(خواطر حول الأحداث العربية )
ـ 1 ـ
مهما تنوّع القولُ في الأحداث العربية، منذ بدأت في تونس، فإنها للباحثين مناسبةٌ تاريخية فريدة لفهم العرب ميدانياً:
كيف يفكّرون، وكيف يعملون؟
من هم في رؤيتهم للآخر العربي، والآخر غير العربي؟ ما معنى الآخر عندهم؟ من هم ثقافياً؟ من هم في علاقاتهم بعضهم مع بعض، وفي علاقاتهم مع غيرهم؟ ما دورُ المال في حياتـهم، مقـترناً بالـدين والـسياسة، أفـراداً وجـماعـات؟ ما مـســتوى فكرهم، وأخـلاقهم؟ أين كان ذلك المكبوتُ الضخم الهائل من النزعات والشهوات والمعتقدات والضغائن؟
ما مفهوم السلطة؟ هل هي وظيفة موقّتة يتداولها مختصون خاضعون لانتخاب دوري؟ أم هي كالخلافة، حكمٌ بلا حدود؟
وما الأساسُ الذي تقوم عليه «الهويّة العربية»؟ على الدين؟ على اللغة؟ على القبيلة؟ على المال والتجارة؟ على السلطة؟... وأين الفن، والشعر، والفلسفة؟ وأين العلم؟ وفي هذا كلّه ما يكون الإنسان العربي في العالم المعاصر؟ وهل تغيّر فكرُه بتغيُّر حياته وزمانه؟ وكيف؟
ـ 2 ـ
ظهر في هذه الأحداث كتّابٌ ومفكّرون يمكن وصفهم بأنهم طيِّعون سلَفاً لمعتقداتهم، خاضعون لأفكارهم المسبقة، يطبّقونها على نحوٍ مباشر وآليّ من دون تفحُّص، ومن دون تساؤل.
أليس مثلُ هذا الخضوع المباشر الآليِّ شكلاً «مثقّفاً» من أشكال التبعيّة؟ ألا يحقّ لنا إذاً أن نتساءل: هل التبعيّة المثقّفة شكلٌ «حديثٌ» للحرية؟ وهو سؤالٌ تفرضه هذه الأحداثُ، التي أكّدت وتؤكّد أنّ الأكثرَ وعْياً مُنقادٌ، في فكره وعمله، إلى الأكثر مالاً.
ـ 3 ـ
الشخص الخاضع مسبقاً لما «يؤمن» به، لا يفكّر إلا بوصفه مبشِّراً. وهو إذاً لا يحرّض على التساؤل المعرفي، وإنما يحرّض على الإيمان. ولا يعلّم الحرية، وإنما يعلّم الانحياز. وتلك هزيمةٌ مزدوجة: هزيمةُ وَعْيٍ، وهزيمةُ حرية.
ـ 4 ـ
الأحداثُ العربية الراهنة أفقٌ استراتيجيٌّ لدول العالم الغربي، لإسرائيل خصوصاً، لن تغيب شمسُه قريباً.
والأنظمةُ في هذا الأفق وجهٌ آخر للمعارضات. وهذه وجهٌ آخر لتلك.
ـ 5 ـ
تُثبتُ هذه الأحداث قوة السلطة التي تتمتع بها نزعةُ الثبات في الحياة العربية. تثبت مثلاً أنّ الأصولي لا ذاتَ له، فذاتُه متماهيةٌ مع «آمره».
تثبت هذه الأحداث انحسار الخطاب العروبي الوحدوي، أو القومي العربي.
الجامعة العربية، أو المؤسّسةُ التي تُسمّى بهذا الاسم، مسرحٌ صارخٌ لتلك الهيمنة، ولهذا الانحسار.
