عبد العزيز سعود البابطين

  • من مواليد الكويت، عام 1936.
  • ترك الدراسة في مرحلة مبكرة من عمره للعمل، لكنه حائز على العديد من درجات الدكتوراه الفخرية من عدد من جامعات العالم.
  • رجل أعمال مرموق ومعروف في ميادين التجارة والإقتصاد في أكثر من بلد عربي.
  • أنشأ مؤسسة: جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري التي أقامت عدة دورات وقدمت جوائزها لعدد كبير من الشعراء العرب، وأصدرت الكثير من الكتب والمعاجم الشعرية، وكان ذلك في 1989.
  • أنشأ مكتبة: البابطين للشعر العربي في الكويت، حيث فتحت أبوابها للقراء، 2006.

صدر له:

  • بوح البوادي، شعر، 1995.
  • مسافر في القفار، شعر، 2004.

في عمق الزمن

يا عُهوداً دَرَسَتْ أرَّقَني          ذِكرُها الخالدُ في عمقِ الزَّمنْ
أشرقتْ يومَ التَّصابي في دمي           وزَهَتْ روحي كطيرٍ في فَننْ
جَمَعَتْ شملي وأحبابي وفي          روضةِ العشّاقِ أنسَتْنا الوسنْ
يومَ كنّا ننسِجُ الأحلامَ في          هدأةِ اللَّيلِ بتنميقٍ وفَنْ
وطَفِقنا نقطُفُ الرّيحانَ من          مُهجةِ الفجرِ وفجري قد وَهنْ
يومَ وصلٍ يحتويني ثَمِلاً          برحيقِ الحبِّ والقيثارُ رَنْ
وحسبتُ العمرَ يمضي مَهَلاً          في صفاءٍ دونَ همٍّ أو حَزَنْ
يا خليليَّ ألا رِفْقاً بنا          فلماذا تَعذِلاني وبِمَنْ ؟
تَعذِلاني بعدما شَبَّ الهوى          بفؤادَيْنا وآدتْنا المحنْ
وغَدَتْ حَسرى بآلام النوى          وأنا مزَّقني ليلُ الشَّجنْ
بعدَ أنْ هاجَ حنيني للذي          هجَرَ الدارَ ودربي والوطنْ
يا عهوداً دَرَسَتْ أذكُرُها          أرّقَتْ جَفني وغابَتْ في الزَّمنْ.

وسط العباب

سلي ليلي ليُبلِغَكم عذابي          ولوعةَ مُهجتي بعدَ الغيابِ
لقد جلَدَتْ سياطُ الهمِّ قلبي          ومُزّقَ بين أظفارٍ وناب
وتعصِفُ بالفؤادِ رياحُ هَجْرٍ          فيبلُغُ عصفُها لُبَّ اللُّبابِ
وتجتاحُ الظُّنونُ مَدى خيالي          فتُلقيني بوهمٍ كالسَّرابِ
كأنَّ الهجرَ لم يُخلَقْ لِغَيري          وغُولَ البَيْنِ سُكناه بِبابي
وأنَّ وِصالَنا أنقطَعَتْ عُراهُ          فتاهَ كزورقٍ وَسْطَ العُبابِ
سلي عمري الذي قد طاف سَعياً          يفتِّشُ في الخبايا عن كِتابِ
يُصوِّرُ عاشقاً صَبّاً وَلُوعاً          تَلقّى في الصَّبابة مِثلَ ما بي
وأشعاراً يردِّدها جَزُوعٌ          تُماثلُ ما أُردِّد في انتحابِ
تُصوِّرُ لَوعتي فكراً وحِسّاً          وآهاتي ونَوحي واكتئابي
فلا أجدُ الكِتاب بِسعي عُمْري          وأرضى مِ الغنيمةِ بالإيابِ.
غناء الكون

أتذكُرُ إذ سَهِرنا اللَّيلَ نروي          مِنَ الذِّكرى حِكاياتٍ طِوالا
ونجتَرُّ الأماني حَالمِاتٍ          وأعماقي تُناجيها جمالا
ونغرَقُ في خِضَمِّ اللَّيلِ آناً          فنحبِسُ في حناجِرِنا المقالا
ويُطربُنا سُكونُ اللَّيلِ حتّى          لَنَحسَبُ أنَّ مَن في الكونِ زالا
ونَسمعُ مِن غناءِ الكونِ لحناً            فلا ندري يَميناً أو شِمالا
سُقِينا المرَّ في زمنٍ تناءتْ            مَنازِلُنا فأبعَدَتِ الوِصالا
شَكاتي حين أشكوها لِنفسي            تَحزُّ بها فتَجأرُ كالثّكالى
ويعتصِرُ الأسى قلبي وحِسّي            وأعماقي تُردِّد ألفَ لا لا
أُناجي البدرَ علَّ البدرَ يرنو            لساهرةٍ نضَتْ عنها الكَلالا
ليُخبرَها بأنَّ العهدَ باقٍ            برَغمِ البينِ لا يَرضى زَوالا
أعِيدي الصَّفوَ في نَفسي ورُدّي            أكاذيباً وأوهاماً ثِقالا
فإنّ النفسَ تُحييها الأماني           وإنْ خَسرتْ مع الحبِّ النِّزالا
أعيدي الوهمَ في قلبي فإنّي            أَحِنُّ إلى العذابِ ولو خيالا.

***

عبدالله العتيبي

  • من مواليد الكويت، عام 1942.
  • توفي عام 1995.
  • حائز على الدكتوراه في الأدب العربي كلية دار العلوم جامعة القاهرة.
  • عمل أستاذاً مساعداً في قسم اللغة العربية وآدابها جامعة الكويت.
  • ترأس قسم اللغة العربية عدة مرات، وعمل عميداً مساعداً، ثم عميداً لكلية الآداب، جامعة الكويت.
  • كان عضو مجلس إدارة المعهد العالي للفنون الموسيقية.
  • كان عضو رابطة الأدباء في الكويت، ثم شغل منصب الأمين العام لها.
  • كان عضو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وعضو لجنة جوائز الدولة.
  • ترأس مجموعة إدارة المجلة العربية للدراسات الإنسانية التي تصدرها جامعة الكويت وكان رئيساً لتحريرها.

صدر له:

  • مزار الحلم، شعر، 1988.
  • طائر البشرى، شعر، 1993.
  • شعر السلم في العصر الجاهلي، دراسة، الكويت، 1975.
  • دراسات في الشعر الشعبي الكويتي، نقد، الكويت، 1984.
  • عبدالله سنان، دراسة ومختارات، بالإشتراك مع الأستاذ خالد سعود الزيد، الكويت، 1980.

ريح السواحل

ريحُ السواحل رّدتني إلى وطني
إلى الزّمان الذي ما زال يسكنني
إلى التي جعلت عيني لرؤيتها
سواحلاً تتمنّى عودة السّفن
إلى التي أودعتني في ربابتها
لحناً يُجدّدُ شوق الرّيح للسّكن
إلى الكويت أناجيها فتُذرفني
على خدود الليالي دمعة الشّجن
ليفتح القلب للأشواق نافذةً
يطلّ منها على أهلي، على سكني
حيث الليالي جميلاتٌ ووادعة
وطيّبات كاهلي في حمى وطني
لكنّها الآن كالبركان ثائرةٌ
عنيدةٌ تتحدّى قسوة الإحن
تاريخها سيفها البتّار في يدها
وشعبها درعها الواقي من المحن
فهْي التي سوف تبقى فالحياة لها
ومن غزاها سيُلقى خارج الزّمن.

غابة الملح

مثلما يفقدُ الشهابُ ائتلاقَهْ
لم يعد ينتمي لأيِّ انطلاقَهْ
كلَّما آنستْ خطاه طريقاً
رَدَّه الـمُنحَنى ككاسٍ مُراقه
علّموه الإغفاءَ حتى تساوى
خَدرُ الحُلمِ عنده والإفاقه
صلبوه على مدى الجرحِ حتى
شكّ في قلبه وخاف اشتياقه
حذّروه الغناءَ في مُدن العِشْـ
ـقِ، وشدّوا على الظنون وِثاقه
حينما شاقَهُ الرحيلُ تمطّى
حَوْلَهُ هاجسٌ عن الركب عاقه
تركوه كغابة الملحِ تَعْرى
كلّما جدّد الربيعُ ائتلاقه

قالتِ الريحُ حدّثتْنا المعالي
عن شموخٍ هناك يبكي انسحاقه
جاءنا مرّةً وما زال فينا
من بقاياه مَلْمَحٌ وعَراقه
قالتِ الريحُ كان حلمَ المراعي
بينه والربيع أندى صداقه
كان مَرْقَى الخلودِ، جسرَ التسامي
وأهبَ النهرِ روحَه واندفاقه
يعرفُ العاشقينَ، يسعى إليهم
ويُحاكونه عطاءً وطاقه
لو دعا النورَ ـ والليالي كهوفٌ ـ
لأتته الأقمارُ من كلِّ طاقه
قالتِ الريحُ كان يوماً وكنّا
وأفترقنا وما أردنا فراقه
إنما طبعُنا الرحيلُ، فأقْعَى
مُسْلِماً خطوَه لدربٍ مُعاقه
إيهِ يا نبضَنا الذي ضاع فينا
مذ قَطَعْنا بين العروقِ العلاقه
مذ نسينا أن الزمانَ حُسامٌ
سيّدُ العصرِ من يُجيد امتشاقه
مذ تساوى من يلبس الجرحَ ثوباً
ويُباهي، ومن يراه حماقه
نحن نبني هياكلَ النورِ لكنْ
كم ضياءٍ بنا وَأَدْنا انبثاقه
كلّما لاح في سَمانا هلالٌ
وأستوى بدرُه صنعنا مُحاقه
إيهِ يا صوتَنا القديمَ أَغِثنا
قبل أن نُدمن الدجى وانغلاقه
أمِنَ التائهين ترجو دليلاً ؟
ومِنَ البُكم تستمدّ الطلاقه ؟
إنّه الوهمُ يا حُداةَ المطايا
ليس في الركب "أحمدٌ" يا "سُراقه".

***

عبد الله زكريا الأنصاري

  • من مواليد الكويت، عام 1922.
  • درس في المدرسة المباركية، ثم أكمل تعليمه ذاتيا.
  • عمل في التعليم ثم عين وزير مفوضا ثم مديرا الادارة الصحافة بوزارة الخارجية قبل أن يتقاعد.

صدر له:

  • فهد العسكر حياته وشعره، ط1، 1956.
  • مع الكتب والمجلات، الكويت، 1972.
  • الشعر بين العامية والفصحى، الكويت، 1973.
  • صقر الشبيب، الكويت، 1975.
  • السياسة والساسة، الكويت، 1975.
  • خواطر في عصر القمر، الكويت، 1976.
  • روح القلم، الكويت، 1977.
  • حوار المفكرين، الكويت، 1978.
  • البحث عن السلام، الكويت، 1979.
  • حوار في مجتمع صغير، الكويت، 1983.
  • مرايا الذات ـ عبدالله زكريا الأنصاري رحلة الكتابة والشعر، جمع و تقديم د. سهام الفريح الكويت، 2003.

أنا والحياة

دَعْها بمُعتركِ الحَيَاةِ تدُورُ
فالعَيشُ زَيْفٌ والأنامُ قُشُورُ
دَعها تَدورُ تدور حتَّى تَنتَهي
وَيَلفّها في صمتِهِ الدَّيجور
دعها تدورُ بكُلّ أروعَ ناصعٍ
وبكُلِّ أحشاءِ العلاء تَمور
دعها تدورُ بحالكٍ من حالك
في حالكٍ، فيها الزمانُ عسير
دعها تدورُ ولا يَقَرُّ قَرارُهَا
وأنر بها الدّنيا وأنتَ جَسور
وأجعل بها دُنياكَ جدّ عزيزةٍ
فقليلُ أيَّامِ العزيز كَثير
فُرضتْ عليكَ وَلَستَ تملِكُ أمرها
فَلأَنتَ مغلُوبٌ بها مقهور
فأضرب بها كبدَ الحقيقةِ مَهمَهًا
في مَهمَهٍ، عُمرُ الحياةِ قصير
وأسلُكْ بها سُبُلَ النجاح وخُض بها
سودَ الخطوب يحفُّكَ التَّقدير
وأملأ بها الدُّنيا سُموّا رائعًا
تُزهى بكَ الدُّنيا وأنتَ أمير
وأصبر على الأهواء حولكَ حُوَّمًا
فدُروبُها للخانعينَ وُعُور
وأصبر على أهوالها وتلقَّها
بالصدقِ والحُرُّ الكريمُ صَبور
بَدِّد بها سُحبَ الظلام وطر بها
فوق النجومِ يحفّكَ التَّكبير
وأصدع بها في الحقِّ كلَّ مُمَوهٍ
فالحقُّ أبلجُ والزمانُ غدور
فَيَسِيرُها صعبٌ وصَعبُ يَسيرِها
سهلٌ ودربُ الطَّامحين يَسير
ما قيمةُ العُمر المديد على الأذى
إن ظلّ يُنجدُ في الأذى ويَغور
العمرُ قيمتُهُ حياةٌ حرةٌ
أبدًا بصاحبها تكادُ تطير

والحرُّ يخترقُ الخطوبَ برأيه
والحرُّ بالرَّأي الشُّجَاعِ جدير
فَأَنِر بفِكْرِكَ كلَّ دربٍ حالكٍ
فالمرءُ بالفكر الرَّفِيعِ يُنير
لا تَبتَئِسْ من كُلّ لومةِ لائمٍ
أدُمتَ في الحقِّ المبين تسير
إنّ الصَّراحةَ والنَّزاهَةَ والعلا
أسسُ الحِجَى وبها الحياةُ تثُور.

إنِّي رَأيْتُ الزَّاحفينَ وكُلّهُم
عَبْرَ الحياةِ إلى الفناء يصير
يتساقطون على الطريق ولا يُرى
إلاَّ صغيرٌ منهمُ وحقير

بلغوا من السِّنِّ العتيَّ وكُلُّهُم
متهالكٌ في عيشهِ مغرور
ألِفوا المذَلَّةَ وأستطابوا عيشَها
ولهُم بأسواقِ النّفاقِ حُضور
فكأنَّ واحدَهُم لفرط خُنُوعهِ
وَرَثَ الخُلودَ وقبرُهُ محفور
الراكعون يجرِّرُونَ ذيُولهم
في عالمٍ مرفوعُهُ مجرور
نُصبوا على أهوائهم إذ إنَّهُم
بوجودهم سَيفُ الأذى مشهور
بئست حياتُهُمُ وَبِئْسَ وجودهم
قد مات حسٌّ فيهمُ وشعور.

يا مُلهمَ الشِّعر الجميل قصائدًا
في القلب ذِكْرُكَ كالسِّراجِ منير
إني ذكرتُكَ والخُطُوبُ عوابسٌ
والوقت في كلِّ الأمور خطير
ما غابَ طيفُك عن خيالي تارةً
فَلأَنْتَ نارٌ في الفؤاد ونُور
نارٌ تأجَّجُ في الضُّلوعِ وإنَّها
نورٌ يُضيءُ وبهجةٌ وسرور
ذكراكَ روضٌ زاهرٌ وخميلةٌ
أبدًا يفوحُ عبيرُها ويفور.

يا مُلهمَ الشِّعرِ الجميل أبُثُّهُ
إنّي بحبِّكَ ما حَيِيتُ أسير
كم كنتُ أنشدُ أن أقولَ قصيدةً
أشدو بها فيخونُنِي التَّعبير
أَرْتَدُّ مَخْفُوضَ الجَناح كَسِيرَهُ
في الشِّعرِ أقعدُ لا أكادُ أطير
إذ أنتَ فوق الشِّعرِ فوق بُحورِهِ
إنّ الوصولَ إليك فيه عَسير.

يا مُلهمَ الشعر الجميل بِفِكْرِهِ
وبعقله قد هَدَّنِي التَّفكير
كيف السبيلُ إلى وُصُولِكَ دِلَّنِي
فلأنت فيما أرتجيه خبير
قد كُنْتُ في هذا النَّشيدِ مُعَرِّضًا
بالخَانِعِين وإنَّني معذور.

الباذلين حَيَاتهم هدرًا وما
علموا بأنَّ الدَّائِرَاتِ تدور
فَطَفِقتُ أُنشِدُ في هواك لأنّه
في القلبِ منقوشٌ، به مسطور
وأقولُ دعها في الحياة تدورُ
فالعيشُ زيفٌ والأَنَامُ قُشور
إنّ الحياةَ هي السُّموُّ كما نرى
خُلُقٌ وَفِكرٌ ناصعٌ وضمير.

***

عبد الله سنان

  • من مواليد الكويت، عام 1917 .
  • توفي عام 1984.
  • درس لدى الملا (وفقا لنظام الكتاتيب)، ثم تابع تعليمه في المدرسة الأحمدية .
  • عمل مدرسا لسنوات، سافر بعدها في الأربعينات إلى الهند للعمل، ثم عاد للكويت، وعمل موظفا حكوميا.

صدر له:

  • نفحات الخليج، شعر، 1964، وأعيدت طباعته بعنوان نفحات الخليج الجزء الأول (البواكير) 1983.
  • نفحات الخليج، الجزء الثاني (الله.. الوطن)، شعر، 1983.
  • نفحات الخليج، الجزء الثالث (الإنسان)، شعر، 1983.
  • نفحات الخليج، الجزء الثالث (الشعر الضاحك ومسرحية عمر وسمر)، شعر، 1983.

العقرب

حجّتِ العقربُ في ماضي السنينْ
تسأل الغفرانَ بين السائلينْ
وأتتْ زمزمَ لا تلوي على
سيّئٍ واتّزرتْ كالمُحرمين
وسعتْ سبعاً وطافت مثلَها
وأتتْ تقصد رمزَ المسلمين
وعلى الكعبة ألقتْ نفسَها
في بكاءٍ وعويلٍ وأنين
وغدتْ تُعلن في تَسآلها
أنّها تابت عن اللسع المشين
وغدتْ تستغفر اللهَ على
ما مضى من لسعها للآخرين
ومشتْ مُظهرةً توبتَها
في خشوعٍ في ركاب التائبين
ورآها الناسُ في تَطوافها
ولها في الزهد شوقٌ وحنين
لبستْ ثوبَ مسوحٍ وانزوتْ
عن عيون الحاسدين الحاقدين
تقرأ القرآنَ ترتيلاً إذا
ما سجا الليلُ لربّ العالمين.

