبة، لأن حضورها كان طاغياً ولا زال، ولكن ذلك لم يمنع من الحضور القوي للأشكال الأخرى، السياق كان واضحاً والمعيار كان الشعر .

البوابات التي انفتحت حملت مسميات قادمة من دلالات عميقة في الإرث الثقافي العربي وصولاً الى الراهن
:
عربة النار، منسيات الآلهة، غريب يدخل البيت، خذ الكتاب بقوة
...

خلال مسيرته تمكن الموقع من إقامة صلاته مع أجيال من التجارب الشعرية، الأسماء الراسخة والتجارب الجديدة والأجيال الشابة من الذين لم تنصفهم المطبوعات الرائجة في ذلك الوقت، عبروا بوابة الجهة بنصوصهم وحواراتهم وتجاربهم
.

هناك وعبر
22 عاماً من العمل امتدت شبكة هائلة بموازاة العالم الحقيقي، دون مبالغة أو أحكام مسبقة، أسماء كثيرة بدأت من هناك وأسماء أخرى عززت حضورها، وخلف البوابات وأيقونات الجهة تشكل الأرشيف الأكثر أهمية للشعر العربي الحديث، فيما يشبه وثيقة تاريخية تشمل الى جانب النصوص الدراسة والبحث والترجمة والحوار .

مع توقف
" جهة الشعر " تصل الخسارة الى المنحنى الذي كان يخفي الانهيار .

ليس الأمر إغلاق موقع ثقافي بقدر ما هو إغلاق فكرة الانفتاح والحوار والاستقلال الذي كان الموقع يتمتع به
.

لأمر ما أتذكر توقف مجلة
" الكرمل " التي أسسها الراحل محمود درويش وواصل رئاسة تحريرها، وتنقلها بين بيروت وقبرص الى أن استقرت في الطابق الثاني في منزل خليل السكاكيني في رام الله الذي تحول إلى مركز ثقافي .

كانت
" الكرمل " منفتحة على المنجز الثقافي العربي برؤاه وحداثته وجدله، وكان هناك إصرار على استقلاليتها، الاستقلال منحها حرية الاختيار وفضاء الاختلاف الذي تفتقر إليه غالبية المطبوعات التي يمكن ملاحظة أنف الممول ورائحته في ثناياها، كانت في منطقة ما تبدو محافظة وهي تصر على جسدها الورقي وتصميمها وأبوابها، كما لو أنها عبر ذلك تحافظ على تلك العلاقة الجسدية مع القارئ، على التقليد البسيط للطباعة والنشر وآليات التوزيع ورفوف المكتبات .

ولأسباب يتشابه بعضها ويتداخل في متوالية من الخسارات، توقفت
" الكرمل " عن الصدور .

الأمر هو
" الخسارة " ، فكرة السعي التي تتعثر في سياق مؤسف من لا أبالية طاغية، من تسونامي القيم التي يتم دفعها نحو الشارع، سلطة الخفّة وبؤس الاختيارات والبدائل الجاهزة .

الخسارة هنا لا تتعلق بتوقف موقع بهذه الأهمية بسبب التمويل، ولكن وعلى نحو متعمد، بإقصاء القيم العميقة واستبدالها
.

--------------------------

العربي الجديد - الخميس 8 مارس 2018 / 19:43



***********************************************

جهة الشعر ... جهتنا إلى العالم !



طالب الرفاعي

( الكويت )




ربما مرَّ ما يقارب الأربعين عاماً على معرفتي بقاسم حداد؛ صديقاً وشاعراً، ووحدها هذه المعرفة تجعلني أقول إن قاسم لا يتكلف جملته الشعرية كما هو في تعامله الحياتي؛ مباشر وسهل وعميق وجريء، وأحياناً مؤلم . لكن هذا القاسم هذا الحداد، كان مختلفاً وهو يكتب كلمات نعي جهة خاصرته ( جهة الشعر ) ، فقد كتب يقول :

" الأصدقاء الأعزاء،

سوف يتوقف موقع " جهة الشعر " عن البث لأسباب تتعلق بعدم توافر الدعم المالي . ونود هنا أن نتوجه بالشكر لكل من وفر الدعم لها على مدى العشرين سنة السابقة، والاعتذار لأصدقاء " جهة الشعر " ، الذين بمشاركتهم النشر في الموقع أسهموا فعلا في الإنجاز الذي تحقق طوال سنوات عمل الموقع منذ انطلاقه عام 1996".

عزيزي قاسم، هل أذكرك بما قاله الشاعر رياض الصالح الحسين في " مفارقات " ، حين ردد قول بول فانسانسيني :

" أعدُّ الأيام على أصابعي / وعليها أعدّ أيضاً / أصحابي وأصدقائي / وفي يومٍ ما / لن أعدَّ على أصابعي، سوى أصابعي ".

كان منطقياً أن تتوجه برسالتك إلى الأصدقاء، لكن أين هم أصدقاء الفكر والإبداع والثقافة والإخلاص؟

عزيزي قاسم، أنتَ وأنا على بُعد مرمى حجر من كثيرين يملكون المليارات، ولا أقول الملايين، لكنهم يصدون بوجوههم وبأموالهم عن الإبداع والثقافة !

يا قاسم يا حداد، لك أن تعلم أن نعي " جهة الشعر " ، هو نعي لمشهد إبداعي ثقافي عربي آخذٌ بالتقهقر، وآخذ بالتقوقع على نفسه ... جهة الشعرِ كانت جهةً لكل من أراد وصلاً بالكلمة المبدعة ووصلاً بالشعر، ووصلاً بالآخر على الضفة الأخرى . لكن، وأنتَ خير من يعرف ذلك؛ ما عاد هذه الوصل مطلوباً، ولا عاد مرغوباً فيه، في زمن استوحش الأخ على أخيه، وصار يقتله ويمثّل به !

