إيلاف- طارق السعدي:

عبدعلي الرماحيلا يخوض الشاعر العراقي عبدعلي الرماحي في أي موضوع آخر خارج دائرة "الثقافة"، لكنه بالمقابل الجميل يكتب شعرا ويصمم مواقع لشعراء عرب على الإنترنت كما يتلصص على ما هو محظور بالويب العالمي. ينظر بعين قلقة لتشرذم المثقفين العرب خارج حدود بلدانهم وفقدانهم للذاكرة. أما علي الرماحي فلا يزال يذكر كل شيء بما في ذلك " بائعات اللبن الابيض الخاثر" أمام بيته.

أية علاقة هذه تربط عبدعلى الرماحي بالانترنت؟

الأنترنت بقدر ما هي شبكة معلوماتية ضخمة فأن عالمنا العربي على حد اطلاعي لا يزال غير مبصر منها الا أوجها ً محددة تتيح له التلصص على ما هو محظور في بلدان العالم الشرق اوسطي ، واذ أعتبر نفسي واحدا ً من بقايا الشرق أوسطيين النازحين بالقوة طبعا ً عن بلدانهم فأنني لازلت أمارس ما أعيب عليه الآخرين من ملاحقة لكل ما كان محظوراً بالنسبة لي ، أضف الى ذلك فأن علاقتي بالانترنت علاقة عمل أيضا.

هل ترى هذا "الانسجام" بين الشعر العربي والانترنت طبيعيا؟

اولا ً تختلف رؤية كل منا الى علاقة الشعر العربي بالانترنت ومدى انسجامه مع هذه الشبكة المتاهة، و ثانيا فان نشر الشعر على الانترنت كوسيلة لا يختلف عن نشره عن طريق الاساليب التقليدية من صحافة ومطبوعات وكتب الا أن مساحة الحرية في النشر على الانترنت وسهولتها و مجانيتها تسبب في ظهور اسماء كثيرة تدعي الشاعرية كما تسبب في ظهور كم هائل من المكتوبات التي يدعي كاتبوها انها نصوص شعر.

وهل شعراء المهجر العرب كما عرفناهم، هم أنفسهم بعد الانترنت؟

في عقيدتي ان الانترنت كآلة، من آلات العولمة فانها ذات بعد نفسي و اخلاقي ساهم في تغيير الروحية للانسان ككل، ناهيك عن الشاعر، غاية ما في الأمر أن شاعر المهجر ـ ولا ادري ان كانت هذه التسمية موفقة ولعلي استبدلها بالشاعر خارج حدود وطنه ـ تسلح بمسدس معرفي تكنولوجي اسمه الانترنت و صار يطلق زخات اوهامه و ينفخ ذاته ليجد الكثير ممن صدقوا هذا الدجل وصار الشاعر الفلاني و الشاعرة الفلانية في نظرهم ابطالا و مضطهدين ومناضلين في حين انهم كانوا داخل اوطانهم جزءا لا يتجزء من الالة الاعلامية السلطوية و في الوقت ذاته فان بعض الشعراء المقذوفين خارج حدود منابعهم يملكون من عفة النفس و الكبرياء ما يجعلهم يتسامون على نشر البضاعة الرخيصة من المهاترات و الادعاءات الجوفاء التي لا تثبت امام الوثائق التاريخية.

صممت العديد من المواقع لشعراء ومثقفين عرب، هل الأمر مرتبط بتواطئ قصائدي، أم فقط ولع بشبكة العنكبوت؟