مرّ عامٌ وهْي في عزلتها
تعبد اللهَ وترعى البائسين
فخلتْ تستعرض الماضي الذي
كم به أذكتْ قلوبَ المؤمنين
وأستعادت ذكرَ أيامٍ خلتْ
وزُباناها على الظهر اللعين
يومَ كان السمُّ تُلقيهِ هنا
وهنا بين هزيلٍ وسمين
وهنا حنّتْ إلى أيّامها
وبها من شِرّة الحقدِ الدفين
ومضتْ تلسع حتى وثبتْ
فوقها النعلةُ بالضرب المهين.

إنّ طبعَ السوءِ من أخلاقها
لم تحِدْ عنه شمالاً أو يمين
كامنٌ كالنار في صُمّ الصفا
هكذا طبعُ اللئامِ الأرذلين.

أتقوا الله

أتقوا الله يا رجال التجاره
جِئتُمُونَا بما يَفتُّ المراره
جئتمونا بضغطكم واحتكار الـ
مال حتى أغلقتُمُ أنباره
أرحمونا حتى الزهيدِ من العيـ
ش علينا رفعتُمُ أسعاره
من لِرَبِّ العيال كيف يلاقي
ذلك الغول بالقوى المنهاره
كيف هذا الفقير يحتمل الجو
ع ولم يَمتَلِكْ ولا سيجاره
يَجرعُ الهمَّ والشَّقَاء ولم يَشْـ
ـكُ إلى غير ربِّهِ تجّاره
شهد الله أن أحشاءه الحرّ
ى بها الجوع عاملا منشاره
مُستمرُّ العناء لا يتوانى
تَارةً يأكل الطَّعَام وتاره
ليلُهُ حُرقَةٌّ وهمٌ مقيمٌ
ويُقَضِّي على الشقاء نهاره
يرسل الأنَّة الأليمة ليلا
وهي في سمع غيره قيثاره
يَطلبُ العيش وهو كالحوت في البحـ
ر وهيهات تعلق السنّاره
والسَّرَاحِين حوله تتعاوى
رافعاتٍ أذيالها خثّاره
لم يكن ثَمّ من معينٍ لديه
يردع الذئب يمنع استهتاره
يدخل الربح في جيوب ذويه
ولنا العدم منهم والخساره

كل مستهلكٍ ينوء بأعبا
ء الغلا والغنيّ يجني ثماره
يتعالى على الفقير بما يمـ
لكهُ من تجارةٍ وعماره
لم ينل منه صاحب الدَّخَل المحـ
دود إلا استخفافه واحتقاره
إن هذا الفقير والعامل الكا
دح فيه الشقاءُ يوقد ناره
وقلوب التجار رَانَتْ عليها
قسوة كالحديد أو كالحجاره
فلك الله أيّها العامل المضـ
نى لك الله يا مُقيمَ الحضاره
فعلى كَفِّكَ اعتلى لهم القصـ
ر وأشعلتَ حوله أنواره
أنت أركبتهم بغير مراءٍ
طائرات الفضاء والسَّيَّاره
أنت أنت الذي تدير رحى الأعـ
مال أنت الذي أكتسبتَ المهاره
أنت لولاك لم ينالوا وفير الـ
مال كلاّ ولم يذوقوا العصاره
أنت لولاك لم تقم هذه الدنـ
يا ولم تُبنَ للحياة مناره
أتجازى كما يجازى سِنمَّا
رُ وأنت الذي بلغتَ الجداره
فلك الحقّ أن تجازى لإخلا
صك والصدق باليد المدراره.

***

عبد المحسن الرشيد

  • من مواليد الكويت، عام 1927.
  • تعلم في المدرسة المباركية وحضر عدة دورات في الجامعة الإمريكية بلبنان وفي مقر اليونسكو.
  • حصل على دبلوم في التربية من أنجلترا.
  • عمل في سلك التعليم وفي التجارة قبل أن يتقاعد.

صدر له:

  • أغاني ربيع، شعر، الكويت، 1972.

ليتَ بالآلامِ

سَئِمَتْ روحي حياةً جامِدَه
والفتى تُشقيهِ حالٌ واحده
كلُّ ما أنظرُ لا يُبهجني
كلُّهُ يُضْري همومي الحاشدَه
فصباحي كمسائي اشتَبَها
عيشةً جوفاءَ تجري راكِدَه
قد تهاوى العقلُ فيها راقدًا
والأحاسيسُ جميعًا راقده.
فحياتي وهْي صحراءُ يبابْ
قد جفا أرجاءها حتَّى السرابْ
ضاربًا فيها على غيرِ هُدى
في وهادٍ موحشاتٍ وهضاب
هدّني السيرُ وأدمى أرجُلي
دونما قصدٍ أوفيه الطِلاب
وأشبابي إنَّهُ ضاعَ سُدىً
أكذا تذهبُُ أيامُ الشباب !؟.
إنَّ روحي لإنطلاقٍ خُلقَتْ
لا لأقيادٍ عليها ضارباتْ
إنَّ عيشًا في سكونٍ مُطبقٍ
هو في رأيي سواءٌ والممات
إن تَكُ الأفراحُ قد جافينني
وأماتَ اليأسُ كلَّ الأمنيات
ليتَ بالآلامِ أن تنتابني
علَّني أشعرُ حولي بالحياة.

***

علي السبتي

  • من مواليد الكويت، عام 1935 .
  • تعلم في مدراس الكويت الحكومية.
  • عمل مديرا عاما لمؤسسة: أهلية، ورئيسا لتحرير مجلة: اليقظة لفترة طويلة قبل أن يتقاعد.
  • عضو رابطة الأدباء في الكويت.
  • عضو جمعية الصحفيين الكويتية.

صدر له:

  • بيت من نجوم الصيف، شعر، 1969، ط 2، 1982.
  • أشعار في الهواء الطلق، شعر، 1980 .
  • وعادت الأشعار، شعر، 1997.

دع عنك

دعْ عنكَ ما في الأمرِ من سرِّ
أوَ ما عرفتَ مسالِكَ الأمر ؟
فعلامَ تخشى.. من مُماطلةٍ
في كلِّ وعدٍ لونُها يُغري ؟
قاومْ جراحَك فالدُّنا عجبٌ
إلا عليكَ.. السرُّ كالجهر
يا صاحبي والهمُّ يجمعُنا
دعني أبثّكَ لاعجاً يَفري
أنا ما شكوتُ لغير ذي ثقةٍ
حمَّلْتُهُ ما ضَجَّ في صدري
فأحمِلْ إلى بلدٍ وصيّةَ مَن
لولا المنى لأندسَّ في القبر
كُلُّ العروقِ تفجّرتْ غضباً
حتى عروقُ الشِّعْر في شِعْري
عُمري الذي قد ضاعَ بين هوىً
لا يُستطابُ وآخرٍ عُذري
ومضتْ سنيني كُلُّها تَعَبٌ
ما طابَ لي يومٌ مدى عُمري
حَمَّلْتُ نفسي فوق طاقتِها
وحَمَلْتُ هَمَّ الناسِ من صِغَري
أُغرى بأن أحيا كأيِّ فتىً
النِّفطُ بين ركابِهِ يجري
ويَصُدُّني خُلُقٌ حرصتُ على
أنْ يزدهي بي ساعةَ الفخر
أخلاقُ آبائي موانِعُ لي
من أن أبيعَ نتائجَ الفِكر.
إني لأنظُرُكم فأعرفُكم
من أنتمُ في ساحةِ الحشْر؟
كلٌّ بيُمناه كتابُ هدىً
وكتابُكم في سُورةِ النَّحر
تستغربون إذا فتَحْتُ كُوىً
أرقى بها للعالمِ السِّحري
فأراكمُ تحتي كباشَ فِدىً
تتهافتون على الهوى المُزري.
يا صاحبي والمرتجى يُغري
ولقد عرفتَ مسالكَ الأمر
ولعلَّ ليلاً ضجَّ من لهبٍ
يَهدي إليكَ نسائمَ الفجْر.

فترة استراحة

أحملُ في رأسي همومَ جيلين
جيلٍ يكادُ يخطر العذاب
وآخرٍ تو أبتدا في سلَّمِ العذاب
فهو يعيش نارين
نارَ إنتظارهِ
ونار أن تموتَ النارُ في التراب.
أخي الصغير قال لي:
حتى متى نظلّ في مكاننا
نجهلُ أرضنا
ومن تكون أنت.. من أنا ؟
رَمقْته بنظرةٍ تحملُ كلَّ ما لديَّ من ضنى
وكِدْتُ أن أبوسَه لولا أتى حّسانُ
يشكو بأنّ خنساءَ التي أحُبُّها
وعشتُ عامينِ
أهمس في فراشها
بقصة اثنين
لكن حسَّانَ يلحُّ بالجواب
ـ بابا تعالَ
خنساءُ أعتدتْ عَلَيّ
تسرقُ كلَّ ليلةٍ مسطرتي وما لديّ
ـ خنساءُ لا تسرق
لا
تصرخُ أمُّها:
وأنتَ تعتدي عليّ.
الريحُ ترقِّص أشجارَ البيت وتهزُّ جدار الجارة
ويئن فراشٌ في الحارة
أشربُ كأسي وأعرِّي جسدي للرِّيحِ وللغارة
فأرى وهجَ سراجٍ يتثاءب خلف سِتاره
ماذا لو زلزلت الأرضُ وغيّرت الأرضُ الأشياء
فأرى حيّاً أعشقُ من فيه يشمخُ بين الأحياء
أَطرُقُ بابًا فيه
أتشرَّدُ فيه
أمسحُ عن عينيَّ غبارَ الأتربة الصيفية
والسنوات المنسية
أُبعِدُ عني أشباح العشرينين.
يا من تَتَمَلملُ خلفَ سياج
فتلوح سراجًا وهَّاجْ
أدفعُ نصفَ حياتي لو أسطيعُ
أمدُّ يدي للمزلاج.
حسّان يردد لحنا يا ليل السُمَّار
الحبلُ التفَّ على عنقِ أبي والمحَّار
يزيد ثراءَ التجار
ويقهقه، والمسمارُ بقلبي يعقُبه مسمار
ـ حسان من أين أتيتَ بهذي الأشعار ؟
ـ أستاذُ اللغة العربية حفَّظني وصديقي في الفصل يُسابقني
في الحفظ ومن يَحفظ يحظى بالدينار.
أهمسُ في فراشها
بقصة اثنين
لكنّ حسانَ يلحُّ بالجواب
ـ بابا تعال
خنساءُ أعتدت عليّ
تسرق كلَّ ليلةٍ مِسطرتي وما لديّ
ـ خنساء لا تسرقْ
لا
تصرخُ أمها:
وأنت تعتدي عليَّ.
يا حسان
يا قلبي اللاهث فوقَ الأرضِ
ويا شَمَمِي اليَتَحدَّا في زمن المقهورين
في زمن الأفكار المضطربة
من يسأل عمّن ؟
ولمن
تَتَجَمّعُ فوق تلال الحزن الغلبه
لمتاجرةٍ بالله وبالأرض وبالعرب
الخزيُ يقطرُ من فخذيها وتلوكُ حديثَ نبي
هذي أيامٌ صعبة
لا يعرفُ فيها الواحدُ ربَّه
حتى الكلب تنكّر للكلبه
اللصُ يُقلَّدُ أوسمة الدولة
والحاكمُ لا يعرفُ مَن حوله.
يا ربي هل هذا آخر تاريخ البشريه
أم أن النيه
أن يأتي جيلٌ
يمسحُ اثامَ
الأجيال المخصيّه.
يسمع صوتي حسانُ فيرددُ
من خلف الباب:
ما بالُ أبي يهذي
فيرنُّ صداهُ بأذني
ما بال أبي يهذي!.

***

علي الصافي

  • من مواليد الكويت، عام 1966 .
  • توفي عام 2000 .
  • حائز على الثانوية العامة .
  • عمل في الصحافة سنوات عديدة.

صدر له:

  • خديجة لا تحّرك ساكنا، شعر، 1998.

رصاصة واحدة على الأرجح

رصاصٌ عوى
حين كنت تجسُّ الضلوع
لتعرف أنك ما زلت تحيا
وها أنت تحيا وتطوي الدروب
وهذي الشوارع تولد في بعضها
والبيوت قلاعُ.
رصاصٌ عوى والبيوت قلاعُ
وقد رنَّ في هدأة الكون
قرطٌ
ورجَّ الكلام
ومن قمة الروح جاء غلام
يبيع بنرجسة القلب
عشقاً قديماً
إذا الخلق دوماً نيام
تبعت دروبك
وأستوقفتني الشوارع حيث أستفاق المنام
ونامت بيوت الخلائق
لكن بيتك ليس ينام
وليس ينام الصدى.
أيهذا الرصاص:
تسلَّق لنا سهر الروحِ
وأقطف عيون النعاسْ
تهجَّ لنا دفتر العمر
إذ يستفيق الغلام على قلقٍ والسنون زجاج
وكل العيون حصىً وسياجْ
تمنت خُطاكَ
دروباً غريبة
ولكن
إلى الشارع المستريبِ
تؤدي الخطى المستريبة
وقال الطريق:
ويركض خلفك ساقاك
ذلك معنى الهروب
وتُنصتُ
والعمر يودع نصف السنين
لدى أول العتبات
وتُنصتُ
كأن الدروب تَذَرُّ النعاس بوقع الخطى
دَخلتْ في الغياب خطاكَ
وطال المغيب.
يسائُلني
بعض صحبكَ
عنك
وعن وشوشات النساء
وذاك المساء
ولا أتذكر غير انفراط اللآلئ
فوق " الدشاديش "
بين الكراسي
صامتةٌ لا تجيء
وعطر فتاة يرجُّ السنين
وبعض المآسي.
أقوم إلى الذنب المُزيَّنِ تـائباً
كأني إلى يديك مــــولاي راجع
زجرت الخطايا مستثيباً وآثما
وغادرت نصف الذنب والذنب خاشع.
فقُل إن تشاء
فأي الغبار الذي في قبور الصدور:
أما آنَ أن نبتني من خيام الغيوم
نوافذ نور
ونوفي النذور
وإن شئت فأزدد:
كريماً تحدَّر من دفتر الخمر دمعٌ حنون
وقل
ما يقول الغياب
كلانا لصاحبه
إذ يدبُّ النشيج الذليل سدى
أيّهذا النشيج:
كن الدمعتين
فإني العيون.
وقل
ويد الفلوات مخضَّبةٌ بخطاكَ
لعرسٍ وعيدٍ جديدْ
وما من جديد
سواه يلاحقنا.
لا تجيء من دُبُرْ
أيهذا البكاء
فدُقَّ البيوت
وصَحٍّ القلوب
وقدَّ قميص المساء.
يسائلني
أين ألقى طريق المدى
خطوتَيْكَ
فقل:
عندما كنت طفلاً صغيراً
تظنُّ ـ وبعض الظنون جميلة ـ بأنك
تملك تاج الفضاء
وتخفي الدُّنى خلف
سبَّابتيك
وها أنت تفعلها
فأختفيتْ.

يرحلُ البحرُ إنْ لمْ يجدْ عابريه

من سيوف الحروب الفسيحةِ
عادَ
يموت على جُدُر الحارة الضيقهْ
كالذبيحةِ
كان يشق نهير دم في رمال الظهيرة والطرق المغلقة.
كان يحرق عشب الحديقةِ
يبحث عن ريشةٍ وخيال مآتهْ
ويفتح للفلوات الغريمة سيرته.
موحشاً يسحب الموت والذكرياتِ
ويذكرُ:
كان يُفتِّح جرح الحروب الفسيحةِ
ـ ما الموت إلا إحتمالان ـ
في ملكوت الغشاوةِ
منشطراً
صاعداً
خفقةً
خفقةً في اشتعال المكان
يسرِّحُ في الفلوات خيوليَ
في النسوة السمر سمراءَ
في الصوت صوت الذين انكسرْ
صوتهم بصداها
وفي الأصدقاء خياناتهم
وينام قبيل الظلام على ربوةٍ خلف سور القرى
كالوليمةِ
يرقب طير البراري وليل القرى.
من وراء البيوت القديمة
كان يجيء
يقص الحكايات عن ولدٍ قتل الجند والحاشيهْ
دس في العرش عود ثقابْ
أودع الفرس الظلمات وغاب.
عادني اليوم موتك بين العرائش والغرباءِ
وعلقت روحي على سور كفيك
والخيلُ مذبوحةٌ فيَّ
جئتك والخيل مذبوحة فيَّ
تصفن في قدميَّ الدروب التي أجَّلت عرس خطوكَ
أني مشيتُ
فإني أساقُ إلى ليلةٍ
في القلوب أضاءت سكاكينها.
صاحبي:
فك أزرار هذا الدم المتوثِّبِ بي.
صاحبي:
يرحل البحر إن لم يجد عابريه
وما شحَّ فيَّ رحيلٌ
ولم أقطع البحرَ
والموت في موجة قادمهْ.
ما تأخرتُ
لكنها الطريق الصافنه
تصل الموت بالمدن النائمه.
فسلام عليك وآنَسُ موتي مصادفةً
وسلام عليك إذا ما استتبَّ الظلامُ
وأنت تراقب قافلة الليل
قرب المدينة و الحتفِ
تندسُّ بين خطى العابرينْ.
....................
....................
وتتوه.

تسيرين في جنازتي كالغريبة

ولي يدٌ تظلل ألف رأسٍ
وليس لي ظليل.
أنا الخارج من لجة العبارة
طازجاً
ساخناً
داخلاً في معناي.
صَدقتُ حتى كذبتُ
تورّعت حتى أستأثمت
سقطت في الفضيلة حتى أستذنبت
ومرق المارقون في زرقة الغرق.
رغفت إنسانيتي
ورأيتهم في الجلبة
ولجوا الليل كضغينة
وأستراب الناس
ورأيتني
يحملني حفّار القبور في بطن نعشً كل يوم
ويلعنوني
ومرةً كنتِ تسيرين في جنازتي وحيدةً
كالغريبة.
كلهم كانوا هناك
السبابة لم تُغَطِّ الشمس
أُقسم أنه ما رحلت قافلة
إلا وفي الأرض طريقٌ وفي قلبي مقبرة.
بكيت من أجلهم
ولم يبكوا عليَّ
مني سقط الضوء كفيفاً.
أحياناً أعود بلا ذاكرة
ويُذكِّرني حوش البيوت الخفيضة
كثيراً ما عدت بلا ذاكرة
أنسى ما رأيت اليوم
وغداً
أنساني
خفيضاً
كنا أُحلِّق بلا مدى
يا حدود الروح إياك أن أبلغك.

