إنجاز : محمود عبد الغني

ديباجة

بعيدا عن العبودية المختارة

1

لا بد أن يعطي صاحب الأنطولوجيا، ومعه قارئه، أهمية قصوى لعبارات مثل ''من وجهة نظري''، ''في رأيي الخاص''، ''أجد أن''... إلخ، للتدليل على أن كل عمل أنطولوجي ما هو إلا إختيار ذاتي يطمح أن يكون موضوعيا.
لذلك فأنطولوجيا قصيدة النثر المغربية، بإعتبارها تضم مجموعة من شعراء هذا النمط الشعري، هي إختيار وإنتخاب أكثر منها شمولية وإحاطة كلية.
لقد عملنا على أن يكون هذا العمل عاكسا لطبقات، وليس لكل طبقات، قصيدة النثر في المغرب، مصاحبا لمجمل تطوراتها، مطلا على ديناميتها، مستبعدا ما يمكن أن نسميه "القصيدة الواقعة على حدود قصيدة النثر"، أو حتى على حدود الشعر عامة، إنها مهمة جمالية شاقة، وهنا لا نطلق أحكاما.
فقصيدة النثر ربما هي النمط الشعري الوحيد الذي ما زال في طور التكون، ما زال صيرورة، لذلك فمعطفها يخفي كل الإقتراحات الممكنة، ويسعى إلى إستقطاب كل التقنيات والجماليات غير الواقعة أمام أعيننا، وهي في هذا الشعر الوحيد الشبيه بالرواية.
من هنا فديناميتها شيء أكيد، ما دامت تفيض عن ذاتها، إنها الشكل "الذي بلا شكل" وهذا مبرر آخر لكي تكون هذه الأنطولوجيا منفتحة على جل الشعراء، خصوصا وأنها العمل الأول من نوعه في المغرب.
نحن هنا، في هذه الأنطولوجيا، أمام لؤلؤ كثير، لؤلؤ جله مغمور، يستدعي مبحرون لا يغادرون الشواطئ والأعماق... يستدعي حملة ضوء خاص... وليس من يحملون إشارات المرور، مر أنت، لا تمر أنت، هذا اللؤلؤ أنتظر طويلا لتتم عملية اكتشافه، لأنه فعلا "لؤلؤ المستحيل"، بلغته ورؤياه، بمنظوره وأداته، بشكله ومضمونه، لذلك فضلنا أن نشعل النار ونرقص حولها... تعالوا نرقص إذن حول هذه النار قبل أن تنطفئ.

2

يظهر من مجمل النصوص المختارة هنا، أن لشاعر قصيدة النثر رغبات وليس رغبة واحدة.
موجهات كثيرة وقفت وراءه وأملت عليه بنيان الكتابة، فظهر راضخا لسلطتها، مما جعله يكتب تحت تأثير منظورات كثيرة، وهذا أمر ينطبق خصوصا على الشاعر الذي التحق متأخرا بركب قصيدة النثر. فبدت قصيدته على حدود قصيدة النثر، على عتباتها. إلا أنها عتبات تريد أن تدخل. فإلى جانب الرغبة في التدمير هناك الصرامة. وإلى جوار الحرية نجد النظام. ووراء الشكل الخارجي يوجد عمق وغور. فهناك شاعر كثف من وجود عنصر على حساب آخر. هناك من أعلى من قيمة النثر، وهناك من أعلى من قيمة الشعر(النظم)، وهناك من بقي في منزلة وسطى. وهناك من سعى إلى خلق شكل خاص، جديد. ولن نجد أدنى صعوبة في اكتشاف أن أنصار خلق الشكل الجديد تسود عندهم نزعة فردية فوضوية بقيادة الإرادة الفنية (سوزان بيرنار). وما هذه النزعة الفردية الفوضوية إلا تمردا ضد كل "أعراف الشعر واللغة". وهي نزعة ربما برع كثيرا في الحديث عنها منظرو ونقاد الرواية عند تدليلهم على "لا شكلية" الرواية. أي أن تاريخ الرواية هو تاريخ نقض الأعراف الأجناسية، تاريخ الإنفتاح والتجاوز. ونفس الشيء نقوله عن قصيدة النثر في المغرب. هذه القصيدة التي زاوجت بين الشعرية والنثرية. وهي في ذلك لم تخرج عن طابع الإزدواجية الذي ظهرت به قصيدة النثر الأوروبية، الفرنسية على الخصوص. وهنا لا بد من التأكيد على أن الشاعر لن يصل إلى هذه المرتبة دون إعداد ذاتي لها. فقصيدة النثر هي ثمرة لهذا الإعداد الرفيع. لهذا التجسيد لمجموعة من المستويات البنائية، نثرية وشعرية وإدراكية. والثمرة تكون أكثر نضجا إذا مارس الشاعر ألعابه الفكرية التي تتكثف ببطء إلى أن تأتي اللحظة المناسبة وينهي الشاعر لعبته في ما يشبه فرملة للقصيدة. والإختلاف العظيم هنا هو أن كل ما هو مساند للقصيدة لا يظهر إلا في اللحظة الأخيرة. لحظة إغلاق البناء بعد أن يكون الشاعر قد أبدى براعة في ألعابه، التي هي سلسلة من الحركات الفكرية واللسانية الخفيفة، التي لا يبدع فيها إلا من ضرب جذوره في لحظته. وكأن الأمر يتعلق بــ"علم آثار" لا تجري فيه أعمال التنقيب إلا في نقطة واحدة طيلة وقت أطول مما كنا نحسب.

3

يلاحظ قارئ قصيدة النثر، في أجود نماذجها، أنها تتبرم من النزعة الرمزية. فأن تكتب قصيدة النثر يعني أن تستضيف ضيوفا آخرين: ذاتك في أبسط أفعالها. أن تكذب عن استضافة الوقائعية وتكذب في توبتك. أن تقسم بأنك ستوظف كل ما تصادفه أمامك، من السرد إلى مجانية الحدث والقصيدة. أن تدع عينك، مع الحواس الأخرى، تبدأ بالرؤية. وقبل ذلك عليك أن تهيء قارئك ليشاركك كل ما تراه. وخصوصا لا بد من الوقائع ولهوية الفكر، فكلما كان هذا الطعم مركزا ومنثورا هنا وهناك كلما كان الصيد وفيرا.
شاعر قصيدة النثر يدع العين والذاكرة تمارسان وظيفتهما. فالعين تحس وظيفتها في الظلام الذي يحيط بالأشياء والأحداث، والذاكرة تلتقط وتحرف أو تحلم، واليد تكتب. وبذلك تجتمع وتتكوم اللقطات وترتبط ببعضها فتشكل مركز القصيدة، وبذلك يتصالح الشاعر معها، وبعده قارئه. وأين اللغة هنا ؟ آه.. اللغة. أبنيتها ولهوها الخاص. لهوها في ظلام الأزمنة.
علينا أن نفهم جيدا اللغة التي تؤدي وظائفها في نقل المقاهي والشوارع والباصات والعابرين والدموع التي تسق من عين وحيدة في قطار أو عاصمة أو أكروبول، في إشارة واضحة هنا إلى رائد هذا النمط: الشاعر الراحل سركون بولص، الذي برع كثيرا في دفعنا إلى تلمس انحرافات اللغة على مستوى التركيب والدلالة. وبذلك فهو الشاعر الذي جعل القصيدة أليفة واللغة أألف. ونستطيع أن نختار من شعراء هذه الأنطولوجيا شعراء مغاربة برعوا أيضا في هذه الوظيفة: بنيس، بنطلحة، زريقة، وساط، الصالحي، الحكماوي، وقفوا خصوصا، خصوصا، عند أحمد بركات الذي كان سباقا في إقتراح الإزدواجية المثمرة: نثر/ شعر. القصيدة إذن تذهب إلى الزوايا اللغوية الغريبة، ولكن التي لا تخلو من رؤية أو تركيب. وهذا بالضبط ما يولد الإحساس بأن القصيدة تبقى دائما شبيهة بلوحة لم ترسم بعد، إذ أن رسامها يتردد، وريشته ترتجف في يده المرتبكة. ولا يمكن أن نقول أنها قصيدة كتبت وأنتهت إلا عندما يقول لنا الشاعر إن يده كتبتها في غفلة عنه، يده التي غادرته في النوم وكتبت ما كتبت، بعيدا عن أية سلطة أو رعاية أو "عبودية مختارة".

4

كتب مرة "هلموت بوتيجر" عبارة نظرية في غاية الأهمية:"إن الصراع بين الإشراق والوضوح، وبين الرومانسية هو ما يؤدي إلى إنجاز القصيدة على نحو دقيق". (لا فض فاك يا"هلموت"). ولنتخيل حجم وشكل الصراعات داخل قصيدة النثر التي تحضر فيها ازدواجيات كثيرة، إضافة إلى هذا الصراع المكشوف بين الوضوح والإشراق وبين الرومانسية. وهذا الإختزال يتطلب تصور شكل اللغة، البلاغية، طريقة الإفصاح الفكرة / الفكر، المعجم...الخ. قصيدة النثر، إذن، شعر يتحرك ويحيى بين المتعارضات. بين ماهو سحري ومحددات عقلانية. وهي (قصيدة النثر)، في أحسن نماذجها، حدت من تدفق وتأثيرات الماضي، ماضي الشعر واللغة والمجازات. ألا يحتاج ذلك، من بين ما يحتاج إليه، إلى نفسية حديثة، سواء في الإنتاج أو التلقي. هذا ما يجعل منها قصيدة تخترق الزمان. تقذف بعيدا وتحط قريبا. حاملة لإنتقاليات الحالات، كل الحالات التي يمكن أن يتصورها قارئ الشعر المحترف(هل هو موجود خارج قلعة الشعراء ؟). لنفتح نوافذنا فقربها تنو أجمل الأشجار.

5

داخل بنيان كل قصيدة نثر ثمة فجوة ما يتركها الشاعر قصدا. يخلفها وراءه كأفضل مكافأة لمن يأتي بعده. وتلك الفجوة تحديدا هي حيز تستقر فيه خبرة تجربة القراءة والكتابة. لنراقب قارئ قصيدة النثر. لنلاحظ حركات يديه. إنه جالس يقرأ كتابا بتمرير أصابعه على الورق كما يمرر بعض القراء أصابعهم على ورق مكتوب بأحرف نافرة.
الجمال كل الجمال هو في الإحساس بحركة الأصابع السحرية. لقد جاء دور اليد بعد العين. ألم تكتب قصيدة النثر، ذات المتناقضات المتنافرة، بيد مرتجفة، تحت إشراف عين تكابد الرؤية في الظلام ؟، وعلينا ألا نفوت الفرصة للإشادة بهؤلاء الشعراء لأنهم مفتونون بشعر "موسيقي"، بلوحات الزيت، بالتصوير، بالمقالة، بالرواية، بالعلم.
"فطوال ما يقرب من القرن ونصف القرن استوعبتْ قصيدة النثر شتّى أشكال الخطاب النثريّ وعملتْ على تذويبها في مصهرها الشعريّ" (ك.جهاد).
بذلك فهؤلاء الشعراء يرون كل شيء في مرآة أنفسهم. كل ذلك ينتقل إلى البنية الكبرى التي تحدد شكل قصيدة النثر. فيجعلها تتلاحق وتندمج.
هذا ما وجدناه في هذه الأنطولوجيا
فأتبعناه
خيطا
خيطا.

محمود عبد الغني
الرباط
05/11/2007

***

محمد بنيس

  • من مواليد فاس، عام 1948.
  • تابع دراسته العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس.
  • حصل على دكتوراه الدولة العام 1988.
  • يعمل حالياً أستاذاً للشعر العربي الحديث بنفس الكلية.
  • أسس مجلة: الثقافة الجديدة عام 1974.
  • وهو أحد مؤسسي بيت الشعر في المغرب.

صدر له:

  • ما قبل الكلام، شعر، مطبعة النهضة فاس، 1969.
  • شئ عن الإضطهاد والفرح، شعر، منشورات الإتحاد الوطني لطلبة المغرب بفاس، 1972.
  • وجه متوهج عبر امتداد الزمن، شعر، مطبعة النهضة، 1974.
  • في إتجاه صوتك العمودي، شعر، منشورات الثقافة الجديدة الدار البيضاء، 1980.
  • مواسم الشرق تاليها دكنة لمسكن الصباح، شعر، ط1، دار توبقال للنشر الدار البيضاء، 1986، ط 2، 1990.
  • ورقة البهاء، شعر، دار توبقال للنشر، 1988.
  • هبة الفراغ، شعر، دار توبقال للنشر، 1992.
  • كتاب الحب، شعر، بالإشتراك مع الفنان التشكيلي العراقي ضياء العزاوي، دار توبقال، 1995.
  • المكان الوثني، شعر، دار توبقال، 1996.
  • كتابة المحو، شعر، دار توبقال، 1998.
  • نبيذ، شعر، رياض اليس للكتب والنشر، 2003.
  • هناك تبقى، شعر، دار النهضة العربية بيروت،2007.

طريق النار

قديما من بلاد يهجرون بلادهم
كانوا جميعا يبدؤون طقوس
رحلتهم بنبع الماء يغتسلون ليلا كاملا
قيبل الصباح يجهزون بغالهم لا يسألون
عن الشروق سروجهم تنأى
مع الزيتون ينتقلون
من
أعلى
إلى أعلى
طريق النار تلمسها أصابعهم يذكر
بعضنا بعضا بمن كانوا لهم أهلا وكانوا في البعيد
أمام أسوار هي العطش الرباح
الثلج أرض كلها زرقاء
كانوا يتبعون الصمت
نحو مساكن الأنفاس قافلة
لها الذكرى التي أحتفظت بها الأحجار
صيفا أو شتاء يهجرون بلادهم
لا بد أن يتبادلوا لغة الإشارة
تلك عادة عابرين إلى مكان
لا يغير ضوءه
سفر بطيء في سفوح كلها ليل
إذن عثروا
على ماليس يظهر
واضحا
ومضوا بلا أمل
إلى نار تهيئ رحلة أخرى.

تكوين

الشمس سرك أيها الياقوت
وأنت الأرض
تلطف
كلما أنعقدت مسام
تكاثفت وتداخلت
تضع البريق على مدار اللون
أحمر
ربما ظهرت عليك برودة التكوين
أصفر
ربما لانت بقاعك
أبيض
جسمك الذهبي
أقتحم المسافة بين أول نظرة
وعتاقة الألوان في أرض
هي الجهة التي رفعت حواسك
نحو نعمة أن ترى
شمسا تفتش عن بنيها
خلف سفح
ثم سفح
في هواء لليل.

سيد الياقوت

لعل الضوء بين يديك ينشأ في الحجارة خلت وجهك غائبا عني غريبا سائحا في الهند حيث اللون أزرق لا ينام على ضفاف نهر الكانغ وفي محيط يديك يتقد الهواء كأن غرفتك التي آوتك ضيقة عن الأنفاس حينا
بعد حين تخطف الياقوت من بوابة النيران تغلق موقدا لتقيس لون الضوء ضوء اللون كل منهما أفق إلى أفق يطير.

لا ندري

أختار من بين الحجارة ما يضيء
أصابع الرجال
ما يرنو إليك بكبرياء الصمت
ضلع واحد متكسر
لغناء سيدة هنالك تنقر
الأوتار جنب شجيرة الليمون
والأرض
التي بغموضها كبرت
ولا
ندري بأي بصيرة
هي
أو
سواها كانت الأحجار أسماء
وفي الأسماء
عاصفة تغير شكلها
خذ شعلة الغنبار
كان الصوت محتدما عنيفا
فارغا
من رعشة الأحلام
كان الصوت أملس
خذ
وبين أصابع الرحال ضوء
قد يصدق حشرجات قد يظل محدقا
في جذر عاصفة
كأن حجارة كانت تكلم
من أحبت و اشتهت
شيئا
يضم الأرض.

سطوح

كريم
هاهو الوصف الذي كتبت يد
من قبل في اليونان
تحت سماء
ملحمة بطيئا كان ينطق
في حواسك
كان يفتح بابه الزرقاء
يترك برقه
يرعى قبابا تنحني يتسلق الأنفاس ثم هناك
تلمع سعفة
من حيث لا أحد يمر إليك
سطوح في هواء الليل تظهر
من صدى نغم
كأن اللابداية مسرح الياقوت
تشرق رغبة
نار
بها ارتجت يد
لمست ضالة قطعة
تفضي إليك بضوء داخلها
كخارجها
وأحمر مرة أخرى
يشع كفكرة شبت حرائقها
وفي الكلمات صحراء
(فهل هي
ثورة المعنى على المعنى)
شبيها بالصداقة
ينشر الياقوت ظلا لا يزول
يد تعاين موتها جسد
وحيد
نقطة سقطت
من
الياقوت.

واجهة

تكرر شبه التماع
تكرر في لمحة
والزجاج الذي بيننا سوف يبقى
هنا
كنت أبصر رأسي منحنيا
نحو ياقوتة
كيف لي
أن أقيس المسافة بيني وبين الهدوء
التماع يذكرني
بالذي هو أبعد من عري غنبازه
ربما
بالتوقد في ليلة من ليلي
البياض
أثبت عيني في ركن واجهة
وأنا لست أعرف
هل هي نفسي التي كلمت غيرها
أم هنا اتسعت رقعة
للملابس
خلف الزجاج
هنا كنت أبصر لكن شيئا
يضم الكلام إلي
تحرك نحوي
التماع
دنا رعشة للذي يتوقد
بعض أنا.

***

محمد بنطلحة

  • من مواليد فاس، عام 1950.
  • عضو مؤسس لبيت الشعر في المغرب.
  • يعمل مدرسا بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس.

صدر له:

  • نشيد البجع، شعر، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 1989.
  • غيمة أو حجر، شعر، منشورات الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ط 1 بغداد، 1990، ط 2 دار توبقال، 1995.
  • سدوم، شعر، منشورات توبقال، 1992.
  • بعكس الماء، شعر، منشورات فضاءات مستقبلية، 2000.
  • ليتني أعمى، شعر، منشورات فضاءات مستقبلية، 2002.
  • قليلا أكثر، شعر، دار الثقافة، 2007.

من أجل قبضة ثلج

عمر بأسره
والحرب الأهلية قائمة
بين الماء
ورغوته
المحيط عرفناه
سمكة
سمكة
والهدير
كالحقائب الموصدة
كم نقلناه
من كتف إلى كتف
وفي الأخير
إنسان الثلج لم يخطئ:
الزمن ليس سمكة.

الوجود والعدم

في عجالة:
وجهان لعملة واحدة
الحياة.
قرأت هذا في عظمة كتف
عثرت عليها
بالصدفة
بين أوراقي
بدون تاريخ
الخط الزناتي
وفي الهامش:
الوجود أريكة
والعدم صولجان.

تفاديا للتكرار

الحبكة هي الحل
هكذا قلت وأنا أرى الأمواج
على اختلافها
لا تأخذ الدرس
وتسقط
عند كل صخرة
في نفس الخطأ.

هذه المرة
رجحت أن الذي يمخر عباب المخيلة حوت ضخم
أن المنارات فخاخ
وأن الهدير
من أذني
وليس من المحارة
رجحت كل هذا
وحين فركت عيني أكثر
كان الأفق
عاريا
وكان القميص الذي فوق جلدي
كالذاكرة
سحابة صيف.

قرأت صافو

النهر يجري
وأقدامي فيه.
ما العمل ؟
كل موجة هادرة علامة ترقيم
وكل صفحة مبتورة
لورانس داريل سوف يستشهد بها
على قوة العباب
الطوفان على الأبواب
وصافو
كلما تقدمت في السن
تطلعت إلى أشياء كثيرة
من بينها:
الخط الجميل
والعبارات المسروقة.

تحت لوحة زيتية
(خلال حفل استقبال)

الأحياء يلهون
بينما الموتى
سرعان ما سئموا حياة اللهو
وعادوا
كل إلى ثكنته
أقصد:
إلى جسده.
طبول
في الهواء.

هدنة قصيرة

تأتين
ماهم
لا خاتم في صهيل أو قطار
لا خاتم
ولا تاج
قد شعشع المساء.
ثمة
جريدة حبلى.
وريح لا تكف عن الشكوى من آلام الظهر.
السبابة على الشفاه
والأفكار
كالقطط
من كرسي إلى آخر.
ثمة
الغناء Soprano
القدح إلى النصف
والفروق بين رصيفين متواليين:
حد مزدحم
وفارغ تماما
في برهة خاطفة
أمحى.
أحد ما همس في أذن الخيل.

تحت سطح البحر

تحت جلدي
ما أكثر اللؤلؤ
ما أكثره
ولكن
من بين آلاف المرايا
ومن غير كربون 14
أي
لؤلؤة
لن تجلب الصمم
ولن يكون في جوفها
إما قنفذ
وإما بركان.

ثعالب تعوم وكفى

أنخفض الماء
وها نحن
فقط
كي نغيظ الموتى
نأخذ حفنة ونشرب
من كل جدول
شربوا
منه
أرتوينا
والقلة
هي التي شمت في طعم الماء
رائحة السكاكين.

الدورادو

مقهى
مطعم
حانة

في حوار البحر
ساق فوق ساق
وعزف منفرد
نحن في ابريل
وفي الخلف
لوحة إشهارية
وموعظة بارزة:
الوقت من ذهب.
جاء النادل
بأقدام زرقاء
عينه علي
وفي فمه هذا المطلع:
ليس كل من يغني سعيدا
قلت:
نبيذ لإثنين
للشاعر
في صحة الموتى
وللخيميائي
عسى أن يقبل على الحياة
وينسى الإكسير.

شامبانيا للجميع

OK
سحابة فأخرى
ويظهر خبر عاجل
عن توغل أعداد كبيرة
من كاسحات الألغام
في منامي.

***

المهدي أخريف

  • من مواليد القصر الكبير، عام 1952.
  • حصل على الإجازة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، 1972.
  • يعمل أستاذا بالثانوي بمدينة أصيلا.

صدر له:

  • مسافات البداية في عشق بدائي، شعر، دار الصباح بيروت، 1979.
  • باب البحر، شعر، المؤسسة العربية للدارسات والنشر بيروت، 1983.
  • سماء خفيضة، شعر، دار النشر المغربية الدار البيضاء، 1989.
  • ترانيم لتسلية البحر، شعر، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، 1995.
  • ترانيم لتسلية البحر، شعر، دار المعارف الرباط، 1992.
  • في الثلث الخالي من البياض، شعر، دار توبقال، 2002
  • الأعمال الشعرية الكاملة (تسعة دواوين)، وزارة الثقافة الرباط، 2003.
  • بين الحبر وبيني، شعر، دار توبقال، 2006.

نصف بيت

للعمر كله
نصف بيت من الشعر
يكفي.
نصف بيت من الشعر
بدد إدغار بو عمره الأخرق
من أجل ترجمته
بلا جدوى
إلى نثر خارق
أما النصف الآخر من البيت
فمن عالم آخر سيجيء
أبعد من الشعر
ومن كل الأسفار
وأسرع
من رفة وتر.
أما أنت
فيكفي أن تراوغ السنين القادمة
من أجل أن تكون أنت.
من أجل نصف بيت من النثر
ضيعته دائما بمهارة بحجة أننا
جئنا متأخرين ثلاثين سنة عن موعدنا.
ثم إن وقوفك هذا
على رجل واحدة
مديرا صوتك لمرضعك البحر
مثل مالك الحزين
(كتبنا عنكما
في سمائنا الخفيضة
ـ ألا تذكرـ ؟)
مكتفيا بحاسة الشم
عن العالمين
بدليل على أن نصف بيتك
الآخر من الشعر
مكتوب سلفا
في فقاقيع
هذا القدح البارد
المزبد
البارد.

بديع أوصاني

قبل أن تبدأ
دائما تجنب
صفحة الصباح
دائما تجنب الموجة
الأولى
وأن ترقرقت
من تلقاء شفافية شاردة
دع الصفحة الثانية خالية
تحسبا لنزوات
الغد
والتي تليها مشرعة لإحتمالات الهجرة
إلى بحور أعلى
أما الصفحات
الباقية
من القلق البائت فلنلفف بها
ونحن نيام
حزمة الحروف الجهيضة
حتى نفيق
بعدئذ
لننثر
بحياد تام
كل ما تبخر من أقلام
على طاولة البدء.

فر من يدي الطير

في الطريق إلى البيت الرابع
فر من يدي الطير
وها أنا محاصر في شارع
أضيق من هامش على سطر
فمن يجبر الشارع على التقهقر
إلى حرف من حروف
النفي؟
ومن يجبر البياض
على التحليق في خيالي؟
لقد نشف الحبر.
وما من شارع آخر
يؤدي إلى البيت.
وليت معي البرق ليقرأ حظي ثانية
في فنجان البيت المكسور.

الأكاسيا

ألم يمر
من هنا أحد ؟
ألم يهجس بهذي
الريح ناي قبلي
في ظهيرة ؟
هل مر "هاينه"
متصدقا ببضعة أبيات
لخواطر الصباح ؟
من أين هذي النكهة
في الحباحب في عرف الديك
في السطر الرابع
والثاني ؟
هل دوخني
أمرؤ القيس
بين الخمر وبيني ؟
أمس أخترعت الحراذين
عبرت بحورا بقدم واحدة
في حلم شيق
لكن
آخر قصيدة في الحضيض
هل غمست المادلين في شاي آخر
مرتشقا صورا أولى
تحت ظلال الفتيات ؟
لماذا
هجست بالماء
وجربت مرتين
مثل هتاف شاب
هذا السر:
الأكاسيا
الأكاسيا ؟؟

تعويذة جارحة

نطقت
أخيرا هذه المومياء
وتشنج الإيقاع في أحشائها
الرغوية
الأصداء تنثر خيط
ريق
في الهواء
ما زال في الرمق السحيق
بقية من غرغرة
وخفوق
محو
أنحني كالطوق
عند نزولك الأبدي
وألتحمي رويدا بالنقوش الباردة
وتخدري في الجير آونة
وأخرى أرفعي الأنخاب
لطلاوة جوفاء يفعمها الهباء
على هواه ويرتديها
المرمر المسكون
والعتبات
والجلد المعفى
والصباح
الملح يمضي بالقناع
وبالصباح
وبالصدى
والماء
لا يبقى
سوى بردية صبغت
بريح
باهتة !
جئنا هنا
من قبل أن نأتي
لنستلم المصائر تحت وابل
أنجم فحمية وسلاحنا اليرقات
عارية وقدح لا يجارى
في الهباء
لا
لن نغادر هذه الأشباح
مذ جئنا ونحن نروض الأشباح
عطر منازل
الموتى المدام
وعطرها الساقي
وسدرتنا الحطام .

***

عبد الله زريقة

  • من مواليد الدار البيضاء، عام 1953.
  • حصل على الإجازة في علم الاجتماع من كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، 1978.
  • وفي نفس السنة تعرض للإعتقال وحكم عليه بسنتين سجناً.
  • متفرغ للكتابة والأسفار.

صدر له:

  • رقصة الرأس والوردة، شعر، مطبعة الأندلس الدار البيضاء، 1977.
  • ضحكات شجرة الكلام، شعر، منشورات المقدمة الدار البيضاء، 1982.
  • زهور حجرية، شعر، منشورات البديل الدار البيضاء، 1983.
  • تفاحة المثلث، شعر، عمل مشترك مع الفنان عباس صلادي، الدار البيضاء، مؤسسة بنشرة، 1985.
  • فراشات سوداء، شعر، دار توبقال للنشر الدار البيضاء، 1988.
  • فراغات مرقعة بخيط الشمس، شعر، منشورات الفنيك الدار البيضاء، 1995.

إبرة الوجود

قمح محتبس في رأس نملة
النملة لا تقف لحظة قرب نملة أخرى ميتة
الوقت حشرة جامدة قرب ساعة حائط مغبر
الأطفال لا يصلحون عموما إلا لقتل العصافير
الهواء يتغذى من الغبار العالق برئتيه
لا أكتب لأني مكبل بكلمتين في قبو اللغة
الشعر محاولة الخروج من سجن لغة إلى سجن
لغة أوسع منه
الأمل نفسه لا يدخل إلى قلب تفاحة
إذا رأى دودة واحدة.

2

أحاول تعريف كلمة "كفن" بخيط وإبرة
الوردة لا تعرف أنها وسط قمامة
الوردة لا تعرف وردة أخرى
الوردة لا تعرفني بالمرة
الوردة غارقة في لذة جهلها
بأي شيء آخر.

3

بل الوردة لا تفهم الوردة الأخرى
وإنما نفسها
واسمي لا يفهمني
وإنما نفسه
حين أكون بعيداً
عن قبر فم.

خشخشة حلزون الممحاة

يا هايا
لا أعثر على الكون
إلا في تربة حلزون.

ولا على الريح
إلا في ململة رمل.
ولا علي
إلا في ظل ممحاة.

2

يا هايا
هل هناك نار
أنتظرها حتى تنطفئ
لأندفن في دفء الرماد.

3

يا هايا يا هايا
الشرق ماء
والغرب ماء
وبينهما غرقى.

غربة مسالخ البياض

ومتى أخرج من مدينة لغة
إلى صمم خلاء لا أرى فيه
إلا
أفق نفسي يرعى عشب نفسي.

2

اللغة دمي قبل أن أذبح
في مسلخ ناصع البياض
وأرقد في رأس ذبابة.

3

فلن تصبح حداثياً إلا حين تكسر رأسك
الخزفي المشرئب من حافة قبر.

4

لا أريد أن أرى دمعة
منزلقة على خد ماء
بل قطرة ماء لا تريد
أن تكون تكرارا
لقطرة ماء أخرى.

5

الريح وحدها التي تستطيع
أن تحدث خواء في الماء.

6

ذرات الغبار هي التي
تعرف ما في هذا القمطر.

7

الموت كقطرة مطر
تطفئ شمعة الروح.

***

مبارك وساط

  • من مواليد اليوسفية، عام 1955.
  • عمل أستاذا لمادة الفلسفة .
  • عضو بهيئة تحرير مجلة: عيون، الصادرة بألمانيا.

صدر له:

  • على درج المياه العميقة، شعر، دار توبقال.

مجرّد فراشة

أنفاسُكَ ضالعة في المؤامرة التي حيكَتْ ضدّ أجنّة غُرِسوا في الثّلْج. والبجع الذي ينبثق من كتفيك يثير قلاقل في جنبات المدينة. شيّدْتَ بيتا من صوتك وزفيرك، لكنّه لم يُقْبَلْ في أيّ شارع. تُرافقك صبيّة تزعم أنّها ابنتك لكنَّها مجرَّد فراشة متنكِّرة.