وانت تعيش في بلد مثل كندا فانك تجد نفسك امام فقر ثقافي عربي بحيث لا تجد مكتبات عربية لبيع اخر ما يصدر من مطبوعات وان وجدت مثل هذه المكتبة فانك تجد ان صاحبها جزارا ً لا مثقفا، يتعامل مع الكتاب كما يتعامل مع جهاز كهربائي مستورد فتجد ان سعر الكتاب عشرة اضعاف سعره الحقيقي ومن هنا فان تواصلك مع الثقافة العربية امر متعب، ولقد وجدت في شبكة الانترنت ما يعوض هذا النقص المعرفي كما وجدت ان ما يتوفر على الشبكة لاسماء معينة من الشعراء لا يختلف كثيرا عن روح الانانية و البروباغاندا لابراز أسماء محددة ، لذا ارتايت ان يقرا من يقرا لأسماء شعرية اخرى .. اسماء لها اهميتها في المشهد الشعري والثقافي العربي وان اعتبر هذا مني تواطئا فنعم انا متواطئ مع النص المبدع والمثقف الإنسان.

كيف ترى العلاقات فيما بين الشعراء والمثقفين العرب ببلدان أمريكا والغرب عموما؟

قد تكون نظرتي بشكل عام سلبية وهذا ما يحاول الكثير من المثقفين تلميعه واظهاره بشكل يوحي ان انسجاما معينا فيما بين الشعراء هو السمة العامة لعلاقاتهم، وفي الواقع فاننا امام سمتين سلبيتين في هذه العلاقات اولاها التهميش للاخرين من المثقفين والشعراء ، و ثانيهما هو انطلاق الشاعر من مدرسة حزبية لا تسمح لاخر ممن ينتمي الى مدرسة اخرى بان ياخذ مجاله ولا تتعاطى معه على اساس ما يمثله هذا الشاعر او ذاك من اهمية في الثقافة العربية ، الا ان هذا لاينفي وجود بعض الشعراء الذين يتعاطون مع بعضهم بشكل يهدف لخدمة الثقافة بشكل عام مع ان اولئك في الواقع قلة قليلة.

إلى أين وصلت القصيدة العراقية؟

القصيدة العراقية وصلت الى ما وصلت اليه القصيدة العربية ولكن بشكل مخيف اكثر منه في القصيدة العربية، وهو ظهور ركام هائل من الاسماء قيل عنهم شعراء غير انهم لا يميزون بين المرفوع و المنصوب ولا يعرفون معنى عروض الشعر العربي ناهيك عن اتقانه كما لا يحفظون من الشعر العربي ـ كأرث ٍ لكل شاعر ـ اكثر من عشرة ابيات. من ناحية اخرى انشغل الشعراء العراقيون بالتجييل وتقسيم اسماء الشعراء الى اجيال عقدية و أرّخوا لها بشكل لا اعتقد انه موفق، في حين تركوا اهتمامهم بالتركيز على النص و تطويره.

وما جديدك الشعري؟ وما هي مشاريعك مستقبلية ؟

اشتغل في هذه الفترة على ترتيب مجموعة شعرية وفي ا لوقت ذاته اشتغل مع أخوة مدارات على تصميم موقع مميز لعدد منتخب من شعراء العراق بقصد ثقافي محض لاطلاع القارئ العربي على جملة من الاسماء الشعرية العراقية.

يا أيّها النبي ُّ .....

يا محمدُ .. وماذا على شسْع ِ نعلِكَ ألاّ يكوُنَه ُ هذا العبد ُ العاصي الذي أسمه عبد ُ علي بن ُ محمود ٍ الرماحي .

الى أخوة مدارات

1

أيّهذا الواقف أمام مرآة ِ أيامك
صامتا ً وهي أبلغ ُ من أم ّ ٍ تقص ّ ُ لولدها حكاية َ عمره ِ
وزجاجُها يحدثك عن هذا الرماد الذي تسلل الى شعر لحيتك
الرماد الذي قالت لك المرآة ُأنه نور
لطالما كذبت عليك َ المرآة ُ
ولطالما صدقتَها

2

لست بكافّ ٍ عنكم دون ان ْ اسمعَكم الحكاية
لأقصنّها بما يرفع عنها أبهامَها
لأتلونّها بلسان حسرة ألأمّ ِ ، فهو أبلغ
ألا ّ تسمعوا تكنْ عليكم حسرة
و ألا أقصنّها أكن ْ من الخائفين
لأجمرنَّها بأصابع العشق المحمرة
ولتسمعُنّها
فأن تك ُ فتنة ً ، تقمعُ
وأن تك ُ حكاية ً عابرة ً ، تُسمع ُ

