زياد خداش
(فلسطين)

(فيصل سمرة- السعودية)تتسلل إلى رأسي هذه الأيام أفكار غريبة منها مثلا: ضرورة تشكيل أمن وقائي عربي لحراسة النص الإبداعي العربي. من الدخلاء والفضوليين والمزيفين الفارغين خصوصا من فرسان النت الذين لا يحتاج منهم نشر النص سوى طباعته ونقر كلمة send ، تتقافز في ذهني اقتراحات قد تبدو مضحكة ومجنونة ولكنها تريح ضميري (وتفش خلقي) منها مثلا تأسيس سجن أو معتقل كبير علي أطراف المدن العربية ، يسجن فيه أدعياء النص الإبداعي وسارقو صفة الأديب ومشوهو اللغة والعبارة والفكرة. سجن كبير يتسع للمئات يطلق عليه اسم "سجن الأدباء الفارغين". إذ أنه ليس على الصعيد السياسي فقط ترقص المهازل والمفارقات في وطننا وإنما على الصعيد الثقافي أيضا فمن السهل جدا جدا ان يصبح أي إنسان في هذا الوطن شاعرا أو روائيا، فقط المطلوب هو حفنة من الأصدقاء المطبلين، وفرصة للنشر، الأصدقاء موجودون دائما، وفرص النشر متاحة لبائع الكعك وسائق الفورد وجامع القمامة مع احترامي واعتذاري الشديد لهذه المهن وأصحابها الذين أسيئ إليهم حين أشبه الكاتب الفارغ بهم، فجامع القمامة لا يسيء لأحد بالعكس فهو ينظف شوارعنا من القاذورات، أما الكاتب المدعي المتطفل فهو يسيء إلى نفسه أولا ثم إلى اللغة والأدب والى الوطن بشكل عام، وليت الأمر يقتصر على الكتابة والأدب بل تمتد الفاجعة لتصل إلى حقول المخرجين السينمائيين والفنانين التشكيليين والمسرحيين أيضا. ان السهولة هي عنوان مركزي للحياة الثقافية العربية ، وللحياة العربية بشكل عام، فبسهولة شديدة يشهر مواطن عربي قبضته وشتائمه في وجه مواطني آخر ينظر باتجاه الرصيف الذي تسير عليه زوجته ، وبسهولة منقطعة النظير تصبح بنت في الصف الثالث الإعدادي شاعرة واعدة حين تكتب خاطرة في صفحة المبدعين الصغار مثلا وفجأة نكتشف ان هذه البنت هي ابنة ضابط في المخابرات أو مدير عام في وزارة التربية ، إننا بسهولة نحب ، بسهولة نترك حبيباتنا ، بسهولة نموت ، بسهولة نتخرج من جامعاتنا، بسهولة نصبح عقداء وسياسيين وتجار ورجال أعمال وفقراء ، ان التطبيل و التزمير للأسماء الصغيرة التي تمتلك حظا متواضعا من الموهبة الكتابية يحيل إلى ثقافة الخوف اللاوعي من عدمية وجفاف ارض الإبداع الحقيقي في وطننا العربي المحاصر بالفقر والقمع والتخلف ، ذلك لا يعني تجاهل الأسماء الصغيرة المبدعة وتشجيعها "ولدينا أسماء مبدعة نعم" لكني أعجب من الحماس السريع البهلواني للكتابات المتواضعة جدا ، ثمة قسم من الأدباء يمتلك مقدرة كتابية صغيرة , ومتعثرة ، تحتاج إلى ودعم وإصلاح ورعاية وأصحابها كسالى وبليدين . صديقي الذئب عايد عمرو اقترح ان يخصص لهؤلاء قسم خاص في سجن "الأدباء الفارغين" يسمى قسم الإصلاح والتأهيل، مهمته الوحيدة إصلاح خرابهم وتأهيل إمكانياتهم العرجاء ويضيف الذئب عايد انه يجب عمل فحص قدرات نهائي في آخر دورة الإصلاح لتقرير وتحديد صلاحيتهم للتخرج من عدمها.
ها هي فكرة أخرى تشتعل في الرأس المجنون:- على أفراد الأمن الثقافي الوقائي زيارة الملاحق والصفحات الثقافية بصورة مفاجئة لضبط التجاوزات وردع التزييف ، فمثلا لو ضبطت مادة على شكل حوار مع كاتب عربي منقولة بشكل كامل عن صحيفة عربية أو موقع الكتروني عربي دون الإشارة إلى المصدر فيجب جر محرر الصفحة الثقافية من ربطة عنقه الأنيقة إلى مركز الإصلاح والتأهيل لعل الله يصلح حاله ويهديه إلى طريق الصواب، آمين. على الأمن الثقافي ملاحقة ومتابعة علاقات الأدباء مع النساء المسكينات البريئات اللواتي يسكرن فورا من سماع كلمات الغزل الخادعة , فيجدن أنفسهن فورا في السرير مع جسد الأديب المتعرق الذي يتسلى ويستمتع ، وحين تنهض االمسكينة من سرابها تفاجأ به يخرج من الغرفة دون قبلة حب أخبرة أو تفسير لما يحدث أو احترام لما حصل ، وتتبخر وعود الكتابة عنهن التي قطعها الأديب الغشاش لهن . ويجب ان لا يخفى على حراس وشرطة الأمن الثقافي العربي كذبات الكاتبات والشاعرات العربيات صاحبات النص الركيك اللواتي يستغللن جمالهن في الترويج لنصوصهن السطحية والمضحكة ، وفي الإيقاع بأقلام بعض النقاد العرب المكبوتين المحرومين .
أما المحرر الذي يحاور نفسه في ملحقه الثقافي أو صفحته الثقافية ويضع باستمرار صورته المكبرة (لا قطعها لله عن أنظارنا) فيجب على الأمن الوقائي الثقافي ان يصفده بالسلاسل ويشبحه على حائط عال أمام الناس ، حتى يكون عبرة لمن يعتبر ، عقابا وانتقاما لشرف النص المنتهك، وضمير الثقافة المهدور والمغدور ، وبهذه المناسبة نطالب السلطات الرسمية العربية واتحادات الكتاب العربية بسن قانون يعاقب بشدة كل مرتكب لفعل نقل النصوص دون الإشارة إلى مصدر النقل ودون استئذان صاحبها ، فهذا يشكل جريمة شرف ثقافية. ان الشرف لا ينحصر فقط في أنوثة المرأة المسفوحة على الطرقات ، بل يتعدى ذلك إلى مفاهيم وظواهر عديدة، فليس شريفا أبدا ان يقوم شاعر أو محرر ثقافي أو روائي أو فنان تشكيلي بكتابة مقدمات الحوارات الكثيرة التي تُجرى معه من قبل أسماء وهمية، وليس شريفا أبدا ان يستغل مثقف ما صداقاته للآخرين لتلميع نصوصه، وابدأ ليس من الشرف لنا جميعا ان نسكت على هكذا جرائم ثقافية . تسيء إلى حضارتنا المساء إليها كثيرا هذه الأيام ومن أطراف عديدة ، كنت أحب ان تستثنى منها الثقافة العربية ، أليست هي خندقنا الأخير ؟؟ يا الهي ابقي لنا خندق أخير ؟؟؟

ziadkhadash@hotmail.com