مع هذا، فأنتَ توجزُ الفصول تحدِّقُ طويلا في أعناق المارّة في سيقان الخُزامى.
لذا فأعداؤك كُثْر. وما إن تقف أمام كهف يهُبُّ منْه جنون نملة حتى يجرِّدوك من أحلامك ويطرحوها في المزاد، ثُمّ يُعيدوك، على مراحل، إلى ما قبلَ الولادة.
بعْدها يقولون:
أختفى في بحر الرِّمال الذّائبة، يقيمُ في كسوف دائم، يتنقلُ من الشاحنات إلى القصائد ينكش ريشَ الليل يُدْلِجُ كثيرا يَسْرقُ أصوات المتثائبين.

يوتوبيا

أخيرا
أيها القلب بوحشتك
القليلة الغامضة
تنزل من نجمتك الأليفة
واضعا يدك في يدي
يا قلبي الذي غطّى
حدائق
بالنبضات
وها أنتَ
يا هذا
الضّوء
تهبّ
متحمّسا
فقد ائتمنتك الطّيور
على وميض
دمائها
والملاحون الشجعان
بدورهم
ألتحقوا بنا
بعد أن أجبروا قراصنة عتاة
على التخفي
في أرحام
البنادق
أنا
أيضا
متهيّئ
فقد كنت
من مشاهير الكُماة
وذاك ما تشْهد به
طحالب الهواء
التي أخترقتها سهامي
دونما إيذاء
إذ أكتفت بالمرور
جنب قلوبها
مجتمعين
سنُفلح بكلّ تأكيد
فالضّوء سيُنير طريقنا
والملاحون سيمخرون بنا عباب البحر
وقوسي
وكنانتي على كتفي!
سنُحرّرُ الأمواج
من حياتها الرّتيبة
ونجعلها تمشي على أقدام
في الشّوارع الجميلة
وسنمنح هذه الأشْجار التّعيسة
ذكريات طفولة
ومرايا تبدو فيها
غيدا مرحات
ونقيم لهذي الشّموس التّائهة
الفقيرة
أعشاشا بين السّوسنات
التي تُزْهر
في الضّباب
وبقصائد تضجّ
بالدّم البهيج النّافر
سنفتدي سبايا الحُروب القديمة
والغيمة التي ما زالوا يأسُرونها
في بنطال ماياكوفسكي
ومنْ تشأ من الصّبايا
اللواتي أصبحن أسماكا
نُعِدْها
سيرتها الأولى!
يقينا أنّنا
مجتمعين
لن نتراجع.

عياء

لا تطلبي منّي أن أشرب
كأسا أخرى
من هذا الشّراب
الزّعاف
وإذا شئتِ أنْ تقولي
للعالم وداعا
أتركيني أسترحْ
في قلقي
فالقلقون
كثيرا
ما يُفكّرون
في التماعات الزّهور
السّوداء
كثيرا ما يستشعرون
في رئاتهم
آلام
المسلولين
والتّعاسة
هي ضرب من
الموسيقى
والطّيور المعدنية التي
يجري في عروقها
الزّئبق
مع الأنغام
يُمكنها أن تُحلّق
حتّى داخل دم
الأغصان.
أتْركيني قلقا
فثمّة صيف يُحتضر
في ثنايا
معطفي
فيما تعلو من كتفيك
تشكيلات ألوان
وإستعارات
حقا
ستسري
في عظامي
صلوات النجوم
البكماء
غير أنّي
الآن
ما أزال
في سكونِ
كأسِ السّموم هاته
التي تلامسُها
أصابعُك
برهبة
والتذاذ.

إنْ كُنْتُ منذُ الصّباح

لستُ من يُجامل. أترُكُ قلقا ينساب في بلعوم أو في أنابيب القصب، حسب الطقس وكيْفَ هُوَ مزاج زهرة الآس على كتف النديمة لينا. وإن حادثتُكمْ فبالصدق ذاته، كمن يرقد في ضوء شمعته. وإنْ كنتُ منذ الصّباح في هذه الحانة، جنب هذه النافذة، بعِظامي التي تتحمّس أيَّامَ المآسي، فذلك للتعبير عن تضامني.
معَ من ؟
يُسائلني بعيْنِه المخمورة البدينُ الجالس قبالتي، وكنتُ حسبته يعلم!..
مع من ؟
مع أولئك الأقزام الذين جَعلتْ منهم الغابة القريبة أشجارَها القصيرَةَ! وأنْ لا يكون الأمر واضحا، هذا ما يُبلبلني فكيف التخلص من الحَنق؟ أأشيح بوجهي نحو النافذة فأتتبّع القدّ المشيقَ وهو يتهادى في الأعالي (تلك حادية السّحاب، تمشي على حبلها أمام سِرْبِ غُيوم) أمْ أشْخَصُ إلى العصافير المذهولة من رؤية الريح تُسدل بَراقع على وجوه السواقي؟
الأوْلى الإنصاتُ لصفير أظافري المأخوذة بحُلمها المُتكرّر، حيث أظهر، بداية، في شاطئ، ثمّ تقترب مني باسمة امرأةٌ في لباس ممرّضة ـ يتّضِح أنها ليْست إلا لينا ـ بيدها حقنة، تقول إنها مملوءة بفودكا روسية خالصة ! ثمّ توجِّه إبرتها نحو ذراعي!.. بعدَها أجدُني في مقهى، بقربي جورج سيمنون، يسيّر بغليونه أوركسترا لا أراها.
وإذا الكأسُ تقلِع، وهي في يدي
ساحِبَة إيّاي خلفها
هكذا أختفي
فتحتلُّ صدارةَ المشهد ذراعُ ُ تُجَذف فيما يبدو أنه البَحر
وحتى النهاية
لا أعود إلى الظهور
ولا أعلمُ
أيْنَ تتطوّح عظامي
ولا أعرفُ شيئا
عن مصيري!.

***

عزيز الحاكم

  • من مواليد فاس، عام 1955.
  • درس الفلسفة.
  • أشتغل في سلك التعليم من 1976 إلى 1989.
  • عضو اتحاد كتاب المغرب.
  • متفرغ للتأليف والترجمة.

صدر له :

  • عطر الذاكرة، شعر، منشورات جائزة فاس للإعلام والثقافة عن دار ما بعد الحداثة فاس 2000.
  • منازل الرؤيا ـ أحلام وتجليات ـ شعر، وزارة الثقافة المغربية عن دار ما بعد الحداثة فاس 2005.
  • ترحلات مفتوحة ـ جرمانيا ـ شعر، وزارة الثقافة المغربية عن دار ما بعد الحداثة فاس 2007.
  • مقعد بين حلمين، شعر.
  • الشامان الأخير، شعر.

الشامان الأخير

" Non je ne suis jamais seul
Avec ma solitude …"

Serge Reggiani

من يعرف لون المساء
قبلك
يا توأمي
في هذي الخلوات الجليلة ؟
ومن يستفيق
على بكاء الطير
سواي
أنا الباشق في عز الحلم
يا فائزة العمر الجميل ؟
وكري بأنفاسك مشبع
وقلبي آهل
بإنتشار ظلك في المرايا
فلا تقلعي مسمعي من قدميك
حين يخطو بك الشوق
نحو مضجعي .
ها قد خلعت لساني الصارم
ومزقت ألاعيب الغواني
ورتبت الوسائد الزرقاء
في رمش الحبور
وآخيت نفسي على مهل
ولم أستكن في هبوب النوائب .
قد كان لي سبت
مفعم بالنوايا الجذلة
وخليلة مرحة
ترشق قلقي
بالعطور الباذخة
وترياق "الحدس"
وتسألني
كلما عصف الصمت
بمحفلنا :
ما بك ساهم كالموت
وعيناك مشرعتان على
سفوح الخواء
هل كان بها ما بي
من دهشة النمور
وصيحات التنانين البكماء ؟
هل كانت تمرح
في كوابيسي البيضاء
مثل "عقرب" عطشى
أو شادية زاغت عن ملاذها
فأعفتني من هاجس التحليق
صوب مناسك الغونغورو
ومراصد النسور البوذية ؟
ما أحلى النوم أمام "طوب سوليفار"
الكلاب الضالة تخترق سبيلي
تصافحني خلسة
وتؤنس وحشتي
كشبيه منسي
وجنود الفجر يتنازعون أمر وجودي
في هذا المرقد الطلق
وحبيبتي تستحم في أرقي
وتكنس عزلتي الضارية
من شوائب الإحتضار.
أيتها الظافرة بهذا القلب العليل
ضعي مخالبك الوديعة خلف رأسي
حينما تندلق أناملي السائبة
فوق جيدك الأهيف
وتنتشي روحي
بشذى قدك المكهرب
وهيئي لهذا الهوى العارم
ما يليق به من أبهات
ولا تسقمي في هذا الزوال المشمس.
تبرجي في وجه الألم
وأستريحي فوق رموشي
وأشرقي كما عهدتك
في مهتبل الربيع
مثل ظبية عروس
توقد الغيرة في صدور الأقمار
نبرسي دياجيري
بسنا مبسمك الفيحان
ولا تربكي ولهي
إذا ما خذلتني اللحظة
ولاذت قصائدي
بالصمت المرير.

***

إدريس عيسى

  • من مواليد القنيطرة، عام 1956.
  • حصل على الإجازة في اللغة العربية وآدابها ثم شهادة استكمال الدروس من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
  • عمل أستاذاً ثم مفتشاً بالتعليم الثانوي.

صدر له:

  • امرأة من أقصى الريح، شعر، منشورات نجيب الريس لندن، 1990.


امرأة من أقصى الريح
ياسر في السرير
يمناه على نجمتين قد أنطبقت
وتقوست اليسرى
لغزالات عبرت سرا
أيقظت شجر الأرض ثم
أستحمت بماء الغدير.
(لماذا نكبر ثم نقيس شطوط الجرح بموج طفولتنا
يا ياسر؟!
لماذا نلقي ثوب الظل ونرمي لامرأة في النار أصابعنا ؟).

2

ياسر
هل تسمعني ؟
هل تأتي كي نتسابق فوق فراغ الأرض
ونركض كالمهرين ؟
هل تقرضني
يا ياسر
ضحكتك المجبولة من برق لما يعبر جسدي
فيراجع نخلي رقصته الكبرى ويسافر في ريح امرأة
ما حرك أستارها نفسي ؟
هل تمنحني ناياتك حتى يسعفني الغيم السري بلؤلؤة
فأوزاري بين جناح القلب وبين صهيل برار تهتف بي
وتهز ظلال الشيح ؟
يا ياسر
أنت (أنا) الأقصى
ودليل خطاي
أفتش عني فيك
وتعرض في كفيك مرايا الريح.
(لماذا تعشق امرأة في البدء فتمرق مهرتنا من خاتمها، وينام البرق خلال أصابعنا ثم نثمر أقمارا، ونقيم مدائن غامضة لنبايعها، ونموت إذا ذابت أجراس خطاها في لجج الوقت ؟).

3

أنت تذكرني بالغابة:
كنت وحيدا أقرأ رف الطير
ولي فخّان
أدسهما في جذع الشجر الشاهد
كنت أنقي الغابة من حدقات تحرسها
ورفيف يملأ وحشة ما بين الأغصان
ولي عرش سريّ
حاشية من رتم أخضر يركض خلفي
كنت
وجاءت امرأة من أقصى الريح
تقايضني بخواتمها الأشجار
تقايضني عرشي بالنار
الطفلة
بين أصابعها
جاء البحر
الشعر الطرق
اللهب اليومي
وأسوار المدن الأولى
الرايات
الصحراء
الموت
الموت
الموت.
فنسيت الطفل هناك
تركت رفيفاً يملأ وحشة ما بين الشجر الشاهد
أنت تذكرني بالغابة
أن تذكرني بالجنة
كيف خرجت ؟!
(لماذا تندلع الغابات بشعري ؟).

4

ياسر
نائم تحت أشجاره الملكية
خلف ابتسامته المطلقة
بين أهدابه جلست طفلة تتلهى بأسرارها:
يكبران معا
وتصير له مهرة ونوافذ تعبر منها الغيوم
النجوم
تصير لديها الخواتم
والنار
هل سيهاجر ياسر في نارها الواثقة ؟
(سأجيبك حين تراني فيك).

***

محمد بوجبري

  • من مواليد إقليم أزيلال بالأطلس المتوسط، عام 1956.
  • حصل على الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس، الرباط، 1978.
  • أحرز على دبلوم المدرسة العليا للأساتذة (كلية علوم التربية حاليا)، 1979.
  • يشتغل أستاذا بإحدى ثانويات الدار البيضاء.
  • عضو بإتحاد كتاب المغرب.
  • عضو بيت الشعر المغربي.

صدر له :

  • عاريا... أحضنك أيها الطين، شعر، دار قرطبة الدار البيضاء، 1989.
  • لن أوبخ أخطائي، شعر، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 2006.

ما لــم يتعيــن
لكــن تبــدى

ثمة عاهات
..........
..........
..........
تأكد
وأنت البعيد
من أنك لا تود
غير القرب منك
يكفي الواطئ أن يصعد منه
وتعلو بقامتها الأسماء
وللحافة نكبة هاوية.
..........
بعيدا منك
تفقد قربك
أسهر على توجس
وساعة الوميض كن مذنب
سمائك
وأحرث الأثير
لكن !
ألتقط آخر الذبذبات
لن تشذب فيك سابق العهد
المقص
وإن شحذه فهم الأيام
يتلكأ وهو يهم بسابق العهد.
..........
بعيدا
بعيدا جدا عن عافيتك
كن عاهتك
ولا تلتفت
نجمتك في الأعالي تصاحبك
وقدرك خطاك
أما الباقي فأوهام طريق
لا تلتفت
أنت الجهات.
..........
قريبا منك
تفقد بعدك
لست أنت
وأنت محرقة على حجر البداية
لست أنت
وأنت المعتاد في المتاح
هل تعلم ؟
العالم كفاه خبلا
كن الصاعق
وإن زينوا الطريق
كن قبلتك
وإن هربوا الشفاه
كن قبلتك
وإن بعمى البوصلة
كن !
ساعة النزول في الحذاء
ما لم يتعين لكن تبدى
ثمة عاهات
تعلن أن تكون إكسيرها الشافي
ثمة صهيل
تعلم أن تكون نبعه الصافي.
..........
الفجاج
قبل العبور
تعلم براعم الغيم
أبدا لا تتعب
حتى وإن تضخمت بإتجاه
العاصفة.
..........
بين الجانح
والواطئ كانت حمى التماس
البدئي:
لماذا الآن سقطت منها الشفاه ؟
لماذا العناق
وإن أصر يسقط منه التضام ؟
لماذا الأيام غدت بلا أيام ؟
تعلم
وأنت المسافر
حين يباغتك القاحل أن تلتفت
في الوقت المناسب
كي تجد أول الماء
تعلم
وأنت الداخل القاحل فيك
أن تلدغك الأفاعي
ولا تتسمم
تعلم
وأنت الحامل بيداءك
ألا تنسى واحة
أو ما تبقى من ظل تل
تعلم
أن تخزن في عطش الشغاف
جرعة
لآخر الرمل المسافر
تعلم أن تشتهيك
أن تعيد الحكاية من بدء العلاقة
وأن يشرع العتاب
والحساب
وما يلي في فتنة الأيام.

***

جمال أماش

  • من مواليد مراكش، عام 1957.
  • يعمل مفتشا بالتعليم الثانوي.
  • عضو بيت الشعر في المغرب.
  • عضو إتحاد كتاب المغرب.

صدر له:

  • اشتعال الثلج، شعر، 1998.
  • خطوات تتقدم الموكب، شعر، 2005.
  • Jamalammach@yahoo.fr

خـرائط القرابـة

منعطف أزرق
مستعجل يغوص في الماء
كما سمك أزرق
يخفي لونه عن السماء
يقرأ جريدته بمنظاره الخاص
يضيف وقتا آخر
لأعضائه الحية
وبعد ذلك يفترس جسده
وليمة لإزدياد الضغط
وفقدان الذاكرة !
يغرق واقفا
والقارب الذي به يتحرك
امرأة فقدت توازنها
في منعطف أزرق.

أسماك مقدسة
الأسماك المقدسة لا تؤجل حياتها
إلى أفواه مملوءة بالأمل
العواصف التي تضحك
تتذكر ليلة على شاطئ
حجري
رغم لعلعة الرصاص
وآهات الأمهات
أنين الموتى
وتحرك آلات الحرب السادسة.

احتباس حراري
الماء ليس باردا
رغم عناق الزرقة بفمه
بعيون الشهداء
الأنفاس تصعد جدا
والدم المتخثر
دليل زرقة لا تقوى على الكلام.

أعشاب زرقاء
ثمة شجر ينمو مضربا
عن الورق
كتاب يمحو اللغة
يزيل أسنان الفكر
ولا يحظى بلسان
في خليج العروض.
ثمة مفتاح لقناني خاصة
دعك من ماء حائر
يحرس الزرقة
والأعشاب في صدره
تفتح للصمت فمها.

خرائط القرابة
قد تجد نفسك
على حين غرة
حطابا
في صيف استثنائي
ألسنة محض حجر
حقل غارق في نسيانه
والفلاحون الذين غادرونا
إلى رسوم الماء
فقدوا خرائط القرابة
أما العروس التي انتظرناها
كثيرا
غادرتها الرغبة
إلى شاطئ آخر.

خليج موحش
ثمة أفق بارد، حوار مونولوجي، ـ لمن تقرأ زبورك يا داوود ـ لنا أم لشبكة أزدادت ثقوبها اتساعا. لا أسمع كثيرا، ـ أصداء الغرقى ترجع صدى الأمهات على وسادة حالمة بالسباق نحو الأعلى. الحيلة أحسن من العار. خذوا ما شئتم من سعيرات حرارية. لكم العطش كله. أسمحوا لي سآخذ قريبا، إلى خليجي الموحش، سكة القطار !

قلب لم يتعذر للأشجار

سهرة مع الماغوط
وتركت الشراشف لريح تدخل عنوة من شقوق النافذة وألتحفت أرقي. عفوا سهرة مع الماغوط. وتركت السقف يتأمل النجوم التي لم تصل، والقناني الباردة في حانة مهجورة حيث الأيادي ترفع للرحيل وليس لجسد فقد نصفه، وأحتفظ بقصيدة عارية.

وبقي الصنبور مشتعلا رغما عني، يسقي الأرواح التي تحت، هناك حيث الحلم مرآة ووجهي الذي يبتعد عني. كلما أقبلت ليلة أخرى. أعتذرت لي عن غيابها المفاجئ. لا أقبله لأني لا أعرف معنى الصباح.

إنهم لا ينامون، يفضلون أحاديث الأفلام الإلكترونية، وقصص الهاريبوتر، وصباغة وجوههم بأصفر البيض.
إنهم يكتبون سيرة الليل بريشة نبي مجهول.

وتركت فمي يقص صبوة العاشق في ترحاله، وقعوده بين المصلين والعاشقين والعابدين على سرير، أو بين عرصات المجانين، حيث المرأة فكرة، تبتعد في الألوان وتعدد الأجسام والفصوص والحكم. عند بئر من ذهب وخرافة تنسى العالم.
حريقا يأتي على حقل ربيناه على مهل بماء سلسبيل، وسماد من ورث ملاك.
كلا فلتعلمون علم الحياة، تدب فينا فنحيا. ونقطف ما تبقى من مسافات ريما.

جنائن عدن
وسألت أهل البيت عن حلم عن حلم تجلى، قيل، فإذا هو ثعبان يسعى. وسيما. ناعما.
في الليل يطغى. بل يرى، يتعرى كما ولدته أمه. قالت رأته جميلا، يتهدى. فتسطع الأنوار أنواره في عتمة العناق. يزفر تسقط الكأس هل ترونها. أم أرتوت صحراء عدن من سم جنائنه مرت القافلة إلى ضفة حبلى.
وتركت بعض من نقط
رذاذا
أم
حوافر أسئلة
أم
ألم الليلة
وما خلفته ضمائر السادة
أم زيت العائلة
بعدما عصرته من شجرتها
حبة
حبة
أخذت الأخضر
وتركت له الأسود فقط.

حافة من نبيذ
وحين بحثت في سيرته، والأولين، في صباه الذي لم يعد له. وجدت البئر التي سقط فيها
بلا علم أو دليل، والبيت الذي سقط سقفه قصبا ترابا. وضاعت بين تراث القبيلة ورسوم محفوظة في قفص الصدر. وامرأة تركته وتزوجت مجد أندلس. قيل تاه في صحراء قلبه. وقيل تخمر ليلة بكاملها يندب حظه. مكلوما. قضى على حافة نهر من نبيذ وبجانبه ناقة بيضاء. كاد له الفقهاء، الصلحاء، بعدما عاد من حصار البحر. ناظروه في علم التيه، ولم تقر له قدم ولم يرف له رمش. صفدوه، جرجروه إلى رمال البرية. جلس على كرسي تكلم قلبه فقط.

مروج شائكة
لجسدها كل هذا العطر، فسحة لصور عطشى إلى شرفات أصداء المحبين، فتحت بعض شقوقها، وتسللت منها إلى مروج شائكة. وضعت الرجل اليمنى. تقدمت، سلمت، انحنيت طرت بأجنحة تقطر ندى لمست فيها روحي تتقدم تعثر، تنسى الحساب والعقاب، القوانين والأخلاق، تركت لباسي عند ملاكين. وتقدمت إليها كأي قربان إلى آلهة عزلاء.
كأي مجنون عار من بنود الوقار. خرج لتوه من غابة حمراء.

***

محمد الشركي

  • من مواليد فاس، عام 1958.
  • مكلف بالدراسات بوزارة الثقافة المغربية.

صدر له:

  • العشاء السفلي، رواية، دار توبقال، 1987.
  • كهف سهوار ودمها، شعر، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 2001.
  • الحبق والعتبات، ـ لقطات، وجوه، وقراءات ـ، نصوص، إفريقيا الشرق، 2006.

السراديب

صـــوته

1

هل يقترب منك من لم يكن دمه
مهججا بالمسافات والرعود؟
أحاول عبور الأجراف وزحام الخلائق
وأغالب أمرا عاليا:
أسهر
في أرض قصوى
تتحير فيها المعاني والضمانات
ويدرك طارق أندلسها
أن المتوغل بين حلمها وشعابها
لا يعود.

2

هل ينادمك من لم يخترق جدار الزمن
سعيدا بشفائه من محدودية أناه ؟
ناداني وعد من إقليم فادح أخبرني
أن الوصول إلى الحبيب فراق
لسطوح الواقع والمعنى
وأن الجرح بنظرته صدع
ينفلت منه عطرا لما وراء نداه.

3

أقترب فتتخطفني تضاريسك
ضفاف مقمرة
أودية يزهر فيها
العسل البري
شعاب مسكرة في غور الظلام.
نظرة هي ساحل قديم
تبدأ عنده مياه الخليقة الأولى
وتهاليل خضراء
تورق أسفل درج المنام.

4

مبارك من يدخل المدينة العظيمة
التي تؤوي جرحك:
سمعت غناء
يتصاعد من وادي الأمهات في أعماقك
رأيت الخطاطيف الجذلى
تطير بين المآذن وحافات دمك
والشموع موقدة تحت سورك الرباني.
أفي هذه الليلة التي لا قرار لها
تنبعثين من رمادك القديم
وتشكلين الآتي في ظلمة أشائك ؟.

5

كثير وجهك
وشاسع ليلك العالي
متجاوب رجع ندائك في سلم العصور
رأيت بين هجيرك
وظلالك كل شيء:
تاريخ الحب
وشفير الموت الذي يشتهيه
سطوة الساحرات اللاعبات بالظاهر والباطن
طيشك الذي من طيش أرض أخرى
وزفافك المتجدد في زمن الجذور.

6

يا روح الأرض وعرش البحر
أيتها المرأة البلاد
هنا
في عمق وادي الليل حيث تلمع شعلتك
أفاوض شعب الموتى الساهرين
بين مرارة الدفلى
وشهوة دمك البعيد
بنورهم أسترشد في ظلمة الكلمات
وأخاديدها
وبعطشهم أهتدي
إلى الماء المحروس في نبعك السعيد.

7

في أرض الحدود كاشفني وجهك العاهل
بأسرار مخبوءة منذ تأسيس العالم
قالت لي الرياح:
أنا هدير الأشواق
والأغوار
وقالت لي العروش:
أنا جنون السيادة
وجرف الدماء
علمتني في كهفك السحيق أن بعض الكلام وطن
وأن الحب مسن النور العميق
وأن الزمن حفل عظيم تنادم فيه العام وما وراءه
وأن الزهرة نار وغناء.

صوتها

1

لست قولا
بل دم مرفوع إلى ما يختطفنا
أنا الرغبة ونارها
القلب وليله
هربت وجهي من عنف العروش
والمدونات
رأيت في الأسوار إغراء بدخول ما تحرسه
وفي المخاطر زفاف الأعماق الغضبى
فقلت هذا أو أن نضجي وسقوطي
من أغصان الزمن إلى غور ما هو آت.

2

أنا الوجد المحتدم في الحافات القصوى
أهلكني العطش في أودية الشوق العظيم
لم تسعفني خرائط الحب سوى بمسالك جرحي
فطوفت بين الصحاري
وأعياد البحر البهيم.

3

لا تطرق باب
فهو مفتوح لك منذ القدم
بيننا شراكة عصور
وأنهار مقدسة
ممالك لم نرثها بل بنيناها في دمنا
أراض
وأغان مضفورة بلوحة سحيقة
وربات متهتكات أو مفجوعات
لا يزال عويلهن مترددا
في سراديب الأزمنة.

4

بيننا مواثيق برية
وبحرية
ولنا
هذا الليل الشاسع الذي أنا زهرة سره
هذا اليل الصعب العبور
الشرس كأحراش
المفوز
المسكر كزهر النبيذ
المزدحم بشعوب تسوقها قياداتها الرشيدة
إلى وهدة السديم.
مرحبا بنا في هذا الليل المرتاع بجسامة الهول
ومرحبا بأوديته السبعة في روحنا
وبالضوء السحيق الصاعد إلينا من ظلامه البهيم.

5

أهلا بك في عميق فرحي
وغائر جرحي.
ترجل من صهوة الألم
وأدنو من أقاليمي
تفيأ في هذه الهاجرة ضل أوديتي
أدخل غابتي
وتهجد في هيكلي
هجج قمرا منسيا في أخاديدي
أرفع وجهك قربانا إلى الليل
تذوق خمر دمي وأقتف الآثار
المدفونة في أرضي منذ آلاف السنين
سافرعبري إلى المنقلب الآخر
لهذه اللعبة الغامضة المسماة حياة
أصعد المجرى المظلم إلى بدايات نبعي
وأقترب معي من الغصن الذهبي في أعماقي
أجعلني أركض لاهثة في صحارى الملح
وأقطف العسل البري في حافات الجنون
وأفهم سر البراكين
فآرتتميسا تصرخ في عمق الغابة.

رسالة إلى سهوار وهبي

العميقة سهوار.
من أجلك أعيد هذه الليلة قراءة نصوص وقصائد مختلفة العصور والسلالات. لكن يطعمها نفس الحبل السري الموصول برحم هذا العالم. فحيثما يتلألأ جوهر الشعر يشع نور أغوارك حيثما يترقرق ماء الحروف يعترش كيانك ويتضرع مسك روحك.
ماذا سيحل بك دون كلمات تبلور حرير أعضائك بين تجاويف الزمن. و تسكن جسدك ذلك الموقع الوفاد الذي لا تنفك الرغبة تضرمه وتوجهه ؟، ماذا سيحدث لمدارات الفكر بين حلم الغابة الذي يحفل به نداؤك ؟، وإلام ستؤول الغابة نفسها دون ظبي دمك الوثاب عبر أحراش الماوراء ؟
لا أسألك بل أسهر في ليل سؤالك
في أرض كينونتي يفجر أخدودك الليلي عنف انتظار شرس. أنتظر رائحتك بضراوة غير مسبوقة. أنتظر ما ينتظرني فيك. ترابك الذي لا يزال دافئا بعربدة العناصر.
سراديب الملكات. تاريخ نبتة الملاك. وبلدك اليانع في عز الحريق. أنتظر في الطرف الآخر لموقع اختباري علي أعثر على اسمه ضمن مرادفات الفرح المنهك ومعاني الألم البهيم.

أحيانا تستبد بي مسرة غير بشرية. فأجثو على أديم البحار.
يجللني يقينك السحيق بإمكانات لا حصر لها تعمل فينا وحولنا بلا هوادة لتحويل رماد الواقع إلى سماد لمدائن أخرى لا تحكمها الأنانية ويلجمها الخوف. تنبئني وعودك بما تمور به آكام هذا النهار من احتمالات متلاحقة. كل لحظة عالم زاخر بالقوى والخرائط والرهانات. كل لحظة باب من أبواب ذلك الكيان العميق الذي يستدعينا بأكملنا. إذا كانت الأمطار تهتدي بعد لأي إلى دروبها القديمة. فإن دمنا الذي هو شعلتنا الوحيدة يرتد في النهاية إلى قانون غضبه الذي لا ينسى.
لن نأسف على العصور الغابرة. ولا على سلم الأزمنة الممتد من الجبال الكنعانية إلى شرفات الآخرة. وحدائق هسبريس الموقدة ما وراء أعمدة هرقل. وقوافل الذهب السوداني المنيخة تحت أسوار مراكش. الصحاري عليمة بيتمنا في ليل الأمجاد. لقد شاءت لنا صدفة ذهبية أن نوجد هنا والآن لنشهد هذا التقاطع المدوي بين انهيار شامل ومريع للنسق العام وارتجاف بذور عنيدة وعظيمة في القعر الأسفل للهاوية. وهي شهادة في طيها امتحان كما تعلمين. لذلك تواصينا باللعب والضحك والقراءة كي لا نموت. إلى أن نعرف كيف نموت.
اقرأ فأراك. وأنت في الجهة الأخرى. مشبوهة وبريئة.
أتأمل الطيور الجذلى المنفلتة من أشعار المتصوفة.
أتشمم الملح الوثني المترسب في بحر لوتريامون.
أتذوق القهوة المهربة من حبشة رامبو.
أحس بوجع القمر المدوخ في سماء بيرانديلو.
يذهلني الفراش المتطاير من رحم عشتار.
تبللني الأمواج المنكسرة على سفينة عوليس.
أسمع الثعالب الأفريقية تصأى في سهوب سوينكا.
أتلمس الألواح السومرية في مدافن أور.
أسترشد بالوداع الذي هو لقاء من طراز آخر في أورفليس جبران.
ينيرني سهر جان جونيه بين الخطاطيف والفهود.
يعدني أخناتون في كتاب الموتى بفم أتكلم به عندك.
أفكر في أرق ابن خلدون بقلعة ابن سلامة.
تهزني لوعة ريلكه الفادحة في مراثي دوينو.
يسكرني جنون أليخاندرا في مفازات ساباطو.
تفتنني التماثيل الشهوانية التي يتسلقها اللبلاب في مزارات أوريسا.
ألحق باندفاعة مالارمي في ليالي هيرودياد.
أصغي للغناء الذي زف به نرفال إلى أوريليان في البستان السري.
يهججني ضحك طرفة بن العبد في قبر النبيذ.
ينامدني تهجد امرئ القيس في جبل عسيب.
وأجمع فتات الضوء في أخاديدك البعيدة.
أكتب إليك من حافة العالم. من المنقلب الآخر لبلد كاسر يبتلع أطفاله ويدمر أعشاش البيض الذي وضعته طيور مينرفا الطالعة من عمق التاريخ. من أسفل السور الرهيب الذي أحاطوا به العشب الرباني. من زمهرير الروابط وهجير الأوقاف. من السواحل التي تنكدر فيها النجوم. من وهدة البلايا أكتب إليك.
هل تستطيع اللغة تأجيل الجغرافيا المتراكمة بيننا ؟، إبطال مفعول المدارات للحظة واحدة ؟ إمساك قوس الدم المتوتر بين مسافاتنا ؟، قول هذا الدم نفسه الذي أسمع من هنا هديره صاعدا هابطا أركانك ؟، قول ذلك الصوت الزفافي الذي لا يني يتسرب من أغوراك ؟
من أجلك أعيد هذه الليلة قراءة نصوص وقصائد متباعدة الأزمنة والأمكنة. تتجاوب الأسماء من أصقاع متنافرة التواريخ والمناخات. تتصادى الهواجس. وأرى تناسخاتك في مجرى العصور. تتعدد أقنعتك وتتقلب حالاتك ويتداخل جسدك وخيال ظلك. تارة يثملك العطر. وأخرى يفتتك النزيف. وقد كتب في الألواح القديمة أن تكوني نائية. و أن أسافر إليك لأنني منك.

