عبد القادر الجنابي

  • من مواليد بغداد، عام 1944.
  • بدأ حياته الأدبية في ذلك الصخب المدوّي للثقافة وهمومها النبيلة في عراق الستينيات عبر ترجماته للشعراء السود من الانكليزية .
  • غادر العراق أواخر كانون الثاني 1970 متوجها إلى لندن، وبعده أجبر على السفر إلى باريس في منتصف عام 1972 أين ما زال يقيم.
  • أسس في عام 1973 أول مجلة سوريالية عربية " الرغبة الإباحية " وأصدر باسمها عشرات الكراريس، كما أصدر بعدها مجلة " النقطة " ومجلة " فراديس "، كما أصدر عدة مجلات باللغتين الفرنسية والانجليزية.
  • كم نشرعدد من الأنطولوجيات بالفرنسية للتعريف بالشعر العربي، منها Le Poème arabe moderne، ضمت 96 شاعرا منذ بدء الخمسينيات وحتى أوائل ثمانينيات القرن الماضي.

صدر له في الشعر:

  • في هواء اللغة الطلق.
  • مرح الغربة الشرقية.
  • حياة ما بعد الياء.

وله أيضا:

  • تربية عبد القادر الجنابي، سيرة، دار الجديد 1994، تمت ترجمتها إلى أربع لغات الفرنسية، الألمانية، الأسبانية، والكاتالانية.
  • معارك من أجل الرغبة الإباحية، وفيها جمعت كل أعماله الشعرية، وصدرت عن دار رياض نجيب الريس.

وله أيضا:

  • كتابان بالإنكليزية هما:
    Stance in the desirt الذي يضم معظم قصائده بالإنكليزية.
    The Nile of Surrealism الذي يحتوي على دراستين حول الحركة السوريالية المصرية والثانية نقد للسوريالية العالمية المعاصرة.

مهاجرو الداخل

ما نريده
ليسَ مصعداً في مبنى الأسماء
ساحة لجنديّ مجهول
مقصاً ينتظرُ قصيدة
خرجت على القافية
بلا ثياب.

قد يذهب الرجل إلى لا رجعة
قد يأتيها في ثنايا الليل
قد ينتفض
فتكون عيناه
صحو البديل.

نريد
ظهيرة في منتصف الليل
قمراً في حضن الشمس
غرفاً لا يثكلُ فيها
ضوءُ النهار
وكتلة هذا النديد
لتزويق القشعريرة
وندبة الخوف.

ما نريده
أصلاً في الأرض.

شكٌ وميثاق
شهادات نحملها معنا
إلى العالم الآخر
صوبَ الأحياء.

ليس الرأس
ولا اليد
ولا الذراع
ولا حتى ذاك التراث.

وإنما خُصلة تاريخ
في مهب الأوراق
يسرّحها مشط الاختلاف .

حُلُم

"... بهذه الطريقة يدخل البطلُ الغابة. لم ينتبه إلى أن المخرج أنأى من هذه الكواكب المندثرة في طمي السماء. توقف عند أوّل شجرةٍ انتصبت أمامه بكل ذكرياتها المليئة بأبطال أشدّ بأساً منه. أخذ ينظر إليها، رأى عصفوراً جد صغير يحاول أن يحط على أحد أغصانها الذي يَغزو إلى السّحاب. والساعات تسري زفرات في الأعالي مختلطة بطشيش الهواء الذي تحدثه عصابة الطير وهي تبرق خلل الشجر. على أنّ سنوات عمره تعبر فيلماً في وحشة الغاب وكأن أشجاراً ترْدفه بأشجار أخرى، بأزمنة لا متناهية، تصيّره إشارة برّاقة في قلب الشيء يتكثف حتى تصير أشياؤه زمناً شعرياً لا نهائياً. أوراق تتساقط من رحلته. طفق يَنفـذ بعينيه إلى أدق التفاصيل. وبِخطفةِ البرق راح حَمار العين اليمنى يصبغُ الغابة كلها، بينما يتطاير شررٌ من العين اليسرى، فيحرق صورة غابةٍ معلقة بشكلٍ مضبوط جداً في غرفة طفلٍ صغير ".

صناعة الشِّعْر

مِنْ ضلع الأفعال تنبجسُ الأسماء، ومن عين الأسماء تنبجسُ الأفعال درجة في سلّم الخلق " فليكن ..."، وهاهي ولادة جديدة للكون. كان المبنى خالياً عندما أنفتح ثقبٌ صغير يؤدّي إلى دائرة السلّم. إنها ساعة الغروب، على أنه في اللحظة التي ارتقيت فيها السلم، بين النائم واليقظان، كان الرجل الذي يعيش في الطبقة العليا مع الجنّ والملاك، قد وصل إلى الدرجة الثالثة نزولاً، بينما رجلي اليمنى بلغت الدرجة الرابعة صعوداً. لكن كلما تمر ثانية، أشعر بأن الدّرَجات تأخذ بالازدياد. وكلّما يُسرى بي، أسمع صوتاً يفيد بأن ربَّ البيت سيرسلُ دابّة يُقالُ لها البُراق، دون البغل وفوق الحمار، يصعد بي إلى سدرة المبنى. كان مجموع درجات السلم ستّ عشرة درجـة. أنّى ينزل أصعد، أنّى أصعد ينزل : مباراة في القدرة على بلوغ الغاية!، وما أن بلغت، حتى تراءت الدرجات وكأنها زحافات يجهش إليها الايقاع ! طفق الرجل يتوقد فيتأجّج وكاد يُشطّر بعضُه عن بَعض من أجل نزلةٍ أخرى، فاصلة مشدودة إلى وتِد بعيد يمكّنه من الثبات. غير أن علة جعلته يتهاوى كتلة نورٍ ترتطم بأسفل السلم فتتشظّى إلى شعل صغيرة سرعان ما يكتنفها رجالُ الأرصاد الطالعون من حوائط المبنى .

الله في كلمة

العجوزُ التي تعيش في الغرفة المقابلة لشقّتنا، والتي كثيراً ما كانت تتأمل في مرآةٍ مشروخة أحناء جمالها المترهل، العجوزُ هذه ... لا أظنّها إلاَّ قد ماتت. منذ ثلاثة أيام وغرفتهـا في ظلام يثير أسئلة جدّ متضاربة في أذهان نُزلاء البناية التي أسكن. لكن ...، لِم هذا الشعور المتشائم بأنّ كلّ غيابٍ هو موتٌ نهائي؟، العجوز هذه، إمّا انزوت عن أنظارنا لغرضٍ إبداعي { ألـم تقل لنا أنها تنادم الكتابة أياما لكي تتخلص من الصور التي جعلتها ضريرة }، وإمّا ذهبت إلى بلد آخر للاستراحة، للتأمل : ربّ هواءٍ صحيح يتسرب من نافذة - ذاكرة بعيدة ... إنّها عجوز قبل كلّ شيء. غيرَ أنَّ ليلة أخرى قد مرّت والظلام هو إزاءُهُ ؟، " فليكن "
صرّح أحدُ النزلاء:" ما دام ليس هنالك من مَعلَم يؤكد لنا موت عجوز. البابُ مبهمٌ فحسب".
إنهُ على حق: " مبهمٌ فحسب". إذن
شيءٌ ما يسري .

هذا الصباح.. ليلٌ يتوهّج

هذا الصباح.. ليلٌ يتوهّج
قُم أطلع أيها الشاعر:

كم من سماءٍ
تتجعدُ جبهتُها في الهاوية
تُرْدِف أشعارَكَ المتظاهرة بالحياء
وأنت تريد أن ترتعي في خبز الشهرة.

أين لحنُك.

ذرِ الذينَ
تِه بالمجهول مسحورا
إلقِ بخبزك في المياه الراهفة
فليس من مثوى.

القصيدة رسمٌ في بؤبؤ التنحّي
بين الفوهة والهدف
السرّة وبثور العيش.

كم من عالم يتراءى في شُقة القول
كِسرة فردوسٍ تَسْفكُ كلَّ ما فيه
وبشرخ لحظة
يَنْدُرُ في متحف وهميّ
ممدّدًا بلا هرير
لا يُكشّرُ حتى عن هَمهمةِ ضوءٍ
يستوقدُها منبوذون في أطواء المدينة.

قم أيّها الشاعر :

إنّك لست إلاّ...
بهذا
أو مت.

ليت الحصانَ كان وحيدًا

إلى محمود درويش

القضيّة ينزُُّ من شفتيها الدم
متمددة على رمل النسيان
يدلك ظهرَها شعاعٌ من الحنين
يوقظُها أدنى الذكريات.

القضيّة شلال من الأوراق
آتٍ بلا مجيء
في لمح البصر
يتلاشى
بين أرجل الشعارات
وحجر الصّوان.

القضيّة حصان
أنْ يخرجَ
ذات يوم كالطفل
من حمّام الجميع
"يمضغ الريحَ"
"ويؤنس البيتَ"
فتُسْجَر آبار
فيها مَصْحاة
من سُكْر التي واللتيّا.

القضيّة
ذا هي
كيلومترات
نجمٌ بَليلٌ
في موجهة البرد
في لجّ سلام
تلحسُ الحربُ ضفافَه.

الشكل والمضمون

حتّى الآن كان اللّيل جذراً يمتد في العوالم الأرضيّة، يغشى البحر والجبال. يمشي فوق الكون متثأْللاً بالنجوم، وما سيكون كائنٌ، في جبته، أصلاً. الليل، عالم الما وراء، تتناغم في هيولاه الأضداد. كان، وحتى الآن، قبراً مفتوحاً تخرج منه الأرواح مثلما تخرج النار من فم التنين يلعب في العين البصيرة، ينام مع السجناء عندما ينام النور في بياض الأرض، حارساً البئر الذي أُلقيت فيها الحقيقة. من فجر الزمن الى منتهى الدهر، أمام الليل المطلق ينحني الظلام... الليل كان على وشك الحلول... حتى الآنَ المجدُ فيه.

بين السطور، يسفك الشاعرُ دمَ شيطانه.

الدّم:

وفقاً سائل أحمر يجري في الأوردة والشرايين وينقلُ العناصر المغذية والنفايات المختلفة لجميع خلايا الجسم، تنقله الشرايينُ إلى مختلف أجزاء الجسم وتعيدهُ الأوردة إلى القلب الذي يقذفُ به إلى الرئتين. القصيدة جزء من جسم الشاعر: لها حصتها في كل ما يتلقى هذا الجسم من دم .

ديدان

عشرات من الديدان تنخر في النص، تأكل حروفَ الجر، الأسماءَ، الأفعال. عشرات من الديدان تنبثق من كلّ زوايا شاشة الكومبيوتر، تنخر الناصبَ والمنصوب، الاسم والمصدرَ وشواذ الإدغام، تنخرُ في الجامد والمشتق، المجرد الثلاثي، الرباعي والمزيد من ديدان ننتجها في جملة النخر الدائر طوال كينونة لا يدركها إلاّ هذا الليل البهيم يؤول إليه مصيرُنا حيث لا بسملة ولا حوقلة، إنما نخرٌ على الدوام في قرائح المصير.

حياة

في ساعة لا شكل لها، يترامى نبأُ موته وكأنه يريد مرّة أخرى أن يدعك الحُجُرات بشمس الأرق، يترنّحَ بين القلم والكأسِ، يحرثَ التسكّعَ في يوم النّاس... كَمَن يختصر سنوات الخمر الضوئية مخالبَ ينشبها في جلد الحياة... كَمَن يترامى من شواهق العصيان ليستقر بين مآبر الأطباء سيان عنده الذاكرة والنسيان !
هكذا مات علي بن عاشور* تاركاً كلَّ شيء يزفرُ في ظلمة خضراء.

* علي بن عاشور شاعر جزائري، توفي في الثاني والعشرين من شباط 1997. وبعد أن بقيت جثته في معرض الجثث أكثر من أسبوعين دون أن يطالب بها أحد ليجعلها تستقر بين أنامل التراب، برزت وصيةٌ تفيد أنّه نذر جثتَه إلى مدرسة الطب التونسي للاستفادة منها في عمليات التشريح. هذا النثر كتب بعد وفاته بيومين .

فاتورة

في المطعم، ذات مساء، يطلب الزبائن طعاماً لا يشتهونه بالضرورة. المرأة التي تجلسُ زهائي، غرق تفكيرُها في لائحة الطعام. لم ينتبه الخادم إلى ما قد طلبته. نظرته كانت تزوغ في القرار. جاءها بفخذِ دجاجة مشوية، قدح من النبيذ، ملعقة وشوكة من الذكريات.

الكتابة مطلقا

إلى رؤوبين سنير

الفجرُ واقفٌ فوق الجبل
أشبه بدجاجةٍ
ينتفشُ ريشُ الليل والبُومة تفتحُ عينيها.

لن ينتظرنا أحدٌ. فنحن كالشيوخ الحكماء شاخصو البصر في قرى الجواب إلى نجم سُرعان ما يغيب. نتحدث إلى أنفسنا بذهن صاف. لبياض أعيننا صرخةٌ عشواء ضد بياض الأرض الغدُ يطرقُ مسامعنا متهدّلاً وكأنّه لسانٌ جسيم يخرج من حلق الأفق.

لا أحد سوانا. النافذة مُلطّخة بالغبش. من محلول المشابهة ظلٌّ يسهر للحراسة.

نُساري أبراجاً بعيدة تتعاقبُ بانتظام، ننهش في جسد الظلام حتى يداهمنا مطرٌ شديد ما يجعل الصمتَ يحمل مظلّته ويمضي إلى شقة القول. وفجأة ينشقُّ القمرُ، فتشرب السماءُ من ماء كلِّ ما أسودّ باصقةً إيّاه في مجاري الكلام.

الأفق شعرة

في ذكرى يوسف الخال

أمّا الشاعرُ المولعُ بالصّور والتعاويذ، فإنّ مناماً يبهره إلى الكتاب. لحظةٌ بيضاءُ تشرقُ فيه . تَتنفّسُ سطورَ اليد وتقاطيعَ الدماغ. وهاهو الضبابُ آخذٌ بالانقشاع تحت أشعة الشاعر المتوهجة في مسالك النّور حيث آثار لا براهين.
ما أنفذ حَرفَه إلى قلب المتلقّي، وخيالُهُ - منعكساً في ماء النّسوة اللواتي حملن ثلج الشيء إلى حنايا الجبال - سهوبٌ من النّسلِ .
ذي هي النبوءةُ تفيضُ مفلولة الحرف
فكلُّ قصيدة ضمير.
وكلُّ ضمير جيل.

نقد الذات

رجلٌ تطير العصافير من معدته، صوب عينيه، تخترق بؤبؤه، تحلق في بياضه. من فُوهة مثبّتة في دماغه، تنطلق رصاصةٌ : الطيور تسقط في الهاوية، والرجل يجد نفسه عاريا أمام ماضيه.

القطيعة

في حجرة لا باب لها، كان رجل، ربطة في عنقه، يبحث عن ماضيه الثقافي في ديار المخطوطات. وفي زاوية قائمة بين الأطلال، تذكر أن المفتاح الذي في يديه بلا جدوى. أيموت على حوافي المعلقات مغطى برغوة التأويل، أم يطيش إلى وهج التغيير، تاركاً الذباب تتهافت على " نور" أطفأته الأحداث. بضربة واحدة، كسر قفل النوم، وشربَ الأفق بكأس نظرةٍ. غَداة غدٍ، تتعالى الحان النّاي !.

موت

والآن بعد أنْ حلَّ المساءُ، وطفِقت طيور الشارع تأمنُ إلى أعشاشِها، عليّ أن أقعد هنا وأترسَّمَ الساعةَ وأنا بمَسْمَع من الموسيقى. أخذَ ضجيجُ الآخرين يخفّ شيئاً فشيئاً. الكتابُ مفتوحٌ على صفحةٍ جاء في نهايتها : " كلُّ الأشياء الحيّة، الشجرةُ، الصحراءُ، ميلادُ الكلمة في القلب، اللمعانُ في الخارج، لها رائحة العدم ". نهضتُ لآتي بقلمٍ وورقةٍ. فرأيتُ ما كنتُ أحسبه جملاً مفيدة، أطيافاً تحملُني إلى السفح الثاني من الحياة، إلى زرّ كان يكفي أنْ أضغطه فينطفئ الضوء
حزينةٌ هي الظلال، في حجرة الغياب الطويل. تبحث وحدها في قمامة العتمة عن غبار النجوم.

***

عبد الهادي سعدون

  • من مواليد بغداد، عام 1968.
  • حاصل على بكالوريوس لغة وأدب إسباني/ جامعة بغداد/كلية اللغات، عام 1992، ويعد للدكتوراه في جامعة مدريد (أوتونوما) كلية الفلسفة والآداب.
  • عمل في التدريس بمدريد بين عامي 1994 – 1996.
  • ثم عمل في الصحافة كاتباً، ومراسلاً، ومحرراً ثقافياً، في العراق وإسبانيا.
  • ويشغل حاليا محررا ثقافيا لمجلة آمانثير [Amanecer ] المدريدية إسبانيا منذ عام 1997 حتى اليوم.
  • أسس في سنة 1997 مع الكاتب محسن الرملي دار ومجلة ألــواح.
  • يقيم في إسبانيا منذ عام 1999.

صدر له:

  • تأطير الضحك، شعر، إسبانيا 1998.
  • ليس سوى ريح، شعر، إسبانيا 2000.
  • اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر، قصص، دمشق 1996.
  • إنتحالات عائلة، قصص، الأردن 2002.
  • كنوز غرناطة، رواية للأطفال، الإمارات 1997.

كما أصدر بالإسبانية:

  • عودة الشيخ إلى صباه، منتخبات إيروتيكية عربية، إيبريون - مدريد 2003.
  • ليس سوى ريح، شعر، دَبنير - مدريد 2003.
  • وترجم العديد من الكتب الأدبية من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية، منها خاصة:
  • قلب ناصع البياض، رواية لخافيير مارياس.
  • أغنيات إلى الطير، شعر لرافائيل ألبرتي.
  • الحجر ليس بريشة، شعر لبيثنته أليكساندره.
  • فضائل الطائر الوحيد، رواية لخوان غويتسولو.

alwahmadrid@yahoo.es

سمكات ميتات

السمكات الميتات قرب النافورة
هل يشعرن بالبرد الهابط من عليائه ؟
هل ينظرن إلى مئزري الجديد
وهو يربطني كحزام
أو يؤرجحني مع الطير في ريحه ؟
وأنا أعبرهن كل يوم
في الحافلة
بينما رجل النافورة
منحنياً
يلمع صدفاتها الحجرية
السمكات الميتات
بماذا يفكرن دون سباحة ؟
وثبتها
يا للبوة
وثبتها كقدرٍ يغلي
بينما ظلها يجرها بـِـوَلَهٍ
شوكة قلبها تلك
تخاتلها بالجوع
اللبوة
أنيابها الصالحة لترميم أسوار أثرية
من تلك التي تلصفُ بالمصادفة
تلتمع بوجوهنا نحن الجالسين عند أول صف
حتى وهي تنتفض كريشة
وثبتها التي تسترعي إنتباهنا
وأشياء أخرى
لعلها ذكرى الأولين
ربما هو الأعمى
وكذلك سبولفيدا يروي سيرة عجوز
يقرأ رواياتٍ وردية
وهي لا تخرج عن تلك التي جمدت السهام عند حلقها
في طينة لآشور تكتشف بعد حين
ربما كل شيء
سوى الوثبة
اللبوة وهيئتها التي نراقب
أبعد من إصبع كريستال
كذا نلمحها
وكذا تحتضر
وثبتها
التي ترسمنا
ونحن جلوس.

سرفات دبابة

هنا الناس مسالمون
يمنحون خدهم أيسر وأيمن
ولو بقي الأكثر لتغافلوا عن مصيره
بينما شفتاك تتعاركان عن لفظ يُذكِّر بالأحمر.

الناس
هنا
لا يدركون الشر
يتقفصون بالملل ـ أقصد طيبتهم ـ
هم لم يسمعوا بحرب
وكأن سبيلبرغ لم يغزهم بديناصوراته
ولا تمرغوا بستر كوبريك الحديدية
أقول لهم يا لفطنتكم
وأحتمي بمظلتهم.

الناس هنا
يضحكون طويلاً
بلا خوف
ويمسحون على لحيتي النامية
و يكركرون:

ـ أسرد ما تعرف عن سرفات دبابتك ؟
سـ .. ـر فـ .. ـا .. ت
ثم يجرجرون الكلمات كطَولِ قماش.

الناس هنا
يظنوني حكواتياً
وبرفقٍ يضمونني إلى أحضانهم.

هي اللحظة

هي اللحظة
ظلها
قد أكون
مثل حُمرتها
وغارِقٌ بالحبر.

اللحظة
مسمياتها التي تتناطح
وغفلة جدرانها
التي لا تستريح
أو تستخير
كلها وجوفها
بلا محيط.

اللحظة
يا لعدمها
أقرصها بين همهمة وثانية
تماماً كما الآن
ما يقربني منها صريرها
خفتها كقرص حديد
يتدحرج
وأنا
أرقبها.

اللحظة
تمضي
وتجيء
أنا
الذي
لا أمضي
ولا أجيء.

ثمة أشياء تطرأ

ثمة أشياء تطرأ وأنا نائم
البارحة
أججت الجارة العانس حجرات البناية
فغرقنا بالنار
النار التي تطرأ
كل لحظات انفراج ساقيها.

ثمة أشياء أخرى
مثل أن أنام كل يوم من السابعة حتى السابعة
ـ لأن لا وقت فائض لدي ـ
مثلاً:

يمرُ طارئون
وتغفو جارتنا الأخرى
عند عتبة شقتها الفارغة
سوى من صياح أرواح
وخشخشة أوانٍ من عهد ألفونسو الثالث عشر
أو شيء كهذا.

ثمة أشياء بعد
أن أستمر بالنوم
ولا أجد مَنْ يخبرني بما يدور
الباعة
أسفل بنايتنا
وهم يسرقون كتبي ليبيعوها كواغد للغجر
يتحسسون هجعتي
هادئة
مخيفة لهم
يبتسمون برقة
الخضار
والطماطم التي يتحسسونها كجسدي
وهم يضعونها على رفوف المطبخ
بصبغته المقشطة
لا شيء يطرأ
حتى وهم يتحسسون بعضهم بالعدوى.

لا شيء
أحاول أن أحزر الضياء من ضفاف الظلمة
فأخيب
أفركُ رقبتي استعدادا للراحة
كل اليوم
أنام من السابعة حتى السابعة
وأنتظر أن يطرأ شيء
هكذا
نومتي المخيفة.

نهزها فتـذبل

كل شيء في مكانه
التفاصيل قد تحركت
فيسوافا شمبروسكا
المحطات
المغرية
تهذب إبتسامتها
فأضع رأسي على مخدتها
أحلامها السراع كالبواشق تجدف عند رقبتي
هي الأخرى مغرية
نقتفي بحرها
فلا نقاط.

المحطات
المتباعدة الفخذين
نفرك لها زغبها المُر الراعش
نهزها فتذبل
نعد لها الفواصل
ما بين لسان وآخر
نعيد عليها غزلها
هي المخاتلة
لماذا نقتسم الفراش معها ؟
لماذا نجيرُ لها بلاطاتها في الشتويات الخارة ؟
لماذا نشذب شغفات قضبانها
المزرية من التقشر؟
لماذا نرقبها مع كل زغب في الإبط ؟
لماذا في اللحظات الخارقة
مع قطاف الزيت في علبه ؟
لماذا نجاهر بمعارفها
الآن وأنا أضع اللماذات دون ترتيب ؟.

المحطات
التنقل بلا صرير من زاوية إلى أخرى
أو أن تهجر الأضوية في غران بيّا
مخلفاً المورسكيين يتطوحون
تنهداً أو حسرة أو للاشيء
شعور كهواء.

المحطات
التي أخشى تعدادها
عليّ أن أبرز أضلاعها
وأكشف عن حشراتها المضيئة وأوبئتها
مَنْ يقربها حينذاك
ينحني باتجاهي ؟
علامة التعلق أو الإستشارة أو التأكد ـ سواء ـ
ما هي سوى أن تريض ربضتا الساقين.

المحطات
المغرية
نسمعها فتقف
تسمعني فأذبل
نهزها كذلك.

المحطات

أنحني فتلاحقني الحفر
أتشبث بالحفر
واطئة
والسيقان
أيها تنحني
فتلم الكرات المارقة بقربي
الحفر المضيئة
واطئة
تكتسب لجلدتها السكون
لا مفر من البوح بعد ذلك
أن تركض وخلفك ناضجة
الحفر
إذ ليس لك كل لحظة
وبهاتين الساقين
اتقان القرفصة
أو تمرر ارتباكك
الحفر بارعة
ولا أثر يدلك إلى مخارج المدينة
الحفر بعيداً عن شبيهاتها
تلمُ أطرافها بهزة واحدة
الحفر
والخطوط التي تكتسب شكلها
أنحني كأي مستسلم
تلاحقني
واطئة
فأستكين.

مراهنة

أراهنُ الريح بالإغارات الخطيرة
أكشف عنها سيقان الحقول
ومضاجعاتها في لحظات الجُب الطافية
أراهنها بالنار
أقول لها يا حمراء
وأنت بلا رداء سوى التطوح
أراهنها بالببغاء
تقيدُ القفص
تتقن المزاح أو الصمت
فالغابة خطر على حريتها
أراهن الريح
بنظارات ككعب قدح
لعلي أجاهدُ المسافات
فأقصرها عند عتباتي
أراهنها
الريح
بلا دوران أو مشدات ظهر
أراهنها
وتستطيب راحتي
نتشبثُ بالأوتاد
فلا نطير.

القُـرب

صعبٌ أن تتفرق بينما أنت تتصمغ
ذلك أنه خجول
وأخرى منتحل
أن تحاول الإختراق
تجر الآخر
في وجهته إليك.

صعب أن تحاول كل اليوم
والليل بانكشافه
الحروب نتركها كذلك
فلها مختصراتها المفيدة
وعلامات تعجبها
ولذاذاتها.

أي اقتراب
ينصفني إلى كثُر
يا للقسمة.

سنكون كلانا
أوحده
والمتفرجون
جمـعٌ
وهم ينصتون إلى العلو
البعيد عنكَ
ما أقربني.

لَـصــق

خيولنا المنجزة
من صمغٍ
وخشب بمساميره
نحملها حتى فضائها
فتركلنا تواً
يا لإغفاءتها
خيولنا المنجزة
تفكنا ضلعاً ضلعاً.

شروط التحديق

كم تحفزني دون ترتيب:

ـ الكراسي المحنية.
ـ الخيل المطأطئة شعفة الرأس.
ـ اقتفاء خطوات الشارع.
ـ نهر لا يعلم قبل الآن مصيره المسجون بمراقبة عيون قبيحة.
ـ وجوه تقتفي السعادة وألم الروح ينكشف كقشرة الرأس بأقل اهتزاز.
خلاصة:

الكراسي
الخيل
النهر
الوجوه
وأنا
حين لا أكف عن ممارسة التحديق في المرايا.

طـيــر

في البدء
أدهشتني مفاجأة الآخرين
حين فكروا بإرجاعي بعيداً
حتى الزمن المنتهي.

في البدء
أغرتني تجربة النزول
وحتى لا أدرك فائدة السلالم
تركتُ ليدي مهمة الطيران.

بـريد

ما زالت رسائل البريد تحمل لمعاناً يبكيني
وأنا أسألُ ساعيه
فيجيبني بابتسامة.

***

عبد الوهاب البياتي

  • من مواليد بغداد، عام 1926.
  • توفي عام 1999.
  • تلقى تعليمه في بغداد، وتخرج من دار المعلمين العليا حاملاً الإجازة في اللغة العربية عام 1950.
  • اشتغل مدرساً 1950- 1953.
  • مارس الصحافة 1954 في مجلة " الثقافة الجديدة " لكنها أغلقت، وفصل عن وظيفته، واعتقل بسبب مواقفه السياسية.
  • سافر إلى سورية ثم بيروت ثم القاهرة.
  • زار الاتحاد السوفييتي 1959 - 1964، واشتغل أستاذاً في جامعة موسكو، ثم باحثاً علمياً في معهد شعوب آسيا.
  • في سنة 1963 أسقطت عنه الجنسية العراقية، ورجع إلى القاهرة 1964، وأقام فيها إلى عام 1970.

صدر له العديد من الكتب، أهمها:

  • ملائكة وشياطين، شعر، بيروت 1950.
  • أباريق مهشمة، شعر، بغداد 1954.
  • المجد للأطفال والزيتون، شعر، القاهرة 1956.
  • رسالة إلى ناظم حكمت وقصائد أخرى، شعر، بيروت 1956.
  • كلمات لا تموت، شعر، بيروت 1960..
  • النار والكلمات، شعر، بيروت 1964.
  • بكائية إلى شمس حزيران والمرتزقة، شعر، بيروت 1969.
  • يوميات سياسي محترف، شعر، بيروت 1970.
  • سيرة ذاتية لسارق النار، شعر، بيروت 1974.
  • قمر شيراز، شعر، بيروت 1978.
  • تجربتي الشعرية، سيرة، بيروت 1968.
  • محاكمة في نيسابور، مسرحية، بيروت 1963.

أولد وأحترق بحبي

(1)

تستيقظ (لارا) في ذاكرتي: قطًّا تتريًّا، يتربص بي، يتمطَّى، يتثاءب
يخدش وجهي المحموم ويحرمني النوم. أراها في قاع جحيم المدن
القطبية تشنقني بضفائرها وتعلقني مثل الأرنب فوق الحائط مشدودًا في خيط دموعي
أصرخ: (لارا) فتجيب الريح المذعورة: (لارا) أعدو خلف الريح وخلف
قطارات الليل وأسأل عاملة المقهى. لا يدري أحد. أمضى تحت الثلج
وحيدًا، أبكي حبي العاثر في كل مقاهي العالم والحانات.

(2)

في لوحات (اللوفر) والأيقوناتْ
في أحزان عيون الملكات
في سحر المعبودات
كانت (لارا) تثوي تحت قناع الموت الذهبي وتحت شعاع النور الغارق في اللوحات
تدعوني، فأقرب وجهي منها، محمومًا أبكي
لكن يدًا تمتد، فتمسح كل اللوحات وتخفي كل الأيقونات
تاركة فوق قناع الموت الذهبي بصيصًا من نورٍ لنهارٍ مات.

(3)

(لارا! رحلتْ)
(لارا! انتحرت)
قال البوَّاب وقالت جارتها، وانخرطت ببكاءٍ حارْ
قالت أخرى: (لا يدري أحد، حتى الشيطان).