3

الحكاية ُ أن ْ لا حكاية َ هناك
الحكاية ُ هنا
ولست ُ بكاف ّ ٍ عن أحد ٍ دون أن أسمعَه أياها
دون أن ْ أقصها عليه بلسان المعلّم ِ السكران
أعيدها وأعيدها و أكرر حتى تفقهَها جدرانُ المحاريب و أسطواناتُ المسجد
حتى يكتبها الكتبة ُ بحبر اصابعهم ويسمونها : فصوصُ القراطيس
حتى يلقنها الشيخ ُ صبيانَه .. تلثغ ألسنتهم بها الى أن ْ تشتد أعوادُهم
حتى يحفظَها المؤذن ُ .. وترددها ديكة ُ الفجر
الحكاية أن لا حكاية هنا
الحكاية هناك
وما أراني ألا قاصا ً أياها
ما أراني ألا محدثا ً لما أراني الدهر
فأن تكُ سيئة ً فما أثقل أوزارَ العالمين
وأن تكْ حسنة ً فما أخف َّ الهواء

4

وحين وُلدُ .. لفـّته أمُّه بخرقة ٍ خضراءَ
و ألقته بين طين و ماء
فأورقت ْ أطرافه ...
درْنُ حوله الصبايا
بدفوف الطرب
و لهن ًّ رنة ٌ
ولخلاخيلهن دنة ٌ
وقد رمسن اقدامَهن بالماء
ظلُّهن بارد ٌ
و هواؤهن ّ سرور ٌ

5

وحين أورقت أطرافه
شاع بين نسوة ٍ في المدينة أن َّ اغصانَه شفاءٌ
ربطنها العواقرُ على بطونهن فعرفتْ القوابلُ طريقَهن اليهن
وتمسَّح بها الشيوخ ، فسادوا
حين اورقت ْ اطرافه
حطت على ورقهن عصفورة ٌ
آمنة ٌ وجناحها يخفق في الماء من حولها
ريشُها مذهّب ٌ بالعيون ونغمتها مفضضة ٌ
وحين طارت ، تركت ْ على خرقته الخضراءَ نثارَ ريشها المذهّب
منسوجا ً على قماطه الأسود آية ً مبصرة

6

قماطه مبلل ٌ بالندى
حين آنحل ّ عنه فأخرج يده الصغيرة من خرقته الخضراء
بدتْ كما لو عمود نور ٍ أضاء وجهَه حين وضع كفَه في فمه الصغير
أغصانه مبللة بالندى
وأصابع كفيه مبللة ٌ بلعابه
و حين تبللت أصابع كفيه بلعابه
قال نسوة ٌ في المدينة : وما يدريكن لعله شفاء
كل هذا و الصبايا اللواتي أحطن به وهن ينقرن الدفوف ، يبحثن عن مرضعة له
وليس له أخت تدلهن على مرضعة

7

وحين بلغت أشبارُه ُ خمسا ً
غاصت به رمال ُ الجزيرة
حين عصاه بيده يقترح منها المدن َ
يسمونها عصا
و أسمّيها : آلة ُ الله

8

الحقيقة ُ أنه ترك َ وقع خطاه في غار ٍ مقفر ٍ
الحقيقة ُ أنه أختزل آباءَه في كتاب ٍ واحد ٍ
الحقيقة ُ أنه بات يتقلّب ُ في فراش ِ اللوعة و قلبُه حارس ٌ له
الحقيقة ُ أنه نزل َ من الجبل ِ وعلى كتفيه أعمدة ُ النور و ألواح الحكمة

9

يا أيها النبيُّ لم َ تركت َ يتاماك
أعينُهم تالفة ٌ بالرمد و رؤوسهم حليقة ؟
لم َ الباب ُ الواحدة ُ متعددة ٌ ؟
لم َ أبناؤك َ مشتتون في بطون الكتب و خيامهم في الصحارى ممزقة ٌ ؟
يا أيها النبي ُّ لم َ قرآنُك َ واحد ٌ و يتاماك تتطاحن ُ ؟

10

(( يا أيها النبي ّ بلّغ ْ ما أُنزل أليك من ربك .... ))*
* قرآن كريم

وندزور كندا
9 حزيران 2002

أسيرُك ِ

أسيرُك ِ
خرزةُ قلادتك ِ
الموشومُ على آستدارة ِ زندك ِ أحرفاً ُثلاثةً
ماؤك
ماءُ أسماءَ المندلق من بين اصابعها
موكلٌ بهموم ِ الخلائق أحصيها دمعةً دمعة ً
حار العرّافُ كيف يجفف مدامعي
حارت العرافةُ بمَ تجففني
ازرعُ بذرةً واسمّيها جنتي
وادعو اليها فقراء حارتنا يدخلونها بسلام آمنين
اخط اسماءَ خالقي على ورق الكرتون المقوّى وأسمّيه قرآني
حرتُ بي
بقائد ِ الجند الهارب من المعركة ساعة َ التحام الصفوف
سريتي تتثاءب
خارج من دهليز الاوبئة الرطبة
والج ٌ بمتاهات العتمة
أسيرُك انا
سيف ُ أجدادي يأكله صدأ ُ النسيان على جداري
خاتم ُ أبي القتيل ِ لا زال مرفوعا ً الى السماء
خشخشة ُ الماء على شعر مرفق جدي وهو يتوضأ
عمود ُ النور الوحيد الخافت في شارعنا المظلم
الوحيد انا
احيانا ً اكون وحدي
واحيانا اكون معي
ساعة َ ابحث ُ عني لا أجدني
حرتُ بي
اسيرك ِ انا
سكين ٌ مذبوحة ٌ تحت سطوة شفتك النازفة
بريق ُ خواتمك وقلائدك
لسعة ُ الشمس على انسدال ستائرك
فضلة ٌ نكرة ٌ انا
اسيرك
الصعلوك ُ الضليل
الفقير الذليل
المسكين المستكين
جمرة ُ التذلل في خاصرة الذاوي في مقام الخائفين
الذي هناك رافعا ً يديه... أنا ... أسيرُكِ
سبابة ٌ تتهجى مواطن الدهشة في عرائش الكروم
آباء ٌ يرفرفون على حبال الغسيل قمصاناً بائدة
مصلاة ٌ تقطر أدعية و توسلات
الاحمق احيانا ً
المثمر ُ صفصافُه
المصفدُ بأساور الرغبة
منتظراً في عرض الشارع قوافل البدو
يقايضون الحديد برغوة اللبن
سمرٌ وأوجههم كالحة
ونسوتُهم غائبات ٌ في غياهب الثياب الثقيلة الكثيرة المعفرة ِ برائحة الصوف العطن
الخشنات ُ بأسنان الذهب والخزامات ِ المغسولة بالعرق
البدو
يقايضون الخراب َ بالخراب
ثم يغادرون المدن
تاركين وراءهم روائحهم و دويَهم و فضلات جمالهم
أعني ما اقول
وأقول ما أعني وما لا أعني
كم افتقد الان الحذاء الصيفي الذي صنعه لي جدي سراج الاحذية
اتذكرين اراجيح العيد؟
حبال خشنة بين جذعي نخلتين عاريتين
اسيرُكِ
الطفل المكوم نائم على احلامه يخططُ اليقين بقطع الفحم على رصيف الشارع
اصابعه الصغيرة متسخة ٌ بسواد الفحم
اتذكرين بائعات اللبن الابيض الخاثر أمام بيتنا؟
المعيديات ؟
أتذكرينني؟ أنا اسيركِ؟؟؟

عبدعلي الرماحي شاعر عراقي يقيم في كندا
ويشرف على موقع فضاءات
http://fadhaat.tripod.com