عباس بيضون
(لبنان)

I

التمثال

عباس بيضونالتماثيل سيتعبون من عدها
سيضجرون من رؤية الدبابات تلتقمها
ومن جر جثثها في الشوارع
سيكون هناك ما يكفي من العمالقة
وسيزهق الأطفال من تعذيبها
سيكون هناك
حتى الغثيان
دائماً صدام آخر
أو جثة تشبهه
إذا حطمت الشخص نفسه مئة مرة
سيكون هذا ثرثرة زائدة
أو نوعاً غريباً من العبادة
سيغدو العنف أكثر من الكذب
سيكون رخيصاً كالمرض
وسيتحول الغضب ماءً في الشوارع
إذا حطمت الشخص نفسه مئة مرة
فستتبعه
سيقودك عن طريق المقابر إلى وكره
سيقول إنهم خطفوا دجلة والفرات الى دهليزه
سيقول ان أغنيته لا تزال تفعل
ان الجريمة تنعق يوماً ثم تسكت
ان القتلة الكبار
متنكرون كبار أيضاً
إذا حطمت الشخص نفسه مئة مرة
ستتكرران معاً
سيقول إن القسوة لا تحتاج
إلا الى كرسي
ان المأساة مجرد تاج
السم لا يحتاج إلى حياة ليقتل
يحتاج فقط إلى آلة
حبل المشنوق هو أيضاً قوة
ولن يحتاج إلى حياة ليحكم
الصورة المطرودة
ستغدو فوق الرفوف
إلهاً منزلياً
المطرود سيغدو سيداً
أو خادماً في الجيب
إنها لحظة ليس فيها تاريخ
وسنجد دائماً
شيئاً ضخماً
لنعبده
ولا يقال هذا الرعب ثانية
لا تكفي عظمة وحيدة
لرواية المجزرة
ملاح الموتى يقودهم بعيداً
عن شطآن الأبدية
ولن يستيقظوا في أي حكاية
سيعومون في مستنقعاتهم الضحلة
سينقطع السر
ومعه
أنهار كبيرة في المخيلة
إنها لحظة ليس فيها تاريخ
وسنجد دائماً
شيئاً ضخماً
لنعبده
دجلة
المدن تربي الأنهار لكن البحار تصنع المدن.
الأنهار تفكر ولا تتحرك، ننساها ونقول إنها حقيقية أكثر على الخارطة.
إذا كنا نحمل العالم في راحة يدنا فإن علينا ان نقطع خط الحياة هنا أو نزيد عقدة على خط الألم.
إذا كان الجسد صندوق العالم فإننا لا نعرف ماذا يحصل مع جرح ساه أو يختفي مع برقة ظهر مفاجئة.. لا نسمع سوى تحريك الكراسي لعملية تبديل ضرورية في الذاكرة، مع ذلك نرى أحياناً في الكف عرقاً صامتاً بلا معنى ولا نفهم لماذا النهر الذي غذانا دائماً يبدو محترقاً على الخارطة.

الأخوان

الفكرة التي تكره نفسها تنقسم الى اثنتين عدوتين، لا تدري إذا كان ذلك بسبب الكره أم الألم، البداية هكذا. ستكون هناك دائماً لحظات لم يبك أحد لأجلها.. ذكريات بلا مؤلف.
الفكرة التي تكره نفسها تنقسم الى أب وابن، ثم ينزل أحدهما عن الصليب ويترك للآخرين ان يكملوا الأيام الثلاثة. البداية هكذا. سيكون هناك دائماً أمور لا يتوقف أحد لأجلها، نسيانات بلا مؤلف.
لم نسمع رغم ان الطرق استمر على الباب. سيكون هناك مزيد من التأخر. البداية هكذا. مكان الوجه التوأم نرى قبرين صغيرين وبدل الجريمة لن نجد سوى سريرين في الجوار.

المقص

يمر خائفاً على الجسر الذي يحمل اسمه
ويقول ان من العبث أن يمشي خائفاً على جسره
من العبث أن يهرب على قدميه في المدينة التي تحمل اسمه
لكن العبث في النهاية هو ان الجميع لم يرجعوا من الصيد
السائق يعرض قهوته.. بائع السعادة بأي ثمن.
العمياء في الكوخ تعرض أقداراً بأنصاف الدنانير لكنه لن يقف في الصف ليشتري حظاً ليوم واحد.
لن يحتقر صورته على قطعة المعدن
إذ لم يعرف احد إذا كانت هذه أمرا بالموت أم ورقة مالية تهرأت من الاستعمال
إذ يمكن ان تجد الرسالة القاتلة عند الخبّاز أو يكون الرغيف قفازاً للجريمة.
في النهاية ينبغي ان تزيل آثار العنف عن الصحيفة قبل ان تقرأ
أن تمسح آثار تعذيب عن الطاولة قبل أن تقوم.