(4)

أرمي قنبلة تحت قطار الليل المشحون بأوراق خريف
في ذاكرتي، أزحف بين الموتى، أتلمس دربي
في أوحال حقولٍ لم تحرث، أستنجد بالحرس الليلى
لأوقف في ذاكرتي هذا الحب المفترس الأعمى، هذا
النور الأسود، محمومًا تحت المطر المتساقط
أطلق في الفجر على نفسي النارْ.

(5)

منفيًّا في ذاكرتي
محبوسًا في الكلماتْ
أشرد تحت الأمطارْ أصرخ: (لارا!)
أصرخ: (لارا!)
فتجيب الريح المذعورة: (لارا!).

(6)

في قصر الحمراء
في غرفات حريم الملك الشقراوات
أسمع عودًا شرقيًّا وبكاء غزال
أدنو مبهورًا من هالات الحرف العربي المضفور بآلاف الأزهار
أسمع آهات
كانت (لارا) تحت الأقمار السبعة والنور الوهاج
تدعوني فأقرب وجهي منها، محمومًا أبكي
لكن يدًا تمتد، فتقذفني في بئر الظلماتْ
تاركة فوق السجادة قيثاري وبصيصًا من نور لنهارٍ ماتْ.

(7)

(لم تترك عنوانًا) قال مدير المسرح وهو يَمُطُّ الكلمات.

(8)

تسقط في غابات البحر الأسود أوراق الأشجارْ
تنطفئ الأضواء ويرتحل العشاق
وأظل أنا وحدي، أبحث عنها، محمومًا أبكي تحت الأمطار.

(9)

أصرخ: (لارا!) فتجيب الريح المذعورة: (لارا) في كوخ الصياد.

(10)

أرسم صورتها فوق الثلج، فيشتعل اللون الأخضر في عينيها والعسليُّ
الداكن، يدنو فمها الكرزيُّ الدافئُ من وجهي، تلتحم الأيدي بعناق
أبدي، لكن يدًا تمتدُّ، فتمسح صورتها، تاركة فوق اللون المقتول
بصيصًا من نورٍ لنهارٍ ماتْ.

(11)

شمس حياتي غابت. لا يدري أحد. الحب وجود أعمى ووحيد ما من أحدٍ يعرف في هذا المنفى أحدًا. الكل وحيدٌ. قلب العالم من حجرٍ في هذا المنفى – الملكوتْ.

الموت في غرناطة

عائشةٌ تشقٌّ بطنَ الحوت
ترفع في الموج يديها
تفتح التابوت
تُزيح عن جبينها النقاب
تجتاز ألف باب
تنهض بعد الموت
عائدةً للبيت
ها أنذا أسمعها تقول لي لبَّيكْ
جاريةً أعود من مملكتي إليك
وعندما قبَّلتها بكيتْ
شعرت بالهزيمة
أمام هذي الزهرة اليتيمة
الحبُ
يا مليكتي
مغامرة
يخسر فيها رأسَهُ المهزوم
بكيتُ
فالنجومْ غابتْ
وعدتُ خاسرًا مهزوم
أُسائلُ الأطلالَ والرسوم
عائشةٌ عادت
ولكني وُضعتُ
وأنا أموت
في ذلك التابوت
تَبادَلَ النهران مجريهما
واحترقا تحت سماء الصيف في القيعان
وتركا جرحًا على شجيرة الرمان
وطائرًا ظمآن
ينوح في البستان
آه جناحي كسرته الريح
وصاح في غرناطة
معلم الصبيان
لوركا يموتُ
ماتْ
أعدمه الفاشست في الليل على الفرات
ومزقوا جثته
وسملوا العينين
لوركا بلا يدين
يبثّ نجواه إلى العنقاء
والنورِ
والتراب
والهواء
وقطراتِ الماء
أيتها العذراء
ها أنذا انتهيتْ
مقدَّسٌ
باسمك
هذا الموت
وصمت هذا البيت
ها أنذا صلَّيت
لعودة الغائب من منفاه
لنور هذا العالم الأبيض
للموت الذي أراه
يفتح قبر عائشة
يُزيح عن جبينها النقاب
يجتاز ألف باب
آه جناحي كسرته الريح
من قاع نهر الموت
يا مليكتي
أصيح
جَفّتْ جذوري
قَطَعَ الحطّاب
رأسي وما استجاب
لهذه الصلاة
أرضٌ تدور في الفراغ ودمٌ يُراقْ
وَيحْي على العراق
تحت سماء صيفه الحمراء
من قبل ألفِ سنةٍ يرتفع البكاء
حزنًا على شهيد كربلاء
ولم يزل على الفرات دمه المُراق
يصبغ وجهَ الماء والنخيل في المساء
آه جناحي كسرته الريح
من قاع نهر الموت
يا مليكتي
أصيح
من ظلمة الضريح
أمدُّ للنهر يدي
فَتُمسك السراب
يدي على التراب
يا عالمًا يحكمه الذئاب
ليس لنا فيه سوى حقّ عبور هذه الجسور
نأتي ونمضي حاملين الفقر للقبور
يا صرخات النور
ها أنذا محاصرٌ مهجور
ها أنذا أموت
في ظلمة التابوت
يأكل لحمي ثعلب المقابر
تطعنني الخناجر
من بلد لبلد مهاجر
على جناح طائر
- أيتها العذراء
والنور
والتراب
والهواء
وقطرات الماء
ها أنذا انتهيت
مقدّسٌ
باسمك
هذا الموت.

العرب اللاجئون

يا مَنْ رأى أحفاد عدنانٍ على خشب الصليب مُسّمرينْ
النمل يأكل لحمهمْ

وطيور جارحة السنين
يا مَنْ رآهم يشحذون
يا من رآهم يذرعون
ليلَ المنافي في محطات القطار بلا عيون
يبكون تحت القُبعاتِ
ويذبلونَ
ويهرمونْ
يا مَنْ رأى " يافا " بإعلانٍ صغيرٍ في بلاد الآخرينِ
يافا على صندوق ليمون معفرة الجبين.

(2)

يا مَن يدق البابَ
نحن اللاجئين
مُتنا

وما " يافا " سوى إعلان ليمونٍ

فلا تُقلق عظام الميتين.

(3)


" الآخرون هُمُ الجحيم "
" الآخرون هم الجحيم ".

(4)

باعوا صلاح الدينِ
باعوا درعه وحصانه
باعوا قبور اللاجئين.

(5)

من يشتري ؟

- الله يرحمكم
ويرحم أجمعين
آباءكم، يا محسنون –
اللاجئَ العربي والانسان والحرف المبين
برغيف خبزٍ
إن أعراقي تجف وتضحكون
السندباد أنا
كنوزي في قلوب صغاركم
السندباد بزي شحاذٍ حزين
اللاجئُ العربي شحاذ على أبوابكم
عارٍ طعين
النمل يأكل لحمه
وطيور جارحة السنين
من يشتري ؟ يا محسنون !.

(6)

" الآخرون هم الجحيم "
" الآخرون هم الجحيم ".

(7)

العار للجبناءِ
للمتفرجينْ
العار للخطباء من شرفاتهم
للزاعمين
للخادعين شعوبهم
للبائعين
فكلوا ، فهذا آخر الأعياد، لحمي
واشربوا ، يا خائنون !.

عبدالرزاق الربيعي

  • من مواليد بغداد، عام 1961.
  • حاصل على شهادة بكالوريوس آداب من جامعة بغداد 1986.
  • عمل في الصحافة الثقافية وفي التعليم الثانوي.

صدر له عدد من الأعمال، أهمها:

  • إلحاقا بالموت السابق، شعر، بغداد 1986.
  • حدادا على ما تبقى، شعر، بغداد 1993 .
  • شمال مدار السرطان، شعر، دار ألواح، بمدريد 2001.
  • كواكب المجموعة الشخصية، شعر، القاهرة 2004.
  • وطن جميل، شعر للأطفال، بغداد 1985.

كما أصدر عدد من المسرحيات كــ:

  • كأسك يا سقراط، مسرحية شعرية.
  • آه أيتها العاصفة.
  • البهلوان.
  • ضجة في منزل باردي.
  • الصعاليك يصطادون النجوم.
  • ذات صباح معتم.
  • حلم في فنجان.

قلوبنا وصلت .. شكراً لساعي البريد

قلوبنا التي وصلت
وصلت مبللة:
مثل وقوف الأمهات بانتظار البحارة الغرقى
بعد أن شبعوا موتاً
وحصى
وزرقه
تحترب روحي بأتربتها الثقيلة
بانتظار وجوه الملوك
ورؤساء الدول
عندما يصطفون
على يسار ختم البريد.
ـــــ
قلوبناالتي وصلت
وصلت ممزقة جزئياً:
( أخوة بروتس )
هكذا أسمّي أصدقائي
كلما حشرت قلبي
بكامل نبضاته
في فراغ الصندوق.
ـــــ
قلوبنا التي وصلت
وصلت مفتوحه
الموتى بائسون
لأن الرسائل لا تنمو على شرفات منازلهم
ومن حسن الفجيعة
أنهم لا يحبّذون الرواح إلى دوائر البرق
ولا يشخّصون أبصارهم في أطراف حمام الزاجل
ألهذا ننتظر برقياتهم
ملوّحين لهم بالدموع
قبيل صلاة كل فجر؟.
ـــــ
قلوبنا التي وصلت
وصلت ملصقة بشريط شفّاف
علّمني قلبي المستدير
أن ألقي المحبّة في تابوتٍ من ورق
وأزرع نهراً لصق أوجاعي
وأختم على أسراري بالعشره.
ـــــ
قلوبنا التي وصلت
وصلت تالفه:
أُغادر (عمّان) مثلما ولدتني مدينتي
عارياً إلا من الأورام
أورام بسبب البطالة السميكه
أورام بسبب احتراق الإقامه
..... بسبب جاري الذي لم يقل لي
(صباح الخير)
أغادر (عمّان)
حاملاً قبضة مطر
وطيناً يتدلى من أسفل بنطالي
أحكّه بشموس (صنعاء)
هكذا تتلاقح العواصم العربية
لتزهر متشردين جدد.
ـــــ
قلوبنا التي وصلت
وصلت ممزقاً غلافها
تتقلّب الرياح
تتقلّب الملائكة على المضاجع
تتقلب الخطى الرنانة نحو الحلم الفردي
يتقلبون على مرتفعات عشيقاتهم
كلّما عصر أضلاعي
منخفض جوّي.
ــــ
قلوبنا التي وصلت
جاء فيها مايلي :
نموذج 1
(إيه ياشواطيء الروح، هل لازال هناك متّسع لحلم آخر ؟
هل من زاوية أخيرة لمتشرد شرقي قديم ؟
هل في هذه الأكوان المترامية فسحة بحجم أظفر اليد
لنعتصم بها احتجاجاً ؟
لقد كانت رسائلكم نوعاً من الجنون
مسحة من الدعابة، دعابة التسربل في أزقة السفارات
والنوم على السطوح، أعتقد أنكم لا تعرفون ماذا مرّ بنا في صحراء (مكة) ؟
كلوا أي شيء.. ناموا في العربات والشوارع
هكذا هو الثمن باهظ).
لاجيء عراقي.

نموذج 2
(خالي .. إننا مشتاقون لك كثيراً
الله يخليك ارجع ارجع ارجع).
فائزه في 8/11/1994.


نموذج 3
(أخبروا أهلي أن أبا صلاح سافر إلى (ليبيا) من الأردن
عن طريق (السودان) يوم الأحد 20/11 ويسلّم عليكم).
وصيّة.
ـــــ
قلوبنا التي وصلت
وصلت على العنوان التالي
اليمن:
باب يؤدي
إلى باب يؤدي
إلى باب
يؤدي إلى
ربطة قات.
صنعاء:
هرولة (الجغرافيا) على كتب التاريخ
ص.ب: من اليمين إلى اليسار.
فأس مقدّس
خصر النملة الفارهه
قوسان يلعبان (الأكروباتيك)
دودة تتوجع
ناي يتهجى العزف المنفرد
ومنه ليد:
رجل الثلج بعينيه المملوءتين حصى
وبساقيه الجلجامشيتين
وبأسراره اللبنيه.
ـــــ
قلوبنا التي وصلت
وصلت
شكراً لساعي البريد.

ملهاة عراقية

سادتي يا كرام ْ
اعذرونا
إذا ما طوينا
ستارة (ملهاتنا)
قبل فصل الختام ْ
فقد طال هذا المساء كثيراً
ونحن تعبنا
من الرقص كالطيرِ
إثر اهتزاز طبول الحروب الرخيصةِ
بين عيون ٍ مزيفةَ الضوءِ
تعبنا من الاحتضار ِ
بحضرةِ رث الكلامْ.

اعذرونا
إذا ما طوينا
ستارة (ملهاتنا)
قبل فصل الختامْ
فقد طال صمت الملايين
طــــــــــــال
ونحن تعبنا من العالمين
الذين
بكل جهات الفجيعة
يتكئون
على صرخات بنينا المريعة
في ساعة الاحتدام.

اعذرونا
إذا ما طوينا
ستارة (ملهاتنا)
قبل فصل الختام ْ
فقد طال عنق (الفرات)
المعلَّق فوق الرماح
ونحن تعبنا
من الريحِ
وهي توزع
ما جادت القاذفات
من (اليورانيوم المنضب)
والأضرحةْ
تعبنا من المذبحةْ
وهي تسير بنا
للخلاص
إلى مذبحةْ
وتعبنا
من الطائرات التي مزقتْ
كلما عطشت
للسماء
صلاةً لأمي َ
قبل المنام.

اعذرونا
إذا ما طوينا
ستارة (ملهاتنا)
قبل فصل الختامْ
فقد طال سجن الأسير
ونحن تعبنا
من القصف ِ
والزحف ِ
فوق الجراح التي ألغموها
بأطرافنا
كي تطير إلى الله
تعبنا
من الصلب ِ
والنوم في الجب ِ
في الحيف ِ
في شفرة السيف ِ
وهي تهرول
فوق الرقاب الكليلة ِ
باسم السلام ْ.

اعذرونا
إذا ما طوينا
ستارة (ملهاتنا)
قبل فصل الختام ْ
فقد طال نوم الضحية ِ
تحت مُدى القاتلين
ونحن تعبنا
من (البارجاتِ)
تقطع أوصال ليل المحبين
عند محيطات آهاتنا
من الشمس
وهي تجفف
كل صباح يمر
دماء المساء الأخير
من الجرح سالَ
ليصبغ لون السماء الحنونةِ
بالأرجوانْ
وأشلاء حزن الحمام .ْ

اعذرونا
إذا ما طوينا
ستارة (ملهاتنا)
قبل فصل الختام.

يا..
(حطاب)

أرجوك
لا تصدق مصور وكالة (رويترز)
عندما لملم
بقع الدم
ونثرها
على وجه أميرتك الفستقية
فأمطرها بالضوء
مثلما كان الصباح
يمطرها بالقبل.

لا تصدق
يا (حطاب)
الشعراء
وهذر(الفضائيات) ـ عفوا أطوار ـ
فأميرة الفستق
مضت في مهمة عاجلة مفتوحة
تعد تقريرا عن الآخرة
لتتابع أحوال العراقيين هناك
ولا تقلق يا (حطاب) على عينيها الخضراوين
فهي في ضيافة القديسين
والشهداء
وهناك ـ كما تعلم ـ لا توجد مسدسات
ولا سيوف
ولا بيانات على (الأنترنيت)
ولا لحى مفخخة
يا (حطاب)
لا تصدق نصوص الرصاص
في السواتر الخلفية
- دعك الآن من الأمامية
ومن وسدت ...أيها القلب -.
دعك من كل هذا الآن
فعندما يتكلم الرصاص
الأحرى بـ(البهجة) أن تصمت
وهي لا تجيد
سوى الحب
ولهذا لا ترد الآن على اتصالاتك الذبيحة
يا حطاب
يا حطاب
يا حطاب
قلت لك ألف مرة
تجنب النساء الرائعات
أنظر إلى نفسك اليوم في الفضائيات
لاحظ جيدا
كيف بدوت
كهلا
وأشعث
مثل طفل يتيم ؟
قلت لك ألف مرة
لا تصدق الموت
إنه ثوب ترتديه الملائكة
كلما ضاقت بها الواسعة
حدق في أميرتك
في الصورة
لقد ضاقت ذرعا بالخراب
فعبرت بثوبها الفستقي
إلى حدائق النور
لتغدو هناك
سفيرة لنا فوق العادة.

***

عدنان الصائغ

من مواليد الكوفة، عام 1955.
عمل في بعض الصحف والمجلات العراقية والعربية.
عضو في العديد من الهيئات كـ:

  • اتحاد الأدباء العراقيين.
  • الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
  • عضو اتحاد الأدباء السويديين.
  • عضو نادي القلم الدولي في السويد.
  • غادر العراق صيف 1993 أثناء مشاركته في مهرجان جرش في عمان، وأقام فيها، ثم أنتقل إلى بيروت عام 1996، حتى استقراره في السويد، حيث يقيم حالياً.

صدر له عدد من الأعمال، أهمها:

  • انتظريني تحت نصب الحرية، 1984 بغداد.
  • أغنيات على جسر الكوفة، 1986 بغداد.
  • العصافير لا تحب الرصاص، 1986 بغداد.
  • سماء في خوذة، 1988 بغداد.
  • مرايا لشعرها الطويل، 1992 بغداد .
  • غيمة الصمغ، 1993 بغداد.
  • صراخ بحجم وطن، مختارات شعرية، 1998 السويد.
  • تأبط منفى، طبعة أولى، 2001، السويد، طبعة ثانية، 2004 القاهرة.

كما ترجمت قصائده إلى عدد من اللغات، كالسويدية، الإنجليزية، الإيرانية، الفرنسية و..غيرها، وصدرت في بعض الكتب منها:

  • مختارات شعرية، بالهولندية، ترجمة ياكو شونهوفن Jaco Schoonhoven.
  • تحت سماء غريبة، بالأسبانية، ترجمة دار ألواح مدريد..
  • الكتابة بالأظافر، بالسويدية، ترجمة ستافان ويسلاندر Staffan Wieslander .
  • حاصل على جائزة هيلمان هاميت العالمية للإبداع وحرية التعبير في نيويورك، عام 1996 HELLMAN HAMMETT، وجائزة مهرجان الشعر العالمي في روتردام، عام 1997 INTERNATIONAL AWARD POETRY .

يوليسيس

على جسرِ مالمو
رأيتُ الفراتَ يمدُّ يديهِ
ويأخذني
قلتُ:

أينَ ؟
ولمْ أكملِ الحلمَ
حتى رأيتُ جيوشَ أمية
من كلِ صوبٍ تطوقني
وداعاً لنافذةٍ في بلادِ الخراب
وداعاً لسعفٍ تجردُهُ الطائراتُ من الخضرةِ الداكنةْ
وداعاً لتنورِ أمي
وداعاً لتاريخنا المتآكلِ فوق الروازين
وداعاً لما سوفَ نتركهُ في اليدين
وداعاً
نغادرهُ الوطنَ المرَّ
لكنْ إلى أين ؟
كلُّ المنافي أمرّ.

ـــــ
النخيلُ الذي ظلّلتني طوالعُهُ
لمْ يعدْ منه غير بقايا تصاوير شاحبةٍ
ومصاطب فارغةٍ
وجذوع مشانق ترنو لأعناقنا الحالمةْ
والفراتُ الذي عمدتني مواجعُهُ
لمْ يزلْ سادراً بأنينِ القرى الهائمةْ
آه
عوليس
ليتكَ لمْ تصلِ الآنَ
ليتَ الطريق إلى Malmo كانَ أبعدَ
أبعدَ
أبعدَ
أبعد
………
أيهذا الغريبُ الذي لمْ يجدْ لحظةً مبهجهْ
كيف تغدو المنافي سجوناً بلا أسيجةْ.

سيرة ذاتية لكاتم صوت

1

لماذا يلمعني هذا السيد الأنيق
كل صباح
وهو يمضي إلى مهمته الغامضة.

2

وراءَ زجاجِ إحدى المكتبات
ظلَّ صاحبي يختلسُ النظراتِ إلى وجهِ رجلٍ
كان يقلّبُ كتاباً
حين وقعتْ عيناهُ ـ على مؤخرةِ بنطلونِ صاحبي ـ ، أرتبكَ
هل خافني الرجلُ ؟
سألتُ صاحبي
فلكزني بحذرٍ
أن أسكتَ
لكن الرجلَ الذي التفتَ فجأةً إلي ورآني
اصفّرَ وجهُهُ
تركَ الكتابَ
وانسلَّ مسرعاً بين الزحامِ
تاركاً صاحبي
يبحثُ عنه بغضبٍ.

3

كيف يعرف ـ سيدي ـ يا تُرى
ضحيته
وسط هذا الحشد من الأعناق.

4

ذات مساء
وبينما كان المطرُ ينهمرُ
في شوارعِ المدينةِ
أخرجني من دفءِ جيبهِ
حركني ببرودِ أعصابٍ
ووجهني إلى ظهرِ رجلٍ
كان منحنياً لالتقاطِ شيءٍ لمْ أرْهُ
إذ تكوّمَ الرجلُ فوقه فجأةً
بينما اتسعتْ خطواتُ صاحبي.

5

بعد سنواتٍ من عملي
أصبتُ بمرضٍ عضال
فأخذني صاحبي إلى دكانِ رجلٍ ملطخٍ بالزيتِ
نظرَ لي طويلاً
ثم قطّبَ شفتيه بأسفٍ
متمتماً بأنني لم أعدْ أصلحُ لشيءٍ
تركني صاحبي بلا رفةِ قلبٍ أو مبالاةٍ
دون أن يدري أنهم سيرمونه مثلي ذاتَ يومٍ.

6

بين كومةٍ من عظام وأشلاء حديدية
التفتُ بحذرٍ
رأيتُ حولي عشراتٍ من زملاء المهنة
بهيئاتٍ وحشرجات مختلفة
تبادلنا أطرافَ الأحاديثِ قبلَ أنْ ننامَ
عن جولاتِنا الليليةِ
عن العيونِ التي أطفأنا فيها البصيصَ
عن الأعناقِ التي كنا نراها مزهوةً
ونعجبُ
كيف ترتجفُ أمامنا فجأةً
وتتلوى كسنابل في الريحِ
بينما كنا نضحكُ
عن تلك الحياة الشاسعة التي.....
لم تكن تعني لنا سوى ضغطةِ زناد.

قصائد.. إلى سيدة البنفسج

تجيئين مسكونةً بالهواجسِ
تفترشين حدائقَ قلبي
وتمضين للنهر
قبلَ مجيءِ الصبياتِ
تغتسلين بماءِ حنيني
وأمضي أنا
أمشّطُ غاباتِ شَعرِكِ
أركضُ خلفَ الفراشاتِ
والحلمِ
ثم أعودُ وحيداً
أجوبُ الشوارعَ
أبحثُ تحتَ رذاذِ القصيدةِ
والمطرِ الحلوِ
عن شفتيكِ
وأشربُ نخبَ ضياعي اللذيذ.
لماذا يطاردني الحزنُ
ـ حين أكونُ وحيداً ـ
بكلِّ الشوارعِ
كلِّ الحدائقِ
والمكتبات
وخلفَ زجاجِ المقاهي
فأبحثُ عنكِ
وأسألُ كلَّ صبياتِ حارتنا
وأسألُ كلَّ العصافيرِ في غابةِ الوجد
أسألُ حتى
إذا انتصفَ الليلُ
يا حلوتي
وأقفرتِ الطرقاتُ من الناسِ
وانطفأتْ في البيوتِ
المصابيحُ
والهمساتُ
وعدتُ إلى غرفتي
متعباً
خائبَ الخطوِ
منطفئاً بالرياحْ
سوف تقحمُ نافذتي
وتنامُ ـ كما الحلم ـ
بين القصيدةِ
والجفنِ
حتى الصباحْ.
ـــــ

2

تجيئين في هدأةِ الليلِ
بيني
وبين الرصاصةِ
وجهك
والثرثراتُ
وهذا الوميضُ القتيلْ
وبين دمي
والقصيدةِ
نافذةٌ
طرزتها زهورُ البنفسجِ
كانتْ طيورُ الصباح
تحطُّ أمامَ سريركِ
مفتونةً بانثيالِ الظفيرةِ
مجنونةً بالغصونِ البليلةِ
ثمَّ تحطُّ على موضعي
وتموت بلا ضجةٍ
أو رثاءْ
أكانتْ طيورُ الصباحِ الجميلةُ
ـ وهي تغني على خشبِ الموضعِ المتآكلِ ـ
تعرفُ أنَّ الرصاصةَ
لا ترحمُ الزقزقاتِ
ولا تتنشقُ زهرَ البنفسجِ
حين تمرُّ
على غصنِ روحي البليلْ
أم ترى أنها
وقفتْ
فوق كوّةِ موضعنا
تتحدى الرصاصَ اللعينَ
تشاكسهُ بالغناءِ الجميلْ
ثم تشتمهُ
وتموتْ.

***

علي البزاز

  • من مواليد الناصرية، عام 1958.
  • عضو إتحاد الصحفيين العالمي.
  • عضو نادي القلم العالمي فرع هولندا.
  • عضو إتحاد الكتاب الهولنديين

صدرت له باللغة الهولندية:

  • شمعة ولكن تكسف الشمس.
  • نادل أحلامي.
  • الرغبة الناطقة.
  • يعدّ للطبع مجموعة شعرية باللغة العربية.

كما كتب عدد من السيناريوهات هي:

  • حياة جامدة، من إنتاج القناة الهولندية الثالثة، 2005.
  • الحرب ظلام الوعي.
  • الناصرية مدينة إبراهيم، وهو فيلم وثائقي بالعربي والهولندي.
  • ستلايت.

رجل يسري بالصحة جنوبا فتعتري غيره

لا رجلا سواه
ذلك الذي توجني حنان الأذرع
تنتأ مدينة على راحتيه تتقاسم طفولتها
فيما البحر كفلول الزينة
تتبرج الأحجار أمامه لنا في قاعها أصدقاء
لا داع ٍلإيقاظ غرقهم
أكان الليل نيابة عن السوط ينش المباهج
لئلا تزين عنقه ؟.
هذا الليل حين يعثر عليه
يؤازره كنديم
ثم يستلطف حديث آخر كؤوسه
لكن هذا لا يبرر للحوض
إذا ما ازدان به سمك مسموم يعكّره.
آه
لما صارت القوارب هكذا هامشية
كسياج منفي إلى الصحراء يفتقر لمن يسوّره
كيف تسنى للذروة تحنيط أوجها
أن يتلعثم السهم حال انطلاقه ؟.
هكذا
ينجب توق الأسلحة الكثيرة من الآرائك الحائضة
لأن ما يجول به إنما يقتنيه غيره
يوما ما قد انفرطت صيحته
فانبرى الناي يلمها
لا رجلا سواه
ممسكا بصنّارة الفجر
وللأوقات أضراس تلوكه
أفتش عن السلام في أرجائه المهملات
أيتها السلالم المنسدلة عزيمتها على كتفيه
لم يرتقيك خمول مازال يحبو ؟
أفتش عن الرايات
ويحها
أهي صفوف من الزئبق تتمايل
أم حشود استنقعت قبضاتها ؟.
كل السفن تلج يديه باعتبارها مرفأ
لذا تقصده المراكب كي يتفقدها
ناكثا عنها النوم
ووددت لو يصير القاضي هو الميزان
حتما
سيعضّد ثقة الخائف
نادفا الضيّق وجاعلا إياه قوافل كثيرة النزوح
ولكن أحدهم يريده شريك العصي
ليجزل بالضرب
يريده حليف ماضيه
الذي يجب حذفه
يريده نارا
أسرابها تتضور بردا
لا رجلا سواه
لابد للزهرة أن تتفشى
في محياه
أظنه سبيكة ذهب مرادها الحاجة.

قارب يورق المياه

تشعل شمعة قرب نومنا
لتستعجل النهار
يدها تفوز بالأصابع
والغلبة لراحتها
تسترعي استرسال الغرف والتنفس معاً
الاستحواذ شيمة القلوب
وساحلي فار من تكرار خصوبته
مقارنه بين ما يُدوّر الدوائر
وما يُلجم بالمزلاج
هي شجاعة تورق الأقفال
حتى جيران آنفتها
هم هضاب كذلك.

وداع النار
أدرك الآن وبنية الخواء الذي لم أحاذِ سيره يوماً
ولم أستله طرقاً
ـ كان نعمة، وكنت موفور الفاقة ـ
بأن المسافات مجرد حيلة عدائين
والصعود حمية قلوب
أرعبها
استحواذ القعر عليها
فارتكبت ما أسميه اليوم
شهامة الخطيئة
نفسي غير منصوص عليها في التقاويم
هروب مؤطر
على حائط يتآكل
تآكله أوفى من بقاءه
أناديها:
صلاح التآكل
أدرك وبقصد الخطأ
خسارة الريح
غير القادرة على لجمِ بابٍ
تسلل منه قيظ المواهب
يبدو وكأنه ظلال
لكنها ظلال من صحاري
أتسرف الوحوش بنهمها
ليقال عن نبل شراهتها ؟
رغبات الحطب لا أقترُ كرمها
في الحريق
لكنني قاطن في وداع النار.
تصحيح لي
وليست تمائم
وشاية بالنوايا
وليست تضحية
هو ما أحتاجه الآن
لأدرأ انحسار الخضرة
حيث الباقي من أثرها
يقظة الجفاف.
كلا
يا احتمالاتي
فليس كل اقتراب مآله القنص
المدفأة ناقصة الدفء
كأنها تسير تحت مطري
ومظلتها يابسة
ليست كل رأس عرفان أفكار
وكل هدية محبة بتول.
أدرك الآن وبإياب الكهولة
كم كان القليل ملتما ًعلى صوابه
أما الكثير فهو أطلال مفاتيح
إنني فكرة دائرة
أو قل
دائرة فكرة.
بعضه سيدوم كالبلدان

هذا المغنّي الشاسع المكان
الطائر وحده من يناله
هذا الذي بعضه سيدوم كالبلدان
كلانا من اللحاء الذي يجود بالإملاق
نارهم شبه النار
نارك:
حفنة من القصائد قادرة على إيواء السنبلة
قادرة على تنقية صراخنا من التجاعيد
نارك:

صحراء النار
حصىً لا يدخر ماءً لمكوثه
أحجار
حفيفها يسبق الرسائل
وليل يتلعثم بنزوحه
نارك:
أرق التضاريس لا يسنده النوم
صوتك كالبذار جلّ أمانيه الخضرة
مفتون بالبساط الذي فيه اشتغال اليد
فيه
يتنحى الغدر عن ماضيه
وتلبث الأصابع مرسى
أيها الماثل في الكأس
ظل الدفاتر مساؤك
أحياناً:
أسمعك من العاج
ثمة ساقية مجزّأة لانقطاعك عن نسجها
هاك سماءً محتشدة العيون
انبهارك يسيل من معظمها
كأنك تتلقف أحواضاً وارفاً نومها
إليك الجسد يتحاشى هزاله
هناك مساء أستعيره ناقصاً دون اشتعالك
فمك الملآن نادر الوقوع
أراك مُلمّاً بشعاب الصيف
لنا من شحيحها:
عناق
يا من يفرش للمكان إقامة إذا أزاحه الفراق
أراك شمعة غير قابلة للاختصار
وسطراً
وحيداً ينشر
ولكنه جمهرة
أنت المقصود بالفجيعة
وهنا يمكنني اقتناؤك !.