أخي قاسم، ليس غريباً أن تغلق " جهة الشعر " ، بل كان من المستغرب أن تبقى " جهة الشعر " تتنفس، وتبث عطراً لمن حولها، في زمن تحوَّلت فيه الكثير من المؤسسات الثقافية إلى مبانٍ خرسانية وموظفين، ولافتة عريضة تقول الاسم، ولا تتعدى ذلك !

منذ ما يزيد على العشرين عاماً، وجهة الشعر تنطق بالإبداع والثقافة بين مجموعة كبيرة من المبدعين، لا يجمعهم إلا ما أشرت به في بداية رسالتك المقتضبة والمؤلمة بأنهم أصدقاء . لكن يا قاسم، حتى هؤلاء الأصدقاء ما عادوا، وكما تعرف أنت، أصدقاء ! فرَّقتهم الأنظمة، وفرَّقتهم الأحزاب، وفرَّقتهم المناصب،

وفرَّقتهم الجوائز، وأخيراً فرَّقهم الوجع، وما يشبه يأساً قائماً بيننا في كل المدن العربية المنكوبة .

عزيزي قاسم، قبل ما يزيد على الأربعين عاماً، يوم أصدرت ديوانك ( خروج رأس الحسين من المدن الخائنة ) 1972 ، قلت :

ينتشر الحبُ في كل مكان، ويسقط الحب / قتيلاً لحظة المجابهة نحاول معرفة الخيط / الأسود من الخيط الأبيض يختلط كل شيء / بكل شيء ".

نعم يا صديقي، نبوءتك متحققة منذ لحظة نطقت بها : " يختلط كل شيء بكل شيء " ، وإلا كيف يمكن أن يصل الأمر إلى عوز مادي يقف دون أن تستمر " جهة الشعر " بالتنفس والحياة؟ ! كيف تتوقف وهي التي غدت وصلاً بين الإبداع العربي وبين الآخر في كل جامعات ومعاهد العالم؟ وبعد أن صارت مرجعاً للإبداع العربي، وللثقافة العربية لدى الآخر، في زمن كل ما فيه يشوّه العربي إلا الإبداع، وحده غصن الزيتون المتبقي لنا في وجه العالم .

عزيزي قاسم، لن تستجدي أنت أحداً، ولم تكن في يوم كذلك . لكن نحن، أصدقاء الشعر، وأصدقاء الإبداع، وأصدقاء الثقافة، وأصدقاء السلام، أصدقاء الوصل مع الآخر عبر الكلمة المبدعة، سنصرخ بالكثيرين؛ نصرخ بالمسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي، نصرخ بأصحاب الأموال الطائلة، نصرخ بمحبي الفكر والإبداع والثقافة، وإن لم يكن، فيا صديقي، لنا نحن، أصدقاؤك أن نستصرخ أنفسنا، ويمد كلٌ منا يده لكَ كي نحمل معك " جهة الشعر " ، إلى العالم أجمع .

عزيزي قاسم، هل قلت لك : صباح الخير والأمل !

-----------------------------

  • جريدة الكويتية - الكويت -07 -03-2018



********************************************************

توقف " جهة الشعر " يثير جدلًا حول مستقبل الصحافة الثقافية



البوابة نيوز



بقدر ما أثار توقف موقع " جهة الشعر " على شبكة الإنترنت من شعور بالأسى لدى الكثير من المثقفين العرب فإنه يثير جدلا حول مستقبل الصحافة الثقافية سواء كانت ورقية أو الكترونية فيما يعيد للأذهان ارتباط الصحافة بالثقافة كما يتجلى في أسماء كبيرة في عالم الصحافة بمصر والعالم العربي ككل .

كان الشاعر البحريني الكبير قاسم حداد قد أعلن مؤخرا عن توقف الموقع الإنترنتي " جهة الشعر " الذي يعد أحد أعرق المواقع الشعرية العربية وأقدمها على الشبكة العنكبوتية، فيما أوضح هذا المثقف العربي الكبير الذي ولد عام 1948 أن توقف موقع " جهة الشعر " الذي انطلق عام 1996 جاء بسبب مشاكل تتعلق بالتمويل .

بقدر ما أثار الإعلان عن توقف " جهة الشعر " من شعور بالأسى بين المثقفين العرب فإنه لفت الأنظار أيضا إلى أن ما يعرف بأزمة الصحافة الثقافية طالت الصحافة الإلكترونية بعد أن نالت من الصحافة الثقافية ذات الإصدارات الورقية .

بأسى ظاهر في كلماته قال الشاعر والناقد والأكاديمي اللبناني عقل العويط " في كل يوم يغلق منبر للشعر والأدب " ، فيما أبدى معلقون آخرون تحسبهم من احتمال توقف المزيد من المواقع الثقافية على شبكة الإنترنت .

إذ ظهر موقع مصري جديد على شبكة الإنترنت بعنوان " موقع مصر المحروسة . نت " فإن رئيس تحرير هذا الموقع يسري السيد يوضح أنه لا يمكن وصفه " بالموقع الثقافي " وإنما هو " منبر صحفي إلكتروني مصري جديد شامل ومستقل وساحة لجميع الاتجاهات الفكرية والثقافية والإبداعية في مصر والعالم العربي ".

قال الكاتب الصحفي يسري السيد رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير " مصر المحروسة . نت " ، " إن هذا المنبر الصحفي الشامل الجديد على شبكة الإنترنت هو موقع مستقل ومتنوع ويسعى لأن يكون " صوت كل المصريين والعرب ككل في كل مكان وهدفه رفع وعى ووجدان وإبداع أبناء هذه الأمة في كل مكان وربطهم بقضايا أمتهم المصيرية ".

