من هنا مرّت الريح ولم ترني،
لم تكن رؤية الأشياء ممكنة...
الظلال مبلّلة،
وكتل ثلجية تتطاير،
محمّلةً بأصوات برّية،
تخترق الزمن المتألّم..
لتنصهر قريباً مني،
فيما كنت أجرّب الانسحاب بضوئي الشحيح..
إلى ليل آخر، يفصلني عن ليلكم.
الوقت مراوغ..
الشمس تُفرِطُ في تمنّعها،
وفي إرسال ألوان باردة..
تشحن الغيظ،
فيما نحن لا نكفّ عن بَلْورة القلق..
ستائرنا كتيمة.
أحدثك الآن..
من قلب العالم.. من عالم بلا قلب،
كل الحدود الآن من ألم،
والفجر ضباب يوصي
بضباب.
لا فرق بين صعود وهبوط.
كخيالات عائمة في الأفق،
نفتش عن كنز اللحظة الفارغة..
عن لغة تمتص شرر اصطدامنا
بهواء قديم.
هل علي أن أختار؟!
سأختار الهجرة من زمن لا يمضي..
زمن احتجز خلفه كل الألق،
وغرس صخوره الغامضة
عند كل منعطف..
عند كل خوف.
في اللحظة التي اختلّ فيها العالم،
وعلى أرضٍ رمّلَها الضباب في ما مضى،
قدح الزمن معجزته..
كانت تلمع بضراوة،
رأيتها بعيني الثالثة.
سأستعين بالشك العارف..
الشك الأوفر حظاً من خرافة،
تكبح المعجزة،
ولا تفسّر الموت إلا بالموت.
متى يصحو العالم،
أشعر بالعطش،
تآكل وجداني من الانتظار،
وحدها طيور الليل تعلم
أنني اخترت العبور،
ولو بجلد محروق..
سأختار الناصية اللامعة حتى يصحو...
لو يصحوـــــ
كل الصور التي صقَلَها الماء،
لم تنفع..
ما زالت حراشفنا قاسية،
وخدوشنا مالحة.
ما رأيك لو نتبادل الأدوار في عراء المشهد،
أنت تأخذ كابوسي الحي،
وأنا أداوي أحلامك المقطوعة؟!
فوق المنحدرات المتكسّرة،
زحفَتْ مع الفجر،
تجرّأتْ على كثافة الضباب..
بأصوات شاكية نادَتني قبل أن يصل الدخان.
شمس مُتسلّلة،
أعانَتني
كي أسرّب إليها القليل من الدفء..
إليها..
كائناتي المتألّمة..
بانتظار لغة دافئة ـــــ مخلّصة،
لغة تفتك بخيباتنا في هذا العَدَم المحيط..
خيبة..
خيبة،
لغة تسترق النظر،
أو حتى تدفع بالأيدي
لتأخذ مكاناً لصور تُقدَح من ندم أو أكثر..
لغة تسيل مع الضوء..
تمزّق القلب، من دون أن تُفصِح.
في اللحظة الخافقة..
في اللحظة القاطعة،
ستدور دفّة ما..
لتضغط على الجحيم..
ليُفرج الموت عن موت أرحم..