معاً نقلد الوردة مداها

كان يُعيد ترتيب النهر ليضمن سلامة مجراه
بينما الماء ينسق المنجز من الوشل
يُقيل الصوت من مزايا المنحنى
والوتر من ثلمة الكمان
يعيره السنبلة فيزدهي الناي
يا لها من سماوات تستعيض عن وخزها
بالوسادة
كان يلم المساء قافلة تؤاخي الدروب
وتعادي جميع الظلام
أيها السهم:
حالما تتقوس
هو ذاته من سيعينك
بحر يلي نومه
كأنه المتنامي في الصيف كمرساة
يتفرع النهر فيندس فيه
أيها المتبقي من محفل الأصابع
أولئك الذين يدثرون ولعهم ليكون بمنزلة السبات
هؤلاء حيز التدهور
تلك البلاد المشغولة بنشر أرجائنا على سطوح الغصة
هي كالمياه عندما يروفها القيظ
تلك
أتطلق فصائل من ورم
أتناشد منظاراً
سرعان ما يخوض بقذاه
أم تجس فكرة
منجزها العمى
إذاً لمَ هذه الحملة من الفؤوس ؟
لمن هذا التجمع الجم من الجدران ؟.
آه
أما رأيت النسور تُقلد البرسيم
والأدغال تتطاول
ماشياً في حراب
كنت تحسبها حراباً
لكنها حراب في قيلولة
تستميل الفم المنخفض للذيل
حراب في ميوعة
كالآخر المعتكف بالسقوف
كي تشيّد له وتداً
ينضم إليه
وقد وشم النهر بانخفاض منه
وكمضجع لليل ينساب
حسناً
أنت المعني بهذا التاج
والمكلف بأعاليه
أية روضة نهم ربيعها تتجمهر عند قبرك
الآن
جسدك يلبي كل التراب
إلا رفات رقادك
ـ قامات فارهة محتم غيابها
ـ طيور مثلوم فضاؤها مبكراً
ـ تلك المدينة، مثلما تصورت أفواجها حشداً من الناي
هي مقتضى الوجع
نحن لا نرقع آلامنا
بل ننشف نسيانها
كأننا نتبنى هامة التلال
واكتمال ثمارها
لا بد من صيحة
أقلها صيحة الحجر.

***

علي جعفر العلاق

  • من مواليد العراق، عام ....................
  • حصل على بكالوريوس في الأدب العربي من جامعة المستنصرية في بغداد 1973 والدكتوراه في النقد والأدب الحديث من جامعة أكستر في بريطانيا 1984.
  • يدرس حاليا بجامعة العين بالإمارات العربية المتحدة.
  • أشرف على رئاسة تحرير مجلة " الأقلام "، ومجلة " الثقافة الأجنبية " العراقيتين، وشغل كذلك منصب مدير المسارح والفنون الشعبية في العراق.

صدر له:

  • لا شيء يحدث... لا شيء يجيء، بيروت 1973.
  • وطن لطيور الماء، بغداد 1975.
  • شجر العائلة، بغداد 1979.
  • فاكهة الماضي، بغداد 1987.
  • Poems، بغداد 1988.
  • أيام آدم، بغداد 1993.

وله أيضا أعمال نقدية منها:

  • مملكة الغجر، بغداد 1981.
  • دماء القصيدة الحديثة، بغداد 1989.
  • في حداثة النص الشعري، بغداد 1990.
  • الشعر والتلقي، عمان 1997.

أيام آدم

أمن ضوء تفاحة
بدأ الكون؟
أم بدأ الكون
من ندم
عاصف
في الضمير؟
وكيف غدا آدم
سيدا ؟
حينما اندلعت
بين كفيه شمس الحصى ؟
حينما شاع في الريح
عطر رجولته ؟
حينما جاءت امرأة:
جعلت
من يديه
إلهين
ثم استحالت بسحرهما امرأة
من لظى
وحرير
تتلألأ
مبتلة برنين الينابيع
ممزوجة
بغيوم السري ؟
كيف جاءت إليه ؟
جلست
عند أحزانه
واكتوت بلظى قدميه
أشعلت
دفء شهوته
ومصابيحه
ورماد يديه...
عند زهر أنوثتها أنحني
اتشظى.
يداي
إلهان منتشيان
وملء إهابي غيم قديم
يعذبني
ولهيب
تحول بردا
وحولني
موقدا
تنفخ الريح عن دمه
كل هذا الرماد
تعبي ضوء أغنية
تتآكل
أيام آدم تأخذه
أين غاباته ؟
وبراريه ؟.
أية سيدة
تخلع الآن أظفاره ؟
وتمجد شهوته
وذراعيه ؟
ماذا فعلت
بأيام آدم
يا شهرزاد ؟
كيف شب على ركبتيك
إلها حزينا ؟
له جنة ليس يملكها
وطيور تناكده
وعباد ؟
كلّ ثانية
تنهب الريح حصتها
من بهاء الشجر.
كل ثانية
تقضم الريح ما تشتهي
من عناد الحجر
كل ثانية
تتشابه
أيام آدم
مثل قطيع حزين
فمن
روض اليوم للريح
هذا الغزال الخطير؟
ألجام من الورد
يقمع صبوته للبراري ؟
أشئ من الوهم
يشحذ شهوته
للسرير؟.
كيف
صغت
لوحشته
جرسا
لجنون
يديه
عبودية
من
حرير؟
ذي فصول تكرر خضرتها.
أم أساها ؟
وحواء وهم
تجدده الريح في كل أمسية
شهريار !
أكمين يضيء
سريرك
أم جسد من رماد الثمار؟
تلك حواء
فضة ليل قديم
تكررها الريح
ثانية
فضة الفجر
حواء
مازجها النوم
خالطها صخب الديكة.
سقط الطير
منتشيا بدم الشبكة
( قطعة من سماء مجرحة
بين كفيه)
وانتشرت
تملأ الريح بالوهم
والحلم
نشوته المربكة.

عودة كلكامش

هكذا
عدت وحدك
لا مركبات الغنائم
لا مطر العازفين
فأين خيول الفجيعة
أو عشبة الوهم
أين هي العربة ؟
هل حملت
إلينا الندى
أم نشيدا من القش
والجثث المتربة ؟
هل حملت
البيارق
أم نهرا خربة
أم رمادا يعكر ذاكرة العشب
يفضح
عرى اليدين ؟
لو رجعت
ببعض الحصى
لو رجعت ببعض الندى
لو رجعت
بخفي حنين!!.

وطن لطيور الماء

هذي الليلةَ
أفرش ثوبي
أتعاتب
والوطن الضيق
أدخل أيام الشعراء المكتئبين
ويدخل أيامي الشعراء
المكتئبون
ونخلط وحشتنا
تفصلني
عنك ثياب العتب الناحل
مثل الماء.
أيضير الوطن المتسامح
أن يلهو بين الفقراء ؟
وطن الماء
أثرثر باسمك ساعة يندى
الليل الموحش.
في الساحات
أثرثر باسمك
إذ تشجب حصران المقهى
يتسلق مصطبتي
البرد
وأحلم لو تأتيني
الليلة
أبيض كالنجمة
تخرج من كوخ أبيض
يقطر من قدميك الطين
نتعاتب
نشبك أيدينا
ونؤالف ما بين الأوطان المهمومة
شجر للأوراق المرة
والأخطاء.
قمر ملتهب مهموم
قرب الماء
قمصان تفرش
مصطبة
تشحب في أيام البرد
وأنا
الليلة
كم يعجبني أن أتغنى
بمفاتن غير محرمة
وطيور
لم تهبط بعد
آه
لو يأتيني الليلة
أفرش ثوبي
نتعاتب
هل يأتي وطن دون ضجيج
دون شتائم
للأبناء المهمومين ؟.
- سأشهق حين يجئ
الليلة
أفتح قمصاني
للريح
وأهتف منتشرا كالماء:
- هذا الوطن الواسع جاء
أبيض كالفضة مبتلا
عذبا كطيور الفقراء
يحمل قمصانا للجرحى
وأضابير
سيهبط منها المنفيون
الأطفال
الريح
الشعراء
هذا الزمن الواسع جاء
أحلاما للمكتئبين
وأغصانا
لطيور الماء.

مرثية جديدة إلى قرطبة

لم يكن من مدى
بين أحجارها والسماء
غير أسئلتي جهمة
وغبار ردائي
لم يكن من نديم
سوى حلم يتناثر:
ظبي البراري اليتيم
دمك الجمر يتبعني
أم حنين القديم ؟
لم يكن غير حشد
من الغيم أبيض
ينحل في طرف الأرض
يبزغ
ينحل ثانية
يتقدمني
يتمشى
خفيضا
ورائي
وأنا ضائع
بين أحجارها والسماء
حلمي
حلمي
أيها الأشيب
المدلهم الخطى
واليدين
جسدي طلل
أين أقداحه
وندماه
أين ؟.
لم يكن في المنام سوى حلمي
وعصاي
لم يكن غير راحلتي
(هل هواها الممض
هواي؟).
عبرت غيمة
حائط النوم
أيقظني عطرها:
ذي بلاد
من الماء
تأوي إليّ
تحدثني:
عن جنائنها
وأحدّثها:
عن قراي.
نهضت غيمة
غادرت خيمة النوم:
حشد من الأنبياء
ينوحون في طلل
ويغطون بالدمع
مئذنة شاحبة
ورأيت بلادا
تجاهد ألا تضيع
شممت
أريج منائرها المتربة
وتملكني هاجس:
تلك بيروت
أم قرطبة ؟
وغزال صباي المشرد
أم تلك خمرته الطيبة ؟
ثم أسرت بنا خضرة الغيم
أسرت بنا
خضرة النوم
قافلة
من نجوم مكدرة.
الطريق يئن
وكان ضجيج هواجسنا
كضجيج خطانا:
- لم يكن في الطريق سوانا
لم يكن في العناء سوانا
فإلى أين تقتادنا
يا هوانا ؟.
نديمي هذا الظلام
وصحراؤه الشاسعة
نديمي
أرض
تجاهد ألا تضيع
وكأسي
سماء كآبتنا السابعة
نديمي
هذا الأنين القديم:
أيفضي الطريق
إلى وطن ضائع
أم إلى أمّة ضائعة ؟.
ودخلنا أزقتها:
الشرفات
أنين
وورد
ومسجدها سيد
غارق في مهابته
حين بادرته بالسلام
انحنى
وتلألأ في شفتيه
غبار الكلام
ثم ضج أنين الحجارة
واستعت ظلمة
وتسامى عمود من الضوء
ينحل في طرف الأرض
ثم سمعت نواح الكتابة
بين الحجر
ورأيت طيور المطر
تتجمع في مقلة الشيخ
تغسل
أحزانه المتربة
وتساءلت ليلتها:
قرطبة!
أو تلك خيول
تقبل
أم أنها ضجة الأتربة ؟.
ونما حلمي
ورأيت دمائي
فرسا يتبختر
ما بين قرطبة والسماء
وأسرى بي الغيم
أسرى بي النوم
هذا غزال الطفولة
يتبعني
وعلى كتفي عباءة هذا الظلام
وفي قدحي
ضوء خمرته الطيبة
ونما حلمي
قلت للحلم:
يا سيدي
للقصيدة
يا زهرة الروح
للحزن
يا ضجة الأتربة
هل أسميك فاتحة
أسميك بيروت
أم قرطبة ؟.

***

علي حسن الفواز

  • من مواليد بغداد، عام 1957.
  • حاصل على بكلوريوس في الاقتصاد ودبلوم عالي في الصحة العامة.
  • أمين الشؤون الثقافية في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين.
  • معد ومقدم برنامج " إشراقات " الثقافي في قناة الأنوار الفضائية.
  • معد ومقدم برنامج " كاتب وكتاب " في قناة آشور الفضائية.
  • عضو هيئة تحرير مجلة " الأديب " العراقي.
  • عضو هيئة تحرير " كتاب الصباح " الثقافي.
  • عضو هيئة تحرير مجلة " جدل " الفكرية.

صدر له:

  • فصول التأويل.
  • مرايا لسيدة المطر.
  • مداهمات متأخرة.
  • ألوان باسلة.

مراثي المواطن الأخير

أسقطته
الحرب على أحلام ضالة
وبلاد بعيدة
ولغات تتمضمض بالجمر
أسقطته
السكرة على طاولة مكسورة
وضحكات ماجنة
ونساء يركضن بالخطيئة دونما تفاحات
أو قمصان.
كلما راودته الحرب هرب جنوبا
دون هتافات
أو
رايات
وكلما جاءته السكرة هرب شمالا
دون أغاني الحطابين
أو أغاني العمال المغلولين إلى ساعات الجمر
ليس هو الوحيد الذي يشهر الأكاذيب
والأمنيات
والشتائم
وليس هو الأخير في قائمة الموتى / الأحياء.

ما
بين
حرب
وحرب
ثمة حرب ثالثة للمراثي
إنها
حربنا الباسلة
أو
حربنا الخائنة
لا فرق.

لا شيء يمنحه يقظة المحارب
أو يقظة الرائي
سوى قمر تأكله الحوت
أو يأكله اليساريون
على مائدة السكارى
وأصحاب الفقه المغشوش
لا شيء يبادله الشتائم
والضجيج
والقبلات الباهتة
سوى أولاد يفترشون الشوارع بالفرائس
والهتافات التي تغسل السماء بالغوايات
أو نساء يصنعنّ المراثي العائلية
كلما كرر الموت لعبته
الباهظة.

يعرف المواطن الأخير
أن الحرب أكاذيب ساخنة
وأن المنفى كذبة طازجة
وأن الجلد يكرر لعبته في الغواية
كلما بادلته الأنثى شتائمها
وعريها
وبياضها
يصطنع الأكاذيب الملونة
ويطلقها كالبالونات
فما تصنعه البلاد
تصنعه الضلالات
وقراطيس المحارب المخدوع
وما تصنعه المنافي
تأكله الأمنيات
عند خائنة المباغي
والجلود المباحة للأخطاء.

وما
البنفسج يؤجل موته
للموسم الباذخ
ويترك المواطن الأخير
لحروبه الجديدة
حروب الطواحين
والحانات
والبلاد المخدوعة بالمرارات.

المواطن
المحارب
المنفي
الطائفي
العولمي
المجنون
الانكشاري
ليس هو الأخير في شتائمه
ليس هو المواطن المبجل في الهتاف
وليس هو العاطل المدثر بالنعاس.
الحرب الأولى أخذته إلى النوم
وصناعة المدن
والحرب الثانية أخذته إلى السكرة
والحرب الثالثة أخذته إلى أكاذيب الطوائف.
الكل يمارس أكاذيبه الباهضة
عند الغواية
لكنه الوحيد
الذي أطلق النار على الآخرين
العيارين
الشطار
المحاربين
اليساريين
أصحاب العربات
مشعلي الحرائق
ليبيع وحده أكاذيب البلاد
على روحه العاطلة.

أشياء حجرية

أدركنا أسماءنا متأخرين
خرجنا لصيد الأمنيات
مثل خروج المحاربين
نضجّ بالأوهام والنياشين
ومدائح القمر.
لا شيء في الحرب صالح للقيامة
الموتى يركضون إلى الجنة البعيدة
والأحياء يركضون إلى المشافي
وحدائق الحكومات.
الآباء يحلمون بالهجرة المعاكسة
والمقاهي
والنساء البريات
والأولاد يضحكون على الهزيمة.

أدركنا حقائبنا لاهثين
بعد أن غادرت الطائرات
والباعة
والمسافرون
أصابعنا أنهكها التلمس
وتشابه الحجر
وتكرار الحرائق
لم نعد مفضوحين بالسعادات
وحقول النفط
والحروب المكررة
ما تركته لنا الحقائب
تركته لنا
الحروب الباهظة.
ما ندركه الآن
أننا عاطلون عن الله
والأرض
والتناسل
عاطلون عن أسفلنا
نؤجر الذكورة للمواسم
والليالي المغطاة بالأكاذيب.

قلوبنا أطلقها الوقت
للحروب
والهزائم
والمنافي
أضحت كطبل الصفيح
تدوّي كلما رماها العابرون بالحجر.

أوطاننا صالحة للتكرار
والاتساع
والضجر
والعساكر
والغوايات
كلما بادلها الثوار بالبيانات
صارت يانعة للقطاف.

ماذا نفعل بالأوطان الضيقة كالسراويل ؟
ماذا نفعل بالأسماء المضللة كحيطان الملاجىء ؟
ماذا نفعل باللغة المسلوقة في مواقدنا السود ؟
ماذا نفعل بالشوارع المدججة بالكونكريت
والعارضات
والسيطرات وأعلام القبائل ؟
ماذا نفعل دون كل هذا حقا !!؟.

ممدوح عدوان
الكيميائي الأخير

مما يأتيك به الموت
ستطلقه مثل طيور الماء
تتوهمه المرأة
فتبادله اليقظة
ومراثي الأسماء
بين يديه تصير الباحث عن معنى
أو يافطة للحزن المتداول.

ترحل في الضوء سريعا مثل غبار النافذة
تنثر أوراقك في عبث
توهمنا أن الدرس قريب
والمعنى في الضفة الأخرى
كان الموت يضلّ الدرب إليك
فأنت تبادله الألعاب النارية
وتراوده على جلد الأنثى
ماذا تصنع بالموت
وأنت المتوهج بالضحك
وأغاني الفيروز
ومرايا الشعراء المطرودين
على قارعة الوهم ؟.

هل كنت تفتش
عن لون آخر للحب
عن حزن لا يعرف كيف يصير بكاء ؟
هل كنت تمارس
غشاً في الدرس الكوني
تفترس اللغة
والأوراق
وعروق الفكرة
وتطالب بحقوق فاضلة للشعراء الموتى ؟.

تدخل آزفة الكيمياء
تحسن لعبتها
صرت تبادلها أسماء السحر
وفصول الترياق
ترشّ على غلتها الذهبية بعضا من نرجسك المائي
هل أخذتك الكيمياء إلى برج الوهم ؟
هل أعطت جلدك لونا كالضوء ؟
هل أعطتك الزئبق دون المرآة ؟
هل أسمتك الكيميائي الباهظ والمحتشد ؟.

يا آخر من ورثوا الضحك
وآخر من أعلن موت الحزن الطبقي
فالشعراء بلا طبقات
متسعون كوجه البحر
ومسبيون كأسرى الحرب
قد يكفيك الموت بزينته الفضية
قد يعطيك السكرة
أو رائحة الأنثى
قد يتقدم مثل خيول أمية
أو يتفرّس كفيك كما العراف
وأنت لفرط الدهشة
تلبس ثوب السهرة بين يديه
تنحلٌ إلى جسد رخو موهوم باللذة
يدعوك إلى رقصته في لعبة خصب باذخة.

كنت تمارس آخر نوبات الضحك
وتلف سعالك فوق عمود دخان
تتلمس أقمارا في المقبرة الجاهزة
تفترش الجسد الفضي المغسول بماء الكيمياء
تطلق كل عصافيرك للغابة
وتجىء وحيدا دون مرايا الأنثى
وضجيج الأشياء
ترمي آخر أحجارك نحو الوهم
هذا ما أدركه العرّاف
وما أبصره الكيميائي
وما أطلقه الطائر
وما أخذته الفأس إلى غابات الكافور.

***

فاروق سلوم يحيى

  • من مواليد تكريت صلاح الدين، عام 1948.
  • درس الأدب الإنجليزي في جامعة ببغداد.
  • عمل في الصحافة العراقية مترجماً وكاتبا.ً
  • عضو الرابطة الدولية لمسرح الطفل، ورابطة كتاب الأطفال.
  • وشغل منصب مدير عام سابق في مؤسسة السينما والمسرح بوزارة الثقافة.

صدر له:

  • قوس قزح، شعر،1977.
  • أغاني الحصان، شعر للأطفال، 1980.
  • ملحمة جلجامش، شعر، 1986.
  • تفاصيل لأيامنا، شعر.
  • قصائد الوطن الصعب.
  • فتاة الأخطار، رواية للفتيان،1987.
  • حصل على جائزة الألكسو عن أعماله الشعرية للأطفال 1982، وعلى وسام الاستحقاق العالي 1992.

farouqsalloum@yahoo.com

شوارع تتمشى
والموت ينام

وردة
ومقص على الورقة
وردة على حافة كف الطفل
يقص ويمضي
إلى نهاية الجحيم.
في سكون الشوارع
تستيقظ الوردة
وهي تمضي ممنوعة من الكلام
الشوارع مغلقة هذا الصباح
وكل صباح تغلق الدروب إلى المجهول
تستعيد الوردة ورقتها
ويطقطق المقص.
يغني الصغير نشيد الرفقة
يمسكه الأب من يده اليمنى
وتمسكه الأم من يده اليسرى
يمضيان بخوف إلى شوارع التفخيخ
وحواجز الموت المقنّعة بالسواد
من أين جاؤوا بقدسية السواد
ليقتلوا الطفل ؟
الأبيض
أليس في بيوتهم ؟.
وردة
وورقه
تمشي الطفلة إلى شعرها
وتمضي الفرشاة إلى جدائل الصباح
تطل في مرآة ماما
الغضون على وجه الصغيرة
وملامح الليل الباكي
من القلق
تلقي الصغيرة بجدائلها
وتلغي فكرة المشط
مثل ماما الحزينة
تتعلم الطفلة فن الخوف
وفن القلق الموحش
ترسم وردة لدموع الرعب من الفقد
بابا خلف باب الوردة
وماما خلف نافذة المنزل
خشية أن يمضي المقص كما كل يوم
ويقطّع أوصال الشوارع
ويغيبان معا
وتبقى الطفلة وحيدة.
ـــــ
أريد أن أسمع الغناء الذي أحب
أريد أن أسمع الغناء
لكني أسمع غناء البارود
أحلامي بسيطة وسط الموت الوحشي
أحلامي بسيطة
هو أن أسمع الغناء الذي أحب
في الشوارع التي ترسم صورة الوردة
في ورقة الطفل.

آخرة الحزن البغدادي

المطر
الساعة
منتصف الليل
يغسل أثواب مدينتا
الليلة اطفأت الشمعة بعد الخمسين وخمسا
أنهيت الكأس
أرحت الرأس
وقرأت رسالة صموئيل
الحالم حد الموت
ورسالة ناصيف الشاعر في النفي
وفي الحزن المجنون
على وطن
وكتاب
وقصيدة
هذا صموئيل الشاخص في الكافـدوروا
ينطر سيدة السيقان
وسيدة الفان روج
وسيدة المعنى.
بغداد الساعة
تغسل بالبرد
الحالوب يدب
على سطح المنزل
والأحداث ثقال
والولد المحزون بغربته
الولد الصافي يحمل قرطاس البصرة .. والهجرات
وغلال خرافات جزعت منها الأوراق.
الليلة بغداد سماء غاضبة
وحريق للورد الجوريّ
وأظافر كف فتاة البرية وهي تخرمش روحي
يهمي مطر الليلة
مثل مفاتيح الرحمة
للروح المغلولة في عزلتها
للروح تشم اليوكالبتوس في زاوية المقهى
وتشم قرنفلة ذابلة في الكأس الأول
تتلاشى صور الأشياء
وتذوي صور الحيطان
وترمي الغيمة
ماء الرب المكبوت.
منذ سنين
والغيمة تبكي من حزن وسؤال
منذ سنين
والغيمة تمضي تتوارى خلف الحزن البغدادي
وأسئلتي جد بسيطة
كل مساء يبدأ دفتر أسئلتي يكبر
يتكرر مثل سماء ترتج
في برد يرمي حجر الفضة في موقد روحي
ترتاد العتمة
رائحة الطين
ورائحة الماء على ثوب الأشجار
يرتجف الصمت من التكرار
يتهجى فيّ صفير الحجر الممتد إلى الجدران
والليلة ترتاد حدائق بغداد غيوم
آخرة البرد
غيوم من أسماء
ووجوه
ونثيث رسائل حب
يمسح توقيت الحزن
يغير أرقام الطرقات
عناوين الدرب الموحش في الليل الممطر.
هذي الساعة نحن معا في واجهة (اللابتوب)

نراقب بعضا
من يبكي في بادئة القمر الخجلان
وراء الغيمة في عتمة بغداد ؟
الليلة
من يرمي زرقة أشجار اللوز
على صحراء الخلوة ؟
كل في غربته يرقب مطر السنوات يمر خفيضا
ورفيقا لا يجرح هدب السيدة الوادعة العينين
تفلت منا جمل الأحداق
تمسح أشجار الدفلى
ورفيف القصب البري
وأطراف العشب الوحشي على خضرة فكرتنا الأولى.
(أن نحكي دون بكاء أو شكوى )

يكفي
أنا كنا بعض غلال مدينتنا ومشينا
أخذتنا سفن وضفاف
وحقائب باردة في غرف الغربة
غرف الوحشة عند مراسي الهجرات
يكفي
أنا نفتح من آخرة الأرض مغاليق الأسرار
نعرف أنا سنكون
في ضحكة نجم يرمي عنه سماءا
وغيوم
أو رعشة خوف في مقهى الضاحية الكسلى
في منفى
وسكون.

مقهى المعقدين

لم نكن مثل أسنان ديناصور وقح
لم نكن آلهه
ببساطة بيضاء
كنا ريفيون
وأبناء مدينة
نتأبط رامبو
وحبات من كلمات ود قديم
في ركن مقهى السذاجة الخلاقة
مقهى مجيد
هوية بغداد يوم كانت ترتّب الحبوب
والحقن
وجلسة الكحول
والأسئلة الستينية
أجيال من محفظة أندريه بريتون
سكيرون
وقراء
ولواطيون
من ظلال اوسكار وايلد
وممثلون فاشلون
(يستشيطون ساعة على المسرح
ولايقولون شيئا)

يسقطون من ثياب مكبيث.
ثمة ضجيج كتوم
ورائحة الشاي
والدخان
دخان الحداثة الجليلة
وروّاد حقيقيون
ومريدون يحملون صفر الكتابة
روّاد
يكتبون تاريخ سنوات الخروج
وسنوات التمرد
والهجرات
أسماء
ووجوه لا تمّحي
وهي ترمي ملامحها على تخوت المقهى
ما تزال ملامحهم
وأصواتهم الخفيضة
وهم يطلبون قدح الشاي الصباحي المتأخر
رغم التفخيخ
والرصاص هذا الصباح
رائحة الحوارات
والأسرار
ورائحة الرقباء وهم يكتبون تقارير الموت.
ما تزال في ظلال مقهى المعقدين
لمسات أخيرة لشعراء
ورواّد حضارة
شيوعيون
ومثقفون من تراب الجنوب
والتماعات رفيعة لمثقفي كركوك
متمردون خذلتهم القيادة المركزية
وحرب العصابات
والقصب
وعشاق ضالّون يبكون فولكلورا
ومقامات
وجلسات نهرية حول كحول المساء الباكي.
كنت أمضي حول ظلال
وحروف
وأسماء
ومقهى
حمل جلاّسها الأل اس دي
والفاليوم
وحبوب الإيحاء المجنون.
بعيدا عن الرقباء
والفاشلين
والكتبة
حملوا حقائب الأسرار
والقراءت الضالة
والغرابة
حملوا حلمنا
ومضوا.
فيما أتحسس الساعة التخوت
والترجمات
والقصص القصيرة
والقصائد السرية
في قصاصات ورق
يطويها بائع الفشار
ويملأها للعابرين
وهم يتمتعون بالسخونة في ورقة ترجمات والت وايتمان
وايتماتوف
وفوكنر
قصاصات لأحلام
وقصائد
وبيانات شعرية
يلف بها البائع الضليل
حبوب زهرة الشمس المملحة
لسكارى الطريق وهم ينتظرون طريدتهم
القتيل الأخير.
مقهى مجيد
مقهى المعقدين
مدرسة لمحبة خاصة
رمى في أذني الليلة سهيل سامي نادر
آخر الكلمات:

لقد تركت التدخين
سأسافر غدا إلى القاهرة
ولتمضي مقهى المعقدين إلى تاريخها
والوجوه إلى هجراتها
والمعرفة إلى جبّة النكوص المعمّم
والحداثة إلى نفايات الإنكار
أنا
سأمضي
وأترك أنت آخر تخت على ناصية الطريق
اترك مقهى المعقدين
وأرحل.

مقهى مجيد أو مقهى المعقدين، من أشهر المقاهي الأدبية في الستينات روّادها من أبرز مثقفي الحداثة العراقية وهم في منافيهم وهجراتهم اليوم!

***

فاضل العزاوي

  • من مواليد مدينة كركوك، عام 1940.
  • حصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، والدكتوراه من جامعة لايبزج بألمانيا.
  • عمل في الصحافة الأدبية في العراق قبل هجرته، وساهم في إصدار مجلة (الشعر69) في العام 1969.
  • ساهم في تأسيس (جماعة كركوك) الشهيرة، وضمت إلى جانبه سركون بولص ومؤيد الراوي وصلاح فائق وجان دمو وعملت على إرساء قصيدة النثر

صدر له:

  • سلاما أيتها الموجة..سلاما أيها البحر، 1974.
  • الأسفار، 1976.
  • صاعدا حتى الينبوع، 1993.
  • رجل يرمي أحجاراً في بئر.
  • وله أيضا أعمال روائية ومجموعات قصصية عدة .
  • تناول تجربة الستينيات في كتاب (الروح الحية) .

حياة مع الجرذان

مقرفصين في الظلام
نأكل من ماعون فوق جريدة مفروشة على الأرض
كانت الجرذان تثب وتطف الطعام من بين أصابعنا
ثم تقف أمام جحورها
متأهبة لغارة جديدة.
وفي الليالي الباردة
كانت تندس بين أفخاذنا
فنرى جرذا عملاقا في غابة
يجر وراءه فتاة باكية
مربوطة من عنقها بحبل.
في الصباحات
سامعين البلبل يغرد فوق الشجرة
كنا نحمل براميل بولنا
وندلقها في الساقية أمام المخفر
عائدين بالفطور الذي أعدته لنا امرأة شرطي
ضاجعناها ألف مرة في أحلامنا
وإذا ما حل المساء
كانوا ينادون علينا واحدا بعد الأخر
ويعلقوننا من أكتافنا بالمراوح
فتتساقط الجرذان
من طيات ثيابنا
ومعولة تحت السياط .
بعد سنين
أو
ربما بعد قرون
التقيت ثانية ذاك الذي خلفته ورائي في غابة الحب:
كان لا يزال صبيا يافعا
يرتدي بيجامته كالعادة
رفع رأسه
وحدق في طويلا
ثم مضى مسرعا في طريقه
أعتقد أنه كان قد نسيني في زحمة الحياة.