ـ 6 ـ
وتفرض هذه الأحداث على كل باحث أو مفكّر حقيقي، أن يعيدَ من جديد طرحَ هذا السؤال:
ماذا تعني كلمة «شعب» في خضمّ الخطابات الكثيرة الراهنة. خصوصاً أنّ كل خطابٍ يدّعي الانطلاقَ من إرادة «الشعب» ومن الانحياز له؟
نعرف أنّ لهذا السؤال الواحد أجوبة متعدّدة كثيرة، فليس هناك معنى محدَّد واحدٌ لهذه الكلمة «الأيقونة»: الشعب. وهذا يستدعي بالضرورة أن يُضافَ إلى سؤالِ النّوعِ «مَن الشعب؟» سؤالُ الكمِّ «ما الشعب؟».
هما سؤالان يذكّران بما يقوله الفيلسوف الألماني «كانط»:
«الإنسان حيوانٌ يحتاج إلى سيّدٍ، يحتاجُ هو بدوره إلى سيّدٍ...» إلخ
إذا كان الشخصُ الفرد هو النّواةُ الأساسية للشعب، ولا يتمتع هذا الفرد بحرية المعتقَد والتعبير، فكيف يمكن أن يكون حرّاً شعبٌ يتكوّن من أفرادٍ ليسوا أحراراً؟
يذكِّر هذان السؤالان أيضاً بأن «الشعب» العربي لا يزال يعيش في «ثقافة» الخلافة، دينياً وسياسياً واجتماعياً. و «الثورات» التي قام بها منذ سقوط الخلافة العثمانية، لم تكن إلا صراعاً على السلطة، وإلاّ تَقاتُلاً وتنابذاً واجتراراً وتكراراً لأحواله القديمة.
لا ثورةَ إلاّ بدءاً من القطيعة الكاملة مع تلك «الثقافة»، تأسيساً لثقافة أخرى.
ـ 7 ـ
يمكن النظر أخيراً إلى هذه الأحداث من زاوية العلاقة والصراع بين «الغرب»
و «الشرق». هكذا أصفها بأنها «حروبٌ صليبية» معكوسة، وهذه بعضٌ من أهدافها الظاهرة:
1 - تعمل «المسيحية السياسية» الغربية (ضدّ المسيحية المشرقية) على قيام (إقامة) دول عربية-إسلامية (معتدلة)، وما ذلك إلاّ لتعطي مشروعيّة (إسلامية) لتأييدها يهودية إسرائيل.
2 - تعمل هذه «المسيحية السياسية الغربية» على الخلاص من «الأصوليين» المتطرّفين-الإرهابيين، ومن «العلمانيين»-الكَفَرَة، وأعداء الدين.
3 - تحقّق في هذه السياسة «سيادتَها» على العرب المسلمين، وتحصّن مصالحَها عندهم، و «تتملّك» ثرواتهم، وذلك من داخل، بإرادتهم الكاملة، وبالتعاون الشامل معهم.
4 - تُحكِم اسْتراتيجيّتَها، وقوفاً في وجه روسيا وفي وجه الصين.
رؤية سياسية بائسة، ضدّ التقدّم، وضدّ التاريخ، وضدّ الإنسان.
ـ 8 ـ
السلطةُ غابة: منذ أن تدخُلَ فيها لا تعودُ تعرفُ كيف تخرج منها.
ـ 9 ـ
هل التاريخ حدثٌ إلهيّ برؤية إنسانية؟
جائزة «ملتقى الحضارات» لأدونيس
مُنِح الشاعر أدونيس جائزة باور كا فوسكاري (ملتقى الحضارات) في مؤتمر دولي للكتّاب أقامته جامعة كا فوسكاري في فينيسيا (البندقية) بإيطاليا، لهذا العام 2013، وذلك بين 10 و14 من شهر نيسان الجاري.
وأقيمت له للمناسبة، أمسية شعرية-فنية خاصة مع صديقيه الرسام ماركو روتيللي، وعازف البيانو فرنشيسكو ديرّيكو.
--------------------------
الحياة- ١٨ أبريل ٢٠١٣