***

علي حسين الفيلكاوي

  • من مواليد الكويت، عام 1965.
  • ليسانس تاريخ من كلية الآداب جامعة بيروت العربية .
  • يعمل موظفا حكوميا.
  • عضو رابطة الأدباء.

صدر له:

  • الرومانسي الأخير، شعر، 1988.
  • لمسات ضوئية، شعر، 1997.

أجنحة في جسد الصمت

برقُكِ الماءُ
توّجَ قافلةَ الغيمِ
فوق امتدادِ الخليجِ
لتنبتَ من عشبكِ الأرضُ
يشبع جوعُ الرحيلْ
فمذ كنتِ والموجُ
يخفق بين يديكِ
على صدره تستريح المرافىءُ
والسفنُ المتعباتْ
وأنتِ الصغيرةُ في اللانهايةِ.
كنتِ هنا
قبل أن تُخلَق الأرضُ
فوق ذوائبكِ الريحُ
تسبح خلف شراعِ سمائكِ
يخترق الأبيضُ المترامي
غيابَ الجهاتْ
على الماء تقطر أقدامُهُ
وبين يديه تقيم الشواطىءُ أعشاشَها
تتفتّح أنحاؤهُ
شهوةً للرحيلْ
مَراكبُه الموجُ
والضوءُ زوّادةٌ
للغيوم البعيدةِ.
كان يُمازج صوتكِ
والبرقُ يكشف أجزاءَهُ
"حين ينبت في جسد الصمت أجنحةٌ
سوف يكبر مدّكِ
يغمر معبدَ أصنامنا".
الصدى وحده يتذّكرُ
والجسدُ البحرُ
يُطلق أنحاءه من عبوديّة الرملِ
كانت بأقدامه جزرٌ من دماءْ
على ظهره مدنٌ غارقاتْ
وحزنٌ تحدّر من ألف عامٍ وأكثرَ

يركضُ
تسقط من شفتَيْ سواحلهِ
الجزرُ
المدنُ
الحزنُ
قال:
"أُحرّر موتي
وآكلُ صحراءَ أوجاعنا".
تبعتْه الرياحُ
البروقُ
الجهاتُ
النوارسُ
أحيتْ قيامةَ أقدامهِ
شهوةُ الموتِ
كانت ظلالُ السماءِ
تضمّ لأحضانها كلَّ بيتٍ
وكان الضياءُ الذي مات بالأمسِ
يقفز فوق يديهِ.
سعى
بين أنهار أضوائهِ
أختفى في الطريقْ
فمُ الريحِ
يفتح أصدافَ صرختهِ
"سوف أثقب وجهَ الحريقْ
أكون رماداً"
نكون رماداً
على يده تتساقط أجزاؤنا
لم نكن حينها
لم تكن غيرُ صرختهِ
خلفنا جسدٌ من دمٍ
ووراء النهايةِ تُدفَن أسماؤنا.
كيف يمكننا أن نقول وداعا
لكلّ البيوتِ التي ابتلعَتْها الرياحُ
ومن سوف يكتب ذاكرةَ البحرِ
حين يغيب بنا الوقتُ ؟.
يصمتُ
تجذبنا موجةٌ نحو أعماقهِ
من يدينا تُحرّر أجسادَنا
تتطاير فوق الشفاهِ النوارسُ
بيضاءَ
بيضاءْ.

تتكون دون حاجة للتذكر
أو النسيان

1

أنا وأنت حبيبان قديمان لم يعرفا الحب
ما يحزنني حقا أننا حبيبان أزليان
لن يعرفا الحب ما يسعدني أحيانا
أننا حبيبان
دون حاجة لحب أبدا.

2

ألأنني أول رجل تنفس في فمك
وتنفست من فمه .
ألأنني أول لسان مططته بيديك
فتمدد بين أصابعك
لتكتبي به ما تشائين.
سحقا لميراث مشاعرنا
لدفنه تحت سحابة قصية
ليجدنا على بعد خطوتين.
سحقا لهذا البرق الذي يتململ بين تشابك أناملنا
ليحمر خدك كنرجسة بريئة
في كل مرة كنرجسة بريئة
لماذا لا نجرب شيئا أكثر إثارة
ونحطمه لحظة اكتماله.

3

لم أقل أن في جيبي شجرة عصافير
لم أقل أن بين يديك سرب حمام يشبه غابة
ولم أقل أن غيوم الأزهار
سوف تمطر عطرها تحت قدميك
كل ما قلته:
أنك جميلة
وأنا أذكر ذلك الآن.

4

يبتسم حزنك
يرميني على أريكة تأكلني
ويعلق أسئلتي من يديها على الجدار
الحزن الذي يخفي الجهات
ويمتص بيت الضياء
يذبح براءة ألعابنا
يقذفنا من شباك الطفولة
سقط بين يديه
تعلمت كيف أكبر دون طفولتي
وأركض نحوي بعد كل سقطة.
سوف أجمع مدن الحزن في كوخ من القش
وأشعل ذهني عود تقاب
لأجد دائما ابتسامة ما
تبرق من تحت الرماد.

5

أي ومضة كاشفة
ستزور شباكك الليلة
وتبيعك النجوم دون ضياء
والظلال دون جسد
قولي لومضتك الحالمة
ألإ تنتصب أمام الرياح
والا تنحني
قولي لها فقط
أن تبتعد
قليلا
أن تتبدل
قليلا
أن تموت
قليلا

6

أدلل ذاكرتي
وأسكب لها قهوة حلوة
ومرة.
أغسل بالماء والضوء حدود فضاءاتها
أمسح عنها الكلمات والصور القديمة يوميا
لكنني
كلما فتحت أحد صناديقها الخشبية
غمرتني صورتك
خائنة
وضعيفة... ذاكرتي.

7

في آخر مرة طفت بشارعكم
كنت أختبئ خلف المقود
وأخبئ هزيمتي في الدرج الأيمن للسيارة
كانت خطوط الشوارع أجسادنا
لم أتوقف إلا في محطة البنزين.

8

غاضبة منك
مثلي تماما
الهاتف النقال وجهاز المناداة
يمدان خطوط الصلح ما بيننا
ونحن
صامتان
غاضبان
لا نرن أبدا.

9

تجذبنا أمومة الأمكنة
وتشدنا من أذنينا أبوية الوقت
نحن الحبيبان القديمان
نحن الهوائيان
لم نتطاير يوما مثل صرخة طفل
أو نتبادل جسدينا مرة واحدة
الستائر أمامنا لم تعد تغمض عينيها
الجدران من حولنا أنطلقت من تحت أسقفها
الأبواب تدخل
تخرج من خلالنا
أخاف أن تنكرنا الأمكنة والوقت
أن نتكون دون حاجة للتذكر أو النسيان
أخاف
أن يسقط المطر
دون أن يثير انتباهنا
أخاف أن نلتقي مرة
دون الرغبة
حتى بتبادل التحية.

10

كان جسدي وحده يطفو فوقف موجتين
بعد موجتين
كانت تغمره الرمال والأصداف
لم ألمح سوى رفرفة النوارس
وضحكات أطفال يلهو الشاطئ معهم
بينما رأسي يدور حولي عدة مرات
وعيناي تتسعان إلى حد ابتلاعي
كل ذلك كان وأنت تستديرين فجأة نحوي
أتساءل الآن
هل كان كل ذلك حقيقيا ؟.

11

مكنني أن أحيي الضوضاء المتساقطة
من شرفات المدن
والطرق المبللة بالحياة على جانبي الزحام
أن أنتزع جسدي المعلق تحت ظل نجمتين
مختفيا بين رائحة الألوان
مدركا دون تصور محدد
موقنا أنه لن يثيرني
الهواء الذي يحمل عطرك فوق كتفيه
أو صورتك الموسومة في أعين الرجال .

12

النافذة الوحيدة
تجلس في مقعد الحديقة الوحيد
الخريف يتساقط فوقهما
خلفهما
مربعان شاحبان
طلقتان قادمتان
أمامهما
قطار لم يمر
هذا ما أتذكره
من حلم البارحة .

عيد الدويخ

  • من مواليد الكويت، عام 1965.
  • حائز على شهادة الثانوية العامة .
  • يعمل مراقبا للمطبوعات الإعلامية في وزراة الإعلام.

لم يطبع ديوانا حتى الآن.

حالة عصيان قصوى

هل يعلم
هذا الخفاق المتجذر
في طين الروح
بأن المتمركز أعلى الكتفين
يصادر ما يرسل
عبر العينين
وعبر الكف الممدودة
شوقا
في اللقيا ؟.
هل يعلم
هذا المتمركز في الأعلى
أن أوامره تعصى
أحيانا
من ساعيه اللاهي المتدثر
بالملل الأبدي من التكرار ؟.
هل يعلم
هذان الإثنان
بأن جهاز الطرف الآخر
لاه
يستمتع في فك رموز رسائل أخرى
تأتيه تباعا ؟.
هل تنسى الروح المتحكمة
العطشى للعشق
الإثنين
وتأمر بالصلح
وتسلى ؟.
لكن اللحظة تمتد طويلا
والطرف الآخر
لاه
يتزنر رغبته الولهى
ويفكك رموزاً أخرى
تأتيه تباعا.

إرث

ـ وهل خانَكَ الحظُ
حتى
سألتَ الليالي
تنزاحُ صبحاً / سكوناً
يريحُ الفؤادَ ؟.
وهل خانك الوقتُ
حتى
تمنيتَ من جارياتِ الثواني
المضيَّ حداداً
على كلّ يومٍ مضى
لئلا يطولُ الحداد ؟.
وهل خانك الثقلُ
حتى
تمنيتَ خفةَ حرفٍ
توارِثَ حتى غدا بعد دهرٍ
تراثا على جنح طيرٍ
يجوب الفضاء
بكل عناد ؟.
وهل خانكَ الفكرُ
حتى
تمنيتَ لا فكرَ
لا عقلَ
لا نقلَ أيضا
فراغاً
خواء
وطهراً تغمس ذلاً
سواد ؟.
دروب الخيانة كثر
فهل خُنتَ نفسكَ
حتى
رضيتَ الحياةَ سعيداً
خلياً من الهم والحلم ؟.
ـ لا.

***

غنيمة زيد الحرب

  • من مواليد الكويت، عام 1949.
  • حائزة على ليسانس آداب، علم النفس والإجتماع من جامعة الكويت.
  • عضو رابطة الأدباء.
  • عملت في التدريس قبل أن تتقاعد.

صدر لها:

  • قصائد في قفص الإحتلال، شعر،1991.
  • هديل الحلم، شعر، 1993.
  • أجنحة الرمال، شعر، 1993.
  • خيمة الحلك، شعر، 1993.

لا شريك لك

أراك في النور
وتحت خيمة الحلك.
أراك في الصحراء
في الغابات
في الحقول
في الجبال
وفي سفوح الممكن المحال.
أراك في القصور
في المدائن المسيجة
وفي المدى المفتوح
في الأكواخ
في القبائل المدججة
بالسل
بالسعال
بجمرة السؤال
بلقحة العواصف المثلجة.

أراك حين يستوي الملوك
والرعاه
وحين تنبت التيجان تحت أرجل الحفاه
وحين يرحل الوجود
حين ت\بل الحياه
أراك في السكون
في السكوت
في الحلك
أراك لا شريك لك.

عيون نخلتي

أبحث عن أحبّتي
في سكتة الوجودِ
في المنامْ
في هدأة الجفونِ
تحت خنجرِ الظلامْ
فربّما
يأتون في الحلمِ
وربما
تبعث لي الأحلامُ من عيونهم
سلامْ
طالت مسافاتُ الشهورِ بيننا
ولا رسالةٌ
ولا نداءٌ في الأثيرِ
أو كلامْ.

لولاكمو
يا أهلُ ما هجرتُ خيمتي
وما أبتعدتُ عن حديقة الصبا
ولا تركتُ جدّتي وحيدةً
في قبرها تنامْ
لولاكمو
لما تركتُ في الحدود مُهجتي
وما أبتعدتُ عن عيون نخلتي
ولا تركتُ قطّتي
بلا طعامْ
لولاكمو
لما هجرتُ بحرَ ديرتي
وما أنسلختُ عن هويّتي
ولا أرتحلتُ عن شواطئ السلامْ.

هناك ستولد مرة أخرى

رميم مسارب أزمنة أُغرقتْ
في عُباب الغَسَقْ
أجنة أزمنة تنتمي
لمدامع نهر الألقْ
تسافر في موكب الدَّهر مستغرقًا في الرُّؤى.

جذورك
في منبت الكون أشياؤهم
غرةٌ
مبهمهْ
ورأسك يمتد نحو السماءْ
لموسم إستبرقٍ خالدٍ
يغط بمرآة «تسنيمِ» هاماته
ويفتح أروقةً للحوارْ
يداعب فيها انطلاق النسيمْ
حفيف الغصون الرِّقاق
فتكتحل الأغنيةْ
بسندس أجنحةِ الكروانْ
وَخَفقِ العصافير عبر الغصونْ
ورجفةِ نغْمة صوت الهزارْ
ورنة كـ"كركرة" الآنيهْ
إذا حَمَلتْها أكفٌّ حسانْ
خرافيَّة الحسن
كالأمنيهْ.

ستغسل في بحر دمع الذُّنوب النَّهار
وتسدل خلف الرَّحيل السِّتار
وتولد في الفجر أنشُودةٌ ثانيهْ.

سراب

تجيئين
في زمن البرد
والرّعد
والقمم السّاجدة
تطلّين مثل السّحاب
تمرّينَ
لا صوت غير الصدى
ولا شيء
غير انبهار السرابْ
وتمضين
لا إسم فوق الصخور
ولا ضوء
يخدش ستر الغياب
كأن الذي كان
ما كان غير الونى
يكابر في بقعةٍ
من كتاب.

فاضل خلف

  • من مواليد الكويت، عام 1927.
  • حائز على شهادة دار المعلمين وعلى دبلوم الدراسات الأدبية من جامعة كمبرديج.
  • عمل مدرسا وملحقا صحفيا بتونس ومستشارا في وزارة الإعلام قبل أن يتقاعد.

صدر له:

  • على ضفاف مجردة، شعر، الكويت، 1973 .
  • 25 فبراير، شعر، الكويت، 1981.
  • كاظمة وأخواتها، شعر، 1995
  • ديوان الفاضل، شعر، الكويت، 2007.
  • أحلام الشباب، قصص، الكويت، 1955.
  • أصابع العروس، قصص، الكويت، 1989.
  • الزمردة المسحورة، قصص، الكويت، 2003.
  • فاكهة الشتاء، قصص، الكويت، 2005.

نهر مجَرَدة

تَنَزَّلْ على الخَضراءِ دُرًّا وعَسْجَدَا
وزِدْهَا على الأَيَّامِ عِزًّا وسُؤْدُدَا
وعَطِّرْ ثَراها مِن مَعينك بالشَّذا
فقد طِبتَ في الآفاقِ نبعًا ومَوردا
وصَفِّق مع الشَّادينَ في كُلِّ مُنحنىً
وحَيِّ جُمُوعَ الهازجينَ مُزغرِدا
وردِّدْ مع الأطيارِ في الدَّوح شَدوها
ورجِّع حفيفَ الغاب لحنًا مُجدَّدا
ففي ضِفَّتيكَ اليومَ للمجد ثورةٌ
بخضرتها تَجتَثُّ ما كان أَجْرَدَا
تَزيدُ مَجاليكَ الحِسانَ تألُّقًا
يَعُودُ به وجهُ الحمى مُتورِّدا
وتُحيي من الوادي رُبُوعًا عَزِيزةً
ستَغدو بأُفق المجد أبهى وأرغَدا.

***فهد العسكر

  • من مواليد الكويت، ما بين عامي 1913 ـ 1917 .
  • توفي عام 1951.
  • درس في المدرسة المباركية ثم تركها معتمد على التثقيف الذاتي والقراءات المتعددة . كف بصره في أعوامه الأخيرة، وأعتزل الناس، وبعد وفاته أحرق أهله الكثير من قصائده وأوراقه الخاصة، ولم يبق من نظمه إلا ما كان بين أيدي أصدقائه أو في بعض الصحف، فجمعها صديقه عبد الله زكريا الأنصاري في كتاب: فهد العسكر ـ حياته وشعره، القاهرة 1956، وصدر بعد ذلك في طبعات عديدة.

شهيق وزفير

كُفي الملامَ وعلليني فالشـــــك أودى باليقينِ
وتناهبت كبدي الشجون فمن مجيري؟ مِن شجوني
وأمضني الداء العياء فمن مغيثيــي ؟ من معيني ؟
أين التي خلقت لتهواني وباتت تجتويـــــني
الله يا أماه فيَّ ترفـــــقي لا تعذلــــيني
أرهقتِ روحي بالعتاب فأمســــكيهِ أو ذريني
أنا شاعرٌ أنا بائسٌ أنا مستهامٌ فأعذريـــــني
أنا من حنيني في جحيمٍ آه من حر الحنيــــن
ضاقت بي الدنيا دعيني أندب الماضي دعينــي
وأنا السجين بعقر داري فأسمعي شكوى السجيـن
بهزال جسمي باصفراري بالتجعد بالغضـــون
وطني وما أقسى الحياة به على الحر الأمـــين
وألذ بين ربوعه من عيشتي كأس المنـــــون
قد كنت فردوس الدخـيل وجنة النذل الخـــؤون
لهفي على الأحـــرار فيك وهم بأعماق السجون
ودموعهم مهج وأكباد تــــــرقرق في العيون
ما راع مثل الليث يؤســـر وابن آوى في العرين
والبلبل الغريد يهوي والغــــراب على الغصون
وطني وأدت بك الشباب وكل ما مـــلكت يميني
وقبرت فيك مواهبي وأستنزفت عللي شـــؤوني
ودفنت شتى الذكريات بغور خافقي الطعيــــن
وكسرت كأسي بعدما ذابت بأحشائي لحونــــي
وسكبتها شعراً رثيت به الروح الحزيــــــن
وطويتها صحــفاً ظننت بها ومـا أنــا بالظنين
ورجعت صفر الكــف مــنطوياً على سر دفين
فلا أنت يا وطني المعين وما هـــزارك بالمدين
وطني وما ساءت بغير بنيك، يا وطني ظنونـــي
أنا لم أجد فيهم خديناً آه من لي بالخــــــدينِ
واضيعة الأمل الــــشريدِ وخيبة القلب الحنونِ
رقصوا على نوحي وإعوالــي وأطــربهم أنيني
وتحاملوا ظلماً وعدواناً عليّ وأرهقونــــــي
فعرفتهم ونـــبذتهم لكـــــنهم لم يعرفوني
وهناك منهم معشرٌ أفٍّ لهم كم ضايـــــقوني
هذا رماني بالشــــــذوذِ وذا رماني بالجنونِ
وهناك منهم من رماني بالخلاعة والمــــجونِ
وتطاول المتعصبون وما كفـــــرت وكفروني
وأنا الأبي النفس ذو الوجدان والشـرف المصون
الله يشهد لي وما أنا بالذلـــــيل المستكيــن
لا درّ لا درّهمُ فلو حزت النضار لألهـــــوني
أو بعت وجداني بأسواق النفـــاق لأكرمــوني
أو رحت أحرق في الدواوين البخور لأنصــفوني
فعرفت ذنبي أن كبشي ليس بالكبش الســــمينِ
يا قوم كفّوا، دينكم لكمُ، ولي يا قومُ دينــــــي
ليلاي يا حلم الفؤاد الحــــــلو يا دنيا الفتون
يا ربة الشرف الرفيع البكر والخلـــق الرصـين
يا جمرة القلب الشجي وحجة العقل الــــرزين
صنت الهوى ولم أحد عـــنها فيا ليلاي صوني
عودي لقيسك بالهوى العذري بالـــقلب الرهين
عودي إليــــه وأسمعي نجواه في ظل السكون
فهو الذي لهواك ضــــحى بالرخيص وبالثمين
ليلى تعالي زوديني قبل الممــــات وودعيـني
ليلاي لا تتمنعي رحــــماك بي لا تهجرينـي
ليلى تعالي وأسمعي وحي الـــضمير وحدثيني
ودعي العتاب إذا ألتقينا أو ففي رفـــق وليـن
لم لا وعمر فتاك أطول منه عمر الياسمـــين
لله آلامي وأوجــاعي إذا لــم تسعفينـــي
هيمان كالمجنون أخبط في الظلام فأخرجيــني
متعثرأنهب الوساوس والمخاوف والـظــنون
حفت بي الأشباح صارخة بــربك فأنقذيــني
وأشفي غليلي وأبعثي ميــت اليقين ودللينــي
ليلى إذا حل الرحيـــل وغص قلبك بالأنيـن
ورأيت أحلام الصبا والحب صرعى في جفونـي
ولفظت روحي فأطبعي قبل الوداع على جبينـي
وإذا مشوا بجنازتي ببنات فـكري شيـــعيني
وإذا دفنت فبللي بالدمع قبـري واذكرينـــي.