الموكب الصامت

واضعا يدي في جيبي المثقوبين
سائرا في الشارع
رأيتهم يتطلعون خلسة إلي
من وراء زجاج واجهات المخازن والمقاهي
ثم يخرجون مسرعين ويتعقبونني
تعمدت أن أقف لأشعل سيجارة
والتفت إلى الوراء كمن يتجنب الريح بظهره
ملقيا نظرة خاطفة إلى الموكب الصامت:
لصوص
وملوك
وقتلة
أنبياء
وشعراء
كانوا يقفزون من كل مكان
ويسيرون ورائي
منتظرين إشارة مني.
هززت رأسي مستغربا
ومضيت
وأنا أصفر بفمي لحن أغنية شائعة
متظاهرا بأنني أمثل دورا في فيلم
وبأن كل ما ينبغي علي أن أفعله:

هو أن أسير دائما إلى الأمام
حتى النهاية المريرة.
في ساحل البحر

جالسا
كيتيم على ساحل البحر
أنصت للموج يغسل بالضوء جرح الصخور
وخلفي كهفي
أمامي السماور
متقدا فوق سجادة الرمل
أشرب شايي
وأرقب
مغتبطا
في البعيد جبال غيوم
تغطي الثلوج معابرها.
فاجأتني السعادة
خارجة تتنزه بين البساتين
فاتحة صدرها البض لي
فاحتفيت بها.

انتظرنا المراكب
في الأفق المزدهي بالطيور
تمر علينا أخيرا
لنختم قصتنا ونعود إلى بيتنا
" كل نهر يتوق إلى نبعه "
قلت مغتبطا بالطبيعة حولي
لفحت وجهي الشمس
ناهضة في سرير الكون
من نومها في الصباح
وفي الشجر الريح
خافتة
كتبت بأريج المحيطات سيرتها
والزمان مضى بعصاه كشيخ بطيء الخطى
يتسول بين الحقول هناك
­ وكنت سعيدا ً ­.

سمعت بكاء المحبين في حفلات الذئاب
يلوذون بي من وراء العصور سدى
فازدريت العدالة
رافعة رأسها
مثل فزاعة
فوق دكتها
عند باب المدينة
تحمل عمياء ميزانها الذهبي
مواسية أنبياء
يحفون مغتبطين بها
في حضور الشعوب
أزحت القماشة عن ناظريها
وسلحتها بنشيد البراءة ضد سماسرة برؤوس أفاع
يبيعون آلهة
تتصيد رهبانها في الجحيم.

عائدا نحو كهفي بأعلى الجزيرة
حيث تقيم النسور
رأيت العصور تدون حكمتها في الصخور لعشاقها
فقرأت رسالتها
فتنتني المحبة في خدرها
فاستبحت جلالتها
دائما حين يرخي الظلام ستائره
وتغني الحياة لأجلي قصيدتها
أرقص الليل كله
مبتهجا في مضيف دراويش يحترقون بنيرانهم
يضربون الدفوف
سكارى
وأحلم مثل بشير بعصر جديد
أنا الشاعر المصطفى
سادن الصبوات
دليل السراة إلى نبعهم في الصحارى
بفجر يجر مراكبه خلفه
أرتقيها إلى قدري في الأقاصي
لأنصب مائدتي لضيوف زماني
وأبدأ يومي مع الشمس
مشرقة من جديد.
آه
كل المراكب مثقوبة
وأنا في الجزيرة وحدي
هجرتني السعادة
هاربة تحت جنح الظلام
مع خلانها الغادرين
والدراويش ماتوا من الحب في معبد العاشقين
فبقيتُ هنا في السواحل بين الوحوش
أجالس نفسي
أمامي السماور
أنصت للبحر يرغي بأمواجه
تتكسر فوق الصخور
أرصد الأفق الأبدي بمنظار قلبي
لعل السفينة تأتي أخيرا
والحياة تمر بكهفي.

***

فضل خلف جبر

  • من مواليد مدينة............، عام 1960 .
  • حاصل على شهادة البكالوريوس في الترجمة من الجامعة المستنصرية بغداد 1987.
  • زاول العمل في الصحافة الأدبية في العراق محررا ومترجما حتى مغادرته الوطن 1992.
  • ظهرت نصوصه في العديد من الانطولوجيات الأقليمية والعالمية.
  • يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.

أصدر كتابين في الشعر هما:

  • حالما أعبر النشيد، 1993.
  • آثاريون،1997.
  • يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.

أن تكــون هنـــاك

كعنقاء
أنبثق من رماد
لأفنى في حريق
وكوعل بريّ
أقفز من قارة ساخنة
إلى أخرى مشتعلة
وكأرنب مذعور
أهرب بأحلامي وحريتي
من منخفض إلى رابية
ومن رابية إلى جبل
ومن جبل إلى سديم.

لم أتريث كما ينبغي
في رحاب أبويّ
خافضا لهما جناح الذل من الرحمة
لم أتريث كما ينبغي
في بساتين أخوتي
كي أستزيد من فاكهة محبتهم.

لم أتريث كما ينبغي
في حضور الأصدقاء
كي أمنحهم فرصة أن يفتقدوني
لم أكن صبورا بما يكفي لكي:
أقشر جسد الريح، وأقرأ مذكرات المطر
أغني لنجوم الظهر، وفقراء الأرض
والممنوعين من الفرح.
أصغي لأنين الموتى الأحياء
والأحياء الموتى
لذلك فآتني أن أسأل الموجة: لماذا تعول
والغيمة عن جهتها القادمة
والنيزك عن عنوانه الدائم
والعاصفة متى تثور
والغضب متى ينفجر
والحب متى يسود ؟.

كانت تحلق معي أشيائي كلها
ومن خلفي يعلو الهتاف
لشوارع وفنادق ومحطات ومطارات
كنت آخيتها
مدن أشبعتها حبا، وأخرى أوسعتني مرارة
رجال أساءوا فهمي، ونساء آذينني بالحب
كان الهتاف يتصاعد حد التخوم
لينعقد غيوما تمطر تمطر حتى الذهول.

كنت أجري كالريح
كي أفلت من قبضة الاعتياد
لم أرد للحب أن يجيء بي حدّ الذوبان
لم أرد للغضب أن يذهب بي حدّ الاشتعال
لم أرد لأي شيء أن يكون كل شيء.

كنت حين أنعس
أنام بإحدى عينيّ
وحين أتناول طعامي
لا أسهب في فلسفة الرز
وحين أسافر، أستعجل الوصول
وحين أصل، أستعجل السفر
وحين ألتقي بنفسي، أهرب منها سريعا
وحين لا أجدها، أجهد في البحث عنها.

لقد كنت أجري بلا حدود
وأتطلع من شرفات الدنيا كلها
ساعيا في كل ذلك كي أكون هناك
هناك حيث سيحدث
الذي يجب أن يحدث.

طـَرَقتــُكَ يــا بـابُ

وَكُنتُ كُلـَّما
تـُوغـِلُ في صَمتِكَ المُغـلـَقِِِ بالأسماءِ
يا بـــابُ
طـَرقتـُكُ مُنذ لمْ يكن آدمُُ
وَحينَ كانَ البحرُ مُجَرَّدَ غَيمَةٍ تـَطفو على زُرقـَةِ الفـَضاءِ
وَحينَ لمْ تـَتـَوالدْ الطـُفيليّاتُ بَعدُ
وَلـَمْ يَتـَّفقْ الناسُ على تـَقديسِ الدودةِ الشَريطيـَّةِ
لكنـَّكَ
يا بــــابُ
تُلازمُ غموضَكَ
تـَنسَرِبُ من بَين يَديَّ كَشَهوةِ الراهِبِ
وَتـُناورُني بانغِلاقِكَ الكَثيفِ كَأُحجيَّة.

حينَ تـَوجَّهتُ إليكَ مُنذُ عامِ المَعْرَقــَةِ
كُنتُ أرى
لـَيسَ كَما يَرى النائِمُ
كَيفَ يَدخلُ الخارجُ إليكَ
وَيَخرجُ الداخِلُ
كُنتُ أرقبُهم
وأعدُّهُم جَميعــاًً
وَكنتُ أدوِّنُ هَمهَماتِهم القـَلقـَةِ
وَهُم يُغذّون الخُطى في عَجَلَةٍ
كَأنـَّهمُ على مَوعِدٍ حاسِمٍ مَعَ آخرِ مَطلـَعِ شَمسٍ
وَكنتُ أَحسدُهُم
يا بــابُ
فـَقـَط لأنـَّهم سَيُقابلونَ الدخولَ خارجينَ
أو الخروجَ داخلينَ
إنـَّها مَأثرَةٌ
وَثـَراءٌ
أنْ تـَجدَ نفسَكَ بـِتـِلقائِها
يَتأبَّطـُها الخروجُ
أو
الدخولُ بأُبـَّهَةٍ واحتفاءٍ.

وَلـَكَم تـَساءَلتُ
حينَ طالَ َ
ويَطولَ انتظاري
كَم هو مَوهوبٌ ذلك الداخلُ
الذي سَيخرجُ كثيراً
أو
الخارجُ
الذي سَيدخلُ كثيرا ؟ً
لا بُدَّ اَنَّ لـَديهِ من المَلـَكاتِ
ما يَمنَحُهُ الأَسرارَ:

أسرارَ الدخولِ
والخروجِ كُلـَّها
أَسرارَ اأنْ يَنفتحَ لـَهُ البابُ مَتى شاءَ
وَكَيفما اتـَّفقََ
لا بُدَّ اَنـَّهُ خارقٌ
وفـَريدٌ
كَي يعفيهِ البابُ من ضَريبَةِ الطـَرْقِ والإنتظارِ.

لكَنـَّني لـَم أرَ وجهاً لِداخلٍ
أو
خارجٍ من البابِ
الجميعُ يدخلون
أو
يخرجون دونَ وجوهٍ
ثَمـَّةَ حاويةٌ في أحدِ أركانِ البابِ
يطرحُ فيها الداخلون وجوهَهم
تـَماماً كما يطرحُ الضيفُ قـُبـَّعَتــَهُ
ويَتلاشون في الغـََمْرِ
كما يَدخلُ القـَمَرُ في غـَيمَةٍ مُتـَراميَةِ الأطرافِ
ثُم يخرجون مُتقاذفينَ تـَقاذفَ الفـَقماتِ من البَحرِ
يَرتدونَ وجوهَهُم
كما المُمَثـِّلُ القِناعَ
وَيَتَحَسَّسونَ جُيوبَهُم
وَأفواهَهُم
وَلـَكَم تـساءَلتُ عن علاقـَةِ النـَسَبِ بينَ الجُيوبِ
والأفواهِ
وَاعتـَقدتُ أَنَّ كليهما بابٌ
والاأبوابُ موصولـَةُ النـَسَبِ
لأَنَّ ما يَخرجُ من أحدِهِما يـَدخلُ في الآخر.

لكنـَّني لـَمْ اَجئْ كَقيصَرَ لأفتحَ البابَ الشَرقيِّ
أو توماهوك لأفتحَ جَماجمَ الأطفالِ
بَلْ جِئتُ أعزَلاً
إلا من هَديرِ أوردتي
جـِئتُ كَمأزومٍ يـَقصدُ بابَ الحَوائجِ
أحمِلُ إرثَ المَعرَقـَةِ
وَقـَرابينَ الإنتماءِ
وَوَصايا الراحلين.

وَمُنذُ عامِ المَعـْرَقـَةِ
حَيثُ غـُلـِّقـَتِ الأبوابُ
وَنـَفـَقـَتِ النـَسائِمُ
وَأنا مُلتـَصِقٌ بـِعروتـِكَ
أيُّها البابُ
لـَديَّ طائِفـَةٌ هائِلـَةٌ من الناسكين
وَهُم يـَمتـَشقونَ أَحلامَهم شَوقَاً لرؤيَةِ أمِّ السِنينَ
عَمَّتِهم النـَخلـَةِ العُلويَّةِ
التي غادروها حينَ وَقـَعـَتِ المَعْرَقـَةُ
وَمازالوا هائمينَ كالدراويشِ في بَراري الآخرين
طائـِفَةُ الناسكين تلكَ تـَضغطـُني بقوّةٍ
أيُّها البابُ
كَي أطرُقـُكَ
وأَنا أطرقـُكَ بِقوَّةٍ
أيُّها البابُ
كي تـَفتـَحَ لي
وَأنتَ تـَضغَطـُني بقوَّةٍ
أيُّها البابُ
كَي انتـَظرَ
وَاَنا أضغـَط طائِفـَةَ الناسكين بقوَّةٍ كي يَتعَفـَّفوا
وَالمسافـَةُ مابينـَنا قابَ قوسين
وَيكادُ الخارجُ أنْ يَسمَعَ تـَرَدّدَ أنفاسِ الداخلِ
لكنَّ طائِفـَةَ الناسكين مَحكومَة بذالكَ الخـَيطِ
الذي لا يُمسِكُ بِطـَرفِهِ عاقلٌ
أيُّها البابُ.
َأكادُ أنْ أهرَمَ من فـَرطَ الإنتظارِ
وَحَتـّامَ يَنتظـِرُ المُنتـَظِرُ حَتّى يَأتيهِ الفـَرَجُ باليأسِ
اليَأسُ بَعضُ الحَلِّ
حَينَ لا تـَكونُ للأمَلِ شَمسٌ تـَأتي بنهارٍ ما.

وَكُنتُ كُلـَّما طـَرقتـُكَ
يا بـابُ
كُنتُ كُلـَّما طـَرقتـُكَ
كُنتُ كُلـَّما
كُنتُ
أشعرُ كَأنَّ داخلي يَكادُ يَخرجُ
وَخارجي يَكادُ يَدخلُ
وأنا أمسِكُ بِعروتِك ضارعاًَ
كَمأزومٍ يَقصدُ بابَ الحَوائِج.

أبـــــراج بابـــــل

حين هبت عواصف الطوفان
قلت: أحملوا في السفينة
من كل زوجين أثنين
وأبحروا إلى مشارق الأرض ومغاربها.
حملنا في السفينة نهرين ونخلتين
جبلين وهورن
برجين وقبتين.

امتطينا ظهر المجهول
قاطعين صحارى التيه والمسكنة.
مررنا بقوم أقزام في الروح
استضافنا كرماء حد البهاء.

شتمنا أخوة لنا من نسل آدم
وسامونا سوء العذاب.

وقعنا في حب الغيوم والسجائر والمدن الفاضلة
رأينا من الغرائب ما يشيب الحواس
وبكينا كثيرا.. كثيرا في مفترقات الطرق.

كنا نصيخ السمع لصوتك الواهي
يأتينا عبر المسافات القاحلة وشقوق الأثير
نتلمس تهدج الصوت
وزفرات الألم.

كانت مخالب الطوفان تمزق شغاف قلبك
تعصرك خلية خلية
نفسا نفسا
وكنت تعلو على فحيح العاصفة
ودوي الأعاصير.

كنت تعلم أن مخالب الطوفان
سترتخي يوما ما
وتندحر العاصفة
وأن فجرا أشما سيغسل جبينك المتغضن
وكنت تدري أن سفينتنا الحيرى
لا بد أن تعود إلى مرفئها الآمن!.
أوصيتنا أن نبتعد كثيرا
عن مرمى الطوفان
أن ننسى كثيرا من الأغاني
نحذف الكثير من الأشجار
نغض الطرف عن عتب الأمهات
ولا نذكر اسمك إلا في جوازات السفر
وبطاقات الإقامة
خشية أن يرتاب بكم الغرباء
إنه الطوفان يا أولادي
فاجتنبوا مخالبه الدامية.

قلت لنا الكثير الكثير.
أبتاه !
لكننا لم نقو على تنفيذ مشيئتك
غفرانك أبتاه غفرانك.
كنا كلما نظرنا حولنا أبتاه
لاحت لنا أبراج بابل
إنها تحدق بنا من كل الجهات
وكنا كلما ابتعدنا قليلا
ازدادت تلك الأبراج سطوعا
كانت تعلو
تعلو
تعلو
وتتجسد أمامنا
في قمم الأمواج، وأجنحة الطيور
قامات الأشجار، وهياكل الجبال
امتداد الأرصفة، وتقاطع الطرق
ظهور المباني، وناطحات السحاب.
كانت أبراج بابل تعلو
أبتاه
تعلو حتى تملأ الأفق بقاماتها
وتسد جميع المعابر
كنا نراها في أسواق البالة
وفنادق الدرجة الخمسين
ووجوه متسولينا في ساحات الغرباء
نراها في مكاتب اللجوء
ووجوه المخبرين السريين
وعيون المحسنين
نراها في النوم واليقظة
في الحلم والحقيقة
تعلو أبراج بابل.
أبتاه
لتجثم على صدور القارات
وتفسد علينا حتى متعة أن نذرف دموعنا
حين نصطدم بصفاقة وجه العالم.

فوزي كريم

  • من مواليد بغداد، عام 1945.
  • أكمل دراسته الجامعية فيها، ثم هاجر إلى بيروت عام 1969، عاد إلى بغداد عام 1972، ثم غادرها ثانية عام 1978 إلى لندن، موطن إقامته الحالية.

صدر له عدد من الأعمال، أهمها:

  • حيث تبدأ الأشياء، 1968.
  • أرفع يدي احتجاجا، عن دار العودة، 1973.
  • من الغربة حتى وعي الغربة، وزارة الثقافة العراقية، 1972.
  • أدمون صبري، وزارة الثقافة العراقية، 1975.
  • جنون من حجر، وزارة الثقافة العراقية، 1977.
  • عثرات الطائر، المؤسسة العربية، 1983.
  • مكائد آدم، دار صحارى، 1991.
  • لا نرث الأرض، منشورات رياض نجيب الريس، 1988.
  • قارات الأوبئة، دار المدى، 1995.
  • السنوات اللقيطة، دار المدى، 2003.

كما أصدر كتب نقدية أهمها:

  • ثياب الامبراطور: الشعر ومرايا الحداثة الخادعة، المدى، 2000.
  • تهافت الستينيين: أهواء المثقف ومخاطر الفعل السياسي، المدى، 2006.
  • وأهتم أيضا بالموسيقى حيث وضع كتاب: الفضائل الموسيقية، في أجزاء أربعة صدرت عن دار المدى هي: الموسيقى والشعر، الموسيقى والرسم، الموسيقى والفلسفة الموسيقى والتصوف.
  • إلى جانب إصداره للمجلة الفصلية: اللحظة الشعرية.

امرأة من رخام

منذُ عشرين عامْ
وأنا أتأمّلُ ظلاً يُقاربُ بين الكلامِ وبين الحجارة
حيثُ تبدو القصيدةُ في هيئةِ امرأةٍ من رخامْ
تتوسطُ حقلاً
وتكشفُ للشمس عن فتنةٍ
في الخطوطِ وفي الإستدارة.

كلما أورثتني الطبيعةُ حكمتَها
صرتُ أصغي لقلبِ الظلامْ
في مخالبَ خاطفةٍ فوقَ صِدْغيَّ
في الرائحة
تتفَشّى سريعاً مع اللمسةِ الجارحة
ولذا أترقَّبُ في حقلِ أغنيتي
كيفَ يبدو الرخامْ
أولَ الليلِ ظلاً لمعنى
ثم يبدأ دفءُ العظامْ
في مفاصله
واحتمالُ الكلامْ.

في محترف القاتل

أخرج من أعنابِ كردستان
أهوي فوق سامراءَ بالكأسِ
وفي بغداد أُغوي حانةً عند أبي نواس
أطويها مع المعطفِ حولي
وأولّي صوبَ ماء النهرِ والأسماكْ
رائحةُ السِّعدِ
سخامٌ في قناني العرقِ الفارغة
يقذفُها الموجُ
وأقمارٌ على الأسلاكْ
وهي تحيطُ دجلةَ المعتزلْ.
جاريةٌ تخرجُ من مضاربِ البدو على رمالهِ
تكشفُ في مرآته عنْ عورةٍ زانيةٍ لتغتَسِلْ
(أفي الظلامِ يُقبل المختلسُ الزاني!)

أدورُ في محتَرَفِ القاتلِ
في القبو الذي يسكنُه العقربُ
في رائحةِ اليود
ولا أكتمُ أنفاسي
وفي رأس قتيلٍ أتريّث.
أدورُ من رأسٍ لرأسٍ
أتوارى مثل صوفٍّي وراء الأقنعة
في طرقٍ تصفرُ فيها همساتُ الخوفِ
والشهوةِ
والرغبةِ بالموتِ معا
يمسكُ بي حارسُ بوّاباتها الممْتنَعة
يقودني لحضرة القاتل !.

صوت القاتل

القبو رطبٌ
كيف لا أُمسكُ بالجرذِ الذي يفلتُ
من بَوْصلتي...
كيف ؟.
وهذا الشبحُ الرابضُ في الظلِّ
وهذي العينُ لا تُخطئها الجمرة
ثقلُ قارّةٍ على جبيني
نمرٌ يقفزُ من أدغالِ أشلاء
إلى ذاكرتي.
لا أطأُ الأرضَ
أنا القاتلُ
لا أُقرنُ إلا بفمِ الذئبِ
وبالحدأةِ.
كم تحترسُ الأطيارُ في الأفق
وتُغويني مرايا النفسِ والنرجسُ ؟.
كم تشبهني الشمسُ ولا أشبَهها ؟
إني قرينُ الموت
لا أبعادَ لي إلا ضحايايَ
وكأسي مُترعه
خذها ومّزق فُضلةَ الرداء
عن زمنٍ تخفيه
لا تُمسكُه بوصلتي.
عن زمني الآخر من أزمنتي الأربعة
في سرّتي أخفيتُه يوم ولدتُ ومعي يموت.

أغنية الكأس

مهترئٌ رداءُ أيامي
وخطوي على مُفتَرقٍ
ليسَ لي من خيارْ.
الكأسُ
أم نبضُ دمٍ جائعٍ
في شفةٍ ؟
فهاتها يا جرارْ
صرفاً علي الوعد
فلي إخوةٌ
كم شربوها مرة
أو مرارْ
في حانةٍ لليلِ منذورةٍ
اليومُ خمر
والندامى كثارْ.
أشربها
وأسبقُ القتلى إلى الأقنعة
وأدخلُ الزحمةَ:
هل تجهلني ؟
هل يثقُ الأحياء بالأموات ؟.

1

وأعود أكثرَ هدأةً في خطوتي وأقلَّ حيرة
شيخاً أضرَّ به دخانُ مَرَافئ المدنِ الكبيرة
وكأن وقْعَ تساقطِ الأغصانِ
والثمرِ المجففِّ في الوحولْ
أصداءُ من سبقوا خطايْ!
أرتادُ حاناً لا يحلُّ به سوايْ
أيامُه متخثّراتٌ في الكؤوسِ ودونَه تَمضي الفصولْ.
أخليتُ مائدتي لمدعوّينَ ما عادوا لمائدتي الفقيرة
ذهبوا مع الوعدِ الجميلِ إلى مدَافِنه الأخيرة.

من قصيدة ألحان الزجاجي.

***

كريم ناصر

  • من مواليد مدينة الكوت، عام...........
  • رأس تحرير جريدة "بلاد الرافدين"، في أمستردام.
  • ساهم في تحرير جريدتي"البيت العراقي" و "حمورابي"، وكذلك مجلة "أحداق" في هولندا.
  • تغنى بشعره الشعبي العديد من الفنانين كعباس جميل وأمل خضير وداود العاني وغيرهم كما لحن له عديد من الموسيقيين كحسين قدوري، وناظم نعيم، وذياب خليل، ومحمد عبد المحسن وغيرهم.

صدر له:

  • بين حدود النفي، عن دار الأهالي السيّاب للدراسات والنشر، دمشق عام 1988.
  • بُرادة الحديد، عن دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان 2000.
  • أرخبيل الحدائق، عن دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان 2006.

karimnasser815@hotmail.com

القمر البريّ

الحمام ذو الوجه الملائكي
لولاي لوقعتَ في الفخِّ المليء بالزَحّافات
إسمعْ أيّها الصديق إسمع:
كلّما نهشتِ الحيّة قدمَ الهُدهد
تغلغل اليأسُ في نفوسنا
ونضب الماءُ في الحدائقِ بلا توجّع.
لقد تهدّمت مدنُنا التي بنيناها في الواحة
وعلينا أن نقطفَ الثمرَ المتدلّي برزانةٍ ووقار
من أجلِ الحمامِ المختبئ وجلاً في البرج.
حيثما تهبط
أهبط وراءكَ
نافضاً الغبارَ من قميصك
كطائرٍ حرصَ على سعادةِ فراخه.
اسمعْ أيّها الصديق اسمع:

ربّما الأفراس لا تحرسها الحُقول
ربّما انكمش قلبُكَ المُهطع (كسدادةِ القارورة).

القمر البرّيّ

أين الضوءُ ليرقشَ أحلامَنا المضطربة ؟
على السَجّّادةِ تتراكمُ الجُثث المشبعةُ قيحاً
إنَّ الطُيورَ تهرعُ إلى الزرائبِ المقفرة
التي لا تعي الإرهاق.
ها هو ذا قمرُنا (تزهقُ روحهُ)

هنا سقطَ على الشوك محترقاً
شاطفاً الأدغالَ
ماسحاً الدمَ عن مرساتنا.

سوسة

تموتُ العصافيرُ خنقاً
كأنّها مطاردةٌ منذ فكرة الولادة.
أيّتها السماء
الأبدان تورّمت كغُيومِ الصيف
والسوسة شرعت تلحسُ صوفَ الأفعى المذمومة
في منزلِنا تحت السقف.

نمر الفلوات

كالريحِ أرسلتِ الفلواتُ نمرَها الشرس
ثم زحفت كظلٍّ عرقلَ مروره
وتاقَ إلى المدينة.
لو حلمتِ الشجراتُ بالشمس
لو فُطمَ الحزنُ هذه الليلة
لو رتقَ المدُّ شواطئه
لما انقضّتِ الكلابُ على الكناغر.
الريح تداعب الوردة
أقفرتْ منذ أعوام الفيافي
منذ أعوامٍ تداعبُ الريحُ الوردة
مهتاجةً كخفقِ الشراع.

طريق الينابيع

مجبراً على احتمال نعيقِ الغربان
استقبلُ ديدانَها المنتشرةَ كالقذائف
المصائد تملأُ الباحة
والصقيع يلجُ بيوتنا
سوف يطمرُ بصئبانهِ طريقَ الينابيع
لقد غرقتِ أجملُ شجرةٍ في مياهنا
والمقاعد قلّما ترتق فُتوقَ البرد.

ناصب الشباك

لا أُريد أن تظهرَ الخطاطيف على الطريق
ربّما عادَ إلى الوجود
ناصبُ الشباكِ ذاك.

أطلق قمرك لأتنفّس

الأيامُ تشتعلُ
حتى إنّها تمضي كالزوارق
هاهي تتناثرُ كفقاقيعِ الغيوم
وتموتُ كسلاحف استلقتْ على ظهرِها في موجةٍ هرمة.
سنقفُ أنت
وأنا عاريينِ
خارجينِ من كهوفٍ مطوّقةٍ بعظامِ الذئاب
إنّنا وحيدانِ في البريّةِ كدمائنا
حتى البيت بجوارِنا معتمٌ
كعشبةٍ هجرتها الأمطار
حتى النَسر الأحمر أكلَ فراخه
ورمى عظامَها على ضوءِ القمر.
أطلقْ قمركَ لأتنفّس
وأرشدْ دمي
ليتوغّل في رمادِ مدنِنا الميّتة
ليُزهق على الربوةِ غيمة تفاجئ الجبل
لسانُها يلتفّ على دورقٍ فاضل.

لنمضِ
هذا هو طريقنا
المطرُ ليس لنا
ولا كذلك صهيلُ الخيول
فيماهي تقطن الريح كجبالٍ مُثلَجةٍ
تلتهب تحت أرجلنا كنارِ المنجنيقات.
...............
كان الوطنُ يحتضر
كناقوسٍ أُدميَ رأسهُ بعصا الريح
وكان يرتعدُ
كراقصٍ زلِقتْ حنجرتهُ من المِنصَّة
كان ينتظرُ الشمسَ
التي هي في أقصاه.
................
ألا تنظر؟
أمامنا صخرةٌ وعرةٌ تغرز أنيابَها في القناطر
ليلٌ ما يتّكئُ على عجيزةِ عنزة
صباحٌ عارٍ
بعدهُ فتىً وسيمٌ
ينتحي ركناً قصيّاً، عيناهُ تذرفان دماً.
....................
عمداً تنهمرُ أيّها الماءُ
لا زورقَ في المنزل
ولا مِزرابَ في الشرفة
سيدي أسرجْ لي قطاراً يصهل في الليل
يلوي عنقهُ حسبما يُريد.
....................
سنقفُ أنتَ
وأنا لنغالبَ معاً رحيقَ الذكرى
ونجرعَ الرياح
نلتحم ببركِ الرماد
لنعيدَ التُرسَ إلى الناصية
أنظر
إنَّ ظهورنَا تقوَّستْ مثل جبالٍ تكتنفها الأعاصير
المرأة ترتجف
الشَحْرُور يرتجف
الحمائم تفقدُ أعصابَها في المطر.
.....................
أطلقْ قمركَ لأتنفّس
ما قيمة ريحانة لم تثبْ
لم تتّعظ.
.......................
كوابيسُ من الدمِ تهطلُ كالثلج
وهاتِ الملكَ سأدفنهُ في الظلام.
.........................
أنتَ
وأنا درويشانِ هَوَيا في الصحراء
سندبادانِ بلا ماءٍ
بلا شجر
مهرانِ حديديانِ أُلقيا في اليم
وعلينا أن نفذْلكَ المياه
فالأيائلُ تقذفُ أحشاءَهـا
الدموعُ تسيلُ مراراً
كغيومٍ تدلعُ ألسنتها من العطش
عمداً سأقرعُ هذه الطبول المبعثرة في المفازة.

أعناب الدم
والبحيرات

وعل الضوء
بين الكرْمِ والماء
تتوالى الأقدامُ لتنبري في الظلمةِ
كخيولٍ زجَّ بها في المناجم
أيّها الوعل المرصّعُ بضوء الزنابق
انتزعْ قناعك لئلاّ (تدركه المراصد)
لأقصَّ عليك الأخبارَ
عن عوسجةٍ طواها الصَلصال
عن غزلان طعنَّ في البكارة
وربما
عن ديكٍ
ذبُلَ بفظاعةٍ عندما وضع بيضةً في حديقتنا.