II

إذا لم تقرأ اسمك في صفحة الموتى فقد تجد فقط إنذاراً
قد يكون أمرا بالعودة وعليك ان تجتاز الليل بالمقلوب
لتشفى بسرعة عليك ان تجتاز الحياة بالعكس
ان تمر بسرعة ومراراً على ظهر القطار العائد من الإعدام.
عليك ان تُضحك الموت ولن تعود بثمن أقل.
ان تتصرف كفزاعة وتطارد الموتى على رجل واحدة
أو كمومياء مستيقظة في تابوت زجاجي
عليك ان تضحك الموت
ان ترن كالصنج من العبث والقسوة
ان تقتل الألم فذلك يحتاج الى سخرية كثيرة
الى لسان مشقوق بالحكمة
ان تقتل الألم، أن تحشو أضلاعك بمنشفة
ان تعيش كفأل صغير من الصباح الى المساء
ان تتسلم حباتك أنصافاً وقروشاً وبالبطاقة
الرعب قد يكون في برتقالة
ان كنت حكيماً فاقطعها بحذر
قد تجد رأسك مشطوراً
اسمع قلبك بحذر أيضا
قد يكون إنذاراً كاذباً
أو أمرا بالعودة.

III

لا يَطلب من الصمت أن يكون جريمة لكنه يخنق رجلا وحيدا في زنزانة لكي لا يسمع مجددا صوت غريزته لابتلاعه
المنجل بالتأكيد ناسكه الأثير
المقص يقطع وهو صائم
يكسر طعم الغثيان برقاقات الأرق وتظل رائحة اللحم الرطب تصعد من بئر الحياة المفتوح
عليه أن يردم، ومهما فعل، الحياة كما تعلم مستنقع كبير
يكسر الغثيان برقاقات الأرق لكنه لن يكون مسيطرا كلسان المنجل
ما داموا حوله ولم يتم ترحيلهم في حفر واسعة
الغثيان ممزوجا بالشاي والتبغ الكوبي هو أيضا طعم الأحشاء والأفكار الليلية
وهو يقول أخرجوا كل هذا القرف من منزلي
العالم مليء بالقمامة والحقائب
إني أفضل كلابي
يبيضون ويتركون قذارتهم في كل مكان
الخيانة تخرج من الأحشاء وشقوق الرأس
علي أن أردم ومهما فعلت، الحياة مستنقع كبير
الأعداء لا يموتون. للكراهية وقت.إنها نظيفة وبلا رائحة لكنها تبدل دائما مواعيدها
القدر يتنكر باستمرار
إنه يفضل أن يلعب
الجريمة تهريج على الحياة
والرعب مضحك بمجرد أن يغير عينيه
يمكن حمل البشر في قدور كبيرة أو تسميمهم بألغاز مبهجة
الغثيان ممزوجا بالليمون والأرق والعالم لا يتوقف عن الشخير والغناء في الأسفل
ولن يكون مسيطرا ما داموا حوله ولم يتم ترحيلهم في حفر واسعة
يقول إنك لا تخيف بدون أن تعتذر من أسلحتك وبدون أن تجدد العهد مع النظافة والصمت
بدون أن تداوي العالم ذا الرأس الغبية
وترسل سمكة ميتة الى الحياة المكروهة.

IV

بانوراما المشانق لن تظل باهرة فحين تقتل الألم تقتل المخيلة
القدر يتنكر باستمرار. يلعب باستمرار لكنه لا يستطيع أن يضيف شيئا لكلمة قتل
لا صورة واحدة للكراهية
ولا تمثالا واحدا للطاغية
القدر نفسه لا يجد صورة سوى أن يظهر نفسه مستعدا ليخسر أو ليراهن على أمر أقل حتمية
في الواقع لا ندري متى يحضر المتسول أو الذي لم يولد لأمه من رواية مسروقة
الموت ليس صادقا بما يكفي لكنه لن يضحك أيضا من ميكانيكا الرعب
ورؤية الطبيب البدين مطاردا الأرواح على رجل واحدة
ستكون الحياة بعيدة جدا حين نقتلها ولن نسمع روحا تبكي
لن تجد ذاكرة لذلك
سيحصل الذي لا اسم له ولن يكون شبحا
لن يغدو المنجل إلهاً بالطبع لكن الجريمة لا تحتاج بعد الى سيد
لن يكون أحد هنا ليفكر، الطاغية هو فكرته فقط
ليس سوى اليد التي أكلت السلطة
العين التي أكلت الرعب
سوى حلمه بأن يجر العالم في سلسلة مفاتيحه ويوحّد القدر
مع ساعة الحائط.

السفير- 2003/09/19

 

لبنان - عباس بيضون

طاولة وزجاجتان من البارحة. الأمواج كانت تبصق هناك، وفي الصباح، هلال بياض جاف حول أشياء خضراء، وبقع.
الأطفال كانوا ينقلون الزبد إلى دورهم، و أنا نقلت تلك الموجة طوال الليل، وعلى البشرة تركت هلالاً ابيض.
زجاجتان تلوحان أطول في المساء، قبالة الشخصين النصفين يطلان من وسط المياه.
وحين ابدأ اصفي الحفيف من السرير الخالي، يمتلآن على مهل، ويطفح البحر منهما.