1
كان الشعر والشعر وحده هو الرغبة الملحة والشغف الحميم إن لم أقل"بشكل منهجي" الأساس الموضوعي كمعيار أستندت من خلاله وعبره لبلورة فعل هذه المختارات والمتضمنة تقديم أول أنطولوجيا من نوعها توثق لدفء وملامح شعرية قصيدة النثر اليمنية الجديدة اليوم في إمتدادها وتحولات شعرية لحظتها الراهنة كما بنوعية تجاربها وفضاءات إختلافها في جزء ظل مقصيا من / أوعن مشهد الشعر العربي والعالم لفترات طويلة ولأسباب داخلية أكثر من كونها من خارج المشهد أو محيطه البعيد ونتفهم تلك الأسباب جيدا وبخاصة لجهة تمرد رؤى وتجارب شعراء وشاعرات هذا العمل وخروجهم عن سلطة الأب بالمعنى الشعري والسياسي والأيدلوجي الذي تحول إلى عقيدة أو دجماسياسية تتمنطق بخنجرالإتجاه لكنها تضيق بكل الجهات.. وهو ـ ما أبقى على شعرهم وتجاربهم في النبذ وخلف الستارة.
لذا أكرر إنحيازي للشعر دون غيره نظرا لما تجسده هذه النماذج المختارة كأبهى وأصفى وأجمل ما أمكن ويمكن تقديمه تمثيلا حصريا لقصيدة النثر في اليمن على شاشة هذا العرض البصري الأنطولوجي ليكون في متناول القارىء العربي في الجزائر وغيرها من البلدان العربية.
2
وهكذا تأتي فكرة هذه المختارات :
بعيدا عن "قبلية المعايير" والإرتجال الفارغ الذي يتمثل إملاءاته بعض من يعانون مركب نقص بإسم الشعر والأدب مستهدفين بذلك الإنتقاص وتوهم التقليل من شعرية تجارب حقيقية بعيدة عن"النفاق الثقافي"، تحفرأسماءها وتجاربها بقوة الإرادة الخلاقة وجدارة الموهبة الجادة رغم ما تعترضها من نتوءات جدار الثقافة الرسمي.
3
أنني وأثناء تواصلي في العمل والبحث لإستكمال إعداد هذه الأنطولوجيا كنت وما زلت أصدر من ثقة عميقة بأن هذه التجارب ستصدم وعي كثيرين وبخاصة إذا ما توافرت لمشروع الأنطولوجيات العربية الإستراتيجية المأملة في الصدور والتوزيع بتوسيع مساحة التلقي، وإفادة الباحث العربي بعيدا عن رؤى من يخطئون عادة في مقاصدهم أو يتوهمون في بعض أحكامهم وبخاصة حين لا يرون إلى بلد كاليمن على صعيد الشعر أنه ما زال من "الأطراف" وهذه لازمة تقليدية وثقافة متخلفة أحسب أنها ما زالت تعكس حالا من ثقافة البلى والتقعر في بنية وعي خطابها وماضويتها بينما تنزع إلى الأخذ بمرجعية المركز الواحد أو الرمز الواحد في كل شيء حتى أن الحب هو الآخر في مستوى من مستويات الخطاب في"ثقافتــ" نا ـ العربية لا يكون إلا واحدا وغير متعدد وغالبا ما يكون ـ من طرف واحد ـ ناهيك عن أن الحب في هذه اللازمة ـ وبحكم العادة ـ لا يتم أو يتعين كمعطى مدني أو فن ينتظم طبيعة العلاقات وتمثلات السلوك في الواقع، لأنه ـ أي الحب ـ أو كما يراد له أن يكون بالطبع في حياة العربي ما زال "عيبا" أو"عذابا" حسب الفتوى السائدة في"قاعدة" الوعي وبخاصة حين لا يحيل في مفهومه الجاهز سوى إلى النار والإكتواء و"مرض القلب".. كما يقال.
لذلك لا يوجد جنة للحب العربي ولا حتى لإمكانية حرية تنتصف لكرامة الإنسان بالمواطنة أو"بالحب الحقيقي" كما تقول الأغنية.. وأرى أن أجدى طريقة لفهم الشعرهنا هي أن يُفهم بالإحساس لا بطبيعة الإدراك العقلي... ذلك أن الشعر بطبيعته يعلمنا أن نحب حتى حينما نكره.. والشعر هو رديف الحب والحرية بأكثر من معنى مفتوح على القراءة والتأويل ويحتاج الشعر أن يفهم من خلال الشعر ذاته كفن وتذوق مثله تماما مثل اللوحة أو القطعة الموسيقية العظيمة التي تفتح أفق وعينا على نوافذ الجهات، وتحررغالبا من ضيق الرؤية إلى رحابة المعنى في تكويناته وانسناته مثلما تحتاج اللوحة الفنية "إلى بصر ثاقب لا إلى شرح" كما رأى الفنان الإسباني العالمي بيكاسو.
وهنا أقول بثقة وبكل بساطة أن قصيدة النثر في اليمن عبر هذه المختارات ستشكل ما كان بعيدا أو محلوما به وصار ملموسا تلامسه يد الشغف والعين الباحثة عن اللامألوف أو اللامتوقع كما هي طبيعة الشعر المتحولة في تجدده وحيوية إشتباكه بلغة أثيرية وطرية يغدو بضوئها الشعر قريبا في مرصد القارىء المتذوق أو الشاعر/ المترجم والباحث عن إستكناه وإكتشاف بعضا من ملامح الشعرية الجديدة في اليمن بتنويعاتها المختلفة وفي سياق كهذا أجدني غير ملزم بالضرورة في التعاطي بمعيار الإرضاء أو"الترضيات" والتوافقية السلبية أوالتوفيقية / التلفيقية التي"ينشدها" البعض تجاه أسماء بعينها درأ لفوبيات أومخاوف ما.. لأنني لا أبحث عن أي مبررات لتقديم أسباب لإختياري بإنتقائيته. لكن لا يوجد ما يمنع من الإشارة إلى أن ضيق الوقت لم يكن ليسمح لي بالتوسع أكثر خارج معطى وآلية ما رأيته بجهد ذاتي ودون اللجوء إلى معيارية سلبية أوإقصائية من أي نوع كما قد يتوهم البعض.. بقدر ما أرتأيت النأي ما أمكن عن معيار حقائبية النقد الرسمي الفالت من العقل أوالمقاربة الموضوعية في إدعاء صحة معيايره.
وإذا لينظر من يشاء للأمر من زاوية ما أراد أو يريد في إضمارات وعيه وإن شاء من زاوية وضوح أكثر بإعتبار كون العمل واضحا في إختياراته وتعيينه بتيمة رئيسة هي: قصيدة النثر اليمنية أو / التي تكتب في اليمن لجهة أن الشعر غير قابل للتجغرف أو الترسيم بعلامات النقد الميت أو الحقبي.. إذ جرت العادة أن يتم تعليبه وإضافة مواد أخرى"حافظة" بغاية صيانته من التلف جراء الإفراط في خطاب ذلك النقد الذي أصابه البلى والفقر في بنية الوعي المعرفي، وبخاصة بعد أن صار نقدا يخضع لإبتذال العطاءات والمزايدات التى ترسي عليه بمعيار ثقافة السوق ومضاربات البورصة النقدية بشروط العرض والطلب.. حتى لقد بات النقد في عالمنا العربي يعاني من حالة هزال وإسهال مزمن وعدم تجدد بل جفاف في الإدراك وصدأ في الرؤية وقصر في النظر ولاعمق في الطرح.. وبعدما صار في خطابه يقتصر فحسب على جمع قصاصات من هنا أوهناك لعينات وأنطولوجيات غالبا لا تقدم إقتراحا للشعر كمؤسسة وكفن ومجاوزة / أوإختلاف يلامس فعل التلقي ويؤثث الذائقة في محيطه تأثيثه الوعي بخضرة المعنى وبساطتة وإلتقاطات عالمه وتفاصيله وشعرنتها دون تعقيد أو تنطع وبمعزل عن أي تنظير سطحي وإصطلاحي أو مفهومي فارغ ظلت وما زالت تنتجه عربيا ظلال متشابهة في عماها وعتمتها كما في تلازم نماذج بعينها في الشعر والنقد على السواء والسوء معا .
4
وهنا تجدرالإشارة إلى أن مبادرة كل شاعر وشاعرة على حدة ممن تضمنتهم هذه الأنطولوجيا وإشتغالهم بحب على القصيدة هي التي أمدت تجاربهم بزخم إثبات وجودها رغم الأشواك التي تزعم أنها ورود... ذلك أن هذه التجارب أستطاعت أن تجسد وتجسدن حضورها بروح الشعر والإخلاص له رغم ما لقيه ويلقاه كل شاعر/ ة من تهميش بمعايير الثقافة السياسية والحزبية "الضيقة" فكانت الكتابة رهانا حقيقيا لكسر أنواع الحصار الثقافي والأيدلوجي المغلق على الجديد... وإنطلاقا من "إيمان" أن الشعر لا يحتاج إلى شهادة تسنين من أحد وبأن الشاعر الحقيقي لا يصنعه الناقد.
وما يجسد أغلب من تمثلهم هذه المختارات هو التماهي مع الموقف الجمالي للشاعر/ ة في إتساع الرؤية بلغة القصيدة وشفافية الأداء الشعري وبعذوبة سابحة في وجوداتها والتحليق في فضاء تجريبها وتجاربها منذ ما يقرب من العقدين من السنوات حيث تمخضت وتراكم تعلقها بالكشف والمعاناة التي نفهمها هنا بالمعنى الفني للتجربة لامعاناة المبدع كما يتم تفسيرها بمفهوم سادي ينتظم بنية الوعي التقليدي كما لدى بعض النخب بتمثلات سطح الوعي الأكاديمي على السواء.
غير أن المغامرة الشعرية عبر مجازاتها واستعاراتها ومناطق حرثها الجميل قد غذت وتغذي وعي هذه التجارب بروح السؤال وأفق التأمل والمراجعة والتجديد وبأفق الأمل وتربية الخيال على الخلق وهو ما تعكسه مرايا إشتغالها عبر كتابة اللحظة كمستقبل يتخلق في "حنايا" الأمكنة المفتوحة على خيال الواقع المتخيل وبتقنيات: إن جاز القول / تحيل إلى ميديا شعرية من نوع خاص في كيفية التعاطي أواللعب من خلال اللغة ومدلولها النصي و"تعالقاتها" في بنية الخطاب وتركيباته الشعرية ورذاذ لغته وعلاقتة بواقع ومحيطه المفترض برؤية غيرية لواقع لا يتوقع.. ولا يطرح أسئلة كما لا ينتظر إجابات.
إنها غنائية تبالغ في إصطناع الفرح قدر تناقضها في مديح الموت، وعلاقة الشاعر"الحفار" بالقصيدة ظلت متجددة تنمو وتستضيء في عتمات الآخرين كحالة تشوف وشغف وأسلوب للإختلاف أو طريقة فنية في الحياة وكجزء وهو الأهم أو حالة من إثبات وجود وإقامة في الكتابة ذاتها.
إن جوهر الشعر عند هؤلاء بكل حضوراته ينزوي غالبا في عزلاته الخضراء ليحفر ـ أركيولوجياه الخاصة ـ، وظلت قصيدة النثر اليمنية التي تمثل سؤال الحداثة الوحيد المطروح في اليمن كمعطى تجسده شعرية اللحظة بأفقها وراهنيتها واستشراقها واستغرابها، وحيث الشعرالحقيقي له غابته المستوحشة في غيابه وغياباته الحميمة في حضوره الآسر، كأنما يستعيد الشعر هنا أنفاسه ودهشته بعيدا عن التلوث الثقافي.
إن الشاعر اليمني اليوم يأمل ويعمل بمزيد خبرة وتراكم إحساسه الشعري بمعنى القصيدة وجوهرانية التجربة والحياة ومختبر الفن والوعي بآلية الخيال، وذلك لتعميق وتجسير حضوره الشعري والإنساني وعلاقاته وجهوده الذاتية أو مبادرته التي تمثل جهدا فرديا وأخلاقيا أكثر من كونه جهود مؤسسات أو جهات داخلية تحبط أكثر مما تأخذ "بيد المبدع" أو الأديب.. هذا الشاعر اليوم يقترح عالم مختلف بسؤال القصيدة وعمق رؤاها وروح المبادرة، في حين آلت غير تجربة شابة في اليمن إما الى الرحيل بالمعنى الميتافيزيقي أو بالتواري والإشتغال على كتابة الصمت والغياب: لكن بصمت عميق كما بالهجرة إلى الذات / الداخل والإشتغال على الأمل والعمل بتوسيع نشاطها وتواصلها البعيد المدى وإرسال أعمالها الشعرية أو السردية لغير جهة عربية وأخرى.
ماءٌ في فم العصفور
في هذ االسياق لا أنسى أن أنوه بأسماء شعرية لم يسبق لبعضها النشر رغم حداثة سنها وتجربتها سوى نثارات هنا وهناك، وهذا بالطبع ليس مقياسا لتقييم أداء تحركها الفني وإستبصارها داخل الكتابة بقدر ما يمكن إعتبار مسار نضج وتحول تجربة بعينها من لحظة مكثفة لوجود ما، وإختزال صورة العالم حتى من خلال نص واحد تتوافر فيه بروق الشعر وفنه الذي لا يشيخ.
في حين تمثل الكتابة لدى البعض نصا واحد أو"مخطوطا" يضعه على إستحياء في خزانة الغرفة أوعلى درج مكتب أورف ريح، وحيث يؤثر البعض الآخر أن يبقى على قصاصاته في حاضنة ما بالإشارة إلى تمهيده الأول، وإجمالا هي أصوات تقارب رؤيتها لتفاصيل ما تحسه بعفويات المغامرة الأولى وتجاوراتها كما تقدم نفسها في شكل نصوص مغمورة بماء تجريبها والتوق الجميل في طرح أسئلتها عبر كتابة قصيدة مختلفة بدهشة الكلمات أواللحظة المتفلتة من كل قيد أو إشتراطات حيث تقوم بنشر بعض نتاجها في صحف أو ملاحق أسبوعية قد لا تتوافر غالبا على إنتاج صحافة ثقافية وأدبية بشروطها الفنية كما يفترض أن يتم التثبت منها كمعيار لتقيم مستوى الأداء والمهنية أو إقتراح فكرة ما تستهدف إنتاج ثقافة قيمة، وحينا ترجىء بعض هذه الأسماء خيارها في النشر لتجد طريقة أخرى في إمتاعك بمشافهات مخيالها وتداعياته اللحظية كما بتوهج رذاذات وظلال بعيدة وأنت تصغي إليها بصمت اللحظة... كما تسافر في جهات سمعك بمفرداتها وصورها الأثيرة وما تعكسه مفردات ذاتها من دفق سواقي نصوصها الطائرة بأجنحة الأفق والحلم وبإنغمار ماء قصائدها في ماء ورهافة التكوين...إنها أسماء تحضرني في غيابات كثيرة وتحمل قناديلها بأيدي بصرها في عتمات الطريق وأصوات شعرية مائزة ومبادرة كمحمد العابد الذي جبل من طينة الشعر والصداقة، وزهرة الجمارك، ومحمد محمد العديني برهافاته الأليفة، ومختار الدبعي هذا الشاعرالمسكون "بحالات اللوتس" وبدفء صوته الذي كثيرا ما لامس أسماع الناس عبرالهاتف الثابت من "برج المواصلات العامة" بقوله: يمكنكم المحاولة مرة أخرى.. غير أن الناس ربما لم يفهموا بإحساسهم حتى اللحظة قصيدته تلك... كما أشير أيضا إلى شاعرات مثل نوال جوبري، سماح الشغدري، ليلى إلهان و..غيرهن كحالات شعرية وقدرات تجعل من قصائدهن وتجاربهن القادمة أيقونات بصرية تكشف حجب القاعات الخرساء بالتصفيق... وأذكر بجهود الصديق الشاعر والناقد والراوية علوان الجيلاني هذا المتوزع في أرجائنا بحزنه التهامي الذي يشبه حزن البحر بكلماته وأشيائه وصوره الممتدة شعريا حتى أقاصي الوجع شاعر يتوزع إشتغاله على صوفية القصيدة التفعيلية والقصيدة الجديدة وبين مقارباته أيضا وإستغواره مشهد القصيدة في اليمن إجمالا ما يجعل منه رائيها النقدي بإمتياز... وهو إلى ذلك الشاعر المجرب في إمداء وإتساع رؤى متعددة وإن بقيت أحيانا في ثباتها على مسافة بعيدة من الحسم على صعيد الموقف المستتاب ربما بوصايا النأي عن قصيدة النثر أو بعدم نيته بإستقلالية التجربة في شكل رؤية ناجزة أو بصمة كتاب.
الصديق الشاعر علي جاحز هو الآخر يزاوج بين العمود بشقيه البيتي والتفعيلي كما بتجريب في فضاء القصيدة النثرية الواسع وهو أقرب إلى تذوق ومحاولة حلاوة التفلت من ديوان البيت بأدخنته التي تعمي الحواس غالبا.
بالإضافة إلى"قصائر": يعني قصائد قصيرة، يكتبها الشاعر سلطان عزعزي بإدهاشاته التي نراها تشي بإمكانية تحول الفيلسوف داخله إلى شاعر قصيدة نثر تعكس إختلافها كذلك الشاعر محمد الزراري بشعريته الحاضرة بعمق رؤياته الجديدة في كتاب.
وثم شعراء يأتلق الشعر بحضورهم وصداقتهم : فارس العليّ / إياد الحاج / أوراس الإرياني / نبيل قاسم / محمد العبسي / زكي شمسان / محمد الشلفي / عصام الشيباني / جازم سيف.. وقبلهم جميعا هناك علي دهيس هذا الموله بالتماعات قصائده الطائلة في قصرها والصامتة في تأوهات إنسانها حينما تدفء شتاء بكامله... مثلما أنتظارنا كذلك الشاعر مصطفى الشميري الحاضر في تأملات الأصدقاء ومنادماتهم كوجود حميم يحتوينا... كما الشاعرعبد الرحيم الكسادي الذي نكتشفه مؤخرا بكلمات صمته المؤثر/ عبد الرحيم الواعد والقادم بقوة إلى فضاء الترجمة وبأفق فيزيائي لامتناه... وآخرين في ذاكرة النسيان يحتشدون وفي فضاء الشغف يعملون على تنمية الحرية في شعرهم.. لكن بالطبع دون شعورهم بحرية متطلبة في الواقع شأن غيرهم من الشعراء الحقيقيين إذ يلامسون دفء العراء لا البيت... ذلك أن "الشعراء الرديئون هم من يشعرون بالحرية" كما يقول الفيلسوف الروماني إميل سيوران الذي ـ كان يمقت التكريس حد الغثيان.
وهنا كما في كل الأمكنة تبقى هذه الأسماء وغيرها شواهد لعطاءات شعرية تعد بفتح مغاليق كثيرة وإشراع أكثر من نافذة في شريان الحياة...أسماء كجريان النهر في إمتداده تظل تروِّي بكلماتها ظلالات معتمة... وشموس كلمات تنتظر.
انها تجارب مائية لا أجد من وصف يليق بما تكتبه من إختلاف وإشراق بين حين وآخر سوى القول أنها:
ماءٌ في فم العصفور.
آخرا لا أخيرا
يمكن إعتبار هذا العمل "تقدمةً" وإعدادا / رؤية وتصورا مجرد رأي ـ أو وجهة نظر في الإختيار النوعي لأسماء وتجارب متعينة ضمن ما تم إختياره بجهد مكثف وتواصل كبيرين بعد إشتباك مُضنٍ بعامل الوقت.وعوامل أخرى.
ولقد حاولت قدر تصوري أن أختزل معنى عميقا ومفتوحا على الجهات ونافذة مشرعة بلا جدران أو سقوف لتكون عنوانا لهذه الأنطولوجيا فأرتأيت:"خيالٌ يُبلل اليابسة" كعنوان أصفى، تجسيدا للمختارات بتنويعاتها المختلفة في إتساع معناها ودفء صورها وشفافية الكون في مرآتها كقطرة ماء بحجم العالم ذلك ما رأيته، ولعل يشاركني ذلك أصدقائي من الشعراء والشاعرات كعنوان مفتوح بلا عنوان وأجده بصريا يمثل كتابا خارج الكتاب لقارىء نوعي يرى بمشموم حواسه ويأتلق بشغف عند لمس المجرد وإلتماع برق المجاز في جهاته الصافية ليكتشف ذاته بعمق التوحد في إنتهاك عزلة اللغة ورذاذ الكلمة "الجارحة الجريحة".