البلبل

ولهان ذو خافقٍ رقتْ حواشيـه
يصبو فتنشره الذكرى وتطويـه
كأنه وهو فوق الغصن مضطرب
ٌقلبُ المشوقِّ وقد جد الهوى فيهِ
رأى الربيع وقد أودى الخريـفُ
بهبين الطيور كميتٍ بين أهليـهِ

فراح يرسلهـا أنـاتُ محتضـرٍ
إلى السماء ويشكو مـا يعانيـه
لا الروضُ زاهٍ ولا الأكمامُ باسمةٌ
ولا عرائسـه سكـرى فتلهيـهِ
يُحيـلُ ناظـره فيـه ويُطـرق
فيصمتٍ فيشجيه مـرآه ويبكيـهِ
ماذا رأى غير أعـوادٍ مبعثـرةٍ
على هشيـمٍ بـه وارى أمانيـه
فللخريف صراخ فيـه يذعـره
والريح تزفِرُ في شتى نواحيـهِ
حيران ما أنفك مذهولاً كمتهـمٍ
لم يجنِ ذنباً ولم ينجح محاميـهِ
تُطِل من كوة الماضي عليه وقد
أشجاه حاضره أطيافُ ماضيـهِ
يرنو إليها كما يرنـو المريـضُ
وما أبَلَّ بعدُ إلى عينـي مداويـهِ
فيستمـر نواحـاً كالفطيـم رأى
ثدياً فصاح وأين الثدي من فيهِ ؟
وإن غفا راحت الأحلام عابثـةً
بـه فتدنيـه أحيانـاً وتقصيـهِ
وكم تراءت له من خلفها صـورٌ
يختال فيه الربيع البكرُ في تيـهِ
فيستفيقُ فلا الأغصان مورقـةُ
كلا ولا السامر الشادي يناجيـهِ

فيسكبُ اللحن أناتٍ يغص بهـا
ويْحَ الشتاء فما أقسـى لياليـهِ.

أذكريني

اُذْكُريني كُلَّما هَبَّ النَّدامى
لِتَحَسِّيها غَبوقاً، وَصَبوحْ
وإذا ما هَزَّتِ الذكرى الحَمَاما
فَغَدا في الدَّوْحِ يَشْدو، وَيَنُوحْ
أذكريني.

****

أذكْرُيني كُلَّما زَفَّ الشَّمُولْ
ذاتَ دَلٍّ وَدَلالٍ أَوْ غُلامْ
وإذا ما أسْتَرْجَعَ الشَّرْبُ العُقولْ
فَغَفَوْا، تَكْلأُهُمْ عَينُ السَّلامْ
أذكريني.

****

أذكريني كُلَّما «آذارُ» وَافَى
وأرْتَمى سَكْرانَ ما بينَ يَدَيْكِ
وإذا «نَيْسانُ» عَاطاكِ السُّلافا
وَحَنَا شَوْقاً وَتَحْناناً إليْكِ
اذكريني.

****

أذكريني كُلَّما هامَ الفَرَاشْ
لإرْتِشافِ الرَّاحِ مِنْ ثَغْرِ الزُّهورْ
وإذا ما هاجَكِ الشَّوْقُ وَجَاشْ
صارِخاً في نَفْسِكِ الوَلْهَى الشُّعورْ
أذكريني.

****

أذكُريني كُلَّما نَاغَى الهَزارْ
ـ ثَمِلاً ـ أفْراخَهُ عِنْدَ الشُّروقْ
وإذا ما هَزَمَ اللَّيْلُ النَّهارْ
واسْتَثارَ الوُرْقَ تَنْحَابُ المشوقْ
أذكريني.

****

أذكريني كلَّما الشَّمْأَلُ هَبَّتْ
وَسَرَتْ يا زيْنَةَ الدُّنْيا جَنُوبْ
وإذا ما صَحَتِ الطَّيْرُ وَعَبَّتْ
خَمْرَةَ الفَجْرِ على نَفْحِ الطُّيوبْ
أذكريني.

****

أذكريني كلَّما النَّايُ تَرَنَّمْ
وَهَفَا قَلْبٌ على قَرْع الكُؤوسْ
وإذا ما شاعِرُ الحيِّ تَأَلَّمْ
فَبَكى في الشَّجْنِ وأسْتَبْكى النُّفوسْ
أذكريني.

****

أذكريني كلَّما الصَّيْفُ أَتى
يَحْمِلُ البُشْرى لأَرْبابِ الغَرامْ
فَالْتَقَتْ كُلُّ فَتاةٍ وفَتى
فإذا الدُّنْيا سَلامٌ وابتِسامْ
أذكريني.

****

أذكريني كلَّما نامَ السَّكارى
بَيْنَ أحْضانِ الرِّمالِ النّاعِمَهْ
وإذا ما سَامَرَ الموْجُ السَّهارى
حَوْلَ هاتِيكَ الصُّخورِ الجاثِمَهْ
أذكريني.

****

أذكريني كلَّما لاحَ أَخُوكِ
في السَّماءِ اللازَوَرْديَّةِ لَيْلا
وإذا ناجَيْتِهِ ـ لا فُضَّ فوكِ ـ
في سُكونِ الليلِ يا ليلى لِكَيْلا
أذكريني.

****

أذكريني كلَّما جاءَ الخَريفْ
ناثِراً ما نَظَمَتْ كَفُّ الرَّبيعْ
ماحِياً كُلَّ أنيقٍ ولَطيفْ
ماسِخاً كلَّ جَميلٍ وبَديعْ
أذكريني.

****

أذكريني كلَّما حَلَّقْتِ فَجْرا
وانْتَشَتْ روحُكِ في دُنيا الخَيالِ
أذكريني يا فَتاتي (رُبَّ ذِكْرى
قَرَّبَتْ مَنْ نَزَحَا) رُغْمَ اللَّيالي
أذكريني.

****

آهِ يا حبُّ، ولمْ أَشْكُ مَلالا
فَاضَتِ الكَأْسُ فَرُحْماكَ بِحالي
قَدَرٌ سَلَّطَهُ اللّهُ تَعالى
قَطَعَ اليُمْنى، ولمْ يَتْرُكْ شِمالي
أذكريني.

****

أيُّهذا اللّيْلُ والصَّمْتُ الرَّهيبْ
جَدِّدِ اللّوْعَةَ في القَلْبِ الطَّعينِ
أَيْنَ قِيثارِي وَكُوبِي والحَبيبْ ؟
وشُموعي، ونَديمي، وحَنِيني
أذكريني.

****
يا مَلاهي الصَّحْبِ في تِلْكَ الرِّمالِ
أنا مُذْ أقْفَرْتِ، في عَيْشٍ مَريرْ
أنا مَوْتورٌ، ولكنْ ما احْتيالي
آهِ، وا شَوْقي إلى اليومِ الأخيرْ
أذكريني.

****

أنا إنْ مِتُّ أَفِيكُمْ يا شبابْ
شاعرٌ يَرْثي شبابَ «العَسْكرِ» ؟
بائساً مِثْليَ عَضَّتْهُ الذئابْ
فَغَدا مِنْ هَمِّهِ في سَقَرِ
أذكريني.

****

يا رِفاقي أكْؤُسُ الصَّابِ المريرهْ
أجَّجَتْ نارَ الأسى في أضْلُعِي
فإذا ما انْطَلَقَتْ روحي الأسيرهْ
فادْفِنوا كُوبي، وقِيثاري، مَعي
أذكريني.

****

فأشْهَقي يا روحُ، وأزْفِرْ يا سَعيرْ
وأضْطرِبْ يا عَقْلُ، وأشْرُدْ يا أَمَلْ
وأجْرِ يا دَمْعُ وأَقْبِلْ يا نَذيرْ
وأبْكِ يا قَلْبُ وأَسْرِعْ يا أَجَلْ
أذكريني.

****

وأصْرَخي يا ريحُ، وأانْحَبْ يا وَتَرْ
وأعْبِسي يا كَأْسُ، وأغْرُبْ يا قَمَرْ
وتَعَالَيْ وَدِّعي قَبْلَ السَّفَرْ
بُلبُلاً قَصَّ جناحَيْهِ القَدَرْ
أذكريني.

فهيد البصيري

  • من مواليد الكويت، عام 1959.
  • حائز على البكالوريوس في علم الإقتصاد من جامعة الكويت.
  • يعمل في وزارة الداخلية.

صدر له:

  • هجير الشرق، شعر، 1995.

لا تلمني

كانت الشمس تصلي
ساجده
وعقارب الساعات حبلى بالرياح
الشاحبه
جاء يمشي فوق أجفان القبور
كان يمشي في حبور
ثم داس القبر تعلوه
ابتسامه.
كان يدري أنه قبر جديد
وحديث في الولاده.
قال في همس وخبث وانحناءه:
قد أتيتم وحدكم!
أين ذاك الأمس ولى ؟
هل وأدتم ناركم ؟
هل حرقتم زهرة الأنفاس جهرا بالمشاعل ؟
هل نكثتم عهد أكباد الأرامل ؟.

لا تلمني
ساكت الأيام يبكيه الكلام
لا تلمني إن مثلي لا يلام.
هل رأيت النور صبحا ؟
فوجدت الصبح نارا
أم رجوت الصبح
من بعد الظلام ؟
فعرفت الليل بالخلق الجميل.

لا تلمني
هل رأيت الدمع قطرا ؟
كان نهرا
من دموع ودماء
من أهازيج الصبايا في الحروب
من نشيد الطفل في نحر الصباح
من بكاء المرضعات الحاسرات
عندما عادت إليهم
بندقية
ثم جاءوا بعد ذلك بالحذاء
ردد الباقون ألحان الوفاء
رددوها في الهواء
وأستوت أعلامنا فوق الرؤوس
في السماء السابعة.
كيف نبكي ما مضى ؟
ذاك عهد وأنقضى
وأعلموا ما فات مات.

لا تلمني
هل تذوقت البكاء ؟
أو رجوت الغرباء ؟
هل غرفت الحلم من عين السراب ؟
أو رشفت الرمل اذ شح اللعاب ؟
هل أنست العيد يوما للدعاء ؟.

لا تلمني
إننا قوم كبار
أو خلقنا هكذا.
هكذا الآباء قالوا قبلنا
نعشق الماضي التليد
زوجونا
أي زوج من بعيد
نوسع الأحلام حرقا.
يا لقوم
يحسبون الكون شرقا
كان خرقا
كان رقا
كان رتقا
فاستحال الرتق فتقا.

لا تلمني
قيل مجد
أي مجد لم يعد ؟
كللت هامات أطفال الشعار
كللت لكن بعار
وعيوني تصطلي ضوء النهار.

لا تلمني
كلما أنكرت شيئا
أسكتوني
أو رموني بالغباء.
أفهموني أنني سر البلاء
هل فهمت اليوم شيئا ؟
لا تسلني
هكذا العيش غريب عندنا
لست وحدي خائفا
كلنا.
لم أكن يوما غريبا
بل غريب الأقرباء
بعثروا أشلاء قبري
وأكتبوا
أنني لست بريئا
أنني مني براء.

هاك عني البندقيه
كان لي هم وحلم وقضيه
قبل أن أمضي ويمضي
بين ذرات الرمال
حين دست الأبجديه
وحملت الكون كهلا
وسكرنا من هتافات السؤال
في جنون السرمديه
إنثنى من فوق أكتاف العقال
قال:
لا تمض وحيدا
وأصطبر
إن لليل بقيه.

لاء ودعاء

أي لاء
أنهكت وجه الضياء ؟
غير مسموع البكاء
غير مهموس الغناء.
في الخيام السود
إثم
وإعتراف ودعاء.
يرشف الصحراء تيها
يسأل الرمل ويحصي كل شبر
بدهاء.
باحثا عن منهل بعدما عز القضاء
مطرقا
والأرض تجثو
تحت لألاء الفضاء!.

***

فوزية الشويش

من مواليد الكويت.

صدر لها:

  • أن تغنت القصائد أو أنطفأت فهي بي، شعر، 1996.
  • حارسة المقبرة الوحيدة، شعر، 1996.
  • في مرآتي يتشيهن عصفور الذهب، شعر، 2000.
  • الشمس مذبوحة والليل محبوس، رواية، دمشق، 1997.
  • النواخذة، رواية، دمشق، 1998.
  • مزون وردة الصحراء، رواية، بيروت،2001.
  • حجر على حجر، رواية، بيروت، 2003.
  • رجيم الكلام، رواية، عمان، 2007.
  • تداخلات الحزن والفرح، مسرحية.
  • الطوابق، مسرحية.

أنظر إلى البلبل

كأنه يقرأني
أخاف
أعزلة عنا
خيل إلي غرز في ريشه جهاز تجسس
وإلا
لماذا كثرت البلابل في الإحتلال ؟
أخذت أصور أولادي
بين الصواريخ والقذائف
ممتطين صهوات الدبابات
راسمين
شارات النصر
هذه المرة
كنت أعرف على من ؟.

حقول الفراولة امتداد للمدى

أنظر من مرصدي الأعلى
ثقب بين سواد الستائر
فرق الضباط الخاصة بالبريهات الحمر تزرع
مدرسة ابنتي.
الساحة لتدريبات الصباح
الفصول لغرف النوم
الشبابيك لكل فصل ثمانية درف
لكل درفة تلفزيون وأريل.
على مدى الليل
كان الضوء التماعات
والأرايل تتمايل.
أما الملعب
بات كراجا لبعث حياة الآليات المعطوبة
كرينات وحدادة
مناشير حديد
أكسجين
شرار
لهب.
وطاخ
طيخ
الأيام تئن تحت المطارق.

تذكرت الصباحات التي كانت
صوت الحمام
وتحيا الكويت
شرائط البنات تتطاير في هواء التحية.

***

ماجد الخالدي

  • من مواليد الكويت، عام 1984.
  • حائز على البكالوريوس في اللغة العربية من كلية التربية الأساسية في الكويت.
  • عضو رابطة الأدباء .

صدر له:

  • شيء يشبه التمرد، شعر، 2003.
  • لا تحزني، شعر، 2004.
  • قصائد جريئة جدا، شعر، 2007.
  • حفلة حزن، شعر شعبي مسجل بالصوت، 2007.

لا تحزني

أنا لست مثل الناس
لست محنطاً
بالحب أحرقت التخلف
كل ما كان في الماضي تغيّر
صدقيني زال عن قلبي الغبار
الحب غيّرني
وعلمني بأني كنت قبلك كالخرافة
أو سخافات الكبار
الحب علمني بأني لست مرآةً
ولست بأسطوانة
سأقول ما عندي
المشاعرُ صورةٌ لي
كيفَ أسكتُ
كيفَ أكذبُ ؟
إنني ما عشتُ حتى أُستعار
فوق جدران المدارس والمنازل
سوف أكتب كالصغار:
العار فيمن قال إن الحب عار
بين أسرابِ النجوم
على الغيوم
وفوق سطحِ الشمس أنحتُ
في غصون السنديانة
أنا لستُ ببغاءً
ولستُ بأسطوانة
إني أحبكِ
كيف أرضى أن أعيش الخوف مثل المجرمين ؟
المجرمون يرون بعضهم ولكن نحن لا
رغم ارتطام الموج فينا
رغم رائحة الحنين
لا نلتقي
ماذا أرتكبنا ؟
نحن
نحن نحب
هذا كل ما في الأمر
يا عصفورتي إني حزيــــن
إني سجينٌ في الفضا
لكن حبكِ ليس في قلبٍ سجين
نامي على صدري
ونادي القلب
هيّا حدثيهِ
ما زال يعشق صوتكِ المبحوح
والمحفورَ فيهِ
ما زالَ يسألُ عنكِ
عن فمكِ المضيءِ فقبّليهِ
الحب في قلبي على قيد الحياة
وهل يموت الحب إلا داخل القلب السجين ؟.

من يوقف الأمطار

أمطارُ تشرين أتت
جاءت تُقلّب صمتنا
وتثير فينا لذةَ الأحزان
تُسكرنا
وتحملنا لماضينا
وتشعلُ في النفوس حنينها للحبْ
ما أبخلَ الأفراحَ في تشرين
ما أشقى ليالي العشقِ
في البيت الصغير
الحزن كان حبيبنا
إذ كان يخلقُ من كآبتنا الحياةْ
والآنَ لستِ هنا
ولا ليلُ العناقِ هنا
وأيامُ الشقاوةِ بعدكِ أغتيلت
فكيفَ
وأين تحترقُ الشفاهْ ؟
كؤوسنا مُغبرّةٌ
وشموعنا أنطفأت
كما أنطفأت خطايانا الجميلة
وأنتهت
من يوقف الأمطارَ في تشرين ؟.