الحيّة تأكل قل القمر
تبّاً ستخرج النمورُ من ثُكَنِها
والحيّةُ تأكل قلبَ القمر
لذا
لا تشحنْ رأسكَ بالأوهام
لا... لا
ففي الشوارعِ دُقّتْ أعناق العصافير
وألقي بها إلى حفرةِ الدم
لم تعد تتقاطر الأقمارُ الطريّةُ كما يجب
الطواويس تفسّختْ كليّاً في الماء
والغزلانُ تلعثمت بمجرّد رؤيةِ الدم
رويداً
رويداً
يتسرّبُ السمُّ إلى الترس
فتنهار الصحة
أيّها البطل
أيّها الكارثة
إن لم تفطُن
فلا تشهرْ سيفكَ بعظمةٍ بين الأقزام.

أرْطُماسيا
يا لهذا الأُرْغُل الذي لم يبرح ملامحه
حدّقْ
كم من الأصابعِ انهمرت على أوتارهِ
لعلَّ الأسلحةَ دُمرت بموسيقاه
وحدث يوماً...
أن غاصت زوارقُنا
في شواطئه الحزينة.

الوشَق
حين يخرُّ الثلجُ منتحلاً ملامحَ الوردة
يخطف الوشَقُ المنعقدُ ـ المتجمّد ـ
ها هنا
أمامك
حين تتناسقُ الأعاصيرُ كممرّاتِ الماء
يكتمل الطوقُ
متوسّداً الساحلَ الأقصى
الذي نوارسهُ غربان.

نحو الوهاد
إلى هناك
فلْترحلِ الهوامُ عن أعنابِ الدم والبحيرات
هذا القنديلُ أوشك أن ينطفئ
بينما لا أعرفُ متى ستنطُّ الغيومُ
بدمعها المراوغ.

الهبوط
بهذا يتكرّرُ الماء الذي أنجزتهُ البحيرة
القناعُ المبتدئُ من صقيع فنائهِ
بهذا الهبوط الغريزيّ
يتكشّفُ المشهد
ذلك الكون المتخبّط أسفل الصاعقة.

دبق العنب
شممتُ من دمكَ رائحةَ تكسّر زجاج
النوافذ
والشمس تخرُّ من أعلى المنارة
شممتُ هياجَ الروثِ تحت طقسِ العريشة.

كتاب المصادفات
كما السفينة
ستغفو الروحُ فوق بحيرةٍ مضروبةٍ بالإعصار
(وثمار الثلوج والأسلحة)

سيحدثُ ذلك وأنا أتصفّحُ كتاب المصادفات
آه..
آه..
القمرُ يشبه قرطاً
والحوتُ مثل مجنونٍ
يفترشُ المخيّلة بمراوحهِ السماوية.

خلف التل
ذي المُلاءة
إنها تتدلّى منذ قرنٍ بعيد
ألم ترَ سُرفتها كيف ترقّع قميصَ
الذاكرة المشقوق ؟
ألم تلمس يداكَ سَقاطةَ الباب ؟
إلى النهرِ يهبط الحلمُ
وخلف التلِّ تئنُّ الظبية
آه..
مَن سيعتقُ الزورقَ المجندلَ على الحائط ؟.

برق الأيام
فكما تسترجعُ الذاكرةُ غياهب ماضينا
النسيانَ المكلّلَ بالصقيع
الطفولة المبتهجةَ
الضالّةَ دوماً
فكما تسترجعُ الحناجر مزاميرَ صَبَواتنا
أبتدئُ من جوفِ المياه المنسكبةِ
من آبارٍ هبطت بسلالم يملأُ غبطتها برقُ الأيام.

عن الملاك المكتنز بالضوء
أيّتها المدينةُ المغرورة
الملاكُ الذي يتسلّلُ مليّاً من الكوّةِ
سيختلطُ بضوء النوافذ
ويهبط كنيزكةٍ
كما لو أنها ترشقُ المبغى بالحجارة.

المحارة
كفى عتاباً أيّها الرملُ
ها أنا لا أسفـكُ دماً لأحدٍ
ألا تصدّقني !؟
كلّما نظرتُ إلى المحارةِ
أجدني
محلّقاً كطائرٍ يستدقُّ المجازات
هي ذي الحقيقةُ
أيّها الرملُ الذي لا ينهمرُ إلاّ من أجلي.

طائرة الحرب الورقية
النبعُ:
شريانُ المسافاتِ المقطوع
والمصبُّ في الواحةِ
يطوي أفعاهُ
صارخاً بديدانهِ:

اقتلوها
كما لو كان يرشقُ بكلاليبه عظامَ البيادق
أيّها البارع
ربما لم تندم على شيءٍ من هذا القبيل
حتى لو تخلع وشمَ البطل
حدّقْ
الطائرةُ المختبئةُ تحت سفحِ الجبل
تتسلّقُ عمداً هِسترْيا المنحدرات.

الريح قبل الأوان
حينما أتذكّرُ عظامَ الطائرات المنحوتةَ كالسلالم
فيتهدّمُ سقفُ الدماغ
وكالباحثِ عن أصابعهِ المشقوقة
أستنطقُ المرآةَ التي على الجدار
لأقنصَ النمر
القواربُ تجنحُ للغرق
والقواقع أُفرغَ دماؤُها
ويمكن أن يجفَّ العمر كما لو أنه تلقّى
صفعةَ الريحِ قبل الأوان
الصفصافةُ تشطرُ المرقاةَ
لِمَ تتقاطر الأوهامُ ولا تقطر الجُنبُذة ؟.

***

كاظم الحجاج

  • من مواليد البصرة، عام 1942.
  • بكلوريوس شريعة وآداب من كلية الشريعة جامعة بغداد 1967.

صدر له:

  • أخيرا تحدث شهريار، مجموعته الشعرية الأولى بغداد 1973.
  • إيقاعات بصرية، بغداد 1987.
  • غزالة الصبا، عمّان 1999.
  • ما لا يشبه الأشياء، بغداد 2005.
  • دراسة أنثربولوجية في كتاب بعنوان: المرأة والجنس بين الأساطير والأديان، صدر في بيروت 2002.
  • يكتب عمودا صحفيا أسبوعيا في صحيفة (الأخبار) البصرية منذ صدورها في آب 2003 عنوانه (بهارات).

اللون الأحمر

كرب الجنوب ملاحمي أنا
وعمري خمسة وستون صبراً
ـ في الشرق عقوبتنا طول الأعمار ـ !!
وأنا رضيع ترَّبت معي ألواني:
فمن أسناني سرق الحليب بياضه
ـ كانت مرضعتي كريمة الثديين ـ
وشعري وجه (أرض السواد)
من الرعاف الأول، عرفت احمرار دمي
ومن عقوبات الركض الحافي
ففي زماننا كان القتلُ أقل من الموت على السرير
(موت الله) !.
وكان القتلة مطلوبين .. لا طالبين
وحتى في الأعياد أهلنا لا يعلنون دماء الخراف
ولا يذبحون الديوك إلا (للعباس) !!.
قمصاني لا تتبدل إلا في المواسم :
لبست الكتان بلون وجوه الغرقى
والصوفَ بلون الخوص اليابس
لكني أخجلُ من قمصان حمر حتى الآن
ومن كتاب القراءة الابتدائي ـ من شعر (صفي الدين) ـ
عرفت أجدادَنا يتباهون بالدماء، تقطر من مواضينا
ومن المعلم الابتدائي
عرفت (الماضي):
هو السيف .. لا التاريخ
فمن شعركم يا جدي
صار الدم اللون الأول في أعلامنا.

اللون الأبيض

* ثانياً: أتذكر جاراً له (قلب أبيض)
لا تتأكد من ألوان القلوب
فالتشريح حرام في الشرع ..!.

*عروس قريتنا الأولى زغردوها بالأبيض
ـ كانت واضحةً حتى لعريس أعمى ـ
وكانت ضحكة العروس من الحليب كذلك
فأمها ـ مثل أمي ـ كريمة الثديين
والعروس .. حليب وجهها كذلك
كأنها من ثوب الزفاف خلقت، لا من الطين
والحسناوات لن يحتجن إلى المرايا
ـ لأنهن متأكدات ..!.

* وفي الختان دشداشتي من (الململ) الصريح
ـ كأنني عروس أهلي ! ـ
أنا والعروس طيران من البياض
والطيور على ألوانها تحط، لا على أشكالها تقع !
أحببت الأبيض أبيض
ليس من كتاب القراءة، ولا من شعر (صفي الدين)
بل من قلب جارنا، ومن أسنان ضحكة العروس
وأحببت الأبيض من علم الخميس المدرسي أحببت الأبيض
أبيض
حتى بلغت الثلاثين
فوافقت على أن الأكفان
هي آخر ألواننا. !!

اللون الأسود

أمسح عباءة أمك
أمسح دشاديش عاشوراء عن (ململ) الختان
أمسح مجرى كحل الحسناوات عن الخدين
أمسح بكاء الأمهات في مطابخهن
ـ بحجة البصل ـ.

تقول اليونيسيف :
(العراقيات أنظف النساء عيونا !)
أمسح الكربلاءات عن وجه (أرض السواد)
إغمض عيون المذبوحين (بذنب أسمائهم !)
نصيحة إلى العراقيين الآن:
(لا تحمل اسماً سماه أبوك
بل اختر اسمك منذ الآن)
أغمض عن المرآة وجوه الأطفال
بلا آباء
وبلا أعيادٍ
وبلا أعمار !
وأرجع إلى قصيدتك الأولى:

أبعد الأحمرَ عن علم العراق
ـ لون السيوف ـ
وأرجع إلى قصيدتك الثانية:
أبعد الأبيضَ عن علم العراق
ـ لون الأكفان ـ
وأرجع إلى قصيدتك الثالثة:
أبعد لون العباءات عن علم العراق
فالبساتينُ ـ ليس العباءاتُ ـ.. (أرض السواد) !

عالم يترجمه (طه باش) من اللوح العاشر
أرجع إلى "أوروك"!

وأسأل أمك " ننسون " سليلة الآلهة، أن تفتح فاها
وتكلم أرباب أوروك الخالقين:
لا تجهدوا أيديكم المقدسة لتخلقوا جرادا لزرع أوروك
ولا ذبابا لتمرها، ولا قملا لرؤوس فقرائها!
بل أجمعوا الطين الذي منه تريدون خلق الجواد والقمل
والذباب
وأصنعوا منه أرجلا لمن مسختموهم عرجا من أبنائها، وعيونا
لمن أولدتموهم بلا عيون!
ولتسألهم سليلتهم أمكم ننسون، إلا يبخلوا بالقوة على
رجل، ويضعوا قوتهم في خنرير الأهوار!
فكفى أوروك أناسا بلا أرجل أو عيون، وكفى خنازيرهم
ولتسألهم أمك الحكيمة: لا يكونوا على القرى أقسى من
شيوخها
وأبطش من عنانها..
ولا يكونوا آلهة شرور و رزايا: تؤنسهم زلازلهم، يقلبون بها
قدور الفقراء على نيرانهم! ولا يمهلون أما تكمل سحب الغطاء
على برد صغارها!
ولتسألهم: لا يفرحوا بقحطهم وجفافهم، يغصنون به خدور
أرض أوروك، ويحبسون فرات السماء عن قمحها!
ولتخاطبهم ـ بلا مواربة ـ ننسون، أن يعيدوا اطه إلى صدور
كهنة أوروك.. ولو بالسياط
كما أدخل الكهنة الإله إلى صدور الناس بالسياط !
هامش كهتوتي
في لحد الأديرة النائية توفي أحد الكهنة، فعلق الدير رقعة رثاء سوداء مكتوبا عليها.
" في الساعة الرابعة فجرا غادرنا إلى السماء الأخ (بيير)
فله الرحمة"
وعند الظهر مر عابر خبيث ـ ولعله ملحد ـ، فأضاف إلى الرقعة
ما يلي:
"السماء ني الواحدة ظهرا.. (بيبر) لم يصلنا لحد الآن، نحن قلقون".

لا تبرح أوروك !
فلا أمان لكن على ظهر حصان، وإن يكن أبيض العرف، ناصع الأبوين !
وتعبر البحر، كل البحار فناياتها لا تهدي سفن الغرباء!
وفي تخوم موانيها شرور ملثمة بالمرجان!
وغدر مخبأة مقابضه تحت الآباط!
ولا عهود هناك تخجل السيوف من الرقاب! وتحقن الدماء ولو عن نبي!
وإياك أن ترفع شراعا يكنن الماء من حولك.. ويملؤه نوارس كاذبة، تتبدد
بالمجداف!
لا تعبر البحر ولو على ظهر سفينة "أوتو نبشتم" القصي سفيتنه المطلية بالقار، والتي لحولها ثلاثمائة ذراع.

هامش:
في مكتبة " شركة اتلانتك الأمريكية للتأمين البحري المتبادل " معلومات خاصة
عن سفينة نوح وهي كما يلي :
" بنيت عام 2448 ق.م، من خشب جوفر. وطليت بالقار من الداخل والخارج وهذا ما يؤكد عراقيتها - ملاحظة من الشاعر طولها ثلاثمائة ذراع، والإتساع خمسون ذراعا، والإرتفاع ثلاثون ذراعا، ذات ثلاثة أسطح، تستخدم لنقل الماشية..
صاحبها نوح وأولاده.
أخر أخبارها أنها جنحت فوق جبل أرارات! ".

لا تبرح أوروك !
فلن يحتاج الأمر إلى "اوتو ـ نبشتم"، القصي
فعشبة خلودك التي إليها تسعي نابتة هنا في بساتين أوروك!
وتحت أسوارها تنطرح جثث الأجداد خالدة.. في الدود!
لا ترفع أسوار أوروك بعد!، بل وطئ بيديك المشعرتين القويتين أسوار
مدينتك!
وارفع قامات أهلها، يصيروا أسوارك!
فليس سور من حجر أمنع من سور من رجال!
سجل كل أبناء أوروك أبناءك!، إن لم يكونوا من نسلك فمن نسلهم
أنت تكون.. يتقدس بكم ترابها الذي منه جبلتم جميعا..
وعمر أسواق أوروك من جديد، واملأها بالتمر والبقول والسمك.
وأهوازها املأها بالطيور، تعشش آمنة على ظهور الجاموس!
واستخرج المسك من ظباء أوروك الشاردة، وتطيب به، وطيب ثياب
رجالها ونسائها.
ودلل صغارها، كما لو من ذريتك يكونون.
فأنت مليك وراعي أوروك، وكل مولود تحت عرشك ابنا لك يكون..
لكن أمهات أبنائك هؤلاء محرمات عليك!.

فإن شئت أن تكون لك امرأة تضيء فراشك، وتصبر مساءك
فأسع إلى ابنة مليك آخر من بلد قصي، وأخطبها لنفسك..
فبنات أوروك بنأى، بينهن وبين مليكهن حد الزنا!
اختر لك من بين النساء البعيدات جارية من هناك..
وليكن شعرها أطول من ليل المهموم! وأعم من مديح الملاك!
شفتاها عسل محروس بشموع الخدين.
لا يعطر غنجها حياء الأمة من مولاها، ولا حشمة العابدة من معبودها!
تمسح فراشة ملمسها بيديك المشعرتين.
وبيديها البيضاوين تشفف لك قتامة أساك وجهامة وجولتك!
وتحل الحرام من عريك!
في بستان أنوثتها تبارك حرثك، وتبذر بذرك..
ثم تقطفه طفلا يتطفل في مهد يديك، ويلثغ اسمه في أذنيك..
ويسمعك أحلى مزامير ثغائه!
لا ترحل عن أوروك!
ولا تبحث عن عشبة لدى "أوتو ـ نبشتم" القصي..
فأنت تعرف أن لا خلود لك إلا في أوروك، فعدد نسلك فيها:
بشرا، وبيوتا، وبيادر، وقمح، ونخلا، تقوي عروقا هشاشة أرضك.
وجاموسا يخلد أظلافه في الطين!
وسدودا تنسئ الماء ليوم الحاجة، وتحمي بيوت أوروك وبساتينها من كرم
الفرات!
وطيورا تمسح الوحشة عن السماء، وتبعد الحرج عن موائد الفقراء!
وقبل أن تعود إلى أوروك تعال إلى حانتي الآن، وخذ منها حكمة الملوك!
أترع كأسك، يتبخر الحزن من رأسك، نازلا إلى قدميك.. متى أنك تدوسه
لو تشاء!.

وانظر إلى شحاذ أوروك يجول في أسواقها، دلالا ينادي على كرامته
يبعدها برغيف! يهان مرة ويعطى أخري.. (وهو حين يعطى.. يهان!)
أنظر إليه حين يجيء حانتي به الغروب..
أوصيت نادلي أن يهيئ للشحاذ أكرم موائدي، ويحييه: يا سيدي!
وحين الشحاذ ينهي كؤوسا ويؤذن بالرحيل، أشير إلى نادلي سرا
أن يطالبه بطية الشاربين للنادلين..
أفتعرف يا ولدي كيف يسترد شحاذ كرامته.. حين يعطي!؟ ..
لا يخرج الشحاذ من حانتي إلا متعثرا بكرامته الجديدة الطارئة
كما يتعثر الفقير بثوب عيده!
وأنظر إلى رجل أوروك الذي امرأته تهينه كل صباح..
لا أترك النادل يخدمه.. بل بنفسي أقوم على خدمته، أعوضه عن جحود امرأته.
وأدير ظهري ساعة كاملة لكل من عداه!
وحين الرجل ينهي كؤوسه، ويأذن الرحيل..
أضع كلى خده قبلة أخت لأخيها.. وأترك له أن يراها غير ذلك.

هامش أخير:
بعدما كشف المنقبون عن ملحمة جلجامش، وافتضح ما سرقه الكهنة
العبرانيون ـ في توراتهم ـ من قصصها، لجأ كهنة بعدهم إلى تنحية التوراة
وابتكار "التلمود"، لكنهم جعلوه تلمودا مكتوما بينهم، لا يترجم ولا يخرج من كنيس
مخافة أن تحل بهم فضيحة كونية أخرى.. تأتيهم دوما من بلاد النهرين !
تعال إلى حانتي يا ولدي..
ومنها تعلم حكمة الملوك.. مع الرعايا!.

***

حنتوش

  • من مواليد محافظة الديوانية جنوب العراق، عام 1947.
  • توفي عام 2006.
  • خريج معهد الهندسة العالي.
  • ويعتبر من مؤسسي حركة شعراء الصعلكة التي ذاع صيتها في آواخر السعينات والثمانينات.

أصدر مج موعته الأولى:

  • الغابة الحمراء، عام 1986، وأسعد إنسان في العالم.
  • وقصائد كثيرة ليست ضمن مجاميع شعرية.

ديونيسس *

يـؤيـؤنا **
حطّ لديك
فترفـّق
القلب المعصور
المتسلل
كما الليمونةِ المعصورة
هوى
بين قضبان سجن معتم
وسط الدهشة
بل الغفلة
لأنه قدرٌ مأفونٌ
يتصيدُ في ماء عكر
تمنيتَ
فراشة ً
ولقد فزت
بجناحيكَ
تعزف لونيك
الأبيض
والـ ...
يرتعشان
لكنك ثابت
بحزم.
كنت ملاكا بجناحين
ضللت دربَ تبّانتك
نسيتَ خمرتك في عل
شقيتَ تتفقدها
تتذوق بدائلها
مغشوشا كنتَ تقولُ
كما عربيد السلطةِ
مسحورا بنياشين الدم.
النمرُ الخارقُ
كنتَ تقولُ
كفأر مسحور مبتل
ها أنت ذا ثانية ًعُدتَ
تشاكس:
غزيلات طفولتك
وسنانير البني
والشبوط
و(طوّاشات) التمر.
استهوتك اللعبة
رحتَ تترصدُ من أسفل
كيف تتشكلُ مخاريطُ التل
المقلوبة.
تضوعُ طيبتـُك
بمحبتك
الأهيَبُ لزهرتك الشطرية
تحب
كم حيّرتَ جبروتاً !
وهبوكَ كلّ علب الويسكي الفاخر
والسيجار الساحر
لكنك فضّلت (عرَقـَك)

من عَرقِك
وسجائرك اللف.
تتبسمُ:

لا بأس بصدق منادِم
مثلُ عرق ( الفـَل)

لأجل أَن يُخدّرَ ألم وجودٍ **
تحت نير التجار الملغومين
سماسرة البَين
تحاشيتَ حليبَ عصافيرنا
شربتَ حليب (سباعنا)

فـَثمُلت
وغيُركَ
كرَع َ كلّ براميل النفط
لبسَ قناع َ الجلادين
ما أرتعشَ له جفن
توسلتَ دنوّ القنفذ
ـ استعجلت! ـ
يا لبؤس الجلاد
رُعائيّ ٌ
يلتحفُ تابوتَ زجاج ٍ
يرتجف وسط الهمس
لا يفقه معنى الموسيقى
مغرم بتراب الرمس
أحمق قنفذك
يا هذا.
يبحث ما زالَ ويبحث
عن (عرق سواحل)

والحلّ ُأسهل من أسهل
جرّبناهُ قبل الأمس:

قد أنبتّ لقنفذك
عودَ قرنفل
وهو هذا
فلترحل:

(زي الناس)

وستعودُ
ولا بأس!.

* ديونيسس: Dionysus إله الخمرة.
* اليـؤيـؤ: صقر صغير.

الجـــذور

في الليل يعود أبي مهموماً
آثار الجص على دشداشته دوماً
يمسينا بالخير
يفتح كيساً ورقياً
فتضوع روائح باقات الرشاد
وتضوع روائح خبز المعمل
في غرفتنا الطين
مرات في منتصف الليل
أبصر والدتي تتنصت في السر
إلى صوت أبي المفجوع
الدنية ألتحفت بيه وانه إلها
ترجه عود آخاويها وانلهـا
وتنحب في السر
فوق سرير معمول من جريد النخل
مرات في عز الليل الظهر
تأخذ والدتي للترعة قدر الفافون
تأخذ يشماغ أبي
وحضائن أختي
تهمس في أذني
در بالك من قطط الجارة أم حسين
مرات في عز الظهر
تأخذ والدتي منجلها
وتروح
فتشع كلبتنا السوداء
بالعينين الدامعتين
وتغفو قرب الكوز
ذات نهار بارد
قال أبي:

صرنا نتدفأ بالشمس
ذات نهار بارد
كانت والدتي
تقبع واجمة
قرب التنور البارد
ذات مساء بارد
كان لحافي بارد
ذات مساء حلو
عاد أبي منشرحاً
قال لوالدتي شيئاً
أعطاها شيئاً
وابتسمنا
فرأيت شفاهاً
تطلق أقماراً لليل.

قصائد عابسة

جئت إلى نادي الأدباء
مهووش الشعر
غريباً
وجلاً
مرتاب
فلقد أنبأني ملكُ الأفاقين السبعه
بأن صديقي الشاعر
قد ضاقت أنشوطتهُ
والدنيا خطت دائرة النار حواليه
بجناح غراب
لكن البواب
يرجمني بحصاه
ويطاردني بعصاه
أحني رأسي حتى بوز حذائي غير المصبوغ
كأجير مصريٍ في بارٍ لسراة القوم
-عفواً إن صديقي الشاعر
يقبع تحت السروِ
كجرو
منتظراً أن أنسف وحشتُه وأولّي
انظر
لدي قليلاً من بارود الحرب
انظر
بلتني الأمطار تماماً
والقمر الأخضر غاب
لكن البواب
ثانية
يرجمني بحصاه
ويطاردني بعصاه
أقفز بار الأدباء
أتخطى الخافر
والساقي
والبواب
وأحطُّ على مائدة الليل
حيث الوحشة كالناعور
نازلة صاعدة
صاعدة نازلة
يأتيني رأس الندل المتخفيّ في زي غراب
ماذا تطلب يا سيد ؟
قنبلة!.

***

مؤيد الراوي

  • من مواليد مدينة كركوك شمال العراق، عام 1939.
  • أنهى فيها دراسته الثانوية، عمل في سلك التعليم بعد أن حصل على شهادة دار المعلمين. عاش في العاصمة بغداد حتى العام 1969 مشاركا في الحياة الثقافية، وأُعتبر أحد رموز التجديد في الشعر العراقي الحديث بقصائده التي نشرها وبآرائه النقدية في مجال الأدب والفن. غادر العراق بعد الانقلاب العسكري الثاني لحزب البعث إلى عمّان ثم إلى بيروت ومكث فيها حتى العام 1980 معايشاً الحرب الأهلية فيها.
  • أصدر ديوانه الأول: إحتمالات الوضوح، عام 1977 في بيروت.
  • يعيش في برلين منذ العام 1980 مع زوجته وطفليه.
  • ترجمت قصائده إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية.

جليل القيسي
حارس المدينة

رَأيتَ
ما لم نرَ:
(في مِحْجَريكَ عينان ِمن عقيق)
أبصَرتنا
نَرحَلُ بريح ٍخفيفةٍ تضربُ قلوعنا
آملينَ الدَهْشةَ
نَحمِلُ جمرَ ما سيأتي
وأنتَ بنَفْس الحريق الذي شَبَّ
مَكَثْتَ
لِسَفينَة ٍ
تُبحِرُ
مِنَ
الماضي
تنتظرُ لها ماء الطوَفان
شاخِصاً في الزمان
تُرَتّبُ تاريخهُ
تضعُ هذا الشخصَ هنا
وذاكَ الشخصَ هناك
لا لِمَوَدّةٍ
وإنّما الأرواحُ هكذا
تَتَخاصَمُ
وتتصالحُ
بَعدَ كلّ غمْر
فتأتي السفيتةُ جانحة ً
تبدأ برَتقِ قعرها
مثلما تُهَذّبُ بالكلماتِ طفلاً يتعلمُ الكلام
ثمّ تنحَتُ من الصلصال سِفْراً
للبقاءِ
وسِفراً للرحيل
لأنّكَ
تَوَهّمتَ
وَرأيتَ
ها نَحنُ هنا
أمامنا أقفاصٌ طافِحَة ٌبالوَهمِ
نداريها بالنوم الطويل
لنوهِمَ الوَهْمَ
وَنحَمّلُ أيامناعلى فراشاتٍ تَموتْ .
نحنُ هنا
مُقنّعونَ بالرضى
في غُرَفٍ مُقفلةٍ
نفتحُ أحياناً
في خدَرِ الوهم
أبواباً على الليل ِ
لعَلّ من يأتي سَيُدْهِشنا
بيدِهِ مسحاة ٌ يُقَلّبُ الصدور
أو يَحْمِلُ لنا عُيوناً
جاءَ بها من الماضي
نرى بها
وجوهَنا
في شِحَّةِ الفانوسِ
نَرمي النَردَ
ونقامر
مثل لصوص
على مَن سَيأتي
وماذا سيأتي في المنام ؟
طائرٌ أو صَيّاد طائر
أو ربما عَرّافٌ
يسردُ سيرتنا الموجزة
ويقترحُ أن نذهبَ
معَ المُهَرّبينَ
إلى تلكَ البلاد.
ها نحن أصبحنا مُفلسينِ من الوَهم
لأننا
كَرّرنا ما رأينا
والأيّام كانت الأيام
تّنزَعُ جلودها كالأفاعي
لِيَمْضي بنا الوقتُ
بطيئا
ونحن
ننتظرُ
ريحاً أخرى تنشِرٌ لنا القلوع.

2

رَأيْتَ
ما لم نرَ:
(في مِحجَرَيكَ مرجان ٌيَشِفّ عن رؤى، فيُنذِرُ عن جحيم ٍ يتكوّن)
على جَبينِكَ المعروقِ من التتبّعِ وَشمٌ لدهشةِ الطائراتِ
تُحِبّ الحريقَ وهيَ تحَلّق
توَسّعُ المدى وتوَسّعها
ثمّ تُعَمِّقُ للموتى قبورهم؛
جُنودٌ يَربحونَ الحَربَ
وجنودٌ يخسرون:
رهانُ مُضاربٍ على قِناع ٍقديم
دهشَة ٌفي العينين الكليلتينِ
حينما
يُفَسَّر الموتُ ـ برضى الضميرـ
دَعابة ً
أو لعبَة مقامر ٍ
تنبعثُ غيمة ٌكالزعفران
تُغطّي القرى
وَتُفَسّخُ الأشجارَ
لِتُعلِنَ الناسَ إضمامة وقودٍ من فحَمْ.
أقوى منَ الإلهِ انتحال الأنبياء.
أعلى من السماءِ طموح الأدعياء.
يأتونَ مثلَ راءٍ مُزَيَّفٍ
راهنَ
على القوَّةِ
ولم يخسر الرهان.
رأيتَ
كُلاً في مَخبَأهِ
ووَجهُكَ مُكرَّرٌ في غرفةِ النوايا حتى تعَكرتْ.
الرأسُ مغمضُ العينين ِ
لِئلا ترى
كائنات من شقوق السقفِ تدعوكَ إلى الوليمة
بأكفّها السكاكين.
راقَبْتَ الأفاعيَ تقتاتُ على الأطفال ِ
مُتسللة ً إلى المهدِ الذي تهدْهدهُ
وتعبث في الرمادِ المتبقي أمامكَ.

3

رأيتَ
ما لم نرَ:
(في وسْع ِ عينيكَ زُمُرّدٌ ويغطّي حاجبيكَ الذَهَبْ)
هوَ التنبؤُ بما سيأتي:
قدَرٌ يحمِلُ ألغازاً
تفَكِكُ أنتَ أسرارها
وتداوي الناسَ - منسوخينَ منَ الخوفِ-
تُضمّدهم في الأسِرّةِ:
جُثثٌ تخَشّبتْ وجَفّتْ منذ عَهْدٍ
يَفعَلُ الحَطّابُ بها ما يريد.
مِبْضَعكَ في القلبِ نِواحٌ
وأبوابكَ إليهم مُضَيَّعة المفاتيح
هكذا المدنُ
والطرقُ
والسماءُ
والطعامُ مُفْسَدَةٌ
والماءُ الذي يغسلُ الخطايا
يَسكُبُ تعويذةً للخلاصْ
لكنّهُ دُعاءٌ بِلُغةٍ مُبهَمَةٍ
يَتَحَدّثُ بها الشيطان
تَعرفُ إن الحريقَ الذي سيأتي
يَجيءُ بَعدَهُ الطوَفان
وتراهُ الآنَ ثِماراً فاسِدَةً:
تَرى بعَينَيكَ الأوْبِئَة َواقِفة ً
راع ٍ يقودُ رَعِيّتهِ إلى الذئاب
وكلّ بابٍ موصَدَة دونهُ على دعاءِ الصلاة
ومن يُصَلّي الفجرَ
يَخافُ غِياب الزمن.