مع تسليمه بوجود أزمة تواجه الصحافة الثقافية العربية وإشكالية التمويل، أوضح يسري السيد - الذي يعد من أصحاب التجارب المميزة في مجال الصحافة الثقافية والسياسية بجريدة الجمهورية - أن هذا الموقع الإلكتروني الجديد ينشر موضوعات تجمع ما بين الأدب والفنون والسياسة والاقتصاد والرياضة بنظرة ثقافية معمقة لتقديم وجه مصر الحقيقي والانتماء القومي والعروبي .

لاحظ الكاتب الصحفي المصري المتخصص في الشأن الثقافي سيد محمود أن موقع " جهة الشعر " ليس أول موقع ثقافي عربي يهتم بالشعر ويتوقف، معيدا للأذهان أن موقع " قصيدة النثر " للشاعر المصري عماد فؤاد توقف قبل ذلك بسنوات على شبكة الإنترنت .

اعتبر سيد محمود أن توقف موقع " جهة الشعر " للشاعر قاسم حداد يعني أن " الشعراء يخسرون أرضا جديدة " ، غير أن معلقين آخرين رأوا أن توقف هذا الموقع الثقافي يوضح مجددا لأزمة شاملة تواجه الصحافة العربية مثلما تبدى في نهاية عام 2016 عندما توقفت صحيفة لبنانية كبيرة وشهيرة وهي صحيفة " السفير ".

رأى الكاتب طلال سلمان رئيس تحرير جريدة " السفير " أن الصحافة العربية تعيش محنة قاسية، معتبرا أن هذه المحنة " لا تفقدها دورها التنويري فحسب بل هي تتهددها في وجودها ذاته " ، وأكد على أن الصحافة العربية " تحتضر ".

أشارت بعض الطروحات إلى أن توقف صحيفة السفير يأتي في زمن عربي تتراجع فيه الثقافة والصحافة فإن هذه الصحيفة ذات " النفس القومي العربي " نهضت بدور كبير في مواجهة حالة " الأنيميا الثقافية " التي نالت من رونق الكلمة ونضارة الصحافة وبدت تحوي جرعة ثقافية مكثفة ودالة على قدرات كتابها وإمكانية الكتابة الأفضل في سياقات العولمة دون أن يغفل لحظة عن هموم الوطن الصغير أو الوطن العربي الكبير من الماء للماء .

في سياق تناوله لهذه الأزمة وبعد أن استعرض أسماء شهيرة في عالم الصحافة اللبنانية والعربية مثل سعيد فريحة وغسان تويني ونبيل خوري ووليد أبو ظهر وملحم كرم، رأى الكاتب الصحفي سمير عطا الله الصحافة هي " مهنة الشغف لا الاحتراف ". كما لفت هذا الكاتب الصحفي الكبير إلى أن " كتاب الصحافة اللبنانية كانوا كبار شعراء وكتاب لبنان " مستشهدا بأسماء مثل " أمين نخلة والأخطل الصغير وسعيد عقل وفؤاد سليمان والياس ابو شبكة والشيخ عبد الله العلايلي وعمر فاخوري وحسين مروة وتقي الدين الصلح وفيليب تقلا ".

في عام 2012 توقفت مجلة " الآداب " البيروتية التي كانت تحظى كإصدار ثقافي ورقي بحضور كبير لدى المثقفين العرب منذ أن أسسها الدكتور سماح إدريس في عام 1953 وكذلك اضطربت دورية الصدور لمجلة " بدايات " الفصلية الثقافية اللبنانية التي أسسها في عام 2012 المؤرخ والمفكر فواز طرابلسي

يعيد ذلك كله للأذهان أسماء مجلات ثقافية عربية توقفت على مدى سنوات طويلة ودخلت في ذمة تاريخ الصحافة لكنها مازالت حتى الآن تثير شجن عشاق الكلمة بل وتباع مجموعاتها القديمة بأسعار عالية بقدر ماهي دالة على قيمتها .

إذا كانت مجلة الرسالة التي أسسها الكاتب أحمد حسن الزيات صدرت يوم 15 يناير 1933 كانت منبرا لأقلام كتاب وأدباء ومفكرين مثل عباس محمود العقاد ومحمد فريد أبو حديد ومصطفى صادق الرافعي وأحمد أمين والدكتور أحمد زكي ومحمود حسن إسماعيل قد توقفت في 15 فبراير 1953 فإن مجلات ثقافية أخرى قد توقفت بعد ذلك بسنوات مثل مجلات " أبولو والكاتب والجديد وسطور ووجهات نظر ".

الصحافة الثقافية المصرية ارتبطت بأسماء لمفكرين وأدباء وكتاب كبار مثل عباس محمود العقاد وطه حسين وحسين مؤنس وحسين فوزي وأحمد حسن الزيات ويوسف إدريس ولويس عوض ووديع فلسطين والدكتورة سهير القلماوي وأحمد عباس صالح وصالح جودت وصلاح عبد الصبور وكمال النجمي ورجاء النقاش وجمال الغيطاني أول رئيس تحرير لجريدة أخبار الأدب التي صدرت عام 1993 عن مؤسسة أخبار اليوم

تعد مجلة الهلال أطول المجلات الثقافية المصرية والعربية عمرا وهي التي تصدر في مطلع كل شهر بلا انقطاع منذ أكثر من قرن وربع القرن حيث صدر أول عدد منها في الأول من سبتمبر عام 1892 لتنهض بدور رائد في تحديث الفكر العربي ودعم ثقافة التطور مع الحفاظ على الأصالة .