***

مبارك بن شافي الهاجري

  • من مواليد الكويت، عام 1964.
  • حائز على ليسانس في اللغة العربية وأدابها، ودبلوم ماجستير من جامعة بيروت العربية.
  • يعمل في الصحافة.
  • عضو رابطة الأدباء.
  • عضو جمعية الصحفيين.

صدر له:

  • جروح وقوافي، شعر نبطي،1991، ط 2 ـ 1993.
  • نعم كويتي، رواية، الكويت، 1994.
  • حديث الترللي، رواية، الكويت، 2006.
  • نزيف أغسطس، قصص، الكويت، 1994.

هكذا قال الشهيد

يا كويتيون ما ضاعت دمائي
فأنا إبن الأرض، للأرض انتمائي
إن من جاءوا بسيف غادر
وأراقوا عند دسمان دمائي
قتلوا أنفسهم ما قتلوا
عزتي أو أنقصوا من كبريائي
تلك روحي فوقكم خفاقة
في ركاب الصالحين الشهداء
تحمل البشرى لكم صادقة
أبشروا بالنصر من رب السماء.

ياكويتيون هذا وطني
منبت المجد ومهد الشرفاء
كنت أمشي فوقه يصحبني
حبه في رحلتي أو في بقائي
ثم لحفت ثراه عاشقا
وأمتزجنا في صفاء ونقاء
غاية الحب الذي أعرفه
في إمتزاج العاشقين الأوفياء
وطني لا زلت حرا شامخا
رغم كيد المعتدين الدخلاء
تلك رايات العلا يحملها
كل حر ثابت العزم فدائي
علمته الأرض معنى حبها
إنما الحب عطاء بعطاء
فسعى للموت يبني مجده
هازئا بالعيش، عيش الأشقياء
يوقظ الأيام من غفلتها
هاتفا: هذي كويت النبلاء
صارخا في الناس هل من مخلص
يمنع السلب وقتل الأبرياء
معلنا أن الكويت انتفضت
وتهاوى زيف كل الأدعياء
حاملا رشاشه في يده
لقتال الطامعين الأغبياء
يرفض السلم على لذته
إنما السلم شعار الضعفاء
هكذا كان الكويتي وما
زال مجبولا على حب الوفاء.

***

محمد أحمد المشاري

  • من مواليد الكويت عام 1936.
  • توفي عام 2000.
  • حائز على بكالوريوس في الإقتصاد.
  • عمل محاسباً، ثم أصبح سفيرا في كينيا، وتفرغ بعد ذلك للعمل الحر.

صدر له:

  • أصداء، شعر، الكويت، 1996.

هل ترى ؟!

يا صديقي أيها الشاعرُ مثلي هل ترى
أننا عكسُ الذي يُروى نسيرُ القهقرى ؟
وبأنّ الحملَ قد زاد فأحنى الأظهُرا
فإذا الصاعدُ أضحى هابطاً ما شَعرا

وَهْو يُلقي، في ابتعادٍ، نظرةً نحو الذُّرى

****

هل ترى الأشكالَ والألوان مثلي لا تهمُّ
غَنِيتْ لكن ْإذا ما عَرِيتْ فاللُّبُّ عُدْمُ
وضياعٌ في ضياعٍ ومتاهاتٌ ويُتْمُ
مثلما لطَّخ منه الوجهَ بالأصباغ سُقم

كي يُرى منه إحمرارُ الوجهِ ما بين الورى

****

هل ترى كيف لبسنا في التَّرائي من لَبوسِ ؟
فأبتسمنا للبرايا، وأختلينا في عُبوسِ
ونسينا حين طال الليلُ أنوارَ الشُّموسِ
ومشينا غيرَ أنا فوق هاماتِ الرؤوس

قد جررنا فغدونا في وضوح لا نرى

****

هل ترى العملاقَ ذاك الفذَّ والكفءَ القديرا
ذلك الواثقَ بالنفس الأبيَّ المستنيرا
صار في تافهِ ما يشغلهُ طفلاً صغيراً ؟
طالما نرقبُ ما يبني قليلاً أو كثيرا

وَهْو يلهو، حافراً في كلًّ دربٍ حُفَرا

****

هل ترى تحت سكون السطح تياراً يمورُ
ولهُ عنه إزورارٌ، وله منه نُفُورُ

وله في كلِّ نفسٍ لم تضعْ بعدُ هديرُ ؟
أمعي أنتَ تراه وهو يعلو ويدورُ ؟

أم أنا وحدي الذي يبصرُ وهماً يا ترى ؟.

***

محمد الفايز

  • من مواليد الكويت، عام 1938.
  • توفي عام 1991.
  • بدأ حياته العلمية في التعلم لدى "الملا" وفقا لنظام الكتاتيب، حيث تعلم القرآن الكريم والقراءة، وثقف نفسه بنفسه بعد ذلك بعيدا عن التعليم النظامي.
  • عمل في بداية حياته العملية تبابا (أي صبيا مهمته خدمة من في سفينة الغوص على اللؤلؤ من غواصين وغيرهم).
  • عمل بعدها محاسبا لدى بعض التجار، ثم قارئا لعدادادات الكهرباء في دائرة الكهرباء والماء .
  • وأخيرا عمل محرراً في مجلة: الكويت، ومراقباً للنصوص التمثيلية في التلفزيون، ومراقباً للنصوص الأدبية في الإذاعة، قبل أن يتفرغ في آواخر حياته للبحث والقراءة والكتابة.

صدر له:

  • النور من الداخل، شعر، 1966.
  • الطين والشمس، شعر، 1970.
  • رسوم النغم المفكر، شعر، 1973.
  • بقايا الألواح، شعر، 1978.
  • ذاكرة الآفاق، شعر، 1980.
  • لبنان والنواحي الأخرى، شعر،1981.
  • حداء الهودج، شعر،1981.
  • خلاخيل فيروز، شعر، 1986.
  • المجموعة الشعرية، 1986.
  • تسقط الحرب، شعر، 1989.
  • خرائط للبرق، شعر، 1993.

التوهج

تأنّقَ واضحُ الثغرِ النديِّ
وأعربَ عن توقّدها البهيِّ
كأن شفاهَها حملتْ هواها
ففيها من توهُّجها الخفيّ
تُحرّكها على بعدٍ فتُبدي
مسافةَ شوقها النائي القصيّ
إذا أبتسمتْ تَكشّفُ عن شفاهِ
هوىً يُدني الشجيَّ من الشجيّ
تُلملِمُ ثغرَها طوراً وطوراً
تمدّ به بمبتسَمٍ سخيّ
كأن سكوتَه أحلى إذا ما
تناول صامتَ القاع الدجيّ
تُثيرُ به إذا شاءت كلاماً
خفيّاً تحت إشراقٍ جليّ
له حركاتُ زنبقةٍ تمشّى
بها كسلُ الندى الهامي النقيّ
تفوح روائحُ المسكِ الشذيِّ
على سَرحات سارحةِ الشهيّ
كأن زخارفاً تنمو عليهِ
بمُحتَشِدٍ من اللون السنيّ
ولم أرَ قبله ثغراً صغيراً
له زخمُ الهوى العَرِمِ العَتِيّ.

قراءات الأشياء المختفية

كان الشاعر يا سيِّدتي
يكتب ما تنشده الريح
يرسم ما ينقشه الظِّلُ
كان يراقب أسراب الطير العائد
ـ من غربتِهِ ـ
كان الشاعر بدء الكلماتْ
وصدى الأشياء المختفية.

لمّا هبط الإنسان السّاحات المكتظَّةِ
كان الشاعر يُنشدهمْ
ويقول لهم
ما قالته الرِّيحُ
وجنازة عصفورٍ تبرق في عينيه
وهواء الأرض مسامير
تثقبُ في رئتيه
حتى جاء القرن العشرون
وجاء الإنسانُ الآخر
فلماذا يا سيدتي
لا تتغيَّر أشواق الشّاعر
الكلمات الأولى
كانت أغنيةٌ غناها داوود
وما زالتْ أصداء الأغنية الأولى
تغرز أحرفها في صدر الأرض.
هو ذا الشَّاعر يا سيِّدتي
يتسكَّع في أبواب المدن المغلوبة
والمنكوبة
ما عاد له
ممدوحٌ
ما عاد له
سيفٌ
ما عاد له
درعٌ .

أمسى يزحف بين العهدينْ
ينزف بين العهدين
صار الماء
وصار النّار
وصار المابينْ
من يرفُسُ خاصرة الشّاعر
يلمس قلبينْ.

من مذكرات بحار: المذكرة الثالثة

أحلى ليالينا الليالي المقمراتْ
حيثُ النجومُ الغارقاتْ
في الضوء كالأعراس في كهفٍ مُضاءْ
حيث السَّماءْ
في البحر ترسُمُ عالمًا نشوان من نورٍ وماءْ
يجتثّنا ويطير فينا في الفضاء
للحور
للجنّات
للدُّنيا الجميله.
عندي حكاياتٌ لها من "ألف ليله"
من «شهرزاد» وليلها المخمور
ليلِ الحالماتْ
الشّارباتِ الماء من شط النجومْ
مثل التي كانت تغنِّي للغيومْ
فتصير نارًا ثمَّ تُمطر.
والحياةْ
مملوءةٌ بالسِّحر
حيثُ السَّاحراتْ
قد كنَّ ربَّات البيوت العامراتْ
ونظلّ نحلُم بالقصور
وبالدَّهاليز الطَّويله
تلك التي قد صوَّرتْها شهرزادُ بألف ليله
والدُّودُ في بطني يُشارِكُني غذائي
والوجارْ خالٍ بلا قدرٍ
وأسماكُ البحارْ
أكلتْ ونامت.
والصِّحابْ
يتحدثون عن الموائد في القصور
وعن التي كانت تُعطِّر خِدرَهَا المسحورَ من أشهى العطور
وعن الضَّفائر عندما تُطوى على نهدٍ وجيد
وعلى سفينتنا القمرْ
يضوي ولا يُعطي كتنُّورٍ بعيد
كسفينة بيضاءَ عَالية الشراع
أو مثل شبّاكٍ مُضاء
تحت السّماء
ونروح نستوحيه كالشُّعراء نشكيه الهيام
حتى ننام
يا ربُّ يا ملكًا تعالى في سماه
يا أيها الأبديّ يا نورًا نراه ولا نراه
دعنا نَنمْ.
وبلا غيوم
ودع المقرْ
يضوي علينا والنُّجوم بلا مطر.
نحن العراة المبحِرينَ مع المخاطر والمنون
رباه لا تُمطرْ علينا فالزَّوابع والرِّياح
تأتي مع المطر الذي يروي الأقاح
والتّين والزّيتون في أرض "الغجرْ"
رباه إنّ الأرض تُزهرُ بالمطر
لكنَّنا سنضيع نحن وينطفي ضوءُ القمر
وتهبُّ عاصفةٌ ويَحتَِدم الظلام
وتذوب أنوارُ السماء وينتهي حلمُ النِّيام
السَّاهرين مع القمر
والشَّاربين الخمرَ من كأس السَّهر
ويطير قنديلٌ وتضطربُ السّفينه
كضلوع مُومسةٍ تؤرِّقها خطاياها الدَّفينه
البحر ثار
يا أيها البَحَّارةُ الشّجعان إنّ البحرَ ثار
ألقوا الشِّراع
وأرموا إلى البحر الحمولةَ والمتاع
فالحوتُ والأسماكُ جائعةٌ
وأمطارُ السّماء
هيهات تَغسِلُ حقد حوتٍ
والرجال
في البحر تُعرف ما معادنُها
هضابٌ أم جبال
شُدّوا الحبال
وتعادلوا فالبحرُ يعرف ما الحرامُ من الحلال
والرّيحُ ضدّ البحر
والبحَّار من ماضي الزَّمان
ونروح نقرأ بعض آيات الكتابْ
فالموتُ في غرقٍ عذاب
لكنَّ تجّار السفينة هؤلاء يُفضِّلون
موتي وموت الآخرين
وفناء كل الأرض
كل العالمين
كل الوجود
ولا يرون
أموالهم تُرمى لقاع البحر
تجَّارُ البحارْ
أقسى علينا من رياح البحر والحوت الكبيرْ
ونروح نلعنهم كما لعنَ الكتاب
"كفّار مكَّةَ"
والذي سحَّ السَّحاب
أحنى علينا من جميع الناس
يا قمرَ السَّماء
عيناك أقوى من عيونهم المريضة
والنجوم
ستشعُّ ثانيةً وتحترقُ الغيوم
ونعود نحلُم بالجِنان
وبالقِيان
وبالدَّهاليز الطويلهْ
تلك التي قد صوَّرتْها «شهرزدا» سميرةُ الملك
الجميله.

***

محمد النبهان

  • من مواليد الكويت، عام 1971.
  • حائز على دبلوم في التصميم الغرافيكي وتحرير الصور من كندا، ودبلوم في برمجة وتطوير وصيانة مواقع الإنترنت.
  • من مؤسسي مجلة: أفق الثقافية، على شبكة الإنترنت، ويشغل منصب مدير تحريرها.
  • من مؤسسي مؤسسة: جذور الثقافية، وهي مؤسسة ثقافية مستقلة تعنى بالأدب والفكر المهجريين خاصة في الشمال الأمريكي (الولايات المتحدة وكندا).
  • يعمل حاليا في الصحافة.

صدر له:

  • غربة أخرى، شعر، 2004.
  • دمي حجرٌ على صمت بابك، شعر، 2005.

من فرط الرحلة

مِنْ فَرْطِ شفافيةٍ
أو فَرطِ السُّكرِ
عبَرنا الجِسرَ
لنوقِظَ أحلاماً شَتَّى
ونُعلِّمَ أجيالاً تأتي :
أن دُروباً عَذراءَ وَلَجْنا في لجةِ وجدٍ جاحد
أو ضَجَّةِ خيلٍ جرداءْ .
تَغوينا الصحراءُ
بأنْ نَحزِمَ قلباً ينْدِفُهُ الهَجرُ
ونَرحَلُ أبعدَ في عبثِ الصّحراءْ .
لا نفتحُ بابَ مُغامرةٍ
إِلاّ لِنُعلِّمَ أَجيالاً تأتي :
أنَّ الأَرضَ تدورُ على قرنِ الثَّورِ
فَتُسْقِطَهُ
لِتَدورَ بكلِ الأَشياءْ
فَنَدورُ بها
فينا غُربةُ آدمَ منذُ البَدءِ
وشهوتُها الأُولى حَواءْ
فينا الطوفانُ
وفينا أرَقُ البَدَوِيِّ السَّكرانِ
بِفَرْطِ حَساسِيَةٍ
أو فرْطِ الرحلةِ
فينا
أَتذكرُ ذاتَ مَساءْ.
حينَ عَبرتُ الجِسرَ الفاصِلَ
بين الطِّينِ وثلجِ الغربةِ
أمِّي كانت تَدعو بالسَّترِ
أبي صَلّى نافِلةً
تعويذَةَ حِفظٍ خَطَّ أَخي
ليدُسَّ السِرَّ الصوفِيَّ صَديقٌ
أَتَذَكَّرْ..
أَتَذَكَّر..
أتذكرُ حَدَّ الإِغْفاءْ.

خطيئتان بيدٍ واحدة

أُرتِّبُ هذا المدى
وأفْتَتحُ المشهدَ البِكرَ مُتّكِئًا فوقَ صَخرِ الكَلامِ على حَجَرٍ لا يَئِنُّ
أُمسِّدُ بَوحَ الصّدى
صَرخَتينِ
وأسْقطُ من حافّةِ الموتِ للحافّةِ الموتِ
أحمِلُ وَجهي عِثارَ سُؤالينِ يا قَدَمَ الزَّلةِ / الطّينِ.
بينَ يَديَّ الخطيئةُ/ سَهمُ المقاديرِ/ والفتنةُ البِكر/ شاةُ الضّحيّةِ/ نَزْفُ القَميصِ المُمزَّقِ من حِدَّةِ الصَوتِ
والوَحيِ
والطَّلْقةِ الجاهِلةْ.
أُرتِّبُ هذا الغيابَ
وَأرحَلُ وَحدي إلى امرَأةٍ هرَّبتني إلى عِطرِها.
....

لا تخافي
سَتحملني من غَيابَةِ بئرٍ إلى صَدركِ القافِلةْ
أراقبُ خَوفي
بِلاداً تُعشِّشُ في الجُبِّ صَبراً
يَمرُّ بِهِ الظّامِئونَ
وَتُلقي عَليهِ حِجارَتُها السّابِلةْ.