كلمة أخرى
هذه هي قصيدة النثر اليمنية بإمتداد تكويناتها الأولى لمحطة التأسيس مرورا بتجليات مرحلة النضج وربيع شعريتها المختلفة مرورا ومرارة برؤيات لحظتها الراهنة، وقد تبلورت الفكرة لدي بحماسة إن لم أقل بصورة شبيهة بمكابرة طفل أو رغبته المصيرية إذ تستدعي البكاء كحتمية لشراء لعبة.. وبضوء ذلك شرعت في تكثيف الجهد والتواصل مع زملائي الشعراء والشاعرات وبخاصة ممن لم أتوافر على بعض أعمالهم وتقصي تجاربهم سواء منهم المقيمين في قرى نائية أو في صنعاء وغيرها من "مدن الضجيج الآسن"... وهكذا يعلم الجميع بأني كنت بإزاء ظرف وقتي طارىء وكان لا بد أن أقول كلمة دون أن أصدر من موقع إدعاء، وما هذا العمل سوى ثمرة كل شعراء المختارات من أصدقائي الذين هي مختاراتهم بالدرجة الأولى وعنوان حرية وأمل يضيئه إبداعهم بطيفه وتنوعه، وببصمته التي تختلف ولا تتشابه.
كما أقدم التحية الكبيرة والخالصة بإسمي وبإسم زملائي في اليمن للجزائر أرضا وإنسانا وحكومة ممثلة بوزارة الثقافة، واثق بكون هذه الأنطولوجيا تبقى تجسيدا وتجسيرا كعنوان محبة ورسالة سلام يحملها الشعر إلى كل العالم من اليمن هذا الحرف الجميل الذي وإن بدا أو نظر إليه في الترتيب الأخير حتى في الأبجدية لكنه الأعمق في بهاء الشعر وفلسفة الحرف وحضارة الكلمة... كما أن طباعة هذه المختارات في سياق أعمال عربية أخرى سبقتها في النشر...إنما يتحقق للشعرية الجديدة في اليمن كفضاء جديد يفتح أمامها فرصا أخرى من الإحتضان والتفاعلية الصادقة بتماساتها وجمال مقاصدها التي جاءت كطموح لحظي استدعاه الإلحاح والمحبة وجمال ومبادرة بلد عظيم كالجزائر أرضا وإنسانا بتمثيل القائمين على فكرة مشروع الإنطولوجيات العربية جمعية البيت للثقافة والفنون بالتنسيق مع وزارة الثقافة بالجزائر كجهة داعمة للنشر ضمن منشوراتها وبرنامجها "الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007"، وبآلية مؤسسية جادة وناشطة لجهات ثقافية وجماعات شعرية مستقلة تتبنى وتعمل بصدق وبلا عقد على مأسسة مشروع كهذا بفن ورؤية وأحلام تتحقق اليوم كفعل ثقافي ولعل لديها كما أرى وأسمع طموحات لإيصال هذه الشعريات إلى إستحقاق فضاء التلقي العالمي عبر إرادة ورغبة مدروسة بعناية ما سنح لها الظرف القريب لترجمة الإنطولوجيات العربية الناجزة بما فيها هذا العمل وذلك في سياق أفق مشروعها الحضاري إلى لغات أخرى، وهو جهد سيمثل بالتأكيد في حال تحقق قيمة كبرى ومنحة عظيمة العطاء من الجزائر بفكرة ومصداقية تستهدف الإنصاف والتعريف بهذه التجارب الطرية بإتساع مخيالها في إمتداد أفق جديد وذائقة مختلفة وفي حدود تلقي بلا حدود أدناه التوثيق الشعري في مساقاته وأمكنته وأنا وجوده وتمرده فنا وإبداعا كما بإقتراحاته الجديدة وإضافاته، كما على صعيد الإبقاء أيضا على صيغة الموقف الجمالي والفني والموقف من الإنسان في الشعر والعالم.. وهي علاقة سؤال أو صيغة إقتراح لوجود حتمي يقترن الشعر في إمتداده الإنساني بنقاء الرؤية وتماسه بحجر التفاصيل والحياة وفي إقترانهما أيضا بشعرية الرغيف والحب والحلم والسلام كرديف للحرية.
وهكذا كان من الصعب عليّ أن خوض مغامرة إشكالية ومعقدة، أقوم من خلالها بلعب دور "العداد" في عملية أشبه ما تكون بالديموغرافية في إحصاء النفوس، والخروج بتقرير تفصيلي يستهدف معاينة إحصائية لملامح الشعر في مشهديته وحالاته.
الجزائر
مساء الثلاثاء/
27 11 2007
***
إبتسام المتوكل
- من مواليد عام 1970.
- ماجستير لغة عربية من جامعة صنعاء.
صدر لها:
- فلأكن صديقة العائلة، شعر.
إلى مولاي بوسلهام (*)
يا رجل العباءة الغامض
المستتر وراء الكرامات والأسرار
لم لا تعلن عن عيون
تسقط من دمعتك
عن موت أبيض كشمع
تضيئه أوجاع من قصدوا البحر الذي يسكن ضريحك
ولم يجدوا اليابسة حتى اللحظة
يا ذا السلهام:
من أين لك كل هذا الحضور
وقد ضيعت اسمك
وذابت حروفه تماما كما ذاب لحمك
بين التراب والماء
والريح والنار
لم يبق منك حرف
ولا ملامح
وحده الرداء أفتداك
برنسك جسّدك
صورة تعلو على الكلام
وظلا على الأرض يعاند الزوال.
سلهامك
صار لك
اسما
ومكانا
وابنا
وضريحا
وبخورا
وأمنيات مكومة على رفوف الفقد
وبسطاء يقلبون قلوبهم
على موقد انتظار
وعدك بكرامات مؤجلة.
سلهامك
يا مولاي
كان المسافة
بين اشتهاء الشمعة
وانطفاء الخلاص.
سلهامك
يا مولاي
صار العلاقة
بين المنية والمنى.
سلهامك
ظل الحضور الغائم المفتت
لعيون لا تسقط من الدمع
لموت لا يشبه الشمع
ولا تضيئه الأوجاع
لبسطاء أحرقوا قلوبهم في ماء الإنتظار.
سلهامك قرر
أخيرا
أن يشبه اليأس
وأن يشتبه على الغرباء.
الماضون في سماء شعثاء
تدري عن أية مرة أطالبك
بتبرير امتناعك عن الكآبة
وأقدم لعينيك احتجاجا
لإحتكارهما ما وعدتني به:
ــ مجرات فائضة الفوضى
ــ سماء مغسولة للتوِّ
ــ غيوما محتجزة في المشرحة.
أنت
عاريا من ربطة العنق
من البهجة الزائلة منهم
أنت
مكسوّا بالقديسة مريم
أظن الملحَ يصلح للإشارة إلينا
ــ نحن الباكين أعلاه ــ
مذ غادرنا أصابعنا
إثر تلويحة ذهول مبكر مُذّاك:
أعتدنا المضي في سماء شعثاء
دون أياد تصفف تلويحاتها
لعابري روح لم تغتسل منذ رمادٍ قديم !!
تتشرد في أزقته العيون
وتبحث أياد عن موطن
ــ لا تملكه ــ
فيه مفترضة:
أن صاهلاً على هذا النحو
وبلا خيّال عليه أن يتقبل الفضوليين
وأن يمنحهم ما شاءوا منه
أن يمنحهم حقاً في عري شموسه
وانفلات أقماره
ورفيف أعضائه
هكذا يعاقب جسد بالغ الوحشة والتأنق
في العادة على كل جسد أن يحاذر
فالآخر مكتظ بفياجراه
مطلق لسراح فظاظته
فليحاذر جسد أن ينفرط رهافه
وليبالغ في الكتمان
حيث الكمائن توجب الستر
وباب اليمن ملغوم بأعصاب المارة
فلا يحتمل جسداً مدججا بأنثاه متضاعفة
لا يتقن المارة
ولا العسكر فك طلاسمها
ولا يأبهون
حيث العفة كالله قابلة للشك فيها
منجرحة من الشرك بها
وأزلية.
***
أحمد الزراعي
- من مواليد العرق بحجة، عام 1969.
- ليسانس / علم إجتماع / جامعة صنعاء .
- دبلوم دراسات عليا باحث في مركز الدراسات والبحوث اليمني.
- عضو إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين والعرب.
صدر له:
نيويورك طائر دونما أرض
ما كنت أدري أن خطواتي
وأنا أعدو في هذه الأرض الهرمة
تخلف وراءها في كل خطوة غابة
وامرأة تحمل كل ألق الزنبق
في سريرها المتناغم
في سريرها المتناغم
بإحتضار شلالات الأرض
وإنكفاء الغابات إلى سلالاتها المندثرة
في رائحة الجذور.
أيتها الأم أحصد لذة الفتك
بإجاص متهالك في عين الكون
تستيقظ الجهات دون مركز للبوصلة
ويحوم طائر الدراج الذهبي دونما أرض.
لعلها اللغات فتكت بناطقيها
حيث إندثار الآلهة يتمرأى في زوال
الأبنوس المتجعد في جثة الغابة
المهشمة
في أعضاء العطر المندثرة.
…
يذهب اليقين في فتك الشك
كما تذهب
الأبدية إلى حلمها بعد زوال الأشياء
لعلة حلم الأبدية المتربص بفقاعة الوقت
وإندثار موسيقى النيندرتالي المتأبط
عناء بصيرته
إذ يحاول الموت في فرادته.
…
أي يقين
وأي شك
هذه عشبة تخرج عن ساعتها السويسرية
هادية في أحافير النار.
…
أبكي على نيويورك لأني أتهدم
في أخر الأرض
ديك النار يصيح في أعماق البحار
لأن ملكة كونية فقدت الألق الكافي
في الهيروين
العالم دون أمريكا بلا مكتبة
الكون دون نيويورك بلا مدينة
أعطوني شاعراً مثل (والت ويتمان) ولتذهب
كل رؤوس أباطرتكم إلى قمامة الكون
أعطوني جسد مارلين مونرو
المحشو بخضرة الأرض
ولتذهب كل نسائكم إلى الجحيم.
…
جهات تمحي
في الكونكريت الباهت
لحجارة منحوتة في الموسيقى
الدهر ربيع يشيخ في حجر الظلام
ماعز يقضم الجنة
في ورقة خضراء
والريح يد عاشق تهز لحم البعيد
وتسكن آجر الجبل
الريح يدي تذهب تذهب
إلى حسرتها في طين أرض
ـ كانت هنا ـ
سأذهب في جرح النمر
سأعد وليمة لفجر العالم
وأتوج ديك الهباء
كي ينشد المزامير
في كهف العالم
لعل صوته يخلق سعادة الأرجوان.
…
سأبني الخراب على حافة الهاوية
وأقلب اللغة على أريكة
الميتافيزيقيا
ثم أدل العالم على خراب
المستقبل
في أجنحة الذبابة.
فتك الضوء بنافذتي
وأنسكب الغروب
في صبا العين.
رمشت عيناي سلالة جيادها
النادرة
إلى ذروة الجبل
الزاعق على البحر
ثمة شمس تغرب في ظلام أصابعي
حشاشون بكل اللغات
يصعدون من لفافة تبغي
إلى إرث النجمة.
رأيت سيف بن ذي يزن
يرتدي بلاده
يسلم الطوطم مفتاح الملكة
والموسيقى تصاعد خاشعة
تشبه أخر غروب أرضي
تهدمت الفراشة
في طفولة الأرض
في ثقل تنوء به الوردة
تكدست أحلام الزهرة المهملة
على أجنحة العصفور
الفراشة حطت
فأنكسرت صخرة العالم
طارت الفراشة
فتجعدت أعماق الوردة.
أنا المتهدم في حطب السلالة
أعظ ذاكرة الجينيوم النائم
في عين طائر الشقراق البابلي القتيل
أتعكز على شمس هرمة
في ظلام الكيمياء
دونما جهات أعلق
عنقود خراب
في شجب الحرب
أدندن نيويورك
تحترق وأنا سأتهدم
في أخر الأرض.
أبو الطيب المتنبي
نايات عراقية
حشوت الليل في الإبريق
ثم توضأت بجمال الفراغ
الفراغ لم يكتمل تماماً.
عيناي المثقلتان بأشياء
تنسكب في العراق
لنينوى المتجعدة في سلالة القطرات
سلالة ما يشيّب حين تتأمل اليوم العاشر
وجوه الطغاة الزاعقة
على الخيول
والنار
وكثبان الرمل
لأنه البكاء التحديق في خبايا الفرات
تتأمل الكنوز المجهولة لبابل الرايات
والأباطرة والحروب الباذ خة
أعشاش حضارات في سعف النخيل
طيور بابل المزهوة
تطير أبعد من العماء.
كلما تفََتَََحت وردة في بساتين أشور
تلد الأرض الراجفة / لحمها
جرحها الغائر
شاعرها وخماراتها المهدمة
لكأن العدم يبيض إختلافه
في حدائق بابل المنقوعة
في خرائب المزامير
والطعنات المحفورة
ببهاء قلوب القد يسين.
مرة كنت في الكوفة
أهتف بأصابعي
أن تفهم نقوش الطين الغابرة
أتأمل خطوات "الإمام علي"
أستغور إرتجاف الأرض
في خطواته الحنونة
أتأمل الحقول الخضراء
كلما ألتفت إلى الأفق.
كنت أرقب حمامة ترجف في حافة قلبي
الآن قيامة حمام تندلق.
قلبي
حمامتان تطيران ليلاً
على نخيل العراق
عيناي عشان من الحصى
في أعماق الفرات.
أرض السواد المثقلة برهافة النخيل
ولمعان الحروب الباذخة
زئير الأسود الذهبية المطمورة
في الأنهار
ارتجاف نخيل الفرات
الشباك الحزينة في مياه دجلة
العراقي الزاعق على الأزمنة
كي يرد بابل إلى الآلهة
الشغوف بالأحصنة والأساطير
العراقي الثمل بيقين العشق
جف الفرات ولم يزل سكراناً
بتأوهات العشاق وخوذات الجند
شظايا رأس أبي الطيب المتنبي
تناسل الجثث المحفورة بالدبابير
الرايات مشدوخة
في بهاء النخيل
ثمة أبدية في عينيه المسكونتين
بتجعدات الغيوب والصواعق الغامضة
الحكمة تؤجل ندوبها الغائرة.
رأى المتنبي الكأس ممتلئةً
بخواء الأباطرة
الكأس المندلقة في شقوق العدم الواسعة
وحده المتنبي
حكيم العدم اللامع
رأى الأرض لمرة واحدة في لمعان سيفه
رأى شيخوخة التواريخ
رأى المصائر المحدودبة
على حواف الفرات
لم يكن المتنبي سلالة ريح فحسب
ولا المخمور الوحيد
بطفولة البروق على نهر الخابور
ولا اليماني الوحيد المدفون
في فلوات بابل.
ولا الرأس المنذور لحزن الملكات
وكمائن الرمل.
أبو الطيب المتنبي
لمرة واحدة
رأى البهاء المخزون في جبلة البروق
رأى السحاب النائم في الدم
رأى الأرض تندثر في نظراته
رأى أحصنة تطير على تخوم العراق
رأى الأنهار تجف في أصابعه العطشى
رأى الزوال يكر وحيداً
ورأى عينيه عشان
من الحصى
في أعماق الفرات.
أوابد العين
لَمعاني المبهج
رافقني في الظلال
الظلال المعتمة بطحالب
ضاجة الفراشات
في مساراتها المسكونة
بحنين الأزهار
حيث العصافير ترقب انسياباتها
تحرث الهواء
فاتحة أوابد العين
أوابد الماء على مكابدة أشياء
متواشجة الشجى
عين الطائر ترى جرح الفراشة
لكن وحدها الفراشة ترى
جرح الشاعر
وحده الشاعر
يرى قوس حياته المشدودة
إلى العدم .
أنام حتى تنكسر شوكة السه
نومي يغادر المنزل كل حلم
يعد الخطى المبعثرة في ظلال الأشجار
يقتفي لمعان الوحشة
نومي يمشي وحيداً تحت نعاس
الأشجار.
أرى صحوي متقداً
يشعل في البروق
شرارة السر
يتأبد البحر فقاعة في
عين
قدّيس
ميّت.
أرى النيازك توسوس قشرة
الكون
بمباهج
منسيه.
أرى نمر المجرّات يدخل
حديقة
اليأس .
ألمس بإشفاق طراوة الماضي
تعلق حشرة البراكين بخرائب يدي
حيث تفتح دهشتها صهاريج
هائلة لظمأ الخراب
أفتح بوابات شاسعة
لثيران المخيلة كي ترعى
عشب النجوم
أفتح ثقباً لخمرة البرق
حتى يتفصد عرق روحي شموساً
باحثاً عن نسور عاد
في سراديب سرية .
بعين هانيبال الوحيدة
أتلمس الجهات المعتمة
أغلق بوابة الموت على أحافير الأحلام
وأحل ملابس الكاهنة
أغطي ضوءها
بأغصان شجرة الطلاسم
أسجل طرد بريد
للسيد آدم
شاكراً له تفاهاتهِ
على أية حال
أقطّر بهجتي في قارورة العدم
أحمل جرة اليأس حتى تصل
جثتي المنقوعة
بالعواصف ودود الخراب
إلى أعماق الموت النووي
لكن هل تستطيع وردة الأبدية
حمل جثتي المحاطة بالفراشات ؟.
***
أحمد السلامي
- من مواليد ريف محافظة صنعاء، عام 1972.
- عمل في إدارة تحرير عدد من المطبوعات اليمنية الثقافية.
- يعمل مشرفا للقسم الثقافي بصحيفة: رأي اليمنية، وموقع: رأي نيوز.
- عضو إتحاد كتاب الإنترنت العرب.
- عضو إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
- سفير الشعر اليمني لدى حركة شعراء العالم.
- مؤسس ورئيس تحرير موقع عناوين ثقافية: www.anaweeen.net
صدر له:
- حياة بلا باب، شعر.
- إرتباك الغريب، شعر، مركز عبادي للدراسات، صنعاء.
- دون أن ينتبه لذلك أحد، شعر، مركز عبادي للدراسات صنعاء، 2006 .
- الكتابة الجديدة، هوامش نقدية على المشهد الإبداعي التسعيني في اليمن، مركز عبادي للدراسات، صنعاء، 2003.
خطأ في العنوان
أحياناً
يفشلُ القدر
في توصيل الأحلام إلى أصحابها
أحياناً
تعجبنا العصافير التي على الشجرة
لهذا السبب
لا يغرد العصفور الذي بين أيدينا.
إحساس
أشم عطر زهرة خفية
فأعرف أنّكَ في البيت
وأنك تبتسم لنفسك
دائماً ينبت ورد
في الفراغ الذي تحدق إليه .
تمويه
نتسلَّى بالكلام
أحياناً بالصمت
نُموِّه رغبتنا بالبقاء معاً .
ارتياب
أُحدثكِ كثيراً عن نفسك
نفسكِ التي تجهلينها
فراشة مجنونة تطيرين من رجل لآخر
بلا هدف سوى رسم ابتسامة غريبة
أحدثكِ عن نفسي
نفسي التي أجهلها
طائرٌ يرتاب كل الأغصان
أَجلسُ معكِ وفي يدي كلمة
أضعها أمامكِ على الطاولة
فتطير.
لحظات
هذا الكوب من الشاي
أتعبني كثيراً
شيءٌ ما ينقصه
أضفتُ له الكثير من السُّكَّر
الكثيرُ من الرغبةِ
وثمة شيء ينقصه
أضفت له قليلاً من لحظاتي معكِ
فكدتُ أرتشفُ الكون معه.
شاعر
هاتفك مقطوع
إذن
أنت شاعر
مثل علي الشاهري*
حين يسبح في دم الحاجة والديون
لكنه يكتب قصيدة عن لينا
أو يحكي عن تورطه في مصادقة لصوص البنك
وهو الذي ينام حافياً حتى من وطن .
زوجتك غاضبة
أنت شاعر
مثل علي الشاهري
لم يتزوج
لكنه يدلل (كلوديا شيفر)
يبتسم لنساء الفضائيات
ويقترح عليهن الصداقة.
أنت شاعر
إذن أنت مثله تماماً
تُربِّي لقصيدتك طفلة فقيرة
تُهَيئُّ شفاهها للقبلة
تُعلِّمُ نهديها جُرأة النفور
تعدها بأسنان جديدة لأصابعك
وترشي حضورها ببرتقالتين
وبقصيدة مُستقبلية عن دفء العناق
وشبق البوسة الطويلة .