أسس الكاتب والمؤرخ جرجي زيدان هذه المجلة الثقافية المصرية العريقة من قلب القاهرة في إشارة دالة على الدور الثقافي والصحفي الذي لعبه المثقفون من أبناء الشام في مصر التي احتضنتهم وأتاحت لهم البيئة الثقافية الملائمة للنجاح، فيما اعتبر جرجي زيدان في فاتحة العدد الأول من " الهلال " أن قيمة العمل الصحفي في الوصول للقارئ وإرضاء ذوقه وإشباع حاجاته العلمية والثقافية .

المجلات الثقافية المصرية العتيدة ومن بينها المقتطف التي توقفت منذ سنوات بعيدة عن الصدور كانت تشكل منبرا مفتوحا لكافة الآراء واهتمت بقضايا كبرى مثل تحديد هوية مصر والتركيبة النفسية والعقلانية والذوقية للمصريين ليدلي مثقفون كبار مثل طه حسين وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وزكي مبارك وإبراهيم عبد القادر المازني بدلوهم في تلك القضايا الهامة .

واقع الحال أن علاقة مثقف مصري مثل وديع فلسطين مع " شاعر القطرين " خليل مطران كانت تعبر عن تفاعل ثقافي عربي خلاق حيث ارتبط هذا المثقف المصري أيضا بعلاقات وثيقة مع مثقفين من لبنان أو من كانوا يوصفون " بالأدباء الشوام " مثل فؤاد صروف وفارس نمر ونيقولا الحداد وخليل ثابت وابنه كريم ثابت وانطون الجميل ونجيب كنعان وقد أسهموا بإيجابية في إثراء الصحافة والثقافة في مصر .

إذ عرفت مجلة الهلال كتاباته الثقافية المشوقة يقول وديع فلسطين عن هؤلاء المثقفين الشوام إن أغلبهم كان يقيم في حي " الفجالة " أو " الظاهر " و " السكاكيني " دون أن يغفل ذكر الأديبة الكبيرة مي زيادة وصالونها الثقافي الشهير في قاهرة بنجوم ذاك الزمان مثل احمد لطفي السيد وعباس العقاد .

من المفارقات في مسيرة الراحل العظيم محمد حسنين هيكل الصحفية - الثقافية المديدة أن منصب رئاسة تحرير مجلة الهلال الثقافية العريقة عرض عليه وهو مازال في شرخ شبابه لم يتجاوز العشرين عاما إلا بسنوات قليلة، فيما كان نقيب الصحفيين الراحل والكاتب الكبير كامل زهيرى الذي قضى في 24 نوفمبر عام 2008 قد باح يوما ما بأنه يعتبر أن أكبر أخطائه تركه رئاسة تحرير مجلة الهلال بمتعتها الثقافية حتى وأن كان قد انتقل لمواقع قيادية أعلى في الصحافة المصرية .

أما محمد حسنين هيكل الذي قضى في 17 فبراير 2016 فقد ظل يحلق بين الصحافة والسياسة بزاد ثقافي أصيل وقدم نموذجا رفيعا لاهتمام الصحافة بالثقافة خلال سنوات رئاسته لجريدة الأهرام .

يقول الناقد والأكاديمي ووزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور " عرفت هيكل مثقفا رفيع القدر نادر الوجود وهو صانع جريدة الأهرام في تجليها الحديث " ، موضحا أنه " أضاف إلى ميراثها القديم ميراثا جديدا مما جعلها منارة وقلعة للاستنارة بحق ".

أشار عصفور إلى أن هيكل كان يرى المعرفة قوة ليس فقط للجريدة التي يرأس تحريرها بل قوة للأمة كلها معيدا للأذهان أن محمد حسنين هيكل " كان يتردد على الطابق السادس بجريدة الأهرام ويلتقي بعمالقة الأدب مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ولويس عوض وبنت الشاطئ ولطفي الخولي ويوسف إدريس ".

ولئن كانت مجلة وجهات نظر قد توقفت في السنوات الأخيرة عن الصدور فإن محمد حسنين هيكل أسهم بدور كبير في المرحلة التأسيسية لمجلة " وجهات نظر " الثقافية المصرية التي ظهرت في العام الأخير من القرن العشرين وكان قراؤه ينتظرون الإصدار الشهري لهذه المجلة من أجل متعة قراءة هيكل وهو " يتمشى ويتجول " في أروقة الماضي والحاضر ويبحر كعادته بين الصحافة والسياسة بقدرات ثقافية فذة

محمد حسنين هيكل صاحب الكتاب الشهير عن " أزمة المثقفين " الذي صدر عام 1961 كمحصلة لمناقشات استمرت 3 أشهر مع لفيف من المثقفين المصريين كان يحفظ عن ظهر قلب مئات أن لم يكن آلاف الأبيات من عيون الشعر العربي وهو الذي ارتبط بصداقة وثيقة للغاية مع الكاتب الراحل توفيق الحكيم وكذلك مع الأديب النوبلي نجيب محفوظ .

إذا كان الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس الذي قضى في مطلع عام 1990 نموذجا للتوهج في الصحافة والأدب معا فالكاتب أحمد بهاء الدين الذي قضى عام 1996 بدأ مسيرته الصحفية في " مجلة الفصول " الثقافية وكان صاحب ذوق رفيع في تقييم الأعمال الثقافية والفنية وهو الذي تولى رئاسة تحرير مجلة " صباح الخير " قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره فنجح بثقافته ومواهبه أن يجعلها مجلة ناجحة وقادرة على الوصول " لأصحاب القلوب الشابة والعقول المتحررة " وتولى رئاسة تحرير واحدة من أهم المجلات الثقافية العربية وهي " مجلة العربي " الكويتية .