***

محمد عزيز الحصيني

  • من مواليد الرباط، عام 1958.
  • يعمل مدرسا للغة العربية .
  • عضو اتحاد كتاب المغرب.

صدر له:

  • كيف تأتي المنافي؟، شعر، دار المنصور للطباعة الرباط،1987.
  • الكلب الأندلسي، شعر، اتحاد كتاب المغرب، 2000.

صائد الغزلان

صائد الغزلان
في حلم ليلة عابرة
أهرق قلبه على الحواشي
وأقام الكمائن في الرماد.
صائد الغزلان ولى
ونام على البقايا من كؤوس الأمس
وكعب أقداره في أوراق العشب
وفي معطفه الكاكي
هو الآن مثل زهرة الكتان يتلصص
على الغيب
ويسوي مسافاته بالظلال
يوزع عمره على هياكل الأعمار
فتتناثر غواياته
في بحة عابرة في ذيل الكهولة
ترسانته
في زرقة المنعطف
لم تشأ صد الزجاج
بنسائه الغاديات بخطى الحلازين
الأمر سيان:
تقدم من مرفأ التهريب
أو تربص
في خان ببوارج الأحلام.

حانة وهران

في الشارع الخلفي
تعتزل
وحين يلمع بخار المساءات
باليود
ننسى أن الزمن
معتقل في الضوء
فنولي وجوهنا
شطر الدساكر
والمغيب.

مشرب الذكرى
محتشد بالجند
والآبقين
وبقايا نعاس
على الطاولات.
من يهتدي إلى أغنية
في هذا الضباب؟
المرأة المتراقصة خلف المشرب
سوت قميصها
البرتقالي
فأبترد نبات.
في الزوايا
نامت زهرة المساء
على كتفي
فأنزويت
وأصطكت في التويج
الرغبات.

احتفاء

ماذا هناك ؟
أي دلب راود فضيحتنا في الظلام ؟
وأية بروق سطعت
من جرأة الضربة المتلألئة
على السرير؟
كمنجة الريح خرساء هذا المساء
والحساء جاهز على السماط
وأنت منذورة لمهب الأثير الذي
يخاصر الغرف
والدلب المتطاول
في مرآة الحائط.
ماذا هناك غير
أنين
النار
وحشرجة المكان
المهيأ للتعب؟.

مساء من غبار

هذا البهو مكسور كالبيضة.
الوردة ذاتها تفضي في الحديقة إلى فساتينها الحمقاء.
غبارلدموع الريح
وأفكار تتحرى عظام الملهاة.
ليكن
حيث أهامس لهاتي تعرش فظاظة النديم
والصديق لا يبصر هذا السر المعلق في السقف كمصباح مشقوق من النصف.
ليكن
فالمكان شاغر إلا من ظلام الأنثى.
عشر درجات ويحل الفراغ ذاته
عشر ضحكات كالأزيز لتدوي فاكهة الجسارة.
من يقف بالباب غير ظل سياج يقود ضوضاءه إلى الصف
وهذا الفجر الخجول المتقدم على عجلات الوقت ماذا دهاه حتى يتعجل
شجيراته إلى النعاس الرطب ؟
ماذا يقول لو صحوة أفزعت في الممشى مكائدنا ؟.

مواجع

النار تستلقي
في كأسه
فيدلق حكمة يخالها صوتا يتدلى كالناقوس
في باحة الدار.
هي ذي تفاحة جنونه
ترتسم حكمة أخرى.
وماذا لو جاء المشغولون
بأنباء الصمت وعسكروا في فضائه الهلوك ؟
كالعادة
سينحي جراء كلامه ويسلو هنيهة
ورويدا
رويدا
يهيئ وميضه في القصيدة
ويرفع
مواجعه مثل
صقور مروضة.

بيوت

لم نجئها من باب
ولا من حجر
أو أثفية
تلك البيوت التي تخلعت
سداتها وآوت شرودها
قشرة
من رخام السحالي
أو لم تهب ريح
الخزامى على لسعات
التنانير حين أرهفنا خفقنا
بمداخلها ؟.

***

فاتحة مرشيد

  • من مواليد ابن سليمان، عام 1958.
  • حائزة على الدكتوراه في الطب، 1985.
  • حائزة على دبلوم التخصص في طب الأطفال، 1990.
  • أشرفت على إعداد وتقديم برنامج يهتم بالتربية الصحية في القناة الثانية المغربية لعدة سنوات.
  • عضو اتحاد كتاب المغرب.
  • morchidf@hotmail.com

صدر لها :

  • إيماءات، شعر، دار الثقافة الدار البيضاء، 2002.
  • ورق عاشق، شعر، دار الثقافة الدار البيضاء، 2003.
  • تعال نُمطر، شعر، دار شرقيات القاهرة، 2006.
  • أي سواد تخفي يا قوس قزح، شعر، باللغتين العربية والفرنسية، الترجمة الفرنسية لعبد الرحمان طنكول، منشورات مرسم الرباط، 2006.
  • حروف وألوان، شعر في حقيبة فنية، عمل مشترك، منشورات مرسم الرباط، 2006.
  • لحظات لا غير، رواية، المركز الثقافي العربي بيروت، 2007.
  • morchidf@hotmail.com

تعال نُمطر

1

يمتدُّ صمتٌ كثيفٌ
وتضيق السّماءُ
بِغَيْمنا.
ينِزُّ بوحٌ
من المَسامِّ
الخَرساءْ.

كفاكَ عنّي

تعالَ نُمطرْ
ونُبلّل
بالمَلام لِحافنا.

2

تُخيفكَ لهفتي
بالمطر
أنت الظامِئ
الأزلِيُّ
لقطرات النّدى.

ترتشفُها
خِلسة ً
من براعم الفجر
المنسيّة
تمسحُ الشّفاه
بكفٍ
وبأخرى
تُصافح الأشواك
زاهياً
تَحتمي
من الحبِّ
بمطريّة.

3

لُمّني
من خلاء الرُّوح
وردةً برّية
قبل أن تَدوسَني
قدماي.

4

تبحثُ تحت قميصي
عن رائحة طفولتك.

أبحث ُ
بين شفتيكَ
عن قصيدة
تُشبهني
تُريدُني أُخْرَى
أريدُ رَجُلا
يُعيدُني إليّ.

5

تَتّكِئ الوسادة
على وجَعنا
والسّريرُ
عبَثا يصرُّ
على طيِّ
المسافات
بينما
يُعانِقُ كِلانا
سَفره السّري.

6

أشبحُكَ
أمْ ظلّي
هذا الذي يغفو
على أرقي
أم أنّه
شاهدُ غيابٍ
يبحثُ عن يقين ؟.

7

أيها اللاّئذ
بكبد الجُرح
المُتجذر فيّ
كانتمائي لكفّيكَ
أنا بعضُ رضاكَ
فهل رَضيتَ
بأنثى
تجلب الأقاصي
تُروّضها
على العتبات الأليفة ؟
قَدَري
أن أخْتلق لصمتكَ همساً
وأضعَ يدي
في مَهَبِّ اللّمس
علّني ألاقيكَ.

8

ما مِنْ أقاص
تغري
غير سفري
فيكَ
أنتَ البعيدُ
كدَمي
ضاجّة ٌ بكَ الحواسُّ
فأين أخفيكَ
عن عيون الرّغبة ؟
وكيف أحميكَ
من عَطشي
حين تنسابُ
بكأسي
وحين تدورُ
برأسكَ الأقمارُ؟

تَ
   ع
     ا
       ل
تَعالَ نُلبّي
نِداء الطُّبول
ونُسْقِط عنّا
الكلامَ المُلثّم.

9

تَشْردُ
النُّوطة ُ
عن قصيدتِها
ويلبسُ الوتَرُ الحِداد
أخافُ
أن يُخمِد الموتُ
ما لم يُولد بيننا.

10

وحده البَحر
يَليقُ بتوتُّري
أهْديه إيّاه
كلّ صَحْو
قبل أن تَغسلني
دموعُ العالم.

11

وأتماسكُ
بين دمْعتين

كي يَكْتملَ القصيد.

***

صلاح بوسريف

  • من مواليِدَ الدار البيضاء، عام 1958.
  • حاصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها.
  • درس، إلى جانب الأدب، التاريخ القديم ببغداد.
  • رئيس سابق لإتحاد كتاب المغرب، فرع الدار البيضاء.
  • عضو مُؤسِّس لبيت الشعر في المغرب.
  • عضو اللجنة المُؤسِّسَة للمهرجان العالمي للشعر بالدار البيضاء.
  • عضو بالمنتدى العالمي للشعر.

صدر له:

  • فاكهة الليل، شعر، الدار البيضاء، 1994.
  • على إثر سماء، شعر، منشورات فضاءات مستقبلية، 1997.
  • شجر النوم، شعر، دار توبقال، 2000.
  • نتوءات زرقاء، شعر، دار الثقافة، 2002.
  • حامل المرآة، شعر، دار الثقافة، 2006.
  • شهوات العاشق، شعر، دار ما بعد الحداثة، 2006.

قُبـُـــــور..
صلاح بوسريف

كَفَى بِكَ دَاءً
أنْ تَرَى المَوْتَ
شَافِيا

هذا قبر صلاح.

رُبَّمَا يَكُونُ الأفُقُ احْتِمَال عِطْرٍ
رُبَّمَا تَكُونُ الشَّهْوَةُ
آخِر مَا يَنْجُو بِهِ مِنْ أزَلِهِ.

كانَ كُلّ صّبَاحٍ
قَبْلَ أنْ يُوقِظَ أصَابِعَهُ
يُدْلِي
بِوَصِيَّتِهِ
ثُمَّ يَنْصَرِفُ.

الحِبْرُ الّذي كانَ مِرْآة رُوحِهِ
لَمْ يَزَلْ يَحِنُّ لإشْتِعَالِهِ.

لَمْ يَأْنَسْ لِشَجَرٍ
وَارَى ظِلَّهُ
وأكْتَفَى
بِظِلالِ غَيْمَةٍ كَسَتِ العُشْبَ بِخُضْرَتِهَا.

يَدُهُ
لَمْ تَجْرَحْ وَتَراً
وَلا
أطْفَأتْ روَاءَ نَهْر ٍ
حُرّاً كانَ يَجْر.
ِ
يَدُهُ
كانَتْ تَنْحَنِي
كُلّمَا طَافَ بِهَا حِبْرُهَا
أوْ
رَمَتْهَا نِدَاءاتُهَا
في جِراحَاتِ غَيْمَةٍ عَابِرَهْ.

على قبر أبي تمّام

أيَّةُ غَيْمَةٍ تِلْكَ الّتِي نامَتْ بَيْنَ أصَابِعِكَ.

مِنْ أيِّ مَاءٍ
جَاءَتْ كَلِمَاتُكَ:
ألَسْتَ أنْتَ مَنْ أبَاحَ للِنَّوْمِ
أنْ يَصِيرَ صَحْواً
وَأضَأْتَ بِكَلِمَاتِكَ
شُقُوقَ أوْتَارٍ خَبَتْ جَمَرَاتُهَا.

كانَتِ اللّغَةُ على وَشَكِ أنْ تَسْتَلِذَّ مَعَانيهَا
وَكانَ اللِّسَانُ
بَدَا يَسْتَطِيب نَدَاوَتَهُ
وَكُنْتَ
أنْتَ مَنْ أعَادَ حَفْرَ سَوَاقٍ
في رَخَاوَتِهَا.

أذْكُرُ أنَّكَ بَعْثَرْتَ كُلّ أوْرَاقِكَ
وَنَثَرْتَ في الرِّيحِ
عَصَافِير
كَانَتْ تُرَاوِدُ خَيَالَكَ.

لمْ تُبْقِ شَيْئاً مِنْ أثاثِكَ القَدِيمِ
وَكُنْتَ
تُثَابِرُ لِوَضْعِ وَرْدَةٍ
على جِدَارِ بَيْتٍ
لمْ يَعُدْ يَحْتَمِلْ
وِزْرَ نَشِيدِكَ.

خَرَجْتَ إلى أوْسَعِ رِيحٍ
لا
شَيْءَ كانَ بِوُسْعِهِ أنْ يَحْبِسَ
دَفْقَ أنْفَاسِك
أنْتَ جَمْرٌ
بِرَمَادِكَ أشْعَلْتَ فِتَنَ النَّائِمِينَ
وَوَضَعْتَ النَّهْرَ
فِي
أوْجِ
انْشِقَاقِهِ.

بجَعات رامبو

ما حَجْمُ المَسَافَة التي تَفْصِلُ بَيْنَ دَمِكَ
وَبَيْنَ هذه الصَّحرَاء.

وَلِمَنْ تَرَكْتَ أشْيَاءَكَ الصَّغِيرَةَ
حِدَاءُكَ مَثَلاً.

أَكُنْتَ على صِلَةٍ بِمَا يَجْرِي في الأفُقِ
وَدَنَوْتَ بِمَا يَكْفِي مِنْ قَمَر
كَانَ يَشْرَبُ أنْفَاسَكَ
أمْ أنّ يَدَكَ شَبَّتْ في اشْتِعَالِها
وَبَدا ما تَكْتُبُهُ
تَحِيَّةً للقَادِمِين
لَيْسَ يَهُمُّنِي أنْ تَكُونَ أهَنْتَ أحَداً
بَلْ أنْتَ
وَقَبْلَ أنْ تَتَّقِدَ جَمْرَةُ اللّغَةِ
كُنْتَ وَضَعْتَ يَدَيْكَ على أنْفَاسِ الكَلِمَاتِ
وَحَوَّلْتَ المَعْنَى إلى سِرْبِ
بَجَـع ٍ.

لا
أحَدَ قَبْلَكَ
أتَاحَ للكَلامِ كَلّ هذا الهَوَاء

السّمَاءُ لمْ تَكْتُبْ كَلامَكَ
الصَّحرَاء كانَتْ أُفُقاً لِرُعُونَتِكَ
مِنْ دَمِكَ
خَرَجَتْ سُلالات
أشْعَلَتْ في اللّغَةِ
فِتَنَ جَمَرَاتِهَا.

***

عبد السلام المُساوي

  • من مواليد إقليم تاونات شمالي المغرب، عام 1958.
  • دكتوراه الدولة في الأدب العربي المعاصر، 2003.
  • يشغل حاليا منصب رئيس المركز الجهوي للتوثيق والتنشيط والإنتاج بأكاديمية فاس.

صدر له:

  • خطاب إلى قريتي، شعر، مؤسسة بنشرة الدار البيضاء، 1986.
  • سقوف المجاز، شعر، دار النشر المغربية الدار البيضاء، 1999.
  • عصافير الوشاية، شعر، دار ما بعد الحداثة بدعم من وزارة الثقافة فاس، 2003.

الراقصة

المرأة التي احْتشَدتْ
في الْكيسِ النّاصعِ
كانتْ في الحَقيقةِ تُعرّي
ما أخْتفَى من تَورُّماتِها
كانتْ تُبرِزُ للْعابرين
كيف تنطق الأعضاءُ
بفَصاحَةٍ
في الكِيس المَتين
كُلُّ ما قالتْهُ الراقِصَةُ
في الْحَركات
أخْفَتهُ "إديث بْيَاف"
في لثْغَةِ الأرْبَعين!.

متسول

أيُّها التمثالُ
الذي يرْتفعُ في الرُّخام
يا مَن أعطَى للصَّمت بياضَهُ
وعلَّم الصلابة أن تنحني
مَهَْزومةَ الجَبين
بالله أخبرْني
منْ علّمك هذا الصبْر؟
منْ أوحى لليَدِ
بأن تُشيّد مجْدها
منْ وطْأة الاحتمال؟.

رغوة الكلام

قدْ يمضي العمرُ
دُونَ انتظار
وقد يشيبُ ريشُ الشَّباب
ويغطي الصدأ مَحاجِر النَّاي
الذي كان في الكفّ
أََيقُونةًََ منْ نغمٍ
وتهدّجا في بلاغة القَصَب
لكنني أبداً
سأظلُّ أرحل نحوكِ
في سَفينة أصنعُها
من رغْوة الكَلام!.

جلباب السفر

لمْ يعدْ صاحبي مِنْ حربه
أنطفأتْ كلُّ البنادِق
وأرتفعتْ فوق البَيادِر
شموسُ المصيف
لكنّ دخان شوْقهِ
ما يزالُ يعلو شَرارةً في القلب
فيا أيها الوتر
الذي لم يمسسْـهُ
قَوسُ الألَم:
ـ هلْ في نبْضكَ شيءٌ من الأمل
وهلْ في عَزْفِكَ
ينفرج الباب
أخيرا
ليدخُل صاحبي من حرْبهِ
ويُعلّق على جِدار الصّمت
جِلْباب السّفر؟!.

الكمان

الكَمانُ الذي أبْكاني
خشبٌ يَحِنّ إلى غابته
والعازفُ نبيّ
يعرفُ لغةَ الشَّجَر
قلْ لي:
من أيّ حزْن
يقدّون هذا الوتَرْ
أيها الصّوت الذي اتّحد بالشَّجَى
وإلى أيّ مكانٍ
ترْحل الأنغامُ
حينَ يلِجُ الكمانُ
سوادَ تابوتِه ؟.

رجل في المدينة

لا أملكُ لكمْ في هذا الرَّبيع الصّغير
سوى أن أشُدَّ البسْمةَ إلى شفتيّ
كوتَرٍ مهْزومٍ
وأنادي عليْكم
كجُنود لم يقْتنعوا تماماً بحرْبهم
فأنفضُّوا إلى إجازاتٍ حزينةٍ
لم أجِئْ لأذرع الشَّوارع
في انتِظاركمْ
أو لِكيْ أوزعَ عليكمْ
أزْهار قَصيدتي
أنا مثلكم مُتوجّسٌ بأحْلامي
وأمْشي سَريعاً
إذا نَفَدتْ طاقةُ الإحْتمال
أمْنياتي عنيدةٌ
ويدي ترْتَمي في الهَواء
كُلما ذكرتُ حُباً قديماً
وقلْبي يَكفُر بالأشْباح
إذا مرّوا خِفافاً إلى تَوابيتهمْ
بعد مُنتصف النهار
لن أصدق بأن في المدينة رجلا
يَمْتهِن الأغاني
ويبْري أقلامَه في انتظارِ الحُطام
ولن أصَدّقَ رنينَ الهاتف في الجيْب
ولا بَرْق المُصور في صَالاتِ الظّلام
أحياناً أصْبح هُدهداً
ينْسَى عُرْفَه في مصلحةِ البريد
وأحياناً أصيرُ رَجُليْن
يفترقان في الصّباح
ولا أدْري إلى أينَ يذْهبان
لكنّني في المَساء
أصدُّ الأولَ عنْ سريري
وأحْبسُ الثاني في دولاب الثياب
كمْ مرة عبَرْتُ الحُروف
ولم أصل إلى الغابة قبْل الذئاب
وكمْ مرّة قلتُ ليوسفَ:
ـ لا تصدقْ إخوتك
فبئْر الإستعارة أعمقُ من
أن تلتقطك منه يدُ السيّارة
وسر
أماماً
في اتجاه القصر
فلا شأن لك بالحُبْكة
لا وقتَ للتأويل
ولسْتَ نبياً على كل حالٍ
ولستَ شاعراً
يُعْوزه الخَيال!.

***

محمد حجي محمد

  • من مواليد مدينة طنجة، عام 1958.
  • حاصل على شهادة إجازة في علم الإجتماع من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس.
  • حاصل على شهادة الأهلية في الفلسفة والفكر الإسلامي.
  • حاصل على دبلوم في علم النفس.
  • يشتغل أستاذا لمادة الفلسفة
  • عضو إتحاد كتاب المغرب
  • عضو إتحاد كتاب الإنترنيت العرب.
  • عضو جمعية شعراء العالم.
  • عضو جمعية الفلسفة.
  • عضو الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب.
  • مؤسس ومحرر مجلة أكروبول الإلكترونية:
  • www.acropole.wb.st

صدر له:

  • ذئب الفلوات، شعر، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، 1995.
  • صباح لا يعني أحدا، شعر، منشورات آنفو برانت فاس،2007.
  • m_hajji_m@hotmail.com

فداحات خارجة للتو

برأس مليء بالعواصف
تنهض عادة من رميم سباتك
الضلوع محطمة تماما
كأنها خارجة للتو من غارات غادرة.

وقبل أن تلقي ببقايا نومك
إلى أحضان المغسلة
قبل أن أفند خيباتك بمداد ظفر زائف
سنمزق معا قارة من عمائم الغيوم
ونسوق قبائل بطشها
حتى البحار القصية.

قدري يا سقراط
أقود حقول أرقك
إلى قطيع سبابات فاسدة
قدري:
ألقن الأوس والخزرج مبادئ الشمس
وبلاغة جمجمة اليونان.

ولأن وجري عاج
بكوابيس لا تنقطع
سألوذ بمقهاك الأليفة
وبرشفة من قهوة صبح مستعارة
سأطرد عن مزاجك كل السحب.

إلى أين
ستقذفني فداحاتك
أيها الصباح
إلى جذاذات أتمنى لتقليعتها أن تبيد
أم إلى كلمات تعبق بعادات القفار ؟.

أنت والفراغ وبنادق الضجر

مرة أخرى
يحاصرني صيفك
بحرائقه
وكسل الظهيرة.

مرة أخرى
تحاصرك البيوت
بالفراغ
وبنادق الضجر.

الطقس الذي في الخارج
جحيم ليس يطاق
فالهواء خانق
بغير ما حد
والغبار الذي
تغدقه علينا شوارعك
بالمجان
مثل القبعات الزرق
أراه منتشرا
في خياشيم العابرين.

مرة أخرى
نهارك
قائظ
أيتها المدينة
والموتى في المقاهي كعاداتهم
يشتمون العالم
بكلمات
لا نبل فيها.

بأعدادهم الهائلة
طويلا
سيعمرون
هناك.

وإن غادروا
تركوا للعشيرة
موائد
تجيد
التلصص
وكراسي تقتنص أخطاء الأحياء حينا
وحينا تقذفهم بحجارة
من ضغينة.

ولأنك قاسية
على العنادل
منحازة كما دائما
إلى طابور الموتى
أناشدك شيئا من الملائكة
أيتها
المدينة
العادلة
في توزيع اليأس
على الشعراء.

فلماذا
لا تطلقي
رصاصة الرحمة
على آخر شدو
وتنصرفي
غير آسفة ؟.

نــوستالـــجيا

وأخيرا
أنت متعب
من بداوة هذه المدينة
يا شيخ الحكمة
في غير بلدة اليونان.

كفاك
شتاؤها القروسطوي
لياليها
الأشد
فتكا
من غرف التعذيب
في العصور الغابرة.

كفاك
صقيع هذا المنفى
والبرد الذي يلتهم الضلوع
بمهارة نمام.

اليوم ـ في هذه البلدة ـ صحراء
يا شبيهي
والساعة أطول من نشرة أخبار
في المساء.

كل شيء أركيولوجي هناك
الشمس
الجدار
والسابلة.

وحده الضجر
جديدا ظل
ولامعا ؟
كأنه غادر لتوه ورقة ألومنيوم
أو
واجهة متجر
في العاصمة.

صباح لا يعني أحدا

كَأَيِّ صَبَاحٍ
يَطْرُدُنِي المُنَبِّهُ بَاكِراً
مِنْ فَرَادِيسِ الشَّوْقِ
فَأُغَادِرُ البَيْتَ مُرْغَماً
مِثْل
نَزِيلٍ
مُفْلِسٍ
بِأَحَدِ الفَنَادِقِ الشَقِـيَّة.

كَأَيِّ صَبَاحٍ
تَلْمَعُ فِضَِةُ الخُمُولِ فِي وَجْهِي
فَأرَى ذِئْباً
خَارِجاً
مِِنْ سُبَاتِهِ
يَمْشِي مُتَكَاسِلاً
جِهَةَ الحَمَّام.

كَقَرْيَةٍ دَوَّخَتْهَا آلافُ الشُّمُوسِ
يَتَثَاءَبُ حِيناً
وَحِيناً
يَخْلَعُ عَنْ ضُلُوعِهِ
كَوَابِيسَ الأَشْبَاح.

مَاذَا لَوْ أُلْقِي بِنِفَايَاتِ يَأْسِهِ
إلى النَّهْرِ
وَأَلُوذُ بِأَقْرَبِ مقهى مِنْ حَبْلِ وَرِيدِي
كَمُسَافِرٍ
خَذَلَتْهُ حَافِلَةٌ
فـي
مَحَطَّةٍ مَا ؟.

كَأَيِّ صَبَاحٍ
أَصْحُو عَلَى جَمَاجِم أَعْدَائِي
أسْنَانِي أُنَظَّفُهَا جَيِّداً مِنْ لَحُومِهِم
وَأُلْقِي بِالعِظَامِ
إلى الطُّيُورِ الكَاسِرَة.

لَسْتُ سَـيَّافَا
مِنْ عَصْرٍ سَحِيقٍ
أَوْ غُرَاباً رَاهَنَ عَلَى
طَرِيدَةٍ رَابِحَة.

مَعَ ذَلِك
أَعُدُّ جِيَفَ أَشْبَاحِي
بِعِنَايَةٍ تَلِيقُ بِالجُثَثِ
وَأَعُودُ إلى ثَكَنَاتِ النَّوْمِ
كجندي
عائد من جبهات القتال.

كَأَيِّ صَبَاحٍ
أُحَرِّرُ ذِقْنِي
مْنْ فَيَالِقِ أَعْشَابِهَا
أُوَبِّخُ صُنْبُورَ المَاءِ
عَنْ ضَجِيجِهِ الذَّي أَفْسَدَ نَوْمَةَ الكَوْن.

هَكَذَا
كُلّمَا أستَيْقَظَ مِنْ نُعَاسِهِ عُوَائِِي
فَتَحْتُ الشُّبَّاكَ
عَلَّ هَواءً نَظِيفاً
يَكْنِسُ فَنَاءَ الرُّوحِ
مِنَ الذي
خَلَّفَتْهُ صَوَاعِقُ هَذا العَطَن.

***

أحمد بركات

  • من مواليد الدار البيضاء، عام 1960.
  • توفي عام 1994.
  • كان يعمل بالصحافة.
  • عضو اتحاد كتاب المغرب.

صدر له:

  • أبدا لن أساعد الزلزال، شعر، 1991.
  • دفاتر الخسران، شعر، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 1994.

الأرض

الأرض ليست لأحد
الأرض لمن لا يملك مكانا آخر
الأرض عباءة الموتى
والأرض عراء
الأرض درب
مقيمون وجوالون
الأرض شارع بأعمدة وعابرين
الأرض قفص عصافير ومداحين
الأرض حانوت الهم
عويل العربات
الأرض غبار
الأرض مقهى مفتوح ليل نهار
الأرض مسجد صغير
به حرم صغير
فيه قبر صغير
عليه شمعة صغيرة أيضا
الأرض في كف صبي يقف عند باب المسجد
في كفه قرش واحد
والأرض لمن لا يملك مكانا آخر.

أنتهى الطريق

أنتهى الطريق
وذهبت الأرصفة مع القطط بعيدا
حتى النوافذ المفتوحة على الدهشة توارت
حتى الأبواب تداعت
من شدة الغياب
أين الجموع التي مشت معي
أين مصابيح الدرب
وآثار الضوء في جدار المساء
حتى الدرج الذي كان يرقى لسطح القمر
حتى السياج
والأسلاك الموصلة
أنتهى الطريق
وذهبت الأرصفة مع القطط بعيدا في فكرتي.

قاعة الإنتظار

الكراسي مائلة
البوابة مفتوحة
الصور ساهمة
ورق الحائط مجندل في صمت
الأكواب الثلاثة مترعة بالحيرة
المائدة مستديرة حول ذاتها
النوافذ معلقة في الفراغ
الضوء قليل
السلاسل عالية
السلالم لا ترى
والروح تطلع
وتهبط.

بائعة الخبز

ماذا لو نسيت أن تخرج
وجاع المارون
والصاعدون للغرف العلوية
ماذا لو لم تخرج
وماتت ؟.

الحاكم العام لا يقول الصراحة

أنا الذي كنت أراقبه
حين ترتعش الخريطة وهي في يده
تسقط صورة كانت على الجدار
تسقط كأس كانت بين عشيقين
حين ترتعش الخريطة وهي في يده
أسأليني أنا الذي كنت أراقبه
إن كان سيحتفظ بهذه السماء
أو سيمزقها
ويرمي بها في وجه الأرض
أسأليني أنا
إن كان سيسلمك مفاتيح الحبس القديم.

هذا هو الكرسي

عليه يستوي الصانع الملول
كما تستوي باقة الورد المهجورة
وعليه تستريح الفصول
عليه يستوي المعطف
مثلما يستوي الملوك
وعليه تستريح الأرض إذا أكملت دورتها.

وصف حقيقي

حدث
وأن طرت مرة فوق السحاب
كان سرير إله أبيض
وكنت كائنا معدنيا
ونفاية شعاع.

أيتها المتعجلة

أيتها المتعجلة
لا تنسي شيئا
خذي حقيبة كبيرة لكل هذا
تنسي شيئا
خذي من أمامي
مرمدة الوقت البطيء.

أصل المطر

أصل المطر
من بحرنا
أصل البحر
من دموع مسائنا.

***

حسن نجمي

  • من مواليد ابن أحمد، عام 1960.
  • يعمل بالصحافة.
  • رئيس سابق لإتحاد كتاب المغرب.
  • عضو مؤسس لبيت الشعر في المغرب، وهو رئيسه الآن.