يُراقِبُ خَوفكَ
عَيناهُ كفانوسٍ تُشعِلهُ الرُّؤيا ـ بُقيا ما سَرَّبهُ اللهُ ـ وَيكْشِفُ عن جُدرانِ البِئرِ بَقايا نَقشٍ لصُخورٍ، وبلادٍ يَطمرها الطُّوفانُ، قَبائلَ تَقتَتِلُ الآن على مَرمى سَيفٍ، أَسْماءٍ / أسْمالٍ ليسَ تَدلُّ على شيءٍ وَنِساءٍٍ شِبهِ عرايا، وَعجائِزَ تحتَ عصائبهن بلاد تغمرُها الفَوضى، ريحٍ صَرْصَرَ، عِجلٍ مَربوطٍ في ساقيةٍ مُنذُ الطُّوفانِ، ثَلاثةِ أجناسِ قُرودٍ، وَبقايا تِمساحٍ، سُفنٍ ورِجالٍ مَهزومينَ يَفُتُّونَ على دَكّاتِ بُيوتِهِمِ الوَقتَ، تَهُزُّ الرِّيحُ فَتيلَ النَّارِ فَيَلمَعُ سَيفٌ في زَاوِيَةِ الدّهرِ يجُزُّ قَطيعَ نخيلٍ من أَعلى قَمرٍ مَثلومٍ، وخُيولٍ تَحتلُّ الزّمنَ السالفَ.
....
ِذئبٌ عَيناهُ كفانوسٍ، يَرفَعُ حاجِبَهُ عن شَذَراتٍ خَضراءَ، وَيهرُبُ إِن حَدَّقَ في عَيْنَيهِ الجِنُّ الأَمْرَدُ في عَطَشِ الصَّحراءْ.
ـ مَنْ ألقاكَ هُنا ؟!
ـ ضَوءٌ راوَدَني عن سِربِ سَماواتٍ أولى/ ونِساءٍ من ذَهَبٍ صرفٍ / أَطفالٍ شِبه اللّهْفةِ، لا تُمْسِكُني جِهَةٌ فالهُوَّةُ ذاكِرةٌ وَجِهاتُ.
(يسْعَلُ)
ـ هَذا دَمُكَ المَهدورُ عَلى نابي يَطْلِبُني للثَّأْرِ، وَينْهَرُني المَوْتى.
أَركُضُ خَلْفَ قِطاراتِ الجُوعِ وَيَسْبِقُني شَبَحي، يَحْزِمُ أَمْتِعَةَ النِّسيانِ ويَركَبُ أَوَّلَ حافلةٍ.
أَلمَحُ وَجهي خَلْفي يَتَلَصَّصُ، عَلَّ امرَأةً تَمْنَحُني مِن غُرْبَتها قُرْصَ حَنينٍ.
ـ مُوصَدَةٌ أَبوابُ الغُرَباءْ
ـ ولماذا وَحْدكَ في العَتْمةِ ؟
ـ خَبَّأني حَدَسي من سِكّينٍ يَلمَعُ في وَجهِ أَخي
ـ هَلْ نَخرُجُ ؟
ـ أَحفُرُ بِئْري لسَماءٍ زَرقاء، فَراشاتِ صَباحٍ أبيضَ، لَمْلَمْتُ مَلائِكَتي في قَلبِ يَقيني، خَبَّأتُ البَحْرَ بكُمِّ قَميصي
ـ وَالأَصْحابْ ؟
ـ قالوا نُرسِلُ خَلفَكَ صِوراً ودُخانْ
ـ وأَنا ؟
ـ تَخْرُجُ عَمّا قافِلة
ـ أَرْجِعُ ؟
ـ تَنْسى
مِثلَ نَبِيٍّ يفتحُ بينَ يَدَيْهِ الناسُ مدائنهم
أَوْ تُفْتَنُ فيكَ امرأةٌ
أَوْ تَغتالُكَ حَربٌ بارِدَةٌ لا يَلْتَحِمُ الجَيْشان بها
بارِدَةٌ
كالبِئرِ
كنُقوشِ الأَسْلافِ على حَجَرٍ بارِدْ
كالنّاسِ
كَوَعْدٍ بارِدْ.

نساء الذهب الجاسر

قُلنَ امرأةً تَغويكَ
ملأنَ ثلاثةَ أرباعِ الشَّهوةِ سكّيناً يترصَّدني خلفَ الأبوابِ / على دَرَجِ اللّيلِ / وراءَ العتمةِ / خَلفَ ستائرَ موتٍ أعمى / في بُرجِ حَمامِ الصُّبحِ
وأَعدَدْنَ الحفلةَ، والسّكّينَ الغائرَ في خاصرةِ الفجرِ
أَدَرْنَ الكأَسَ وقُلْنَ:
أخرج.
...............
...............
(أُهديكِ صِواعَ نبيذٍ
أهديكِ أساورَ فرحٍ
وقلائِدَ وَردٍ
أُهديكِ الحُلمَ بَنفسجةً يا امرأةً تأخذُني من قلبي لنهاياتٍ لا تُفضي إلا لبلادٍ أولى
أُهديكِ بلادي
أُهديكِ المنفى/ ذاكرتي/ ما أحفظهُ من شِعر الغزلِ الأوّل، كيفَ وَصَلْتِ إليَّ مُطعّمةً بالسُّكَّرِ وندى الصُّبح، أُخبِّئ عنكِ شَراهَةَ ذئبٍ علَّمني أنَّ التِّينَ بصدركِ لا يُهمَلُ أَو أنّ قَميصاً لا يَنْزَرُّ على تُفاحٍ يَهدمني أوّل هذا الليلْ
أُهديكِ اللّيلْ
قَمَراً ومواويل).
...............
...............
ونِساءُ الذَّهبِ الجاسِرِ قطَّعنَ أَكُفَّ الشَّهوةِ تفّاحاً، وسَكَبْنَ الخمر على جسدٍ مقدودٍ، يَسألنَ الظِّلَّ الممتدَّ كشاطِئِ هذا البَحرِ المسكونِ بجنِّ قصائدهِ
مَن أنتَ ؟
توضَّأنا بنهاركَ شمساً
فلماذا ليسَ تَهِمُّ ؟!
هَمَمنا
وَسَهِرنا ليلَ الخلواتِ
عَفَفْنا
وغَدرنا
راعَيْنا النَّجمَ بعينيكَ
أحتلنا.
...............
...............
(أحتالُ
قلبي بين يديكِ كعصفورٍ بلَّلهُ الماءُ
بعينيكِ البحر كأوسَعَ ما يَأسِرني أزرقُهُ الممتَدُّ
وفوقَ شِفاهكِ تُشعلني نارٌ
يا امرأةً لا تهدأُ تحفرُ في قلبي ضحكتها
يا سيّدة الكَعبِ العالي
يا ليلَ حرير اللذّةِ
خَلفكِ تركضُ مُدنٌ وخُيولٌ ورجالٌ
وتُسمّي باسمكِ كلّ مفاتنها الكلماتُ
وترسِمُكِ الفتنةُ جَسَداً حِنطِيَّ الشَهوةِ
هيّأت لكِ الجَسَدَ الطّازجَ
فاقتربي
يا قَمَر الفِضّة).

***

محمد قاسم الحداد

  • من مواليد الكويت، عام 1978.
  • عضو رابطة الأدباء .
  • عضو الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية.
  • عضو ملتقى الثلاثاء الثقافي .
  • عضو ورشة السهروردي.

صدر له:

  • اسمي، شعر، 2005.
  • الفطم والكتابة، فكر، بالإشتراك مع عبدالعزيز محمد عبدالله، الكويت، 2005.

ما تقول الهامة

"أرى الحياة بلون الدم"
في عواصم الرمل والملح
يتردد الصدى بين تلال الأرواح إلى الغياب
وأخضر وجه واحد أحببت منذ طفولتي
الشعر في قلبي مد عال إلى الرؤية:
أن استجمع ذاتك التي زرعت في الأكفان وسر
تسكن الهامة دفأها في رئتي الباردتين
فأستجمع عمري وأحجار الوطن المنفي في صدور المعدمين
هنا الفرد
يرتد عن الأجساد المجهولة وعن دبابات الموت
ماعادت له المجرات يعشقها
ولا ذاكرة
فأنتفض
بلا أرض
فمن الممكن للفرد أن يظن أنه جزء من قرار
حين يمتلك حاسوبا أو يحتكر التكنولوجيا
ولكن من المضحك فعلا أنه حين تكون الهوية مبنية على اللغة
أن لا يحاول الإصغاء
أن لا يهتم بالحوار.

الشوق

ها أنذا أغرس قدمي في الأرض العاشقة
عند السفح
وكان من قبل حصار الظلام
كصوف يلتف على مغزل
كان سواد الغيم من حولي
وإذ بريح فاطمة
كخبر طيب من الشمس البعيدة
كالخبز الساخن
كالبرتقال
كأني الآن أرى بابها
ووقوفي على عتبات الغياب .

***

محمد هشام المغربي

  • من مواليد الكويت، عام 1982.
  • حائز على ليسانس آداب من كلية الآداب في جامعة الكويت .
  • يعمل في التدريس في المدارس الثانوية.
  • عضو في رابطة الأدباء.

صدر له:

  • على العتبات الأخيرة، شعر، 2001.
  • أخبيء وجهي فيك وأغفو، شعر، 2004.
  • خارج من سيرة الموت، شعر، 2005.
  • هو المطر، شعر، 2007.
  • ساق العرش، رواية، بيروت، 2007

تِلاوَةُ الرُّهْبى

مُريبٌ
أَيـُّهذا المَوْتُ
في كُلُّ الوُجوهِ تَكونُ
في ثَلْجِ الجِباهِ
وَخَمْرَةِ الشَّفَتَيْنِ
في الخَدَّيْنِ
في لَهَفِ العُيونِ
ذُهولِها
نَظراتِها المُتَسارِعاتِ بِزَحْمَةِ الدُّنْيا .
مُريبٌ أَنْتَ
غَيْـبِـيٌّ
نَدِيٌّ
خاطِفٌ
وَجِلٌ
جَبانٌ
مُفْزِعٌ .
قَهَرَتْكَ ـ قيلَ ـ طُلولُنا
لكِنْ
ـ أوَ تَعْلَمُ ـ
إنـَّنا
سِراًّ
تَوَسَّلْناكَ
يا قَدَراً
تَساقَطْنا عَلى أَدْراجِ عاجِكَ
ـ بارِدٌ
وَجِباهُنا مَحْمومَةٌ في غَمْرَةِ التَّرْتيلِ
وَالدَّمْعُ إنهِمارٌ
وَالمُنى صَرْعى
وَقادِمُنا أنحَنى قُداّمَنا
فَبَكى
وَأَبْكى ـ.
أيُّهذا الشَّكُّ
وَالقَلَقُ الخُرافيُّ الـ/...
أَجلْ
وَهِلونَ نَحْنُ أَمامَ بابِكَ
راجِفونَ عَلى مَراكِبِ خَوْفِنا الأَزَلِيِّ
نَنْتَحِبُ
العَويلُ يَغورُ في حُجْرِ النُّفوسِ
وَأَنْتَ تَضْحَكُ .
أَيُّهذا الـ ...
كُلَّما نَطَقَتْ شِفاهٌ
غارَ نَصْلُ اليَأْسِ
وَأرتَدَّ الصَّدى :
"ألعَوْدُ لَكْ "
صَقيعُ عيونِكَ الراّئي
بِخَطْفَةِ ميتَةٍ
وَأنا يَمُرُّ عَلَيَّ ما قَدْ لا أَرى
وَأمامَ عَيْنَيَّ البُرودَةُ ـ أَنْتَ ـ
وَالنَّصْلُ الصَّديءُ
وَقَهْقَهاتٌ داعِراتٌ
وَالصَّقيعُ يَلُفُّني
لِيُنيمَني رُغْماً
فَأَبْكيها
ـ فَأُمّي عَوَّدَتْني أَنْ أَنامَ بِدِفْءِ مَنْ كانَتْ لِقَلْبي الأُمَّ ـ
وَالكابوسُ يَلْتاثُ ـ الطَّريحُ أَنا ـ بِرَأْسي
يَصْطَفي ضَوْضاءَهُ
وَيُهيلُ رَمْلاً أَسْوَداً
وَيَضُحكُّني
بِقُنوطِ طِيني
واخْتِلالُ الرُّوحِ
يَزْحَفُ لي
بِبُطْءٍ مُرْعِبٍِ
جَمُدَتْ يَدايَ
تَسَمَّرَتْ رِجْلايَ.
مَطْعوناً على بَواّبَةِ التَّأْويلِ وَالرُّؤْيا
بَياضٌ فاجِرٌ قُداّمَ عَيْنيَّ
احتِمالٌ
وَانشِداهٌ
وَالسَّوادُ يُهالُ
وَالمَحْوُ البَصيرَةُ
لُـبُّها
وَالرَّأْسُ دائِرَةٌ
وَ"هلْ" تُفْضي
إلى لا شَيْءَ
في المَنْسوخِ من كَوْني
أنا لا شَيْءْ .

مِنْ سيرَةِ مُحَمَّدَ بنِ مُحَمْد

وَلا أدْري
أماتَ الجَدُّ
ـ أنتَ سميُّهُ ـ
من ذَبْحَةٍ في الصَّدْرِ ؟
أَمْ نَصْلِ الكَرامَةِ ؟
"وِحْدَةٌ
وَخَرابُ أَرْضٍ
وَإغتِرابٌ
وَإفتِراقُ الأَهْلِ وَالأوَلادِ
وَالعُمْرُ المُباغِتُ
وَاللُّفافاتُ التي أنياطُ قلبي تَبْغُها وَالجَمْرُ ".
تُفْ !
أبْغي الرَّحيلْ .
بَنِيَّ السّارِحينَ بِأَرْضِ غُرْبَتِكُمْ
سَلامٌ
ذا كِتابُ مَحَمَّدَ بنِ مُحَمَّدٍ
رائي مَصائِرِكُمْ وَ ماضيكُمْ
أنا ما اختَرْتُ مَوْلِدَكُمْ وَمَهْجَرَكَمْ
وَلكِنّي عَجَمْتُ الدَّهْرَ
في حَلَكِ الصُروفِ
وَكُنْتُ طَوْداً
أَهْصُرُ الدُّنْيا
وَتَصْلُبُني .
بَنِيَّ رِياحُكُمْ هَوْجاءُ
وَالمَسْرى مُريبٌ
وَالحُمولُ عَلى ظُهورِكمُ النَّحيلَةُ
كَافِرَاتٌ .
قَدْ كَتَمْتُ السِّرَّ
(هَلْ للسِّرِّ بابٌ ؟)
وَأكتَفَيْتُ بِبُرْدَةٍ
في رُدْهَةٍ الدُّنْيا
وَراحِلَتي سَرَتْ
وَغَرُبْتُ .
كانَ أَخيرُ أَحْفادي الذي بِالقَلْبِ
"فَيْصَلُ"
لن أَراهُ كَما أَرُيدُ .
بَنِيَّ
النارُ فَوْقَ مِسَلَّةِ الظَّهْرِ الكَسيرِ تَمُضُّني
لمّا أَبُحْ بِالسِّرِّ
(هَلْ للسِّرِّ مِفْتاحٌ وَ بابٌ ؟)
إِنَّما للنَّهْرِ في الأمْصارِ أُسْطورٌ
سَتُكْتَشَفونَ
سَوْفَ يَضُجُّ عِرْقُكُمُ العَصِيُّ
وَكافِراً
سَيُطيحُ عَنْ شَرَفِ الوُجوهِ القُنْعَ مُنْسَمِلاً .
يَقولُ إبني الكَبيرُ :
أبي
لِتَرْحَلْ
تَتَّخِذْ بَلَداً جَديداً
وَانتِساباً آخَراً
رِزْقاًَ
حَياةً .
يا بُنَيَّ
أَصيرُ ماذا ؟
لاجِئاً ؟
نَكِراً ؟
جَديداً ؟
مَنْ سَيَعْرِفُني ؟
وَمَنْ يَتَحَمَّلُ البَلْوى التي في الصَّدْرِ ؟
يا مَنْ يُسْقِطُ التَّأْريخَ
يَشْطُبُهُ ؟
وَمَنْ يَجْتَثُّ لَكْنَتِيَ الحَزينَةَ ؟
مَنْ يُقايِضُني بها ؟
وَبِكَمْ ؟
بُنَيَّ
أذْهَبْ وَسَلْ في السّوقِ عَنّي
أسْأَلْ بُيوتَ النَّاسِ
جامِعَها
الإمامَ
الشُّرْطَةَ
الصِّبْيانَ
في المَقْهى
هُنا كَوْنٌ لَعينٌ كانَني مُذْ كُنْتُهُ
قُلْ لاتَ حينَ فِراقِنا
أَبَداً .
بُنَيَّ أرْحَلْ
وَقَلْبي فَوْقَ قَلْبِكَ
رُح
وَمِنْ عُمْري لِعُمْرِكَ
ـ وَيْبَ عُمْرَيْنا ـ.
وَراحَ "هِشامُ"،
ثُمَّ تَلاهُ "هاشِمُ"
ثُمَّ "جاسِمُ"
وَالبَناتُ رَحَلْنَ .
مَلْعونٌ أَبو الأوْلادِ !
بِتُّ وَ"شاهتي" رَأْسَيْنِ .
لا حِسٌّ
وَلا خَبَرٌ
وَلا عِرْفٌ
وَلا إِلْفٌ .
لِنَرْحَلْ
فَالمَنايا خَبْطُ عَشْواءَ .
ـ الفُراقُ عَصيبُ ـ
لكِنْ
فَلأَمُتْ في حُضْنِ أولادي .
وَ
"تُفْ
تُفْ
تُفْ".

الصحوة

يَفْضَحُها ذاكَ المُتَسَرِّبُ مِنْ ثُقْبِ البابْ
ضَوْءٌ يَكْسِرُ في خَجَلٍ سَطْوَةَ هذي العُتْمَةْ .

***

عَقْلٌ مَلْعونٌ
مِنْ شِدَّةِ وَطْأَتِهِ
يَتَناوَبُني اليَأْسُ / القـَهَـرُ / الفِكْرُ صُداعاً
أُخْرِسُهُ بالنَّوْمْ .

***

شَمْسُ الفُقَراءِ تَغيبُ لِنِصْفِ نَهارٍ
وَالتُّجَّارُ يَعَضوّنَ عَلى الأسْلاكِ النازِفَةِ
وَلا تَبْرَحُ أعْيُنُهُمْ أنْ تُخْرِجَ شَرَراً دَمَوِياًّ
نَتَنَفَّسُهُ
طُولَ اللَّيْلْ .

***

لا أصْعَبَ مِنْ أنْ تَتَوَرَّطَ في هذي اللُّعْبَةْ
(لا بدَّ سَتَعْتاد عَلَيْها)
قالَ جَليسي
ثُـمَّ ألتَفَتَ وَأخْرَجَ قارورَةَ سُمٍّ
أفْرَغَها في كَأْسي
قَرَّبَ مِنّي الكَأْسَ
وَقالَ:
أنْسَ الأحْقادْ.

***

(الشُّرْطَةُ تَتْبَعُنا)
أرْكُضُ
وَصَديقي يُسْهِبُ في إِعْلامي:
(الشُّرْطَةُ تَتْبَعُنا)
أرْكُضُ لكِنَّ حِذائي يَلْتَصِقُ عَلى الأرْضِ
ـ لِماذا ؟ ـ

***

كُنْتُ عَلى كُرْسِيِّ النُطْقِ ألُـمُّ ضَياعي
وَوَراءَ زُجاجِ الغُرْفَةِ تَلْتَمِعُ شِفاهُ صَديقي
وَهُوَ يُلَوِّحُ بحِذائي:
تَحْيا الصُّحْبَةْ
لَعَنَ اللهُ الصَّحْوَةْ !!

***

نايف العنزي

  • من مواليد الكويت، عام 1968.
  • عضو ملتقى الثلاثاء الثقافي.

صدر له:

  • ظلال الكلمات، شعر، 1995.
  • أشكال تخفي ظلالها، شعر،2001.
  • وترسم الأمكنة، شعر، 2001.
  • طين زائد، شعر، 2002 .
  • لك ما تشاء، شعر، 2002 .