رغم هذا التراث المضيء للصحافة الثقافية العربية فالشواهد والتعليقات تؤكد الآن على أن تلك الصحافة الثقافية في محنة قد تكون جزءا مما يوصف بأزمة الصحافة وتحديات الإعلام في العصر الرقمي .

وضمن رصده للتحديات التي تواجه الإعلام العربي يقول الدكتور سامي عبد العزيز أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إن هناك تحديات مجتمعية تتمثل فيما نسميه " بالأمية التعليمية والأمية الثقافية " أو " المستوى التعليمي والثقافي للمجتمع " ، فضلا عن المسائل المتصلة " بجودة المحتوى ".

في وقت يشكو فيه بعض النقاد الثقافيين والمعلقين في الصحف ووسائل الإعلام من ظواهر في قضايا الكتابة الإبداعية مثل رداءة السرد وفقر الخيال والعجز عن الابتكار والافتقار للتشويق لاريب أن الصحافة الثقافية معنية قبل غيرها بقضايا مثل جماليات الكتابة وطرق التعبير الفني وطرح الجديد على مستوى الرؤى والقوالب أو الأشكال .

يبدو أن تحديات العصر الرقمي بحاجة لاستجابات إبداعية في مجال الصحافة الثقافية لإنتاج محتوى مشوق ويحظى بجاذبية بقدر ما ينتصر للوطن والحق والخير والجمال .

-----------------------------------

-   السبت 10/ مارس /2018





******************************

" جهة الشعر " .. نعي أشبه بإغلاق تلفاز أو محطة إذاعية

يوسف الشايب

يبدو أن إيمان الشاعر البحريني قاسم حداد بأهمية التعامل مع شبكة الانترنت بصفتها طريقة للاتصال الإنساني وليست وسيلة للانتشار الإعلامي، لم يسعفه دون أن ينشر ما يشبه النعي لـ " جهة الشعر " بدلاً من نص جديد، أو حوارية، أو ترجمة، أو تعريف بهذا الشاعر أو ذاك، فالموقع الشعري الذي تحول مع الوقت إلى مرجع عالمي، أعلن أنه " سوف يتوقف عن البث " في عمر الثانية والعشرين، وكأنه تلفاز أو محطة إذاعية، فهو لم يعلن انه سيحتجب، المصطلح المرافق لإغلاق المواقع الإلكترونية، ولم يقفل أو يتوقف كما في حالة المطبوعات من صحف أو مجلات، أو تلك التي تدور في فلك المطبوع كدور النشر والمكتبات والمطابع وغيرها .

وأرجع حداد، في رسالة نشرها على الموقع، قرار إغلاق الموقع إلى الظروف المادية، وعدم توفر الدعم المالي، وهو أمر تعانيه الكثير من المواقع الثقافية في الوطن العربي، حيث كتب على واجهة " جهة الشعر ": الأصدقاء الأعزاء .. سوف يتوقف موقع جهة الشعر عن البث لأسباب تتعلق بعدم توافر الدعم المادي .. ونود هنا ان نتوجه بالشكر لكل من وفر الدعم المادي له على مدى العشرين عاما السابقة والاعتذار لأصدقاء " جهة الشعر " الذين بمشاركتهم النشر في الموقع أسهموا فعلا في الإنجاز الذي تحقق طوال سنوات عمل الموقع منذ انطلاقته العام 1996".

حداد، كان قال من متحف محمود درويش، قبل عامين : لو كان النظام العربي تاريخياً يصغي للشعراء والأدباء والفنانين، لربما صرنا في وضع أفضل، لكون الشعراء يسعون إلى الحلم، وإلى الحرية، وإلى العدالة الاجتماعية .. هل صادفت نظاماً سياسياً عربياً يعالج ولا يحل .. يعالج مشاكله بغير الوسائل الأمنية .

وأشار حداد إلى أن المعارضة العربية لم تكتسب الدرس النضالي الذي ضحت له الأجيال السابقة .. وقال : لطالما أؤكد أن السلطة السياسية العربية أكثر خبرة من المعارضات العربية، لأنها تستطيع أن تدير مشاكلها لا أن تعالجها، باتجاه إفشال أي مشروع إصلاحي .. هذه مشكلة المعارضة العربية .

وأضاف : المعارضة العربية كما الأنظمة، لا تحترم الثقافة ولا المثقفين ولا المبدعين، وأكثر من ذلك تنكل بهم بما قد يضاهي تنكيل السلطات السياسية العربية بهم .. هو خلل تكويني موروث، فالمعارضة كما السلطة ورثت الموقف السلبي من الثقافة والمثقف كأنه موروث مقدس .. لو كانت المعارضة العربية تحترم الثقافة، لكان حظها من التطور أكبر .

ودلل على ذلك بالقول : في فعاليات كثيرة على المستوى العربي، لا أصادف رموزاً من المعارضة تشارك في حضور أمسيات شعرية أو أدبية أو ندوات أو معارض فنية وغيرها، إلا نادراً .. كمعارضة، لكي تقنع الناس بأن بديلاً مناسباً ومستقبلياً للسلطة التي تسعى إلى إسقاطها عليك أن تمنحنا إشارات مختلفة، ودلائل على أنك مختلف عن هذه السلطة، كأن تكون ديمقراطياً، والمعارضات العربية تفتقد لهذا الشرط بالدرجة الأولى، فلا تكاد هذه المعارضات تستوعب اختلافك في تفصيلة صغيرة معها، لذلك تكاد هذه المعارضات تتحلل، لأنها لا تستوعب المختلفين معها .

وشكل موقع " جبهة الشعر " منبراً مهماً لرواد الثقافة والنصوص الأدبية والشعرية، وحيث دأب الكثير منهم على نشر أعمالهم الجديدة، وظل الموقع متماسكاً طيلة الاثنين وعشرين عاماً الماضية معتمداً على دعم مادي بسيط، لكن وبعد كل هذا الجهد يسدل الستار على الموقع، وفي قلوب الكثيرين حسرة وألم .