صدر له:

  • لك الإمارة أيتها الخزامى، شعر، مطبعة فكيك الدار البيضاء، 1982.
  • سقط سهوا، شعر، البيضاء دار النشر المغربية، 1990.
  • الرياح البنية، شعر، بالإشتراك مع الفنان التشكيلي الراحل محمد القاسمي، مطبعة المعارف الرباط، 1993.
  • حياة صغيرة، شعر، دار توبقال، 1995.
  • المستحمات، شعر، دار الثقافة، 2002.

ساحة القطار

سائحة في المحطة. كشك للقراءة والتبغ. صحيفة كئيبة. مربع صغير في أسفل الجريدة للنسيان. يدان انطفأت سيجارتهما. أعصاب منفلتة. غيوم في الوجوه. حانة مغلقة. شرطة تضج بها الصحف. شرطة تفسد المدن. جناية في الحديقة. أنصاف أجساد في أشرطة العميد. عاشقان على الرصيف الأيمن. سيقان عارية. خادمة تفرغ سطل الماء في المدخل. حارس يغفو في باب العمارة. إعلان إشهاري على بوابة المعهد. بقايا منشورات في التراب. نافذة بلا ستارة. مساء نرفزة. نرفزة تندس في شاشات المنازل. برامج للتوعية الصحية. حديث وعظ. ثرثرة أمام مركز البريد. سيدة تشتكي من جارتها. صبية في الشرفة بثياب نوم. شبح يمضي إلى سريره. قصاصة جريدة موحلة. نهوض إعجاب. يقظة صحبة. تضامن عشب. سقوط عواطف. خطب للتزلف. تعويضات إرشاء. حصانات بلا حصانة. انحرافات وقت. مسوخ بلا نهاية. صمت نابع من المسام. مدن ميتة، مدن ـ مقابر.

سالفاتوري كواسيمودو

إلى الصديق الرداد شراطي

أعرف هذه الأرض وخناجرها
وأتعتم
وأغتمض
ويتلبسني الليل.
ومثلك ـ أقدم في السر ما أغذي به الكلمات
وأعترف لك:
هذا الفرح ليس لي.
أعبر الظلمة وحيدا صامتا ـ
كما عبرت قصيدتك رياح سردينيا
وكما كلمتني عن خبزك المر
مثلك ـ لا أجهل الأرض
أعرف معنى أن يكون كل كائن في قلبها وحيدا
ومعنى أن يصل المساء مبكرا.

أعزل في الضوء

يتمشى
يصاحب الغيم خطواته.
للعكازة إيقاع على الحصى
وعلى العشب هسيس.
الملاك الأعمى يخطو متلذذا بالأرض
نسي جناحيه
أكتشف معنى أن يتكئ على نفسه
ومعنى أن يكون مع الضوء.
على انفراد
يسمع وقع خطواته على الحصى ـ
دون أن يقلق بشان الظلام.

بورخيس

لست أقل عمى منك
ومثلك أعرف كيف أسدد خطوي
ومع أن عيني ليستا ميتتين تماما
مع أن فيض الضوء وافر ـ
لا أحب أن أرى ما يرى
أعمى مثلك ـ
ولست نادما على شيء تركته في الضوء
فقط
مثلك حرمت من السواد.

أقل من واحد

كان في منتهى العزلة
لم تكن له إلا الكلمات.
كان واحدا.
كان "أقل من واحد"
ومنذ أن أصبح متخلى عنه ـ
لم يعد الشاعر إلى بلاده.
ولأنه بلا جريمة ـ
لم يعد إلى مسرح الجريمة.

شرفة

الغصون تلاعب صوت الريح
وورق الشجر مرايا تضيء الوجوه.
يمر الغيم فيغير الظل ـ
والنفس.
وأنا هنا في الشرفة
أنتظر حبيبتي.

الرباط

إلى أخينا الفنان عبد الله شقرون

قيلولة من عاصفة
ومطر بلا معنى (الآن)
و"بورقراق"
هناك أعمى
يسرع مياهه بإتجاه بحر المحيط
نهر أعمى يجري مثل ثور جريح
يربك خفق النوارس
ولا نعرف سره.

***

خالد الدهيبة

  • من مواليد أسفي، عام 160.
  • أستاذ بالمركز التربوي الجهوي محمد الخامس بأسفي.
  • نشر مجموعة من الأبحاث والدراسات في مجلات ومغربية وعربية.

لم يطبع ديوانا لحد الآن.

ذخيرة الحياة

لم أقل
للعصافير أن تطوي السماء التي
بناها الأسلاف فوقنا
ولا للسماء أن تبلل ثياب المتسللين
إلى نادي الأموات
خلسة في الكرى
كنت أسمع
هذا الآتي
من آخر الحنين وأول الضجر
ليغزو الكلمات
وأعلن أني أحب الحروب
وأكره المتحاربين
أستلذ النوم
وأغبط النائمين
ـ إلا قليلا ـ
أحشو الأوراق بذخيرة الحياة
وأعد الطلقة الأولى
من سحر النظرة
ومن آهة
تفجرها بطة الساق
من منظر الديكة
وهي تعبر الطريق
إلى الوليمة المقدسة
وأستحلي الموت
على فراش الموت
لا
على رقعة الصلاة.

قصيدة في مخبأ الأسلحة

جذلا
وممتنا لخليط من الرؤى
أسمي قصيدة
ما تبقى من معاناتي
في دفع أقساط سكرة الأصدقاء
نشوة ما يولد من فقاعات
حين أرمي حجرا في ماء
في ما يتكرر
حتى لو كان خيط الدهشة
أو سلالة الكفرة
الفسحة العظيمة لما ألهج به:
منظر رتيلاء بنية تحتل قاع الكأس
وهي ترقص ساعة أعلنوا
اكتشاف مخبأ الأسلحة
الوقوف ضد الضجة
حتى لو أجترحها سكوت الضحية
الرجاء المتبقي
في الأربع وثلاثين سنة التي أحملها
والأعداء الذين لم أخترهم
والنساء اللواتي ينسحبن خارج كل اشتهاء
والسماء التي أستقبلها كل مساء
متكئا على حماقات أنسجها بمحض وعيي
والطفل الذي يظل أبد الليل طفلا
حين يكثر المشترون في دمي
وتبصر بهم عيني سارقو حلمي.

مخلوقات العزلة

كان يراها
في باطن كفه
واشتباكات غرائزه
مخلوقاته التي تدفئ
الدم في السراديب القصية
من وحدته:
في مرعى الطفولة
دغافل تلعب بالماء
أسماك تحك بزعانفها السماء
والفراشات التي طهر بها
جهات في جسمه
ليربح سباق الرجولة
وأشياء أخرى
لم يكن يتقنها
إلا كلمات
ويراها
حين ينقر ببنانه
على خشب المنضدة
اللحن الهادئ للضجر.

ضــفـــة الـرعـــب

الرعب
ـ كل الرعب ـ
كان الغَدَ
أشباحه
والغيبَ الجامح.

الرعب
كان لهو الأقدار
عبثـَها
وذهول السقطة الأخيرة.

الرعب
كان توقف العبور
إلى حطام الأرواح المكسورة
حيث ضفة شعراء الشارع الوديعين
هؤلاء الفرسان المنجذبون
إلى زوايا الكلام المعتمة
في دائرة نون النسوة
وعمود المثنى الواقف أبدا
الغارسون الأنصال اللطيفة
في حلمات الليل.

الرعب
ـ نصفه
أو أكثر قليلا ـ
كان الخوف مما تخطئه
توقعات الخريف
وتخترات الصمت المكابد.

***

سعد سرحان

  • من مواليد فاس، عام 1961.
  • يعمل أستاذاً للرياضيات بمراكش.
  • أصدر مجلة: الغارة الشعرية، رفقة ياسين عدنان، طه عدنان، ورشيد نيني في بداية التسعينات.

صدر له:

  • مهيار ـ طفل، شعر، بالإشتراك مع أسماء هروسي، 1992.
  • حصاد الجذور، شعر، 1994.
  • شكراً لأربعاء قديم، شعر، دار ألواح مدريد، 1999.
  • مها ـ طفلة، شعر، بالإشتراك مع أسماء هروسي، 1999.
  • نكاية بحطاب ما، نكاية بالغابات أيضاً، شعر، دار أركانة للنشر الرباط، 2004.
  • صندوق البريد 1492، نصوص ورسائل، دار أركانة للنشر، 2006.
  • مراكش ـ أسرار معلنة، نص مفتوح، بالإشتراك مع ياسين عدنان.

قوارير

شرفة
كأن لا شمس
عدا شرفتك الساطعة
تلك التي قبالة قلبي.

ذريعة
بسبب التركواز أيضا
وليس بسبب عينيك فقط.

طغمة
كُفِّي عني شذاك
أيتها الطغمة الفاتنة.

غزو
سأضم أرضك إلى أرضي:
الماء من شمالي
والعطش من شعابك
...
ولسوف نتقاسم الحفيف
كلما أورقت جهاتنا.

ارتباك
لكم كنت مرتبكاً
قُبَيْلَ الزر الأول
...
ولكم كنت مرتبكة.

دين
وأنا مدين لك
مذ أسهبت شفتاك في عنقي.

لهب
أتذكرين يوم أفتتحت
شفتيك ؟
...
هل حقاًّ كنت على عجل
فلم تبذلي من الرضاب
ما يكفي رصيدي من اللهب ؟.

تقليم
تخمشينني؟
...
حسناً
لأقلمنك
إن عاجلا أم عاجلا.

سحر
لكأنك أرض مسحورة
فحيثما أغرس بيرقي
تنبجس الفضة.

فضيحة
هذا الصباح
عصافير كثيرة
ضبطتنا متلبسين بالعري
...
ألم تسمعي نقرها الفاحش
على زجاج النافذة ؟

وسام
لا لا
ليست عضة
إنها وسام على صدري.

عطش
قشري برتقالتين:
واحدة لك
والأخرى لقلبي.

شجرة
كنت مثل الشجرة
وأنا أفحمك
فرعاً
فرعاً
ثمرة
ثمرة
...
أما عشك اللجوج
فقد ظل مأخوذاً بحجتي.

بروق
تُصدرين بروقاً كثيرة
وأنت تتأوهين
فأغمض جسدي عليك
وأسلم
أحلامك
للمطر.

وعيد
سأضرب عن شفتيك
إن أدميت لساني
مرة أخرى.

تناغم
أعرف أي قيثارة كنت
لذا دوزنتك على مهل
حتى صارت روحك ترقص
كلما همت روحي
بالغناء.

دعوة
تعالي
(هكذا كما أنت)
تعالي إلى الشرفة
فالقمر ليس بغريب.

غمر
الغرفة زرقاء
البيجاما زرقاء
الموسيقى زرقاء
وزرقاء:
عيونك
والحلي
والغمازة
وأنفاسك
...
وكل احتمالات السرير.

***

ثريا ماجدولين

  • من مواليد سطات، عام 1960.
  • حصلت على دبلوم الدراسات العليا، 2003.
  • عضو المكتب المركزي لإتحاد كتاب المغرب .
  • عضو مؤسس لجمعية مبدعات البحر الأبيض المتوسط.
  • عضو بيت الشعر بالمغرب.

صدر لها :

  • أوراق الرماد، شعر، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 1993.
  • المتعبون، شعر، دار الجسور المغرب، 2000.
  • سماء تشبهني قليلا، شعر، دار الثقافة المغرب، 2005.

الشاعـر

ثَمَّةَ شَاعرٌ
يَنْفُضُ ذاكرتهُ على حاشية النهرِ
يُبَدِّلُ حاضرا أنهكته الثقوبُ
بجناحيْ فراشةٍ
يطيرُ
إلى غَدِه العسليِّ
يحمل قميص المحبة
تفاحةً لأميرته المشتهاة
قصيدةً ضروريةً
كي يأخذ النفس الأخير
ويملأ دمه بالهواء.

***

قد ينقذُ الشعرُ
ما تبقى من الأوكسجين
في رئة الأرضِ
ويؤجِّلُ موتَ المحبين
بضع دقائق
هكذا قال
وأنثنى نحو النهر.

***

شاعرٌ
يعبر جسر الحقيقة
بِخُفَّيْ مجاز
خُذْ أيها الشاعر
نصيبك من الجسر
وأترك للشمس منفذا في خطاك
خذ نفسا آخر من رئة الأرض
نشيدُك يسري في مرايا النهر
ويسعف الذاكرة من الموت
كما الذكريات.

كأن على رأسي الغيمَ

أقف على حافة نفسي
لا تخيفني الرياح
أعانق ذاتي لأحميها من برد
وكي لا تدمرها أنَّاتي
تفيض عن ذاتي ذاتي
لا أفكر
لا أحب
لا أكره
كأني جدار
لا أنتظر شيئا
ولا أُنتظَرْ
لا تحط العصافير على يدي
لا تبني أحلامها في دمي
لا تزيح الرياح حلما
نبت فوق رأسي
لا أحتاج إلى أرض لأقف
ولا أحتاج إلى سماء لأطير
لا مكان لي
لا زمان
لا تشبهني صفاتي
لا يكفيني اسم واحد
أمشي مثل القصيدة الحرة
لا قيد لي
ولا أحن إلى قافية
لا أتذكر
لا أنسى
لستُ حاضرة
ولا أغيب
بعضي يشد بعضي
كالبنيان المغشوش
ولا أميل.

أقف
ممطرةً
كأن على رأسي الغيمَ
أتساقط ندىً عليَّ
وأروي حدائق معلقة في عيني
تكسر ليلي
ولم تجد يدي حدسها
ملأى بصداي
أضم نفسي إليَّ
وأرتمي
مثل الفراشات
في لهيب الشجن.

سَمَاءٌ جَدِيدَةٌ

نَاوَلْتُ كَأْساً لِظِلِّي
قُلْتُ :
نَخْبَكَ
أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي
تَعَالَ
نَغْتَسِلْ مَعاً
مِنْ حُمَّى الْمَسَافَات
نَهْجُرْ وَاحَةَ الصَّمْت
نَفْتَرِشْ سَمَاءً جَدِيدَةً
لِنَخِيطَ قَصِيدَةً تُشْبِهُنَا
قَصِيدَةً نَمْرَحُ فِيها
كَما نَشاء
نَنامُ فيها
مَتى نَشاء
نُطْفِئُ
في نَهْرِها
عَطَشَ الذِّكْرَيات.

قُلْتُ لَهُ :
أَيُّها الظِّلُّ
تَوَهَّجْ قَليلاً
لأراني
تَحَرَّكْ قَليلاً
لأعْرِفَ ما بي
تَمَزَّقْ قَليلاً
لِيَخْرُجَ نَبْعي
يَرْمِيَ قِشْرَةَ الْوَهْمِ
بَعيدا
أُريدُ أَنْ أَخْرُجَ
مِنْ سَماءٍ مَنْسِيَةٍ
وَأَرْضٍ خَرابْ
إِلى مَنْزِلٍ
في حاشِيَةِ الضَّوْء
أُريدُ أَنْ أَضَعَ يَدي
في يَدِهِ
لأَعْرِفَ
كَمْ سَماواتٍ عَبَرْنا
كَيْ نَصِلَ
ضِفَّةَ الْحُلْمِ
كَمْ مِنْ كُتُبِ الدَّمْعِ
قَرَأْنا
كَيْ نَكْتُبَ لُغَةَ الرُّوحِ
كَمْ لَيالِيَ سَنَشْهَدُ
لِيَنْفَتِحَ بابُ الْوُجودِ
أُريدُ أَنْ يَعْرِفَ
كَمْ يَقْطُرُ فِيَّ
وَكَمْ
تَشُدُّني عَقارِبُ السَّاعَةِ
إِلى السَّماءِ الْمَنْسِيَة
أُريدُ أَنْ أَعْرِفَ
كَمْ سَماواتٍ
قَطَعْنا
كَيْ نَشْهَدَ الْأَرْضَ
وَكَمْ أَراضِيَ
سَنَقْطَعُ
كَيْ نَشْهَدَ السَّماءْ.

أَنا مَنْزِلٌ
في الْهَسيسِ الْقَريبِ
مِنْ شَفَةِ الْوَرْد
دَعْ سَماءَكَ
حانِيَةً عَلَيَّ
وَشَمْسَها
تَسيلُ عَلَى كَتِفِي
وَتَجْلِسُ في يَدي
كَسَلَّةِ الضَّوْء
دَعِ الْقَصِيدَةَ
تَكْبُرُ عَلَى حَوافِّنا
أغْرِسْ عَلَى ضِفَّتَيْها
وَرْداً وَناياً وَغِناءْ
دَعْ يَدي تَنامُ في يَدِكَ
مِثْلَما كانَتْ
مِنْ أَلْفِ عامْ
ثُمَّ تَعالَ
نَشْرَبْ مَعاً
نَخْبَ الأتي
نَمْتَلِئْ بِنا
لِنُضِيء.

***

الزهرة المنصوري

  • من مواليد أصيلة، عام 1960.
  • تعمل بالتدريس بمدينة مكناس.

صدر لها:

  • تراتيل، شعر، دار توبقال، 2002.

الحـي اللاتينـي *

الّلوحة سماءُ الكتاب، والحكايةُ مرآةٌ
ضَوْؤُها على ماء ذاكرتك يرِقُّ.

خُذِ المرآةَ
وأقرأْْ شمسكَ
إقرأها ليلاً لتُمطرَ
لتستفيقَ مُدنٌ بيضاءُ
كما الثلج.
وقصبُ المساء
زهرُه يخطو
على ماء نهركً
لِمَ مرآتُكَ شفيفَةُ
تُفشي كُلّ البياضْ ؟.

شرقُ الكتاب
وحُمرةُ الغيم ترتقيك
سماؤكَ مساءٌ
ونُجومٌ تُرخي ضوْءَها على رذاذ الموج الباردِ
وغُربَتُكَ على الميناء
وفراشاتٌ نامت في دفاترك
كسوْسناتٍ بيضاءً بدهشةٍ تُطِلُّ
كطُيور ورقية تسمو للنهايات.

باريسُ
ظِلٌُّ الضفافِ والمطرْ
وعيناها
صوتُ الخطوات الواثقة على أرصفة الحيّ اللاتيني
ونواقيسُ
وحديثٌ عابرْ
تهُبُّ نسماتُ شجر البُرتقال
حين صُفرتُه تُضيءُ مساءات الشتاء
والجدرانُ الأنيقةُ المُعتّقة بتاريخ يرنو لحروف ظِّلكِ
وحمرةُ المدى على الطاولةْ.

رسّامون يمنحُون الزّمَنَ لوُجوهٍ تعبُر المكانَ
في لوحات الليل الخافتِ
والريحُ يمحو خُطاكِ
وصمْتُ الكلامْ
كم يبدو الشجَرُ بي رفيقاً حين يميدُ
والذاكرةُ بيضاءُ على حدائقَ تسيلُ
ومن عبروا تاريخَ الأمكنَهْ.

أدخُلُ المرآةَ دون أن أرى شكلي
ويمشي البحْرُ ورائي
وحين تنطفىءُ الموجةُ
تلمعُ السَّماءُ
وتسقُطُ أُغنيه
همْسُ الزّرقة يُراودُ القلبَ
والبحرُ يسمو خلف السّواد
وحُلمُكَ
لكَ يرنُو دون كلامٍ
والذاكرةُ بيضاءُ
كما الجريدهْ.

الشّرق
هاهُنا في حُلم امرأةٍ
يعبُر عينيكَ
وفنجانُ القهوة
والمدى
أُصُصُ النّبْتِ المفردةُ على الباحات
والوجوهُ السُّمْرُ تعبُر الذاكرهْ
ذاتَ مرّةٍ
ظَلّ الليل على نهركَ
والمراكبُ الصغيرةُ
من ورق طفولتي
لَمَعَتْ كنُجيْماتٍ.

الشَّرقُ الفسيحُ على القلب
و"جانينُ " تعبُر الحكايا
يمرُقُ القلبُ من شجر السَّرْوِ البارِدِ
والملامِحِ الصَّلْبَةِ
سماءٌ غريبَةُ تنفتحُ على حُلْمِكَ
الأمكنةُ الصغيرةُ المحبوسَةُ في الذاكرَهْ
وفراغاتُ
ويدٌ باردةٌ تجمعُ الورقَ العابرَ
وحُلمُكَ أخضَرُ كما الّلبلابُ
حين يُراودُ سماءَ الحدائقِ
يحْرُسُ الهواءْ
آهٍ
كم يفتقِدُني غيمُكِ
وصوتُ الطُّيور الكثيفةِ
حين تُغازِلُ زَهْرَ الَّلوْزِ
وربيعَ المطرْ.

على الماء تلمعُ طفولتك
تلمع أحلامٌ صغيرة
جناحُ طائِرٍ يُحاذي الماءَ
فتستفيق أجراسُ المدن العتيقَةِ.
وزمنٌ هُنا، كان يعد خُطاك*

* حوار شعري مع لوحة الفنانة ريم الجندي، المرسومة على غلاف رواية "الحي اللاتيني"
لسهيل إدريس، دار الآداب، ط 12، 2002.

التمثال

الدُُُّوري
الآن أخطو
كدُوريِّ ماطر بأناشيد منسية
دهشة الغيم أطؤها
ألُفُّ البياض .
وها الفراشات التي نامت قديما
في سماء رسمتُها
ها الموجات التي عبرتني
ها المطر المخبأ في الجسد
ها نخلة الروح التي نامت
على الجبين
ها طفلة ضباب
ذات رحيل
ها شموسي الغاربة تخطو .
الرماد البعيد
وسوسنة الجسر
وأنا رابضة في المساءات العارية
عيناي تحرسان الحفيف
وابتسامة هامسة
لشجن الذاكره .

التمثال
جالس وصامت
يحادث الليل
وصمت الشجر المرخى
على الباحهْ .
يرتب أحلام المارّين
وطين الخطوات .
يحكي رشّات الصفرة
وجوه القمر المشظى بخيال طفلة
الليل الذي نام في الكف
وراح يسيل
حبره.
وفي الصباح
يرشف البستاني زخات النبع
من الوجه المتعب .

المقهى
يكتم حلمي الزجاج
الهباء البلوي يستر وضوحه
والخطوات الصامتة
تقطع المدى .

الحديقة
عصفورا معلقا
كان القمر
نجوم الليل الغائمة يسيل ضوؤها
يشِف بالحنين
ويحيي الحبر المرَّ
وصباحا
يستفيق الممر
الحديقة لوحة منسية
شجر بها تدلى
بياض بعيد
كرسي الباحة
حديث الصمت
وموعد لرحيلْ.

***

عائشة البصري

من مواليد ابن أحمد، عام 1960.
عملت أستاذة، ثم سكرتيرة تحرير لمجلة تربوية بوزارة التربية الوطنية.
عضو بيت الشعر بالمغرب.
عضو اتحاد الكتاب بالمغرب.

صدر لها :

  • مساءات، شعر، منشورات دار الثقافة الدار البيضاء، 2000.
  • أرق الملائكة، شعر، منشورات دار عكاظ الرباط، 2003.
  • شرفة مطفأة، شعر، منشورات دار الثقافة الدار البيضاء، 2004.
  • ليلة سريعة العطب، شعر، منشورات دار النهضة بيروت، 2007.
  • bassryaicha @yahoo.fr

عزلةُ الرملِ

ليسَ غروباً ما بالشمسِ
هو الضوءُ يُلَمْلِمُ أهدابهُ
في حَقَائِبِ الظلْمَةِ لِيَنامَ.
لَيْسَ شَفَقاً ما في الأُفُقِ
هو الرملُ يَلْعَقُ سيقانَ الحَجرِ
فَتَتَورَّدُ الزرقةُ خَجَلا من شَغَفِ العاشقِ.
كثبانٌ ..
أجسادٌ لَمْ تَحْتَرِقْ بَعْدُ بِأَنامِلِ شَهْوَةٍ
تَتَوَحَّدُ في عراءٍ مُوحشٍ
تُصيخُ السمْعَ لِخَطْوٍ مُتَوَجِّسٍ
وَلُهاثٍ يَنْمو بَيْنَ تَجاويفِ الودْيانِ
أحراشاً من الخَوْفِ.

الرملُ في عُزلتهِ
كاهنٌ يلوكُ صلواتِهِ على صَفيحٍ ساخنٍ
شَفاعَةً لِخَطايا البَشَرِ
فَتُعيدُ الريحُ تراتيلَ عهودٍ مَنْسِيّةٍ.
خُشونَةِ الرملِ
أُلْبِسُني خِرْقَةَ التصوُّفِ
حافيةً أَدْهَسُ أشواكاً سِرّيةَ الأسْماءِ
وأصيحُ في المُطْلَقِ :
ما سِرُّ الحياةِ في البَدْءِ ؟
ما حِكْمَةُ الرمل في عَدَمِ التشابُهِ ؟
وماذا بَعْدَ هاويّةِ المَوْتِ ومَصَبِّ الأَبَدِيَّةِ ؟
فَيَرُدُّ الصدى صداهُ :
لا سِرَّ يُخْفى عَنْ صَفاءِ السريرَةِ
حَدِّقي مَلِياً في مرايا الحجَرِ
تَأْتيكِ الرؤى مُبايِعَةً بين يَدَيْكِ .
أبْتَعَدَ النهارُ عَنْ ضَوْئِهِ
لا أُفُقَ يَحْجُبُ الماءَ عَنْ سِرّهِ.
صَمْتٌ أسودُ يَعْمي البَصيرَةَ
لا مَفَرَّ مِنْ تَلَمُّسِ نُتوءاتِ الظلمةِ
لِفَتْحِ مسالكِ الطريقِ.
أبْتَلَعَتْنا العَتَمَةُ
ألتَصَقَتْ أجْسادنا بالحديدِ
تَفَتّتتِ الأصابعُ على السياجِ.
هاويَةُ الظلْمَةِ أشْهى مِنَ الضوءِ.
بعد قليلٍ
سَتَتَدَفَّقُ الهواجسُ بين الأوْديةِ المهجورةِ
سَيَهْمِسُ الرملُ لِظِلالهِ:
هذه التلالُ أعْرِفُها
ويَشْتاقُني حَليبُ النوقِ بَيْنَ أَضْراسِ البَعيرِ
ورائحةُ الزعْتَرِ البَريِّ
تَحْتَ خَيْمَةٍ مِنْ وَبَرٍ
بين رائحةِ الحَطَبِ وفُقاعاتِ الشايِ
تَمْتد يَدُ الغَريبِ خلفَ المشهدِ
تُعَدِّلُ مواقعِ النجومِ
مِنْ لَمْسَتِهِ انْتَشَتْ نجمةٌ
وغادَرَتْ سريرَ السماء.
تاهَتْ طُرُقُ العَوْدَةِ بَيْنَ مَسالِكِ العُزْلَةِ
ألتَمَعَتْ عُيونُ الليلِ بَيْنَ شُقوقِ الصخرِ
شَرُدَتْ سِحِلّياتٌ أذْهَلها فُضولُ الغرباءِ
أخْتفى القَمرُ من شُرْفَتِهِ
حداداَ على مَوْتِ عالمٍ"مُتَحَضرٍ".

مُخَرَّمٌ رِداءُ الريحِ في الصحراءِ
أجسادٌ لا مَرْئِيَّةٌ تَلْتَفُّ بِأجسادِنا
تَفْتَحُ في أرواحِنا نوافذ زمنٍ غابرٍ
بقايا أصواتٍ أَرّقَها الحنينُ إلى الآتي:
هُوَ المجنونُ يَلْفَحُ الرملَ بقدمينِ حافيتينِ
يُنادي لَيْلاهُ إلى سَريرِ البَيْداءِ .
هلْ تَحَسَّسْتِ نَقاوَةَ الصحْوِ ؟
هلْ أَغْراكِ الرملُ بالاغْتِسالِ
عاريةً مِنْ زَيْفِ التَمَدُّنِ
من الصخبِ والحديدِ والدخانِ ؟
هلْ أَدْمَعْتِ لِنُواحِ النايِ وَشَدْوِ الحَجَرِ؟
هلْ تَهَجّيْتِ حِكْمَةَ البَدْءِ في أناشيدِ البَدْوِ
دونَ ذِكْرِ الأسماءِ..؟
هلْ جَرَّبْتِ الصراخَ في مُطْلَقِ الفراغِ ؟
ضامرٌ هذا الليل
لَوْلا تَكَوُّرُ الريحِ على صدرِ التربةِ
وانْعِكاسِ النجومِ في صَقيلِ الحَجَرِ.
أنْكَمَشَت الأصواتُ
لُغَةٌ واحدةٌ لا تَكْفي.
بياضاتٌ
لا صوتَ يَعْلو على صَمْتِ الصحراءِ
شَفّاَفَةٌ مَرايا السماءِ
لا حُجُبَ بينَ البَشَرِ وكلامِ الله.
خَفِّفِ الخَطْوَ
هنا سُرَّةُ الكون
سِرُّ البَدِءِ وكِتابُ الأَزَلِ.
فتَوَضّأْ بِطهارةِ الرملِ
َصلِّ صَلاةَ الغَجَرِ أمامَ هذا البَهاء.

سرابٌ / فراغٌ / تَوَحّدٌ / وحْشةٌ / ظَمَأٌ
أوصافٌ لِلصحراءِ
ولروحِي رِداء.
لَوْ عَرَفَتِ الصحراءُ مَنْبَعَ العَطَشِ
لَبَرِئََتْ روحي مِنْ دُمَلِ الحياةِ
نُدْبَةُ ضوءٍ
أَيْقظَتْ غَفْوَةَ الزمنِ
كما لوِ أَنّنا مِتْنا قليلا
كما لوْ كُنا توابيتَ على مَعْبَرٍ
تَنتَظِرُ تَصْريحاً للعُبورِ.

على عتبةِ المدينة
خَمَّنْتُ:
سَأُغْلِقُ النصَّ على عتَمَتِهِ
كَيْ لا يَسيحَ الرَّمْلُ مِنْ بَيْنِ الشُقوقِ
تَذَكَّرْتُ دَرساً في الجَبْرِ
"لا يُأطّرُ مَا لا أضْلاعَ لَهُ"
مَرْجِعِيّةٌ سائِبَةٌ
وفَراغُ مَعْناً لا مَعْنى لَهُ.

لا ذاكرةَ للرملِ
لا وُثوقَ في مَهاوي الأقدامِ
هَبَّةُ هواءٍ عَبَرَتْ
مَحَتْ آثار الخَطْوِ وسائِبَ الكلامِ.

من بعيدٍ
سَمِعْتُ الصدى يُعيدُ صَداهُ:
لا رَهْبانِيَّةَ إلا لِلرَّمْلِ في مواجعِ الصحراءِ.