4

رأيتَ
ما لم نر:
رَأيتَ في الضغينةِ حقولاً لا تتعافى
وفي بذورِ الشّرِ
يَكبرُ الأطفالُ.
يَدٌ من المجهولِ تَمْنَعهم، وأنتَ تعود إليهم عجوزاً من الكهوف
على ظهركَ المنحني تحملُ كنوزاً
جَمَعتها من السماء
حينما تخاصمَت الآلهة ُرَمَتْكَ بالهدايا
أسفارٌ لمواعيدٍ لا تتحقق
وتداولٌ لِدَعوَة الإثم
يُبَيّنُ لكَ ما في الليل من إضاءات
تشغلكَ الكتابة ُعلى الطين
تأتيكَ وتنهضُ منها السماواتُ
والأنهارُ تفيض.
سماؤكَ رمادِيّة
ونَهركَ المرتجى طافِحٌ بالجثث
تخوض في لغةٍ أخرى
وأنتَ مُتنقّلٌ في الماضي
تمسك بخوفٍ
أصابِعَكَ التبْحَث عن الكتابةِ:
عِظامٌ ليست لكَ
تختبيءُ في عشبِ الصيفِ مثل طير ٍمذعور
وأصابع غيركَ على الفأسِ موشومة ٌ
تخفي نيتها وتنزلُ على الرقبة.
فِخاخٌ هيَ اللغة
والكلمات التي تنحتها مُكرّرة
ينصبها صيّادٌ مُحِبٌ للطيور
وأنت قد خبِرتَ
الكلماتَ
هيَ
مُجَرّدُ كلمات
تمضي بها إلى الممالكِ القديمةِ
ثمّ ترجعها، إلى الأرض، بالحكمةِ التي لا تجدي.
لكنَ الأرضَ، كما ترى، أرضٌ
وهكذا العناصر الأخرى
لا تتغيّر.
هكذا
الخليقة ُهِيَ
لا تحَرَّفُ
ولا تضيَّعُ بالكلمات.

5

رأيتَ
ما لم نرَ:
(مدينة من حَجَر ٍ يفيض كلّ عام نهرها ثمّ يَجفّ، محروسة ٌبهذا الإدمان وبتقادم الزمن)
إلى صَحْن ِ داركَ الصخري لجأت ملائكةٌ
نسِيَها اللهُ
أو
أهمَلها لِحِكمَةٍ
أخلتْ قلعَة َ" كركوكَ " للجنودِ
يَعقِدونَ صفقة ً مَعَ التاريخ، يأخذون مخالِبَه.
يَعبرونَ جسرَ المدينةِ الحجري، ليوصدوا أبوابَ " شاطرلو"
مَدخل الجَنّةِ مُغلقٌ
وفي رأسِكَ يَضيعُ ألَقُ المكان.
ترى جنوداً يلبسونَ دروعَ الماضي
يبنونَ القلاعَ
ثمّ يُهَدّمونَ أسوارَها
مُثقّلينَ بالحديدِ - تتلصص عليهم -، يَحرثونَ حدائِقَ " ألماز"
وفي الفجر، خوفاً من الذئاب، يَصرخ الموتى على تلّة " دامر باش"
فتحمل لهم رفشاً ليهربَ اللصوص.
بعيداَ تتخفى عن " صاري كهية " وتحوم حولَ "عَرَفَه" المسوّر بالأخضر:
أماكنٌ لكَ
تحتفظُ بها، وتحفظها لنا كسوار الذاكرة.
غرباء جاء وكخيال المآتى
عابرو الصحارى
ومُهَرّبو الجبال
يخلطونَ الرملَ بالثلج
يطبخونَ على نار ٍهادرة
يَتخيّلونَ المُدنَ دَعْوَة وليمةٍ
تعطيهم الحجرَ ومنعطفَ الطريق
لكنّ المدينة مبهمة ٌ
ولها روحٌ تحْرِسها الآلهة ُ
تخفي عنكَ نهوضها
وفي الأسرار ِميراثٌ
يُغني العُمرَ
وَيَقي المدينة.

6

رأيتَ
ما لم نرَ:
من زمان ٍيولدُ هذا الطاعون هنا
وكان هذا الحريقُ دوماً
ذريعَة ً للتطهّر
فأرَدتَ أن تأتي إلينا
هارباً
برداءٍ
وبمسوحِ
قِدّيس
غافِلاً بأنّ اليُتْمَ بين اليتامى عواءٌ
ينبعِث من نهش الكلاب.

7

رأيتَ
ما لم نرَ:
(فصولاً مُقفرةً، لا وردة تشعُّ في الذاكرة)
يعيدها الأمواتُ من زمان ٍ رماداً
أو
وجوهاً مُبهمة ًتنمحي
كما الأشباحُ
بحمى مريضٍ
أو
مَعْتوهٍ بماض ٍ
ينسجُ أطيافاً لِمؤونةٍ في المجاعة
جئناكَ صباحا، وفي أيدينا مرافئ للسفر
(كلّ بحر كانَ حديقة لزهورنا الذابلة)
جِئناكَ غرقى بالكحول مساءً
ثمّ هادنّاكَ بالحوارات وقت الظهيرة
نحمِلُ ناراً تُوَشّحُ بها غِبطتكَ الأليفة
فارس الوقتِ أسميناكَ
وخيولكَ الخيال
أنتَ هنا
صَحوَة ٌ مُرتجى
وأنتَ هناكَ
بالتذَكر ِ
زؤادَة ٌ في أكياسِنا
ونحنُ
كما ترى
نُقلِّبُ السيرة َونعودُ إليكَ خفيَة ً
لِنأكلَ معاً فطورَ الصباح..
مِنْ زمان ٍنخافُ معاً
أن يأتيَ الماضي
حاضراً أمامنا
ثقيلاً نمسكهُ
ثمّ نفحَصهُ
غيْمَة من حديد
فتصبَحُ الفصولُ أمامنا مُقفِرَة.

8

رأيتَ
ما لم نرَ:
يَمضي الزمانُ بكَ كقطار ٍعتيق
يُسَيّرهُ اللهُ لكَ بطيئاً
لحكمَةٍ في الموتِ
أو لِنداءٍ من القيامة
أيّامٌ يُلوّثُ دخانها العُمْرَ
ويوشيهِ بالسواد
مثل راياتِ الخطيئة
تُشجِّعُ الضرْبَ وتشقّ الصدور
هيَ عُتْمَة ٌإذاً
وأنتَ في الظلمَةِ تفتحُ الضوءَ للمشهَد:
ممثلونَ بأقنعةٍ
وحكواتيٌ تحتَ عباءتِهِ ضباع
َجعَلُ الناسَ في الليل يطوفونَ
وعشاؤهم في صُحون ٍمن الدم.
ها نحنُ نرى
وأنتَ، أيضاً، ترى
في الضوءِ العَكِر ِطقوصاً بأعراس ٍمُلفّقةٍ تقام
خِرَقُ أعلامٍ يباركها اللهُ
مَعْقودَة ٌ سارياتها بالتعاويذِ لِوَجهٍ يتكرر
ماثلٌ بالتفويض يباركُ الجموعَ
فيَعودُ الطبّالونَ، هكذا، من البهجةِ
مُتْعَبينَ
غائبين
قادتْ مَزاميرُهم الناسَ الى البحر غرقى.

9

رأيتَ
ما لم نرَ:
(في عينيكَ الدامِعَتينِ حيرة المعرفة)
الدمُ يوغِلُ في المدينةِ
يغسلونَ بهِ الأمواتَ
ويرتدونَ الكفنَ، بُردَة ً مُهَلهَلة ً من بياض.
البِلادُ مُسَوّرَة ٌ
والروحُ فاسِدَةٌ
وأنتَ
في وليمَتكَ المستمرةِ ساحِرٌ
وحارس للمدينةِ
تُحضِرُنا في غفلةٍ من المحاصرينَ
تحكي لنا عَنِ الخَطايا
وعَنِ العِقابِ
ماثلٌ كفأس ٍ
مكتوبٌ على الجبينِ
منذ الأزلْ.

***

محمد النصّار

  • من مواليد الناصرية جنوب العراق، عام 1961.
  • حصل على بكالوريوس في الأدب الإنكليزي عام 1987 من جامعة بغداد.
  • عمل في الصحافة الأدبية والتدريس لمدة تزيد على عشرة أعوام غادر العراق عام 1994 إلى الأردن التي عاش وعمل فيها حتى عام 1998، حيث سافر إلى كندا التي يقيم فيها منذ ذلك الحين ترجمت له بعض النصوص إلى اللغة الإنكليزية.

صدر له:

  • السائر من الأيام، بغداد 1992.
  • تنافسني على الصحراء، بغداد 1993.
  • حياة ثالثة، بيروت 1996.

alnassar61@shaw.ca

حتى الأبد

إلى رعد عبد القادر
ليست مرثية بالتأكيد

من المؤكد أن التكرار قديم مثل الشمس
لكن ليس مؤكدا "ما إذا كان أبنا"
لها أم لا ؟
فالأسابيع والنهر لا يجيدون الدفاع عن قدرتنا على التأمل
جراح مدفونة في غابة تئن ظلالها جوار أصابعنا
ربما من تعريفاتها الأبد.

كل محكوم بإشاعة صيتها له سحر نادر
قليلا ما يخطئ تعريف الخوف الخاسر
والدماء العزلاء اقتسموها بأسماء شتى.
تام العافية وشائع تماما
بين المطهرين
وسدنة الغبار
سواء تعلق الأمر بالشعوب التي لا تكررها الرياح
أم بالبترولات التي تكررها
فحركتها دوار سعيد لكنه أعشى
والأسف يقلب المتروكين في ساحة المعارك الحربية
داخل قمصانهم قصص غامضة
تمتمتها الرياح عجولة بإذن السائح الغريب
هاهو يخرج من يدي مدنا تهجنها المصادفات البيضاء
مثل الثلج الذي يتوزع على
النوافذ بعدل فريد.

هي موتها
يد تشير إلى الغمامة وسنامها
لكنها تفكر داخل عقل أخضر
وإذا مرت ببائع الدخان تتذكر التلميذ الذي يشبه نسرا سجينا
فالوردة على وجهها ذكرى محايد أخرس رعاياه غريبون
تنعى الكلمات نسورها وهي ملصوقة على جدار هدمة حشد مريب.

من أبوها ؟
هل أمها العمياء
أم أبوابها المحطمة ؟
اسمي الذي يدلني بين الجبال والأرياف
هي وأحجارها المذهبة تجرجرها أيد غريبة
وحبال من الطين
في قبور الشرق نسيت " أنهارا مضمدة بالغرق ودورا "
من البرد اضمحلت
فحتى كلام الساهين الغرباء الذي تمرن على موتها
لم يعد أن يجرؤ على التسمية.
....................
قطار دربته بازاً عليلا
وأنات بلا مخيلة
أو شكوى
وإذا سئلت:

أهذا أعمى قلب أم إصبع محذوفة من مذبحة أو محكمة
تندهها صرخاتها الحجرية وتنحتها تمثالا سادرا ؟
نهاية اللاعب الأمهر حتى الأبد.

أمراض

تتكاثر وسط الحدائق
وتمتمات الآباء
والبنين
لا تحجبها إرادة
وحين تضيق ذرعاً
تنتشل واحداً من أحبائنا
من أحضان الحياة.
ــــــــــ
لا شيء مؤكداً
الأجراس تكذب
والطيور تصاب بالجنون
والمراكب تخترق نشوة الماء
تشب البنايات
لكن الأمراض سادرة في غيها
واللصوص اللامعين
ينشطون
فيسرقون الحدائق في غفلة منا
أتكون الكتابة ردعاً
أم تكون الأمراض شهوة
يدخرها الموتى
ليوم آخر وأخير ؟.
لا الذهب
لا الدم
ولا الأنهار
بين الرمال
لا الأصدقاء
لا النبات
لا الهبات
كلها أقل مما يطمع به هذا الدم الأخرس
كلها استدرجتها فخاب فألي
وعدت منها خالي الوفاض.
إذا كانت الأمراض لها هذا الجبروت
لماذا لم نبن لها قباباً وكنائس ؟
لماذا نذبح النجوم والقرابين لها ؟
لماذا لم نقم دونها القلاع ؟
ونحصن
ديارنا ضد جندها العتاة
فقدت ما يكفي لأن أؤمن بها
مما أؤمن بالنهر
والنهار أشد
أقمت جسراً بعدها
الليل والنهار
بين
ولم أنتم لأي منهما.

ــــــــــــــ
يا لهذه الزهرة الذليلة
يا لأبي الذي اختطف الأعياد مني
يا للنفق الذي تفوح منه رائحة
العظام
مجداً لك
أيتها الأمراض العالية.

طيور

أراد أن يعطيهم درساً فقال:

متى تذهب هذه الطيور من هنا ؟
ولم يجيبوا
فجمع حزمة من النهارات
وجلدها بعصاه
حتى
طارت الطيور
وخلفت رائحة غريبة
وبعضاً من الريش.
ـــــ
بماذا ينتفع الندم
الباقي
هل ينتفع بالريش
أم بالدم المبلول
بهذه النهارات ؟.
ـــــ
تضيق الأرض
لولا الطيور
وتختبئ العصا
وتنسف القبور
والأعياد.
ـــــ
ما أسعد
الأفاعي
لا تحتاج للأسنان
والخطط
وقبل آلاف السنوات
تأكدت من أعدائها
فحقنت دمها
بسم الأزهار
لتتنقل في جحورها آمنة
وتتحاشى السطوح.
ـــــ
نبشت الظلال
باحثاً
عن عيد الطيور.
ـــــ
نسفت العصا الحائرة
بين المد والجزر
ففرت
الأزهار بجلدها
فرت بعيداً
بعد أن أغرقتني بالفضائح
والأعياد
والطيور.
عطور

كلما سقطت زهرة قربي

ارتعبت
وصرت أستجير بفضاء الكلمات
هكذا استمر بي الحال منذ العام 1980
حتى هاجمتني وحوش العطور ظهر يوم ما
قلت هذه أزهار لعينة
تريد أن تبطش بي
فاقترحت حلاً لها
وترعرعت فوق سياج الدار
وفي الحدائق التي تنتشر خارج أسوار الكلام
فماذا أفعل بهذه الكائنات
هل أطلق عليها الرصاص
أم أصنع بيتاً زجاجياً أعيش فيه
ومن يضمن أن هذه الأزهار المتوحشة
سوف لا تهاجمني ؟
يا لهذا الربيع:

كم صنع أعداء لي
وكم ابتزني
وساومني
واستغل هشاشة حواسي
ليزجني بين هذه الأزهار المتوحشة
التي تجد دائماً
حججاً
وذرائع شتى
لكي تبطش بي.

محمود البريكان

  • من مواليد البصرة عام 1934.
  • قتل عام 2002، ببيته في حادث مايزال يلفه الكثير من الغموض.
  • يعتبره معظم النقاد واحداً من رواد الشعر الحديث في العراق.
  • عرف بعزلته وعزوفه عن النشر.

لم ينشر خلال (54) عاما من عمره الأدبي سوى (85) قصيدة، نشرت على فترات متباعدة ولا تشكل الا نسبة قليلة من إنتاجه الشعري.
بدأ الكتابة مع صديقه الشاعر بدر شاكر السياب في وقت واحد تقريبا، لكنه لم ينشر شيئا من بداياته الشعرية، كما فعل السياب ونازك الملائكة والبياتي، ما عدا قصائد قليلة نشرها في مجلة (المعلم الجديد) التي صدرت بعد ثورة الرابع عشر من يوليو (تموز) 1958.
قال عنه السياب مرة أنه شاعر كبير، وتمنى أن ينشر شعره أسوة بزملائه الآخرين، ليحتل المكانة التي يستحقها في خارطة الشعر العراقي، لكنه تحصن بصمته، وشيئا فشيئا تحول إلى أسطورة غذتها حكايات كثيرة عن أسباب صمت شاعر مثله، وعن طبيعة حياته التي لا يعرف دقائقها أحد.

حارسُ الفنار

أعددت ُمائدتي
وهيأت ُ الكؤوس
متى يجيء
الزائر المجهول ُ؟.
أوقدت ُ القناديل َالصغار
ببقية ِالزيت المضيء ِ
فهل يطول ُ الإنتظار ؟
أنا في إنتظار سفينة الأشباح ِ
تحدوها الرياحْ.
في آخر الساعات قبل توقف الزمن الأخير
في أعمق الساعات ِ صمتاً:
حين ينكسر ُالصباح ْ
كالنصل فوق الماء
حين يخاف طير أن يطيرْ.
في ظلمة الرؤيا
سأركب موجة الرعب الكبير ْ
وأغيب في بحر من الظلمات ِ ليس له حدود ْ
أنا في إنتظار الزائر الآتي
يجيء بلا خطى
ويدقّ دقته ُعلى بابي
ويدخل ُ في برود ْ
أنا في إنتظار الغامض الموعود تحماه الرعود ْ
والريح.
يوشك ُأن يحل الوقت ُ
والأفق الطويل
خال ٍ
وليس هناك ظل سفينة ٍ
يبدو الوجود ْ
كالقوس مشدودا ولكن
لا علامة َللرحيل.
سقطت فنارات العوالم ِ دون صوت ٍ
والرياح ْ
هي بعدُ سيدة الفراغ وكل متجه ٍ مباح.
وتغيرت طرق الكواكب ِ
فوق خارطة ِ السماء
الآن تكذب ألف بوصلة ٍ تشير إلى الفناء
وعلى مسار الوهم ترسم خطها القلق َ القصير ْ
ما من مغامرة
هو التيه المجرد في العراءْ
أتذكّر الموتى
ولون دموعهم في الزمهرير
(ولعلهم كانوا جميعا قبل ذلك أبرياء)
لم يهلكوا جوعا
ولا عطشا وإن كانوا ظماء ْ
ماتوا بداء الوهم. ِ
ليس لطائر البحر الجميل ْ
شكل ٌ وقد
لا ينزف ُ الدم من قتيل ْ
أتذكّر ُ المدن الخفية في البحار
أتذكّر الأموات
والسفن َ الغريقة
والكنوز ْ
وسبائك الذهب المصفى
والعيون اللامعات ْ
وجدائل َ الشعر الجميلة في القرار
منثورة َ
وأصابع الأيدي المحطمة النحيلة ْ
مفتوحة.
لا تمسك الأمواج
في الطرق الظليلة ْ
في القاع تنتثر النياشين المدوّرة الصقيلة ْ
وتقر أسلحة القراصنة الكبار.
يا طالما أسريت عبر الليل ِ أحفر في القرار ْ
طبقات ِذاك الموت
أتبعت ُ الدفائن في السكون ْ
أستنطق الموتى
أرى ما كان ثم وما يكون ْ
وأشم رائحة السكون الكامل الأقصى.
أريدْ
أن لا أمثـّل من جديد ْ
آلام تجربة العصور ْ
أن لا أُقطّع بالتوتر
أو أسمّر بالحضور ْ
أبصرت آدم في تعاسته ِ
ورافقت الجيوش ْ
في أضخم الغزوات ِ
نئت ُ بحمل آلاف النعوش ْ
غنيت آلاف المواسم ِ
همت ُ في أرض الجمال ْ
ووصلت ُ أطراف المحال ْ
ورأيت كيف تدمّر ُ المدن المهيبة في الخفاء ْ
شاهدت ما يكفي
وكنت الشاهد الحي ّ الوحيد ْ
في ألف مجزة ٍبلا ذكرى.
وقفتُ مع المساءْ
أتأمل الشمس التي تحمرّ كان اليوم عيد ْ
ومكبرات الصوت ِ قالت:

كل إنسان ٍ هنا هو مجرم ٌ
حتى يقام على براءته الدليل ْ
وسمعت أبواق الغزاة تضج ّ
في الليل الطويل ْ
ورأيت ُ كيف تشوّه الأرواح ُ جيلا بعد جيل ْ
وفزعت ُ من لمعان مرآتي: لعلّي كالمسوخ ْ
مسخ ٌ تقنّعه ُ الظلال ْ
وعجبت منها دمعة ً في القلب ِ تأبى أن تسيل ْ
والدمع مهما رق ّ هل يكفي لمرثية ِ الجمال ؟
الوقت أدرك رعشة ًفي الريح ِ
تعكسها الصخور ْ
الوقت ُ أدرك موجة تنداح ُ من أقصى الدهور ْ
الوقت ُ أدرك لست وحدي
يعرف القلب ُ الجسور ْ
أن الرؤى تمّت
وأن الأفق يوشك ُ أن يدور ْ.
أنا في انتظار اللحظة العظمى
سينغلق المدارْ
والساعة السوداء سوف تُشلّ تجمد في الجدار ْ
أنا في إنتظار
والساعة السوداء تنبض نبض إيقاع ٍ بعيد ْ
رقّاصها متأرجح ٌ
قلِق ٌ يميل إلى اليمين ْ
إلى اليسار ِ
إلى اليمين ِ
إلى اليسار ِ
إلى اليسارْ.

مختارات

أروي لكم عن كائن يعرفه الظلام
يسير في المنام أحيانا
ولا يفيق
أصغوا إلي أصدقائي
وهو قد يكون
أي امرئ يسير في الطريق
في وسط الزحام.
وقد يكون بيننا الآن
وقد يكون
في الغرفة المجاورة
يمط حلمه العتيق.
ـــــ
أعتاد أن ينهض حين تقرع الساعة
دقاتها السبع
ويعلو صخب الباعة
يفتح مذياعه
يصلح شاربيه
أو يدهن عارضيه
ويرسم ابتسامة غبراء خداعه
على زوايا شفتيه
ثم في عجل
يمضي إلى العمل
يمر بالناس الكثيرين
وبالأشجار
فلا يرى شيئا
وقد يبتاع في الطريق
جريدة يقرأ منها آخر الأخبار
وهو غريق يغط في سباته العميق.
ـــــ
إن له وجها كوجه الناس أجمعين
لكن إذا رأيته يلهث في العتمة
تجده كالذئب الذي أيقظت الظلمة
أسراره
فهو مخيف
خشن
حزين.
ـــــ
ماضيه لا يعرف
إلا أنه بعيد
بداية غامضة من حلم مديد
ليس له مدى
حاضره ليس له صوت
ولا صدى
منشودة
يفلت من كفيه ما يريد
فهو هنا شبح
وكائن وحيد
لا يعرف الفرح
وهو نداء ميت أبح
في مجهل بعيد.
ـــــ
يا أصدقائي
هل عرفتم ذلك المخلوق
الشاحب الذي يجف صوته المخنوق
الكائن المخدر الهائم في المنام
الكائن الذي تبثّ كفه الصفراء
من حوله أشياء
ترعبه
أشياء
لا يمكن القبض عليها مرة أخرى !؟
يعرفه الظلام
تعرفه برودة الليل
وقد يكون
أي أمرئ ترونه يسير في الطريق.

منال الشيخ

  • من مواليد مدينة الموصل بنينوى شمال العراق. عام 1971.
  • تعمل في الصحف المحلية وفي بعض الدوريات العربية حالياً.
  • حاصلة على شهادة بكالوريوس ترجمة إنكليزية / كلية الآداب / جامعة الموصل.
  • عضو اتحاد أدباء العراق.
  • حصلت على عضوية اتحاد الأدباء والكتاب العرب في عام 1993.
  • تعمل حاليا في هيئة تحرير مجلة (الهدهد) التي تصدر في ليبيا.
  • أصدرت مجموعة سردية على حسابها الخاص: انحراف التوابيت، عام 1996، ومجموعة سرد شعري بعنوان: قضم ظهيرة مقددة، صادرة عن دار قدمس السورية للنشر.

manalalsheekh@hotmail.com

تــــذكير

لهم .. مجرد تذكير

لماذا تثير فضولَ الأطفال
هذه الحيواناتُ
هل لأننا ـ نحنُ الكبار ـ
لمْ نعدْ نفهمُ !.
ـــــ
بغزارةٍ كان يبكي
النهرُ
بغزارة
حتى خُيلَ إلينا أنهُ
نهر !.
ـــــ
استحالة أن تكون هذهِ مدينتي
تَئِنُ
ما أن أضعُ قدمي على رصيفها
إذن
كيف سنكملُ مراسيم الزواج ؟.
ـــــ
هناك ولدٌ
قيلَ لي:

إنهُ إبني
بحثتُ في صدرهِ
عن حبة التمر التي نسيتها
فلم أجد سوى
مرارةَ اللقاء.
ـــــ
فراتٌ آسن
من قال أن النهرَ يجري
ومن قال أن البحيرةَ مستقرةٌ
هو نظرنا
الذي برحيل الأشياءِ وبقائها
يقبلُ.
ـــــ
هل انتبهت
وأنتُ تبيعُ لبائعِ الخُردة كتبكَ
ثمةَ وردة مجففة
بين الصفحاتِ تختنقُ
أساطير الإغريق أسكرتها
وأرهقتها المذاهبُ
لا هم أفحموها
ولا هي جعلتهم بعطرها
يَعدِلون.
ــــ
إذا كنتَ مُحقاً
لا تصرِّحْ
إذا كنتَ مخطئاً
لا تصرِّحْ
صرِّحْ فقط
عندما تكون غيرَ الاثنين.
ـــــ
لا تنظر إلى الأمورِ بهذهِ السلبيةِ
ما القملُ
إلا وسيلة تذكيرٍ بدائية بأنهُ
مازال ـ عندنا دَمٌ ـ.
ـــــ
ليست كل الزوائد في الإنسان سرطاناً
قلناها من قبلُ
ما الجديد إذاً
الجديد أن ما نقولهُ
زيادة.

لهُ .. مُجرد تكفير

آن الأوان
أن نُسدِل الخمار
على جِيْدِ حقيقة
لمْ تكنْ هنا
لم أكنْ هنا
في دمنا الفقرُ
والوهمُ وجبةٌ شهية
تناولناه في ليلة حمراء
حسبنا القُبلة قُبلة
والأعضاء المكشوفة نقاط إشارة
أننا هنا
لم ندرك أنهُ كان زبداً حليماً
هذا الذي سال منها
صَبُرَ على أكاذيبنا
ونحنُ ننعتهُ
بماءِ حلمنا الأوّل
أرهفَ سمعهُ لأنفاسنا
ومنّا الرياءَ تقبَّل
يا ماء حُلمنا الأول
يا وصولنا الأخير
هذه الزفرة
التي بها الكتبَ لطَّخت
نمتْ على متن براءة
بكاءً دافئاً
مثل بقية الروايات يا (آخر)

مثل بقية الروايات
سننتهي دون ترتيب
تاركين صراخَ لقاءٍ
من سقف أمنيةٍ معلقاً
لا يملكُ الأعمدة
ليكتملْ.

قبل أن يموت البحر

سأكون ألطفكم أيها العراة
لن أخدش حياء الموت
بصفاقة دمي
التقط صورا نامية
في جنان زرق
لأتذكر
كان هنا بحر
البحر رغوة خمرتي
وعندما يسكر فيَّ الموت
يتبخر
ويغدو غيمة تظلل رأس احتراقي
خلّوني وعهني
لا خيار لنفش الرغبات
في تيلوب نازحة إلى ضمير اليباس.

ثانية
يا سيلفيا *
ثانية
تعودين لنلوذ معا
نفتح الجرح
ونرزم ثقوب القلب الثلاثين
سؤال غياب
أكرمتيه بصمتك يا جميلتي
هذا السادي
هل جبل من حزنك كأس فطام ؟
ستلتفتين لنرانا
أنا وهو وفراغ آثم
يعربد على صدر غروب
نحتسي بلاغة المواعيد
شهقة منطاد آبق
وقدح مروج للنكران
ونديم لشخير الانتظار.

لم تَخْبُري لون إيلامنا
تطورنا
يا سيلفيا
صرنا نختار للموت وجوها منمقة
لم تعد تغرينا تذاكر الغاز السائل
ذوات الأرقام الأربعة والعشرين.

على صوت نساخ الحروب
رأيت حكمة إنكليزية تغفو:

عندما يكون الموت حتميا
أفتحي عينيك
وأملئي رئتيك بالصور
وأستمتعي بشبقه وهو يهادن
ثقوبك السبعة المدانة
من أين يخرج بنا ؟.
كثيرون هم منْ أدانو فرانكو
لسدهِ رمق الموت
بنظرةِ لوركا
ولكنني لن أهين " هيوز " بقامتي
فتيل قمّتكِ مازالت معلقة
لسانَ دمارٍ في حلقِ العزاء.

أخبريني
يا سيلفيا
العارفة بقوانين الرحيل
لمَ تعتلي الأسماء مآذن الذبول ؟!
إسمي
لا يهم
أسماء ابني فاروق
وأبيه العباس
وإبنتي زينب
وجديهما الحمزة
والبكر
إذاً
ما الذي يحدث ؟.

* سيلفيا بلاث : شاعرة أمريكية زوجة الشاعر هيوز، ماتت منتحرة بالغاز في الثلاثين من عمرها.

حوار المنافي

- جيد..
لن تنبت لك أصابع مهادنة على ربيع النعي بعد الآن
لطمته على وردهِ، مستقبلة القبلة، ثم مسحت نصل الرغبة بمنديل خيبة مهمل على طاولة اعتراف
وهو اكتفى بعدِّ عيون الدم المتدفقة من بئر غليانه.

- أيتها..
اللعينة
كنت أظن أن للهمس تأثير السحر على عمرك العاري
وما عرفت أنني أزرع فأسا مذهبا برذاذ نبوغ بين عينيك.

- لا..
تعتذر للتاريخ
هو توهم في استقبال 2000

مع إصرار الأصفار على التدحرج وراء تلكم اللهفات
كان همك فيما مضى
عقالا وإزارا
والآن صار همك إسفلتا لؤلئيا يقاوم اختلاجات عطر في جسد نار
سأجلسكم على دمعة صديقتي
ولكن بلا مساند
ولن أشطر القمر وردتين
سأطرق القلب سؤالين:
واحدا للرب
والآخر للرب حتما
فأنا أكره التضرع لآفلين
لم أفهم هذا النفق من معين
لنطلق الزوايا الآن
ونمنحها ريادة تمرد على الحدة
وليكن فراشك من مسامير رأفة وأوراق نزيف
ولتكن مخدتك من عطش ليل وذروة خنوع.

- لن..
يجدي ستر عورتي بعد الآن
إذ لم يتبق ما يعيب الشمس
العمر تندى بلغط ساسة المنابر
ومؤخرة القدوم
على
ظهر
صدر
الاحتمال أقاموا الوليمة
حيث ارتدى العرس ليلينا وشاح حياء.

- أذكر..
الخيمة والملاعق الفضية
ونظرة المتورمين حرمانا إلى لحم ظلم محمّر
على قصعة الحقيقة المباغتة في منح سماء بلا هموم
ليوم من أيام نيسان الحائر بين ولوج الزهر في أفنان الغربة
وبين رحل إخوة غادروا سؤال أب ضرير.