وجاءت الفكرة استجابة لاقتراح قدمه الصديق عبيدلي عبيدلي وهو من شركة " النديم لتقنية المعلومات " التي تتولى الناحية التقنية والفنية في " الجهة " منذ إطلاقها، كما سبق وأشار حداد، لافتاً إلى ان الفكرة بدأت صغيرة وعبر مشروع فردي وشخصي، ولكن سرعان ما " أصبحت مشروعاً جماعياً تساهم فيه كائنات لا تحصى من أصقاع العالم ".

وأضاف حداد، في حوار يعود إلى اثني عشر عاماً، أي في الذكرى العاشرة لـ " جهة الشعر ": كانت البداية تقوم على نشر الشعر العربي في لغته، ومع الوقت اشتبكنا بجماليات التعدد اللغوي لنشر الشعر العربي في أكثر من سبع لغات .. بدأنا كمن يتعثر في نوم موحش، ولكننا الآن نسبق أحلامنا في أكثر الآفاق رحابة . فقد كنا نسهر على بناء المحتوى الثقافي النوعي الرصين في " جهة الشعر " من دون أن نغفل عن تطوير الناحية التقنية وتحديثها، ولكن دائماً من أجل بلورة وسائط عرض النصوص وسرعة وصول المستخدم إلى المحتوى .

طوال أكثر من عقدين لم يكف قاسم حداد عما حققته " الجهة " وعن تعداد منعطفات التحول والتحديث فيها، التي انتهت الى تحول " جهة الشعر " من موقع لنشر الشعر الى " مصدر عالمي من مصادر المعلومات الموثوق بها عن الإبداع الشعري العربي، بصفته مرجعاً معتمداً ورصيناً ودائم التحديث " ، بل اعتباره " ورشة عمل شعرية عالمية بالمعنى الأدبي والتقني للكلمة ".

وقال حداد : طوال سنوات أخذنا في الاعتبار كلام الشاعر الفرنسي رينيه شار مأخذ الجد، عندما قال في قصيدة له : " المستحيل لا نبلغه، لكننا نستخدمه كقنديل ".. رأينا في هذه الحملة تعبيراً عن أحلامنا، حتى أننا وضعناها تعويذة للموقع في انطلاقتنا الأولى، والحق أنها منحتنا الثقة في قدرتنا على مستحيلات كثيرة، مستحيلات هي في بساطة الإنسان وفي عمقه في اللحظة نفسها .

واعتبر حداد أن تجربة " جهة الشعر " في سنواتها الاولى جاءت مملوءة بالدروس، ومنها إمكان نجاح المشروع الشخصي في حقل العمل الثقافي، مع حيوية المحافظة على استقلالية المشروع واقتراح خصوصيته، في الذائقة والإرادة، فضلاً عن تنمية الرغبة في تجاوز أوهام أو قيود المحلية والإقليمية التي لم تعد تناسب عصر الانترنت . والذهاب بثقة الإبداع لمشاركة العالم في اكتشاف المستقبل، واعتماد مبدأ البحث عن المعلومة والذهاب إليها لنـراها في الموقع، وليس انتظارها .

من رام الله، اعترف حداد بجرأة المبدع الواثق : أنا لست راضياً عن أشياء كثيرة، وأهمها ما كتبته، مستذكراً مقولة للشاعر التركي ناظم حكمت يقول فيها : وضع الشاعر في الجنة فقال " آه على وطني " ، لافتاً إلى أن مقولة حكمت هذه ساعدت على صقل معرفته بالحياة، فالشاعر لا يقترح بديلاً مادياً نهائياً منظوراً وصالحاً .. هو يحلم .

وأضاف : أرجو ألا يطالب الشاعر بأن يقوم بمهمات الآخرين ممن تقع على عاتقهم مسؤوليات لا يقومون بها، فعندما ينهزم الساسة والعسكر يتذكرون أن ثمة شاعراً ومثقفاً وأديباً ومبدعاً هناك، وهو لربما سبب المشكلة والأزمات .. الشاعر يحلم، وكل الفلسفات في حياتنا بدأت بالأحلام، وكل الفلاسفة يؤكدون شعرية النواة التي يصدرون منها، والحضارات تقوم، أو بُناة العالم يقومون على أحلام يطلقها : الشعراء، والكتاب، والفنانون، والمبدعون

------------------------------------------

الايايم الفلسطينية - 2018-03-13





*********************







في وداع " جهة الشعر "



حسين مرهون

( البحرين )





ليس منذ الآن، " جهة الشعر " مات منذ سنوات . إعلان قاسم حداد عن توقف بثه لعدم توافر الدعم الماليّ، لم يكن سوى استكمال وفاة ميّت مات أصلاً؛ لكنْ أجّل صاحبه إعلان وفاته انتظاراً لانبعاث لم يأتِ . وعلى ما يخبرنا حازم صاغية في وداع العروبة " لا يكتمل موت الميت ما لم يُرفق بإعلانه وإشهاره ".

منذ 2010 خرج " جهة الشعر " من اللعبة . لم يعد فاعلاً ولا مرجعاً ولا موضوعاً في النقاش؛ بل بالكاد كنت تستطيع تصفّحه أصلاً، لبطئه . والبطء هنا وصف مخفف لموقع لم يعد يعمل ! لكن " لأن الميت لم يُودّع أو يُؤبّن فهذا ما كان يوحي أن الموت لم يقع أو لا يزال ناقصاً ".