***

بـوجمـعة الـعـوفي

  • من مواليد تـازة، عام 1961.
  • دبلوم الدراسات العليا المعمقة تخصص مسرح.
  • عـضواتحـاد كـتاب المغرب .
  • عضو بيت الشعر في المغرب.
  • عضوالأنطولوجية العالمية للشعر ـ The Book of Hope ، لدعم منظمة اليونيسف ومركز أطفال أفغانستان، صدرت عن دار النشر BEYOND BORDERS بأيسلندا 2002.

صدر لـه :

  • بياضات شـيقة، شعر، منشورات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، 2001.
  • أصدقاء يغادرون حنجرتي، شعر، منشورات وزارة الثقافة والإتصال الرباط، 2002.

تشبيهات معدنـية

إلى الرباعي الفرنسي للموسيقى الكلاسيكية QUATUOR VIVACE
وإلى ر. أ . طفلة وشاعرة ـ قريبا من فتنة الشعر والنغم ـ بتازة ـ ذات مساء.

أصدقاء يغادرون حنجرتي
غدا
أحتاج
إلى الكثير من الوقت
كي أطرد بعض الأصدقاء
من حنجرتي
وأكنس أسماءهم
باتجاه البحر:
واحدا
واحدا
كي لا يعودوا بأشلائهم الميتة
إلى القصائد.
بعدئذ:
يتملكني شيء من الرقاد
وأصحو على أصواتهم تغادر حنجرتي
واحدا
واحدا
تمامأ مثـلما
تمحي الأوقـات من على سطح القصيدة !
غيمة في الكف
عين
هائلة
تسكن شوق الأصابع
ويد
كالسهو
كالغمام
تتبدى خلف الأفق
تتعجل فيه اليباب
أو
تشير
إليه
تركتها الطفلة النازفة
على كفي
ـ ذات مساء ـ
مثل نجمة حارقة!.

نصف شجرة يكفي للغناء

شجر
كالغناء
وفاكهة الظل
تعشق صوتها
تعلق روحها بالقصب
وتستيقظ مفزوعة
ـ في أول الألق ـ
كلما رأت
في يدها:
أغنية قادمة.

تشبيهات

كأنني
أنحدر إليك
من جهة المساء
أو
أمسك بالبياض لأول وهلة
كأن العين التي
ظلت ترقب مجيء القمر
ـ بطول الطريق ـ
أدركها شيء من السهاد.

LE QUATUOR VIVACE

الأنفاس التي
غربتنا
أو قادتنا بالأمس إلى الفتنة
وأستدرجت روحينا الراعشتين
إلى الفرح القصي
كانت دهشتنا الأولى في الطفولة
وكانت رنة فيفالدي VIVALDI
وحدها:
تقطر بالقصائد
والنحاس يتشبه بالقصب.

وجه الغجرية

نفس الزفير
ظلت تطوعه الغجرية في المعدن
تبثه عزف المساء
كي
تصير لرقصتها شهوة النحاس
أويلمع وجهها خلف رنين السلالة.

***

عبد الحميد الجماهري

  • من مواليد عام 1963.
  • يعمل بالصحافة.

صدر له:

  • ن الوهم، شعر.

نثريات الغريب

حين وصلنا القليل سألتك:
في أية لغة أجنبية تشبهين الرمان ؟
كانت اللغة كاملة في لساني وطفولتك برمتها في وسائد العائلة
في البيت لم نفاجأ بالحياة تتنقل بين القبعة والدولاب
حين انهمرت علينا أجسادنا
ضاحكة
على طرف لساني
s'est pointée
l'aube de ton
corps
riant
عدوى الظلام تنتقل
من عين إلى أخرى
كحالة بوذية سريعة
مرت يدك
وأنفاسك
ومرت رائحة الخبز التي أيقظت أحلامنا النائمة في شعر امرأة قوطية في"فرخانة"
ألتقت مخاوفك كمجرى من النهر وسط النهر
حلكة كبيرة خلف جبينك تحجرت
كحبات ألماس
وأكبر من أصيب بالأرق من جراء ذلك
هي الساعة
أرقها الخالد ينقل العتمات والأيام واللقاءات العابرة والشتاء وانتظار الموت
من عين
إلى دقيقة
مر أبريل قادما من بحار"ايجة"
ضحكت تحت جلدنا بركة كبيرة
لا شيء أسفل الضحكة
سوى قميص الليل
اسمك تتبعه الاسئلة كعطر:
في أي سماء
كانت جملة "هايكو"
تثقل ريش الطائر ؟
"مليلية" كانت فوقنا كمظلة لشخصين
هل سيصعد ظلانا إلينا رغم الأرض ؟
لشفاهي قلت المشهد الذهني
الذي يملأ لحمك
تقوست جسور كثيرة بفعل البرد
كنا نعبر كندف الثلج من الخفة التي تحدو الخطأ
تقوين علي وأجمل ما فيك أنني لا أدري شيئا
أقوى عليك
وأجمل ما في أنك لا تدرين شيئا
courrir
le moi infini de la multitude
et ne garantir que le bonheur de l'ephémère
الرمل والماء يتجاذبان طراوة لسانك
عندها تأتيك الطفولة كاملة
جئتك لابسا الثلج
والباب
شمس قديمة
لوحت الكلام
في صدري
تأتي بك موسيقى الجاز وصوت فيروز ونخلة في صحراء الشركي
طرقت الباب فعاودته ذاكرته
في الشجر
تبع ظلك وذاب في الأدغال
تبعنا البيت إلى الحجر
حفرنا قبرين
في المقبرة قرب الغابة
مارسنا الحب
وجعنا:
ألتهمنا الأبدية في شفاهنا
في هذا الاسفل للأبدية رائحة العرق والتراب
أبدية وجهك كوة لتيار الهواء
الأكبر من الفضاء
آه
لولا أظافرك لن يتعرف علينا النهار
un sourire qui foule
le sable moelleux de
l 'aube argent
mouillée de tes levres

أستضيفك في الهالة
تستضيفينني في حديقة
ونهر ينسى مصبه
وينسى منبعه
تاه طويلا
وذاب في الشعاع المبلل
لنظرتك من خلف رشاش الماء
كم مرة فاجأتني أتقادف الشرفة مع الغروب:
لم تصدقني حين قلت أن الأبدية في "تافرانت" يوم واحد يدعو"البرابر" أربعاء الثلج
cette blancheur silencieuse
des dents
quand coule ton rire
entre les lèvres et dans
ma mèmoire
الآن نتقافز لا مرئيين
من أبد إلى آخر
سنوات كاملة من الكتابة السريانية
الجسد فيها مكان عار
جلدك الشفاف يحيط بالجبل:
أتقفى نظرتك فأفقد أثري
لا أعثر على خطوة من هيأتي الخفيفة
تراني أحسنت الإقامة في جسدي ؟
كم سألت هذا السؤال بقلب مطلق؟
في نبيذ حانة "مانيللا" كنت تتبربرين أيضا:
un jour je vais mourrir
sur un banc
dans une corniche brumeuse
rien que pour faire
sourire
le dieu de nietzshe
تستضيفينني في هالة شجر السرو
في الطريق إلى النجود:
"ماذا ألهمك لتأتي ممتنا إلى"كلمام" وقصبة الواحة والرمل الناطق بألف خيال"
كم ألقت السماء على مسامعنا من أسرار الغيب
حين يرعد صيف عصابي
لا يتذكر نفسه إلا كرياح الشركي في حنجرة "زا"
كانت فراشات السفح تقلب بصخب الفرسان جداول "أغيلو مدغار"
وتتدحرج بصخب بياض اللوز
لغاتها الحصى والصخور
وآتيتك كميزان الأقدار مختمرا بالنوافذ وبما هب علي في الأعالي من بحر المتوسط وحدوده اليسرى في الحيلة الإيبرية الطافية جهة سواحل "بويفرور"
تصاخرنا
تجابلنا
تجاوعنا
تعارقنا
تمائينا
تنارينا
تماطرنا
تمعدنا
تناجمنا
تذاءبنا
تآوينا
في أرخبيل ليالي الشتاء الكثيفة
تزهرين نفسك كما لو تودين إنقاذ الغريزة والزرقة البعيدة ؟
خمني:
لم نكن أبرياء ولو أننا بدون جريرة
رأيت المادة تصبح مآلا لصيف الأحاسيس
قلت:
"لا داعي لكي نستيقظ سعاة للازورد أو متسوليه"
رأيت أن علينا عمر الحياة
لننهزم أمام الحب
قلت هذا ثأر يطارد عرقنا
وأقمنا في السريرة مأدبة الأعضاء
كنا ننحدر من "تافرانت" مخفورين بدفوف الماء إلى "القصبة"
طريق وضع يونيوه صنوج الصيف على ضفافه
وحطت أعشاب بسهو الشتاء
هل نقفو آثار العدراوات بجرار اللذة يحاذرنا يعاسيب الذكورة تحت برانيس نسجتها قمم تصيفت في مناول الصهد المترامي
الشلالات تقرأ لنفسها حجر الانهار
والعرق يقرأ بهمس عضلة النساء أسفل ملابس جئن بها من أسواق سادرة في الغبار
حين قبلتك كنت أنهيت ترجمة أعضائك الممتنة لهذا القدوم المفاجيء
غظا
كصباح مرتجف
جاء صديقنا الحب
الى الوردة القاسية
في مرمرالفنجانين.

حتى الألم يعاملني كأن لي أجنحة

حتى يكون الليل وأقرر إن كنت سعيدا
مثل أوديب
ربما عرضت فواكهي للنوم
لن أكون فرحا وأنا أرى كل هذه الألغاز تمشي أمامي
بين أرقين
أرق يحدثني للجدار:
أسفله تنام العائلة
وآخر أخرس للسماء.
اللاشعور
شارع طويل
بدكاكين للتحف القديمة
أتعرف على قوس الأب
مشدودا بفعل البرد
ومحلات لمصورين بالأبيض والأسود
وورشة ميكانيك لإصلاح اليقين
وقطع الغيار للأعطاب السابقة في السلالة.
منذ القديم كانت الروح تجربة للصناعين
والحي فيها أثر طرازين على نول المشيئة
الساعاتي خرج في عطلة
وسط لوحة الذاكرة لدالي.
مباشرة أدرك أن الوقت لون واحد
أبكي
ويصبح الملائكة
على يميني يكتبون بالحبر السري
حتى الألم يعاملني
(حتى الله)
كأن لي أجنحة
أحلق ولم يُخْلَق الثقل بعد
هنا تكون البشرية مادة سابقة لأوانها
(ولي مثل:
الشقيقة الصغيرة
فوق أرجوحة كوابيسها
تشكو من نقص في الواقع).
سأدخل هذا النوم
لأصبح قاتلا
ثم أصبح بطلا
وأستيقظ بسماء صحوة للجيران فقط
كأنني أريد أن أقول إن لي
سودا يليق بمنتصف النهار
أنا بارع في الفصام
ولو أشعلوا النهار الآن
لأضاؤوا أخطائي
حيلتي بسيطة:
أفسر الشمس دائما بالظلام
لا أحتاج الحظ لكي أكون سعيدا
تلزمني هاوية لأسقط كطريدة في سرير الفاليوم
أحتاج آلة رقن عتيقة لوصف كآبتي
عندما أجهش بوساوسي
أضع كوب ماء بالقرب من الكرسي
وأقف كفكرة طارئة تتلألأ فوق سطح الماء
وأنقر حروفا كبيرة بما يكفي لكي أصنع جلبة تلهيني
أكون كاليأس
في طبيعة ميتة
من إختراع المطبعة.
(قالت الشقيقة الصغرى:
نزلت الكتب وليست فيها وصفة طبيب
قال الكتاب:
النهر في أحلامك كتلة إشارات
والطير خبز الله في تأويل الأنبياء).
أعياد ميلادي لم تحن بعد لأضع نهايات سليمة لما سبق (ولدت بلا يوم)
لكنني أتقن دائما الهروب من الذكرى الألف لسعاداتي النسبية
لا يركض غيم
ولا تنهمر بلاغة
بعد قليل ستصبح أجنحة الصقيع زرقاء
وأصعد إلى قبضة الرب
دافئا كالخطأ
فصا تلو آخر
هذه الأحلام معامل (الأصح مطارق)
وحياتي تأويل غير موفق.
يا جدتي
من أين يبدأ النحت
ونحن نحفر
صورة بلاغية
أم حين نذرو التراب على وشم سحيق ؟
أبني علوا شاهقا
لكي أستحلي السقوط منه
وسأكون مطواعا
وأسير في هذا العكس
إلى آخره
لو كنت بلا أعماق
لما كانت لي هاوية.

***

إدريس علوش

  • من مواليد أصيلة، عام 1964.
  • يعمل صحفيا بمجلة الهدف.
  • عضو إتحاد كتاب المغرب.

صدر له:

  • الطفل البحري، شعر، 1990.
  • دفتر الموتى، شعر، 1998.
  • مرثية حذاء، شعر، 2007.

أَرْوِقَـةٌ لأَزِقـَة الـضـِيـَاءْ

1

لِكَيْ أَبْحَثْ عَنِّي
عَنْ مُرَادِفٍ لِعَدَمِ الإِسْمِ
أَحْتَاجُ مِجْهَر عَالمٍ مُتقاعِدٍ
وَغِرْبَالا لِجَمْع شتَاتِ الحَقيقَةِ
وَعَقَاربَ سَاعَاتٍ مُتْرَبَة
وَحَقِيبَة أسْرَارِ بَارِدَةٍ.

2

رُبَّمَا أَجِدُنِي
كَمَا طُفُولَة البَارِحَة
مُفْعَمًا بالسَرَاحِ المُطْلَقِ
وَبَيَاضِ الألْوَانِ.

3

لِلْغُرْبةِ رَائحَة الْموتَى
ولأنَامِلهَا سِعَة الشَاهِدَة
هَذَا القبْرُ لِي لنْ أبْرحَهُ
حَتى يَأذن القِمَاطُ
وَرِمَادُ الكَفَنِ
مَاذَا لَوْ أَجْهشَ بِالسُكْر
وَنادِمَ المَسَاءَ بِعُرْيهِ
وَشُرْفَة الإِغْترَاب مُشرْعَةٌ
فِي اكْتِئَابٍ
تَشْتَهِي تَذْكرة السَفَر
إِلى وَرْشِ الوِلاَدَة
وَرَحِمِ
الصحْرَاءْ.

4

لِلضَياعِ أَرْوِقَةِ السُلَحْفَاة
وَلِمَتاهة الأزِقة ضِيَاءٌ
وَنَفْس المَسَافةِ الوَاقِيةِ لِدِرْع
الأحْزَانِ
جَازَفَتْ بِالهَوَاءِ
لِتُنشِئَهُ مُدنًا
وَالحَانَات مَنْ يُرثيهَا
غَيْرُ نَديم الحِكْمةِ
سَألَتْ أقْدَاحُ التَاريخِ
وَمَالَتْ جَدَاوِلاً لِلْخُلُودِ.

5

عَلَّ كآبةَ الوُجُود
تَحثُ خَطْوي عَلى المَشْيِ
نَحْو مَجْهُول أَرْخَبيلاَت الذَاتِ
أَوْ نَحو رْقصَةِ الرَغَبَاتِ
خَرابٌ هَذَا العُمْر
أُجازفُ حِين أسَمِيهِ البَقَاءَ
وَيبْقى سُؤَالُ الوَجْدِ
لَيْس فِي بَهْو المَكَانِ
عَدا إِسهَامات الغَجَر
وَدَوالِي البَدْو الرحَل
وأسْفَارِ
العُتَاةْ.

6

مُتَعددٌ فِي اللَّحَظَاتِ
أَخيطُ الزَمنَ مُنْفرِداً
بِدَهْشَة الحَكْيِ تَارَةً
وَأُخْرى بِهَدْمِ السرَابِ
أهِيمُ فِي مَرْتَع الشَغَب
فَراشة تَحُومُ فِي فَنَاءِ الدَّار
وَأَتْركُ قَيْضَ الظَهِيرَةِ
لهُتَافَاتِ الشَّمْسِ.

7

قَمِيصُ الشَتَاتِ
مَاثِلٌ فِي صُنْدُوقِ البَرِيدِ
يُعَاتِبُ ذِكْرى امْرَأةٍ
لهَا عِوض القِنَاع شِرَاع
وَعِوَض الوَهْمِ
سُؤَالِ هَذِي البِلاَد
المَفْتُونَةِ بِخَريطَةِ الجِدَارِ.

اسْتِعَارَاتٌ

أَخَالُ
الذِي يَحْدُثُ مِنْ حَوْلِي
وقْع أَشياء تَسْتعير
لُغةَ واقعٍ ما.

الشَّارع
الذِّي يُخْفِي أَنْيابه
في مُلْصَقَاتِ الجِدَار
وواجهات المَتَاجر
يَزِيغ عَنْ منْقَارِ الأزقَّة
لِتَهْتَدِي إِلَيهْ الأَقْدام
وَالسّيقان
سِيان.!

الفَراشات
في انْبِهارٍ
تَحومُ حولَ
حَتْفها
كُلَّما رَقَصَتْ
لِفَيْضِ اللَّهبَ
وشَرَارة الهَشِيمِ.

الكَراسي
المُشْبَعَةُ بشَهوة السُّلطة
تُرْثي حَالَ صَاحِبِهَا
بِاسْتعَارَة لُغةِ النَّاس
وَنَبْشِ مَا تبقّى مِنْ حَفِيفِ
ورَق
يُحَاكي دَوْرَة المِيَاه.!

المَنَافي
ـ هَكَذا ـ
بقيتْ في دُرْج
السُّؤال
تُكَابِرُ انْشطَار الهُوية
في جَوَازاتٍ مُلونة
ممتدَّة مِنَ البَحر
إلى رَقْصِ قوارب الموتِ
حيثُ الضفة الأُخرى
ـ هناك ـ
مَاثِلة كفردوسِ واهمٍ.

الشَّاعِرُ
الذي يُشْبِهُنِي
ما يزال يبحثِ
عن بلاغة القول
ورشح الأشياء.

أَخالني
أَكْتبُ القَصيدَة
غير أنّي أَسعى بِلاَ مَعْنَى
لِهَدْمِ عقاربِ اسْتعارَاتٍ
مُعطَّلة.

***

جلا ل الحكماوي

  • من مواليد الدار البيضاء، عام 1965.
  • يدرس مادة الترجمة الأدبية بالرباط.
  • أسس رفقة عبد الاله الصالحي مجلة: إسراف.
  • عضو مجلة: إلكترون ليبر الصادرة بالفرنسية.

صدر له:

  • شهادة عوبة، شعر،1997.
  • أذهبوا قليلا إلى السينما، دار توبقال، 2005.

موبيليت أحمد بركات

إلى حسن حلمي

موبيليت حمراء
يجوب بها
أحمد خريطة أمريكا الجنوبية
يتوقف في مقاهيها
في أسواقها
في حاناتها
يصافح فيها
بابلو
خورخي
جبران
علي
بلال
يخرج من جيبه صقراً ورقياً
يطلقه عاليا في حقول الرأسمال الرمزي.
موبيليت حمراء
يقودها
أحمد
إلى يباب الصخور السوداء
إلى أرض ما ملكتْ يدي
الأرض
التي سابقت فيها الموبيليت أرواحَ الهنود الحمر
لا يعود منها شعراء أمريكا الجنوبية الحالمون.

هامْسْتِر الدّنْيا

تركتُ الممثلة الصاعدة على شاشة أرض أخرى
صورتُ المشهد الأول من بربرية الشمس
ضاقت عيني بضوء الأخوة
)صارت لي ملامح تاكيشي اليابانية(
أقتفيتُ آثار السينما
أخذتُ أصيح
في وجه النسر
النسر الذي يحلق
على جثث الدمى الملقاة هكذا في معدة الصحراء.

تقدمتُ إلى كاميرا العبيد
ووقفت فاغراً فمي
أنظر إلى جلال الحكماوي
(نفسي (
مخلوقاً آنياً من ذهب الجاهلية
مخلوقاً بعين ثالثة يسمع فيها
عويل رُضّع سحلتْهم سكّين المدنية
رمتهم بين فخذي أمة عظيمة طلعت علينا من الشرق.

هامستر الدنيا
الآخرة يشاهد تلفزيون القيامة
)بعد ربع قرن من نحو العظام
يعجز سيبويه عن تربية قرد سليم (
هامستر الدنيا
الآخرة يشاهد تلفزيونَ القيامة
يضحك حتى يغمى عليه.

عندما فتحتُ عيني من جديد
وجدتُ خير أمة
تركب سحلية عمياء
صماء
بكماء
يحرسها آلاف الجنود الأوفياء للقائد الأعمى
مثنى
مثنى
حذرت هامستر الدنيا من التي تدخن مالبورو لايت.

ضحك مرة أخرى
تركت سيدة الشاشة الأولى تحت شمس أخرى
صورت آخر مشهد في بربرية الأرض
ضاقت عيني بضوء الأخوة
أخذت خير أمة تعوي
كإنسان بدائي
يقف على يد واحدة
يد واحدة ينزف منها دم الدمية إياها
)من قال إن الدمى لا تنتقل إلى دار البقاء؟(
نعم
تلك الدمية التي تبسط جناحيها
تلك الدمية التي تحمل في يدها اليمنى مفاتيح نحاسية
تنير بها طريق العراف المغربي
الذي أدركه منبّه الصباح.

STOP
يعود هامستر الدنيا إلى أرض بل بعد نهاية التصوير.

أنفُ آل بّاتْشـينُو

جئت إلى هذه الأرض المدلهمة
بأنف آل باتشينو
)آل باتشينو الحقيقي ينظر إلى أعلى(
لأرى أبناءها يرقصون على دفوف القيامة
يشقون ملابسهم ليخرجوا
ليخرجوا منها
رضعاً شداداً غلاظاً
يضربون بأكمامهم على بطن الرسالة الشرقية
يهاجمون ملصقات السينما
السينما
يمزقونها
إرباً
إرباً
يضعون مكانها صورة رجل اسمه
عذاب القبور
)يصافحه بوش الإبن بحرارة(
جئت إلى هذه الأرض المدلهمة
بأنف آل باتشينو
لأسوق ببراعة سيارة نيكول كيدمان
لأدهس الأقزام الذين يعبدون الحبة السوداء
لأشاهد تلفزيون الفقراء
لأنحر أضحية افتراضية على شرف الإنسان الجديد.

)الإنسان الجديد ينظر إلى أسفل(

شعراء قصيدة النثر
الدمية إياها

الدمية إياها
مقهى الوداية الأزرق
نحاة يغسلون الضاد
يكفنون فقهاء الألفية القادمة
متى تفـيق البطلة من نومها السحيق
في سرير هذه الأرض الغريبة
التي تنير غابتُها عينَ العرّاف المغربي ؟.
شعراء قصيدة النثر
يلعبون الورق مع الدمية إياها
في نزهة حسان
شعراء قصيدة النثر
يتعاركون بالسكاكين
السلاسل في آخر الليل
من أجل البطلة
يسقط الجرحى تباعاً
أنسي الحاج
سركون بولص
الماغوط
إبراهيم نادل بار طنجة أيضاً
متى يسدد النحاةُ ما بذمتهم
لمن ساعد الزلزالَ
لمن أخفى هذه القصيدة عن زبانية السندباد
لمن رأت في المنام رجلاً برأس شيخ
لمن رأى جيشاً جرّاراً من الأقزام يسدّ عين الشمس ؟
الدمية إياها
مقهى الوداية.
شعراء قصيدة النثر
يغسلون الخنساء
يكفنون
زوجها
أخاها
عمها
السابعَ

ثم
متى ستفيق البطلة من نومها السحيق؟

***

نبيل منصر

  • من مواليد الدار البيضاء، عام 1965.
  • دكتوراه في الأدب العربي من جامعة محمد الخامس بالرباط.
  • عضو اتحاد كتاب المغرب.
  • عضو بيت الشعر بالمغرب.

صدر له:

  • غمغمات قاطفي الموت، شعر، دار قرطبة، 1997.
  • أعمال المجهول، شعر، اتحاد كتاب المغرب، 2007.

ماكينة أشرار

قطعة الفجر
تذوب في يدي.
الأظافر كالشمس
تحرس بيتي
لكنها لا تحمي ثلج العتبة.
لمن رفعنا هذا الجدار
إذا كان الماء لا يعبأ بشيء
إذا كان النوم
ماكينة أشرار
تطوق البيت
وتبعث الهدير في الغابة.
مطر يغسل وجه الموتى
سمعنا مطرا يغسل وجه الموتى فأستيقظنا
دفعنا يدا تجلب الهواء
ورمينا الثوب
الشمعة المنسية قربنا بحثنا لها عن نار
وحنحنا مثلما
يفعل المستيقظ صباحا
أدركنا أن الظلام ربى لنا قصائد
لكنه لم يشأ منحها في هذه الحياة
يقينا سيحلم بنا
ويملأ أيدينا بالجواهر
كما في العيد
ولن يكون يوم آخر.

المتاهة

صعدت الجبل وما تلاشيت. هناك خبرت شعور السحليات وأنفاس معادن الإنفجار الأول. ذراعي اليمنى ترقص أمامي كالسيف الذي سقط من صاحبه في أول معركة. الألم يفرد جناحيه، والقمة تصدر صوتا يشبه نحيب طائر عراف. الثقل الذي دفعني مرة للصعود هو ما يجذبني الآن للأسفل. الشعراء الذين أغلقوا عليهم زجاج قصائدهم يتبادلون الآن نظرات الإستغراب. أين السلالم يا حراس الغيب ؟ يدي التي تهيم وحدها، في هذه المتاهة لم تعثر على كلمة واحدة، تذكرها أن انسيا واحدا عبر المكان.

ثياب الملاك

الحواس تتجمع في العين. العتمة التي ترانا تهبط إلى القاع. العتمة تمد يدا تتفرس الأشياء تشمها وتربطها بزورق يطفو على الشاطئ. النباح يحمل بين فكيه عظمة البادية. المواء يرشدنا إلى دفء الشراشف وضوء المرأة. هذا الصباح نحن ناصعون كالثلج الذي يغطي شجرة أحزاننا. حقا، الشتاء طال تحت الجلد وفوق ثياب الطبيعة. الشتاء أطعم أعيننا ثمار اللهفة، وكل طائر يعبر نتمنى أن يقذف نارا في بدرنا، وعلى هذه الأيام المنشورة على حبل الغسيل كثياب الملاك، الذي فقدنا وجهه في الزحمة.

البانسيون

هنا البانسيون صامت. غبار الأغراض الحزينة يجلل الأموات. عبقريتهم التي كانت تحوم في الردهات والزوايا لم تجد عصا الليل ولا لحيته الفاسدة. لصوص الحياة تسللوا من النافذة، ربما لأن خمرة معتقة شقشقت في رؤوسهم ووضعت أقدامهم على طريق الكنز. الأموات نثروا أحلام صباهم في كأس مشققة وتواروا خلف حجرة. وها هي فراشات تطير من حشائشهم لتحط على الكتب والأسطوانات. على الطاولة ينام الكلام كالهر وتسهر الكراسي كالعجائز. اللصوص مروا من هنا وسرقوا الحياة من بين أيدينا الباردة. كأسنا فارغة وساعة البانسيون سقطت أجزاؤها على الأرض. بندولها المزروع كالخنجر في ظهر القتيل تساوى لديه الليل بالنهار في ميناء الجريمة.

ظلال صديقة

مركون ككتاب يتحدث عن الأبدية في صمت. عصا الشحاذ تتكئ على عزلتها. ضوء الشمعة يمتص الليل كثمرة جافة ويلقي بقشورها في الطريق. قبالتي تلفزة بلهاء قبالتها كنبة تتهالك عليها أجساد بلا توقيع. ماء ثقيل كالحزن يتفجر تحتنا بهدوء. الصمت يغلق على الأرواح في صندوقه الخشبي. أزهار البلاستيك جامدة كعيون الموتى. ظلال صديقة شرعت تتحرك في الخفاء كعناكب الشعر. في قلب هذا المشهد هناك من رأى يدا معروقة تخترق التراب لتسند الأبدية بحجر.

***

عزيز أزغاي

  • من مواليد الدار البيضاء، عام 1965.
  • رسام.
  • عضو بإتحاد كتاب المغرب.
  • عضو ببيت الشعر.

صدر له:

  • لا أحد في النافذة، شعر، إفريقيا الشرق، 1997.
  • كؤوس لا تشبه الهندسة، شعر، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 2002.

لستَ همنغواي

في السجائر
أو في كؤوس "البايليز"
نفس الأسلاك ما تزال ترتفع
على الجنبات.
غرقى وإطفائيون
يتعلمون الثرثرة في مسرح الغليان.

الصورة نفسها تتلعثم في استدراج
الأجنحة إلى الأقفاص
ليس أكثر من ذلك فرارا
ينام في التقدير.
هل تدري كيف حدث الألم ؟
مجرد تخمين تتعقبه كتيبة إعدام.

لذلك ليست الأجوبة ما ينقص المسدسات
حين تصبح المودة بنتا
لقرن آخر.

ترك الحراس المبنى للمياومين
وضلوا الطريق
إلى الحواس.

تجلس إلى الصدى
مثل مثقوب بأكثر من ذريعة في الظهر
يعبرك الغلاة والمبشرون
لست أكثر من باب بلا كهنة
ولا أقفال
مجرد تسعيرة مناسبة
لبكاء في شريط.

فتحت صندوق الأحاجي
بمحض يديك
ورحت تتفرج
على أخطاء المصارعين
لكل ميت نصيبه في الأمداح
كما للرأس تذكراته في القسوة.

بالسجائر
أو بالنبيذ
النسيان رصاصة في جيب أبريل.

تذكر همنغواي
بعد كل ثلاث ساعات
ثم لا تكن قناصا
يوم الجمعة.

لا تلتفت إلى المسامير

ولأني أخاف أن تتهشم النظرةُ
في الأبعاد
في العين التي لا تخجل
في الغلو المسحور بالبياض
في الإناء الذي ينضح بالمقامرة
في الأرض الملعونة
بلا سبب
في العقل الذي يقود النصائح
إلى الردة.

ولأن الزرقة التي في العين
هي آخرُ ما يقود الأقدام
إلى المتاحف
أنسى أن ألتفت إلى المسامير
وأتعلم الضحك
ـ على دفعات ـ
"بين جنازتين".

ليس إلا

ليس بسبب القلة
نبتت له أشباح في المصاعد
ولا بسبب التهور
صار يغرق
في التفاتة معدنية.

القلة والتهور
ماكينة نشطة في الصفاء
يرعاها عبيد واقعيون
كانوا نبلاء عاطفيين
فيما مضى !

***

محمود عبد الغني

  • من مواليد خريبكة، عام 1967 .
  • حائز على الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة محمد الخامس بالرباط.

صدر له:

  • حجرة وراء الأرض، شعر، دار توبقال الدار البيضاء، 1997.
    عودة صانع الكمان، شعر، دار توبقال، 2004.
    أرض الصباح، شعر، دار الجمل ألمانيا، 2007.
    كم يبعد دون كيشوت ؟، شعر، دار النهضة العربية لبنان،2007.

أبواب كل شيء

هل أكلتم من كبد القصيدة ؟

هل أكلتم من كبد القصيدة ؟ إنها لذيذة
والريح لن تهب لإنقاذ ذلك الألم المائل الذي يبتلع عواؤه كل الأرض
فكل الأزمنة بلا ترخيص ولا إذن.
هذا الكبد الفالت
المتطاير كعصافير الصباح
يقع بين يديك أيها القارئ النسر
خذه إنه في سلة الخبز.

يا للسوء الذي اقترفته

فلأجمع كلماتي وأطو بلاغتي
فالقراء لا يقرؤون
والشعراء لا يكتبون واللصوص أصبحوا يسرقون البقرات المريضة
الكلمات أثبتت فشلا كبيرا
لذلك فهي مثقلة بأقبح الذنوب
لماذا ألوث قلبي بها إذن
رغم إيقاعها الجميل وآثارها الطيبة ؟
يا للسوء الذي اقترفته.

كلهم عادلون

بدون الروائيين لن يكتب الشعر.
بدون الشعراء
لن تكتب الرواية.

بدون العقل
لن يحصي الجنون حبات الرز.
بدون الجنون
لن يعرف العقل أن الدقائق أكثر من الناس.
كلهم عادلون
إلا هذه العبارة على جدار المرحاض:
" أربعة أمتار فقط نقلي فيها زهرة".

يعوي قرب الحانة

سأعود ثانية
وأجده يعوي قرب الحانة
ويحصي النمل الذي يفر أمامه.
يقول له:
قف
أنا حشرة حزينة مثلك
دعني أتنزه معك لأرى ما تراه
وسأشكرك دوما.
سأجده حائرا
ومن حيرته يفر النمل والدود
وينكفئ الإناء الحزين الذي فيه يجمع المال.
سأعود وأجده جالسا ينزع من قدميه الشوك الذي عضه في الطريق.

غيمة على باب المدينة
هل صدقتم هذه الهياكل ؟ لقد كذبت من قبل
وستكذب ثانية.
أما أنا فليس لي أن أكذب أو أصدق
على رأسي غراب ناعق
غريب هو الآخر بين الغربان
هذه الجمهرة هل هي المقيمة الوحيدة في التاريخ ؟
هي من له الحق
في إطلاق سراح النظرات في اتجاه الحقول ؟
تدعها تركض ودائما في طريقها
يد تمد لها الشراب.

عندما تبرد الأشجار

عندما تبرد الأشجار
وتتجمد الأرصفة والمصطبات
يخرجون
تلهث وراءهم كلابهم
حيوانات القرية
التي تؤانس الطفل والأرملة والقتيل
تعاند قلوبهم أمام أبواب القيامة
كأنها تركت ذنوبها خلفها.
تعرف القلوب أن الذنوب تنتظر دائما وراء الأبواب
تنتظر خلف باب مقفل
أو مفتوح
وحولها لغط الموائد
لغط كثيف
كأن الجدار سقط
أو كأن مصير أي شيء
أن يصبح اعتياديا
رأيتهم
ومستعد أن أشهد
أنهم حلقوا وجوههم
والمغولي يدخن في المرآة

كما يتحدث الخجول

هذه هي الساحة
سأرمي ما في يدي وأتحدث كما يتحدث الخجول الخارج من الكهف
أطلق كل كلمة وأئن
كما يئن ظل جاءنا من كل المواسم
أغزو الساحة قادما على طريق أوصلت غيري بعدما قالوا وداعا للترحال
لقد نهاني الناس
عن ارتكاب الخطأ الذي سلك هذه الدروب.

خروفي المقتول

هذا هو البيت الذي لم يدخله أحد
مستعد لأن أربح
وبطاقتي فوق الرؤوس.
السرير
المدفأة
النوافذ
الباب.
كلهم يستعدون ليصبحوا أعدائي
وأنا اضحك
وفي يدي شراب الصداقة
لن ينام لساني
هذه الليلة في فمي
سردابه الأزلي.
هل وزعت يدي الخبز على كل الفقراء ؟
لا أعلم.
كل خديعة أنا لا أعلمها
كل خيمة في الطريق
أنا ضيفها الذي سينساها.
ماذا قررت الحياة
أخيرا في شأني ؟
هل ما زالت مصرة على أن أرافق السندباد
وفي يدي خروفي المقتول؟.

عندما كانت يدك تزين الجدار

منذ متى وأنت تكلمني عن هذه المائدة ؟
عندما كانت يدك تزين الجدار
كانت الكؤوس تتنفس بغموض
ودماغي يئن كأن أحدا بصق عليه .
لا عزف
ولا مطر في الخارج
ولا خطوات فوق العشب
ولا حتى جناح طائر خفيف يصطدم بالنافذة
مذعورا من الضوء الساطع المخيف
أهذا ما تقولينه صراحة
أيتها الحياة ؟
أم أننا نحن من تئنين
تحت أقدامهم المذعورة ؟.

***

عبد الإله الصالحي

  • من مواليد مدينة بني ملال، عام 1968.
  • يعيش في باريس.
  • أسس مجلة: إسراف.
  • يعمل صحفيا براديو مونتي كارلو.

صدر له:

  • كلما لمست شيئا كسرته، شعر، دار توبقال، 2003.

دروس باريسية

إلى محمد اليماني

ماذا لو كانت هجراتنا مجرد أعذار
ماذا لو كنا في الواقع مجرد شخصيات ثانوية
لا تتحمل أدنى حبكة
نرقص. نحب. نخون. نمسك الأعمار من الوسط وننصب الكمائن. الجغرافيا بدل التاريخ.
وفجأة نجد أنفسنا مكبلين بالسلاسل.

هربنا منك فوجدناك بعد عقود على قارعة الطريق
أكثر ضراوة
مساحيقك متقنة الآن
ونارك سيمفونية مشهرة في وجوهنا الى الأبد.

في العمل دفنت رأسي بين قصاصات وكالات الأنباء. وضعت الضحايا بين مزدوجتين حرصا على الدقة. الإرهاب مثل الحب يصوب الأسلحة دائما في اتجاه غامض قرب القلب. علينا أن نحترس من واو العطف. علينا أن نبعد الإحساس عن الذبابات الصوتية.
من الأفضل أن نضاعف من فناجين القهوة ونعيش الحرب ككوة غامضة في التفاصيل.

عند مدخل الميناء أصطف الشحاذون ورجال الشرطة واللصوص حاملين الأعلام.
القطار قام بالعكس تماما
وبدل السعاة
أنزل مجموعة من السياح اليابانيين
فبكينا قبل أن يبدؤوا التصوير.

حركاتنا محكمة
لكننا
كالعادة نفقد التوازن خارج اللغة.
ماذا سنفعل بشرخ
وقد أزهر العشب في أفواهنا ؟
من مغامرة تفننا في الكبس على الأزرار.
أخرسنا أجمل ما فينا
صححنا الندم بالبهارات
وأنجبنا أبناء يفهمون في الطاعة والموسيقى.

ليس في الأمر ثمة صدفة.
ليس ثمة وصفة.
ألسنا جديرين بهدا العدم
الذي ميع علامات الإستفهام في قصائدنا ؟.

في الحلم طعنت أكثر من مرة. لطخت السقف فغضب عمال النظافة. تعرفت على أحد القتلة بالحدس حين أطفأ سيجاره في بركة من الدم كان السيناريو غامضا وسعالي يفور منه بخار.
كلما تلعثمت أطعن بوحشية في مشاهد خاطفة بالأبيض والأسود.

لاشيء أجبرنا على التذكر
أختلقنا حنينا وصقلناه بتفاصيل شتى.
ألتهمنا كميات رحيمة من (الفاليوم)
وأستلفنا من الخيال ما يكفي.
صعقنا رائحة العظام المحترقة
بقدرتها على الكمال.

تبنينا الجنون تلو الجنون
شذبنا ضحكاتنا كي تصل.
ساعدنا الله كي يقيم بين ظهرانينا بحد أدنى من الألم
تنازلنا عن أشياء كثيرة
ودسسناه حتى التام.

في البنك رأيت رجلا يولول بين الأرقام . دموعه تحولت إلى بالونات في شاشة كاميرا الحراسة. أضطررنا إلى إخلاء المكان قبل وصول الشرطة. سحبنا الرجل إلى الخارج وأثنينا بالإجماع على رباطة جأش موظفة الإستقبال الحسناء.

رأينا أشياء لا تصدق
ونحن في أوج الإنهيار.
أولئك اللواتي هجرناهن
هل يدركن أننا فعلنا ذلك من أجل الحب ؟.

ها نحن محدودبون تماما
نعبس كلما داهمنا الدفئ في قصص الآخرين
في الصور العائلية والملابس المكوية ودقة المنبه وأمسيات الآحاد الطويلة التي نخر فيها صرعى من السأم.

جئناكم كي تتأكدوا أننا أنتهينا
قبل أن نبدأ.

الحب عام 2003

أحب دوروتي
لكن دوروتي تحب كريستوف الذي لا يبادلها الحب.
أحب كلير
لكن كلير تعيش مع جوليان وغير مستعدة بتاتا لهجره.

دوروتي تقتسم فراشي من وقت لآخر نكاية بكريستوف
مطبقة نظرية غامضة في الحب
عندما تضجر كلير من زوجها تضرب لي موعدا
في مقهى ما في حي مشبوه.
نتبادل العض كالمجانين في أقرب فندق
وكلما نظرت إليها بولع مبالغ فيه
تنفعل.

أقضي أيامي كعبد مجند
في حرب عصابات مآلها الفشل.
ساعة في الهاتف مع دوروتي
جولة ليلية عبر نهر السين متأبطا ذراع كلير.

اللحم بدل العاطفة
راية القناعة
جنس قاحل تضيئه تكنولوجيا متطورة.

أحيانا أشعر بالضآلة تعتصرني
وأنا أتحدث لصديقتي فاطمة عن مآسي الصغيرة
متجاهلا أنها تحبني بصمت.

وحــدة

إلى سمر يزبك

سبعمائة ألف امرأة تعشن وحيدات في باريس
أعمارهن تتراوح بين الثلاثين والأربعين
عازبات أو مطلقات أو أمهات.
كان صوت المذيع في غاية الحياد
وهو يلوك هذا الرقم العادي من تفاصيل المدينة الحديثة
مختتما نشرة الأخبار.

سبعمائة ألف امرأة وحيدة
يا رجل
وأنت تعذب نفسك أمام شاشة الكمبيوتر منذ ساعتين
باحثا عن جملة مناسبة تعكس بؤس العيش بدون امرأة.

***

رضوان اعيساتن

  • من مواليد تطوان، عام 1968.
  • يعمل موظفا.
  • كاتب عام سابق لإتحاد كتاب المغرب.
  • رئيس سابق لجمعية أصدقاء لوركا.

صدر له:

  • إيناس، شعر، 2001.

الأيام رخوة خلفك

لم تعد تغلبك الجراح
الأيام خلفك رخوة
والفرح مجرد صور
واليد التي كانت تصافح
تودع.
لم يبق من رملك غير ما علق بخف الرحلة
أنحرف السبيل
أنت هناك حيث لم تكن
وأنا هنا حيث تضيق السماء بسقف المستحيل
أستخفت بنا عماياتنا
وخفت الأشواق.
غلقنا الأمكنة على وردتنا الوحيدة وكانت خاسرة
وكان الشاعر الذي أقتسمنا معه حبة الحقيقة مزيفا.
كنا متكافئين في هذا الجرح
رديفين كنا من أجل فاكهة تطرد من الجنة
تغضب لو غفا في ليلتنا انتباهي
أنت السهران دوما
وأنا الضالع في الرقاد
كنت أجد مقاس الأرض ضيقا كي تلبسه أيام اليأس
وكنت تعذب ما تبقى لنا من الألوان
فأجرح يدي التي عودتك الترفق
وحين تدس أعد أرك في كفي
ألثم جرحي ونمشي
نتبادل الإغفاءة
نقتسم السرير والملاءة كي لا نضيع الأنفاس دون عد
وحين ينفد تبغ الليلة
نحزم عظامنا إلى نوم طويل.

جربت فيك طبع الفخاخ
انتظار الرسائل
باب الدسائس الموارب
مائدة الليل المعلقة على السهاد.
جربت فيك خرائط الشمس
السبل الملقاة على ظهرها لا تفضي
السكر الذائب في الأيام.
جربنا وصف السرو على كراس مبلل
قبل جرس الفصل
خشخشات الأنامل في سلال البدويات عند "قوس السفاجين"
وفي البيت القديم
من المنور
ربينا شصا لإقتناص أحذية الزوار.

الآن ماذا نسمي حذرا تيبس في الحجرات ؟
ماذا نسمي الأصابع التي كفت عن صداقاتنا ؟
لحم أخرس دون تجربة.
الآن يكفي طين الحياة قلنا
يكفينا التراب منها
وضيق الأرض يكفي.

لو تأخذني نفسا هامشيا للنايات
غبارا يعلو كم القميص لديك
لو تنتهر طيشي يكبر في سمائك
لو تمتحني
عار كصحراء أنا
شجر الدراق فأقطف أغراضك مني.

عمايات

1

الرجال بأفئدتهم الكاذبة
يقرأون رسائل الحب
مثلما يفتحون دولاب القمصان
ينتقونها بعناية
مثلما ينتقون الأعذار.

2

الرجال بأفئدتهم الصاخبة
يشعلون السجائر الهادئة
ويقفلون أصواتهم برتاج الدخان.

3

الرجال بأفئدتهم الغاضبة
يكسرون إناء الوشايات
ومزهريات قديمة
يكسرون نوايا النساء
ثم ينصبون فخا لئيما
تحت وسادة النوم.

4

الرجال بأفئدتهم الخائبة
لا يعضون من الحيرة أناملهم
لكنهم بسكين الهزيمة
يقطعون الهواء فيهم
ويبكون خلف الضوء مثل الأطفال.

5

الرجال بأفئدتهم الغالبة
يعذبون لحم الورد
بسوط مجروح.

6

الرجال بأفئدتهم الشاحبة
حين تبترد أسماؤهم في الظل
ويشيخ بندول العمر المثابر
يفتحون دفتر النسيان
ويتلون منشور حب قديم.

7

الرجال يغادرون كالجنادب
من هزة ريح
لكن
ثمة
رجلا مفتونا بتجربة
الفراشات يبقى
بكراسات النثر الناشئة
ببرنامج العشاق
بعرائس الورق الشقراء
ببشر وش سليم بركات
بالطير الذاهب إلى حنطة الجيران
بشجيرات الدلب الواقفة
وهي تخلط كبرياءها بالتراب.

***

ياسين عدنان

  • من مواليد آسفي، عام 1970.
  • حاصل على إجازة في الأدب الإنجليزي من جامعة القاضي عياض بمراكش، ودبلوم كلية علوم التربية من جامعة محمد الخامس بالرباط، وشهادة من جامعة أوريغن الأمريكية في تخصص تدريس مهارات التفكير النقدي.
  • معد ومقدم البرنامج الثقافي التلفزيوني مشارف الذي تقدمه القناة الأولى بالفضائية المغربية.
  • يعمل حالياً مراسلا من المغرب لكل من صحيفة: الأخبار اللبنانية، ومجلة: دبي الثقافية الإماراتية.
  • يساهم كذلك في تحرير الموقع الإلكتروني الشعري جهة الشعر www.jehat.com
  • عضو بإتحاد كتاب المغرب.
  • أصدر من مراكش مجلة: أصوات معاصرة 1991، ثم منشورات: الغارة الشعرية.

صدر له:

  • Mannequins، شعر، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 2000.
  • من يصدق الرسائل ؟، قصص، دار ميريت للنشر القاهرة، 2001.
  • رصيف القيامة، شعر، دار المدى دمشق، 2003.
  • تفاح الظل، قصص، منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب الدار البيضاء، 2006.
  • لا أكاد أرى، شعر، دار النهضة العربية بيروت، 2007.

بحيرة العميان

مقطع من قصيدة طويلة

هناكَ قُرْبَ بحيرة العُمْيان
حيثُ كنا نلتقي
نبتَتْ
زهرةٌ سوداءْ.
لنكُن صُرَحاءْ
فالحبُّ الذي كنا نحكي عنه
في فندق البُستان
ليس هو ما نفعلهُ اليومَ بأجسادنا
المُنهَكهْ
بعد أنْ ينامَ الأطفال.
لِنقُلْ
إنَّها جُثةُ الضَّوء
تلكَ التي قطَّعناها إلى مُذنَّباتٍ
صغيرَةٍ
وبدأنا ندفنها كيفما أتَّفق
بين شُقوقِ الهواء.
والآنْ
لا تقولي إنَّ بناتِ آوى
قد استيقظنَ
بعدَ طول رُقادٍ
في خلاياك
فاللُّهاثُ لم يكن قطُّ دليلكِ
نحوَ ما لا يُدْرَكُ.

ثمَّ إنِّي نَسيتْ
فقط أخبريني
أما زلتِ
تُخبِّئينَ جسدكِ في دولاب الملابس
وتخرُجينَ إلى مَطرِ الزُّقاق
عاريةً
من الأغصانْ ؟
أما زلتِ تتسلَّقينَ الهواءَ
نحْوَ سطيحةِ النُّعاس
حيثُ القططُ والخرائط وأشجارُ الشّك
تنام
تحت جُبَّةِ ابن سيرين ؟
أما زلت تنِزِّينَ كرذاذٍ مخذولٍ
وتصمُتينَ كقيلولةٍ
وكمَساءٍ ناعسٍ
تتثاءَبينْ ؟
دعي الأجراسَ تسقُط
من رنينكِ
لأسمعَ نداءكِ المزعومَ عميقاً
وأعترفي بالأجنحةِ
بحشائشِ عُزلتكِ
وبأسْرار الفَلكيِّين.
لنكُنْ واضِحَيْنِ ولو للحظةٍ
فأنا أعلمُ ما تُبطِنينْ.

لقد رأيتُ شفتيهِ تتسلقان أغصانكِ
أنْفاسَهُ
تُطارِدُ الفراشات
في حديقة صدرك
وأحسستُ نحاسَهُ لَزِجاً
بين أليافكِ
رأيتهُ في منامِكِ
كما يرى الذهبُ رنينهُ
وكرهْتُ أن آتيك.
رغم أنَّ الفضَّةَ أبداً تهزِمُ النُّحاس
كرهتُ
أنْ آتيك.
دعي سريركِ قُرْبَ العاشرةِ صباحاً
وأنسيْ أنَّ الليلَ كان
خِلاًّ
دعي السريرَ هُناكْ
وأرفعي رأسكِ كما يليقُ
بنخْلةٍ عَطشى
دعي الشرفةَ تطفَحُ على منامتكِ
الآثِمَةِ
دعي أصابعها تزحفُ بين أليافِكِ
دعيها
تُدغْدِغُ قُطنَ أحلامِكِ
لكنْ
إياكِ و الرَّعْشةَ
فالنَّهرُ جفَّ
ولا أحد
سيأتي من جهةِ الماءْ.

ضعي قلادةَ عُمْركِ الأخيرةَ على الطاولة
وفكِّري
بركْضِ السعادةِ الأعمى
في المُنحدراتْ.
أنتِ لم تتغيَّري كثيراً
وأنا
رُبَّما
ما زلتُ
أهفو
لكنَّ جُثَّةَ ما بيننا
تتعفَّنُ وحيدةً
عزلاءْ
في الخلاءِ البعيدِ هناكَ
قُرْبَ
بحيرةِ العُميانْ.

رشيد نيني

  • من مواليد ابن سليمان، عام 1970.
  • يعمل مديرا ليومية: المساء.

صدر له:

  • قصائد فاشلة في الحب، شعر، دار ألواح، 2000.
  • مذكرات مهاجر سري، 2002.

تأملات معاصرة حول مسألة الوطن
الوطن رجل كئيب

يدخن تبغا رديئا
ويشرب الكثير من القهوة.
الوطن لا يحلق وجهه كل صباح
ولا ينظر في المرآة.
الوطن سروال واسع
كل يفصله على مقاسه الخاص.
الأبرياء يفضلونه حرا كما الأغاني
ليسمنوا ويتوالدوا بسلام.
الجنود يفضلونه محاصرا على آخره
ليستعملوا بنادقهم بطلاقة أكبر.
الأثرياء يفضلونه خارجا للتو من حرب
ويفضلونه أكثر أن يكون مدمرا بشكل رائع
ليقسطوه بأثمان مناسبة.
الفقراء ينامون على رصيفه.
السياسيون يعترفون له دائما بالحب.
اليائسون يرون ضرورة استبداله بغيره.
الأطفال يعتقدون أنه مجرد نشيد قصير
أمام راية قديمة في ساحة المدرسة.
الأمهات لا يفهمن لماذا هو قاس هكذا.
المحاربون القدامى أعتقدوا أنه في مكان آخر
لذلك ذهبوا في حروب لا تخصهم كثيرا.
الفتيان منشغلون عنه بمطاردة الفتيات.
الفتيات منشغلات عنه بمطاردة الفتيان.
الفتيات منشغلات عنه بمطاردة الحظ.
الحظ رجل غير عربي إطلاقا.
المناضلون يفضلونه مظلوما
ليمتحنوا حناجرهم بالشعارات.
المناضلات يتذكرنه كل 8 مارس.
المهاجرون يبعثون إليه
بالقبلات الحارة.
الصحافيون يلتقطون له الصور
في أوضاع مخجلة.
الشرفاء يتمنون الموت لأجله.
الأنانيون يعتقدون أنه وجد هكذا
فسيحا
فقط ليكون لهم وحدهم.
المعتقلون خاب أملهم فبه.
المعتقلات السابقات أنقطعن عن التدخين
وأنجبن الأولاد
وتحولن إلى مواطنات فاضلات.
الشعراء تبعوا أدونيس
وتخلوا عنه.
الشيوعيون أصبحوا يقلون لأجله.
الجبناء يحبونه خاضعا
حتى لا يجبروا على المثول أمام الآخرين
في كامل ارتجافهم.
العاطلون يطالبون برأسه.
العاملون يطالبون بجيبه.
المتآمرون يتسترون به.
الموظفون يعرفونه مرة آخر كل شهر.
الجماهير تحثه على النهوض
دون أن تكلف نفسها عناء مغادرة السرير.
المثقفون يفضلون الحديث عنه
قبل النوم.
أما أنا فأفضله بسكرتين ونصف
بعد الأكل
الوطن المر
لا أستسيغه.

***

حسن الوزاني

  • من مواليد أسفي، عام 1970.
  • يعمل حاليا مسئولا عن قسم الكتاب بوزارة الثقافة المغربية.
  • عضو بيت الشعر بالمغرب وباتحاد كتاب المغرب.
  • عضو بمجلة: علم المعلومات.

صدر له:

  • هدنة ما، شعر، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 1997.

تصفية حسابات

دعي
البلاغةَ
جانبًا.

لن يصيرَ المجازُ
بيتَنا الصغير.

لن
أكونَ
غيرَ هذا الهائم
خلف الليل.

لن
نعدلَ خطونا
على إيقاع الخببْ.

لم
يكن ممكنا
أن ينسج رامبو غيرَ سيرةِ العبور.
ولا أن يخلدَ الحلاجُ إلى غير جبته.

لم
يكن وارداً
أن نمضي سويا إلى غير هذا المفترق.

ما الذي
يباعد بيننا
الصبيُّ الذي كنتُ
الشيخُ الذي سأكون
الأفقُ الذي ليسَ لي
صمتي الذي أتعبكْ
الكلامُ
الكلامْ.
ما الذي
يقربُ بيننا
بعدُكِ الآسرُ
افتتانُنا بالذي لن يكون
رومانسيتي الواهنة
انعطافُنا إلى الأعلى
حفلةُ الحب
عودةُ الملائكة
الصباحاتُ
الصباحاتْ.

أنا
هكذا
دائما.

أصادقُ الموتى
حين تحتفين أنتِ بالحياة.

أحملُ
الليلَ على كتفي
حين تخلدين للصبح.

أحتفي
بالصقيع
حين تعلوك شمسُ غشت.

أتشبتُ
بالغرقى
حين يغمرني اليبابْ.

أخوضُ
حروباً كي أصيرَ البطل
أفتعلُ حروباً أخرى كي أكونَ الشهيدْ.

ثم
إنني لم أنتبهْ كثيرا للحياة
لم أجالسْ طويلا الصبيَّ الذي كنتُ.
حفظتُ كتاب الله
كي أنساه في العشرين
قرأتُ كتابَ الرمل
ونسيتُ أن أقرأ خطوطَ الموت على كفي
زرتُ عدن
الأطلسَ
الصحراء
مغارات الأرض.
ونسيتُ أن أزور نفسي.

جسدي
لم يكِل
أنا الذي تعبتُ
حولي
صبا لم أعشهُ
دهشةُ الآخرين
شيخوخةٌ تبادلني السلام
فوقي
سماءٌ تداعب موتي
أنا لم أكِل
وهنتْ خطاي.

على
كتفي
الهواءُ الذي لم يملأ صدرَ ليلى
والمساءُ
الذي لم يرسمْ ظلَّ ليلى
والمطرُ
الذي لم يبلِّلْ ظل ليلى.

على
كتفي
الخواءُ.

الطريقُ
إليك شائكةٌ
ماذا فعلتِ أنت بالليل
كي يكونَ مضيئا هكذا
بالصبح
كي يصير معتماً
بنفسكِ
كي تكوني صادقةً
تماما
كمطلع
أبريل.

دعي
الأشياءَ كما هي
بوحَك جنب صمتي
رشدَك قرب فوضاي
الأنبياءَ خارج الجنة
الموتى هنا.

على
شرفتي
الهباء.

لن
نحتاج كثيراً من العمر
كي لا تقضي أنتِ ما تبقى من المساء
في حكيِ الأحاجي للحفدة.

كي لا أصيرَ
كرسيا عجوزاً
جنبَ مدفأةٍ خافتة.

كي
لا نصيرَ
وديعين أكثرَ من اللازم.

نحتاجُ
فقط، قليلا من الليل
كي نسهرَ طويلا حول مائدة الحب
أنا
وأنت
وأبريل.

انتبهي
لأيمن
الطفل
الذي لا يشبهني بالتأكيد
لأوامر السيدِ الذي ليس أنا
لأحلامكِ التي لستُ فارسَها.

انتبهي
للفارق بين أن تكوني هنا وأن تكوني هناك
للفاصل بين الحب على شريط لكاظم الساهر
ودهشتنا ـ هنا ـ تحت غيمة النسيان
للهواءِ
لحيرته
للسماءِ.
للسماء التي لستُ
نديمَها.

انتبهي
للتاريخ
لأحمر الشفاه
لحكايات السلام في أوسلو
للحرب على جبهات الستربتيز.

انتبهي
للغة
الحبُّ
أن تعبري بيختكِ بحر المانش
لا بحرَ الخبب
الحبُّ
أن أكون عشيقكِ الأول
تقصدين
بعد
المائة.

***

محمد أحمد بنيس

  • من مواليد تطوان، عام 1970.
  • حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية الحقوق الرباط، 2004.
  • باحث بمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الإجتماعية بالرباط .
  • يعمل أستاذا.
  • عضو اتحاد كتاب المغرب.

صدر له:

  • بصحبة جبل أعمى، شعر، وزارة الثقافة المغربية، 2006.

نهر بائد

ذاته النهر
المعلق
على باب الثانوية
ما إن رآني
حتى دمعت عيناه
وأنحنى علي يعانقني.
يذكرني بالإستراحة
التي طالما ذبحتها
وسط الساحة
المبلطة بالحنين.
يذكرني بالهمس
الذي كنت أريقه على دفتر صديقتي
نكاية في مدرس الرياضيات.
بأصدقاء غابرين
يدخلون الفصل متأبطين
دروسهم الخرساء.
بالآهات التي سالت
على زجاج النوافذ
قبل أن تنتشر بين مقاعد معتمة.
يذكرني بالمطر
الذي كان يتسلل إلى الثكنة
لينام مع الجنود.
ذاته النهر
يملأ عيني بالحب
ويودعني.

مجوس على مشارف رأسي

1

المجوس الذين تسللوا من نوافذ الكتب تلك الليلة لم يتوقعوا أن يباغتهم رصاص المؤرخ الذي كان يحتمي بجدار غيمة صغيرة. لذلك تركوا لحاهم في دولاب المخيلة
ودخلوا بهاماتهم الثلجية. وخلت أني أذبح لهم نهرا ثم أترك حواسي تسيل على ظهورهم المكسوة بعواء العتمة. حسبي أني أدرت ظهري لمحافظهم التي كان يطل منها صمغ الأولين. وحسبي أيضا أني نقعت أصابعي في أحداقهم المضيئة
فربما أفترشوا كل هذا الثلج الذي يخرج من جوف الهباء، ثم عادوا من حيث أتوا.

2

وقتها لم أكن أدري أني سأخفي الحياة بين هذه الآهات لتي تشبه قطيعا من الوعول الآدمية. ولم أكن أدري أيضا أني سأتأبط هذا الجبل لأشعل نارا فوق مجرة سقط من جيب إله كان يحدق في ظله الذي هوى في قعر الوجود.
فقط
كنت أستمتع بمشهد الذاهبين برأسي إلى ورقة تسرح فيها مهرة الخيال
ولم أدر إلا وظلالهم تتدحرج على جبل كان يقبع بداخلي مثل عرجون قديم
عبَدة الماء يسرحون في صحراء أحرسها نكاية في المؤرخ الذي أشعل نارا أسفل السريرة.

بصحبة جبل أعمى

أسقط
في قعر
الورقة
أستعيد خسائري البيضاء
وأرحل بصحبة جبل أعمى.
أحد يعوي خلفي
أقصد أن أحدا
نسي رأسه
عند سفح الغريزة.
يباغتني فحيح القصائد
لا أكترث لهؤلاء الذين ينتشرون بداخلي مثل ياءات ترقد على حد الورقة.
أحيا وبيدي سماء جرداء
أنظر إلى "المشتري"
وأحلم
بأن ألتهمه داخل مغارة تترنح بين أنامل الأنبياء.
يكفيني هذا الروث الحجري لأدهن وجوه أصدقائي وهم يتساقطون في طريقي مضرجين بلعنة العنب الذي يهطل من القلب.
أمشي في سماء جرداء إلا من مجاز أبيض
أبني أرضا
وأنقع فوقها نجوما خلفها رجال بعيون مطفأة.
وتحن أصابعي إلى ما في قعر الورقة.
وهؤلاء أصدقائي يقرعون باب السريرة بحثا عن جثث يخبئون فيها معاطفهم
كأنهم نيام يرشون حواسهم على الإسفلت؛
سيؤجل "أرسطو" تفاحته ليهادن الحياة ولو مرة
سيبحث "لوركا" عن جسد آخر يناسب قامته النحيلة
سينثر "المتنبي" آخر مدائحه خفْية
وربما يعثر"رامبو" على غيمة تصحبه إلى الجحيم
وتحن أصابعي إلى ما في
قعر
الورقة
وأرحل بصحبة جبل أعمى .

وثني كينابيع العنب

حدث مرة
أن غفوت منتفخا بالأحلام
فرأيت أني أسرح بين الموتى
بعينين ملوثتين بالحياة
وإذا برئتي تمتلئان بحُبيبات
حب كانت تهطل من تحت إبط امرأة
ثم سمعت ملامحي
تتناثر على صفحة نهر أعمى
ولم أنتبه إلى الشاعر
وهو يغادر حنجرتي على متن فرس بيضاء
كانت خسائره تسيل بالجملة على الجدار الذي كان يفصل سريرته عن أرض ليست كالأرض.
جاء الناس، وقالوا:
مات
وبللوا روحي بعنب كان يتدحرج من ينابيع
خد لم أتبين صاحبته التي بدت برأس تنين
وجاءت يد معتمة تسعى
وكفنتني بحبيبات حب كانت مخبأة بين شقوق الحياة
وظلت عيناي مضيئتين كعيني
ذئب يحرس حشدا من الآلهة.
سبقتني وعول القصيدة
لتحفر لها بياضا في القبر الذي سيجمعنا
وحين لن تجد النجوم مكانا لها في السماء
ستموء ببابي
وستلحس ما تبقى من ظلمات كانت تندلق في كل اتجاه
وسأبصر رفاتي منقوعا في رحم مظلم
وستحمل مني الأرض فجاجا تركض بداخلي
وسأعلق ثيابي على الجدار إياه
وأستحم في أحشاء الآلهة
ثم أغادر حنجرتي
إلى غير رجعة.
علي اللعنة
فلم يكد قبري يحملني حتى سمعت قلب الشاعر يكتظ بالذين وصلوا بلا رؤوس
وغرزت خنجري في أقرب رأس كانت تعوي وحيدة في الصحراء
ولم أرْثِ أحداً تلك الليلة
وبحثت عن ندمان غرقى في ماء المخيلة
وبِعت كل إمائي في أسواق الوجود
وغفوت عند جذع نخلة لئلا تلتقطني الأرض
ورأيت كلابا تصعد من بئرٍ أسطورية لتنقض على قمر كان يتلصص على عاشق أعمى
ولعنت نفسي التي لم تشاركني إناء الخطيئة
وبحثت عن قطرة نور
فوجدتها بين أحضان خطأ أنثوي
سقط سهوا من درس الحب.
علي اللعنة
كل هذه الأحلام
ولا أجد قبرا.

***

طه عدنان

  • من مواليد آسفي، عام 1970.
  • حاصل على دبلوم الدراسات المتخصصة في تسيير الموارد البشرية من الجامعة الحرة لبروكسل.
  • يشتغل موظفاً بوزارة التعليم الفرنكفونية ببلجيكا ويتعاون مع قسم الشرق الأوسط للوكالة الإعلامية الدولية APTN.
  • ساهم في إصدار مجلة: أصوات معاصرة، وفي إطلاق منشورات: الغارة الشعرية.
  • عمل على تأسيس حلقة: عكاظ للشعر ببلجيكا، وفضاء: أرغانة للثقافة المغربية ببروكسل 2002.
  • كما ساهم في إنشاء أول صالون أدبي عربي ببروكسل 2006.
  • أصدر جريدة: السوق، باللغتين العربية والفرنسية في فبراير 2004، جريدة شهرية تعنى بشؤون الجالية العربية المقيمة ببلجيكا.
  • عضو بإتحاد الكتاب المغرب.

صدر له:

  • وليَ فيها عناكبُ أخرى، شعر، منشورات وزارة الثقافة المغربية، 2003.
  • بهواء كالزّجاج، شعر، دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة، 2003.

القصيدة الكونية

مقطع من قصيدة طويلة

البراكين تكاد تنفجر في رأسي
حتى أني لم أعد أحتمل الجلوس
أمام مكتب أخرس
لأكتب ما قد يسميه البعض شعراً
إنما كالآخرين
تجذبني اللعبة إلى غنجها
كالآخرين
تراودني الكتابة عن يميني
وعن خدر الإرتخاء فوق سرير العاشرة
في صباحٍ أحديٍّ متعَب
وكمُمثلٍ لم يختر دوره
أهيئ نفسي لفصل الكتابة:
أعفو عن لحيتي وأفكاري
أترك شعري منكوشاً كقصيدة نثر
أُقطِّب جبيني مبالغةً في التّركيز
وأقوّس حاجبي افتعالاً للجدّية
ها إنّي أبدو مهموماً
وغامضاً كشاعرٍ كوني.
لا أبدو منشدّاً لكتابة قصيدةٍ هذا الصباح
ثم هل من الضّروري أن أكتب شعراً
لكي أظلّ على قيد الأحلام ؟
لا قدرة لي على حبس خيولي
في الإسطبل البارد
للحظتي الواهنة
خيول الذاكرة تُفضّل الركض حنيناً
إلى مراتعها الأولى
حيث:
السماءُ الواثقة من زرقتها
السماء البعيدة
أشجار اللّيمون
الخضرة الباسقة
الشارع المغبر
سور المقبرة
الحُفر اللّئيمة تُعاكس أحذية البنات
بائعو السجائر بالتّقسيط
المقهى العارم
الغارة وخراطيشها
والأصدقاء المتحلّقون حولها كإرهابيين نبلاء
النّخل وأشباهُه
الأحمر الذي يُعلّم المدينة الأسماء
قشدة العشاق
قهوة الموتى
وشاي الأمهات.
عليَّ أن أرجع إلى القصيدة
إلى غرفتها البيضاء
سأنظر إلى اللّحظة بعينين عميقتين
كجرح عاشق مغدور
وأفرش في بهوها خريطتي:
شرفةٌ تبكي
صورة أمازيغيّةٍ بابتسامة عذراء
مرآةٌ تحجب الأطياف
بطاقةٌ من مراكش
ورسالة سمراء
مدفأةٌ بلا نارٍ
مطرٌ يقرع الزجاج
وقعُ خطىً في الدّرج
قلبي الذي ينهالْ
طرقٌ على الباب المجاور
وغزالةٌ في البالْ
ثمّ أكسر جرّة الأسرار:
كنا صغاراً حينما أحببتُها
كأنبياء
نمشي على ماءٍ زلالْ
وكأشقياء
نرشق الريح الشفيفة بالنّبالْ
لكنني
لكنها
لم ندر إلاّ والنّصال
على النّصالْ.
بحكمة سلحفاةٍ تُغريها الطريق
ولا يعنيها الوصول
سأمضي صوب ما لا يعنيني
بمزاج حائكٍ أعمى
أُرتّق مِزَق الكلمات
لأصفّفها جملةً جملةً
مقطعاً مقطعاً
هنا من شقتي بالمنزل رقم 34
Rue de Chambéry
هنا من على الشرفة
وكنيسة القديس أنطوان شاهدةٌ
سأدّعي العالم كلّه
سأزعم من العواصم
ما لم تطأْ لي قدمٌ.
لا قدرة لي على البقاء مصلوباً
فوق هذا الكرسي البارد الشمتان
أعذبُ الشعر أكذبُه
وأنا ضحية صدقي
حينما تُغَلَّق في وجهي أبواب الأخْيِلَة
تحضُّني الأمّارةُ على أن أحذُوَ
حذْوَ صديقي ذي السرقات المرموقة
كساقي صابرينا
فلا أجد لديَّ من القصائد
ما يكفي لتكرير الشعر
تبّاً لخزانتي الفقيرة
تبّاً للسرابْ
دفَن الماء الأخير
في الريح
وذابْ.

***

كمال أخلاقي

  • من مواليد أسفي، عام 1970.
  • يعمل بالقطاع الخاص.
  • عضو اتحاد كتاب المغرب.

صدر له:

  • أكثر من جبل، شعر، 2002.
  • إشراقات الأبد، شعر.

أفعال لأجل لاشيء

سوف يأتي دوري
عندما تذهبون جميعا إلى الحياة
سأكون فارغا
وجاهزا لأخذ نصيبي بالكامل
فقط لا تلتفتوا لخيالاتي
ربما تتعثرون بلزوجتها
في الطريق.

عدا ذلك فأنا ضاحك
وليس لدي ما أخشاه
بالأمس شربت كأسا
ووقفت طويلا أمام المرآة
لم أر شيئا
بالكاد سمعت أنينا في الداخل
أخرجني أيها الجسد النحيل مني
أنت لم تعد أنا
أنا لم أعد أنت
والسماء التي ظللتنا لم تعد كذلك
والممشى القمري
وأحزاننا الظريفة
والقصائد التي جمعتنا والوادي
والقطار الذي مر دون أن ننتبه لعويله الصاخب
والمرأة التي أحببناها عن دون قصد
واحتفالاتنا بأعياد الميلاد.

حين يأتي دوري
سأكون الآخر فيك
فلتمض دونما استئذان
باقة أحلام بيضاء
شجرة لوز آيلة للهباء
تسألني
ما الذي ستفعله العزلة
المدججة بالأغاريد بي
وهذا العصفور الذي ينط إلى سماء
ما عادت تأوي جسارة الوقت
ها أنا موزع بينك وبيني
سمعت صراخا فأنتبهت إلى فرحي
مدفوعا إلى ساحة إعدام
وكان على عجل
همست إليه
فتدحرجت أحجار إلى حافة الوادي
ثم أنتبهت إليك تغادرني من جديد
سوف يأتي دوري
سيأتي الدور على الجميع
ستسقط حقيقة الجدران على ظلالها القديمة
كأننا في حلم يتسع للجميع
نافدة يطل منها الخوف على سماء ليست لنا
لكننا في مأمن الآن
لنا أجراس تقرعها الفصول كي ننتشي صمت
الحاضر
ولنا وقت يفلت من بين أصابع ليلنا الطويل
لنا بعض الموسيقى
لنا حين وحدها تليق بالموتى
الموتى حين يصرون على إنهاء ما بدأوه متأخرين
لا وقت للأسف الآن
أقدامنا الصلبة تضرب في قاع النهر
يئن الماء
نبكي كي نتصالح مع الماء
نجري
نركض
نهرب الملح في العيون الوفية لبياضها
نجتاز رهبة الرحيل
وهو من سنين يطاردنا
نرى الوضوح الآن
نرى الشعوب تدور في فلك
نرى الأفكار والحصون والأبراج
نرى الأعلام
تواريخ الخديعة
نايات النصر.
لا وقت للألم الآن
متصالحون نحن مع الماء
مع حراس الأبدية وهم يلهون بزبد المحيطات
ورياح الصحاري.

فتنة العبور

كأني أعبر إلى سماء بعيدة
يغسلني غبار فأضيئ طريقي
ممر صاخب بالخوف كالإغماء
فصول تميل نائمة
وأخرى تجرح عزلتي بصباحاتها
أمشي بمحاذاة أشجار وماء
وكلما أعلنت عطشي
جفت آبار في الحلق
أمشي إلى ظلال أشد زرقة
لعلي أشارف إشراقا
به أهتدي
يدي غمامات تسيل
إشارات لما قد يحدث من خراب
لن ينتبه إليه أحد سواي
نصيبي فادح من هذا التأمل الرتيب
وحده لا ينتهي به البعد
ولا تمحوه طريق
يملء ما في الروح من تعب
بكل ما تبقى إذن
سأعبر إلى حيث أريد
جاعلا الحواس على أهبة الحنين
حيث نبيد الغبطة جارف
كما في تلك الأنهار التي ما عدت أذكرها
هناك
في فتنة العبور إلى العدم المضيء
أعشاش لم تبرح دفئها الحياة
خيالات تفيض بالطفولة
على مرأى من هذا الضجر المتساقط
في ليل تئن فيه أوجاع الصمت الزرقاء
ها قد وصلت
لا شيء يدل علي
غير هذا الإنتظار الطويل
أخاف أن أرى أمامي
هذا الحارس الذي يشبهني
ما الطريق إلي ؟
يسألني
أيها المنكوب بالصلصال والضوء
أعرني صورتك كي أتهجى
هذا الموت قليلا
رأفة بي
وبالقادمين إلى هذا الحج اللاهب
رأفة بالصعاليك
ورواة الندم
والواقفون على الأبواب
في حضرة الأقدار المحبوكة
بضربات اليأس
أعرني ما أحضن به جذور الخلاء
رفرفة الطير الرشيقة
كي أدون سيرة الفضاء الشاسع
قليل هذا الذي يبقى
بعد تفسخ الماء إلى رنين مختوم
بمجاهل الأبد
ولا شيء يدل علي.

***

محمد أنوار محمد

  • من مواليد كتامة، عام 1972.
  • دكتوراه في الحقوق.
  • عضو في مجموعة التقارير الإستراتيجية الصادرة عن مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الإجتماعية من 1999 إلى 2005.

لم يطبع ديوانا حتى الآن.

أحتمل الوجود

تَسْتاءُ منْ وَجْهي السَّماءُ
كَأنَّ رَايةَ شَاعرٍ
رُفِعَتْ على أنْفي
كَأنَّ حُروبَ أفْكارٍ
تُحاكُ عَلى الجَبينِ
كَأنَّ شَيْطاناً رَفيعَ المُسْتَوى
وَسْطَ العُيونِ
كَأنَّ أسْئلةً بِزَيٍّ عَسْكريٍّ
في دَمي تَغْلي
أرَاني شَارداً في الظِّلِّ
نَهْراً يَسْتلذُّ الحَفْرَ
أكْثرَ في دَم الموْتى
يُجيدُ كِتابةَ الآلامِ
في زَمنٍ
يُجيدُ حِياكَة الأوْهامِ
هلْ أرْجو العَمى
كيْ لا أَرى
كَوْناً بلا شَمسٍ
وليْلاً بارداً
شُعراءَ من طُوبٍ
وجمْهوراً منَ "الطَّابا".

وأحْتَملُ الوُجودَ
فلا عَلاقةَ لي مَع الأشْياءِ
لا سُحباً تُؤثِّثُ عُزلةً قُصوى
تُهرِّبُ بعْض أشْياءٍ إلى وطنٍ
تُمزِّق صمت جمْرٍ
يَختفي فِي كَفِّ بُركانٍ
أنا لا أعْرفُ الطُّرقَ التي تُفْضي
إلى أبْوابِ مَدْرسةٍ
لتَعْليم الضِّياءِ
ولا أُجيدُ المشْيَ في كُتُبٍ
تَميلُ إلى البَياضِ
ولا أُراكمُ رغْوةً تُدمي فَمي
طَبعاً سَماءُ اللهِ واسِعةٌ
سَأسْبحُ كُلّما حَان الصَّباحُ
وكُلَّما سَمحَ الجَناحُ
ورُبَّما أُسْدي النَّصائحَ
للْعواصفِ في الأعَالي
أوْ أبُوحُ لأيِّ مِكْنسةٍ
تَلُمُّ شَتاتَ أنْظارٍ وَأفْئدةٍ
لأيِّ قَصيدةٍ
تطْفو على سطْح الرَّمادِ
بأَعْمقِ الأَسْرارِ
أوْ أرْتاحُ في أحْضانِ صمْتٍ
لا أُبالي بالجحيمْ
بهُبوب إعْصارٍ
على وجْهي الكريمْ.

هكذا أنا

جُبِلْتُ على الطَّيرانِ
فكيْف أطِيقُ التُّراب فِراشاً
وماءَ السُّفوحِ شراباً
ومُغْتسل الأولياء شفاءً
وكُلِّي بُخارٌ
يَجوبُ السَّماءَ
وكُلِّي عروقٌ
من الكَلماتِ
تسيلُ بأمْري
وتَعبرُ كلَّ هواءٍ
وتسلُكُ كلَّ خواءٍ
وتُدركُ كلَّ خفيٍّ
فَأبْدو جَليّاً
وكُلِّي صَهاريجُ ضوءٍ
وأفكارُ روحٍ مُزلْزِلةٍ
وسياطُ ضميرٍ
يسيرُ على ورقٍ
من غُبارٍ
يذُوبُ
ويُبْعثُ شعراً
عصيّاً على الفهْمِ
لكنْ زَكيّاً.

أنَا هكَذا
مُذْ عَرفْتُ
خزائنَ أرْضي
وليلَ نهاري
وبعْضاً
منَ الكَلمات التي تشْتهي
فرحَ الطِّينِ
بعضاً من الفَلوات التي أتحمَّلُ حُلكَتها
والرِّياح التي تتنفَّسُ من رِئَتِي
هكذا مُذْ عرفتُ ينابيعَ شِعرٍ
وما نَقَشتْ
في الكُهوف
وكفِّ الظَّلام
ولن أتبدَّل في لحظاتٍ
لها عرفُها
أو أُبدِّل يوماً
وقودَ الكلام
ولن أُبْتلى.
يعلمُ اللهُ
كمْ طُرقاتٍ تُحمِّلني طاقةَ الدَّمِ
كمْ كلماتٍ تُكلِّفني شرفَ الفَمِ
كمْ حِكَمٍ أتلقَّفُ من قنوات التعقُّل
كمْ صدماتٍ
وكمْ لعناتٍ
وكمْ " قفزةٍ في الظَّلام".
ولكنْ أَسيرُ بلا عُقدٍ
فالسَّماء ستُمطرُ من عرقي
عالماً من شُموس.
سُخريةٌ
إنَّا فَرَشْنَا
للرَّتابةِ ليلةً كفَنا
سَكَبْنَا الماءَ
في الماءِ المثلَّج أَوْ سَبَكْنا
ثُمَّ ذُقْنَا أَوْ رَشَفْنا
ثُمَّ خِلْنَا الحَرْفَ
رُوحاً تحْتَهَا البِلَّورُ
وَالكَلِمَاتِ بِيداً
حَفَّهَا النُّوَّارُ
والمَعْنَى حِبَالاً
مِنْ خَيَالٍ بَاذِخٍ
يُفْضِي إِلى ضَحِكٍ
جُنُونِيٍّ بلاَ جَدْوى
إِلى سُخْريَّةٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
منْ حَياةٍ حَيَّرَتْها فَجأةً
نَظَريَّةُ العُلَماءِ
منْ حِكَمٍ تَقطَّرُ
منْ فَم الطَّيَّانِ
مِنْ شَكٍّ تَجَذَّرَ
في اليَقينِ
منَ الخَطايَا
منْ دمٍ يجْري
منَ السِّيمرْغِ
منْ إبْليسَ
منْ هدَفِ القَصيدَة ذَاتها
إنَّا رُفِعْنَا أو تَرَفَّعْنَا
ورتَّلْنَا
تعلَّمْ كيفَ تُبْقينَا
على قيْدِ الكِتابةِ
دونَ أفكارٍ مُخدِّرةٍ
وكيفَ تُدوِّخ الألْبابَ
بالإيغَالِ في لُغةٍ مُقدَّسةٍ
وكيْفَ تُغادرُ الدُّنيا
بكَأسٍ لا مَثيل لها
و تَنفُخ في البياضِ
أَوامرَ التَّكوينِ
"كُنْ"
حرَكَهْ سُكُونْ
حرَكَهْ سُكُونْ
تَبدُو لكَ الأنهار
تطْرزُ فرْحة َالطُّوفانِ
والأسماك تُدركُ
كمْ جُنوناً في المعَاني
والكلام يعُودُ للمجْرى
بوجْهٍ أحمرٍ
مُسْترسلاً
الخَيرُ فِيما اخْتارَهُ الشُّعراءُ
هُمْ أدْرى بِما خَبِر الرَّمَادُ
بِما يَرى الأعمى إذا عمِيَ العِبادُ
بأيِّ نعْلٍ
تعبُرُ الأكوانَ فلْسفةٌ
وكيْف تُفقَّسُ الأحْلامُ
والكَلماتُ
في عِزِّ الخيالْ.

***

وداد بنموسى

  • من مواليد القصر الكبير، عام 1974.
  • فنانة تشكيلية.

صدر لها :

  • لي جذور في الهواء، شعر، وزارة الثقافة، 2005.
  • بين غيمتين، شعر، منشورات مرسم،2007.

خَوْفٌ

وَكُلَّمَا تَوَغَّلْتُ فِي أَزْرَقِ الهَوَى
قُلْتُ لِلْفَرَاشَاتِ:
أتْبَعِينِي
سَنَلْهُو قَلِيلاً بَهَذَا العمر
لِي شَهْوَةُ الإرْتِمَاءِ مِنْ موج الْجَسَدِ
عَلَى عُشْبٍ دَمُهُ دَمِي.

خَوْفٌ
وَلَكِنَّ قُرْبِي من مَملَكَةِ العِشْقِ
يحَرِّضُني عَلَى النُّزوحِ
وَتَغْمُرُني
بالمُطْلَقِ رَعَشَاتِي
تَمْلؤنِي بالضَّجِيجِ إشْرَاقَاتي
تَتَسربل روحي بِبلَّوْرِ الكَلاَمِ.

خَوْفٌ
وَلكِنِّي أُدْرِكُ أنَّ فَرَحِي تَرَصُدُنِي لَعَنَاتُهُ، كَأَنِي إنْ ضَحِكْتُ، تَطَايَرَتْ أَشْلائي نَحْوَ نَارِ المتاهةِ، حتَّى أَرَانِي تَهَاوَيْتُ فِي وَجَلٍ سَحِيقِ
لَنْ أَضْحَكَ قَبْلَ أَنْ يُطَمْئِنَني القَمَر:
اللَّيْلَةَ نَسْهَرُ
وَنَضْحَكُ
وَنَصُبُّ عَسَلَ الْقَلْبِ عَلَى زُبْدَةِ القلب
اللَّيْلَةَ أَنَا هُنَا.

خَوْفٌ
وَلِي سَفَرٌ شَاسِعُ الشُرُفَات، وَمَاورَائي سِوَى هَدِير يَنْأَى
عِدِينِي أَنت أَيها الريَّاحُ، كُونِي لِي سِرًّا وَأَغْدِقِي عَلَيَّ بالمَهَبِّ، تلْتَمِعْ وَرْدَتِي فِي الصحراء.

خَوْفٌ
وَلكنِّي مِرارًا انْفََلَْتْتُ من هَدْأَة لأُضِيءَ بِي شَبَقَ أُغْنِيَةٍ أَحملُهَا مُنْذُ طُفُولَةٍ يَحْرُسُهَا الزَّبد
وَأَعْرِفُ أَنّي سَأذهَبُ
لكنَّ لِي سحُبا صديقة تقُولُ لي:
سأُرِيكِ طَرِيقَ القمَّةِ
لَكِنِّى أبْتَكَرْتُ لِنَفْسِي رَحِيلاً ضَاحِكًا وَغِبْتُ
بَيْنَمَا ظَلَّتْ خُطْوَتِي عَلَى الرَّمْلِ تَنْتَظِرُ رِيحًا رَاقصة.
خَوْفٌ
ولكِنِّي كَمَنْ يَجْمَعُ ذَاتَهُ فِي فِرَاقٍ وَاحِدٍ، تَرَكْت يَدَاي عَلَى أَعتاب العُمرِ تُلْمعَانِ دَمَعَاتٍ جَذْلى
وَنَطَقْتُ:
لَيْلَةَ قَدْ أَعُودُ
سَأُجْلِي عنْ الأسْوَارِ عُشْبَ الحَنِين
وَأَرْفَعُ للمَصَابِيحَ ضَوْءهَا
وأسْهَرُ
فِي نَارِ المَكَان
لَيْلَةَ قَدْ أَعُود.

خَوْفٌ
وَلَيْسَ لِي حَالٌ فِي هَذَا الخَوف
وَمَا تَبَقَّى منْ أَوْرَاقِ عَنَبِي اصْفَرَّ
لَيْتَنِي أَدْنُو قَلِيلاً
المَسَالِكُ رَحْبَةٌ
وَعَيْنِي عَلىَ قَلْبٍ ضَاحِكٍ
وسهْوِي
وعمايَ
ليسَ لِي بَعْدَهُ أَنْ أَرى.

خَوْفٌ
وَلَكنَّ خَوْفِي زائلٌ
كَمَا الأشْجَارُ تَزُولُ
مَعَ مُرورِ الفَرَاشَات.

هذه القصيدة

هنا
قلتُ لهُ:
ثُمَّ وضَعْتُ يَدي على مفرَق بينَ ثديَيَّ
حَفَرْتُ لَكَ نهراً
أما النوارس فخَفْقي
وأما الحوريات فالأنفاسُ
وهُنا
قُلْتُ لَهُ:
ووضعتُ أُصبُعي على عيني
فجَّرتُ ينبوع الحب
وأما الرذاذُ فشميمُ اللٌّحَيْظاتِ
وأما دمي فدَمُكْ.
.
.

ثمُّ أختلستُ نظرة إلى عينيه كانتا ضاجتين ِ
رفعتُ لُهاثي عالياً
ثم َّ قلتُ:
هنا
على جذع هذا المساء
سأُعَلِّقُ عُمري
في إنتظار أن تعود.
.
.
غابَ
بَيْنَما هُنا
في هذا الركن ِ
تَرَكَني
أكتُبُ
هذه
القصيدة.

***

عبد الهادي السعيد

  • من مواليد مراكش، عام 1974.
  • حاصل على دبلوم مهندس دولة 1996.

صدر له:

  • تفاصيل السراب، شعر، إتحاد كتاب المغرب، 1996.
  • لا وأخواتها، شعر، سعد الورزازي للنشر الرباط، 2003.
  • روتين الدهشة، شعر، سعد الورزازي للنشر الرباط، 2004.

نوافذ

السمكة تستعمل أحمرَ شفاهٍ مرجاني
كي تبدوَ أجدر ببحر يسعل من شدة القمر.
قطيعُ الوقت ولا من يهش عليه.
المساء الذي يبتسم في وجهه الماعز
جبلي وبعيد.
أنتِ طيبة كنافذة.
مقرفة كالمحيط.
غيوم سليطة تقترب من ورقي.
ساعات تائهة.
المنارة نائمة كبرلماني.
الشاعر يجلس على عتبة قصيدته
حزينا كشيطان متقاعد.
حبيبتي تسبح في مياه مرآتها الأشدِّ فتنة.
البحر ينجز الموجَ والجَزر بتفاؤل.
الشاطئ يوسع عقاراته
والنوارس سماسرة.
أنا خلف النافذة التي ترحل الآن.

برد

مصابة بالليل والتماسيح
مصاب أنا بالأغوار
بكِ
بتسريحات عينيك
مصابٌ بالسنابل والوقت
أتألم كمئذنة في الخلاء
كصبارة في ثلاجة
أنت تنامين في كهف ماضيك
وأنا رجل إطفاء
ولا حريق في الأفق
ترى هل أشعله ؟.

حفلة

نأكل الهواءْ
نستنشق الشمس ونكونْ.
نحن شجرٌ
أو إذا سافرنا طير
المهم ألا تنتهيَ الحربُ
والطرقُ
اللجانُ والبروتوكول
أيهما أجمل:
سنبلة في الهواء
أم قطرة دم في الأرض ؟
حول مائدة الكوكبِ
جلسنا بضع ملايين
كان الأموات أجمل من سهر في المراسيم والأغاني
(بينما الأحياء يطلبون دائما أكثر)
كان بعضنا فاكهةً
والبعض الآخر طقم أسنان
كانت مراحيضٌ وكان خدمْ
الملعونون بأنفسهم
لم يغادروا جذع الكراسي
ولا الألسن غادرت أوجههم
ألسن أخرى تطير
تتطاول بين الغرف
المدنِ والحقب
بعضها يتتوأم في قُبَل كريهة
يختار دائما نفسَه رجل ويطلق خطابا.
(من حسن حظ المصور أنه أطرش كإله)
بيدين من غواية
تصفق على نفسها امرأة في المرآة
نتكاثرُ
تأتي عرافة أنفها نائم
متخصصة في سوء الحظ
تقرأ ما تيسرَ
ثم نكتشف أننا
وأن ملف القضية
بلعه القرش الذي يتوسط المائدة.

أحك لي يا أبي

تسألُ:
لماذا علينا أن نموت مرارا كقطط جيدة ؟
نصرف الليالي نملأ أعيننا بصور الإوز، بمكعبات الحلم الملونة، في الغد تبزغ أيامنا شريرة كوردة، يابسة كنهار. ضدنا القبرات اتحدنَ ونُحْن. أصواتنا غادرت بالمقابلِ الحلق والشريان.
ستأتيك الريح مجلجلة، ولك أن تنقب فيها عن صوت أحبكَ، عن صمت يحاور المفردات التي لم تفه بها يوما، لك أن تفتش فيها عن همسة السادسة صباحا، أن تفرش دمك للحمام اللاهث خلف باب قصيدتك
تقولُ:
موصدةٌ إجاصة الحياة !
وتسأل:
لماذا تلك المرأةُ
كلما غاب صوت الماء
يتذكرها المصابون بحمى العطش
كما يتذكرون النبع والأواني ؟
وكما تذكر أنت خزف جدتك الهشةِ
تذكر أنها فعلت كما تفعل الجرة العتيقة
لقنتك مستقبلك
وأنت عشته وردة وردة
جرحا جرحا
وصعدت فيه هاوية هاوية !
أبي
لماذا أهديتني للمفردات
ولم توصها أن ترفق بي ؟!.

عدنا من منحنى الجبل الجاثم على شرور القبيلة
يحرس الناس أن تضيع أحلامهم في فراغ الوادي
ويعلم الأولاد أن يطلوا من فوقِ على أيامهم
وعلى حمّام البنات في الهواء الطلق المأسور بفتنتهن
يعلمهم أن يقفزوا باتجاه حاضرهم
خالصا من خرافة الأجداد
لكن ليس من طيبوبتهم !
أبي ونحن عدنا
احك لي عن عمرك قبل ولادتي
هل كنت تحبني آنذاك
كما أحببتني ثلاثين عاما ورحلت
وهل أنت الآن تحبني حيث أنت هناك ؟
أبي
أحك لي
عن عسل الميلاد
عن قميص العيد
عن الحياة الصعبة
أحك لي عن السمك الطري
حين يقفز حيا إلى مقلاة الزوال
أحك لي عن الأحزان
أحك لي يا أبي عن شَوّاية القلب
أحك لي يا أبي عن شقاوتي
وقساوتك
عن لسعات الأصدقاء والجيران
عن حب الناس
عن عماتي البدينات
أحك لي يا أبي عن جمال أمي
عن شعرها الطويل
عن عمق بئر هي قلبها
أحك لي يا أبي عنك يا أبي
وأحك لي !
ونحن عدنا
وجدنا أناسا مبهمين
مشفرة ضحكاتهم
لم نكن نعرف من أسمائهم
سوى ما خلفته على الوجوه
تعاقبات القمر والشمس على القلوب
وجدنا سيدات يخبئن آهاتهن خلف الجبال
استحياء من ضوء القمر
وجدنا أنفسنا
بثياب لم تكن تعرفت من قبل على أجسامنا
عيوننا كانت بعمر الولادة
وشهيتنا مضاعفة كخبز المسيح.