حــارة

1

في الصباح الباكر
تستبصر القهوة سكونها
تقرأ للآخرين
لكن بعد أن تشربها ؟.

2

في الصباح يقف الفنجان مكتوف الأيدي
حيث تسكب الحرارة في جوفه
حرارة جوف الفناجين تجعل المعدة
تسأل:
ماذا يفعل هذا ؟.

3

صبر الفنجان طقوس بدائية
أحتكم إليها المسترزقون.
للفناجين أقدمية لا يعترف بها
إلا قارئة الفنجان.

4

في الأسواق إحتجاجا على بيعها
لا تجد ما تقرأه.
لفناجين رأي آخر.

5

أعترف فنجان أنه لا يحتمل الصبر
لم نصدقه إلا بعد أن تلمسنا بقاياه
بأفواهنا.
عندما تكسر فنجانا
وتأتي لتأخذ آخر تجد أنها جميعا
بصف واحد.

6

بقي من عمر الفناجين كسرة
للرسومات التي على الفناجين
رأي آخر.

7

أشترينا فناجين جديدة
بقي صمت القديمة
كما هو
والجديدة لم تختلف معها بالرأي.
قال فنجان لفنجان:
أحرق الله جوفك
فضحك الآخر.

8

شتم كوب الماء فنجانا
فقال له:
يا أبا جوف.
يقول الفنجان بعر أن نهزه:
ها هم
يلعبون بي.

9

قال فنجان جديد لم يشرب به أحد
شيئا:
رحم الله زمن القهوة.

غربة الجسد

للجسد غربة أخرى

1

الجسد
ثياب أتسخت برعشة
الجسد.

2

قالت شعرة لجسد:
ما ذنبي؟
يظن كما تظن به الأجساد.

3

معان كثيرة ليس لها إلا وجه واحد.

4

هو خطوة وقوفها جبن مدلل
نسميه صبر
عطش يحتمي بظل يتذكر لحظات السكر.

5

طهر ونقاء
لا تستطيع المنظفات أن تلوثه.

6

متأمل يلحظ السكنات يكره السكون
عقل أطول من الروح أقصر من النفس.
7
بقايا متورمة تحتج على تواجد الروح.

8

هو صورة
الذكرى فيها ملامح ليس لها تاريخ
غفوة تحتاج لغفوة أخرى.

9

معناه نسبة مؤجلة.

10

الهارب الوحيد الذي لا يستطيع الفكاك منا
شهيد الآدمية المباحة.

11

باختصار
عرق ودموع وجهد يزيد
من
هؤلاء.

12

هو آخر ما يهتم به
الجسد نملة
مقياس طول الخطوات لديها
نهاية
لا تعرف متى تبتدئ.

***

نايف المخيمر

  • من مواليد الكويت، عام 1949.
  • توفي عام 1978.
  • عمل موظفا حكوميا.
  • كان منغمسا بالإعداد لإصدار مجموعته الشعرية الثالثة عندما وجد نفسه يسلك طريقا مغايرا لما هو متوقع، فرحل إلى الباكستان لدراسة العلوم الشرعية والدينية، وعندما عاد أعتكف في المسجد بعد أن هجر الكتابة والشعر وجمع نسخ مجموعتيه من المكتبات وقام بإتلافها متبرئا منها.

صدر له:

  • وجها لوجه، شعر، 1970.
  • غرشة عطر، شعر بالعامية، 1970.

أربع قصائد إلى ذباب يحوم حول رأسي

1

معزوفة الوفاء
وبعد
يا قيثارة العذاب
تثاءب الحلم
وآذن الصبر بالذهاب
تثاءب الحلم
لأن أوتارك اللعينة
تمزق اليقين في عقيدتي
وفي سكينتي
تمزق الصواب.
وبعد
يا قيثارة العذاب
يا صخبا أصداؤه
تجتاحني
من كل شباك وباب
من كل غل في الصدور يغلي
يجتاح كل معنى
ويفتح للسعير
ألف ألف باب
من أعين ترمقني
فيشرئب الحقد من أحداقها
وتطبق الأهداب
في حنق قطاع الطريق
تطبق الأهداب.
وبعد
يا قيثارة العذاب
الطيبة الحمقاء
ما زال في مقدورها
أن تمضغ العداء
كالأخرس المجذوب
تمضغ العداء
وتمتطي الصقيع والغباء
وتستكين
كلما أسمعتها
معزوفة الوفاء
لعالم أفكاره هباء
وحبه هباء
وكل معنى عنده
يعيش في الهباء.

2

وجها لوجه
أرفضكم
لأنكم
لأنكم حثالة
لأن شيمة الوفاء عندكم
مفقودة محالة
لأنكم
لأنكم حثالة
مبعثرون
على ضفاف الحقد دائما
مبعثرون
ومبحرون
في لجة الضياع
مبحرون
بجلهكم
بذلكم
بكل فكرة تدور في رؤوسكم
ليس لها عيون
بكل فكرة سطحية
بها مخدرون
وسوف تشربون كأس الذل للثمالة
لأنكم
لأنكم حثالة.

3

أقول
بنعلي
أوقع إسمك
وأفرش فوق المسافات رسمك.
بنعلي
لأنك جاهل
لأن الحياة لديك اتكال
لأنك ماعشت إلا لتأكل
ومن ثم أدمنت حب الحياة
كفاشل
لأني أنصهرت
بحرف طموح
لأني أقتحمت حدود العذاب
بخطو طموح
لأن خطاي
بعكس خطاك
على كل درب عنيد تلوح
تميزت غيظا
لأنك جاهل
ودربي عويص
كثير المجاهل.

4

أنا وأنت والزمان
باق أنا
أنت والزمان
باق أنا
وحقدك المغروس من زمان
سوف يبقى مصرعي
ما ليس بالإمكان.
باق أنا
وأنت والزمان
يغتالني تفكيرك العقيم
تفكيرك المملوء بالدخان
يكاد أن يطمسني
ويطمس الإيمان في إرادتي
ويطمس الإيمان
لكنني باق
وسوف أبقى رغم ما تريد
ورغم أنفك الجبان.

***

نجمة ادريس

  • من مواليد الكويت، عام 1953 .
  • حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية من جامعة لندن.
  • تعمل أستاذا لمادة الأدب العربي الحديث في كلية الآداب في جامعة الكويت.
  • عضو رابطة الأدباء.

صدر لها:

  • الإنسان الصغير، شعر، 1998.
  • طقوس الإغتسال والولادة، شعر، 1998.
  • مجرة الماء، شعر، 2000.
  • تتكسر لغتي.. أنمو، سيرة شعرية، 2004.
  • الأجنحة والشمس، دراسة في القصة الكويتية، الكويت، 1998.
  • خليفة الوقيان في رحلة الحلم والهم، دراسة، دمشق، 2002.

من سفر الحداثة

ارتكاب

أطلق النار
على القافية
وأغرس السكين
في لحم الوزن!
أعد عصير الدم
لوليمة المساء
يرقص "الخليل"
مع "سوزان برنار"
على موسيقا "البوب"
ويعرج.
في المرآة
أصلح مكياج الحفل:
بودرة "بايوت"
حمرة "ياردلي"
أشحذ أنياب "الدراكيولا"
في فمي
وأقفز في أتون "الديسكو".

محاولة

ألكم اللغة
في أسنانها
وفقرات الظهر
وساقيها الممشوقين!
كومة العظام
تقرع رأسي
تخمش
لوحتي التشكيلية
ترش الدم
فوق بياضي الجديد
وتعيد ترتيبها
رغما عني.

انعتاق

أسوح
حيث لا زوايا
لا غيم
يشبه الغيم
حيث لا ثمار
غير ثماري
ولا مطر
غير عرقي
أخلع بردتي
وأعلقها على شجرة
تنبت
على حافة العالم
أتلاشى في.

الدب القطبي والصحيفة البيضاء

تدثر جيدا بأغطيتك
أختبئ عن عين الشمس
وشرفة البحر
وأجنحة الريح الآتية من الشمال
وأكمل رحلة السبات
كدب قطبي
لا يحلم إلا بركامات الجليد
والأفق الأبيض العاري!.

تدثر جيدا
أيها الطفل المرتجف
المبلل بالصمت والخشية
المتسكع في أزقة
بلا وجوه
ولا أبواب
كما يتسكع جندي أعزل
فارغ من هواجس الانتصارات والهزائم.

ذوائب النهار تغتسل في زبد البحر
والمغرب يقضم قرص الشمس
والأجنحة الليلية ما تزال تتمسح بالوجوه الغاربة
والسواحل البعيدة
وأنت
قابع في قبوك الفرعوني
بلا نافذة
ولا سحابة.

سأطوي صحيفتي البيضاء
وأطوف بها عصرا جليديا آخر
سأسحب كفي الممدودة
وأوسدها صدري الأجرد
كما يغمد سيف كريم
في إنتظار فتح لا يأتي
سأدفن البذور التي لا تكف عن الازيز
في بيدر خرب
وليبدأ عصر الإنحطاط
لتمر مواكب الفقر
والجهل
والجوع
أمام النوافذ القطبية
حيث يهجع الدب المتدثر
وحيث تمتد الصحيفة البيضاء
بلا نقطة حبر أو ماء.

ماذا لو.. ؟

ماذا لو
يورِق بستانٌ فى بستانْ
تَسقُط أثمار الدهشةِ
تنْقِطُ أشربة
فى فمْ تنبض رعشة ؟.
ماذا لو
فى سَجْفَة هذا الليل السافى
نتجلى
نُمْحى
من لوحة هذا الوقت الحائل
ننجو
من دِبْق الساعات الكسلى
نتطاير.
ماذا لو
نتصاعد أبخرةًً
نتلوى دائرة ً
تنداح فضاءاتٍ ودوائر؟.

ماذا لو
نخلع هذى الأوجهَ
والأسماء
لو ننضو عنا الأثواب
وقعقعةَ الأحرف
ريشَ اللغة الجوفاء
نتوضأ من آثامِ
التكرار
دورانِ الأعين فى اللاشىء
سآمة هذى الجدران البلهاء
ماذا لو نتعرى
نتدفأ باللاشيء
نصلى فى حضرة نزفِ الغيمِ
ونجْهشُ فى صدر الليل الناعم
أشلاءً
أشلاء .

ماذا لو
ننوى الحجَّ
لبستان الفضة ْ
نثقب سقفَ الأفق
الأعمى
نتدلى
من أغْصُنِ هذا الكون
الخائر
فاكهةً
تتلامس أكؤسها
البضَّةْ
نتساقطُ
فوق سفوحِ
الثلج الأسودِ
بتلاتٍ
بيضاء
غضَّةَ.

ماذا لو
أنَّا نخلع نعلينا
فى وادى الفيروز
ونخلع عنّا عمْرَيْنَا
نخرج من آثام الأرض ِ
خفافًا
ماذا لو أنَّا ؟
ماذا لو أنَّا ؟.

***

نشمي مهنا

  • من مواليد الكويت، عام 1964 .
  • حائز على بكالوريوس إدارة أعمال من جامعة الكويت .
  • عضو رابطة الأدباء .
  • عضو جمعية الصحافيين .
  • يعمل موظفا حكوميا بالإضافة إلى مساهماته في الصحافة.

صدر له:

  • البحر يستدرجنا للخطيئة، شعر، 2001 .

البحر يستدرجنا للخطيئة

مصب النهر

إبني الضال الأرعن
فوار الدم
عذب السريرة
ما إن يتشرد في قسمات وجوهكم المقفرة
حتى يعود يحتضن موجي
يعود
يشكوكم لي
يريني بقايا غسيل حكايات
تساقطت منكم عن ضفتيه
يعرف جيدا أسرار قراكم
ـ وهو العابر المسترق السمع ـ
كم غطى دمامل أرضكم بأطياف الخضرة
غرس فيكم بذور البهجة
فسرقتم وجه طفولته
هدمتم أبراج حمائمه
زرعتم نخيل خطاياكم على كتفيه
مزقتكم شرايينه
روافد .
في الرمق الأخير من الصبر
يعود
متعثرا على عتبات الروح
لأمده بملح الحكمة.
غواية
"البحر يستدرجنا للخطيئة"
ذات مساء صيفي لزج
أسبل موجتين
وتغافى
فأطمأنت
خلعت عباءتها على متن رماله الذهبية
تظاهر بالسكينة
تقدمت نحوه
لامست بقدميها الناعمتين أطرافه
أحس بقشعريرة
فأزبد
وأبتدأ المد.

حنين

الجزر
بنات اليابسة المسبيات
في ملكوت البحر
تشتاق وقع أقدامنا
لتبث في مساماتها
أسرار عشقها الأزلي
ترينا نزق الحارس المائي
جبروته
آثار الملح على خدودها الصخرية.

في المساء

عندما تتلألأ أضواء المدينة
تمارس عادتها الليلية
تراودها رغبة محمومة في الزحف
تخضر مسامعها
عندما يدنو صخب القادمين.

لغة

الموجة
حكاية ذات مغزى
لم تكد تصل الساحل
حتى تتبعها موجة أخرى
تلعثم معناها.

عبور

مراكبهم الشراعية
عصافيرشوارعنا الخلفية
تذرع أعين صباحاتنا
وتظل
ملبدةحناجرها بالخوف
تنتفض بصدورنا
ترقب الأفق
لن تصل الضفة الأخرى
إلا
بفصاحة كف الريح.
المدعو!
كعادته البحر
أقام في أحشائه وليمة لزائريه
آمنهم بقلب أصدافه الفضية
أطعمهم من نبضه
سقاهم كوثر أحلامه
ـ وحده القندس النهري ـ
بعد أن نفضيده من المائدة
تجشأ وقال:
ماؤك
يا مولاي
أجاج.

إختيار

هنا
أنتصف الطريق
خارت قواي
أعلم إن أكملت إليك... غريق
إن عدت حيث بدأت... غريق
لكني سأموت
في الموجة التي لا تأتيك بجثتي.

دليل لأنثى الإيائل

على أيِّ جنبٍ ستغفو المراكبُ ليلاً ؟
وحضنُ الموانىءِ شوكٌ ينزّ بعيني
ويقتاتُ صبري
وهذي مصابيحكمْ
وسوساتٌ تجولُ بصدر المدائنِ
تُوهن فيَّ جدارَ اليقينْ
ألا خبّئوها
لليلٍ سيأتي
يواري رذاذَ النشيج
بأحضانكمْ
ويُخفي بجنح عباءاته برهةً للعويلْ
رأيتُ ـ وفيما يرى العاشقونَ ـ
بلاديَ تنفض جيبَ التذكّرِ
لم تدخّرْ شوكةً للنزال القريبْ
سأخدشُ فيها المرايا
وأُبقي على وجهها جمرةً
كي تُذيبَ اصطباري بوخز الشتاءْ
على أيّ جنبٍ سأغفو..؟
وفي القلب زيتٌ
تشرَّبَ أفقُ سراجٍ بقلبيَ حدَّ الثماله
وجوهٌ نسيتُ بمشكاة أمسي
تُراود فيَّ الرجاءَ الأخيرَ كعينيْ قتيلْ
فيا قُبّراتِ الحنينِ الذي...
أمهليني !
لعلّي بأطياف حُلْمٍ نسجتُ رؤاهُ
أثوبُ لرشدي
وأقدح في حشرجات المتاهةِ بعضَ اليقينْ
فأنثايَ تستمطر الغيمَ حلْما
ليرشحَ فوق الوسائدِ
كانت تمسِّد وجهَ السماءِ المجدَّرِ
كانت تلملمُ عِقْدَ البكاءِ الوشيكِ
تراود فيَّ الحنينَ لأحرثَ في تربةٍ
(قد بذرتُ شميمَ المباخر في معطفيها)
أما أرعبتكِ الدماملُ في قسَماتِ الوجوهِ ؟
وفزّاعةٌ قد حشونا بخدرٍ بيادرَنا
الموحشاتْ
أما زلتِ فينا كما كنتِ طفلاً يشاغب
وحشَ الكهوفْ
ويصدح فيها بترنيمة العاشقينْ ؟.
تعود بضحْكاتها اليانعاتْ
كأرجوحةٍ من ضحى
تُقلِّمَ رمحَ القبائلِ أو مخلباً للخريفْ.
تفتَّحَ في القلب حلْمٌ
يُخاتل إغفاءةَ السادرين عميقاً بليل
الشوارعِ
أو في نواصي الضلوع البعيدةِ
والناصبين شراكاً لنجمة طفلٍ
تُجمِّر ـ في جذوةٍ ـ قلبَها بالفتائلِ
تنأى
تعودُ
وتنأى
تغيبُ
بسكْراتها الوامضاتِ
كنقطة حبرٍ بآخر سطرٍ
قبيلَ الغياب الأخيرْ.
مررتُ بكثبان أرضِ الجزيرةِ
علِّي
على ريح عنبرةٍ أستدلُّ
وعشبُ الشواهدِ حوليَ يصحو
على وقْع أقداميَ الهامساتِ
يشير إلى تلةٍ قد أناخ على ظهرها
وهَجُ الشمسِ
أين السبيلْ ؟
عثيرٌ هو الدربُ أنّى التفتنا
ووهمًا نحاولُ رَتْقَ المسافةِ بين شفاه
البحارِ
وبين رمالٍ تُكلِّس أحلامَها في الوصولْ
ووهماً نُرمّمُ وجهَ الفواصلِ والبوصلاتِ
وقد شوّهتها مخالبُ هذا الغبارِ الضريرْ
أعودُ
كما دمعةٍ علقتْ في رخام المطاراتِ
أو شفرةٍ لتحزّ رقاباً تُطاولُ أسوار
َنَخْلِ الرجاءِ
لتحنيَ هاماتِها الباسقاتِ
أنتظرتُ الشتاءَ طويلا
وودّعْتُ صيفاً أذاب بجمراته رعشةً للحنينِ
انتصبتُ كما الصحو بين الفصولْ.
أناديه:
حيزانُ
حيزانْ
وحيزانُ معترضٌ سكّةً للحديدْ
إلى أيِّ سربِ الخباري تحنّ بهذا
الحذاءِ / الأنينِ ؟
وما في المدائن غيرُ الهجيرْ
وما في الشوارع غيرُ نداءِ الشموع
بعيني ينوسْ
مشيتَ
مشيتُ
وفي القلب نايٌ يُتأتئُ لحناً تشظَّى
وترشحُ منه الثقوبُ أنيناً
أحيزانُ يا قبلةً للوصولْ
وشاهدَ وأدِ الخزامى
بأذْنيكَ تغفو أحاديثُ إفكٍ
تَناسلَ في خِدْرها عنكبوتُ الفضائحِ سِرّا.
نيران حقدكَ
دعنا ندكّ رمادَ المدائحِ
واللّجْلَجاتِ التي أشعلوها
لضيفٍ سيأتي
لكي يبْتني فوق بحرٍ من الرملِ
ديباجةً لقصيدٍ
يُعلّق من منكبيه على كعبة الحالمينْ
أحيزانُ !
خذني على هودجٍ من ظلالٍ لبيت
القصيدِ
لكي أستريحْ
فمنذ قرونٍ
وَأَدْنا بأرض الجزيرةِ أنثى الأيائلِ
كانت تعيث غراما
وكانت
تُطيح بأوتاد خيماتِنا
الواهناتِ
تُناطحُ صخرَ الفحولةِ فينا
بحدّ قرونْ !
تذرّ بيادرَ قمحٍ غَرَسنا على ناهديها
وتُطعمها خلسةً للغريبْ
وكانت تَدلّ القبائلَ
تُوقظ ليلَ الضغائنِ في أصغريها
وتهمس في أذْن نجمٍ
ـ تشظّى من الغيظ ـ:
"قد لذّ طعمُ الدماءْ
أما حان ـ بعد ـ لقابيلنا أن يجيءْ؟".
رأيتُ
ـ وفيما يرى العاشقونَ ـ
بأرض الجزيرةِ
ظلاّ
يجرّ خطاه على ساعديهِ
أصوفيُّ هذا الزمانِ ـ يُواكِبُهُ الوحيُ أنىّ يحلُّ ؟!
تضيء فوانيسه برهةً
ثم تخبو
يظلّ ينوء بأشجار دِفلى على منكبيهِ
فيسّاقط الماءُ في راحتي
حكمةً
حكمةً
تخطّ على رمل قلبي عصاه الفصيحةُ :
إن النهايةَ "باءُ" البدايةِ
فاتحةُ القادمينْ
هو الموتُ برقٌ يضيء بمشكاة هذي الخليقةِ
مفتتحاً خطوَهُ في السديمْ
وكفٌّ تشدّ مقابضَ بوّابةٍ للعبورْ
وتنفض عنا غبارَ الخطيئةِ
كم غاض ماءُ البحيرةِ في مقلتيَّ
لينداحَ موجاً على ضفّتيكَ
ولا بدَّ من قبّرات حنينٍ
ـ ولو بعد حينْ ـ
ذرَتْها الرياحُ بقلب الجزيرةِ
يوماً تعودُ
تحطُّ
تلملمُ ريشَ المباهجِ عشّاً
فيخضرُّ ـ من خفْقِها ـ
الرملُ في راحتيكْ.
أعود لأنثايَ
هذي التي ساومتني على الحلْم وهما
..................
..................
فعدتُ من الحلْم والوهم صُفْرَ اليدينْ.