أنت أيضا مثله
تُعَرِّضُ نفسك ـ دون أن تقصد ـ لحوادث السير
كأن تقف وسط الشارع
تُفكرُ في حدود الكون لبرهة
ثم تقفز في اللحظة الحرجة إلى الرصيف
وتبدأ بالحديث عن محاولة فاشلة لصهرك بالإسفلت .
أنت مثله حين تسافر مع خيال امرأة
وتحجز لها غرفة في الفندق
حين ترثي بوذا
حين تبحث عن قبور الشعراء
حين تكتشف عرساً في السماء
حين (يبكي قلبك إذا مازحته عيون النساء)
وحين تموت وفي رأسك قصيدة
لن يكتبها أحد.
شذرات
من أجل إيقاف اللعب
أريد أن أكتب ـ فقط ـ
من زاوية الشعور الشخصي بالأشياء .
ليست الموسيقى موجودة بذاتها
إنها مجرد صدى
لما تعزفه أرواحنا .
الطموحات
الأحلام
الأوهام
إنها الحياة
تعرف جيداً كيف تلهو بنا
تعطينا نفس اللُّعب
التي أعطتها لغيرنا من قبل
والمشكلة أن لا قابلية عند أحد
لرفض هذه المهزلة والصراخ في وجه الحياة
لا من أجل طلب ألعاب جديدة
بل من أجل إيقاف اللَّعِب ذاته .
مهما بدت الديكورات جميلة فإنها من جميع الزوايا
تكشف عن مراحل التلفيق التي مرت بها .
أن تُسمي شيئاً فذلك يعني أن تزيف الشيء ذاته:
كل إسم زيف لشيء ما .
الحاجة نقيصة تنشغل باختراع الكمال.
كل بداية ينبغي أن تملك الرغبة في تجاوز ذاتها فقط .
أحياناً نتجاهل كل الإخفاقات التي مررنا بها
نُخطط لمعركة الغد
وفي اللاشعور
نهيء أنفسنا لهزائم متوقعة .
كل جدار يحلم بانفتاح باب مكتوم في صدره .
يُحلّقُ الشاعر وحيداً في شروده
وحين يتأمل بلاط الساحة
تحت قدميه يتساءل:
هل رصفوا السماء تحتي بالبلاط ؟
(الحياة بحاجة إلى من يصرخ من أجلها لكي.. تكون).
***
جميل حاجب
- من مواليد دار الجبل بقرية الشمايتين، عام 1969.
- عضو إتحاد الأدباء اليمنيين.
صدر له:
- أعالي، شعر.
- لو يأتي، شعر.
بلا قناع
كم من امرأة
شدتني من أعماقي
بنظرة شبقة
ونهدين متحفزين
وعجيزة مثيرة للجدل
ثم مضت هكذا
من غير أن تترك عطرها
يفوح
في طريقي المسدود بالعثرات
مع ذلك
لا شيء يحل محل الفقدان
الأصدقاء
في انشغالهم المعتاد
بتوفير القوت الجاف
وحاجيات الكيف
الكيف بسقفه الهابط
عادة
هل يفضي بي
إلى خيط
أمسك به
لأصل.
أنا المنحدر من رنين بعيد
أجلس في ألفة غائمة حتى هلال العيد
أضع يدي في جيبي
علني أسد الفراغ
الذي خلفته المدينة القاحلة
من أي لمعان
لكن يدي التي لا تحسن المجاملة
تفلت منها الفرص الثمينة
لهذا أقول
كم محظوظة هي اليد
اليد المتحركة
اليد المتحركة خلف الستار
إذ تؤول صمتي جمراً يتقد
كلامي غواية
تتحسس في الصحو الملتبس
أن يعبر سماء الحرف
ولو بالصدفة
تخرج الحرب للعلن
تنتزع مني الهدوء القليل
لتبقيني شاغراً
ريثما يأتي يوم آخر
فيذكرني بمبادراتي المؤجلة
وبالمقالب ـ أيضاً
المقالب التي أحيكها بإتقان بالغ
ولا يسقط فيها أحد
تغرق في ضحك لزج
إذاً أنا فعلاً
لا أضع على وجهي قناعاً
رغم أني من أعوام تالفة
منفي في قريتي
وثمل بقداسة الأجداد .
ربما التمعت السنون
ماذا لو أن المدينة
خفقت بالعزلة ؟
هل يغدو بنا الشعر
إلى باب
إزدحمت فيه السنون
التي ربما التمعت
كعري.
ماذا لو أن المدينة
خفقت بالعزلة ؟
هل يغدو بنا الشعر
إلى باب ٍ؟.
إني أتودد للرغبة تنقسم
نصفين
نصف تملأه العيون المفتوحة
على صباحات ٍ ضيقةٍ
وآخر لا يبلغ اللمعان
وللربابة تصدح
ساعة إحتفالنا
بالرمل المخبأ
في الأصابع.
***
سوسن العريقي
- من مواليد عدن، عام 1976.
- مديرة تحرير موقع: عناوين ثقافية.
- مراسلة مجلة: شعريات فصلية تصدر عن دار العنوان بقبرص.
- عضو إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
صدر لها:
موت قليل
كيف لموتي
أن يستطيل على الشفاه
مبعثرا في الهواء فقاعات الخلود.
أية ذكرى
ستحملني على رفاتها..؟
جنوني متدفق كماءٍ
لا يعرف ألحانه
لكني لا أرتكن
إلاّ لصمت ٍ
يغرسني في دمائه.
الدماء التي من أجلها
أموت قليلاً
فتتراكم برودتي في جثة ٍ
لا تحمل حتى جوازا للرحيل.
المساء
عاجز عن لملمة هذيانه
والموت لا يفسح لي طريقاً
للعبور .
أبوابٌ كثيرةٌ
تسكب رعبها في انكماشي
وأنا مطفأة
كمقب ٍ
تضج برائحة البرد .!
مانيكان
سأحاول أن أكون وحدي
أستمتع بذاتي
أغني أغاني الطفولة لنفسي
ومن داخلي أضحك
وأنا أدّعي
أن هذا الكون
صغيرٌ مثلي.
سأردِمُ شقوق الجدران
بمسراتي
وأنفتحُ على نفسي كوّةً
لا تحمل إلاّ الضوء.
وحين يفاجئني الحزن
سأمتطي حصانه
وأمضي إلى حيث يتوجني
غصةً على حافة البحر
تتجدد بالشهقات.
هكذا سأمارس حياتي
بحرية مفرطة
لا أستطيع أن أنفصل عن نفسي
وأدّعي أن جنوني
سيخلو من رائحة البكاء.
لكني معك
سأغادرني قليلاً
وأبتهجُ كمانيكان
تلونت بالصمت
وحفرت على وجهها العاجي
ابتسامةً أبدية
ظننت أنني قد نجوت.
فلاش
كالحلم تأتي
كسحابةٍ متعطشة
كبرقٍ يلتقطُ صوراً
ويستلذُّ
بطعم الذكريات.
رتابة
وجهكَ يورق
سطراً
سطراً
فأظلُّ
أبحث
فيه
عن هامش.
سر
أفتش حقائبي الملونة
لإستعادة
الفرح المنسي
الفرح
الذي خبأته
ذات رعشة
في مرآتي الصغيرة.
تسلية
شغلت وقتك بي
شغلت
وقت
فراغك
بي.
وحين أمتلأتُ بك
بحثتَ عن إمتلاءٍ آخر
وهويتُ
أنا
في
الفراغ.
إنفلونزا
هناك
في الزحام
حيث تقف
عند بائع الدجاج
ستنظر إلى قفص فارغ.
.........................
فجأة
ستنفض عنك الريش
وحلماً
كان يراودك
بالطيران.
بدائل
حين لا تسمعني
حين لا تنتبه إلى ما أقول
حين ترد بنعم
والإجابة لا تستدعي الموافقة
عندها أشعر بالوحدة
وترتد الكلمات إلى جوفي
متناثرة
باردة
حينها فقط
تنفتح لي
آذان كثيرة
في الجدران.
سياسة
حين ترغب النار
أن تتعطر بالورد
تغازل الفراشة.
تعليب
الآن
وقد خرجت من العلبة
ظننت أنني
قد نجوت
لكنني اكتشفت
في آخر الأمر
أنني ما زلت بحاجة ملحة
للمواد الحافظة.
***
طه الجند
- من مواليد قرية الجند بوصاب العالي، عام 1964.
- يعمل في مجال التربية والتعليم .
صدر له:
- زمن الجراد، شعر.
- أشياء لا تخصكم، شعر.
- رجل في الخارج يقول أنه أنا، شعر.
منابر
لامعة ٌ
كأحذيتهم
حين نتوجس من المستقبل
يبتسمون بتملص
ويُهرعون إلى المصارف
لِلإطمئنان على قضيتهم التنويرية.
لا أخفِي عليك
كثيرا ما حاولتُ أن أكون وغداً
صحيح أنني لم أوفق
ولم أشارك في معارك الدفاع.
لكنني بطلٌ
بطلٌ رغما عنهم
الأوسمة فقط للجبناء
وغبار القطيع.
ماذا يمكن لِغبي أن يعملَ في الليل المتأخر
كل شيء مُنصت
اللوامع الناعسة تُغري
وأنا لا أتقن التسلق
ماذا يمكن لغبي أن يعمل
في هذا الليل المتأخر
لماذا لا أحاول الكتابة
فهي لا تحتاج إلى سلالم؟
ِحرفة ٌمُناسبة لعاطل مزمن
بهذا المنطق العبيط.
سحبت ورقا من ظرف أمامي.
القلم يُشبهُ جنديا إسبارطيا ً
قلّبتُ الأمر
هل أكتبُ عن الحرب المعلنة.
أم عن الهزائم المنسية
قبل السطر الأخير؟
وعلى مرأى من الجِد والمواجع
أدركت كم تبدوالفكرة رخوةً
إذاً الشعر نافذة الغياب
وجدار المضطر
قفزة مباغتة فقط
الوقت ينبح في الخارج
وحيدا كمياه الينابيع.
الأصابع تركض في البر
السيول تترقب المطر
لتمضي معه إلى البحر
وأنا كعجل ٍصغير يحركُ ذيلهُ بتعجب
وينصت لما يجري بإنبهار
سريعا تغيم المسالك
وتقفزالروح هكذا
عُدتُ منهكا ً
أنظرُ إلى القلم بإشفاق
وألقيتُ بالورق
ها أنا أحملق في السقف ِ
خشب الصالة سبعٌ لاغير
خمسة أبواب ٍبالتمام كفروج البهائم
عداد الكهرباء مُثبتٌ على الجدار
تذكرتُ حين أعطاني أحدهم كرتا
به ألقاب وأرقام
دونت له بالمقابل رقم العداد
شخص مهم ولامع
كان لابد أن أتصرف معه بلياقة
على كل حال المطبخ هناك
في الجهة المائلة
لا أيها الصديق
لا أحب مفاجآتك المُغرية
أمضي إلى الداخل
لرصد الحالة عن قرب
أتحسس في الركن
كيس الدقيق:
لا يزال مكابرا رغم الغارات
كومة ٌصغيرة ٌمن البطاطا
إلى جوارها بعض البصل
الغاز واحدة
الأخرى فارغة
الحليب :
نهاية الشهر سأشتري علبة كاملة
الموقف لا بأس
بالإمكان أن أنام
الآن.
***
عبد الوكيل السروري
- من مواليد عام 1963.
- يعمل في مجال التعليم.
طائر الحبار
عارٍ من الكتابة
يزوغ في كهف المعنى
كلما هرش زغنه بحكمة الشمس
نهاره يبدو كلقيط حاذق
يشلح بين يديه وسخ العالم
لا يتطلع إلى فاكهة في الوجوه
كما لا يتوسم في العابر
ممحاة بؤسه
ولا حتى في مجرد صديق قديم
يهش عنه الضجر
تماما مثل طائر الحبار
يرتقي خوفه
متى أشرعت جناحاه بصفع
وجه الحيرة
يثقب بمنقاره جماجم
مفقوءة العينين
رصعتها الأنفاس بألق خفيف
سال من لعاب البرابرة
الخرائب تملؤنا
لا تجهد العصافير بالغناء
ولا الممالك بالعزاء
هناك فضاء آخر
يركض فيه الجنون
يوازي عربة العدم
داخل الأشياء.
كانت العتمة
الكلام تحرك في الماء
قبل أن أحبها
كانت العتمة
قبل أن أسند رأسي إلى روحها
كنت بلا قلب
قبل أن أخلق الصورة
قذفت بي إلى المرآة
قبل أن أحصد الطين
وأطبخ الفراغ
قبل أن أعد الفقراء
بيد خالية قبل وقبل وقبل.
قالت :
هنيئا لنا
نحن الذين جاؤوا من شجرة الغريب
هبطنا سويا
على موائد ليل وحرب
نحن الذين قسنا أكتافنا بجلود الثعابين
نغرق بدون آبائنا الخشبيين
لدينا زوارق قضمتها الديدان
وأمنيات زرقاء في الأعياد المستعملة
أيتها البنت:
الأيام القادمة رخيصة مثل سجائر "المونتانا"
لن يكون لديك وقت للتسوق
وتبديل الأهل في دكاكين الخردة
ترتدين تنورة "الميني جيب"
لشتاء لا يعرف الأقمشة الملونة
ولا القصائد الإسمنتية
بيتنا بارد للغاية
فهل لك أن تشتري عزلتي
أو أؤوجركِ قلبي قبل أن ينام ؟!
حاولي إسكات طفلكِ
فالحرب أزعجت أمنا الأرض
وأكلت إخوتنا القطط
ألسنتنا ـ أيضا ـ أكلتها الضفادع
والكلام تحرك في الماء
القميص لا يكذب
قددته أنتِ
رتقي ما هتكت يداك
من البلاغة في شقوق العبارات
تعلمي الحياة من القواميس إن أمكن
البكاء لا يعني أنك قابلة للمحو
أوأنك طاهية جيدة
قلاقتك تبدو فاترة
مثل نهار فارغ
تلعكين اللبان مع "زرياب"
وتقرئين النجوم مع
لوركا
بيضون
قاسم حداد
بورخيس
أدونيس
كل هؤلاء الأصدقاء عاطلون تماما
تركنا لهم حرية التسكع داخل رؤوسنا
لمجرد الوعود
فقط الوعود
بنبيذ ما زال يختمر
في جرارهم اللعينة!
أمي:
هل أنت جاهزة يا أمي
حبيبتي لا تزال ضيقة على جسدي
وألبستي أتلفتها الحروب
تعرفين يا أمي :
الخريف سائس حرب
وشجرة السيسبان أعتقلها
بوليس الآداب
أما أنت:
لن تتفهمي عمرا
صار شرخا في زجاجة أيام
فلماذا تحتملين البكاء بغيري
مع أني لم أقل أنك حبيبتي
لن أبيع أقمشتك للشمس
لقد نسيت ليلك وخيانة النوافذ
نسيت نجمة صادرها البدو
نسيت عطرك يعبث بقلبي
نسيت التعب
ولسانك تمددت في فمي
نسيت أيضا أننا نساؤون.
لا شيء يمكنني فعله الآن
فقط أفردي ماءك ِ
علني أسلك القميص
أو فجري غضبك البائت في رأسي
أمضي.
ووقتي هو الآخر يمضي
كأنما نحن قطعان
تذروها رياح في عتمة الجهات
أنا محض جسد غالبا ما يرحل عني
وهذه ليست لغتي
حياتي ليست سوى بدل فاقد
الحرب ليست سيئة يا أمي
نحن فقط من يرى ذلك
فهي لاتنجب أطفالا مزعجين
أنظري :
هذه ديارك
لا شيء فيها عاد كما كان
لقد خذلتني حبيبتي
فلا صوت يمكنه النواح عليّ
عدا صهيل خيل تعلق بالضياح
تركت الحرب صداعه في رأسي
وأغلقت عليّ جراحها
من يعينني على البكاء
إن لم تكوني أنت ِ؟
كما كنت تفعلين
إغسلي روحي بصوتك العذب
لتكن آخر مرة أحن إليك بهذه الغزارة
حتى لا تلعنني حبيبتي
وهي تنجز طفلنا من رجل آخر
ليس هذا ما أعني تماما
حيث يكون الحب سهلا
غالبا ما يكون هناك رجل وامرأة
ينهمران من الألم
على ليل ٍ مجنون
أبعد من هذا الفصل
ينغرز صوتك في ظهري
كرري الطعنة مرة أخرى
لن تكون هناك مشكلة
أكبر من حالة قلب تعلق بالظهيرة
لن يكون هناك أصدقاء
نلعنهم بدواع مبررة
أو أب له رائحة الصلب
أبعد من هذه السكين
يسلخني وهم أنك حبيبتي
أنت أبعد من قرانا البعيدة
أخزتنا من الذئبة أرضعوك الفرائس
لن تكون هناك مشكلة
لك أن ترحلي
وتتركي شتائمك على سريري
ليس لدي ما أفقده الآن
فقط تذكري:
أن طعنة واحدة لا تكفي لنسيان
تذكري
أن قبلة واحدة لا تكفي لإعلان حرب
الحرب دخلت غرفتي
لم أعد أحب التاريخ
يمضي بي إلى كهوف سحيقات
التاريخ يكذب دائما
علمك تخونين الحزن
وتذبحين الماء
لم أعد أثق بالمدرس
يهرش رأسي بالطباشير الملونة
أعيدي لي قميصي
وخذي حذاءك ِ
قدمي أتعبها الركض
خلف غزالاتك الجبليات
الحرب دخلت غرفتي
والأطفال يحلمون بصباحاتهم
ماذا لو أن السقف خانني مثلك
وقبلّهم
ربما أكتملت السعادة حينها
آخر ما لدي قصيدتك أيتها الحرب
وأزيز حبيبتي
داخل جمجمتي!!!.
***
عمار النجار
- من مواليد عام 1977.
- بكالريوس علم إجتماع.
- يعمل حاليا رئيسا لمؤسسة الشرق الثقافية.
صدر له:
عيون النوارس
قبـل المرفـأ
ترسو السفن فى عين النورس.
لا يخلو العالم من منتظـِـر.
لكن النورس كان قد أغمض عينيه
وإلى الأبد
حين جاءت قنينه طافيه
من الضفة الأخرى للمحيط
وفيهـا
عين نورس آخر.
رهــــان
يتراهن حطابـان
يخسر أحدهما فأسه
فتبتهــج شجــرة.
يتراهن شحاذان
يخسر أحدهما زوجته
فتبتهج الأماسى الباردة.
يتراهن ملكــان
كلاهما يخســر مملكتــه
فتعم البهجـــة.
تتراهن الحياة مع الموت
نخسر متعة الرهــان
وتوارب البهجة نوافذها
المهتـرئة.
الجريمة
حتى الطعنة
ينمو فى حوافهـا العشب
صدقني أيها الموت
لا توجد جريمة كاملة.
تخاصرات الرجل
والصخر
1
الإنسـان الأول
ضاجـع حجـراً
فصارت امرأة
واليوم
أضاجع امرأة
فتصـير حجـرا.
2
أتبنى صخـرة
ولا
أصحو إلا في
حضنهـا.
3
اليد أكثـر من شاغرة
المسـاء أوحش من عـدم
الصخرة طريق
وحيــــــد
الى عوالـم
لدنــة.
4
أصيــر ذئبــاً
فتكتمـل آدميتى
فهل أتحجـر
لأصيــــر
حركةً
مطلقة.
5
هذه الصخـرة الكبيرة
التى يسمونهـا رأسي
تتلون بأوجاع باهتة
أدق بها
جدار الأبدية الرخو
فيتكسـر الجدار
وتسيل رأسي.
6
أضاجع صخرة
من جديد
الصخرة التى تنبت
في حافتهـا
عشبة رمادية
بعد وهلة
ذلك الرمـاد
هـو أنـــــــا.
7
على هذا القلب
تفتتت كل صخـور العالم
أما صخرة القلب
فلم تتفتت
إلا على الخيط
الواهى
للإبتسامة الشاحبة
لميت.
8
أنقش قصيدة ما
على صخرةٍ سوداء
بعد مليون عام
رعـشة ما
تَـنُـد عن صخـرة
مجهولة.
9
أمشى على الصخر
أسكن داخل الصخـر
أحلم بالصخور
وسيكون تابوتي
صخرة ملسـاء
كيف لي أن أرى
أبعـد من اليباس .
10
مرة تدحرجت
صخرة كبيرة
وسحقت المدينة
لعلهم حزنوا على الأجساد
المسحوقة
لكن أحداً لا يدري
أن الدم الذي يلطخ الصخرة
من نزيف جراحها
الدفينة.