أسدى " جهة الشعر " خدمة كبيرة إلى الثقافة العربية؛ لكن مثل كل الحقائق الكبيرة في الحياة يلحقها ما يلحق بالبشر . تشبّ وتشيخ وتمرض وتموت أيضاً . هكذا رأينا إمبراطوريّة إعلامية عمرها مائة عام مثل مجلة " نيوزويك " تموت وتفشل كل محاولات إحيائها إلى حدّ بيعها بدولار واحد . هكذا رأينا صحيفة عربية عريقة مثل " السفير " تستسلم إلى مصيرها بعد مسيرة نصف قرن فلا يتبقى لدى رئيس تحريرها غير مصباح يطفئه في قاطع الختام، وأغنية .

أما في بلدنا الصغير والنازف فمن حسن حظ قاسم أن الموت فيه ليس مفرداً إنما جماعيّ . فقد ماتت صحيفة " الوقت " من قبل . وقريباً منا جداً، هذا الأسبوع فقط، استُكملت عملية إماتة صحيفة " الوسط " بالخنق . دع عنك من يموتون قتلى وفي السجون أو غرقى هاربين في عرض البحر . هي حادثة موت معلن إذن وسط حالة موتٍ عام .

لعلّ هذا يخفف حزن قاسم وحزن محبّي " جهة الشعر " ويكون فيه عزاء . فلولا ذلك لكانت غربة الموت (... وحيدا ) غربات . حسناً أن قاسم لم يعاند القدر . التحيّة له ولسنوات " جهة الشعر ".



************************



مرثي ة غير مطنطنة في وداع " جهة الشعر "





حسين مرهون

( البحرين )



قدّم أصدقاء " جهة الشعر " الأدباء والأديبات العرب مرثية حزينة إثر انتشار نبأ توقفها عن البثّ . كثيرٌ من هؤلاء كانت " جهة الشعر " منصّتهم الرئيسة لنشر قطعهم الشعرية والأدبية الحديثة خلال منتصف التسعينات وعلى مدى نحو عقد ونصف . كان من الطبيعي أن يُقابل إعلان الشاعر قاسم حداد عن قرار توقفها النهائي بمشاعر خاصّة وتضامن يستحق الكثير منه . لكن في غمرة الرّثاء وجريان نهر المشاعر المتدفق استُبعدت حقائق أو نُسيت . كما أضيفت حيثيّات ليست من الواقع أو أُهمِلَت .

اختار الروائي الكويتي المعروف طالب الرفاعي تذكير صديقه قاسم حدّاد كيف أنهما معاً قريبان من أصحاب المليارات المتلتلة إلا أنّ هؤلاء يصدّون بأموالهم عن الثقافة . " عزيزي قاسم، أنتَ وأنا على بُعد مرمى حجر من كثيرين يملكون المليارات، ولا أقول الملايين، لكنهم يصدون بوجوههم وبأموالهم عن الإبداع والثقافة " .

أما الكاتب العراقي بدر السلطاني فقدّم مطالعة يسارويّة مطنطنة حول " الثقافة ورأس المال الرث " صبّ فيها جام غضبه على " البرجوازية العربية الطفيليّة ". فقد رأى أن " غياب الدعم لهذا الموقع الثقافي يكشف رثاثة رأس المال هذا الذي لا يستطيع أن يستوعب، بسبب تخلّفه، أبعاد التنمية الثقافية ".

ولعلّ إشارة قاسم حدّاد في إعلان التوقّف الذي حرص أيضاً على تمريره بشكل شخصيّ إلى العديد من معارفه إلى أنّ " الأسباب تتعلق بعدم توافر الدعم المادّي " لعلّ ذلك قد أسهم في أخذ بوصلة الحوار إلى هذه الناحية . " البرجوازيّة العربية الرثة التي لا تستطيع أن ترى أبعد من مستوى الحجارة " كما يُقرّر الكاتب السلطانيّ .

لكن لماذا كل ذلك ليس صحيحاً؟ لأنه ببساطة يغفل على نحوٍ مأسويّ حقيقة أنّ " جهة الشعر " كانت منذ النشأة مبادرة مشتركة بين شاعر مثقّف ورجل أعمال صاحب شركة، ثم تطوّرت في وقت لاحق لتصبح حلفاً برجوازياً يستقطب عدداً من أصحاب رأس المال البحرينييّن وأهل السلطة . لم يتوقّف أيٌّ من الحزانى على ضياع " جهة الشعر " عند شخصيّة عبيدلي العبيدلي الذي يخبرنا قاسم حداد نفسه في كتاب " عشر سنوات من جهة الشعر " الذي قام مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة بطباعته على نفقته (2008) عن أنه من يقف وراء فكرة إنشائها " انطلقنا في تجربة جهة الشعر باقتراح من الصديق عبيدلي عبيدلي ".



كتاب أصدره مركز الشيخ إبراهيم في مناسبة مرور 10 سنوات على جهة الشعر



في 26 يوليو / تموز 2003 أعلن قاسم حدّاد خلال ندوة أقيمت في جمعية البحرين للإنترنت عن تحويل " جهة الشعر " إلى جمعية ثقافية غير ربحيّة وتشكيل مجلس أمناء محلي لها يتألف من الأطراف التي تتولّى عمليّة دعمها وتمويلها . وراح يُعدّد أسماء هؤلاء، وهم : عبيدلي العبيدلي، عادل محمد مطر، جمال فخرو، الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، محمد عيسى الزيرة وإبراهيم بو هندي . ( البوستر )

وحرص في كلمته الطويلة على خصّ المرحوم يوسف الشيراوي بالتفاتة خاصّة قائلاً إنه عمل ــــ مع عادل محمد مطر ــــ على تقديم دعم سنويّ إلى الموقع .