الآتية كغد مألوف

في الممر المفضي إلى النهر
جلسنا مرة في خضرة أيامنا
بعد أن مسحنا بأيدينا الندى
عن المقاعد الخشبية
نحكي
كمن يحاول ترجمة الصباح
نحكي
كمن يغري قوس قزح بالتمهل
حتى تؤالفه الفراشات الصغيرة
وتبادله أسرارها
لكننا
بعد أن يئسنا من ترويض الريح الصاعدة فينا
وإرتباكات أنفاسنا
أخفينا لغتنا تحت مقاعدنا الخشبية
ورحنا نشعل الحرائق بالإحتمالات.
من أنت
يا التي
أواصل معها حكايات
أنقطعت
في حياة منسية ؟.
أعرفك
كذكرى
ـ قلت ـ
وأعرفك
آتية كغد مألوف
أتذكر
وكنت تهذين في الحمى:
لنأخذ حياة إضافية
نطيل بها نفس هذا العشق
كأن نستعير
أعمار أصدقائنا الهامشيين
ونلمع بها جواهر أيامنا.
حلوة أنت
وقاتلة.
تحلمين
بما لا يجرح
ولا يترك همسا في مناماتك
تمرين من خلفي
وتلتفين أمامي
وأظل
كما الشاخص في المرآة
مغدورا أفاق من موته
يتحسس جسده
ليتيقن أنه مغدور أفاق من موته
يتحسس جسده
وبلا يقين
يفتش عن أثر للطعنات
أو ظرف رصاصة طائشة
وحدي الساكن فيك
لأني اللائذ بظلك
وحدي كنت المنتظر
لأني طفولتك القادمة
تلك المرفوعة على رف
أقل منه بقليل
نجوم عادية بالكاد تلمع
تمسحين وردة الليل
بأصابع تشبه وحشة الليل
وتنامين
وتتركين لي
ـ لي وحدي ـ
حرية الأرق.
لا أنجو منك
ولا أرجو النجاة.

***

نور القحطاني

  • مؤسسة ورئيسة تحرير موقع: مدينة على هدب طفل، على الإنترنت.
  • عملت لسنوات في الصحافة الثقافية.
  • ناشطة على صعيد النشر الإلكتروني مقابل عزوف عن النشر في الصحافة الورقية.

الحافة بيضاء يا جدار الطين

الحافة بيضاء
كسماء قريبة
السماء الشغوفة بالغيب
نداء الخوافي
وارتطام الحقيقة بالرؤوس
الحافة بيضاء يا جدار الطين
خطوة
بجناحين من طفولة
ونحلق
خطوة
ونكسر الهواء في متتاليات الخفق
خطوة واحدة
ونزرع فسيلة ابتسام تتصاعد في الخضرة
خطوة يا جدار الطين
لا تنظر هكذا
لا تنتظر
أتبعني.

وجوه تمرق سريعاً

في الصباحات المزركشة بـوشوشات الشمس
فوق البيوت
في المساءات المطرزة بـنمنمات الوسن
الهاطل من القمر
ثمة وجوه تمرق سريعاً
زمن مكثف يحتويها
سرعان ما يتلاشى
لتذهب الأرض في دورتها
وتستمر المراصد
في فهرسة إنقلاباتها اليومية.
فأرى
بائع الجوارب الملونة:
يفترش الرصيف المقابل للمدرسة
يبيع جوارب للأطفال ملونة
ونظرة إعياء تستأثر بـمساحة وجهه الأسمر
برودة تنخر في جسده الواهن وقامته الصغيرة
يبهجه إقتراب المدرسات والأمهات منه
ويغيظه إدبارهن بعد مفاوضات لا تجدي
يغيظه إزعاج التلميذات الصغيرات
بأسئلة لا تنتهي.
حارس:
يجلس في بوابة السوق
في الداخل
يتأمل المشترين
يتحين الفرص لـيفضّ إشتباك الأطفال مع البائع
يدلي رأسه بعينين متورمتي إرهاقا على جسد ممشوق
يحبسه في سترة رسمية
لا أحد يلتفت لـصمته الطويل
لشروده المغروس في البضائع المكدسة
حيث لا أحد يبيع
لا أحد يشتري .
بائع المكسرات :
طفل الحادية عشرة
يهجع في كرسي خلف طاولة
يعرض المكسرات
كل يوم
يصطدم نظري بمحياه البريء
يتدثر بمعطف وقبعة صوفية
تصطك أسنانه وتحمر وجنتاه مع انهمار الصقيع
الشمس تثير دفئاً في خضرة المكان
لكنها تخجل من الوصول إليه
يرتجف
فيما يكيل المكسرات ويقدمها
للمارة المهرولين
بلا اكتراث.
عاملة نظافة :
في الحمامات المخصصة للنساء
كانت عاملة النظافة تجلس خلف الباب
عابسة الوجه
صامتة
تحني رأسها إلى الأمام
حتى يكاد يسقط في حجرها
ترقب النساء بعين منكسرة
تضم كفيها لـصدرها
وكأنها تستعد
لـبكاء طويل
لا ينته.

عتمة مبصرة

ا هي العتمة تأسرك
أيها المتربص بالمداخل
العتمة المبصرة
خدينة الليل ومحبرة السواد الجليل
العتمة المقدامة التي تفتح الأبواب
وترشرش الضوء على العتبات
واقفة بهيبة الظل الذي يصعد في نسغ الأرواح
أنظر من الداخل إليك
يا من سورتني في ضلالك البعيد
يا من سورت قلائد فرحي
وأطلقت خيولي في بيدائك
أنظر
ولا أحجم عن الهتاف باسمك الذي يُحمد كالبحر
أنا المشكولة بالضم
والمنسدلة كإغماضة وافرة
عتمتك
الحافة بيضاء يا جدار الطين
الحافة بيضاء
كسماء قريبة
السماء الشغوفة بالغيب
نداء الخوافي
وإرتطام الحقيقة بالرؤوس
الحافة بيضاء يا جدار الطين
خطوة
بجناحين من طفولة
ونحلق
خطوة
ونكسر الهواء في متتاليات الخفق
خطوة واحدة
ونزرع فسيلة ابتسام تتصاعد في الخضرة
خطوة يا جدار الطين
لا تنظر هكذا
لا تنتظر
اتبعني.

***

نورة المليفي

  • من مواليد الكويت عام 1966.
  • حائزة على ليسانس في اللغة العربية وآدابها من كلية الأداب في جامعة الكويت، وعلى درجة الماجستير في اللغة العربية.
  • عملت في التدريس والتوجيه الفني في وزارة التربية، كما عملت في الصحافة.

صدر لها:

  • العزف على أوتار الجرح، شعر، الكويت، 1992.

سوف أشدو

ضاق صدري
ذقت ويلات العشيرة
والتقاليد الكثيرة
غير أني في انكساري واحتضاري
قد نمت في القلب زهرة
ثم قالت:
لا تخافي
إن هذا الخوف محنة
إن هذا الخوف قتل للمواهب
ولأشعاري الجميلة .
سوف أشدو للطيور
وأغني للزهور
وعلى كل سماء سوف أغدو
وأروح
مرة أحضن نجمة
مرة أغزل بسمة.
سوف أرسم
لوحة فيها أمير
وبعينيه أطير
ثم ألقي في الصحائف
وردة كانت هدية
لست أنسى كيف أعطاني الهدية ؟
كيف سلمت يدي ؟
يومها جاوزت قدري
ومشى الكون بأمري
وغدا البستان حلما
آه يا حلمي الجميل
في الليالي اللؤلؤية .
أيها البلبل خذني
لسماوات بعيدة
لأناشيد مديدة
ولنغني للسماء
ولجيل سوف يأتي بين أمواج العطاء .

***

يعقوب الرشيد

  • من مواليد الكويت، عام 1928 .
  • توفي عام 2007.
  • تلقى علومه في الكويت وفي الجامعة الإمريكية بيروت .
  • عمل في التعليم، وفي الإذاعة، وفي وزارة الخارجية مديرا للمراسم، ثم سفير للكويت في عدد من عواصم العالم.
  • عمل في الصحافة مديراً لتحرير: مجلة الكويت، وسكرتيراً لتحرير جريدة: الشعب.
  • عضو رابطة الأدباء.
  • عضو جمعية الصحفيين.

صدر له:

  • سواقي الحب، شعر، 1974.
  • دروب العمر، شعر، 1980 .
  • غنيت في ألمي، شعر، 1991.
  • الكويت وغدر الجار، شعر، 1991.
  • رفيف الجرح، شعر، 1997.
  • همسات السبعين، شعر، 2006.
  • الكويت في ميزان الحقيقة والتاريخ، دراسة، الكويت، 1963.
  • الصيد في أدغال الهند، مذكرات، الكويت، 1995.
  • أمتع وأوجع الذكريات، مذكرات، الكويت، 2006.

أوتار القلب

هو ذا الليلُ أتانا يا حبيبي
قُمْ لنجلو الهمَّ فالكأسُ ربيبي
ذكرياتٌ عصفتْ في خاطري
أضرمتْ روحي وأضناها لهيبي
فرمتْني في مغاني حبّنا
أستقي الصَّهباءَ من ثغر الحبيب
نزهةٌ في دهرنا علّي بها
أتناسى الهمَّ أو أنسى ذنوبي
حولنا غنّى على درب الهوى
حبُّنا الحاني على رجعِ وجيب
فأعْزفي اللحنَ الذي غنّتْ لهُ
لِلّقاءِ السَّمْحِ أوتارُ القلوب
وذَري اللومَ الذي أَوْدى بنا
في مهاوي البُعْد، أسقيني نصيبي
من حُميّا تجعلُ الصخرَ الذي
لامَسَتْهُ في ذرى السُّكْر العجيب
لنرى الأحلامَ تشدو حولنا
ونرى الآمالَ تنأى بالغروب
خضَّبَ الوصْلُ رؤانا وانتشتْ
رعشةُ الشوقِ على اللحن الطروب.

سواقي الحب

تثاءب الحب أم جفت سواقيه
أم أننا لم نعد نحيا أغانيه
كأننا في عباب زاخر أبدا
لم نعرف اليم حتى في شواطيه
قد تاه منا على الأنواء زورقنا
وضاع مجدافنا يا فتنتي فيه
هذا الفراق الذي عانيت لوعته
لم يخمد الشوق بل امسى يرويه
فلا تظني بأني قد صددت وما
صدي عن المنهل الريان يشقيه
بل الشقاء لبعد عن موارده
ويحي وما أثقل الأيام تزجيه
حتى لقلب يرى في الحب موئله
ويبتغي من سناه ما يحاكيه
حسناء والليل ساج دون موعده
والحب كالنور يسري في دياجيه
لا تجعلي مشعلي تخبو ذبالته
ورددي أنني أحيا لياليه
وداعبيني بلحن كنت أعزفه
عند التقائي بذات الحسن والتيه
لينعم القلب خفقا في جوانحه
وتسبح الروح نشوى في مغانيه
فأسكب الشوق في أقداحنا نغما
ينساب من حولنا زهوا نغنيه.

***

يعقوب السبيعي

  • من مواليد الكويت، عام 1945 .
  • حائز على شهادة الثانونية العامة .
  • عمل محققا في وزارة الداخلية، وموظفا بجامعة الكويت قبل أن يتقاعد .
  • عضو رابطة الأدباء .

صدر له:

  • السقوط إلى الأعلى، شعر، 1979.
  • مسافات الروح، شعر، 1985.
  • الصمت مزرعة الظنون، شعر، 1989.
  • إضاءات الشيب الأسود، شعر، 1997.
  • أوراق، نقد، الكويت، 1996.

40 ـ 0

لا أبالي
بالذي ودّ اشتعالي
والذي همّ ولم يقو على غير إعتزالي.
لا أُبالي
بالذي أغمض عينيه على غير خيالي
أيها الذّاهب عنّي
عش كما شئتَ بعيداً وصحيحا
وأحتجب في كوكب العطر ثلاثين خريفاً
وأصنع الدّهر
الكسيحا
وأمنع الأقمار عن كلّ الليالي
وأسحق الفجر
إذا الفجر سعى لي
وأجعل القلب لما فيه ضريحا.
لا أبالي
لن تراني
أصفر الوجه
ذبيحا
أرتمي في لُجّة الأحزان مغلوباً
أسيفاً
أُرسل الأحرف كي تدنيكَ منّي.
أيها الذّاهبُ عنّي
إنّ في دورق قلبي قطراتٍ
بلّلت ما جفّ من روحي
فحاذرْ
أن تعيدَ الأمس كي يلوي إعتدالي
لن تجد مفصل ما أحياهُ
رخوا
لن تجدني أقتفي ذكراك
سهوا
سوف أُبقي ذلك الوجد المكابر
أزرعُ الريش بحقل الرّيح
والعطر المسافرْ
وسأعطي ذهب القلب لمن شئتُ
وإنّي
لا أُبالي.

قال الراوي

مسخوا العدلَ بصدري
ثم قالوا أنتَ ظالمْ
وحشَوْا بالوهم عينيَّ
وقالوا أنتَ واهم
ثم خاطوا جفنيَ الأسفلَ بالأعلى
وقالوا أنتَ نائم
لطّخوا بالدمِ أشيائي
وقالوا أنتَ آثم
قتلوني بضعَ مرّاتٍ
وها ما زلتُ قائم.
قدْ تردّدتُ كثيراً بين خوفٍ وأمانْ
فعقرتُ الفَرَسَ الواثبَ بي خوفَ الحِران
وكشفتُ الصدرَ للخنجر في كفّ جبان
وغرستُ السنبلاتِ الخضرَ في شرّ مكان
فإذا بي غرضُ الرامي إذا اشتدَّتْ يدان.
كان سوطي ـ دون أن أعلمَ ـ ثعباناً حَقودْ
يلسع الحمقى صباحاً، ثمّ في الليل يعود
فرميتُ السوطَ من كفّي، وصادقتُ الرعود
وسكبتُ الحبَّ صخّاباً على قلب الوجود
علّهُ يشتاق للشمس فيشتاق الصعود.
كنتُ أرضى بمصيري لو أرى الوردةَ ترضى
ربّما يُدفَن غيري حينما يُقتَل عضّا
نعشيَ الفارغُ لن تحملَه أكتافُ مرضى
لن يواري القبرُ صدراً قتلَ الظلماءَ بغضا
سوف أذرو من عظامي البيض في الأحداث وَمْضا
وسأبقي ظُفريَ النابتَ للمشبوه رفضا
فإذا صُغتُ طبولَ الغابِ للخفّاق نَبْضا
ورأيتُ الغيمَ يبني لعطاشِ الطَّيْر حوضا
فسأرضى
وسأرضى.

إن لها رفاقا

يشد عليك في قلبي الوثاقا
غرام جاوز السبع الطباقا
ويسعي بي إلى لقياك شيء
تعاظم أن أسميه أشتياقا
أنا الفياض بالأشواق تسري
إلى من لا أطيق لها فراقا
يفديها الجمال بكل راء
وتضرب حولها روحي نطاقا
ويملأ فتحة العينين قلبي
ليبصر من يريد بها التصاقا
بعينيها الهوي عذب رقيق
وفي صدري أكابده احتراقا
لها وجه يضيء اذا أستمالت
لـــيالي الحب أفئدة رقاقا
ويثري حسنها الأزمان حبا
وتــتقدم النجوم لها ائتلافا
ولي في كل أونة خيال
يــلف بساقها الريان ساقا
ألا يكفي بأنا في التلاقي
كلانا يدعي التقوي اختلاقا
ويسكرنا الخيال إذا ألتقينا
كـأن بثغرها ثغري تلاقي
وتشتعل الظنون بها و بي أن
تجاوزت الأمنيات الأعتناقا
وتلعب بي الهواجس في العشايا
إذا أشترطت لزورتها اتفاقا
تقول: عليك أن تبقي بعيدا
عن القبلات، إن لها رفاقا.

أقرأ أيضاً: