خالد النجار
(تونس)

نشر عزيز أزغاي مجموعة شعريّة مفردة بعنوان لا أحد في النافذة. كما صدرت له قصائد كثيرة متفرّقة و أشتات من النصوص المترجمة للفرنسية و الهولندية ونصا واحدا ظهر في الألمانيّة.. عزيز صوت شعري مزيج من غموض سريالي ووضوح عقلاني، كأنّه معادل لفظي لغموض العالم ووضوحه. نصّه واقعي و حلمي في الآن؛ تحتشد فيه أشياء العالم اليوميّة في غنائيّة غير مفرطة، و لذيذة..و عزيز تعبيرة عن جيل شعري جديد في المغرب، جيل كسر حاجز اللفظيّة المجانيّة والبلاغة الخاوية الذي سقطت فيه القصيدة العربية، فهو يتعامل مع السياب أو هولدرلين ومع بودلير أو أبي البقاء الرّندي، أو المشهد الرصيفي، أو اللقطة التلفزيونية بحريّة كبيرة؛ وبدون جزع من الحواجز الثقافيّة، والمرجعيّة، فهو سيستعيدها كلها بعد ذلك في متنه الشعري؛ و في الآخر فإنّ حداثة هذا الشعر ليست تهويما لفظيّا و إنما مبرّرة نظرياّ.

سألته بدءا كيف كان مدخلك إلى الشعر؟

قال:
ـ قد يكون في الأمر بعض الغموض بالنّسبة لي؛ إذ أعتبر هذا الأمر مثل المجئ إلى العالم؛ لأنّ المسالة لم يكن لي فيها يد. لكنّني و ذات صباح بعيد وجدتني أميل إلى كتابة ما كنت أعتقده شعرا. ربّما كان هذا الإنشاد الجميل، و الغامض في ذات الوقت هو ما جعلني ابحث عن كلّ التفاصيل المحيطة به، و بكتابته. و ذلك في محاولة لتحصين الذات معرفيّا أقصد دور المراهنة بطبيعة الحال على أيّ قارئ محتمل؛ لأنّني كنت و ببساطة أبحث عن إشباع تلك الرّغبة الدّفينة في كتابة شئ يخصّني.

ـ لحظة الإشراق: كيف تم تحوّل التجربة الجوّانيّة إلى مادّة لغوية يعني العبور إلى الكتابة إلى صياغة الروح كلمات على الورق ؟

ـ بالنّسبة لجانب الصّياغة؛ كان ضروريّا بعد كل هذه الرّغبة الجامحة في القول الشّعري أن أجد الأداة.. وفي تلك السن وقعت مصادفة على أحد الأشرطة الغنائية لمرسيل خليفة وبقدر ما شدني إيقاع الرجل شدتني أيضا الكلمات وأحسست كما لو كانت الأفق الذي ابحث عنه: كان نصا لمحمود درويش. و لكن ولفطنة مبكرة انتبهت إلى أن كتابة نص خاص أمر يقتضي قراءات متنوعة من عنترة إلى طرفة بن العبد لمالك بن الريب و لكن التأثير المبكر و الحاسم كان لجبران.

ـ أيضا للشعر ينابيعه البعيدة القصية، أحيانا يكون للشاعر عوالم تهزه من خارج القصيدة كعالم الرسم أو الأساطير أو حياة الطيور …هي ثيمات و مواضيع شعرية تغذّي الشاعر من خارج الشعر؟

ـ بالنسبة لي عالم الأساطير هو أحد الينابيع.. أذكر ملحمة قلقامش و هي كما ندري من نصوص التراث الإنساني لقد كان لها تأثير كبير عليّ، حتى أنّي فيما بعد و عندما دخلت الجامعة اخترت التاريخ القديم كمادّة تخصص جامعي.

ـ أي الأساليب، أي النماذج و القوالب الشكلية التي أغرتك لأن تصبّ فيها تجاربك حتّى لا أقول أيّ التقنيات اعتمدت، فالتقنية كما تعلم نقيض الثقافة، نقيض الشعر ؟