11
عبثاً أحاول التصخـر
كلما خشيت مصيرى
الداكن
هتَفتْ فيّ صخرة:
لا تهدّم جدران الوقـت.
12
كـان الإنسـان صخـراً
وسيعــود صخـراً
ثم يدركه السرمـــد
ثم لا يدركه شـيء.
***
علي المُقرِي
- من مواليد حمرة بتعز، عام 1966.
- يعمل في الصحافة الثقافية.
صدر له:
- نافذة للجسد، شعر.
- ترميمات، شعر، ط 1 الهيئة العامة للكتاب، 1999.، ط 2 وزارة الثقافة صنعاء، 2004.
- يحدث في النّسيان، شعر، اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ومركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء 2003.
- الخمر والنبيذ في الإسلام، دراسات، دار رياض الريس، بيروت، 2007.
الأيّام الصعبة
ظننَّا الحياةَ سهلة،
إذ رافقنا كارل ماركس
لسنوات طويلة
كان يشدُّنا
منذ طلوع الفجر حتى هبوط النَّوم
إلى ثورات
وانتفاضاتٍ
ومظاهراتٍ
تُزيح السِّتارَعن بهجة الحياة
إلى أبدِ الأبد.
كانت أيّاماً سهلة
أن نصحو مع (مارسيل خليفة) نُغنِّي:
(منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفّي قصفة زيتون
وعلى كتفي نعشي)
أو ننهضُ مع شمس (فيروز):
(طلعت يا محلى نورها
شمس الشموسة).
كانت أيّاماً فقيرةً وسهلة
فبالرغم أننا لم نكن نؤمنُ
بوجود رب كريمٍ أو بخيل
كان يكفينا لنغالط الفقر
أنْ نغنِّي (سيد درويش):
(ياللي معك المال
برضه الفقير له رب كريم)
كانت أيّاماً سهلة
حتى عندما تراكمت الخيبا،
وصرنا كثيراً ما نمسك الرفيق
كارل ماركس بذقنه الكث
ونعاتبه مثل أيِّ شيخ مسلم (الله المستعان).
بعدها أيضاً
كانت أيّاماً سهلة
ونحن ننتقل إلى السكن مع جان بول سارتر
مجاورين سيمون وكامو
حيث لم نعد نقول
أبداً
صباح الخير
كانت أيّاماً متشحة بالسواد وسهلة
أنتزع فيها ميلان كونديرا منّا الضحكَ
والتباهي بالنسيان
كان الندم يشدّنا من أوّل الصبح
حتى آخر النوم
ذبحنا سنوات العمر على عتبة الندم
ولم يتبقّ لنا أيُّ شيئ لنتباهى به
أو
نندم عليه
صرنا بلا تباهٍ
وبلا ندم
بلا أيِّ شيء.
كم صارت الأيّام صعبة ؟
كأنَّكِ وحدي
ستكتشفين غدا
أنّ الظلَّ الذي كان يتبعكِ
لم يكن ظلَّك بل هو ظلّي
وسأكتشف أنا
أنّ التي كانت تمشي إلى جواره
لم تكن أنتِ
كأنَّني وحدكِ في الترقب
كأنَّكِ وحدي في الغياب
ربَّما في حياةٍ أُخرى
لن نُغلقَ فيها أيّامنا على فزعٍ
أو نفتحها في ارتباك
ستصبح أوهامنا عاريةً منَّا
وحيث أبتعدنا سَنَجِدُنا
حينها
رُبَّما
نبكي
أو نضحك
نندمُ
أو نغنيِّ
....
....
....
ما الفائدة ؟.
بعد الموت
بعد ساعاتٍ قليلةٍ من إعلان موتي
سأُحسُّني مكفَّناً بالبياض
أو مطفأ في حفرة
وكبقية الأموات
سأحاول أن أنتشلني
من هاوية مفزعة
كبقية الأموات
سأحاول أن أصرخ :
أعيدوني من الموت
ولكن
حتى وإن كنتم لا تزالون قريبين مني
سيكون الصوت قد ضاع
والحركة قد بَرُدَت.
حين أكون قد مِتُّ
سأحزن كثيراً
لأني
أنا الذي فكّرت بالإنتحار مراتٍ عديدة
لم أعرف
وأنا حيّ
أن الموت مُوحشٌ
إلى هذا الحد.
حين أكون قد مت
ستظل أيادٍ غير مرئية
تتقاذفني في فراغ مظلم
سأبقى أصرُخُ فيه
إلى حين.
***
عمر بوقاسم
- من مواليد مكة، عام 1969.
- عمل مشرفا على صفحات ثقافية.
- يعمل حاليا كمشرف عام على مجلة: النقل والمواصلات بالسعودية.
صدر له:
- أنقة العبث، كراس شعري.
- ربط حذاه في ماء الميناء ونوع آخر من البشر، شعر، ط1 دار كنوز المعرفة، البحرين 1998، ط2 وزارة الثقافة اليمنية، 2004.
شمس.. بول شاوول
"الشمس
من
جهة
واحدة
الشمس
من
كل الجهات
عارية "
هذا ما قاله بول شاوول.
نظرت
إلى
الشمس
في الصباح
في منتصف النهار
وفي غروبها
صامتا
جلست في المقهى
إلى منتصف الليل.
........
عدت إلى غرفتي
كنت حريصا على أن أكون صامتا
أريد أن أهيئ نفسي لشمس الغد.
ملجأ
الليلة قرأت شعراً
كنت أقرأ لسعدي يوسف
ـ الشاعر الشيوعي ـ
لم أخرج من غرفتي
فضلت الوقوف على
النافذة
أن أكمل قهوتي
كرجل عازب.
تزاحمني دقات الساعة
ثانية
ثانية
أتدبر حنينا كقناع
ألبسهُ
يمنحني ملجأ لأتوارى
عن باقي النوافذ.
يمنحني ما يكفيني من
موسيقى
لقراءة هذا العالم.
تحتاج
إلى
موسيقى
قارئا
ضاحكا
و
موسيقى
و
محاربا
إلى
باكيا
تحتاج.
***
عمرو الارياني
- من مواليد عدن، عام 1973.
- بكالوريوس علم إجتماع.
- عضو إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
- عضو منظمة العفو الدولية.
صدر له:
- محاولة الخروج من منفضة السجائر، شعر.
بانوراما
رجاء صفقوا
صفقوا
ولو
من باب
الأمن.
خبر عاجل
أسقط الحرس الخاص للبيت الأبيض
طائرة تجسسية كانت تحلق
بالقرب من نافذة غرفة نوم بوش الابن.
بعد عشرين عاما
الطائرة التجسسية التي أسقطها
الحرس الخاص للبيت الابيض
والتي كانت تحلق بالقرب من نافذة
غرفة نوم بوش الإبن
كانت حمامة.
الطباخ
عندما أعود من مدرستي ظهرا
كنت أعرف وجبة الغذاء من ثوب أمي
ففي هدبة رائحة (صانونة)
وفي كمه رائحة صيد مقلي
وبخار حليب أخي الأصغر
والآن
وقد كبرت
وصار السياسي طباخا
أضعت ثوب أمي
وأكتفيت بلعق الخنجر.
الغرفة
ما تركناه على السرير
لم تركله الريح
ولم يبدده الصابون
ما تركناه
تكاثر
وأزدحمت به الغرفة.
1
ما أفكر فيه الآن
كيف أفكر؟.
2
من على صدرك
يبدو العالم ضئيلاً.
3
سوى الجنون
لا شيء يحررني من التفاصيل.
4
مع كل يوم يمر
تزداد رغبتي لقطعة سكر.
5
الشفاه نصف غروب
والحديث بحر
وأنا الشط
صبحا ومساءَ
أرسل إليها النوارس
على أجنحتها
قصيدة
أرسل القوارب
على أشرعتها
تحية وقبلة
أقف منتظرا
موجة تسحبها موجة.
6
يداي لا تحسنان التفكير
كاللوح شفتاي
ماذا يمنعني من احتلال هذا الحيز
الصغير ؟
أبدو منفعلا
ربما لأني لم أحلق ذقني
ربما لأني مفلس
أو لأني أخشى (الكاميرا)
أقترب
كي لا أظهر
خذ لها صورة.
7
(رب ِ أجعل هذا البلد آمنا)
آية كُتبت على البوابة الفخمة لمقر أمن عام / عدن
لكني أدعوهُ :
رب ِأجعل هذا البلد آمناً
منهم .
8
قارىء الكف قال:
خط عمرك قصير
ومات.
9
لأن الأحمر هو السائد
الجميع متوقف.
10
ما يؤرقني حقاً
سعال حذائي.
عندما لا أصحو
تسير الأمور على ما يرام.
11
أحتاج إلى مساحة أستطيع فيها التحليق
وزمن للتنفس
لن اذهب إلى العمل اليوم .
المحاولة 10 للخروج من منفضة السجائر
أظل رهن ما يأتي
من الفتحة الواسعة
والعالية لمنفضة سجائر صالة إنتظار
دخان
شهيق
زفير
ثم
لم تقضي عليَّ.
***
عبد الناصر مجلي
- عضو إتحادي الأدباء والكتاب اليمنيين والعرب.
- ناشر ورئيس تحرير صحيفة وموقع: الأمة الأميركية / الأمة نت: www.thenationvoice.net
صدر له :
- ذات مساء ذات راقصة، قصص، 1991.
- سيرة القبيلة، شعر، 1995.
- السيرة الرملية للفتى البحر، شعر، الهيئة العامة للكتاب صنعاء، 1997.
- أشياء خاصة، قص، 1995.
- أنطولوجيا الأدب السعودي الحديث، 2005.
- رجال الثلج، رواية.
- جغرافية الماء، رواية.
عشاء القتلة
يرفعون الأنخاب عالياً ويضحكون
بينما النظرات مسلّطة على ربطات أعناقهم المثيرة للجدل
قال أحدهم:
"إنها قصة طويلة ولا داعي لشرحها الآن"
تناول آخر آلة تصوير وأخذ في التقاط صور تذكارية تؤرخ للحدث.
السيدة التي كانت تعلّق على عنقها عقدا من الألماس قالت أنها سوف
تتزوج بمن تحبّ بعد العشاء مباشرة.
الرجل القصير أمرهم بالصمت لجدية الموقف
وبعد أن عرفوا مهمتهم غادروا المكان.
والعشاء الفخم ينام في أطباق الكريستال الغالية دون أن تلمسه يد.
ذهبوا دون التلذذ بما يُظن بأنه حلال الجاد
وعندما أنتهوا من قتله كانت
تخامرهم رغبة قوية في النوم
أفراداً
ومجموعين.
الرجال نامو بربطات أعناقهم المثيرة للجدل
المرأة بعقدها الألماسي المزيف دون زواج
القصير بأوامره الصارمة لزوم الزعامة
النظارة المتميزون غيظاً لرداءة الصوت
الشاهد الوحيد على المجزرة
الفيلم الذي تحمّض صوره الملونة بجدية لها رائحة اليود
نادلة الحانة آخر الشارع العامر بوحشتها المفتوحة على الذكرى
سكان الحي البعيد في احتفالهم بعيد ميلاد شخص مقتول لا يعرفونه
بطلة السينما ذات يوم المفلسة بعد إصابتها بالإيدز
لاعب الكرة المصاب بفتاق في السرة
الكلب الذي غادره صاحبه ذات محطة ولم يعد
البنت التي تنتظر عشيقها الخائن منذ ألف امرأة
الشرطي الذي وضع دفتر المخالفات
عليه والرشاوى فوق براد المطبخ الذي أهداه إياه رجل حُكم
بالإعدام
عطس الزعيم رغم حرارة الجو.
ناموا جميعاً
ولم يستيقظ منهم أحد.
أول كرستينا
منتصف جورج تاون
مقطع من نص طويل
مر "سياتل" بطيئاً في حبكة المشهد
يتبعه "جاك" السفاح وغمزات "مارلين مونرو"
في "إيداهو" الخصيبة ترك أغنية واحدة
وعلى شواطئ "الميسوري" سفح آخر نهر في عينيه
لم يقتنع "فرانسيس فورد كوبولا "
بسيناريو الزعيم الشبح وصعوده إلى غرفة النسيان
"مارلون براندو" كان حاضراً ببهائه الكريبتوني المفلوج
وكذلك "ريتا هيوارث" المنسية في عشاء القتلة
و"باركنسون" اجاثا كريستي المتخبط الإذناب
"جون. اف. كنيدي" قدم رأسه في "دالاس" لطلقة لم تخطأه
بينما "نيل آرمسترونغ" يمازح نجمٍ بعيد بمفردات أرضية
تدعي حكمة فضائية محكمة الإغلاق.
أدرك "سياتل" ورطته عند جذع آخر سنديانة في ذاكرته ولم ينطق
تقدم "بافلو بيل" مسرعاً إلى نهاية القصة الوثنية الأغاني
تتبعه كمنجات شاحبة الصوت وطبول غزواتٍ لها أعراف الديوك
من جهته كان "كونتا كونتي" في بداية المشوار
للتآخي مع صمم زرد السلاسل ولسع السياط .
لم تغضب كرستينا عندما أوشك "لينكولن" على إتلاف الفيلم
كرستينا سيدة المدونات وصوالين التاريخ "الماهوكونج "
وشمس هيروشيما الساطعة
تدرك من كان يتمطى
على سرير "هيلين" الدموي
فضحته بيضات الأفعى
وما أبقت زانية الضباع لظل "عوليس" البعيد.
كرستينا
لم تكن غاضبة
تلك الجدة أُم الضفائر البيضاء
وهي ترطن في وجه "جون وين "
بلغة سمراء كوجهها السحابة
تخرج منها خيول النهر
وفراشات غابات لم يسمع بها أحد
الجدة التي دفنت قبيلتها وتراً وترا
لم تكن غاضبةً وهي زوجة زعيم الطير الكبير
لم تكن تبكي عندما بصقت بعيداً في الهواء
لم تكن خائفةً وعينيها في عيني النجم الهوليوودي
كانت فقط تشعر بالغثيان .
كرستينا نبيةٌ سكرانة
لها قراصنة إفك أتباع ومجذومي تواريخ
شارة نبؤتها عواء كلب أمهق الفتاوى والأعذار
جنتها سخرة يانصيب وأكاذيب وعود
فراديس هيدروجين نووي ابن حرام وزاني
وجحيمها فيالق كفر مُصدّق التصاوير
ومردة فصاحات حالكة النوايا متجمرة القصاص
لها أجنحة رصاص مستنسخ وضباع سماوات
فمن يدرك سر ضحكتها
وطعم شفتيها المشفـّر
مَنْ
مَنْ
مَنْ..
نسيان مُعلن
إلى الذين يشدون عضدي بخياناتهم الخائفة
أمي
يبدو الأمر مضحكاً قليلاً
فلقد ذهبوا جميعاً
إلى مهرجان المدينة البحر
وبقيت لوحدي بغرفة رخيصة
في فندق شعبي بأطراف مدينة لم تعد تعرفني
لم يذكرني أحد عشية العيد
الذي لي ألف ألف ألف سهم فيه
مجرد شخص منسي ورخيص
ـ طبعاً لكِ أن تحتجي على كلمتي الأخيرة ـ
ذهبوا هبوطاً لا يلوون على ظلي مسفوحاً
على طرقات غيرت أسماءها
أكاد أسمع أصواتهم صادقة كما يظنون
وهم يغنون بإسم البلاد التي لم ترهم
وينضحون عرقاً معطراً لزوم المناسبة
إذاً ما الفرق بين هنا وهناك
إذا كان النسيان واحد
إنني منسيٌ بشكل كاف يدعو إلى الضحك
ذلك الضحك الذي يخرج متماوجاً كأنين طويل
عشية العيد وصبحية العرض لم يكن يهمني سوى سماع صوتك
وأنت تسألينني"ألا زلت وحيداً يا حبيبي"
كلا
لأنني صرت مزحوماً بنسيان لا يهزم
هكذا كنت سأجيبكِ منذ أن تركتني أول مرة
لمخاوف صُنعت خصيصاً لمواجهتي على بعد أيام أنتظرتني بقصد لئيم
لو لم يهبطوا بإتجاه مدينة الكرنفال الكبير
وقد هبطوا
وهم لا يلوون أعناقهم بإتجاهي
وقد فعلوا
ليحتفلوا بوطن خصني وحدي بضعف حاد في ذاكرته
لا أدري لماذا
وهذا ما يثير الضحك حقا .
أمي
ثمة خوف صغير ينبت في روحي
مثل فطر سام له أظافر من صدأ مفتت
على الرغم من حفلة المطر خارج النافذة
يتمدد داخلي كنار لها أسنان منخورة
ولا يحس بها أحد سواي
أنا وحدي الآن آخر المدينة المعلولة القلب
لزحمة مبرمجة من زعيق أغراب مدوي في شرايين دواخلها الفسيحة
آخر الغرفة المزحومة بخوفي وبوحشة لا تطاق
لها آذان الديناصور وقرون الشيطان
آخر فندق يرتاده اُناس لهم هيئة الكلاشينكوف
وطعم قات أحرقته مبيدات هواجس مستوردة
من عوالم ساعات توقفت عن العمل
آخر الأرض التي لا متكئ لمخاوفي عليها
آخر مايو أسترجع حكاية فارس منسي
هب ذات حرب لإشعال ذبالة الصبح من دمه المهدور
فحلت عليه لعنات نسيان لم يقصدها على الإطلاق
آخر أغنية ممدودة ما بين ديترويت وأرتل
لا تسمعها سوى"هناء" بإنتظارها المشوش منتصف"هالي" البعيد
آآآآآآآآخر
المطر توقف عن مهمته الموسمية
والمذيع في نشرته التي لا تنتهي يعدد بطولات الذين لم يكونوا هناك
والمطربة تغمز بعينها لمصور مجهول بشبق متفق عليه
والغبار يعود للتسكع في عيون أنمحت أسماءها من سجل البلاد
بعد عودة المطر إلى أعاليه الموحشة
وأنا وحدي في نفس الغرفة المزحومة بأشياء عصية على الفهم
نفس الفندق الذي يرتاده أناس آتوا من حروب منسية
لا تزال تعوي في مدارات لا تُمحى
لهم قامات مصفحة كأعناق مخاوف لم تسجل في كتب قيد الطبع
لا يسأل عني مايو
ولا تتذكرني مدينة كانت تسكنني
كونها أجرت عملية في صمامات قلبها
فهل ألومها
أم ألوم مايو على تنكره لي ؟.
أمي
لقد رأيتهم في كامل عطرهم
ومنتصف ألوان زينة في حضورها الأبكم لقلة الخبرة
في لمعان الأحذية وفصاحة المديح
يذرعون شوارع المدينة البحر بإبتسامات
تدربوا على إتقانها أماس طويلة دون شهود
رأيتهم جميعاً يضجون بفرح لم يكن لهم
إلا قليل منهم يتذكر مايو ياقاتهم يوم الكَرْ الكبير
مايو الذي يعرفني ولا يعرفهم
والذي لخطأ في الصياغة منحهم
زرقة بحر مجاور وأكاليل جبال مخضرة التفاصيل
بينما ألجأني إلى روايه الملح وأنشوطة الجمر
هل كان خطاً في الديباجة لا أكثر؟
بينما هم لا يزالون يتحمصون تحت شمس مدينة
أغاروا عليها من كل الجهات فلاذت بمايو الساطع
بنسيانه لي لخلل ربما في ساعة التحميص
أنكرني حجاب مايو على الأشهاد فلم أغضب
لا تسأليني عن السبب
فهو وأنا ندرك ذلك وهذا يكفي
للتصريح بأنني رغم ذلك لم أزل وحيداً
في تلك الغرفة المزحومة بروائح اقوام
بائدة مرت بها حظوظ مجهولة"الدي إن أيه"
ذات يوم لم تشرق فيه شمس مايو
أقوام تركوا ضحكاتهم المطاطية مبللة على المشاجب غالية الألوان
وتوغلو هبوطا بإتجاه المدينة البحر
بعد أن حملوا حقائبهم بطيوب ناعم القسمات
ورباطات أعناق باهضة يُشنق بها الآخرون
وحبوب المضاد الحيوي خشية إسهال لا يعرفوه
وهم يحتفلون بيوم أرغم على تذكرهم
لبراعة في كي بجامات النوم وسراويلهم الداخلية
المبللة بأفكار حامضة لا يدري بها أحد .
أمي
لا زلت في الغرفة الملعونة بنسيان ساكنها
بينما يواصل الذاهبون إيابهم القنوع
بعد أن تركوا ضحكاتهم العالية في ميدان العرض
سكينة حادة الشفرات تكمم تضاريس المدينة من كل الجهات
وشوارع مغطاة بما تسير مما ألقت به السحابة
والكلاب تهز أذيالها أمام صناديق قمامة فارغة
إلا من بحيرات طينية صغيرة تعج بوحوش القرش العمياء
العشيقات الطيبات المواعيد عدن خلسة إلى الحجرات
ومايو يلملم أغراضه استعداداً لعرض قادم وكأنه لا يراني
الفندق لا يزال صامداً في عنوانه المديد القارات
أطفال العرض ناموا بلا عشاء فرحين ببذلاتهم
المجانية التي لم تمنح لهم من قبل
اسأل مايو مصراً على طرح سؤالي:
"هل أنت فعلاً لا تعرفني ؟"
تمر المكائد المكتوبة بحرفة عالية على مكاتب سرية متمتمة بإسمي
شخص ما يقرأ تقريراً يتحدث عني بشغف أسود كبير
ويقسم ضرورة المناسبة بأنه لن يغفر لي لا يدري بالضبط لماذا
وحده مايو يستطيع إطفاء غضبه الوطني المتقن الأوسمة
الزائد عن الحاجة
لكنه لا يفعل
يعود ملك المحيطات مجبولاً بتنكر مايو لقامته
إلى بيته المجهول في أعماق البحر المجاور للمدينة
السفلية باتجاه الغرب فرحاً بأوسمة ونياشين مغصوبة غُلت إلى عنقه
ينام رواة المناسبة الآليون بعد أن جفت محابرهم وأدركت
اصابعهم حمى الروماتيزم الخائنة العض كعادتها
تطفئ الأنوار وتخلو الميادين من صفير المغازلة العالي الرنات
وانا وحدي في الغرفة.. التي سكنها قراصنة منسيون بطيبة ساذجة
انكرتهم مواويل سُرقت ذات بحر بعيد .
امي..
لست ناقماً على مايو
لنسيانهه اياي ربما لحساسية في انفه
جراء تطاير خليط روائح اناس هبطوا اليه مرتدين ثياب بطولات فارغة
في المدينة البحر التي لاتعرفني لقصور في ذاكرة بعثرتها ضحكات فحلة الكذب
فرحين ببهجة يوم لا يعرفهم بالقسطاس المبين
أو غيره
بينما بين سطور سيرة الفارس الذي كنته وكائنه وليس سواي
تتساءل جبال بنسلفايا" أتذكرني؟" ..
فأقول لي أغنية صغيرة من روحي تركتها معلقة
مابين سكينة"هالي" وإنشطارات كل الطرق المؤدية
إلى كليفلاند بإتجاه إنديانا الهاربة من كل تواريخ حسابات
خاطئة الترقيم ومضاعفات نتائج عميت مقاصدها غير أني خائف في خوفي ومن نفسي علي معلق على هدب مدينة
أدخلها بخليط مرارات يانعة تصرخ في تلافيف ذاكرتي المتخمة بالمسامير وقاطع الشوك
في نيويورك أقمت لصورة صوتك الاخضر مساحات من قلبي
ورفعت على الأشهاد لون ضفائرك السمراء ولم أغضب
مابين ديترويت وواشنطن العالية خضت غمار شماتات عُميٌ
بقامتك التي تشبهك ومسك أطرافك المورقة الهيل والزعفران
غيرأني ما بين المدينتين البحر والبحر لم أ ذكر
معلق على شماعة مدن الجبال العالية
فائض عن الحاجة وماُ كنت.
لست ناقما وطعنة التناسي مزهرة بين حبك في حلمي وبساتين هواك
غير أني منسي ومغتاب وكامل ريبة وملح نسيان .
أمي ..
كانت لاتزال نائمة أنثى بحر العرب الخضراء
عندما اتجهت جنوباً
بإتجاه خيبات جديدة أقصى الشمال
قبلت عينيها وأشرعت نفسي للخوض
في لجة مفازة قريبة بمحالها المتشعب الغصات
بينما أحس بنظراتها في قلبي فزاد ضياعي
وأقلعت في مشوش عيوني كائنات الدمع
كذبت على البحر زاعماً بمكوث طويل
لكنني حزمت حقيبتي المليئة بهزائم مخفية وبعناد إبن كلب
وأنسللت في رحم تيه يترصدني
وها أنا في قلب صحراء شبوة
أفتش عن قافلة محملة باللبان والعاج
خرجت باتجاه المكلا قبل خمسة ألف سنة ولم تصل بعد
يضج البحر في صدري
فتخرج الأسماك وقبائل الماء من كلامي
أضرب الرمل بأنهار شجن يسكنني منذ ما قبل استيقاظ ذو يزن من غفوته المستريبة
مواصلاً صعودي المكسور
لا ألوي إلى محاق أصم الرؤيا
أنا نبي مسرات كافرة
ورسول عثرات لا تتوقف
ولي أتباع غر كادتهم صبوات نافرة
رائحتها لا تزال في أنفي عندما في صبح رطب القوارب غادرتها مكرها
لا أدري الى أين عبر خمط ودوم ورمل مهزوم
الحضرمية اسمها وأنا قوس مكربي لم يطلق سهامه الموجعة بعد
بينما مايو كان قد غادر قبل خروجي متخفياً بسماحة ودٍ منحته إياه
صوب مظاعن لا أتمناها وهو قادمات دون كلمة وداع واحدة.
أمي
من هنا مروا ممتلئين بعجب وثني تلمع بصمات أصابعهم
في صخر حيود معشوشبة بسواد صواني ممغنط لهم صراخ متكلس الأصداء
يتبعهم قصاص جنان ملعونة لكبر فائض عن الحاجة وصناديق خشبية
عُبئت ببأس مهدود له رائحة هزائم مخفية التصاوير
مخضبة بقرون دواب جبلية وبعر ملكي وغابات رمد وثخين حديد
وكنت لم أغادر فندقي المنسي أسفل مدينة بصقت في وجهي بنسيان مغشوش
وهم يتوسلون فحولة إلاه حيواني كاذب البركات والحضور
في مرورهم المنسوخ غلابا بصولة سيل كسول أججته
أوامر تعرف لحم مقاصدها في قرقعة حديد الماء
المفاجأة الهد والصعق والنثر والاذرار
فأزهرت عيون نسائهم بمشاقر الجمر الريان الإهلاك
ومادت بهم ظنون نذر قدت من رقبة عطش مفزوع وفازع
لم تكن"طرفة" قد ضربته بمعقود رمل الغيب
وكهانة المفلوت من عقاله بعد جنتين وفائض أنهار
أو أدركت سر مولد مايو بعد وكنت قد أدركته
لولا أنني بمكائد النكرات مرصود ومحذوف
أقبلوا وأدبروا ملغومين بإنفلاش بحر جمعوه لمقتلهم
وتنادوا أن دونكموا بياض قامته
فأنتفضوا
خرجت من غرفتي التي تشبهني زوايا تعجبها أدنى المدينة المتبرجة بإنكاري
متبوعاً ومسبوقاً بدود التسفيه والإهمال ولم أُعجب
فصعد الأجداد من غياهب الأجداث شاهرين فاقة تشظيهم الميمون في الأمصار
وطاحوا بأصنام تبركهم فؤوساً ومسبوغ رماح ودخل رماح وذحل مقت
تتوالى المسميات في مدى ناظري الأعشى التعجب
وذئب الصمت ينهش طيور أفكاري المصعوقة
جراء زيارات خاطفة لحية الخوف
إلى أعشاشها في وديان ذاكرة مسفوعة بالنسيان
ميتشجن، صنعاء، الضالع ،عدن، العلم، شقره، البحر، البحر، البحر، البحر
أبين، لودر، لماطر، شبوه، بئرعلي، المكلأ، بحر العرب
الأنثى التي أنتظرتها في كل المدن، البحر في الإتجاه المعاكس
ومايو يضحك مني والأجداد في صخبهم العظيم شاهرين
تعاويذ بائرة في إتجاههم إلى حروب خاسرة بالجملة
أسأل راعيات منسيات منذ عاد في شعاب حارقة الحروف
رفعت عناوينها وأسماءها من سجل الصيف ورقصة المطر
لمن كل كثبان السغب هذه وبازلت السموم المرجوم بنأي كظيم
وإلى أي إتجاه تسافر قوافل اللخم المتحجرة الملح ؟
أسأل والأجداد ملزوزين إلى براكين وثنيتهم الخامدة
لو أنك يشرق وجهك في هذه المجاهل الخائفة مثلي في نفسها
لأتخذ الأجداد طريقهم إلى سورة الماء العصية التفسير
وفكوا أرصدتها ومُغلق العطش رصداً رصداً
ولأنطلقت حمامة الضحك من ثغر "هناء"
في محبسها العالي ما بين إنديانا المسعورة الثلج وتردد"هالي" الأبكم.
لو!!!
فطمس الرواة الآليون مداد شروح تواريخ مسومة الإفصاح
خضعت لتصاريف حسابات مطعونة في فُسحة الإعراب مقاصدها
لو!!!
لما أطلق "قدار" رمحه المجذوم في كبد الناقة البحر في فجرمايو الرابع من الغدر
ولما أنكرتني عرصات المدن التي حملت في عيون الروح بشائرها
أوتداولتني نساء المنافي بأفخاذ مقاتلها
وشهيق ندامات مسفوحة المعنى على صدري المكظوم
إذا فهذا هو جزاؤنا جميعاً كوني لم أرك
أن يظل الأجداد في تيه خمطهم المسعور تذكره
وأن يغالي مايو في صدي لا يلوي أو يقرأ سطور حكايتي المُثلى
ولا يدري
وأن أظل شاخص البصر بلا ذنب مكتوم الصوت والسيرة
ما بين مفازات البغي والنعرات لا أُذكر ولا أُنسى
وأن يظل رجال الكلاشينكوف يذرعون ممرات فندقي
الملقي أدنى المدينة التي تتباهى بنكراني بإنتظار مُحتضر نعرات
وأن
وأن
وأن!!!
نعم مروا
وما برحوا أماكنهم تصليهم تواقيت إنكار وخالص تشهير
وأنا متبوع ولم أرجف على مشارف عدن كأي نكرة وما كنت ولم أُدعى إلى..
أو أُسأل
أقرع أبواباً موصدة في وجهي وليس سواي
أو غيري مثبتا أسمائي على بوابة الخسران
بينما في محابسها هناْ تناديني"آي مس يو"
فأرد من كرب أهدتني ضباع التجنب إياه "مي تو".
لكن مايو لا يأبه لكل ذلك النسيان المُعلن في وجهي
يحاصرني زيف إدعاء كالني به أتباعه المزيفون
لولا أن لهم رائحة عطور فاخرة
وربطات أعناق خاطها أباطرة ملغيون.
***
عادل أبو زينة
- من مواليد صنعاء، عام 1973.
- عضو إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
صدر له:
ميناء الجدة
هكذا مروراً بالحدائق ونكاية بالشياطين
الحنين أستوطن ضفة الحلم
وأنا قارب خشبي أبحرت
طويلاً حتى وصلت أكتاف جدتي.
اسم الموديل
ما أصعب الصعلكة
أمرحي اذن أيتها الجرذان الشريدة
أيها المرفأ العجوز.
مؤتمر الذاكرة
كانت الكلاب الوليدة للتو
رفيقة
ذكرياتي القديمة
الآن نريد خلاصة اللحظة.
قميص آخر
أنا حفيدك الملول أيتها النهارات الشريدة
أفتش عن بلاد غريبة لا تأكل الحنين
حنيني
إلى
جذع شجرة
وإلى نهار.
غيِّر الحارة
نافذةٌ تطلُّ على جدار
هكذا رأيت صوتي حاملاً
شهوة الإنتحار.
شجرة الجوز
مذاق طفولتي حامضٌ
أحسّه ينبض بالوحشة تحت لساني
طفولة الآخرين صاخبة ومعتمة الثياب.
سنة 2000
هذا عام الحصاد الآدمي
شعراء يموتون بعشوائية
سفلةٌ
وزناة يتألقون تماماً
كلَّ ذلك يحدث عندما
يقترب الخريف من الأسئلة.
المواقيت
1
يموتون في منتصف الحلم
أولئك العاشقون الغيارى
يموتون في النزع الأخير
مكتوفي الأعين
إلى جذع.
2
الرمل المحروق
يزرع نداه
في صفاء القلب
العروق المخضرة عشقاً
تنزف وجع الدم
حروف كهرمانية الشوق
تنوح الشك الإنساني.
3
شوق كوني
ينثر شذاه
في ذرى المخيلة
قرباناً لهذي المواقيت
لهذا السطوع
لكل هذا البهاء
أيها المحرومون الغيارى
لمن يدمع العشب
ويغفو على الصدر حريق.
شياء الطائر
1
منذ هطول دمعتي
الأولى في هذا الصقع البارد
كانت العذابات صوتي وملح الوجود
هي تمدّني بصهيل الرؤيا
وأنا أدوّن في شفاه الورد وصيتي
كيف يعشق كاهن الماء شرود الأضاحي
يا خبز الرحلة
أيها الدم
أرى فيك شكل عذابي وصوت الغياب
أجد في حطام البدايات طعم فمي
أيتها المنسيات القادمة:
هل تقبلين شهادة الصحو
وارتباكات امرأة
الشهقة الآدمية تؤجل الكبد هذا إذا لم تخدش
سطور الذاكرة
صنعاء تحفر بطنها حتى يئن خيالي
المدن شجر طارئ ونساء عاطلات.
2
تعز تطل من فوهة الحلم وتغرق في ماء العشب القليل
ـ هي ـ اكتمال الغرابة
ودهشة الجبل
ننحدر من أعالي حفاةً سوى من الألسنة والكلاب
تعرّج قليلاً صوب المدينة حيث الأرصفة
وحشية الملامح
ودامعة النهود
تنحدر صوب الكهوف المعمورة على أكتاف العابرين
عبور مدهش قليلاً وكابي معظم الأحيان
هل من خيطٍ سحريٍّ يغير مجرى الوجوه
يحول بين كبدي والسعال.
لهذي المدينة أساطير لم تكتمل في جنبات الجسد
المرايا تزرع جذورها في شرودي وتذبل
أيتها المدينة الفرح أعرف أن امرأة
لملمت حزني من شتات الأصابع
لكن وجهي مبعثر في المرايا
أدرك أيتها المدينة الأرجوان بأن خيل الضحى يهادن غباري
هأنذا أعجز للمرأة الموت عن فك حصار دمي
أشق لجوعي متسعاً في جدار الملل
أحفر بشراهة وصمت
أحفر حتى تئنّ الرئة
ما زال الحنين الآدمي للتصعلك يشدني إلى حوافي الحبيبة
أفرش وجه عدن وأنصب خيمتي الفاترة
الولوج إلى واحة الذات يتطلب تعباً خرافياً
ومشقة معتدلة.
نعم كلها متاعب صعب أن تهيم ليلاً وعبثاً
تحاول الدندنة.
3
شيطان ما يحرض المسافات التي تخترق
أوصال الدم يحرضها على التجمد والبلادة
لعدن جرح ذاكرتي المضيء كوكب وأرخبيل
أحدهما أتسلق إليه بحنين ولهفة وآخر
يطردني من رحمة النمل هكذا أؤسس مداميك الخدعة
وأجعل من أرض الشهقة مشغلاً للبنات
حين ألج التراب أخلع قميص الحضارة وأتّشح المسرّة
فقط
ثمة بعوض صخري يطارد رائحة القلق
أبتعد قليلاً عن المسرح
أهشّم صدر الرائحة
وأستخرج من رذاذ احتضاري نافورة الفرح
هكذا تؤرجح السحابة خيالي
وأنسرح في الصلاة
ما لهذه الحكاية تؤجل إنتصاري مراراً ونكاية
أحاول التمترس في خندق الخرافة
والإحتماء بجذع الوريد
هكذا مروراً بالحدائق ونكاية بالشياطين
الحنين أستوطن ضفة الحلم
وأنا قارب خشبي
أبحرت طويلاً حتى وصلت أكتاف جدتي
آه
لكن لم ترمقني ضفة ولم يكسرني حلم
طويل هو السفر
سفري هو المستحيل الذي لم ينضج بعد
ما أصعب الصعلكة
ما أرخص النزيف
أمرحي إذن أيتها الجرذان الشريدة
أيها المرفأ العجوز:
أنخ حطام العذابات فوق ساقي اليابسة
أيها المرفأ المبتعد في المتاهة
أناديك منذ فجر البكاء حتى طعنة النصر
أنخ زبرجد الغربة
فوق كاهل المسافر نحن شركاء معاً في الصراخ
الحنين الصاعق ذاته يشدني إلى الأرخبيلات المستحيلة
كيف أحرك حجر المستحيل
وأزحزح فنارة البحر
قليلاً عن سفح قلبي
أنضويت تحت لواء البرد.
والآن أتسمعني
يا بحر
أتذكر ليلة الأصدقاء
لقد ركضت بشوق
ركضت ملء القمر
***
فتحي أبو النصر
- من مواليد تعز، عام 1976.
- صحافي وناشط في المجتمع المدني وحقوق الإنسان.
- يستعد لإطلاق موقع: ملاعين دوت نت على الشبكة العنكبوتية.
- عضوعديد هيئات ومنظمات أدبية وحقوقية وصحافية في الداخل والخارج.
صدر له:
- نسيانات.. أقل قسوة، شعر، الأمانة العامة لإتحاد الأدباء اليمنيين ودارعبادي للنشر 2004.
- موسيقى.. طعنتني من الخلف، قصائد ونصوص، طبعة خاصة، 2007.
- المشيمة، شعر.
- fathi_nasr@hotmail.com
اثنان من تآمرا ضدي
أنا وأنا
لا حاجة لي لضحكاتكم
أنا أكثر من أن أبكي
تحت جلدي تنام ذئبة ولا تحلم
من الآن وصاعدا لن أهتم بالإنسان
سأهتم بالحيوان فقط
ذنوبي ستستضيفني
سأكتب للكلاب المسعورة أخر قصائدي
آن الأوان لأسحق الزمن أيضا
سأسخر من النجوم
وألتهم ظلي المعاق
سأوخز ضمير الغيمة لأنها بلا ضمير
كل ليلة سأدوسني سبع مرات
عند بوابة غرفتي لن أنسى أن أدلل النمل
وألعب الغميضة مع الفئران
ومن النافذة سأرمي بكل أغاني فيروز
سأغزو عماي
سأستمتع بنكهة الرطوبة داخلي
سأسري في ارتعاشه بعيدة
سأنهر الإعشاب التي كنت أدللها
لن أطمئن سوى لشهوتي
سأفزع تفاهة الإسفلت والمقاهي
ولن ألوح للعابرين
سأتحسسني بلا عطر في الضغينة
وسأترقرق
وأنداح بلا كوابح في لعناتكم
ولأنني سأحتفي بفنائي
لن أستمع لموسيقى المخبول"ياني" بعد الآن
فيما المأثورات
التي مرغتني في الوحل 12 ساعة كاملة
سأحرقها بلا شك
نوازعُ هيجل
قزحيات أناييس نن
النيران اللطيفة لبول تسيلان
أعراف انطونين أرثو
موضوعية كازانتزاكيس
السن الناعم لجان دمو
شراك بوذا
غرائز محمد شكري
وسأطاردني في جناح ذبابة جائعة
سأحدث براميل القمامة
عن روعة أن يكون الشاعر نتنا
كالوحش سأنشب مخالبي في لحمي
سأمنح التشرد فتات القلب
سأكف عن الأهل والخيال
سأمارس الجنس مع الشحاتات الصغيرات
منحازا إلى الأعداء
آه من الذين لم يدركوا حنان القسوة بعد
لي عينان بلا عشق
روح بلا جنسية لا تتنازل عن مطارقها
وعراك منطق تلطخ بحيلة مكشرة
حد الإعياء لن أخسرني
أنا نهاية البراءة مهووسا
لن يعنيني مطر يتساقط في الخارج
ولن يهمني "حس رقيق "
كل الإتفاقيات المبرمة بينكم وبيني سأنقضها
سأمجد الدمامل
سأطفئ الرومانسية في المنفضة
سأعين كراهيتكم ضدي
لن أعتذر لرضيع دسته البارحة
سأسرح للخنافس هيامها
وللصراصير سأعد كؤوس الشاي
سأكون أكثر بهجة وأنا أقرأ قصائدي
على الحنفيات الناشفة ووجنات الغبار
صديقي العاشق الذي كاد أن يختنق بتناهيده
قبل قليل طردته من رحمتي
وكل ما أستطيعه ألان
أن أتذكر لحنا قديما
وأصفره بدون سبب.
فيما لا أترقب أحدا
خفيفا أثمل بي
أردم هوتي بشهوة محفورة.
من حدقات جنديين جائعين
أشبع من حقدي عليّ.
الوقت الأخرس يكثفني لصمت يصرخ .
رصيف القصيدة يتعصب مزاجه.
بنعومة أقضم ورمي.
في خدود الشمعة تنبت وردتي النادرة .
للنتوءات آهات فاحشة أيها الهياج.
الخونة ـ الذين صعدوا معي إلى صداقة البهو ـ
من كتف سجائري يلوحون لأكتافهم.
ثقيلا أتعاطى إنتظاري
أصير إشارتي في فائض الجهات .
على أحزاني أضحك عابرا.
في خطواتي الناقصة أكتمل.
تدب الحبيبة في ضلعي البعيد.
بهيبة الإيغال أستفرد بي تماما .
من دماغي تطردني أصابعي.
كما لو كنت ثابتا
يجتازني الوداع.
كلاكيت
سيموت كثيرا
سيموت متعثرا بجثته
سيموت ليس حائرا
سيموت في رؤياه
سيموت بترف كالهواجس
سيموت عموديا وأفقيا
سيموت بالقرب من ضحكة عينيه المنتصبتين
سيموت كجملة مختصرة
سيموت قبل مطلع النهار وبعد مغيب الشمس بقليل
سيموت قادما
سيموت ناعما وبقسوة
سيموت وهو ينحر الأغنية بينما ينتحر فيه المغني
سيموت كممر
سيموت أولا وثانيا وثالثا ورابعا وخامسا وسادسا وسابعا
سيموت من الخلف ومن الأمام أيضا
سيموت بعد بكاء أصابعه على مصير العمى في باقة الورد الأخيرة
سيموت عاريا
سيموت معي
سيموت قرب الرائحة
سيموت بلا اسمه
سيموت بالشهقة الحمراء
سيموت في الشمال
سيموت في الجنوب
سيموت وهو يغوي قصيدة جديدة
سيموت شاردا
سيموت قبل أن ينظف الغبار من حنجرة مواعيده القادمة
سيموت صوب الشبق تماما
سيموت بلا غيمة تحت أجفانه وبلا حنطة في اليد اليسرى
سيموت هنا
سيموت هناك
سيموت ضاحكا
سيموت كفأس منسي وحزين
سيموت وهو لم يصالح الإطارات بعد
سيموت بلا أسلاف أو أحفاد
سيموت من أجل كل الذي لم يعرفه
سيموت في الأسرار المقشرة
سيموت كدودة قز أحيانا
وأحيانا كما سيجارة
أو مخلب.
***
محمد المنصور
- من مواليد المحابشة بحجة، عام 1965.
- تخرج من جامعة صنعاء كلية الآداب قسم لغة عربية، 1984.
- أشتغل في تدريس مادة اللغة العربية حتى العام 2001.
- كما عمل مديرا ثم رئيسا لتحرير صحيفة: الأمة الأسبوعية، 2003.
- عضو إتحادي الأدباء اليمنيين والعرب.
- عضو نقابة الصحفيين اليمنيين .
- عضو مؤسس لما عرف بجماعة: سبّان الأدبية التي مثلت إلى جانب جماعة: الغد، إنطلاقة الجيل التسعيني.
صدر له:
مدينة يومية
هذه هي المدينة التي نَسيت اسمها
بذر الأصدقاء فيها أحلامهم
ولما تنبت حتى الآن
تحمل على كاهلها
الشمس والغبار
والأبنية
وبعض الأزمنة السحيقة
الخفيفة الوزن على الأقل.
المدينة
التي تستيقظ على الفجيعة كل لحظة
تحاول أن تفتح عينها لترى
لكن الجهات جدارٌ شاهق
بالكاد تتسلقه الفصول
وبالكاد تعيّ أنه مشيّدُ بالضجيج والرتابة
ذلك ما يجعله منتصباً
ويقف بوجه الرياح التي تهبّ
يخجل
وبالكاد تقوى على حمل بعض القراطيس
وبعض المشمعات النايلونية
وبعض الأجسام الصغيرة
وتُلقي بها في أحضان الهواء.
المدينةُ
التي تقعُ فريسة الإستلقاء بين أنياب الجبال
تخترقها شوارع متعرجة
ونتوءات
وتنغرس في جسدها ألوان متنافرة
لا تدري كم من الوقت أستنزفت
هذه المدينة
لكي تظل عاقراً
فنادراً ما تلد أشجارها
ونادراً ما تفتح تلك الغيمة
أزرار قميصها
لكي ترضع منها شفتي اليتيمة.
هذه هي المدينة
التي استطاعت الطفو على إنتظار الماء الراكد
تصيبها الميكرفونات بالشرود
والأقدام المجهولة التي تغرق
في مسافتها اليومية.
تتخفى الحياةُ
خلف عباءتها
منذ الصباح
حيث تصل الشمسُ في موعدها الغامض
تتسلق الجبل
كيما تصل لاهثة
إلى القعر
نادراً ما لاحظتُ شروق الجبل
أعني الشمس
الكائنات المجاورة
تغطُّ في نسيانها للظواهر
بل أن بعضها يسأل الشمس :
من أنتِ
ولماذا أنتِ هنا كل يوم
ودونما مناسبة ؟
الكائناتُ التي تفترش المدينة
تتنفسُ بعضها بعضاً
ليس ذلك خطأ الكائنات
بل أن امتلأ الهواء بالثقوب
يفسّر مثلاً
كيف أن معظم رؤوسنا دوماً مغطاة بشيء.
هذه المدينة
لم تعد غريبة في الحقيقة
فبإمكان أي أحد أن يموت بداخلها
دون أن تحرك الكلمات ساكناً
عادة سيئة
ولا شك أن يصبح الموت أليفاً
لدرجة أن نمارسه كعادة يومية.
محمد حسين هيثم معنى يصعب تجزئته
1
خذوا هذا الليل بعيداً عني
بسببه صارتْ لحظتي سوداء
خذوه إلى مكان
أجمل من حارتنا المليئة بالثقوب
حيث لا موسيقى
ولا نساء جديدات
خذوا هذا الليل
إلى ما خلف هذا الجبل
وأنا على يقين بأنه سيجدُ
في الإبتعاد عن هذه المدينة
أشياء مُسلية
وكائنات أقل هلاميّة
خذوا هذا الشيء الشاسع الذي
يحجب عنّا الأحلام والهواء
العتمةُ البكر
أفضل من ليلٍ تلعلعُ فيه بيانات النعي
كقذائف حزن مباغتة وأنباء الإنتقال إلى
جوار الله
إنها مصائب طازجة / عبر الأثير
تفتح شهيِّة
حفّاري القبور
وباعة الأكفان
وأصحاب الصالات
إنه الموتُ
وباء العولمة
المتفشي
والبارد لدرجة أن تعجز عيون كثيرة
عن إراقة قطرة دمع حزن
واحدة.
2
مشاعري القديمة ـ قبل إختراع الكهرباء ـ
كانت تصلح لليّل
أما بعد أن مات معظم الأصدقاء
وأستُبدلت مصابيح الشوارع مرات عدة
فلا معنى للجلوس في شاشة الليل
ليل هو ذاته خبر عاجل للموت الذي يتكاثر
عبر الكاميرا
في كل مكان.
3
نحن الآن
في المدينة العتيقة
أسرى الرتابة والغبار
تحلّقُ في عيوننا دوماً زوابع
وتنشب في أعماقنا شجارات
نزرع الضغائن في الكلمات
وعلى جوانب الأرصفة
ونطلق ابتسامات
في صور الجدران
والصحف
وواجهات محلات التصوير.
4
لا معنى للتشاؤم
ولا جدوى من الإنبهار بالضوء
فكلُ يؤدي دوره المنوط به
لكن لا أحد يحاول أن يجدِّف للعبور
إلى لحظة مجاورة
حسناً
لقد مات الشاعر محمد حسين هيثم
على فراشه كقديّس
وبصمت
لم يكلف أحداً مجرد زيارة له
لم يستجدِ أحداً أن يطلق دعوةً واحدة لله بالشفاء
أو لشيء آخر
لم يكلف الدولة دولاراً واحداً لعلاجه
لأنه شاعرُ
والشعراء لا يتسولون موتهم أبداً
محمد حسين هيثم
كان شجاعاً وهو يحيا
ثم وهو يهبُ الموت سنواته كلها
وبلا شك فإنه كان يحب أبناءهَ
لذلك ترك لهم ولقليل من الأصدقاء
ـ الذين لا نعرفهم ـ روحه
تركض
كغزال
وتمضي
كأيام تطرُطق
في اللحظة
الموحشة.
5
محمد حسين هيثم
لم تتسع له مدينة الغبار
كان نصلاً لامعاً
في لحظةٍ صدئة
هو يدري الآن
أننا نتزلفه
ونهيل عليه كلماتنا الأخيرة
الكثير من الثناء والتبجيل
هو يبتسم الآن كعادته
لجوقة المنافقين والأصدقاء
لعله الآن يضع بعض الملاحظات
ويصحح بعض الأغلاط
في قصائده التي أعيد نشرها
بالمناسبة.
6
محمد حسين هيثم
معنى
يصعب تجزئته
يصعب العبث بمحتوياته
كابتسامته تلك
كرؤيته ماشياً
تؤرجحه الأزمنة
إنّه
من تلك الأرض
المصابةِ
بالشعر
بالأيديولوجيا
والثارات
والناس الطيبين
محمد
حسين هيثم
كيف نحبّه الآن
ونحن وحيدون
في المقبرة ؟.
7
كيف
نقول له وداعاً
وليس ثمة شرفة نطل منها على المسافة ؟
هو ليس بعيداً
لكنه هناك واقف
وشمسُ تستظل بقامته
الخضراء.
8
يا له
من شاعر
عرف كيف يفرقع كل هذا الصمت
وعرف كيف يجعل اللحظة وعاءً للدموع /
بسرعة خاطفة
مضى / غير آبه بأي انتظار
آخر
لا أظنه
ـ الآن ـ يلهثُ مُتعباً
لقد أرتقى الأعالي
تماماً
وقلبه لم يُصدِّق المفاجأة
لكنه
هناك
أخيراً
محمد
حسين
هيثم.
***
محمد اللوزي
- من مواليد عام 1973.
- يعمل ضابطا في القوات الخاصة.
- عضو إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
صدر له:
- لشباك تهتز.. العنكبوت تبتهج، شعر.
- إجازة جيري، شعر.
أعميان
يحسب الأعمى
أن كل ما حوله جدران
ويحسب المبصر
أن كل ما حوله فراغ
وحين يمشيان
يصطدم المبصر بالجدران
ويتعثر الأعمى بالفراغ.
انحدار
الألم الذي يوزع مجاناً
هل يمكن أن يباع ؟
تطابقت مع نفسي
ثم أنحدرت
أنحدرت
إلى حيث لا أحد .
الألم الذي يوزع مجاناً
هل يمكن أن يباع ؟
سنوات الإنتظار اليتيمة
هل يمكن أن يشتريها متحف
يعرضها
في صالة الموميات ؟
أنتظرت طويلاً
حتى نسيت ما يشبهني
ونسيت ما أشبهه .
إجازة جيري
صباح الخير يا توم
صباح يومك الذي لا ينتهي
جيري الفأر في إجازة اليوم
لكن يومك سيء مثل كل مرة
طفلتي شهد تتحداك أيها القط توم
لا تتأمل شهد هكذا ببراءة
لأنها ستنتف شاربك
وتقفز هاربة
لا تطارد شهد بغباء
هكذا مثل قط ابله يا توم
لقد نصبت لك فخاخا
في المطبخ
وفي الصالة
وفي غرفة الطعام
فخاخا لن تفلت منها
يومك سيء يا توم
جيري في إجازة اليوم
لكنك ستتلقى الضربات من شهد
لا تقف بتبلد وسط الصالة
لا تعرف أين اختبأت شهد
فكر بالهرب فقط
يومك سيء يا توم.
***
محمد عبد الوهاب الشيباني
- من مواليد تعز، عام 1968.
- يعمل في مجال التربية والتعليم.
- عضو إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
- يشرف على فضاء الثقافة في أسبوعية: التجمع.
صدر له:
أدفع مائة تسمع أغنية
عبارة تتصدر إعلان المغني
المعلق على ظهرة العريض المقوس والمؤطر
بلونيين حائلين على ورق قديم ـ إعلان مزين بصورتة
في الشباب لاصقة بصورة فريد وعبد الوهاب.
عدن بخلاخيل الملكة
لحج ينفحها الزهري (وشرحها) عبد الوهاب في جندولة
فريد في تقاسيمة وبساطة
أم كلثوم في (ورق الحبيب)
سيد درويش في صباح الصنائعية والفلاحين
"أدفع مائة"
لينهض الموتى من قبورهم أحمد قاسم/ اسمهان/ فائزة
أحمد / محمد جمعة خان/عبد الحليم/.../
أدفع لأنك ستصادف المغني في صباح بارد.
ومن يجد من المكنسين
على مائدة ملكية من (الخميروالشاهي الملبن وسجائر الاسبين)
يجمع متعبي بعض مدينة البحرية.
تبلطات
شمس تموز
لكنة لم يغسل عن الرجل الواقف
انتظارة المشوش
لزوجة وطفلين لم يعودا إلى المنزل في وقتهم المعتاد
"ممحاة تتربص بريحها".
ما الذي جعل الجدار اللابق للقطة هارقة الحليب
في الصورة يقترح مقصا لتشذيب الشجر النابت
في بعض الكتب المقروءة
ووضعت بإهمال على الرف المقابل ؟.
ما الذي جعل القدم الضنكة تركل تفاصيل
النوم السهل بعيدا عن السرير الصرار
وتقترح بدلا من ذلك جمل الليل المرتخي إلى آخر درجة
في سلالم (أمين معلوف) الشرقية
وفوق ذلك خربشات ليتة على أربع صفحات(فولسكاب)
ما الذي جعل الرغبة المتربصة تقترح
معراجا لضمئها تصنع سلالمة من خشب قديم لأنثى
أججت وقيدها
رياح الطولع.
ما الذي جعل الإنتظار يقترح لطنينة
(أدم) من بواقي
التي أحاطت خنفساء كافكا.
ما الذي جعل المفرغ من هوائه
يقترح ممحاة ماثلة لخطواتة العجولة
ليس المديون فقط من يبحث في مركونات
ضل دفاترة القديمة عن فتنة واحدة
الشاعر أيضا!.
قدم تركل تفاصيل النوم
دبت في الرأس جنادب القلق
فتكاثر في العصب عشب متمالك
وفي الدم أزدحم شيء ضال
دارى قيلولتة بقات بائت
وحين هاج ببدنة بعير الأرق لم يجد
غير ليفة الليل لدعك دمه المصطخب
الساق الخشبية لمحارب
هل تعلم أن ثمنها يساوي طرقاتها على الإسفلت ؟
كم ستعمر شجرة الشاي التي تفيء تحتها الوقت
ونطلق على أوراقها غربان النسيان ؟.
طرائد المحارب
التسعون الدرجة في السلم الإسمنتي الضيق
قد تأكل الأحذية
من السمنة
من الإحلام
من البداهة ما يوازي منفى واسعا
لكنها بكل تأكيد
لن تجد ما تحتطبه من شجر الضنك
التي غرسها في صباحاتهم موظفون في الدور العاشر
في مكتب التربية والتعليم بمحافضة صنعاء.
مقايسات السيرة
أن تقرأ خطأ من الغير
أمر لا يمكن إعادته إلى الغيرة
ولا إلى تزاحم المسامات الصفراء على ألسنتهم
ولا إلى بساطة الأيام التي تحمل على ظهرها
سلما تستطيع أن ترتقي
به جدرانهم الواطئة
أن تقرأ خطأ على الدوام
سببة قدرتك على تكييف سير الوهميين
كما ترغب ضجة الرأس
تكييف سير الوهميين أسهل دائما
من مقايسات سيرنا على مرآة مقعرة
كاللغة.
تكتب فهارسها بسكين
شحير غضضن بصراً كليلا
عن بذخ الصيف واطيارة
ثم تركن ماءً شتويا
يجفف يدية الصفراويتين في سرة الطين.
تدليل الوهم
نشتغل بتدليل أوهامنا
مثل طفل وحيد
لأن الآباء الأميين يعرفون
بالسليقة فقط
أن للأيام عجلة حجرية
تدهس من لا حلم له.
***
محمد عبيد
- من مواليد الحديدة.
- مدير تحرير موقع: أشياء، الثقافي.
- عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
- عضو حركة شعراء العالم.
صدر له:
- أقاصي، شعر،2001.
- الركض خلف العربة، شعر، 2007.
عن دخان يثرثر
ببقايا نعاس تنهض الصباحات
على غفلة من النافذة
ذهول الشاعر في المقهى
نهار آخر يتسع
الدخان يثرثر:
عن مظاهرة للطاولات
ضد لاعبي الورق
عن البياض
الذي كنسته الدهشة
عواء الجدران
في ساعة قائظة
من الليل
الشمس التي تنهض
بمانفيستو الحرية
الله الذي لا يحبه
تجار القمح
الكتب المفضلة للمضاجعة
المدية المحتفية بدم
الغرف التي يتذكر فيها الموتى
حاجتهم إلى التثاؤب
قصائد الهايكو
النابالم
نشرات الأخبار
غاز الأعصاب
الأدوية الفاسدة
التفكير الذي تصاحبه
حكة
في الجلد
. . . . . . . . .
. . . . . . . . .
القصيدة اتسعت
صارت برية .
الركض خلف العربة
الثلاثون خلف العربة
الثلاثون التي دربت أيامي على الركض
كنت أسميها الهزيمة
وأقذفها من أقرب نافذة
وأذهب برفقة صديقة
أفتقدها الآن كثيرا
وبندم أكثر
أتقدم بعزائي
للأشجار.
الثلاثون المحتفية برصيف
احتفاء طائر بشجرة
كم أحتاج أستبدلها
بفائض بهجة
أن أقايض الأصدقاء
بخلالات أسنان.
الثلاثون عناوين الندم
وأنا المحاصر بخيبة الظن
أتحرش بالنسيان
وأدلل في الصحو
أحلامي .
هكذا يحدث في الظن
أن تنمو الخيبة كندبة
أو أن أفتح نافذة
على أشجار الليل
المبتلة بالسرحان
فيما الثلاثون
تركض
خلف
العربة.
ماذا لو ؟!
ماذا لو ظللنا صغارا
وظلت أحلامنا بريئة
نحتفي بحذاء جديد
وحقيبة مدرسية
خضراء ؟.
ماذا لو أننا لم نكبر
فلا نهتم بنشرات الأخبار
أو قراءة صحف المعارضة
وكتابة قصيدة نثر ؟.
ماذا لو بقينا
طفلين صديقين
دون تغيرات فسيولوجية
في جسدينا
تحرضنا على اكتشافها
بدخول قفص أبدي
وإنجاب ذرية
نفترضها صالحة ؟.
ماذا لو أنني
لم أفصح لك عن هزائم يومية تبعثر مساءاتي
في طريق مشيناها لسنوات
حتى تآكلت قدمينا ؟.
ماذا لو أن العمر
لم يكن أياما متسارعة
تقودنا إلى الكهولة
وتجعلنا نفكر جديا
بوضع حد للخذلان
واستثمار ما تبقى من العمر
في مشاريع ظلت مؤجلة بأجنداتنا
كإنجاب أطفال
يحتفون
بأحذية جديدة
وحقائب مدرسية خضراء
كأحلامنا ؟.
***
محيي الدين جرمة
- من مواليد ريف محافظة صنعاء، عام 1973.
- دبلوم مهني بإشراف الهيئة العامة "الوطنية" لصيانة المدن التاريخية.
- عضو بإتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين سابقا.
- عمل مشرفا ثقافيا بصحيفة: الوحدة، بين 93 ـ 1994.
- وسكرتيرا لصحيفة: الكشكول الأدبية.
صدر له:
- آخرقصيدة نثر للمتنبي، نشر إلكتروني في موقع: عناوين، 2006.
- حافلة تعمل بالدخان والأغاني الرديئة، شعر، دار النهضة العربية بيروت، 2007.
- jh_send@yahoo.com
الجبال
إلى خالق الشعر الصديق أمجد ناصر
الجبال التي جئنا من ترابها الأزرق
وذؤابات المطرالمطعونة
بظهورنا.
الجبال المكحولة أعاليها
بأسَود ِالبرق
وفحم الظلام
والمُضمدة ُبطن معادِنها بالسواقي.
الجبال المُكومة في الغُرف
بوعورة النوم
وحرير العبد
كم خدعتنا ؟!.
الجبال التي ألِِفنَاها بالنظرة ِ
في أكثر من ليل بلا قمر
والفنّاها كالكتاب.
الجبال التي كم باهى الأجداد
بأوكارها
خوف أن نمُوت
فصرنا مع الوقت فرائساً لِلنسر
سائغة ً
وأسلابا
وصارت أضلاعنا عددٌ تُرى
في الصدر الشَفّاف
كبقايا روائحَ من تراث العظم.
الجبال التي شرَّدتنا إلى ِمديات ِمُدن ٍ
بلا مدى أو رحمةٍ تستعير أسماءها
من المُدن الفاضلة البعيدة.
الجبال التي ورثنا روثها
وهزُءَنا بالرمال
فنعّتتنا التهائِم:
بالجباليا.
الجبال المعلوفة
بأيدي بنساء قمر علاّن
بغنائهن الآسر كغروب حقل من الدُخن
ومقايضات الصبايا في إحتفال المواسم.
الجبال التي جرّحت جراحنا
وسكبت الماء
في دلاء الغريب.
الجبال التي هاجرتنا طويلا
إلى الجبال.
الجبال المُغبَّرة
كوجوهنا في الِشتاءات القاسية
الخُضرة الشعثاء
في صحراء المُدن الحداثية:
بالإستهلاكِ
حتى الغبُار.
الجبال التي صعدنا سلالمها ِمرارا
إلى غرفة نوم الهواء
ولم نتنفس
قطفنا من اُِزيهرات مطرها نبات الريح
وعشقنا في"ذواريها" بنات الأفكار.
الجبال التي تقوسنا في ظلالها
كشموس الشمع
في ظهيرة ليل مُقطَّر ٍكالبلاستيك
على جلد التراب.
الجبال التي خدعتنا كحربٍ
وواعدتنا كحُب.
الجبال التي نسيتنا كبحر
وأراقتنا كحبر قلوب راعفة
على قار النسيان
كم وعدتنا بالدفء
وبالمواقد
وصالحتنا بالرصاص.
الجبال التي أسرتنا
بجمال صيفها
وأخذتنا أسارى
بقيود سلاسل َصدِأةٍ
في ثلج رحيلنا اليابس.
الجبال التي كسرت أهلها:
"كشوكة العدو"
كم كسرنا عليها بيض الحمائم
وقواقع الحلم
وأسلنا النجوم في عماء العتمة
وفي إحتلاماتنا البيضاء الساهرة
كم أسلنا ماءً يابسا
على ُقمصانِها القلِمية
المُشّجرَة بالأمل
كم توجهنا كالجهات
وتوهجنا كجوهرة اِلأفعوان
حتى أستيقظنَا الفجرُ
ولم نسيتيقِظ الفجرَ.
الجبال التي صافحنا بها الغيم
والهُبُوب
ولوَّحت بالوداع.
الجبال:
التي سريعا
يجف بها عرق الشقاء
ويُعتِم البيرق.
الجبال التي تصلها آلة الإله المُدَّرعة
قبل صباح المدرسة
ويصل أعاليها "مدفع الإفطار"
قبل الصوم
والصائم .
الجبال التي تصلها المِمحاة ُ
قبل الطبشُور
الرصاصة
قبل الكلمة
الصرف
بالصندوق
ومُسدس الطوارىء
قبل النحو
أو الطريق.
الجبال التي تصل أعاليها
"ِحدرةُ العسكر"
قبل العَلم.
الجبال
ا لـ جـ بـ ا ل.
حافلة تعمل بالدُخان والأغانِي الرديئة
أنا طعنة شموس باردة
في
قلب
حجر
رهيف
قطرة هواء تلامس ورقة طبيعة
ورقتِِها
في مكان ٍ
خالٍ من المكان.
أسقط على مطر فيُورق
كآهةِ غريب ٍ
وأحزان فرح ٍ باذخ
كشساعة صمتٍ في بوحه العزيز .
أنا ريح عليها أثرخطوات مُتعبة
كبلاد مُكدسةٍ على جدار أصفر.
أنا صمتٌ مطعونٌ بالسكوت ِ
أفهمُ الصمتَ كمكان صالح للعيش
والحياةَ َكمفردة واحدة :
هي الحياة
ومحتشدا كجهات أعضائي .
أمسِكُ حُزمة ظِلال محروقة
في ـ ثقاب الوقت ـ
وحيدا كالمكان
رحبا كالفراغ
إنسانا كموسيقى
هواءً ككلمة حب
بلا زواج .
الماء وسيلتي في السفر
وأنا أتسلق أعشاب المرايا
وظلال الجبل من الداخِل .
أسيرُ
يجرحُنِي الطريق
ولا تعتذر المسافة .
يتنهد الِظل
ولا يعتذر الجالس في ظل فاكهته .
أزهر في الخطوة كشجرة ينبوع
تتحسس ظلالها المسروقة في الكتب .
تتأملنِي نظرة العالم
لينام الربيع
بعد فائض الصحو.
وأنا آراك ِ
أنتظِرُك ِمعا
في إخضرار قيامتكِ الشاهقة
لا أجد غيرهواءٍ مُوارب ٍ
خلف شموس ٍغاربة ٍ
في الظِلال.
أنزلُ إسمي من أعالي ظلالهِ
صاعدا شفق يديكِ المُجرّحتين ِ
(بغربة الماء في الحجر)
أرِممُ ما أنكسر من صورتي
في العينين الواسعتين لوجه السماء
أرمم صورة الضوء
وصوته على أجنحة التربة .
وغزارة الجدول اليابس
أرمم زجاج الفضاء المصروع
بصمت الريح
الزهور المشروخة
كأسطوانة العادة .
أرشني بشفة العطر ِ
وألتف بزرقة لون الضباب
محتفظا بماءِ اللغة ِ
رافِضاً ُصُرة الممدُوح
أرممُ الأغنِية بنثر الحياة
وبذهب القصِيدة
أكسِرُ الإيقاع كالشرف
لِيسقط مُسلحُون
بإسمنت ِالكلام .
ما أرهف ضبابٍ يَصّاعد بلا ُدخان
ويخترق جسمي بلا أذى
كأجنحة ملائكة لا تقبل الرشوة.
ما أكثر ما أستحم في فضاء يديك ِ
أسكبني على مطر ٍجاف ٍ
ومساءٍ مُكرَّر
كالحليب المُحّلب
فيصير مسائي :
حقلا ًأخضرَِ من الألوان
سماءً نظيفة كعشب البرق
ما أجمل الرغبة
في عدم الرغبة .
المشكلة
أنني حفظت جدول الضرب
ولم أحفظ جدول الماء.
الليل بجعةٌ سوداء
في بحيرة ٍمن إسفلت النجوم
وذهب السكوت المُزيف
وصمتي بُحَ من فرط نداءاته
أقصى ما أستطيعهُ
كتابة ذكريات ميتة
كمدينةٍ بلا بحر
أوالجُلوس على مقعدٍ مُهترء ٍ
في مؤخرة حافلةٍ تعمل بالدخان
والأغاني الرديئة
وتسيرُ بإتجاه القاع
غير أن الوصول ما يؤرقُ
لا المسافة .
الكلام وحده لا يغير شيئا
في المكان المكرر كطلقات سريعة .
وحيدٌ كحقيبة سفر ضائعة
أقدامي وحدها
من يتداول سِلميا أحذيتي
تعبتُ من المشي في الحُلم
لكنني سأظل أحلم ُ
كما أشتهي ترجمة الأشجار
أبتكرُ مكانا جديرا بالحياة
وأخاطب نِصف المُجتمع
أخاطبُ أمِي بطفولةٍ متأخرة
نظراتُكِ إلِيّ
تشرحُ ألم الجهاتِ
يكفي أن تمُرِّي بدُخان ما
ليفوز الهواء بجائزة البيئة.
أنام على نعاس يديك ِ
وأستيقظ دهرا
فلا أحسُ بالجوع
بسبب يقظة الأرغفة الدافئة
لِمشاعِرك.
أحتاج إليك ِ
حاجة الشجرة لِضوء النهار
الحياةِ لِعين ماءٍ لِترى
التراب ِليزهر
الوليدِ لِحليب أمه ِ
حاجتهُ للنوم
لينمو
حاجة الصيف إلى الساحل
والبحرلإمرأةٍ لا ُتمَلُ
حاجة الربيع ِلإبتسامة النفس ِ
الغريب ِ للمساواةِ
من فرط الشتاء
حاجة الخريفِ إلى لاشماتة ِ النظرة ِ
حاجة ُ الطفل ِ أن تنموَ عظامهُ
قبل تكسُرِّ الحُلم ِعلى جدار البيت ِ
حاجة العراء ِ للعراء
ِليدفأ َ
حاجة الهواء إلى العزلة ِ
ليتنفس
لو قليلا
بعيدا عن كُلفة ِالزحام ِ
حاجة ُالقسوة ِ
لِرهافة ِ الحجر
حاجة ُ الماء ِ
ِلإدعاء ِ الظمأ
حاجة ُ الفراغ ِ إلى نفسه ِ
لِيكتشِف .
حاجتي إليك يا حبيبتي :
لأكون.
أصغِي كثلج: قبل أن يذوب
في صحراء النوم القاحل من الأحلام
أراك ِبظهر مطعون بنظرة الملايين
المكبوتة للوراء
بكلمات كلماتي ـ أراك ِ
وأشربُ عذوبة صمتك المسموعة
أصمتُ إخضرارا
ولشدة فقدي أكاد أخلقك ِ
ولست ِ بعيدة
أراك تنفسا
أراك ِهمسا
يضيء شمس ظلال عتمة الطريق
أدغدغني وأعجز أن أضحك
أدغدغ ريح ظلال أحلامك
فينهض ماء ٌ في يدي
بحجم الحياة
وتسمعينني بماء شَعرك ِالنهري
فأتسع صمتا بك ِ
في تراب الريح
وربيع الأزهار الشاهقة
في سقوط ورقة خرافة.
إقترنت قصيدة هوميرالإغريقي بالملحمة
منذ ما قبل "ميديا يوريبيد يس"
أما ملحمة الشرق اليوم
فصارت تعني:
مكان الذبح ؟!
غير أن شفاف صدركِ
أستوديوه طبيعة مفتوحٍ
لم يكتشفه بعد:
لا أحد.
صدركِ الذي لا يقبل الشرح
يتسع لجهات كثيرة
ٍوسموات ٍأخرى لم أكتشف لونها بعد
أعيشكِ عشقا رفيعا
كخيط ماء ـ لا أظمأ بعدهًُ ـ
أعاني كثيرا
من فرط المَعنى
ووهم الإلتئام.
أحيا بحياة نظرتكِ
تكسر زجاج المسافة
وتدلق نعاس الماء المشتجر
مع فراسِكِ الحلم
وبشهي قُبلكِ ِالشهي
كمشمش الضوء بصيف بارد
أحيا بخيال خيالكِ المعصور
كشماّم ٍ حُلوٍ بلا سُكرَِّ في الدم
أحيا بحياة حبكِ العصافيرية.
أرتني يداكِ عروق ماء الضوء
لحظة مداهمة حُلم
في نأمةٍ يمام.
القصيدة:
شاعري المُفض.
وأنت القصيدة التي أعشق
بلا غزو
أوغزل ٍ
بحياتكِ
أميتُ حياة الموت
وأقطِرُعسل هواء ٍبلا حدود
بفرشاة مائك ِالذي يروي الماء
أحط ُعلى ِريش نومِكِ الهادىء كمحيطٍ
خارج المحيط
في زرقة عينيكِ السوداوين
أعلو كبرق أشرعةٍ خفيفة
وأغفو على ذهب أجنحة الفَراش
بحرير سمائك أدفأ
يبللني كريستالُ ضوءك
ويتلفعني بردٌ
فارا ًمن قسوة ِصفاتِهِ
لا شفاهية أنتِ
ولا مُرتجَلة في فم
يُطبق بثرثرته على عابرين
ويوصد فضاءً
ونوافذ منفوخة كخشب البالون
أكتبكِ لا ِلأكذب
لا
لأكون صادقا
ِلأصغي ِلحنو حنجرتكِ إذ تصمتين
لورد شجركِ الناعس في يقظته ِ
لأعلنُ مروري في حقيبة الماء
التي تحملين
في حيرةِ صمِتك المطلول
في إناء زهر إناء يبتسم
كطينة ريح مغسولة بالمَشاع
والقُبلِ النظيفة
أصمت ولا أتشابهُ
كطفل عينيك في إستعارة المرايا
أراني في نهد تنّهُداتكِ
أصلي في ضلالكِ
وأسير ُفي ِظلالكِ البعيدة
والأقربُ مما: أتصوري/ ن.
ِلشجرمُعطّر بخفتك ِ
أسافر
ألمسُ حواف الريح في وريدكِ
وأصغي كثلج :
قبل أن يذوب.
بقلب دقات قلبكِ أذرُ رياحاً
في تراب العشب
وأنفض غباراً عن ـ سطح العالم ـ
أمشي كشجرُ قرب نواّر ظلالهِ
ككلمةِ صامتةٍ
تتأمل"بكاء الدموع "
وبفمٍ لاسطحي
أبوس شفاه صوتك ِ
وُقبلك ِالطائِرة
أروي نومكِ بآبار حلمي الجوفية
ليفيض عنب النبع
وينمو زهر الصمت
في إختلاف الظلال
ويعشب الماء على رف كتاب الهواء.
أعرف كثيراً أن صمتي سَيُسَرَقُ
من غرفِ ـ حقوق المِلكية ـ
سيسرقه ُإستبداد جمهوريات الموز
بوفرة مؤخراتها الفقِيرةِ
ومن يكتبون على مرايا ليلهم.
أنا المُوقع أعلى هذا :
أكتبُ
لأصمت
لأتحدى بلا أعصاب
لِتصغي إليَّ الملائكة
"وشياطِين الإنس"
ِليصغي إليّ الإصغاء
في ضجيج السكاكين /
والموتى في عبورهم اليومي
لتصغي إليَّ البيوت الكائنة :
في الحي الميِّتِ
جوار المقبرة
وتظلينِ أنتِ عنوان الدليل
إلى نفسهِ
وكف رؤية الكفِيف
لا المُبصرالأعمى
مهندس الخطأِ
وحضيض الأغاني.
يدي أنا
خضراءُ في سماء خيالِها
ويابسة ٌ
إذ تهوي بقدمها
إلى اليابسة
شاعرة تكشف عن وجهها
في منبر القاعة
وما إن تطأ قدمهَا قاع المِنبر:
تتحجّب.
2
من اللحظة سأعيد علاقتي بالليل
إلى طبيعتها
سوف لا أُسمي الليل خطأ ً
لن أكتب كثيرا عنه بعد اليوم
بصفته رمزا في البياض
الليل المُفترَى عليه
بنجُوم الكتِف
الليل الليل الليل :
يكفي حُضورَهُ في الشاشةِ
لِتكون الرُؤية واضحة
كعتماتٍ شديدة الضوء.
3
أحتاج على غير العادة
إلى تحرير خطواتي
من خطأ جريدة اليوم
من رئيس التحرير مثلا
أوالمُصحح
من عادة الإتجاه التي يرتادها
آخرون يوميا
أوغالبا
إلى أماكن معتادة
كخطوة ٍ
لا تفكر سوى بالمشي
والإستعراض
في غُرفةٍ
أو سريرعنبَر ٍ
تحتاج يدي بِالحَاح ٍ
إلى يدِي.
يدي الأكثر رحابة من كل اللغات.
يدي التي أشمُ بها وأبصر.
يدي التي يسكبُنِي عِطرٌ
في مسام سمائِها
ويشتمنِي
قبل إقتراح الزُجاجة.
يدي التي تمتد إلى ما لانهاية
مخترقة جدار الصمت ـ الثرثارـ.
يدي التي تشبه ماءً
في لالونه
ولارائحته.
يدي التي لا تبيع
ولا تشتري تُرابا. ً
يدي التي يتحدث بها صمتَِي
وبَصمتِي.
يدي حاسة الريح
التي تلامس الأشياء بدفء
دون أن تراها الأشياء.
يدي القريبة في بعدها
وإقترابها
لاقرابتها.
يدي التي ما عتمّت
من فرط المصافحة.
يدي
التي
أنا مصنعها
ويدها العاملة.
يدي التي في الجهات كلها.
يدي التي ُتقرأ ُِمن أيمَا جهةٍ
يدِي
يدِي
أنا.
يدٌ لا تقطفُ الورد
حديقة.
يدٌ لا تصفق
وطن.
غير أن القاعة َفارغة ٌ
إلا من التصفيق.
نصوص
الطيور لا ُتهاجر
ُتحلِّقُ في الهواء فحسب
وما إن تحط على الأرض :
تهاجر الطيور.
الغرفة ُجدارٌ بحجم العالم
لا نصطدم به
إلا عندما نتحسس أعواد الكبريت
أو مسدس الغاز
كلما أضأنا الغرفة َ
صارت جدرانها ليلا.
المشكلة:
سروالٌ
ليس من الصعب
بل من الـ"عيب" حلُه.
حتى عُريك ِ
ِحجابٌ
أيضا.ً
الزهور وحيدة الأمكنة :
يغنيها جمالها
عن الآخرين.
الريح تقرأ كثيرا :
لذا تجدها في كل الجهات.
****
في عام 2003
سمعت شخص ما في حافلةٍ يقول:
"لن نتطور حتى في عام 2000".
الوقت صحيفة ٌ
لا تتوقف عن الصدور.
الأطفالُ
الذين لفرط جوعهم أكلوا الزهور :
صاروا حديقة.
هكذا أبدو وحيدا
كمجتمع عدو ٍ
خارج "كتاب الأصدقاء"
كشعب ٍأعزل ٍ
إلا من العزلة.
لا أستسلم
إلا للنعاس
و"لا
أنقلبُ
إلا
في النوم".
في سوبر ماركت الهُدى
تعرفت على العولمة
إشتريت ُعلبة تاريخ ٍ
وما إن رأيتُ أسفل العلبة
كان:
التاريخ مُنتهيا.
القصيدة
شَعرها فاحمٌ
كثلج يضيء
شعرها يصلح كثيرا
للنظر به ِ
إلى عتمة ِالخارج.
*****
الدُمى في الفترينات:
حياةٌ
والشارعُ ميتٌ
كموقف سيارات
غير واقفة
لا مدينة
ولا حديقة
سوى حديقة الجيش
يُمنع التصويرإذاً:
البلادُ كلها منطقة عسكرية.
***
نبيلة الزبير
- من مواليد عام 1964.
- تخرجت في جامعة صنعاء / آداب /علم نفس.
- ترأس مؤسسة: لقى للثقافة النسوية وحوار الحضارات.
- حازت روايتها: إنه جسدي، على الجائزة الأولى في مسابقة نجيب محفوظ للرواية والقصة للعام 2002.
صدر لها:
- متواليات الكذبة الرائعة، شعر، المستقبل دمشق، 1991.
- ثمة بحر يعاودني، شعر، الفكر دمشق، 1997.
- محايا، شعر، الهيئة العامة للكتاب صنعاء، 1999.
- إنه جسدي، رواية، الهيئة العامة لقصورالثقافة القاهرة، 2000.
- تنوين الغائب، شعر، دار الآفاق صنعاء ،2001.
- صعودا إلى فردة كبريت، شعر، إتحاد الأدباء صنعاء، 2003.
- رقصت في الصخر، سرد، 2003.
nabilah_z@hotmail.com
التميمة
في الفسحة التي أختارها النهار
ليغازل قطته
يحكم إغلاق الشرفة
كامنا يتقد وجهك
ينفث إلى سجادة النسوة
تميمة العازف على صعيد كرامة أولى
يتوافد العشاق من كمائن الوصل
تنفك عن أعناقهم الأكاليل المنسية
يطلقون ـ لوجه الحب ـ
سراح ورود أحبائهم
يبتكرون زهرة
يبتكرهم مواؤها
وأخيرا
يغرب الإنتظار
تتفتح الشمس خمس مراتٍ
كي تندس في فراش حبيبها فلا يلسعه البرد.
يحكم إغلاق فمه
يتوافد قطاع الشوق
علّك بين أولئك الذين ينتظرون كابينة إضافية
هل حضرت آخر عروض السحرة
لمعجزة الراكعات من النخل والطير
تصغي إليّ
دائما أنت تمضي على حبل صوتي
إلى أخمص الصمت
تُبقي الجداول مسدلةً
تنسى أن تربّتَ فوق مدامع نافذت
لا يردك حجر الليل
لا يجيء إلاّ بحجر ذاته الخالصة
لذا ينبجس العطر
تسبّح الأمشاج :
لا بورك في عود أخضر لا يحمل قربانه
لصباح القصيدة.
بدونك أسكن جسدي كله
أعترف بأني أضعف أحيانا
أحلم أحيانا بالحجر الأكثر تعطشا
لقهوة عيني
لا أخون
لا يعترف حجري إلاّ أنه كل يوم غيره
وأنني كل يوم أكثر تدفقا فيه
جرّب أن تطفئ شمعة الليلة السابقة
المرأة السابقة
لا تذهب إلى أيِّ نجار لتصقل نخلة
أرفع رأسك إلى سعف القبس
ثمَّ …
ثم…
أرجع البصر
تؤمن بالحب الأعمى
لستُ أدري بماذا أحبك ؟
جلّ جلال الظلام
لك معاقلك تحكم إغلاقها
ولي حجري.
مناخات
قرأتْ:
ها أنا ذي بمجداف واحد
أبسطه
ويطويه البرد.
قرأتْ:
تكسرتِ الموجةُ مرة أخرى
والشاطئ لا يزال في مكانه.
قرأتْ:
ما من داعٍ لأن تتهيئي لفنجان آخر
قهوتك
مرارة لا تحتمل
طأطأتِ الورقةُ:
كل هذا غير صالح إلا ….
مزقتْ كل ذلك ودخلتْ في القهقهة.
غبار المرات الأولى
هوامش من دفتر حضري لـ هاديس (*)
ستكسو وجهها الحمرة
الطفلة التي تقع على الأرض لمرة
ليست الأولى كما تشعر
الطريق الثانية تنفض غبار ركبتيها
عربة ستقف
ليغسل الشرطي تعب نعليه
نافورة كانت بئرا
يحاذر الأطفال أن يدلوا رؤوسهم من فوهتها
تخرج العيون من منتصف قعرها
لترى كل شيء أصفر وغريبا
هرم هذا الفرن كثيرا
يتمتم الشحاذ
تلوي أذنها المرأة
التي تبتاع كل يوم خمسة أرغفة
طفلان وجه أحدهما يلمع
فاترينة الكافتريا المجاورة
هي التي تلحس لعاب الولد الآخر
هذه الجلبة والغبار
لمبنى أنهدم
أو سينهدم بعد قليل
النوافذ
والأبواب
وأخشاب السقوف
لا تسمّى سرقةً عادةُ جمع الأنقاض
صاحب هذه السيارة واقف
الزمامير تثبته في الناصية
ريثما ينتهي أحدهم من العبور
ستتكدس الإشارات الحمراء
في فم الولد
ليبصق بها في الإشارة الثانية
سرب حقائبَ مدرسية
تحت آباط بدأ فوحانها يفضح الطريق
ستختبأ
أو ستحمل هذه الحقائبَ
آباطٌ برائحة مذكرة
عصير يندلق من يد رجل يعابث جنبيته [*]
بعد قليل يصب لعناته
على مرأة الناصية
التي أستنزفت عصيره
النساء لا يجلسن إلا تحت شجرة الزقوم
أحدهم يدفع بها من ظهرها
لكنها تترنح وتجلس تحت جذع الطلحة
عربة خضروات تندس بين وركي ولد يركض
الولد الآخر مسموم بالفتارين
التي أصبحت كلها شطيرة جبن
خردوات
ألسنة لهيب تلتلهم شريحة من الفضة
مكبرات صوت فوق عربة مقلوبة
أكوام طلاءات جافة ومطموسة
قضم بازلت
مكعبات
ودوائر هواء منخور في قلب الآجر
شمسيات لم يتبق منها
إلا مكبس الزرار
الذي يطلقها فلا تنطلق
وإلا قضبان حديد متباعدة ومعقوفة
شمس مكسورة عند أقدام الإسفلت
ستكسو وجهها الحمرة
تنفض عن سرتها غبار المرات الأولى
البنت التي تقع للتو.
***
نبيل سبيع
صدر له:
- هيلوكبتر في غرفة ويليه السير ببالٍ مغمض، شعر.
- متابعات التمارين السويدية، نص.
اليوم الذي تعيشه ساعة يدك بدلاً عنك
اليوم الذي يقف بأدب في الطابور.
اليوم الذي يربط خيط حذائه
ويجب أن يذهب.
اليوم الذي توسعه ذبابة.
اليوم الشفوي
(الجهوري أو المهموس).
اليوم الميكروفوني
والفوتوغرافي وهلم جرا.
اليوم المحكي.
اليوم المترجم.
اليوم المثلج.
اليوم الذهبي
أو الآخر العضلي.
اليوم العاطفي.
اليوم المنوي.
اليوم المباشر
وغيره.
اليوم الخلفي.
اليوم الجانبي.
اليوم الشكلي.
اليوم المطبوخ جيداً.
اليوم المستعمل أكثر من مرة.
اليوم التالف 100%.
اليوم المسلفن.
اليوم الكومبارس.
اليوم الداخلي ليوم
أو الذي يكون بدون درابزين.
اليوم الذي يدور هكذا في الصالة
ويكلّم نفسه.
اليوم المعصوب كله بالشاش.
اليوم المدلل
أو الآخر الذي يتعرق بدون حظ
فيستند إلى حائط
هكذا
للحظة
ويتنهد بقوة.
اليوم الذي يبقى هكذا
مقلوباً على ظهره
وقد يئس تماماً.
اليوم الذي يتعرض للغبار بدون مبالاة
وستجمع أظافرك الكثير من الوسخ
إذا ما هرشته.
اليوم الذي لم يشرحوه لك في المدرسة.
اليوم الذي تعاتبه
وقد يعتذر منك
أو الذي تسند ظهرك إلى ظهره
هكذا
وتتبادلان التهم.
اليوم الذي يحاذيك
ويسألك عن الساعة
أو الذي بمجرد أن يحاذيك
تسقط وتشتم أمه
فيدرك الآخرون
أنه دفعك بكتفه.
اليوم الذي يلقي عليك التحية
وقد تلتقط معه صورة تذكارية
أو الآخر الذي لا يلتفت إليك البته.
اليوم الذي تركض وراءه
وتناديه بقوة
فيواصل طريقه
دون أن يلتفت
أو تدركه.
اليوم يتوقف أمامك فجأة
طاوياً ذراعيه
وينظر في عينيك مباشرة
دون أن يتكلم
ودون أن يكون صامتا
فقط
يثبت عليك عينيه
ويبقيك هكذا
ترتجف وتتعرق
وقد تتظاهر بقراءة مقال في الصحيفة.
اليوم الذي يربت على كتفك
ويضم خدك إلى قلبه
أو الآخر الذي يركض خلفك ويدركك
فيلوي ذراعيك إلى ظهرك
ويثبتك بقوة إلى حائط
ولن تنسى كيف أمرك بأن تبقى هادئا.ً
اليوم الذي يكون ضيقاً
إلى الدرجة التي لا تسمح لك
بأن تقف داخله فارداً ذراعيك.
اليوم الذي قد يتهدم
بمجرد أن تعطس تحت سقفه.
اليوم الذي تحتاج فيه إلى "موتور"
لكي تتخيل شيئاً.
اليوم الذي تعيشه ساعة يدك
بدلاً عنك.
اليوم الذي يتفرج على طريقتك في الكسل
ثم يصفق لك بحماس.
اليوم الذي تدعه يتقدمك خطوة
لتتسلى بالكتابة على قفاه.
اليوم الذي يقدم لك الكرسي
وقبل أن تستقر عليه
يسحبه
فجأة
من تحتك.
تخوم
أين حدود العالم
لمجرد أن أنكر في ذلك
أدرك حجم المعرفة
ألجأ لتشكيل آخر للسماء
حين أنظر اليها من مكان مختلف.
أقدم تنازلا
أقدم تنازلا
لأن في المكان الذي لا مكان تحته
لقد رأيت امرأة تقود عثشرة من الرجال بمؤخرتها
أستطيع الأن أن أجزم
بأن الحياة مؤخرة عظيمة في جسد مجهول.
يقول السياف:
ليست المسافة بين الرأس والصدر
غير هذه التي تعبرها يدي إلى مقبض السيف.
تقول الضحية:
بل هذه التي مضت
لقد عشت عمرا ليس بالقليل
ومشيت لطويلا تحت المطر
وتبللت من ثيابي حتى أحشائي
مع أني كنت أحمل مظلة
لقد سمعت بشرا يصرخون
أوه
لم يكن ذلك غير صراخي
لا يكون أحدنا غيره
أخصر الطرق إلى إحداث نجاح
الإعتراف بالفشل.
أنصت لي
كلما كنت أقول كلمة
أردف:
أنت انعكاس لي
على ابتلاع كرة كاملة
حين أجدني عاجزا عن ركلها
وصفنى أحدهم بالغرور
لمجرد أن أبتعدت عنهم
"أمر مشروع أن ترى الآخرين
من المكان في الذي أنت فيه"
لا أستطع أن أصف أحدهم
بقولي:"كريم"
إذ ما من أحد عرفته
إلا وكان يعض أصابعه حين
يدفع
لا أستطع أن أؤمن بالنور
وأكفر بالعتمة
"العتمة نور آخر بطريقة أخرى"
لا أجد معنى لكل هذا
هل علي أن أؤمن بما لا أدرك ؟.
فواصل
كأنما أنت حبل في جوف طبل
بشر
غيرك.
وأنت
حبل
يتدلى
في جوف طبل
يحصفون الهواء الشاغر حولك
بأصابع مدفونة بشحم الغائب
وإبر نبتت فجأة في عانة
بشر
غيرك.
وأنت
يسبلون من معدن العربة
خالطين أقدامهم بفتنة الطين
ورؤوسهم
كأنما
دخان
مدبوغ
تتصاعد في أنفك
بشر
غيرك.
قصب
إلى الماء
كأنما
من خلاله
تنظر
إلى الرذاذ الممزوج بموسيقى أول
الخلق
حيث ترى إلى الأمتار العظيمة
شفيقة تخفق في الماء
الأستار العظيمة
والمراكب المصرورة
في زغب الشمس الأولى
المراكب المحملة بالبذور والنعاس
على خوار بعيد / مشقوق كنسيان
تطفو كلمسة وثيرة
فيما كائنات تسيل في المرايا
إلى بلغة المعدن
تلتهم جذورا نائمة في جوف خامل
وتنام.
لقد أضحكني ذلك الغبي
"إذ كيف يمكن أن أكون انعكاسا له"
بكل بساطة
ولكي يقنعني بأنه فهم ما قلت
موافقا
حرك رأسه:
"نعم.. نعم.."
مع أني شتمته
أبتسم لي
أبتسمت
ضحك
حسبني سأظهر أسناني ثانية
ربما هي المرآة
لقد رأيت وجهي في ماء صاف
رأيت وجهي في ماء داكن
"أوه
لا
عليك أن نكفر بذلك"
الكأس فارغة
مملوءة
مملؤة برغبته
أرفس الهواء حين أحس بأني طلمت
سأظل
هكذا
أرفس
أراني قادرا.
الكأس مملوءة
خذا كأسا
أملأها بالماء
وأزعم
أن هذا هو البحر كله
خذ وردة
أذبها في الماء
وأزعم
أن هذا هو الحب كله
خذ شوكة
أغرزها في الماء
وأزعم
أن هذا هو الموت كله
خذ دما
علقه في الماء
وأزعم
أن هذا هو التاريخ كله
خذ عود ثقاب
أشعله في الماء
وأزعم
أن هذا هو الشمس كله
خذ حجرا
ألقه في الماء
وأزعم
أن هذا هو الكون كله
خذ مرآة
أكسرها في الماء
وأزعم
أن هذا هو الاله كله
وحتى البلغة ص!
لم يحدث
ـ أبدا ـ
أن سقطت السماء
مكسورة على الأرض
لمجرد أن أحدهم
قذفها بحجر .
***
نادية مرعي
- من مواليد صنعاء، عام 1972.
- ماجستير فلسفة آداب.
- نائبة رئيس إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
- منسقة شبكة الإبداع والتربية على حقوق الإنسان بمنظمة العفو الدولية في اليمن.
- نائبة رئيسة مؤسسة إبحار للطفولة والإبداع.
- تحررصفحة المرأة بجريدة: رأي.
- رئيسة قطاع المرأة بحزب رابطة أبناء اليمن.
صدر لها:
- أزاهيرالعطش، شعر، الهيئة العامة للكتاب، 2000.
سرابات يضللها حنين!
يعتمر حزنه
كآخر لمسه
آدمية يدعيها
ثيابه المعتقة / جلده
الذي يود لو يتملص منه
وصغاره القابعين
وراء المجهول
يودعهم
كل صباح
بعبرة لا تلتمع على صفحة عينيه
منتشياً
هكذا تدعي خطواته المستعجلة
افتراض أن حبيبته الحقيقية
بإنتظاره
وأن أعمالا مهمة عليه انجازها
والكثير من الأصدقاء
المفترضين أيضاً
المشتاقين إليه.
ذهاباً
وإياباً
يطوي يومه
يخرج رأسه الكبير
المتصدع
من داخل قلبه
باحثاً عن سواد أو أي لون
يصبغ به أفكاره الطيبة
عن الآخرين
مضرجاً بحنينه
يدلف فعله السراب
متسكعاً
شارداً
وحزين
أكثر مما يحتمل بحر
يمد نظره ينسج أمواجاً
يراقصها
يذيب روحه في قبلاتها
حلاوة فائقة العشق
بزهو يمسد جراحه
يئدها على شطآن طموحه
لا يبحث عن أب حقيقي
أو حتى مفترض
ولا يكف دموعه على أم يشوقها
يرمي عمامته
غير آسف
على رأس يدحرجها
الأسى
بملل.
تخوم أخوضها نحو حبيب أفترضه بلا مرجعية
حينما تنقشع جميع الأحزان
عن قلبي
ويجهش بفجيعتي
وحدك تحوم
بلا سوداوية
ولا تغاضي
وحدك
كما أتمنى
تتلقف حماقاتي
وقلقي
وتوتر أولوياتي
وسجلاتي المربكة
ولا تسيء تفسيرالسخافات
التي تعتقدها
وحدك تحمل مرآتي
وترى نفسك بها
محبوبتك
أبقى
فلا تجحدني
ولا تكفر بكل شيء
ولا تتجاهلني بتلك القسوة
وتدهس نبضي
وروحك الشريكة فيه
ليس دائماً أجمل الائتلاف
قرين الإختلاف
وليس صحيحاً أننا وجهان
لنبض واحد
لكن الدماء التي تغمر
قلبينا الصغيرين
تكتنف كثيراً من تلك الآمال
تتفاقم بجمالها.
لا تئدنا
ولا تذوي
دعني أظن أن ثقة ما
بيننا
دعني أتصور أنني أسيطر
على تعاطي قهرنا
وقلة حيلتنا
ليس بيننا فراغ لحمامات سلام
فصراعنا طفولي
وبشري جداً
علينا إلا نكون شعراء دائماً
ولا أطفالا
غير متفهمين
ليس هذا الوجع
الأسلوب الأمثل
لقفل أو فتح
كل هذا
الشتات.
لست أملك بعض الكثير من الشمع
لكنني سأوقد كل ما في يدي
من آمان
سوف أنشر أجنحة
لست أعرف من أين تنبت
لي كذبابة
وأهش بها خوف الصغار
ودهشتهم
من سياسيتنا
وسأنفث همي
وأطرق
عل اللفافات
تتركنا للسراب
الذي سنلاحقه
في صدى ضوء شمعة
ليس عندي الكثير
من الدمع
أذرفه
تعبت أضلعي
من كل هذا
النشيج.
***
وضاح اليمن الحريري
صدر له:
- أربعة طقوس للموت، شعر، 1997.
- لا أتذكر شيئا، شعر، 2000.
ليت العالم يصبح مكعبا كي لا يتدحرج أكثر
للمرة الثانية تمزق قميصي أيها الوطن
حسنا
سأخبر والدتي بذلك /
فانتازيا
(هل تسمعني يا زجاج).
أبواق السيارات في زحمتي لا تتوقف
إلا إذا بدلت جسدي بشارع عريض
وأسترحت على طاولة تشرب الشاي معي
عندما يندلق عليها فيلسعها
لست خرافيا إذا طلبت من رجل المرور
وقف زحف الصراصير
إلى السوق وعلى الوجوه الراكدة
ليت العالم يصبح مكعبا كي لا يتدحرج أكثر
فحين أسافر من الباب إلى النافذة
ومن الدولاب إلى المرآة ترهقني خطواتي
لأن حذاء السنوات ضيق
أحتاج لتخفيضات في الأسعار
كي أطلب وطنا (تيك أواي)
أو أرسل وطنا بالفاكس
إلى مكتب تأجير عقارات.
عدة أعوام ولم أصل إلى الشماعة بعد
فموكيت الغرفة مزدحم بالفقراء
وأنواع الفقراء عديدة مثلا فقراء
(كريستيان ديور) و(بريتش بيتروليم)
وفقراء (سامسونج)
وهناك على الموكيت أيضا فقراء
يحكون اللغة العربية
الألف حرف بدوي جاء يسعى
وبنى خيما من عدة طوابق
كقصور الجنة
علمنا كل الأسماء :
( روتانا) إسم فتاة غجرية
)هوت بيرد) قاموس في علم الأعضاء
و(دريم) شاب مثقف وعاطل عن العمل
ستمضي أعوام قبل وصولي إلى الدولاب
لأتأكد من أرقام المحمول
وأنا
لا أعرف من سيحملني ؟
وأنا سأحمل من ؟
أخر (ماسيج) قالت :
أن قبائلنا تغني أغاني رعاة البقر
يا أمي
يا أمي
وطني مزق قميصي
فعلى ماذا سيقع (الكتشب)
وطبق السلطة ؟
العالم عولمنا فصرنا عوالم
العالم شيئنا فصرنا أشياء
العالم بضعنا فصرنا بضاعات
العالم مكننا فصرنا مكائن
العالم أفقدنا عذريتنا فصرنا حوامل
وأتسع الفتق على الراتق
جاءت عرافتنا ونصحت ببخور ولبان ذكر
وباطالة الشعر
باستخدام شامبو (دوف)
و(هيد أند شولدرز) الجديد
وبكريم (فير أند لافلي)
لتبييض البشرة
ولا فائدة
ولد جنين يشبه أحد جنود (المارينز)
حتى أنه ورث نفس الوشم
على ذراعه الأيسر
كان المرحوم (بوب مارلي)
يغني:
GET UP STAND UP
ومحمد سعد عبد الله:
خلاص حسك تقولي روح.
أقصد يا أمي
أن وقوفي أما المرآة طويلا جدا
جعلني أرى الأشياء بظهري ومن الرؤيا
كل أطفالنا الذكور من المارينز
كل أطفالنا الإناث شيكات واجبة الصرف
اللغة العربية لغة رابعة
بعد الإنجلش والعبرية ولغة الإشارات .
خيل لي أن المشعل في يد تمثال الحرية
يشبه العصا
والتاج على رأس المرأة
يشبه قبعة العسكري
وللتمثال وجهان
الأول أمريكي
والثاني أعرفه من قبل لكني لم أميزه.
في إحدى زياراتي للمريخ العام الماضي
كنت أعاني من الإمساك
فوجدت ملحا انجليزيا
في غرفتي ملح انجليزي
كان المريخيون يحتفلون بشرب بيرة (هينيكن)
وعندنا توجد بيرة (هينيكن)
كان المريخيون يستخدمون صابون (لوكس)
وهو الصابون الذي أستخدمه
كان المريخيون يدخنون (المارلبورو)
وهي تباع لدينا
وعلى هذا تقدمت بطلب الجنسية.
يا أمي
اكتشفت أن أبناء عطارد وبلوتو ونبتون
على علم بالموضوع
بسبب أجهزة الــ (FBI) و (CIA)فانتازيا.
يا أمي
وطن مغلي خير من وطن فاتر
وأنا بعد أن مزق وطني قمصاني
أشعر بالبرد حتى أكاد أتجمد
أبواق السيارات في زحمتي لا تتوقف
إلا إذا بدلت جسدي بشارع عريض
وأسترحت
على طاولة تشرب الشاي معي
عندما يندلق عليها فيلسعها.
فاصل
نخترع آلاف الحكايات
فقط كي نتحرر
ـ العاشرة بعد المائة ـ
ها أنا لا أتذكر شيئا.