- عيون..
العشب البري تحلم بجفن خرافة
تعلمتُ القلع من جارتك المحمومة ببياض النسيان
كان ردا للعزاء
لولا أن بلغت زباها حمم الهذيان
لولا أن اعتلى الخرس صوت المطر
وقامت لتعض شفاه الغفلة
كادت أن تصل إلى جوف الغرق
ثمة أيقونة معمرة من عمر طين السماء
تلمّح لفغر مراجل قَدَر ما.

- اهتمي بي..
يا من عبثت بأقفال العيوب
وكشفت للرعيل سر افتضاح الخدر
اهتمي بي
ما عاد الجسد يحمل صدر الحمام
ولا الشفاه تُقْبِل على آكلة السُحت النازي
اقتربتْ أكثر من عمر الوِرد قبل أن يقرأ عناوين المنافي على الملأ
واختزلتْ بسمته بين رتلين من الدهشة
ليحتمل حضور الأئمة على مائدة أعلنت استقالتها من ضمير الوجود.

- غاليت..
في عمريّتك يا خيام
كما تساءلت كثيراً عن وجود الكأس والهمس
لم تستجب لرثاء الغفلة
ظننت أن
التراب
والماء
سيان
ظننتهما يمنحانك نعومة أظفار المآذن
وغربة النيران في عرق المطر.

- صار..
في إمكان ظهري أن يتكئ على لولب حلم
ماذا بعد إذن ؟
ألم يكن حلمي (اتكاء ظهري على لولب حلم) ؟
بلى
ولكنني لا أريد أن يصيبني عقم ذنوب
يدي التي تهامس خربشات القروح
على صدغ ليلك لا يعرف خبز نهار
تنور غائر في رقيم لين
ولمَ التشنج ؟
طالما تتأرجح على نار الأفول بخارى وسمرقند
مرتي قبلت قرص غروب
وتوهج الإعياء أكثر بابتلاع نسيان حورس
نعم هو ابتلع طقوس منح جان الحرب مفاتيح بكة وغبراء القمر.

- خرجت..
من جرحي بدم أبيض نافق
لا يشبه طيران الأدعية إلى عرق نذور
أمهلني
يا برج الفاقة لأعد سنام رسالة
قد تحترق تحت سياط غريم
الكل يسأل عن الخيط وشق العين
وأنت جالس بين ثنايا الرحيل
تنتظر قُبلة تتهرأ على شفاه كلمة
كلمة موقوتة على الاحتمال
احتمال ظهور البان على مشرحة التقاسيم
ولكنك لن تمنح مريدي الغفلة هذا المجد
لأنك ما عدت تنام على قضمة حلم.

- هكذا...
نسوا أن يعلموا البحر كيف يبلع في ضميره خجل الموت ؟
وحيدة كانت بين إماء تملك عتق سيدها
غربة
ثم خلاف على تسمية عرش
واختيار قارورة غيب
هي الوحيدة التي وهبتها زبيدة شارة اختلاف
هكذا ظنت أن للرب عيونا كثيرة
وقلب يمين واحد
لا حجرات لؤلؤية تتربع على مراد النيازك
حاورته
ولكنها نسيت أنه لم يعد يملك ليلا ومعارج
إذن
عودي وشياطينك إلى أسمال أرض
باتت من مهامك
علكِ تملكين الباب والمفتاح
ولكن لا تستبيحي شرف هدهدي
إذ ما يزال لسانه يصر على تعشيق الحظ بالكمين.

أنا من قتل الملك

إلى كدمة صديقي الزرقاء

يا أيها الأنت
يا رهط الأرحام فيما أمر أن يقطع
كان تقيؤك الأخير
لم تعد السنونوات ترتدي بياض العيون
الرعشة اكتملت في حمأة السماء
فيما الأدعية تحتضر.

تسترسل الأجنحة مثنى وثلاث
مخافة الهبوط إلى مثلث الوفق
ومنح الشيطان
لحظة ولادة لبرمودا جديد
بعين من سؤال
وإزار يرتفع إلى كُم رحيل.

مثل روح الخراب
نفرغ عروشنا من الذمم
أنت تهادن:
تيهي في الخلقْ
واحتاري أكثرْ
تخلقُ منْ !
ولمن أسجد ؟!.

على أكف الأنين
أتناول شريحة ندم
مسكونة بكدمة صديق ترابي
نسي زرقتها
على شفاه تاريخ عاهر
ثانية
تعود الأصابع لتجفل
ماء البئر وقاع النطق
إعتراف وإغتراف
وهو
مثل ابن ميللر الجنوبي
عرفهم من وجوههم المكوية
وقمصانهم الملتحية
بغبار الحرب والسلام
على قارعة حلم ينتظرهم
بيد من حليب سافِرْ
وزفرة مستعصية على أبهر الوأد
وليَ الإنتظار
أعول على نبوغ الأرصفة
يا صديقي
هناك من يشطر أديم الندم
وأنا ما عرفت الندم
إلا من زرقة الموت على وهجي
تلك السكين التي تقطع
نبال النية
قبل أن تصيب عين العبث.

دعني الآن أرسم دوائر وهمي
حول أسهم الخيبة
دعني أفاخر
أنا من قتل الملك.

***

منذر عبد الحر عباس

  • من مواليد البصرة، عام 1961.
  • بكالوريوس إعلام.
  • عمل في الصحافة منذ منتصف الثمانينات، وترأس القسم الثقافي في جريدة القادسية .
  • كتب للإذاعة والتلفزيون عددا من البرامج الثقافية منها (غدنا الثقافي) و(شاعر وقصيدة) إضافة إلى كتابة المسلسل التلفزيوني (من هنا وهناك).

صدر له:

  • قلادة الأخطاء، شعر، عن دار الأمد للنشر عام 1992.
  • تمرين في النسيان، شعر، عن مطبعة زياد في بغداد عام 1997.
  • قرابين، شعر، عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد عام 2000.
  • قرابين العش الذهبي، شعر، عن دار الزاهرة في فلسطين، ضمن إصدارات بيت الشعر الفلسطيني عام 2001.
  • شجن، شعر، عن دار الكرمل عمّان الأردن عام 2001.
  • زائر الماء، رواية، عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في دمشق عام 2005.

وأصدر في المسرح :

  • أعشاش، وهي من المونودراما عام 1995.
  • غرقى، وهي من المونودراما أيضا عام 1996.

خلف أسلاك شائكة

لقد تغيّرنا جميعا
الدوائر التي كانت لعب أطفال
نرمي سهامنا على أرقامها
صارت مصائر حملتنا على سطحها
ودارت بنا
بانتظار الرماة
ندور
وتدور
لا أحد يدري أيّ سهم يصطاده
أسلحتنا
الصبر
والنزف
والترقّب
نفد عتادها
وبدل أن نفتتح صباحاتنا بالغناء
صرنا نهرب إلى ظهيرات قاحلة
تقول لنا الطرق:
قفوا مكانكم
هاهي عربات الخوف تمر
جندي فقد ذراعا في حرب ما
يستوقفني:

أعطني حقي منك
أنت بكامل أعضائك
أنا بكامل عطب
أركض خلف سراب وطن لا يعرفني
أرى كل شيء عدوّا
لم أعد لائقا بالموت
الأرصفة بيتي
والسجائر امرأتي
الجوع موسيقاي
والحزن زهوري
أعطني كسرة من حياة
أو
كن صديقا لي
ولنقف معا
خلف أسلاك شائكة
نبصر شمعة بلادنا
وهي تذوي
ألست في أرض حرام ؟
أنظر هناك حقل ألغام
هذه ليست مدينة
هذا قنّاص
تلك دورية
هؤلاء جرحى
لقد حملنا الحرب معنا من طفولاتنا
نعم
لنا نياشين
و
أوسمة
هي خدوش في الروح
وشظايا متناثرة في العقل
وذكريات ظل دمها حارّا
لقد تغيّرنا جميعا
أنصرف الآباء إلى ظلماتهم
وجمعت الأمهات مزق أدعيتهن
ومضينا
جنودا عزّل
نقاتل نهارات خائفة
ونرحل في الليل إلى مدن مهجورة
فتحنا ضماداتنا
فبزغت جراحنا المنسية
وانسابت خيوطا
ترسم بالدم خارطة لوطن جديد !!.

شدوّ لمطاع *

دعه يلعب
أعطه كل شيء
كسر الساعة
فسالت أيامك
قلب الكراسي
فصهلت ذاكرتك
حطّم الصحون
وهو يطير من الفرح
أنت تحبه هكذا
يلعب
لو استطعت
لأعطيته قلبك
يصنع منه سيّارة حمراء
يلهو بها دقائق
ثم ينساها في ركن من البيت
أنت أيضا مثله
لعبت بالأيام
جرّبت فسائل الحرب
وتسلّقت نخيلها
عبثت بحلم أبيك
وياما كسرت قلب أمك
ونسيت أكياس دموعها
بين طيات المدن
دعه يلعب
دعه يكسر ما يشاء
هو
لا يعرف كم تنقّل أبوه
بين الفنادق
والكراجات
والباعة المتجولين
كم سنة خدع البرد بالكلام
وكتب عن حبيبات من ورق ذابل
أعطه قلبك
ولا تذكر طفولتك أمامه
وحين يكبر
ويسأل
لا تحدثه عن أبيك
أره الصور التي تضحك فيها
حدّثه عن زرع
وزوارق
وقرية بعيدة
في أنهارها سمك ملوّن
وفي سمائها طيور تغنّي
دعه يسمع عنها فقط
إنه الآن
يسمع أصوات انفجارات
فيضحك من قلبه
ظانا إنها أصوات احتفال
بعيد ميلاد
سنة حلوة
يا جميل
يسأل:
عيد ميلاد من ؟
فتقول بلوعة:
عيد ميلاد الوطن
يقول لك:
لماذا تبكي يا أبي
أين الوطن لأقدّم له هدية ؟
فتقول:

إنه معنا
كعكته كبيرة
وشموعه تتشظى
أعطيناه أعمارنا هدية
وسقيناه دماء
لأحبة رحلوا
وأغنيات ماتت
وتقول له:

ألعب
يا ولدي
ستكبر
وتعرف
كم جحيما جمعنا
لنعرف سرّ الوطن !!.

* مطاع ابن الشاعر

أعمل الآن قرب مقبرة

في الأرض التي لا تؤوي أحدا
ثمة أحلام
ثمة قرى
هربت من الخرائط
ومنسيون أججوا خصبهم
وهم يقضون نهاراتهم بالرحيل
ولياليهم بالتعلق بالنجوم.
........
........
المعاول
التي حفرت أخدودا
أخذت قيلولتها
حين جرى الماء
وهو يرفع إصبعه
ليسكت الخرير
ويسير بالسر إلى المقبرة
المعاول ذاتها
جرحت خد الأرض
فسالت منه طوائف
وأضرحة.
........
........
أنا أيضا
مشيت خلف جنازة الحكمة
دجّنت خطواتي
لأحظى بكسرة عمر
لا تؤدي إلى انكسار
أمام باب اللهفة
دائما أقول:

علّمنا الفقر
أن نضحك من شدة الصبر
وأن نتعلم من الألم غناءنا
دائما أمضي إلى سحب ادخرتها
إلى جمر ينغزني
كي لا تهدأ أحلامي.
........
........
أعمل الآن قرب مقبرة
أروض حياتي
عند الغروب ألوح للقبرات
وفي الصباح
أركب دراجة يأس
وأذوب في الناس
لأجمع أنات اليتامى
وصخب الأرامل
وعويل الموتى
وأمضي بحزمة قلق
إلى حبيبة صامتة
تسألني بعينيها عن يوم آت
لترى الدخان
فتبني من بكائها بيتا.
........
........
القوارب رحلت عنا
الركام ألفناه
السدود نأينا عنها
وأعطينا الغرباء بيوتنا
انحنينا لمقامهم كي يمرّوا
نحن أبناء الموت
والخوف
والتسكع في الكوابيس
لوّحوا لنا من بعيد
فتوهمنا
ملامحهم غامضة
وأقنعتهم تكشّر عن أنياب
يراها البعيد ضاحكة
القوارب
حملت أمتعة طفولتنا
والركام ثرثر بوجوهنا
نحن
أبناء الانتظار
أمهاتنا الخيبات
وآباونا الندم
تعلمنا الخسارات
فنمنا حتى الظهيرة
تحت سقوف الوعود.
........
........
أعمل عتّالا
أحمل يوميا عشرات الشموس
ومئات الأقمار
آكل رغيفا مرا بين الجثث
وآخذ لأهلي سلالا من غضب
هم أيضا عتّالون
يحملون أكداسا من الفقر
ينقلونها من حلم إلى حلم
شتاؤهم ميّت
وصيفهم مشنوق
هم الذين افترشوا أرصفة الحرب
يلوكون انتظارا
ويرددون أدعية
بين همس الجراح
وضجيج الجوع الذي
أسكنهم مقبرة
لا يعرفون جارا
ولا يسمعون إلا هياج العناكب
هم عتّالون
وأنا عتّال
أعمل الآن قرب مقبرة.
........
........
مساءاتي
تتأرجح
بين
نخلة
و
نجمة
مساءاتي
شواهد تبث رسائل للرمل
وتغطي العواصف عوراتها
لا تفتح صباحاتها إلا بالدمع
أنا
أعمل قرب مقبرة
يمر عليّ الرفيف مخنوقا
والجثث الطرية
تلقي السلام على موقدي
وهو يرقد في قعر جرح
لي موعد يومي مع الأرق
كي يتلو عليّ شريط حياتي
ويختار ندما تلو آخر
ينسج منها دثارا يضمني
حتى تلقي الشمس شباكها
لأعتذر من الصحراء
وأنهض راكضا باتجاه عملي قرب مقبرة.
........
........
لا أعرف المارة
وهم يصطادون بعيونهم طيور صمتي
عرباتهم تئن
وهم يدفعونها إلى مصير مجهول
هم أشد عوقا من خيولهم
وأنا
أشد التصاقا منهم بخيبتي
هم
أخذوا حصتهم من بذور الليل
وأنا
ما تزال قطعه عالقة في ثيابي
منذ سنوات
وأنا أمضغ ترقبا
أشفقت الطيور عليّ
وهي تراني أجمع شقوق النهار
لأنسج أجنحة
لست موهوما
لكنني
أعمل قرب مقبرة
أراها تلثغ بحياة في ثكنة
ينهض أناسها عند الفجر للتدريب
ويرحلون
حين يسيل الآخرون بينهم
لتأتي السلاحف
على أبواب حراساتها.
........
........
شجيرة الورد
تطل عليّ من خلف تلة
توميء لي
وتبتسم
لها كف
وأصابع
لها لون صفع الصحراء
وهو يزغرد
أنا
أحبها
وأتسلل إليها سرا
لأسقيها
وألعب معها
هي وحيدة مثلي
لكنها لم تفطم بعد
لها فم يغني
وقلب ينبض
لها وجنتان
يسيل عليهما الندى
هي وحيدة خلف تلة
وأنا
وحيد
أعمل قرب مقبرة.

........
........
الغرباء الذين جاءوا
طوّقوا الشجيرة
أطلقوا الرصاص عليها
وداسوا على جثتها بمجنزراتهم
لم تبك
أنا بكيت من قبوي
دفنت حمّاي في الرمال
وأنا أشاهد شجيرتي الوحيدة
تتناهب الريح أوصالها
ويبعثر الغرباء ألوانها
بأحذيتهم الثقيلة
أنهم جاءوا من بعيد
ليقتلوا وردتي
فتّشوا زوايا المقبرة
التي أعمل قربها
ومضوا يضحكون مني
وأنا أرتدي قطع ليل
وأنام على الرمل.
.........
..........
القوافل مرت
وأخذت معها عيوني
ولم تدر الأرض
حين حنّط الليل آهاتنا
كم جلسنا على أرصفة
وعرفنا باعة متجولين
نمنا في الكراجات وقوفا
ننتظر فجرا
يحملنا إلى قرانا
في جيوبنا شظايا
وعلى جباهنا
تركت الحرب بومها
القوافل مرت
والأصدقاء مروا
وأنا أحلم بكراجات
وأرصفة
وباعة متجولين
فأنا الآن
أعمل قرب مقبرة.
.........
..........
لم يعرفني أحد
وأنا غارق بالتراب
الذي فر من السرفات
صرت قبرا
وروضت نبضاتي على الصمت
أختفيت خلف شاهدة طفل
جمّلني الخوف
وأنا أحصي القبور
التي انفلقت
والجثث التي انتشرت
القنابل لا تعبأ بالموتى
القبور تتهدم
وهم
يتقدمون بسرفاتهم فوقها
إنهم غرباء
جاءوا من بعيد
ليضعوا يدهم على فم الوطن
لا تصرخ
لا تشك
سر كما أردنا لك
إلى هدف لا تعرفه
إنهم غرباء داسوا رؤوسنا
وتقدموا
ليقتلعوا النخيل
ويصنعون من القبور بيوتا
للهاربين
الذين أراهم
وأنا
أعمل قرب مقبرة.
.........
..........
الذين جاءوا خلفهم
لم أشر إليهم
إنهم حاملو أبواق
سائرون إلى حتف بارد
أنا أراهم من مزغلي
هم
في الأرض الحرام
أنا الوحيد الذي يعرف ذلك
لا أضحك منهم
رغم إنهم يضحكون مني
قيل:

شاهدني أحدهم
أعمل قرب مقبرة
وقيل:

اتفقوا جميعا على محوي
فأنسل اسمي منهم
كي أعرفهم أكثر
هم
ليسوا غرباء
أنا
أعرف كل شيء عنهم
أعرف حتى قلوبهم
لكنني
مضيت إلى المقبرة
أعمل
جرحت لساني
وأججت أصابعي
أخبرتهم:

إن لي منزلا هنا
فيه
أبي
وأمي
وأخوتي
الذين ياما تفرقوا في خفايا الوطن
يبحثون عن فأس
يكسر جدار الجوع
هم على سفر دائم
كي يظلوا غرباء
أنا معهم
معهم
أعمل الآن
قرب مقبرة.

***

منعم الفقير

  • من مواليد ...............، عام..............
  • عمل في جماعة المسرح الجديد كاتباً وممثلاً.
  • غادر العراق عام 1979، إلى بيروت حيث عمل في الصحافة الثقافية وكتب قصائده الأولى هناك، ليغادرها إلى دمشق إثر الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وأشتغل في منطقة دمش بالصحافة الثقافية، لينتقل سنة 1986 إلى كوبنهاجن حيث يقيم إلى الآن.
  • يرأس اليوم تجمع السنونو الثقافي في الدانمارك، ورئيس تحرير مجلة (السنونو)، وهي مجلة بالعربية تعنى بالثقافة الدانماركية، كما يشغل منصب رئيس تحرير مجلة (ديوان)، وهي مجلة بالدانماركية تعنى بالثقافة العربية.
  • عضو جمعية الشعر في إتحاد الكتاب الدانماركيين، وعضو لجنة العلاقات الدولية في إتحاد الكتاب الدانماركيين.

صدر له العديد من الكتب الشعرية أهمها:

  • بعيداً عنهم، دمشق، 1983.
  • المختلف، دمشق، 1986.
  • اللوعات الأربع، القاهرة، 1994.
  • لا جسد في الثوب، كوبنهاجن، 1995.
  • كتاب الرؤيا، الدار البيضاء، 1997.
  • رأي العين، بغداد، 2005.
  • صمت متأخر، بيروت، 2006.

كما أصدر:

  • مقهى مراكش، رواية، وقطار الطفولة، مسرحية، وهما عملان مشتركان مع الشاعرة الدانماركية مريانه لارسن.
    كما ترجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسية كالمختلف (شعر) عام 1988، غيمة على سفر (مختارات شعرية)، إلى الدانماركية كوبنهاجن 1988، اعتزال قلب (مختارات شعرية) إلى الفرنسية باريس 1988، كتاب الرؤيا (شعر)، إلى الدانماركية كوبنهاجن، 2001.
    كما ترجمت مختارات من شعره إلى الاسبانية، الانجليزية، الألمانية، المقدونية، الاستونية الماليزية والهولندية.

alfaker@assununu.dk

الدمعة رأي العين

العين وطن الدمعة
ما تذهب إليه العين
لا تدركه اليد.
ـــــ
العين وطن
أنا دمعة مسفوحة
على خد المنفى.
ـــــ
الدمعة التي تغادر
لا تعود أبداً.
ـــــ
عيني تضحي بآخر دمعة
لأجل حزن لا آخر له
لو كنتُ عيناً لأنكرت دموعي
جسدي بيتي.
ـــــ
العالم بيتي
العراق غرفتي
صناعة وطن.
ـــــ
مرة أخذتُ:

قليلاً من التراب
قليلاً من الأعشاب
قليلاً من المياه
وكثيراً من الأسلاك
وصنعتُ منها وطناً
فهل أسميه "عراق" ؟.

الجندي
لم يكن هشاً حدّ الكسر
ولا ليناً حدّ الطي
كان يسبح
في وحدة
موحشة
موحشة
في الإجازة الأولى:

عاد في شاحنة
في الإجازة الثانية:

عاد في باص
في الإجازة الثالثة:

عاد في صندوق.
ـــــ
الفم وطن الكلمة.
والأذن منفاها.
ـــــ
لن تجعلوا
من فمي زنزانة
يقضي فيها
مدى حياته
لساني.
ـــــ
صوتي السائب
ينقب
عن مأوى
في أذن خربة.
ـــــ
أسمع صوتاً مدوّياً
يعتذر
عن كلمات لم أقلها.
ـــــ
في فمي يتآكل الكلام
كل صمت العالم لا يساوي كلمة.
ـــــ
أنا صورة العالم
الذي هو ليس صورتي.
ـــــ
ستأتي تلك اللحظة
التي أجدني فيها خارج العالم
عندها
سأعرف أي كهف مظلم
هذا الذي خرجت منه.
ـــــ
منْ ذا الذي عاقبني
لأكون:

على هذه الملامح
وبهذا الاسم
وفي هذا العالم
قطرة في بحر من البشر.
ـــــ
من فمي يعرف البحر طعمه
ومني يتعرف الجمال على جماله.
ـــــ
جوعان
يجوع بي الجوع
أنا الجائع الأبدي
جوعان
إلى
كل
شيء
وكل ما حولي جوعان
لا خبز يودي بجوعي ولا جوع
ألا يموت من الجوع الجوع.
ـــــ
أنا الحاضر وسط من غابوا
مثلما لا ينفصل
الضوء عن النار
لن أنفصل عن العالم.
ـــــ
الغرفة ثوبي الحجري
أنا تركة العالم المتروكة في حجرة
أنا
سليل غرفة
تنهي
سلالتها بي.
ـــــ
في الشرفة المتطلعة
كرسيان صبوران
وطاولة قنوع
عليها فنجانا قهوة متوجسان
الأول انتهى للتو
الثاني يستغيث بالرائحة.
ـــــ
البيت
لا يخرج إلى الحديقة
ولا يذهب إلى السينما
بل ينام بأشيائه
ليكسر شيئاً في روحي

البيت مثواي الأخير
كل مساء
أشيع إليه جثماني
فم باب البيت
يبتلع
جسده كل يوم.
ــــــ
استولت عليّ الغرفة
شدّت قدميّ
وبجدرانها سورت
جسدي
وعلى بصيص شمعة
أمضت الليل
بتدوين اعترافاتي.
ـــــ
في الغرفة القديمة
ذات الجدران المتآكلة
أنفض
جسدي كل يوم
كيلا يغطيه الغبار.
ـــــ
إنا مأهولة بك
أنا خاوٍ منك
قالت الغرفة وقلتُ.

1

العقل هفوة الجنون
حين
يتداعى العالم
يقوم العقل.

2

العقل
خدعة
الطبيعة.

3

العقل
إبن
العالم
العاق.

4

نهاية
عقل
أمهلوا
الجنون.

5

لماذا
يسكت الأصبع
على جريمة الكف ؟.

6

البحر رائع
عندما
أكون أنا
رائعاً.

7

هل كان
للبحر لون آخر
فاغتاله الأزرق.

7

حدود روحي
حدود وطني.

8

بركة الجنون
الجنون خطوة نحو العقل.

يا بيتر فيريك (1)

ما الذي تنتظره
من منظر "بركة الجنة"
في "نورثامبتون".

أما زلت تظنّ
أن قبلة واحدة
تصلح الجنون
والسور الذي يحيط
بمستشفى "ماساتشوسيس" (2)

لا يمتد أبداً

وبوصة واحدة
ستسع لطوفان العقل.

أحياناً
سعةُ البحر
تشقي العينَ.

بالطبع لا
لن نغتال الرغبة في المجهول
غداً
ستغدو المستشفى عاصمة
والأصحاء
ينتحلون صفة المرضى.

والقبلة
ستتمرد على الفم.

لأن الأذى
لا يذهب قطعاً بقبلة.

1- بيتر فيريك شاعر أمريكي.
2- مستشفى للمجانين والمصدومين ورد في قصيدة بالطبع لا للشعر فيريك.

الحزن فرح مهزوم
من أين لي ساعة
تتوقف لترى فرحي
وتسرع إن أقبل حزني.

الألم
لو كان الألم أبيض
لزينا به
واجهات المنازل
وصالات الاستقبال
لأنه أسود
فقد أخفيناه
في أسفل درج
من القلب.
أيها الألم
الذي أتيت دون تمهل
علامَ تتمهل
عند المغادرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يا فرحي
لن أنساك
مهما بعدت
أو
دنوت
لأجلك فقط
حزنتُ كل هذا الحزن.
ـــــ

أنا
النغمة الحزينة
في سيمفونية العالم
المرحة.
لولا الحزن لما عرفتك يا فرحي
ليس لي
لاّ أنا.
ـــــ
العالم
يقتصد بالفرح
ويسرف
كيفما اتفق بالحزن.
ـــــ
الفرح منّة العالم
الحزن هبة البشر.
الحزن شبيهي
والفرح شبهتي.
ـــــ
أنا نشيد فرح
لا يتوانى
عن ترديده الحزن.
ـــــ
تسرّب إليّ الحزن
كالمطر الغزير
عبر
مظلة
فرحي
المثقوبة

الفرح وشأني
فيما
يتركني الحزن وشأنه.
ــــ
أي فرح
هذا الذي تعيش من أجله
لا فرح لكَ
أنتَ الذي أغويت كل الأحزان.
ــــ
أي فرح هذا الذي تنشده
أنتَ الفرح الأبدي
الذي تطوف من حوله الأحزان.
ـــــ
دللتِ أعضائي بمتعة رغباتكِ
قلتِ:
ألم الكون حمل الكائن على التكوين
لا تتألم فتؤلم لذّتك
من اللذّة كنت ومنها كان الكون ويكون.
لا تتهافت على فرح لا يهفو إليكَ
أنت كلمة معناها أنا
قلت لي:

الصحيح منْ يقدر على تصحيح نفسه
ثم اعتذرت قائلاً:

منْ صحح نفسه فقدها.
ـــــ
كل منْ ذاق عرف إلاّ أنت
أنت الحاسة
والمحسوس
أنت الطعم
واللسان
الصوت
والأذن
الأنف والرائحة
لا تبسط العقل
وتطوي القلب.
ـــــ
لا تدع ما يفسد صباحك
ويضيق رحابك
ضع في يدك يدك
وأمضِ الوقت في الحديث
عن ذكرياتك
التي لا تحدث.
ــــ
ميلك استقامة
لا تحزن
فنفسك معك
أينما كنت
وأنى ستكون
لا تضلّ عنها
الضلالة عبارة الخائفين
الضلالة نزهتك في متنزه
لا ينزّه إلاك.

***

نازك الملائكة

  • من مواليد بغداد عام 1923.
  • توفيت عام 2007.
  • تخرجت من دار المعلمين عام 1944، وفي عام 1949 تخرجت في معهد الفنون الجميلة "فرع العود".
  • درست اللغة اللاتينية واللغة الفرنسية والإنكليزية وأتقنت الأخيرة وترجمت بعض الأعمال الأدبية عنها.
  • وفي عام 1959 عادت إلى بغداد بعد أن قضت عدة سنوات في أمريكا لتتجه إلى انشغالاتها الأدبية في مجالي الشعر والنقد، والتحقت عام 1954 بالبعثة العراقية إلى جامعة وسكونسن لدراسة الأدب المقارن، وقد ساعدتها دراستها هذه المرة للإطلاع على أخصب الآداب العالمية، إضافة لتمرسها بالآداب الإنكليزية والفرنسية فقد اطلعت على الأدب الألماني والإيطالي والروسي والصيني والهندي.
  • اشتغلت بالتدريس في كلية التربية ببغداد عام 1957، وخلال عامي 59 و1960 تركت العراق لتقيم في بيروت، وهناك أخذت بنشر نتاجاتها الشعرية والنقدية، ثم عادت إلى العراق لتدرس اللغة العربية وآدابها في جامعة البصرة.

صدر لها:

  • عاشقة الليل، شعر،1947.
  • شظايا ورماد، شعر، 1949.
  • قرارالموجة، شعر،1957.
  • شجرة القمر، شعر، 1968.
  • مأساة الحياة وأغنية الإنسان، ملحمة شعرية، 1970.
  • يغير ألوانه البحر، شعر،1977.
  • وللصلاة والثورة، شعر، 1978.
  • كما تركت كتب نقدية: قضايا الشعر المعاصر، 1962، الصومعة والشرفة الحمراء، 1965 وسيكولوجية الشعر، 1993.