ـ أعتقد أن المؤثّر الأوّل الذي جعلني أتّجه رأسا إلى قصيدة النثر يرجع بالأساس إلى ما يلي: أوّلا الإحساس بأن شكل قصيدة التفعيلة لا يتيح لي مزيدا من الصدق في التعبير عن كل ما أفكر فيه ما دام الشاعر يظل في أوّل المطاف و في آخره مضطرا للالتزام بقوانين هذه القصيدة الصارمة ـ ثانيا: قرأت أيضا أثناء هذا التحوّل كتاب ربيع أسود لهنري ميللر و من ذلك الوقت إلى اليوم، أعتبر ان كل ما كتبه هنري ميللر هو شعر. نقطة أخرى: بعد هذه الفترة بقليل و بعدما جرّبت الجامعة و اكتشفت كل الخطابات السياسية و الاديولوجية السائدة و مدى خوائها، و تهلهلها مقارنة بواقع العطالة التي كنا نعيشها آنذاك؛ قلت بعد ذلك صار من الصعب بالنسبة لي، و بالنسبة لعدد كبير من شعراء جيلي أن نستمرّ في ممارسة أساليب شعريّة خارجة عن ذواتنا. ومن هنا صار الاهتمام يتضاعف بأشيائنا الصغيرة التي كثيرا ما كنّا نصادفها على الأرصفة دون الانتباه إليها.

ـ وما هي خصائص هذه القصيدة المغربية الجديدة التي انعطفتم عليها ؟

ـ تعتمد هذه القصيدة الجديدة على الرّؤية؛ و ليست الرّؤية منحصرة فقط في المشاهد اليوميّة البسيطة و العاديّة؛ و لكن أيضا ما يتعلق باللوحة التشكيلية، و الصورة الفوتوغرافية، و اللقطة السينمائيّة، و المشهد المسرحي. و لك أن تقيس كل ذلك على الثراء الذي تصادفه يوميّا في مختلف و سائل تعبيرنا الشعبية من نسيج، و نقش بالحنّاء و ما إلى ذلك.

ـ هل تذكر بعض الأسماء التي حفرت هذا المجرى الجديد ؟

ـ أعتقد ان حسن نجمي و هو يصنّف كشاعر من جيل الثمانينات سبقنا للكتابة و النشر؛ و الشاعر عبد الله زريقة، والشاعر وساط مبارك؛ هذه الأسماء سبقتنا و ساهمت في إخصاب، و انتشار هذه القصيدة الجديدة؛ رغم أن لكل واحد منهم صوته المميّز، و أغنيته الخاصّة التي يغنّيها لليلاه.و لعل هذا الاختلاف الذي يبدو للوهلة الأولى على الأقل في نصوص الأسماء التي ذكرت هو ما يشكل ثراء هذه التجربة.

ـ و من أبناء جيلك ؟

ـ أذكر على سبيل المثال لا الحصر عبد الدين حمر وش، في تجربته التي تلت ديوانه الأوّل وردة النار أذكر أيضا جلال الحكماوي في كتابه الشعري شهادة عزوبة و محمود عبد الغني في حجرة وراء الأرض و حسن الوزاني في هدنة مــا و عدنان ياسين في مانكان ورشيد ميموني في قصائد فاشلة في الحبّ و أسماء أخرى لا تحضرني

ـ هل تستطيع أن تحدد لي بعض ملامح التمايز بين شعركم و الشعر المشرقي، و كيف تجدون الخطاب الشعري المشرقي اليوم ؟

ـ مما لا شك فيه أن هناك بعض التقارب الواقع اليوم بين التجارب الشعرية الجديدة مشرقية و مغربية. بيد أن هذا التقارب لا ينفي خصوصية كل تجربة على حدة سواء داخل بلدان المشرق أو بلدان المغرب. فإذا كانت اللغة مشتركة و الآلام أيضا، إلاّ أنّ لكل واحد رؤيته ورآه في تعاطيه للحياة. لذلك فأنا متأكّد من ان هناك قصائد نثر متعددة و ليست هناك قصيدة نثر واحدة.

ـ إذن كيف تبرر الجدل القائم بين المنتصرين لقصيدة التفعيلة، و المنافحين عن قصيدة النثر؟

ـ تاريخيا وكما هو معروف فإنّ كل جديد يثير حوله الزوابع. ولعل اللغط الدائر اليوم حول قصيدة النثر هو ما حدث بالضبط قبل أكثر من نصف قرن من صراع بين المتمسكين ببحور الخليل و بين دعاة الشعر الحر، شعر التفعيلة. كأنّ التاريخ يعيد أشباه الشعراء و النقاد الذين لم يعد أمامهم من شاغل سوى النباح على القوافل التي تمرّ.

ـ لم تحدثني عن موقفكم من أدب المشرق ؟

ـ هناك عواصم ثقافية جديدة بدأت تبرز بقوّة ملفتة. أذكر على سبيل المثال بعض التجارب الشعرية في سلطنة عمان، وفي البحرين، و في الإمارات العربية، وفي السعوديّة.. واذكر ديوانا جيدا عنوانه خشب يتمسّح بالمارّة لشاعر سعودي شاب لا أستحضر اسمه الآن.