رقصنا سبعين مرة حول البئر
كان دمنا يصرخ
وكنا نسأل:
لماذا علينا دائما أن نموت
كقطط جيدة .!

كابوس

أرى نفسي هناك
القبرات تسبح في دمي
أعضائي تلطم هواء صلبا كخوذة
جملي شعتاء على الرصيف
ذاكرة الأصدقاء مخرومة من جهة قلبي.

أرى نفسي هناك
حيث لا أحد يوجد
خصوصا أنا.

***

إكرام عبدي

  • من مواليد أصيلة، عام 1974.
  • عضو باتحاد كتاب المغرب.
  • كاتبة مقالة بجريدة: الشرق الأوسط، صفحة: رأي.

صدر لها :

  • لن أقايض النوارس، شعر.
  • سوف نضطر للكذب، تأملات في الراهن العربي.

نجمتان فقط

بوسعك أن تنبت في جسدي
كل الحراشف البرية
لكن كن على يقين
أن في أرضي القصية
مشتلا
يكفيني كي أورق العمر كله.

بوسعك أن توقف نهر الكلمات
لكن كن على يقين
أن في نسغي يينابيع خبيئة
تكفي كي أجرف كل صحاري الصمت.

بوسعك أن تروض بحري
ترتب موجي
تخيط لعريي جسدا من أشلاء البرية
لكن كن على يقين
أن موجا يغمرني عند كل رفة جفن
يكفيني كي أغرق في لجة التيه.

بوسعك أن تسقي جروحي
ترعاها بنشوة وتؤدة
لكن كن على يقين
أن ليلة واحدة تكفي كي ألفظ كل آلامي
وأولد مع أول نقطة ضوء.

بوسعك أن تطفئ سمائي
تقطف نجيماتي
كي تطرز سماءك الضجرة
لكن كن على يقين
أن لي نجمتنين أرعاهما كما رعاهما
الذبياني في ليله البطيء
وتكفياني فقط
كي أصنع لي وطنا من ضوء.

سيرة جسد

لي جسد من سلالة البحر
خطته بأنامل العشق
رصعته بأصداف الجنون والغواية
حين سئمت قماطاتي
كفنا مطرزا بالصمت
تاريخا ينوء بالوصايا.

لي جسد من سلالة الحرف
ألبسه في العراء
أتلظى في حضنه
أحترق بجمرات حروفه
وعلى كومة الرماد
أجلس القرفصاء
أرفع الأنقاض عن حروفي المتشظية
وأرثي الحلاج.

لي جسد من سلالة الضوء
حين حل بي
أهتديت إلي
ووجدتني كما تخيلتني
هشيم امرأة.

لي جسد من سلالة اللبلاب
في الظل نتلاقى
تنسدل خصلات من أوراقه الغجرية على جسدي
فأورق
وينفرج الجسد اليباب.

لي جسد من سلالة الغجر
أصنع من أغلاله الصدئة
قلائد وخواتم
أوقد فيه شموع لوركا
وأسافر فيه حين تضيق بي خرائط هذا الجسد.

في البدء كانت أنثى

إنَا إناث لما فينا يُولده
فلنحمد الله ما في الكون من رَجل
إن الرجال الذين العرف عينهم
هم الإناث وهم سُؤلي وهم أملي.
ابن عربي
(الوصايا)

أيا امرأة تتقمصني
ضاق جسدي بك
قصي حبل المشيمة بمقص الذهب
وضعي الحجر الأساس
لحياة تشرد أرعن.
تيهي في براري القصيدة
وانبجسي فكرة شاردة
أغنية غجرية
وأصنعي الإيقاع من صدى هذا الفراغ.
حلقي في سماوات المجاز
بجناحين من خيال
وإن شح ضوؤهما
أغمسيهما في بحيرة الشمس
وأضيئي مجهولا
متواريا خلف غيوم الصمت
تدثري بالتيه
وفي غابات فوضاك
دوسي هذي الأرض اليباب
بعنفوان الأنثى
وأحيانا تمرغي في ترابها
وأنفخي من روحك في جسدها
فقد يصير قبرها حياة لك.
أعلني شطحاتك
توحشك
للريح.
أصنعي من عناقيد اليأس النازفة
نبيذا متلألأ لخلوتك الجريحة.
أنكشفي
دعي حمامتيك المتوثبتين
ترفرفان في سماء العشق.
تطيبي بعطر الجنون
أنصتي لذبذبات موجك
لتصاعدات جسدك.
سافري في تجعدات شعرك الغجري
وكوني اللاجسد
كوني الخطيئة
وأطرديه بكل غواية الأنثى من جنتك
كوني البحر.
وكلما ضاق المكان بك
أفترشي الموج
المزدان بشراشف من زبد
سريرا
لشهواتك
لجنونك
للغامض فيك
لكل الفصول التي تجتاحك
للمرأة المسافرة التي
كلما وطأت أرضا
أضاءت شموع جرحها
بحثا عن أرض بائدة لم تطأها بعد.

كوني الفيض الهادر
واحفري على سريره الأبيض
مجرى لشهوة شرسة
وأسقي رغبة تشتعل في عينيه
دعيها تكبر أمامك كطفل شقي
تشاغبك
تراودك
تشاكسك
رصعيها بلآلئ العشق
أنثري بين جنباتها حبات الزهر
وأحيانا دعيها تغفو بهدوء
على صدرك المحموم
فقد تستفيق أكثر نداوة.

كوني البدء
ومن عناق الأرض والشمس
انسجي جسدا آخر
لأنثى موشاة بالطلاسم
ففي البدء كانت أنثى.

كوني الجمال
تعري
أبهريه
أقرئيه آياتك
دعيه يتهجى حروفها،
لا تحفَظيها له
كي يخشع.

كوني الألق
تسللي خلسة لمعبد صمته
وأنثري على روحه بعضا من حبات ضوئك
وأحذري أن تضيئي كل عتمته
فقد لا يبصرك.

كوني أنت
وإن راودك ذاك الظل المزعج
تحرري منه
تحرري من النور
فقد يوهمك بالحياة
فقط
كي يستعبدك.

***

فاطمة الزهراء بنيس

  • من مواليد تطوان، عام 1973.
  • عضو اتحاد كتاب المغرب.
  • عضو اتحاد كتاب الإنترنيت العرب.
  • عضو حركة شعراء العالم في الشيلي.

صدر لها :

  • لوعة الهروب، شعر، 2004.
  • ملذات الجحيم، شعر.

شيء من يحموم

مِن وَحْي المرارات
هَبّت
كنفحة نسيم
أبهى
من البهاء
قطفتْ منَ الشرارات
ما أذابَ غشائي.

ويحها هامدة
بأيّ الإشارات
ستسردُ
جدل البدايات ؟
من مخرَ غيمة العميان
الضلعُ العاشقُ
أمِ الرحمُ الملفوف
ببرد القربان ؟
ها رغبتي
في الجحيم
تستلهمُ جسدي
أَ… د … و… خُ
أدوخُ بنشوةِ
الوجع المقدّس
تطوّقني أعضاءٌ
سامقةٌ
من حيثُ لا أدري
تنتصبُ هوسًا
بحوّاءَ
السِّحر المصلوب
على
عرش من يحموم.

آه
يا التي حالمتْ قطفها
فما أطفأت حلاوتها
ظمأ الخليقة
يا التي شعشَعت برحيقها
حواسي
كفاكِ توغُّلا فيَّ
قد جرفتيني
صوبَ فنائي.

منْ سواكِ
سيتلو شهوةَ الألم ؟
إذا الأرضُ
ضاقت بغوايتها السماء
وإذا البَشريةُ
حنَّطت فُجورها
جبلين بينَ
قيلَ إنَّ بينهما برزخا
لا يلتقيانْ.

بنبضات فاحمة
هبَّت
تستبصرُ جرعتها
من ذاك الجنون
من الغيمة
التي أمطرت الكون
ومن سيولها
حَبل التراب
فكان
هذا اليباب
وكنّا كأسين
لا يرتويانْ .

حلميَ الأبهى

هناكَ
أعانقُ منتهايَ
بين النجوم الفاتنة
بلا خطوٍ أسيرُ
بأنوار الروح
أصعدُ هوايَ
خاشعة
حيالَ رؤايَ
كما لو كنتُ
كائنا هوائيًّا
وأنا
أغازلُ حلميَ الأبهى
أوقنُ
أنّي أجهلُني
في عراء
مَوصولٍ بالغيب
أوقنُ
أنَّ ما تراهُ حواسي
لا يراني
لكنّني
أغامرُ بي
لأقاربَ ما سْتحالَ
وعندما
يشقُّ الصبحُ
مقامي
أراحلُ مدايَ
تتكاثرُ
بذورُ الوحشة
لكنّني
لا أكترثُ
بوَكري المَهجور
وأنا
أترصّدُ
حلميَ الأبهى
من الليل
والنهار .

عروة الهَيمان

الحلمُ شراعي
من يابسة
إلى حدسي النبيذيِّ
لا السماءَ
أتوقُ
في عبوري
ولا الأرضَ
بل عروة الهَيمان
في غيابي.

كم يطيبُ لي
أن أنغرسَ
في اللاّنتماء
كأنني هباءْ.

في صمتٍ غابوي
يتضرَّعُني
جسدي
كيف أخمدهُ
ويدايَ تلحسان
فراغي؟
كيفَ أوقنُ
أنَّ ما تهلْوسُهُ
شفاهي
صدايَ؟.

أنا السحرُ المثيرُ
على سريرِ الوحشة
أنَّةُ الهزيع
من زرقة جسدٍ يتماوجُ
النبض البهيُّ
السرُّ المعتّقُ
في فنجان العمر
شمعةٌ
بوهج الخيال تتأوّهُ
.....................
.....................
.....................
كأنني هباءْ .

***

نجيب مبارك

  • من مواليد شفشاون، عام 1975.
  • حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط.
  • عضو في اتحاد كتاب المغرب.
  • عضو بمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الإجتماعية بالرباط.

صدر له:

  • تركت الأرض للآخرين، شعر، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 2006.
  • Najiralis@hotmail.com

تركت الأرض لآخرين

في الساعة الأولى
أصلحتُ نافذة الممر
ورميت المرجاس لآخرين.
بسبب هؤلاء
دخلت حديقة الجيران
ولم أقطف كمّثرى واحدة
لم أسرق ثمرة أشجار المزاح.
هؤلاء القساة
حراس الليالي
تنابزوا بألقاب كثيرة
وتسامروا بالنكات
حتى في أقسى الشهور.
عدت إلى الطابق الثاني
بلا مرصد
وجلست القرفصاء
كتابي المبسّط بألوانه
شغلتني عنه النيازك
حلكة المشهد وإتقانه الساطع
الكواكب وبعض ثقوب صغيرة سوداء
على قرن حلزون يشبه الكون.
تركتُ الأرض لآخرين
في برد التجربة.
لم أحذق أبدا فنون الحفر
وقياس عمق البلاد.
كنت أمشي حائرا
في دروب النمل
أصعد غيمة ثم أهوي
مثل من صوّب دائماً
سهم الهوائي
على كبد الغراب
وأخطأه.

فضة قد يمسّها الذهب

لا أشعر بالدوار
حين يمس الذهب
فضة الريح
الأشجار
التي نادرا
ما تنتابها الرعشات
دوّختها الأضواء المكشوفة
تحت الرذاذ.
أنا لست مُغرما بالدنيا
إلى هذا الحد
وليست لدي الرغبة
في التعويض عن ذلك.
لا زلت أستيقظ باكرا
وأتكهن بالصحراء.
الأحلام المبثوثة بين الحشائش
ترعاها زرافات آلية
في الظلام.
الليل
يصعد في الأنابيب
ويتنفس.
قد يكون الرمل
أكثر لزوجة في الأكياس
قد يكون الماء النّامي
في المزهرية.
لا يهمني ما أفعل.
البحر كما هو
لم يسبق له أن تزحزح شبراً
عن باب الجنة.
الأمواج
وهي الحريصة
لم تتأثر
بنشيد "فانجليس" القوي.
ماذا أصنعُ بفضة
قد يمسها الذهب ؟.

أقف مثل السيد في لوحة "ماغريت"

حنفيات كثيرة لم تُغلق جيداً
هذه الليلة
وبقليل من الريبة
لم أرو عطش اللصوص.
طبعا أنا الخَسران
بعد كل حريق غامض
أفتش حول مصباح
عن أثر انطفائي
أقشر الباب من الداخل
كأي نبات
لا سماء لأنفاسه الأولى.
ولأن ما يؤرقني ليس طقسا
شرخا على باب
أو سكّيناً على وسادتي
أقف مثل السيد
في لوحة "ماغريت"
ظهري لأمواج ماكرة
تحت هلال ذي حدين
أقف عاريا
غير منشغل بالشجاعة
أحن إلى الذئاب
وأنسى الهواء.

الوضع الآمن

مذعورٌ أمام المحيط
طوال يوم وأنا أنتفُ القطن
من السرير
أقصُّ ما يطول عن الكبد
الذي نما سهوًا وراء القلب
وأرميه للأمواج.
أصابعي مشغولة بالنّار
والسلّة لم تمتلئ بعد.
يوم آخر من الإفراغ بلا طائل
لتكسير هذا الدّفء
لوضع السرير في محلّه
مرشوشاً باليود والأوكسجين.
سيكون هذا آخر ما أفعل
قبل أن يدبّ الريش في المرآة.
سيكون الوضع آمنا
بالتأكيد
ستهرع الكلاب مع الشاحنات
على طول الساحل
ويعود كل شيء كما كان:
العظام إلى الأمواس
الأسماك إلى الشرفات
والثياب إلى مصيدة.
أنا مذعور ولستُ خائفاً.
النوافذ وحدَها لا تنشف
والحائط أيضا.
لدي متّسع من الوقت
لأختفي
جيراني أغلقوا الأبواب
على مضادّات الحياة
دحرجُوا ليمونةً صلبة في الممرّ
وناموا.
هل كان عليّ أن أسمح ؟
لستُ أدري
كم مرّةً سمحتُ في اليَقظات
ولم أقل لهم شكراً
كم ليلة نسيتُ الضوء مشنوقاً
ولم أشهق عائداً
إلى الغاب.

***

عبد الرحيم الخصار

  • من مواليد أسفي، عام 1975.
  • يعمل أستاذا بالتعليم الثانوي.

صدر له:

  • أخيرا وصل الشتاء، شعر، منشورات وزارة الثقافة، 2004.

بلا سياج

كمن يخرج
جثة العشب من قاع البحر
أو كمن يرعى القمر
في ضيعة بلا سياج
مرهقا كان الكلام
يرتعش في قدمي
قبل أن يصعد إلى لساني.

النائم في أرجوحة بين شجرتين

القمر هو القمر
لم يتغير شكله منذ البارحة
أشجار المنحدرات تفقد لونها
وتغرق في لون الفضة
وأزهار المارغريت
تغدو في الليل ظلا فقط
لأزهار المارغريت
وأنا حين أستلقي على الأرجوحة
كأنما أستلقي على الأرجوحة
كأنما أستلقي على كومة قش
الدفء الذي يجول في قلبي
أقل بكثير من الدفء الذي يسري في الثياب
يدي تتدلى إلى الأرض
كأنما تريد أن تمسك الدموع
التي تسقط من عيوني
ماذا علي ؟
وماذا فعلت
حتى يسيل مني كل هذا العرق ؟
هل كان لزاما علي أن أحرس الماء
حتى لا يفر من البحيرة ؟
والنافذة التي أغلقتها منذ سنين
هل كان لزاما علي أن أفتحها
وأجلس كالمخبول في تلك الغرفة المهجورة ؟
لقد تركت كل شيء هناك
وجئت إلى هنا باحثا عن هواء جديد
وحياة تفتح قلبها
لعابر سقط الحنان من قلبه
وضعت سنواتي القديمة
في زورق من ورق
ونفخت فيه أنفاسي كي لا يعود
غلفت كل الذكريات في علب الهدايا
وطوحت بها في الهواء
مغمضا عيني
متنكرا
تماما مثلما تفعل بلقيطها فتاة الخطيئة
لم أشأ أن أخطو خطوة واحدة نحو الوراء
لذلك دست كل عشب يابس
نما في حديقتي من زمن قديم
خنقت الصور
ودفاتر الذكريات في الأدراج
كسرت أقفاص الحمام
والحياض التي كانت تسبح
فيه أسماك من خشب
نظفت خزانتي من كتب الحب
والسحالي المحنطة
جئت إلى هنا
باحثا عما لم أجده هناك
ربما ستفهمني يوما ما
هذه الأرجوحة المعلقة بين شجرتين
ستشدني من ياقتي وتصرخ في ظهري
لمن تحمل هذا المصباح أيها الأبله
وتمشي بلا دليل في الغابة ؟
أصدقاؤك القدامى تناثروا
والذين حسبتهم عميانا
أصبحوا يبصرون أكثر منك
الأشجار التي كانت تظلك قد ماتت
والكوخ الذي بنيته من قش وطين
جرفته المياه من أعلى الهضبة
وأنت أيها الهارب الصغير
يا نديم الوحشة
لا تزال تحتمي بجسدك الراعش
في هذا التل الرجراج
منذ كم سنة
وأنا معلق كهذه الأرجوحة بين شجرتين
أتأمل الجمال العابر في السماء
وأنسج شيئا يحميني من الموت
لم أعد أحمل مصباحا لأحد
لأنني أنا الأعمى
فقط أريد أن أضيء خطواتي
حتى لا أسقط في البئر من جديد.

أخبئ حزني في شجرة الطرفاء

إلى حليمة الزاهري
والدتي
البارحة لم أنم
كان طيفك يملأ علي الغرفة
وكلما أطفأت المصباح
أضاء وجهك هذه العتمة
فحال بيني وبين النوم.

حين تصيبني رشحة الحنين
أحدق في سماء قريتي
وأمد يدي إلى الظلمة العالية
كأنما أريد أن أصافحك هناك
وحين يهزمني الإنتظار
ويجمد الثلج قدمي الواقفتين لأجلك
أعود إلى حجرتي
مستأنسا بنحيب البرد والمطر.

أنظر إلى صورك المعلقة على الجدار
فأشم رائحة الحناء في قدميك
وأتحسس بقايا الكحل في العينين
أتحسس السوار وأقراط الفضة
وقلادة الكهرمان
التي يتدلى منها درهم للملك القديم.

البارحة لم أنم
كان طيفك يملأ علي الغرفة
وكلما أطفأت المصباح
أضاء وجهك هذه العتمة
فحال بيني وبين النوم
أحتاج إليك
سأحفر اسمك على جذع شجرة الكستناء
أرسم بجانبه قلبا كبيرا
وسأحرص على ألا يخترقه أي سهم
سأستل الأعواد اليابسة من حزمة الحطب
لأشكل اسمك كبيرا في باحة البيت
سأرسم وجهك على المرآة
على الباب
في دفاتري
وعلى زجاج النافذة
أريد أن تخترق نظرتي
عينيك الغائرتين في الزجاج
لتلاحق الحياة
وهي تركض خارج الحجرة
في المساء
حين أعود من المدرسة
مودعا عصافيري الصغيرة
أخبئ حزني في شجرة الطرفاء
أعبر الزقاق القديم
وأصعد الأدراج
لأجلس إلى مكتبي المنسي هناك
كعصفور في قفص.
مغمورا برسائل ماري هاسكل
أشعل شموعا في زوايا الغرفة
وأشعل ما تبقى من الحنين في جوارحي
أقرأ قصائد للشعراء الروس
وأحتسي كأس نعناع كالعادة
طعم المرارة يصعد مع الأنفاس
أنا هنا
وأنت هناك
وبيننا تمتد الأيام المستعادة
كأنك لا تزالين قرب البئر
تسحبين الدلاء إلى بيتنا القديم
تغزلين الصوف في الظهيرة
وتنحدرين مساء
مع نساء القرية إلى الوادي
لتعودي بحزمة الكلأ إلى حملاننا الوديعة
كأن الحملان لا زالت ترعى في ذاكرتي.
البارحة لم أنم
كان طيفك يملأ علي الغرفة
وكلما أطفأت المصباح
أضاء وجهك هذه العتمة
فحال بيني وبين النوم
أحتاج إليك.

***

محسن أخريف

  • من مواليد عام 1979.
  • يحضِّر دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الآداب بتطوان.
  • عضو اتحاد كتاب المغرب.

صدر له:

  • ترانيم للرحيل، شعر، 2001.

لُعْبَةُ الحَرْبِ

زَوْجَةُ الْجُنْدِيِّ الْقََاسِيَةُ الْقَلْبِ
تَتَهَيَّأُ لِلْحَرْبِ:
تَكْتُبُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رِسَالَةً
وَتَضَعُهَا فِي الدُرْجِ
اِحْتِيَاطًا.
وَتُرْسِلُ بِدَايَةََ كُلِّ أُسْبُوعٍ رِسَالَةً.

الزَّوْجَةُ تَخَافُ عَلَى زَوْجِهَا
مِنَ الْوَحْدَةِ
وَمِنْ كَآبَةِ الْحَرْبِ
وَمِنْ هَوَاءٍ يَنْبَعِثُ مِنْ نَوَاعِيرَ
تَتَهَالَكُ أَنْفَاسُهَا
وَمِنْ أَرْضٍ تَصْعَدُ وَتَهْبِطُ
وَتَدُورُ حَوْلَ نَفْسِهَا بِسُرْعَةٍ جُنُونِيَةٍ قَاتِلَهْ
وَمِنْ لَيْلٍ يَلِجُ النَّهَارَ
وَنَهَارٍ يَلِجُ اللَّيْلَ مِنْ غَيْرِ مُنَاسَبَةٍ
وَلاَ سَكِينَةٍ.

الزَّوْجَةُ الْقَاسِيَةُ الْقَلْبِ تَعْرِفُ جَيِّداً
أَنَّ الْحَرْبَ هِيَ هَكَذاَ دَائِمًا:
تَأْتِي مِنَ الْفَوْقِ
وَلَهَا أَجْنِحَةٌ تَنْتَظِرُ الْمَغِيبَ
كَيْ تُحَلِّقَ فَوْقَ خَوْفِنَا(نَحْنُ)
وَتَجْهَشُ بِمَعْطُوبِينَ بِمُخْتَلِفِ
السَّحَنَات،
ـ فَمَا مِنْ عَلاَمَاتِ طَرِيقٍ سِوَاهُمْ ـ
وَبِعِبَادٍ كَثِيرِينَ
مُتَّكِئِينَ
عَلَى قُبُورٍ تَضِيقُ بَيْنَهَا الْمَسَالِكُ
وَفَوْقَهَا أَزْهَارٌ تَنْبُتُ بِوَهَنٍ
وَبِلاَ رَغْبَةٍ فِي الْعَيْشِ.

اَلْجُنْدِيُّ الْقَاسِي الْقَلْبِ
أَقْصِدُ زَوْجَهَا وَلَيْسَ أَحَداً غَيْرَهُ
يَتَهَيَّأُ لِلْحَرْبِ:
يَشْرَبُ حُبُوباً لِمَنْعِ الْخَجَلِ مِنْ نَفْسِهِ
يَتْرُكُ قَلْبَهُ عِنْدَ عَشِيقَتِهِ الثَّخِينَةِ
وَيُوَدِّعُهَا بِقُبَلٍ حَارَّةٍ عَلَى الشِّفَاهِ
شِفَاهُهَا فِي الصَّبَاحِ
تَقْرَأُ الرَّسَائِلَ الآتِيَةَ بِالْبَرِيدِ الْحَرْبِيِّ
وَفِي الْمَسَاءِ تَتَبَادَلُ الْقُبَلَ مَعَ أَقْرَبِ جَارٍ
فِي اِنْتِظَارِ عَوْدَتِهِ.
لَكِنْ
لاَ تُسِيئُوا الظَّنَّ
هِيِ فَقَطْ تَتَلَهَّى إِلَى حِينِ اِنْتِهَاءِ الْحَرْبِ
وَرُجُوعِهِ بِصَدْرٍ يَلْمَعُ
وَبِذَاكِرَةٍ مَلِيئَةٍ بِالْجُثَثِ
تَفْعَلُ ذَلِكَ دُونَ حَيَاءٍ
فَالْحَيَاةُ هُنَاكَ بَسِيطَةٌ وَتُمَارَسُ دُونَ خَجَل.

اَلْمَرْأَةُ هُنَاكَ تُبَدِّلُ طَوَاقِمَ الشِّفَاهِ كُلَّ صَبَاحٍ
هُنَاكَ كَمَا ِللْحَرْبِ أَجْنِحَةٌ لِلْحُبِّ أَجْنِحَةٌ.

مَا يَقْتُلُ
فِي حَدِيقَةِ الشَّاعِرِ
كَانُوا جَمِيعاً وَحِيدِين:
شَجَرَةُ اللَّيمُونِ وَحِيدَةٌ
الكَلْبُ وَحِيدٌ
العُصْفُورَةُ فَوْقَ شَجَرَةِ اللَّيْمُونِ وَحِيدَةٌ
الدِّيكُ وَحِيدٌ
وَأَناَ وَحِيدٌ.

لَكِنْ
لَيْسَتِ الْوَحْدَةُ
هِيَ مَا يَقْتُلُ
بَلْ نَظَرَاتُ الآخَرِينَ
غَيْرِ المتَكَّسِرَةِ
كَطَلَقَاتِ الرَّصَاصِ
الآخَرُونَ يَفْرَحُونَ حِينَ يُشْفِقُون.

الرَّاقِصُون

لَيْلَتَهاَ
كَانَ هُنَالِكَ عَازِفُونَ بِبِدْلاَتٍ مُخْتَلِفَهْ
تُوَحِّدُهُمْ فَرَاشَاتٌ سَوْدَاءُ مَيِّتَةٌ حَوْلَ الْعُنُقِ
لاَ دَفَاتِرَ نُوتَاتٍ يَنْظُرُونَ فِيهاَ.

اَلْمُوسِيقَى تَصلُ صَاخِبَةً
بَيْنَ لَحْظَةٍ وَأخْرى دُخَّانٌ يَصعَدُ
وَلاَ وُجُودَ لِناَرٍ.
تَتَمَاوَجُ النُّهُودُ كَمَاءٍ هَائِجٍ
تَتشَابَكُ الأَيدِي
وَبعْضُ الأعْنَاقِ أَيْضًا
وَتتلاقَى مُؤخِراتُهُمْ في الْهوَاءِ بخفَّةٍ
كَانَ ذَلكَ عَلى إيقَاعِ الصَّالْصَا .

الدُخَّانُ يُغيِّبُ الأجسادَ
تُمَّ مَا تَكادُ
تنْبَعِثُ
أكثَرَ بهاءً
أكثَرَ جُنُوناً.

دَائرَةُ الرًّاقصينَ تَتَّسعُ وَتَضِيقُ
كدَوائِرِ بُحَيرَةٍ اِصْطِنَاعِيَّةٍ
الرَّاقِصُونَ هُمْ أيضاً لاَ بِدْلاَتَ تُوحِّدهُمْ
وَرقصاَتهُم لاَ تَـتَشابَهُ
لاَ رَاقصَ يَرْقصُ كَماَ الآخَر
كُلُّ جسدٍ يَرقُصُ على هَوَاهُ.
بَعضُ الأَجساَدِ المُتعَبَةِ
تَسْتلقِي عَلَى الأرائِكِ، تَغفُو
دُونَ أن تَغيبَ ابْتِساماتُهاَ
تَغفُو كَأموَاتٍ سُعَداء .

السَّاكْسُفونُ حِينَ عُزفَ مُنفَرداً
كَانَ داَفئاً
لَكن لَيْلَتَهاَ لَمْ يَرْقصْ عَلى إيقاعِهِ أَحَدٌ .
الدّخْلَة
تَمَامًا
كَمَا يَحْدُثُ دَوْماً
فِي كُل لَيْلَةِ دُخْلَةٍ :
هِيَ
مُدَانَةٌ حَتّى تَثْبُتَ بَرَاءَتُهاَ
الْحَمْرَاءُ.
تَصْرُخُ
هِيَ تَعْوِي
بِلَذَّةٍ لاَ تُحِسُّهَا كَمَا يَجِبُ
هُوَ أَيْضًا اللَّذَّةُ لاَ تَعْنِيه
مَشْغُولٌ بِإِثبَاتِ فُحُولَتِهِ.

هُمَا فِي اِنْتِظَارِ الأَحْمَرِ
اللَّوْنُ الأَحْمَرُ صَرِيحٌ
وَالمُنْتَظِرُونَ خَلْفَ الْبَابِ
لَنْ يُصَدِّقُوا سِوَاهُ.

***

منير الإدريسي

  • من مواليد الرباط، عام 1976.
  • يعمل أستاذ للفلسفة في إحدى المؤسسات الخاصة.
  • يصدر إلى جانب مجموعة من الأصدقاء نشرة بعنوان: Hors sujet

صدر له:

  • مرايا الريش الخفيف، شعر.

وسائد بيضاء

وجدت من دفء الطبيعة بين وسائد الفجر
كل صباح
أصحو فيَ نرجس الماء على سرير نومتي البيضاء
وفي بهو صحوي البهي
تلهو الرياح بريش الجمال الفاحش
قد أترك بقايا نفسي الملتذة
مثلما يترك الفجر قشور تفاحته
على طاولة المساء
وليكن الموت
كما هو دائما
بياضا رحيما
وأثرا رخاميا لامعا في الشتاء
أما السَماء
فستغدو أشد قربا وقدما
حين تتجمع بجعات النهار حول خبزي .

نابوليون بونابارت

بملعقة أكبر من الفم
بحذاء طويل على مقاس ذوق الشتاء
ستكون لي دوما إمبراطورية الصور السعيدة
فوضى نساء العصر.
خيول خيَالة تمر في طرف الصباحات
أشجار كثيرة كروحي الشاعرة تحركها الرياح
أنا آخر من ينسحب من المعركة
وفي يدي تفاحة نفسي
من يكتب إسمي جيدا
دون أن ينسى وجها آخر:
نابليون بونابارت.

محاورة

ضوء المساء بارد كالسكين
يقسم تفاحة النهار إلى نصفين
بينما كنا نتحاور
وكان هواء البيت مفعما بحديقة ميت.
حين كنت أرى السماء بلون من فرشاة "جيرار دو" في غيمها الخفيض
والأرض مرتفعة بي كما في مطلق ربيع الطفولة
كان يؤكد لي:
أن الحياة فرصة جديدة للموت
والسماء سمفونية هائلة للجحيم.

مرايا الريش الخفيف

سأكون جديرا ببريد رياحك
في صباح
ـ كهذا الصباح البهي بسياجه الأبيض القصير
الذي يحيط حلبة الخيل ـ
لأجد شر اكتمالي في مراياك اللعينة
مرايا الريش الخفيف.

لا أريدك أن تخلعي للرذيلة
جوربيك الطويلين
وحذاء قدميك الذي يؤلم قلبك.