الأفعـــــــــوان

أين أمشى ؟
مللت الدروب
وسئمت المروج
والعدو الخفى اللجوج
لم يزل يقتفى خطواتي
فأين الهروب ؟.
الممرات والطرق الذاهبات
بالأغاني إلى كل أفق غريب
ودروب الحياة
والدهاليز في ظلمات الدجى الحالكات
وزوايا النهار الجديب
جبتها كلها.
وعدوي الخفي العنيد
صامد كجبال الجليد
في الشمال البعيد
صامد كصمود النجوم
في عيون جفاها الرقاد
ورمتها أكف الهموم
بجراح السهاد
صامد كصمود الزمن
ساعة الإنتظار.
كلما أمعنت فى الفرار
خطواتى تخطى الفتن
وأتانى بما حطمته جهود النهار
من قيود التذكر
لن أنشد الانفلات
من قيودى
وأي انفلات ؟.
وعدوي المخيف
مقلتاه تمج الخريف
فوق روح تريد الربيع
و وراء الضباب الشفيف
ذلك الأفعوان الفظيع
ذلك الغول
أي انعتاق ؟
من ظلال يديه على جبهتى الباردة
أين أنجو وأهدابه الحاقده
فى طريقي تصب غدا ميتا لا يطاق ؟
أين أمشى وأي انحناء
يغلق الباب دون عدوي المريب ؟
إنه يتحدى الرجاء
ويقهقه سخرية من وجومى الرهيب
إنه لا يحس البكاء
أين .. أين .. أغيب ؟.
هربى المستمر الرتيب
لم يعد يستجيب
لنداء ارتياعى وفيم صراخ النداء ؟
هل هناك ملاذا قريبأ بعيد
سأمضى
وإن كان خلف السماء
أو وراء حدود الرجاء
ثم ذات مساء
أسمع الصوت:

سيري فهذا طريق عميق
يتخطى حدود المكان
لن تعي فيه صوتا لغمغمة الأفعوان
أنه (لابرنث) سحيق
ربما شيدته يد فى قديم الزمان
لأمير غريب الطباع
ثم مات الأمير
وأبقى الطريق.
لأكف الضياع
أسمع الصوت ملء البقاع
فأسير لعلي أفيق
من دياجير كابوسي الأبدي الصفيق
ربما سيضل عدوي الطريق
ما أحب المسير
وليس ورائي خطى مائته
تتمطى بأصدائها الباهته
فى محاني طريقي الطويل
إنه لن يجئ
لن يجئ
وإن عبر المستحيل
أبدا لن يجيء
لن يراه فؤادي البريء
من جديد يثير الرياح
لتسد علي السبيل
فى هدوء الصباح
أبدا لن يجيء
لن يجيء.
وأسمع قهقهة حاقده
إنه جاء
يا الضياع رجائي الكسير
فى دجى (اللابرنث) الضرير
وأحس اليد المارده
تضغط البرد
والرعب فوق هدوئي الغرير
بأصابعها الجامده
إنه جاء
فيم المسير ؟
سأودع حلمي القصير
وأعود بجثته الباردة
وتمر تمر الحياة.
وعدوي الخفي العنيد
خلف كل طريق جديد
فى ليالي الأسى الحالكات
خلف كل سحر
وأراه يطل على من المنتظر
مع أمسي البعيد
مع ضوء القمر
فى الفضاء المديد
أين أين المفر
من عدو العنيد
وهو مثل القدر
سرمدي
خفي
أبيد
سرمدي
أبيد.

الكوليرا

سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ
تحتَ الصمتِ
على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو
تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ
يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ
الموتُ
الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر
أصِخْ
أنظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ
عشرونا
لا تُحْصِ
أصِخْ للباكينا
أسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى
مَوْتَى
ضاعَ العددُ
مَوْتَى
موتَى
لم يَبْقَ غَدُ
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ
لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ
الموتُ
الموتْ
تشكو البشريّةُ
تشكو ما يرتكبُ الموتْ
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوُضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءْ
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ
سوى صرَخات الموتْ
الموتُ
الموتُ
الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ.
لا شيءَ
سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ
وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا
لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ
سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ
الموتُ
الموتْ
يا مصرُ شعوري مزَّقَهُ ما فعلَ الموتْ.

إلى العام الجديد

يا عام
لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف
من عالم الأشباح
يُنكرُنا البشر
ويفر منّا الليل
والماضي
ويجهلنا القدر
ونعيش أشباحًا تطوفْ
نحن الذين نسير
لا ذكرى لنا
لا حلم
لا أشواقُ تُشرق
لا مُنى
آفاق أعيننا رمادْ
تلك البحيرات الرواكدُ في الوجوه الصامتهْ
ولنا الجباه الساكتهْ
لا نبضَ فيها
لا اتّقادْ
نحن العراة من الشعور
ذوو الشفاه الباهتهْ
الهاربون من الزمان إلى العدمْ
الجاهلون أسى الندمْ
نحن الذين نعيش في ترف القصورْ
ونَظَلُّ ينقصنا الشعور
لا ذكرياتْ
نحيا
ولا ندري الحياةْ
نحيا
ولا نشكو
ونجهلُ ما البكاءْ
ما الموت
ما الميلاد
ما معنى السماء ؟.
ـــــ
يا عامُ سرْ
هو ذا الطريقْ
يلوي خطاكَ
سدًى نؤمل أن تُفيقْ
نحن الذين لهم عروق من قصبْ
بيضاءُ
أو
خضراء
نحن بلا شعورْ
الحزن نجهله
ونجهل ما الغضب ؟
ما قولُهم إنّ الضمائر قد تثور
ونود لو متنا فترفضنا القبور
ونود لو عرف الزمانْ
يومًا إلينا دربه كالآخرين
لو أننا كنا نؤرخ بالسنين,
لو أننا كنا نقيَّد بالمكانْ
لو أن أبواب القصور الشاهقات
كانت تجيءُ قلوبَنا بسوى الهواء
لو أننا كنا نسير مع الحياةْ
نمشي
نحس
نرى
ننام
وينالنا ثلج الشتاءْ
ويلفُّ جبْهَتَنا الظلام
أواه..
لو كنا نحسّ كما يحس الآخرونْ
وتنالنا الأسقام أحيانًا
وينهشنا الألم
لو أنَّ ذكرَى
أو رجاء
أو ندم
يومًا تسدُّ على بلادتنا السبيلْ
لو أننا نخشى الجنونْ
ويثيرُ وحشَتنا السكون
لو أن راحتنا يعكّرها رحيل
أو صدمة
أو حزن حب مستحيل.
أواه...
لو كنا نموت كما يموت الآخرونْ.

***

نجاة عبد الله

  • من مواليد ميسان جنوب العراق، عام 1969.
  • حاصلة على بكالوريوس علوم كيمياء 1991، وبكالوريوس لغة اسبانية 2000.
  • عملت في الصفحة الثقافية في مجلة ألف باء منذ عام 1991 حتى عام 2001 أين غادرت العراق إلى الأردن هربا من المطاردات الأمنية بسبب عملها في صحيفة الزمان وهي صحيفة معارضة تصدر في لندن .
  • عام 2001 طلبت اللجوء الإنساني، ومكثت في عَمّان حتى عام 2003، لتغادرها إلى نيوزلندا أين أقامت فيها لمدة.
  • عادت إلى بغداد سنة 2005، حيث تعمل محررة في القسم الثقافي في جريدة الصباح.

لها أربع مجاميع شعرية صادرة بطريقة الاستنساخ، هي:

  • قيامة استفهام، 1996.
  • مناجم الأرق، 1999.
  • نعاس الليلك، 2000.
  • حين عبث الطيف بالطين، 2003.
  • لها مخطوطة قصصية بعنوان: أصابع جدي.
  • كما ترجمت عن الإسبانية مجموعتين شعريتين: الجهات الأربع، للشاعرة الأسبانية اسبيرانثا لوبث برادا، والثانية بعنوان: في قشتالة، للشاعر الأسباني بلاس ده اوتيرو، وهما مازالا مخطوطان.

خطيئة آدم

التفاحة في يدك يا آدم
واللعنة في عينيك يا إبليس
هاتها من يدك
هاتها من عينيك
وأتركا الخديعة ترقد في سلام.
ـــ
كلما آتيكَ بها تأتي إلي
خجلي
مثل شجرةٍ تخشى تفاحها وخطاياها
كلماتك التي
تغرق في السؤال
أرضكَ المنشغلة بغيرك
ورأسكَ المتكيء على الريح.
ـــ
المسّرة ما بين قلبكَ منكسراً
وسؤالها الأجراس
لما دنوتَ من الوهج
توزع الأعياد
آخر مهد تصنعه الحروب
والرجل المقتول
يتذكر الحقيبة والحبيبة
والنار التي يحلف بها إبليس.
ـــــ
ضوء خافت
يتلالأ خلف سؤالك
من أنت تعقد كفيك
وتنصت لأنين النار؟.
ـــــ
شمعة
يحترق صمتك
مطر
هذا الكلام
المحتشد في فمك الميت
علّك
تراني تفاحة تصهل خلفي.
ـــــ
يهبط الغيم حزيناً لسؤالك
منطوياً على دمعته
أهذا العمر لكِ أيتها الأخطاء ؟
ندندن كما الفرحة
على الشباك
نفتح أذرعنا المشلولة
ونرسم على الفم ضحكة بلهاء.
ـــــ
اقتربَ المطر الفضفاض
عصافيركَ نائمة بين يديك
أرضكَ لا يطؤها الموت
رحلتْْ أول الشموس
وهرمتْ آخر الأوراق
يابسة
ساخرة
هشة
عمياء.
ـــــ
أعوذ بصمتك
هائلاً
كما الخطيئة
خائناً
كما التفاحة
مرتدياً
أرضكَ
تدهشها الحياة.
ـــــ
يأنسُ
لمرآه
وحيداً
رجل
يحسد الشقاء
على النار
يصطحب إخوته
أزهاره المضطربة
جمرته
نواح الأمهات
طريدته الروح
أتاكَ بها
رهبة في عينيه
تفاحة
تقتحم أسرار الجنة
وتلوك بأحلام النار.
ـــــ
القبر متسع
بارد
وأليف
كلهم يترقبون
خطأ في يدك
دهشة في عينيك
يقظمون
تفاحة
غيبتكَ الباردة.
ـــــ
سقطتْ في يدك البريئة
قفزتْ إلى فمك السعيد
خلف النافذة يضحك إبليس
هبني أرضاً
لا أفرح فيها
ورداءً يسع الموت بياضه.
ـــــ
الشجرة نائمة
تهمّ بالعزلة
والليل
التفاحة التي دنوت من فمها
تستحي من الريح.
ـــــ
يدك الممتدة
تقطفُ أسئلة النار.
ـــــ
الأموات يغدون خلفك
أيتها التفاحة
يرتدون
لعناتهم
وبكائهم
أرواحهم تغرق في الحياء.
ـــــ
بعباءتها البيضاء
تهبط كالأخطاء
آلامكَ المعلقة على الشجرة.
ـــــ
في كلِّ قمرٍ
وجه لخطيئتكَ
جرح نحتمي بغيابه
جمرة تشبهُ تفاحتك المنطفئة
وضوء لضحكة إبليس.
ـــــ
ينقل خطوته الباردة
ينشر أجنحته الميتة
ويلقاك وحيداً
تُداعبُ الخطيئة
تشدُّ على طينك
وطيفك
وخديعتك
كلما ترشدُ ميتاً
إلى القبر
وتملأُ فمه بالصراخ.
ـــــ
تجلسُ كما الحياة
النافذة الشرهة
تكدّسُ حولها الأموات
أرواحهم ترفرف فوق البحار
نظراتهم تبحث عن التفاحة
خلفهم إبليس
فوق الشجرةِ
آدميون
يسعلون
ويرمونك
من فوق خطيئتهم.
ـــــ

بابٌ
يطرقُ باباً
شمس ترحل فيك
ضوؤك الوحشة
وعلى جبهتك بعض
من رعونة إبليس.
ـــــ
الرماد
يعلو نظرتك
باهتة تتسلق النار
مسرعة
تتفقد كفيك
وجهُ مَنْ
هذا الذي
تنحتُ
نوارسَ من طين
وتكتبُ على
أحزانهِ
النار؟.
ـــــ
ها أنتَ تقترب
البحر
صديق من ماء
والوجع الناعس
ظلك
يترقب سقوطها
من الشجرة البيضاء
أخطاءك الهرمة.

ماونت البرت

أنتظرُ حتى
يحين البحر نومته الشفيفة
يدي لا تلقاك
بأشرعة ساخنة
تغادر مدينة السماء
السفينة
قادمة من الخوف
النادلة الصغيرة
تضع أمامي الشاي
لم يَحن بعد موعد الغذاء
على الطاولة الأخرى
زهرة حمراء
ورجل مجنون
يقرأ أسرار الماء
يتطلع إلى مدينة بلا سماء
يداعب هواءً مراً.
ـــــ
برج المدينة يكتهل الآن
بلا نوافذ يمد يديه
كائن حزين
يحشر رأسه في الغيم
تدنو وأبتعد
السفينة الحربية
بأشرعة سود
تمرّر لوناً
وكلام
رأسي لا يخترق الغيم
الطائرة الحربية بأجنحة سود
تدخل أرضاًً أخرى
أُسعدتَ مساءً
يا ظلي.
ـــــ
الآن
سوف نهبطُ
مضتْ الأعوام سريعاً
شمسٌ تشرقُ من جديد
طيرٌ ضاعَ من يدي
حط فوق جبلِ ألبرت
ماونت ألبرت
جبل حبيب
مالي أراكَ
متجعداً مثل
كفن أخي الأخضر.

ــــــــــــــــــــــــــ

1

لما تزل شجرة النوح
أقطف دمعة
منها
تثمر ميتاً في البلاد.

2

أغدو خلفكَ
قدم في القلب
وقدم في الباب.

3

كنا نقتسم القهوة
كنا نقتسم الصباح الأسّود
يدهُ تُشير إلى العصافير الوقحة
ويدي تُشير إلى الفنجان.

4

في الليل
تضع العجائز
أسنانهن
ونظاراتهن
وإبتساماتهن الميتة
على خوذة بيضاء
ويذهبنَّ إلى الحرب
عميقا.

5

كلنا
قرأنا
ما دمنا
نزرع
الأمهات
على الأبواب.

6

لم أغرق في النوم
حين قلعوا مني
ضرس الطمأنينة.

7

قلبي
أغمسه في الشاي
يتفتت بين أصابعي
وأنهضُ
كمن يفقدُ برتقالة.

8

أترقب قلبك
من قدح الشاي
حتى صراخ الوردة.

9

لما حلّق الفرح
كان الطير
مثل كل الأسئلة
ينام وحيداً.

10

الشوارع عاطلة
المطر معطوب
وثمة جنوب
يثقب قلب السكون.

11

لم يسبق لي
أن شتمت غيمة
لأنعم بضفادع ميتة.

12

هذه أصابعي
وتلك أحلامك
ونحن نتنافس
على قلبك الأخضر.

13

أجهل كثيراً
أنكَ تؤوي أخطائك
كي تُّسّلي الجرار
بوجه ثقيل
وأيام منسكبة.

14

تنام غريقاً
أيها البحر
وتصحو
مثل صحراء مدللة.

15

أنا أُمشطُ
رأس السنة
وأنتَ تغفر خطيئة
أوجاعها الصدئة.

16

كم من القلوب
أسدلتْ أسراب القمح
أتساءل
أيها الدفء
ذو الأجنحة الذهبية .

17

أحلم
بحياة مثل هذه
وفراشات مثل تلك.

18

حدّق في وجهي
حين فارقته الأقدام
دون أن يشكرني على
حماقة قبره الصغير.

19

أيتها المجنونة
أيتها الــ / أصابعي
ألم أشر إليك
بهذا القفاز
وهذا الطين.

20

حينما يكون
الهدوء قاتلاً
تناولي سيفكِ
وأمضي
أيتها الضوضاء.

21

إلي بأجنحة الصدق
لأكذب فيكَ
سماء مالحة.

22

أم واحدة
وسلحفاة نائمة
وأنامل تبكي على الدوام
هكذا قضيت حياتي.

23

يا للصباح الفج
والقمر الرضيع.

24

التلفاز أسود
الصورة التي تعلوه
تضحك بمرارة
والقلوب التي في الشارع
ندية بالأسى
تلوح لي
خلف العتمة
تسخر من الصباح
والقلائد المعلقة على الحائط.

25

يا شمس
لا تأبهي
بظلام أحبتنا
ويقين فراقهم.

26

أقود المسرّة
مثل راهبة
حتى
تألف الوردة
رنين غربتها.

27

أتفقد الألم
النازح
من قلبكَ
كلما وضعتَ
حجراً
في الغياب.

28

وطني يقتل صباكِ
أيتها الدموع
يعلق وردة بحجم قذيفة
على صدره الذهبي
يأخذنا الغياب
ويُسرع بنا الموت
كلما بكتْ
نخلة في الدار
.....
أكتموا نعش البلاد
أو لم تنته الحرب
أيها الأصدقاء
.....
قدمي في المنفى
قلبي يرتجف
كلما يتنزه رغيف
قرب النار.

29

هذا البحر
كلما
يأخذ
حمامة
من الريح
يكتم غيابكَ
ببياض لا حدود له
.......
إبتهلْ
كأجمل وردة
ينفرط
عطرها الآن
خذ بساقها المرغم على الشوك
وقلبها
تسعل فيه الحروب
خذ بخطوتي
إليك
تفترق البلاد.

30

رائع
يا صديقي
وغربة كل ما يصحو بيننا
كأنكَ جمل متعب
في صحراء كتاب مدرسي
وكأني صقر جريح
يضمد العالم
بدم بارد
وبضعة سلاطين.

31

مثلما تحلمين
بأناملك البغي
أيتها الأوجاع
أحلم بأجراس من الحنين.

32

سوف يَمُتنَّ الأمهات
ذاتَ صباحٍ أحمق
تَصْفَعًهُ أقمارٌ باردةْ
وشموسٌ مهاجرةْ
سوف يمتنَّ الأمهات
بسروالٍ أسودْ
وفوطةٍ بيضاءْ
وعلمٍ أخضرْ
يَعْجُن الدموعَ بالتُرابِ
ويصْنعُ تماثيلَ حزنهُنَّ الساخنْ
سوف يمتنَّ الأمهات
ذات صباحٍ آخر
حينها
سوف انْظُركَ بعنايةٍ
وأُصَفّقُ لرعونةِ ذكراكَ.

33

كنتَ تبحث عن الشمس
الآن رحلتْ
شمسكَ التي
لا تُطيق النظر إليك
أو التقرب من ظِلك المخدوع به
ظِلك الذي حاصره المساء
كنت تبحث عنها
أسرعتْ تمهدُ لليل
أقدامك المعتمة
وقلبك المضيء.

34

أيها الندم
يا حلة أيامي القادمة
أُقدّم إليكَ قرابين الدموع
وبلادةَ الروح العطشى
أُقدّم إليك
زهوي بهندامِكَ البغيض
وطاقيتِكَ البائسة
وأنت تطرق عليَّ الباب
وتنوحُ مثل حمامةٍ سوداء
على شبابيك الطفولةِ
أفكرُ في الرحيل إليك
والولوج في رأسِ غيركَ من المتاهات.

35

أخرجْ إلى الحياة
أيها الراعي
ماذا تهبكَ الريح
غير بكاء يخفت
ونوارس تمتهن البياض
أخرجْ إلى يومها الخراب
وأثداءها المثقلة بالنحيب.

36

الدمية تغفو
والعالم يتكور
مثل فراشات سود
الدمية تنهض
وأنا أمسح صورتك
التي يرسمها الضباب.

37

الظلام أبانا
نترقب نسيجه الغض
خلف السماء.

38

خلف النهر
تجلس بعباءتها الحناء
وعلى الطاولة
أقراط الجارة
الأقراط التي
تثقب قلبك يا أبي
صار بإمكانك
أن تمسك النخلة خلف الضوء
وتقظم أعذاقها المرة
صار بإمكانك
أن تهرب بها بعيداً
دون أن تفقد عيدا
أو نكتوي بحربها
البلاد
نسيان
نسيت شكل الفراء
وأناملكَ المبقعة بالكلام
وأنتَ تدّس الضوء
بين الأزهار
وفوق الأراجيح
نسيت أن أختصر
زمن الثلج
وأرمي في يديك البياض
وحين عاد المطر
وعاد الشتاء
حين عدنا جميعا
من طابور اليأس
نسيت أن أهمس إلى الجدران
ثمة أبواب تسقط سهوا
وثمة أزهار
لا يقطفها الجلاد.

***

يوسف الصائغ

  • من مواليد الموصل، عام 1933.
  • توفي عام 2005.
  • حصل على درجة الماجستير في الأدب الحديث.
  • عمل في التدريس والصحافة.

صدر له:

  • قصائد غير صالحة للنشر، شعر.
  • قصائد، المجموعة الشعرية الكاملة، دار الشؤون الثقافية العامة، 1992.
  • يوسف أعرض عن هذا، مخطوط شعري.
  • وصدر له في المسرح بعض الأعمال منها:
  • ديدمونه، فازت بجائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان قرطاج، 1989 .
  • الباب، فازت بجائزة أحسن نص مسرحي في مهرجان قرطاج،1987.
  • البديل، مخطوطة مسرحية.
  • السيرة الذاتية، الاعتراف الأخير لمالك بن الريب - ج - الأول والثاني، ج - الثالث غير مطبوع .

في الرواية:

  • اللعبة، فازت بجائزة أحسن رواية عراقية، 1970.
  • السرداب،1997.
  • المسافة، عن إتحاد الكتب العرب دمشق، 1974.
  • الشعر الحر في العراق.

أنا لا أباع
زُرني
فإن الليل يُتبعني
ولقد سكنتُ الشوق مغترباً
وكدتُ أموت من فرط التجني
والأمنيات.
اليوم رحلي
ما تزال تخبُ بي
كذباً
فلا تقصي
وتدني
حتى كأن السجن
أقصي ما أطيقُ
فهمتي القعساءُ
أني
ما أزالُ
رهين سجني
وتعرَق الشارونَ
ذاقوني
حليباً
علقماً
مرَاً
فلما استيأسوا مني
شروني
أغراهمُ استنكافُ طبعي
واتزان سريرتي
وبأن بي جنفاً
عن القيل المنابزِ
والمُكنِّي
أنا لا أبيع
ولا أباع
والتجار باعوني
وساموني
وكنت تجارة في السوق
معلنة
وكنتُ
فإنْ رخصتُ عليك
بِعْـني
ما يهمُّ ؟
لقد تكاثرتِ الجراح
بجسم ميتٍ.
لا لعمريك
فالجراحُ
هي المضيعة
المواتُ
وما يموتُ الجسم مني
والقلبُ عافيةٌ
ونبض القلب ـ لو علموا ـ
هو الغردُ المغنّي
حاشاك
أنا
لا أبدلُ جلد وجهي
حين يُشتي الفصلُ
لا أبداً
وحقك
فالندوب به
ندوبي
والجراحُ ـ سلمتَ ـ بعضُ ملامحي
وأقول
ها
قبحي
وحسني.

زرني
أخافُ
تكاد يائسةٌ تفل عزيمتي
والموت
كل الموت
عندي
أن أهون
ولا ترى
الميقات عيني
رؤيا الرجالين الصادقين
أحبكمْ
إني أحب الصادقين
وقد مللتُ من الجلود النافخاتِ
الناصباتِ
وحشو ما في الجلد
من بَعْرٍ
وتبنِ
إني مللتُ
وقلتُ:
لا
حاشا العشيرة
ليس هذا الرهط منا
الحابسون
الريح
تنفخُ قلبهم
ورماً
فإن عصروا
فسوا
خوراً
وجُبنا.

رهان

المحبة
والصدقُ
هذا رهان حياتي
وهي زقورةٌ أرتقيها
وأبدأ فيها صلاتي
أيها الربُّ
يا حارسَ الحبِّ
والنخل
والرافدين ْ
أنا شاعر
أكلت قلبه الكلمات ُ
وضيَّعه حبّهُ
فأعنّي على كلماتي
أعطني نعمةَ الصدق
والحب
والعافية
لأولدَ في وطني
مرة ثانيةْ.

وطن
سنفارقهُ ذاتَ يوم ٍ
ونترك فيه قصائدنا
كيف نهربُ من حلمٍ
إنَ بيتاً كتبناه
يمكن من بعدنا أن يزيد الحياة شبابا ؟
وكيف ندافعُ عن قلقٍ
أن شعراً كتبناه
سوف يموت غداةَ نروح
ويغدو ترابا ؟
سأفتح بيتي
ليسكن فيه.
.........
لكني لما عدت إلى بيتي
لم أجد البيت مكانهْ
وتحيّرتُ
هل أخطأتُ الحارة والشارع ؟
كيف يضيِّع إنسانٌ مثلي بيته أو يخطيء جيرانه ؟
قلتُ لنفسي :

يجدرُ بي أن أنسحب الآن
وأنسي عنواني
وأروحُ أفتش في صمتٍ
عن بيتٍ ثاني..!

أما كان يمكن

إنها الساعة الثالثة
بعد منتصف الليل
بغداد واقفة
مثل مرضعة
على كتفها
قمر ميت
وفي الرحم منها جنين عجيب
رأينا على الأفق المستريب
قمرا من رماد
وأنياب ذيبْ.
والليلة
سوف يسيل من القمر الميت
خيط دم يعلق
بالروح
وبالأغصان.
والليلة
تنبت في الملجأ أدغال العصر الملعون
وتكتمل الأحزانْ
وستطفو قبل الفجر تماسيحٌ سود
ذات زعانف
من لهب ودخان
وعما قليل
ستبتديء المجزرة.
أنا لا أنظر من ثقب الباب إلى وطني
لكني أنظر
من قلب مثقوب
وأميز بين الوطن الغالب
والوطن المغلوب.
***
اللهُ
لمن يتنصتُ في الليل على قلب
أو يسترق السمع إلى رئتيه
وطني لم يشهد زورا
يوما
لكن شهدوا
بالزور عليه.
ها أنا أقف
فوق أنقاض عصري
أقيس المسافة ما بين غرفة نومي
وقبري
أهمس:
واآسفاهُ
لقد وهن العظمُ
واشتعل الرأسُ
واسودّت الروح
من فرط
ما اتسخت بالنفاقْ.

سلام على هضبات الهوى
(سلام على هضبات العراق)

إنها الساعة الثانية وثلاثون
من بعد منتصف الليل
بغداد نائمة
والهزيع ثقيل
وحده النهر مستيقظ
والمنائر
والقلق المتربص
خالف جذوع النخيلْ
فجأة
صرخت طفلةُ الخوف في نومها
وتخبط في العش فرخ يمام
وصاح المؤذن في غير موعده:
- استيقظوا
أيها النائمون.
وماد المدى
وتجعد جلد الظلام
واقشعر السكون
ترى أما كان يمكن إلا الذي كان ؟
ما كان يمكن إلا الذي سيكون ؟

كان
لا مناص
سوى أن تُخان
على صدق حبك
يا صاحبي
أو تخون ؟.
هو ذا قمر من دم
قد التصقت كسر الخبز فيه
دم
تراب
وهرّ على منكبيه
غراب
ولقد نظرت بمقلتي ذئب إلى وطني
وأحسستُ العواء يجيئني
دبقا
يبلله اللعابُ
ورأيتني
أتشمم الجثث الحرام
أفتش القتلى عن امرأتي
لكن
صاح غراب البين
فانشقّ المشهد قسمين:
مشهد
عن يسار ضريح الحسين
وآخر
في ملجأ العامرية.
ورويدا
حتى يبتديء القصفُ
وتصعد
من بين شقوق الإسمنت المحروق
تراتيل الخوف
ترافقها أصوات مخاض
تسقط قنبلة
تسقط أخرى
أخرى
ينفجر الملجأ
ينهدم السقف
وتحترق الدنيا
فنموت
ونسمع بين الموت
وبين اليقظة
صوت جنين
يضحك في الأنقاضْ.

واقف فوق أنقاض عصري
كالصليب
يمد يدين مضرجتين
فما بين يأس
وصبر
ألا
أيها الراهبُ الأبديُّ الجريح
أما آن أن تستريح
وتدرك أنك لست المسيح
وأن الطريق إلى (الجلجة)

لم يعد معظلة
ولكنه
في زمان
كهذا الزمان
غدا مهزلة
ومحض جنون.
ترى
أما كان يمكن إلا الذي كان ؟
ما كان يمكن إلا الذي سيكون ؟
بلى
كان يمكن
لكنّ خمسين عاما
من الحب
لا بد تُتعبُ
والصبر
يتعبُ
والحلم
والوهم
هذا العذاب البريء.
في وداع حبيب مضى
وانتظار حبيب يجيء
وقد كنتُ في وحشة الروح
أرنو لبغداد
أبحث عن منزل لي بها
وأعرف
أنك أهلي
وبيتي
وأن على بابنا جرسا للحنين
أقرعه
ثم أدخل:

اللهُ
هذا إذن كل ما قد تبقّى
سريرٌ كسيح
وغرفة نوم مهدمة
ما تزال معاطف من رحلوا
معلقة فوق جدرانها
ومكتبةٌ
سقطت كل أسنانها
وأهملها العاشقون
علام إذن يكتب الشعراء قصائدهم ؟
ومم تُرى يشتكون ؟
فما زلت أذكر
أنا مشيينا وحيدين
نبحث عن فندق للعناق
وحين وجدنا الشوارع مهجورة
والفنادق ممنوعة على العاشقين
اخترعنا الفراق.

سلام على هضبات زمان مضى
سلام على هضبات العراق
يومها
كان للحب
بيت صغير
يعود له في المساء
ولم يكن الحزن قد بلغ الرشد
والخوف
ما كان قد أفسد الكبرياء
ولم يكن الشهداء
يموتون
من قرف
أو
رياء.

أبدا
كان يمشي إلى الموت
مكتفيا بمحض رجولته
وبزهو الدموع التي في عيون الحبيبة
وحين دنت
ساعة المجد
غالبه حبه
فانحنى خاشعا وقبل جلاده
وصليبه.

واقف كالمرابي
في تخوم الضياع
وعصر الخراب
على كتفي
ببغاءٌ مدربةٌ
وفي الصدر
قبرة بجناحي غراب
غير مستنكف من مشيبي
ولا نادم
لأني لمحض سراب
هدرت شبابي
ولم أنس هذا الذي كان
أو
سيكون.

فانظروا أيها الطيبون
إنها الساعة الثالثة
بعد منتصف الليل
بغداد واقفة
مثل مرضعة
على كتفها قمر ميت
وفي الرحم منها جنين عجيب
رأينا على الأفق المستريب
قمرا من رماد
وأنياب ذيبْ.
والليلة
سوف يسيل من القمر الميت
خيط دم
يعلق بالروح
وبالأغصان
والليلة
تنبت في الملجأ أدغال العصر الملعون
وتكتمل الأحزانْ
وستطفو قبل الفجر تماسيحٌ سود
ذات زعانف
من لهب ودخان.
عما قليل
ستبتديء المجزرة
فمن يشتري التذكرة
إني ابتعت بهذي الليلة تذكرتين
مكان اثنين
أنا
وحبيبة قلبي
في منتصف المشهد
لكأني أرى مثلما يحلم النائمون
عراقية تتفتح من فرح في الفراش الوثير
وأراني أمشط شعر محبتها
فترمقني بامتنان
وتمسح فوق يدي بالحرير
كأني أرى
وأرى
وأرى.

إنما
فجأة
يفتح الباب
يدخل مخدعنا
قنفذٌ من دم
فتطفيء الرغباتُ
وتترك فوق السرير
جثة امرأة كنت أحببتها
ستبقى بلا كفن في ضمير الحضارة
إلى أن يدب الفساد بها
لتفضح سر العلاقة بين القداسة
فيما نحب
وبين الدعارة.

واقف فوق أنقاض بيتي
أفتش
عن جثة امرأتي
ودمية بنتي
ويسألني الناس للمرة الألف
- ما كان يمكن ؟
اصرخ:
لا
أيها الغافلون
فإن تك خمسون عاما من الحب تتعب
أو يكن الصدق يتعب
فالكذب
آخ من الكذب
هذا العذاب البذيء
في اقتفاء النجوم التي لا تضيء
والتثبت من قمر في المحاق
سلام على هضبات المنى
سلام على هضبات العراق.