فمن هم هؤلاء؟ حسناً، الأول هو الرّئيس التنفيذي لشركة النديم لتقنية المعلومات . والثاني هو رئيس مجلس إدارة شركة البحرين للاستثمار العقاري ( إدامة ) الذراع العقاري لشركة ممتلكات البحرين القابضة وقتئذ، ورئيس شركة أوال الخليج للصناعات حالياً . والثالث هو الشريك التنفيذي لشركة " كي بي ام جي " البحرين وقطر، ونائب رئيس مجلس الشورى البحريني . والرّابع هي رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار وسابقاً وزيرة الإعلام والثقافة . والخامس هو نائب رئيس مجموعة الشرقية القابضة . والسادس هو عضو مجلس إدارة شركة البحرين للتسهيلات التجارية . والسّابع هو مالك شركة استشارات ووزير التنمية والصناعة البحريني ( من 1971 إلى 1995) والوزير المسئول عن شئون مجلس الوزراء السابق .

الحقيقة أن إطلاق مسمّى " حلف برجوازيّ " لوصف الموزاييك الذي تتشكّل منه هذه الكوكبة من الأسماء ويشكّلون معاً مجلس أمناء " جهة الشعر " هو مصطلح قاصر . فأحد هؤلاء، وهو جمال فخرو الذي يملك شركة تدقيق حسابات عريقة تذهب لها كثير من المناقصات السنويّة التدقيقية لوزارات الدولة، ليس برجوازياً كبيراً فقط؛ بل فاشيّ . ويمكن بضغطة زر وضع اسمه في محرك البحث لرؤية دفاعاته المستميتة عبر الفضائيّات عن سحب جنسيّات المعارضين البحرينيين وطردهم من البلاد بنفيهم أو الزجّ بهم في غياهب السجون .

اللّافت في الورقة التي قدمها قاسم خلال الندوة (2003) والتي لحسن الحظّ توجد نسخة منها على موقع " جهة الشعر " نفسه تطرّقه إلى الدعم الّذي بدأت تتلقاه " جهة الشعر " من وزارة الإعلام البحرينية . إذ يقول " فبعد المبادرة الجادّة لإدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام، من خلال اقتناع الشيخة مي الخليفة والأستاذ عبدالقادر عقيل لمشروع الجهة، ومبادرة بنك البحرين والكويت بالدعم المناسب من أجل تشجيع هذا المشروع لأن يواصل عمله بالصورة التي كنا نتوقعها (...) بعد هذا تيسّر لنا الكلام عن مستقبل الموقع ببعض الاطمئنان ".

على أنّ اقتناع وزارة الإعلام البحرينية بتمويل " جهة الشعر " قد تطوّر مع مضيّ السنوات إلى مدىً أبعد . إذ تكشف مراسلات بين مجلس الشورى البحريني ووزارة الإعلام العام 2007 عن أن الأخيرة بدأت تتعاطى مع " جهة الشعر " باعتبارها واحدةً من مطبوعاتِ الوزارة .

فرداً على سؤال وجهه عضو مجلس الشورى فيصل فولاذ بشأن أوجه الرّعاية والدعم التي قدّمتها الوزارة لقطاع الفن والفنّانين، عقّبت الوزارة في رسالة وجّهها وزير الإعلام آنذاك محمد بن عبدالغفار إلى رئاسة المجلس، بتعداد قائمة المطبوعات التي تصدر عن قطاع الثقافة والتراث الوطني على أساس أنها واحدة من المجالات التي اهتمّت الوزارة بدعمها وتطويرها . وبين ما أشارت له الرّسالة " تقديم الدعم المالي لموقع جهة الشعر على شبكة الإنترنت الذي يشرف عليه الشاعر البحريني قاسم حدّاد ". ( انظر المراسلات المرفقة )

عضو مجلس الشورى البحريني فيصل فولاذ يسأل وزير الإعلام




























وزير الإعلام السابق محمد بن عبدالغفار يرد








الحاصل أنه، على خلاف المطالعات التي قُدّمت لنا عن تقاعس رأس المال في التّنمية الثقافيّة فإنّ مسيرة " جهة الشعر " تكشف لنا العكس . بل حتّى مع تراجع وهجها في السّنوات الأخيرة؛ إلاّ أنّ مبادرات مؤسّسها ظلّت تحظى برعاية رأس المال البحريني ووداده . يمكن التوقّف مثلاً عند حفل التّدشين الفخم والاستعراضيّ لكتاب طرفة بن الوردة (2011 ) في مساحة " الرواق " للفنون الذي يخبرنا قاسم بنفسه عن كيف أنه " ما كان له أن يظهر بالصّورة التي ترونها، لولا الموقف الرائع الذي بادر به مبكراً الصديق جمال محمد فخرو، وبروح حضارية نادرة ليتكفّل بإنتاج التجربة كاملة ".

لا أعرف أيّاً من المشاريع الثقافيّة الخاصّة أو المبادرات الفرديّة في البحرين الّتي أتيح لها جمع هذه التّوليفة المتناغمة من أهل المال والسّلطة في وعاء واحد لدعم رسالة ثقافيّة ما عادت لها الكثير من الحظوة كالشّعر . لقد كان قاسم حدّاد بارعاً في جهته وفي وجهته .

---------------------

« الأخبار » اللبنانية في 16 مارس 2018







*****************

جهة الشعر : نافذة مشرعة على الشعر العالمي


محجوب العيّاري

( المغرب )


كلمة أولى : هذا المقال وافانا به، قبل رحيله، إلى جانب مقالات أخرى، شاعرنا محجوب العيّاري . أرجأنا نشره وقتها ولم نكن ندري أنّه سيغادرنا ذات 31 مارس 2010 وهو في الـ 49 من عمره . وفاء لذكرى شاعر لا يموت وإن ووري التّراب، ننشر مقاله هنا عن