شوقي بزيع
(لبنان)

الآن تقترب القصيدة من نهايتها
وتشتبه الظّلال على المساءِ
الآن يبدأ ذلك الألقُ المراوغُ للحقيقةِ
عدّه العكسيّ،
للآلام ما يكفي من الشبهات
والشرفاتُ أضيقُ من حلول الذكرياتِ
على الشتاءِ
لا أرض تُرجع هذه الفوضى
على أعقابها
لأشمّ كامرأة على قبر
قميص لهاثكِ الملقى على جزع السرير
ولا تمائم كي أروِّض بالكلام الصِّرف
أحصنة الدماءِ
لا شيء يوقفني على قدَمَيْ رحيلكِ
أو يحالفني مع الضجر الملبّد بالخسارةِ
في فناء البيت،
محضُ يدينِ فارغتين في أبدية ثكلى
يدايَ،
وإذ تداهمني عواصفُ نأيكِ الهوجاءُ
تنشبُ حيرتي أظفارها كالقطة العمياءِ
في الغبشِ المرائي
كم أنت أجملُ في الحنينِ إليكِ،
كم ذكرى النساءِ أشدّ سحراً
في حساب العاشقينَ
من النساءِ
كم أنتِ بالغة الخفاء،
كأنما تتجاوزين هشاشة الأجسامِ
كي تتصالحي مع رغبة الفانينَ
في ترميم ما خسروهُ
من حلم البقاءِ
الآن تقترب القصيدةُ من نهايتها
تضيء يمامتا ذكراكِ
في غبشِ الظهيرةِ
كالنجومِ المستعادةِ من صراخ الليلِ
والنسيانُ يرفع ذلك الاسم الخماسيّ
المبالغ في تهدّجهِ
على خشب الشحوبِ
لا بدّ من هذا الفراق إذن
فأدرك أنني أعمى بدونكِ،
أنني النصفُ الضريرُ من التماعكِ
في الحصى الغافي
وحصة حاجبيكِ من انحناءِ الشمسِ
في قوس الغروبِ
لو كانت الأحلامُ أصدقَ من حنين الحالمينَ
لو القصائدُ لا تخون مؤلفيها
حين ينقلب الغناء على المغنّي
لاختلطتُ على أنينكِ
في فم القيعانِ
كالوتر الكذوبِ
صفراءُ ريحكِ في يباس الفقدِ،
أصفرُ ذلك الخفر المغطّى بالبثورِ
على ملامحكِ المطلةِ
من غبار الأمس،
أيتها الشبيهة بانبلاج يد ملوِّحة
على غرق الكتابة،
والتظاهرة الأخيرةُ للوداعةِ
في تفتحها على الآلام
كيف أُجيد تهجئة الروائحِ دون عطركِ؟
كيف أُفلح في احتساب الوقت؟
كيف أعيد تهدئة الأسرّةِ والوسائدِ،
أو أعدّ على الأصابعِ
ما تناثر من هبوبكِ
فوق صفصاف الجنوبِ؟
صدئٌ نحاسُ الوقتِ،
فحميّ صدى الأجراس،
مذبوحٌ شعاع الشمس فوق
أريكة الماضي،
الشتاءُ بلا يديكِ الطفلتينِ
يخرّ كالسحب القتيلة
عند أقدام الجبالِ
والبيتُ تنخرهُ الملوحةُ،
حيث لا قدماكِ في أرجائهِ
تتبادلانِ مهمة الطيرانِ
فوق رتابة الساعات،
لا كفّاك تنزلقانِ عن كتف الصباحِ
كرغوة الصابون،
لا عيناكِ تقتسمان بُنّهما المحيّر
مع ملائكة الأعالي
تترأس الفوضى جمالكِ
وهو يمعن في تصايحهِ مع الغربان
فيما لا يُرى مني
سوى أسمالِ ما خلّفتِ من وجع
تخثّرهُ الشهور على الظلالِ
في أي نهر
تهرقين الآن فاكهة اشتهائكِ،
أي صيف دائم الجريان
يبزغ مثل تغريد العنادلِ
من مسيل خطاكِ في الأيام
ثم ينام نوم الحوْرِ
في ريح الشمالِ
الآن تقترب القصيدة من نهايتها
إذن ستلفّق الكلماتِ لي ندماً
يناسب جسمكِ المغدور
في المرآةِ
والمنذور في المعنى لأسئلةِ الوجوهِ
تطأ النعومةُ نفسها
في ماء فتنتكِ الأليفِ
وينتشي بلعاب نأيكِ سمّها الليليّ،
وجهكِ سادرٌ في فجره العاري
ونهدكِ يستريح الآن في كنف استدارتهِ
بعيداً عن شهيق يديّ
ثم يفوح كالقمر الرضيعِ
على الورودِ
ستلفّق الكلماتُ أفئدةً ملائمةً
لعجزي، دون هاتفك المعطّلِ،
عن مفاتحةِ الصباحِ
بما يلائم من شرودي
ومجرّةً مشفوعةً بهديلها
لمرور شعركِ في حقول القمحِ
وهو يهبّ مثل كنائس تعبى
على خبز المناولةِ المقدّسِ
أو يؤلّب نوم تفاح الجرودِ
على الجرودِ
عبثاً أردّ على تنفسكِ المثلّم بالنشيجِ
غلالة الهذيان
أو أرفو شغوركِ في المكانِ
بخيط حكمتيَ الضرير،
وأستردّ من الحياةِ،
وقد أضاءتْ في ابتهال آخرٍ،
أضغاثَ كوكبها الولودِ
لو كان ثمة ما يقالُ،
أرقّ مما قاله العشاقُ من قبلي،
لخلّصتُ العبارة من تلعثمها
وذبتُ من الحنينِ
كما يذوبُ النايُ في القصب البعيدِ
الآن تقترب القصيدة من نهايتها
ليبتكر الوداعُ مرافئاً مفقوءة الأمواج
للزمن الذي يأتي
وأعواما تلوّح كالمناديل القديمةِ
في محطات تطولُ
بلا قطارِ
ما كان هذا الحبّ
غير تلمسِ المجهولِ في المرئيّ
والنفق الذي يجتازهُ
جسدانِ مخمورانِ، منحنييْنِ،
في البحث العقيم عن الفرارِ
ما كان هذا الحبّ
غير تبادلِ الأعمار بين اثنينِ،
والصوتِ المضاعفِ للجمال الغضّ
وهو يعيد تضميد الفراغِ
بما يليقُ من الغبارِ
كم أنتِ نائيةٌ وفاتنة الغيابِ
ولا يليكِ من الظهورِ
سوى الحجاب،
ومن حلولكِ في الخريفِ
سوى انحلالي كالدموعِ على سفوحكِ
واتحادي بالخرافةِ
كي أزحزح صخرة الرؤيا
وأُبعث، كالمسيح الحي، من قاع انتظاري .@

أقرأ أيضاً: