اعلم بأن هناك الكثير من الصداقات بين المبدعين و لكن أدهشتني تلك الصداقة و الأخوة التي ربطت الكاتبين الأمريكيين الشهيرين, هنري ميلر وجون كوبر بويس, صداقة عميقة, شفافة, صادقة طويلة. في عام 1951 حين كان هنري ميلر لا يزال يعاني من الرقابة على نشر روايته في الولايات المتحدة التي أدانت كتبه علي مدي سنين طويلة ووصمت بأنها كتب 'داعرة' تدعو إلى الانحراف و الفجور لطابعها الجنسي الإيروتكي, بينما كان الناشرون في أوربا يتهافتون على كل عمل جديد ينجزه هنري ميلر, كتب إلى صديقة و شقيقه الروحي (جون كوبر بويس) الذي شجعه ودافع عنه منذ البداية, يقول: "حين أصبح عجوزا , مثبط العزيمة إن لم أقل منهكاً, سأقرأ رسالتك لكي استعيد شجاعتي" .
لن ينسى هنري ميلر, يوم كان في العشرين من عمره, بضع كلمات تبادلها خلال حديث مع الخطيب المفوه جون كوبر بويس, بعد محاضرة ألقاها هذا الأخير في نيويورك عام 1917. فقد نشأت بينهما منذ هذا التاريخ مودة و صداقة حتى وفاة بويس في عام1963 . وكانا يتبدلان, خلال تلك الـ 46 عاماً الرسائل والنقد البناء والنصائح وعبارات التشجيع والثناء. لم يشعرا يوماً بحسد أو غيرة من أي نجاحات و إنجازات تمتعا بها خلال مسيرة حياتهما.
ما يجمع بين ميلر وبويس, أن كليهما غادر الولايات المتحدة في نفس العام 1930 , ليسكن هنري ميلر باريس سنوات عديدة , واستقر جون كوبر بويس بكروين في بلاد الغال ( جنوب غرب بريطانيا ) , وهناك كتاب صادر بالفرنسية بعنوان (مراسلة شخصية ) عن منشورات .." كريتريون" الباريسية ترجمة و تقديم نور الدين حداد, يضيء , برسائله الخمس والسبعين , جوانب سرية في حياة كل منهما. يوم مات بويس , في الواحدة والتسعين من عمره, كتب ميلر يقول: "كان ينبغي ربما أن أشعر بالحزن . إلا أنني لست حزينا. أيا كان المطرح الذي يحل فيه , إني واثق من كونه يتوهج بالمسرة والسلام".
"إنه لن يتغير شيء في هذا العالم ما لم يتغير القلب الإنساني، لكن من ذا بقادر على تغير هذا القلب" - هنري ميلر