فردريك نيتشه

إعداد: سارة القضاة

فردريك نيتشه أتوسل إليكم أيها الأخوة ان تحتفظوا للأرض بإخلاصكم، فلا تصدقوا من يمنونكم بآمال تتعالى فوقها، إنهم يعللونكم بالمحال فيدسون لكم السم، سواء اجهلوا أم عرفوا ما يعلمون، أولئك هم المزدرون للحياة، لقد رعى السم أحشاءهم فهم يحتضرون، لقد تعبت الأرض منهم فليقلعوا عنها.

*

لقد كانت الروح تنظر فيما مضى الى الجسد نظرة الاحتقار، فلم يكن حينذاك من مجد يطاول عظمة هذا الاحتقار. لقد كانت الروح تتمنى الجسد ناحلا قبيحا جائعا متوهمة أنها تتمكن بذلك من الانعتاق منه ومن الأرض التي يدب عليها. وما كانت الروح الا على مثال ما تشتهي لجسدها ناحلة قبيحة جائعة، تتوهم ان أقصى لذاتها إنما يكمن في قسوتها وإرغامها

*

أحب من يعيش ليتعلم، ومن يتوق الى المعرفة، ليحيا الرجل المتفوق بعده، فإن هذا ما يقصد طالب المعرفة من زواله، أحب من يعمل ويخترع ليبني مسكنا للإنسان المتفوق، فيهيئ ما في الأرض من حيوان ونأت لاستقباله، فإن هذا ما يقصد طالب المعرفة من زواله.

*

لقد آن للإنسان ان يضع هدفا نصب عينيه، لقد آن له ان يزرع ما ينبت اسمي رغباته ما دام للأرض بقية من ذخرها، إذ سيأتي يوم ينفذ هذا الذخر منها فتجذب ويمتنع على أية دوحة ان تنموا فوقها.

*

أريد ان اعلم الناس معنى وجودهم ليدركوا ان الإنسان المتفوق إنما هو البرق الساطع من الغيوم السوداء: من الإنسان. ولكنني لم أزل بعيدا عن هؤلاء الناس وفكرتي بعيدة عن مداركهم، فأنا لم أزل متوسطا بين مجنون وجثة هامدة.

*

لقد كان العقل فيما مضى يتعشق كلمة الواجب كأنها أقدس حق له، وقد أصبح عليه الآن ان يجد في هذا الحق المفدى ما يحدو به الى التعسف والتوهم، ليتمكن باراق عشقه ان يستولي على حريته وليس غير الأسد من يقوم بهذا الجهاد.

*

ان الجسد السليم يتكلم بكل إخلاص وبكل صفاء، فهو كالدعامة المربعة من الرأس حتى القدم، وليس بيانه الا إفصاحا عن معنى الأرض.

*

يقول الطفل أنا جسد وروح، فلماذا لا يتكلم هؤلاء الناس كالأطفال إما الإنسان الذي انتبه وأدرك ذاته فيقول: إنني بأسري جسدا لا غير، وما الروح الا كلمة أطلقت لتعيين جزء من هذا الجسد. ما الجسد الا مجموعة آلات مؤتلفة للعقل، ومظاهر متعددة لمعنى واحد، ان هو الا ميدان حرب وسلام، فهو القطيع وهو الراعي.

*

ان الذات ما تبرح مفتشة مصغية، فهي تقابل وتستنتج ثم تهدم متحكمة في الشخصية سائدة عليها، فإن وراء إحساسك وتفكيرك، يا أخي، يكمن سيد أعظم منهما سلطانا، لأنه الحكيم المجهول، وهذا الحكيم إنما هو الذات بعينها المستقرة في جسدك، وهي جسدك بعينه ايضا.

*

ان في الحب شيئا من الجنون، ولكن في الجنون شيئا من الحكمة، وأنا نفسي التائق الى الحياة يتراءى لي ان خير من يدرك السعادة إنما هي الفراشات وكرات الصابون الفارغة، ومن يشبهها من الناس.

*

ان الثورة مفخرة للعبيد، فليكن افتخاركم انتم قائما على طاعتكم، وليكن أمر الآمر فيكم جزءا من هذه الطاعة نفسها. ان المحارب الصادق يفضل ما شب عليه على ما يؤيده، فعليكم ان توجهوا ما تؤمرون به الى هدف رغباتكم، وليكن حبكم للحياة تعبيرا عن اسمي أمانيكم، ولتكن هذه الأماني عبارة عن ارفع فكرة في الحياة.

*

من يرفع عن ظهر الأحدب حدبته فقد نزع عنه ذكاءه، هذه هي تعاليم الشعب، وإذا أعيد النور الى عيني الأعمى فانه لا يرى على الأرض كثيرا من قبيح الأشياء فيلعن من سبب شقاءه، ومن يطلق رجل الأعرج من قيدها فانه يورثه أذية كبرى إذ لا يكاد يسير ركضا حتى تتحكم فيه رذائله فتدفعه الى غايتها، هذه هي التعاليم التي ينشرها الشعب.

*

من يحوم فوق أعالي الجبال يستهزئ بجميع مآسي الحياة، ويستهزئ بمسارحها، بل بالحياة نفسها.

*

ما انتم الا جسور يعبر عليها من هم خير منكم، ما انتم الا دارج يرقاها المتجه الى الاعتلاء فوق ذاته، وعليكم ان تلينو له ظهوركم.

من (هكذا تكلم زارادشت)

الرأي
الجمعة 14 تشرين أول 2005م