علي الجندي
(سوريا)

يا من رأى بجانب (السبيل)*

مرفأ (السبيل) بحر لا حدود صوى ولا مرافئ السبيل واحة من الرمال والحجارة تذرعه الرياح من شرق إلى غرب ومن شمال لونه المجروح بالفضي والأصفر والأخضر والليلي.. بعضه التراب مغبر ومسمر ليلكي نصف المساحات قمر ونصفها وشم وياسمين وخارج على حدوده ولونه على الهواء والسحاب والغبار يا من رآه عابرا من قربه ملثما مثل الصباح معلما ومفردا يشهد للمغارة من صوته الذي أتى من الأعماق دونما بشارة عن الذي قام على جانبه محدودباً يملأ درب الأفق بالصراخ والمقاومة نادى: يا ارض ابتلعي ماءك زنار من دفق الماء ولا ماء قل للكابوس اذا كان.. ولا كابوس ما هذا الفائض من جنات الأرض الأخرى اصلال وعفاريت وغربان تزحف فوق الأرض وتحت الأرض مياه جوفية تمرق من بين الزهر وآثار الأفكار البرقية طوبى للعابرين بين الرمل والماء للسائر تحت الماء وجنب الماء وتحت الرمل وفوق الماء لصديق الصحراء لنبي الأسرى ورسول الأشياء للزهرة تتفتح بيضاء فتغدو سوداء للطفلة تولد آثمة فتصبح بالقدرة عذراء من نادى أطفال العالم كي يتحدوا أو يفترقوا سعداء لكن العالم غير العالم صار والزهرة غير الأزهار المبثوثة في الشمس تتفتح كل الأزهار بوهج العرس ولد المحبوب على الساحات الحمراء ولد هنا وتوهج زهرا قامته زهر لا يولد إلا من عمق الماء المترسب في الرمل في القلب تواشج والأحلام ومات بين الأزهار يموت بلا وطن يا وطن الحرية والخوف افدنا كيف تكون .. ووراءك أسوار وسدود .. أولست تعود تبعث بين أيادينا صنما أولست تعود كي تقهر أو نُقهر في بادية التيه نحاول عبثا رسمك بالحجر الجلمود نرسم وجهك لكن الغائب يعصى يكتب بعدك أو قبلك شكلك يصفك .. مات بين ضجيج العاصفة وانين الفقراء يا من رأى لي بحضنه ابنة الجراح تعيد سيرة الأميرة الحبيبة الممراح وخلفها قصيدة تعدو مع الصباح ترحل لا تسأل عن أمامها أو أمها ولا عن الحوار والنهاية السعيدة تسأل عن قصيدة مفاتن مضى قبيلها ولن يعود يبحث عن (....) فريدة تطول الرحلة في الضباب من افرد جنحيه وطار يرود العالم بحثا عن دنيا توحي للأجنحة العملاقة ان الدنيا دانية وأن الخوف بعيد والكون شراب لكن بعد فراسخ من حلم الأزهار الميتة غادرنا نحو الأعماق... تولى عنا مشدوها بالأسرار الكونية مفتونا بالحب الشامل للإنسان ورأى ان الحقد عميم يولد من قلب الأزهار صديد فدعا للرحلة خلف الغيم فر من الوهم وأحلام الغيم خلفنا في الخوف يتامى نبحث عن حلم مبتور ما بين الظلمة والنور نسعى كالنحل المسعور الظلمة نور والظلمة سيف مكسور مرمي في زاوية الماخور والساعي في الأرض ينبه من خطر القادم في الجور يبكي ما شاء له العمر المقهور يا رب الوحشة قاسية والدرب إلى الله عثير من أين يجيء النور من أين النور..؟! حتى الشعراء أنصاري في الهم وفي الكلمات منهم نفر شاطرني خبزي قاسمني ملحي ثم تبدى وحقيقته عورة في لوح الشعر المكتوب يرشح سما سعلاة قردا شيطانا يكذب نكذب كل اليوم فنرى سحنتنا في كل مكان يا قائد جيش الأزهار المتروكة من غير صديق كيف تركت قوافلها تعبر برزخ ماضيها وغدرت بها ـ حاشاك ـ غدرت وما تابعت الرحلة كوفئت على الحب الخانق بالضيق تركت القوم وذهبت بعيدا بين سراديب الليل ما عدت إلينا إلا في تابوت يحمل تاريخ السنوات العشرين والتين... وهذا البلد الحزين وما أنت حل بهذا الزمن ولا بناسه الميتين ابتعد بي خلف غيوم اليباب واقترب بي صوب البلاد الخراب لتولد بي تحت أطلالها طفلة مهربة لا تحس طعم الشباب ولا تعرف الأفق من نيوب السراب فيأكلها القيظ أو شتاء الذباب وأنت حل ولا تريم كل ما ظل من ديار النجوم جثة فاسرقوها واحلموا بالبعيد القديم صيف وخريف وشتاء وربيع وفصل خامس انذر الأرض بالثبور فنادى أيها الناس ودعوا بعضكم فالذي كان قادم والذي قادم صار في الغيب فلا تنذهل من جنون الحياة وخالف قليلا كل هذا الجنون ودمر ودمر ودمر قم فأنذر ولا تنتظر لذاك عاقبة سوى فوران الجنون الجنون الجنون وطني الشمس وأنا مالي تفاحة أو رغيف أنا بيتي ثلج وارضي يباب وعلى شرفتي يعيش غراب وعلى شرفة الهوى الترحاب وتنامى نهر وراء ضلوعي وبحار ما بين سنّي وناب أي شيء إلا الخراب ... الخراب وأنا واضع على مفرق النار عند الصباح ثيابي أتوضأ بالريح من عاصف الثلج من نارها باللعاب أيها الشمس يا شمسي بيتي ثلج وارضي يباب وأنا مالي تفاحة أو رغيف,@

* السبيل: قرية الشاعر ، من قرى سلمية في أواسط سورية.

عن (الشرق الأوسط)

للشاعر :
(طرفة في مدار السرطان)
(الشمس وأصابع الموتى)
(الراية المنكسة)
الأعمال الكاملة - دار عطية - سوريا

أقرأ أيضاً: