أجرى الحوار: عثمان شنقر
السودان

جاكلين سلامعثمان شنقر: في إطار انفتاح الثقافة السودانية على الثقافة والإبداع العربيين في شتى مضامنها، في المهجر أو الوطن فإن " الصحافة" وانطلاقاً من ضرورة التواصل بين الشعوب العربية والافريقية تشرع في إجراء حوارات ثقافية على خارطة الإبداع العربي أينما وجد. واحد من هوؤلاء المبدعين، الشاعرة السورية المعروفة جاكلين سلام والتي تعيش في كندا منذ سنوات طويلة. وهي رغم شهرتها الواسعة وذيوع اسمها في العديد من الأوساط الثقافية العربية هنا وهناك إلا أنها لم تصدر سوى عدد قليل من الإصدارات عكس الكثير من الشعراء والشاعرات العرب الذين يزحمون المكتبات ودور النشر بعناوينهم الجديدة.
في هذا الحوار الذي أجريته مع الشاعرة على البريد الالكتروني، ومن مقر إقامتها في تورنتو- كندا ، طرحت عليها العديد من المحاور الثقافية والفكرية فأجابت عليها جميعاً دون أن توفر سؤالاً، أو تحس باستفزاز اتجاه بعضها..فإلى مضابط الحوار مع الشاعرة الكبيرة جاكلين سلام

*لاحظت أن عدد إصداراتك قليل جدا بالمقارنة مع صيت اسمك الذائع فى المنابر الثقافية العربية. أهو العيش فى كندا القصية التي تحول دون النشر؟

ج: شخصياً لم أبذل أي جهد للعمل على انتشار اسمي ولا أدري حقاً إن كان "ذائعاً" ويقدم ركناً جمالياً خاصاً. مايهم هو أن تكون المادة الإبداعية المقدمة هي التي تفوز باهتمام القارئ وليس اسمي. كثيرون يحفظون أسماء مشهورة اليوم ولكن إن قلت لهم أريد شاهداً من قصيدة أو فكرة من مقالة، فلا يجدون جوابا. ماتحتاجه الثقافة العربية والعالمية عموماً هو أن يصبح الشعر والأدب "نجم" الساحة، وليس أسماء الشعراء والشاعرات وصورهم. بحكم إقامتي في كندا النائية جغرافياً وطبيعة الحياة لا أجد متسعاً للململة أوراقي المبعثرة وتنضيدها في كتاب والبحث عن ناشر لايسأل عن عدد الدولارات التي سأدفعها مسبقاً وقبل أن يقرأ المخطوط. ومن جهة أخرى أرى أن التسرع في الطباعة لايكون في صالح الإبداع. صدر لي مجموعة مطبوعة الكترونيا، ومجموعتان مطبوعتان ورقيا وتم توزيع المجموعات كلها الكترونيا، سواء عبر موقعي الشخصي أو بالايميل أو بالنشر في مواقع وصحف مختلفة. ولي مجموعة طويلة أوراقها مكتوبة بين عام 2000-2007 عسى أن يجدها القارئ مطبوعة هذا العام. بالإضافة إلى أكثر من مئة مقال منشور في ميادين الإبداع كافة.

* أيضا فى السياق نفسه أنت تنشرين فى أكثر من منبر فى البلدان العربية (السفير، الشرق الأوسط وغيرها من الصحف والمواقع الالكترونية) هل تفضلين النشر الصحافى أكثر من النشر فى الكتب؟

ج: لأنني أكتب في حقول إبداعية عديدة ولا أقتصر على كتابة الشعر، لذلك تكون الصحافة اليومية هي النافذة الأولى التي تستقبل كتاباتي، وتوفر منبراً جيداً وفي متناول شريحة واسعة من القراء في عموم الوطن العربي. كتاباتي تتنوع بين مرجعات الكتب، آراء نقدية في الثقافة والأدب، قضايا اجتماعية ونسوية، مقالات رأي، ترجمات، حوارات، أنشطة ثقافية وفنية مهجرية وكندية. هذه الكتابات يجب أن تصل إلى القارئ عبر الصحيفة أو المجلة أولاً، وهي لاشك تصلح لأن تكون مادة في كتاب مطبوع. للكتاب منزلة كبيرة لدي لذلك يجب أن أبحث بروية وبدون ضجيج لأقدم مايستحقه القارئ والمكتبة. كما أنني لست متفرغة للكتابة فقط لذلك يكون الوقت دوماً في غير صالحي. كما أنني خارج إطار العلاقات الشخصية والشللية. عموماً، حتى اشتغالي في النشر الصحفي بداية لم يكن سهلاً، لقد كدحتُ بمعنى الكلمة كي تصل كلمتي إلى هناك.

* يتحدث كثير من النقاد والمراقبين الثقافيين، لو جاز لى، عن تراجع دور الشعر فى العالم أجمع، وليس فى الوطن العربى فحسب. فهل لمست هذا التراجع الذى يشهده الشعر من خلال التحامك بالحياة الثقافية فى كندا؟

ج: حضرتُ هنا مرة ورشة عمل خاصة بالنشر في كندا وكيفية البحث عن ناشر. النقطة التي لفتت نظري بأن الأستاذة أشارت إلى أن سوق الشعر غير رائجة هذه الأيام. والغالبية تفضل الكتابة الواقعية أو السير-ذاتية. وقد تنجو الأسماء "الكبيرة" المعروفة من متطلبات السوق، ورغم ذلك يكون عدد الكتب المطبوعة شعراً أقل بكثير من غيرها في حقول الرواية أو السيرة. هل هذا يعني أن الشعر العظيم قليل، أم أن الشعر تراجع عن هموم الإنسان المعاصر وقضاياه، أم أن هناك فجوة بين الذائقة العامة والكتابة الحديثة! لا أدري تماماً. ولكن نجد على مدار السنة، قراءات شعرية في تورنتو-في المراكز الثقافية، في المقاهي، في المصحات النفسية أيضاً. أحياناً يكون الحضور كبيراً وأحياناً يكون بائساً.

* إلى أى مدى يمكن القول أن الأنشطة الثقافية العربية فى كندا، وغيرها من دول العالم، ساهمت فى تغيير صورة العربى /المسلم التى تشوهت كثيرا باحداث الحادى عشر من سبتمبر لعام الفين وواحد؟ وهل تعتقدين أن ما تقومين به من أنشطة هناك يمكن أن يغير شيئا فى هذا الصدد؟

ج: مالحق بصورة العربي والمسلم في السنوات الأخيرة بنظري لايمكن إصلاحه بسهولة. وماعلى المثقف إلا أن يواظب على تقديم مادته الجمالية والفكرية التي تحمل روح الانفتاح والمسالمة بغض النظر عن أن يكون هدفه السعي إلى "تغيير الصورة السائدة". لابد أن الزمن كفيل بحل هذه الإشكاليات، كما أن الواقع السياسي الحالي متحكم بالثقافة أيضا والذين يشاهدون التلفزيون أكثر مما يقرأون الكتب غرباً وشرقاً. حين أكتب أو أشارك في نشاطات وقراءات أدبية، أقدم نفسي وصورتي كفرد، ولا أجدني ممثلاً عن بلد أو أمة. لكن المتلقي سينظر إلى المادة الإبداعية وفي اعتباره أن هذا صوت امرأة شرقية الأصل والثقافة واللغة. أعرف أصدقاء عرب يرسمون في لوحاتهم ثقافة تحمل السلام والجمال والتراث العربي العريق، ويكتبون صوراً عن مآسي الوطن وأحلامه، ويتفاعلون في حواراتهم مع الآخر ومعتقداته وثقافته. فهل يغير هذا شيئاً على المدى الطويل!

* لك مساهمات فى الترجمة. ماذا عن هذا النشاط . ألا تعتقدين أنه يمكن أن يصرفك عن الإبداع الصرف؟

ج: حين بدأت أتعرف على الأدب والشعر الكندي، وجدت أنه من الضروري نقل بعض الصفحات إلى القارئ العربي الذي لايكاد يصله أي شيء عن الإبداع في كندا. وربما يمكنني القول أنني أول من قدم ويقدم نماذج من الشعر الكندي المتنوع للقارئ العربي. لقد ترجمت صفحات من أدب الأفارقة-الكنديين، من أدب الهنود الحمر، من أدب الكندي الأبيض والمهاجر أيضاً. استمتع بهذا النشاط وتلقيت رسائل كثيرة مشجعة وتطلب المزيد. لا أعتقد أن على الشاعر أن يجلس مكتف اليدين بانتظار القصيدة. هناك أسماء مهمة في الأدب العربي قدمت ترجمات كثيرة لعيون الأدب العالمي ورفدت الثقافة العربية بجماليات كانت غائبة عنا. حين يتخلى الكاتب عن أنانيته قليلاً وعن الدوران في مركز ذاته، سيجد متعة وفائدة في كل نشاط ثقافي يمارسه، وإن أدى به ذلك للابتعاد قليلاً عن إبداعه الشخصي الصرف.

* البعض من النقاد والمثقفين يرى فى الشاعر جملة صفات منها: راءى، صاحب نبوءات، ومكتشف. كيف تنظرين إلى الشاعر الذى فيك، ومن ثم فى الشعراء الآخرين؟

ج: شخصياً تخليتُ عن فكرة الرسولية والنبوءات والراءي التي يرى الشاعر نفسه فيها. أرى الشاعر/ة، صانع للجمال والحب. وصناعته تتطلب المهارة في استخدام اللغة وتطويعها لحمل مشاعره وأفكاره. وتتطلب حذاقة الإبحار في قاع النفس البشرية ومدارات الكون. تتطلب الصبر والمعرفة والخصوصية في فهم الجسد ومتطلبات الروح. الشاعر إنسان له ملكات وموهبة ومعرفة ولا أجده محملاً بصفات بشرية خارقة. الشاعر صانع في معمل الحياة. وكثيراً ما تصيبنا الدهشة إذ نرى شاعراً تكون تفاصيل حياته مناقضة لروح قصيدته. وأحياناً أسمعهم يقولون: لستم معنيون بأفعال الشاعر/ة في محيطه وبيئته، لكنني شخصياً لا أستطيع أن أفصل بين الكلمة وكاتبها. من يكتب عن السلام أو الحب، يجب أن يتمثل ذلك في كل نبضة يعيشها. كشاعرة أحاول المحافظة على "طفولة الروح" ولا أعرف ماذا يأتي بعد ذلك. كيف أرى الشاعر في الآخرين؟ لا أرغب أن أكون ناقدة للآخرين وعلى عجالة. فهناك شعر وهناك قلة شعر تتوجها الشهرة. وبعضهم يعتقد أنه وصل إلى المجد وأصبح عظيماً ويسعده أن يرى إلى جواره مريدين وطبالين. ومازلنا جميعا نحلم بالشعر "العظيم"

* لماذا لا نسمع فى (عالمنا الثالث) بأسماء كبيرة فى الشعر أو الرواية أو القصة من الكنديين. هل ثمة تفسير عندك لهذه المسألة؟

ج: صحيح أن الساحة الثقافية الكندية بعيدة عن متناولنا في الشرق العربي. لدينا في كندا أسماء مهمة وكبيرة ولها ترجمات إلى لغات العالم، عدا العربية. ويجدر التذكير بأن الشاعرة والروائية الكندية مارغريت أوتوود كانت على قائمة المرشحين إلى جائزة نوبل، العام الفائت، وكذلك القاصة الكندية "أليس مونرو" وشعراء وشاعرات وكتاب حازوا على جوائز أدبية كندية وعالمية مرموقة لا متسع لذكر أسمائهم. أعتقد أن غياب كندا عن مراكز القوى السياسية الكبرى في العالم، جعلها في الهامش ثقافياً أيضاً. بالإضافة إلى كندا كانت تحت ظل ثقافة ومؤثرات "كولونيالية" تابعة لكل من انكلترا وامريكا. قرأت كتب ومقالات عديدة عن محاولات الباحث الكندي، الفرز مابين الثقافة الأمريكية والبريطانية وبين الثقافة الكندية. تحدثت مرة مع مديرة مكتب اتحاد كتّاب كندا، في تورنتو، عن مسألة التقصير في دعم الترجمة إلى اللغة العربية ومنها، فاعترفت بهذا التقصير وأحالت ذلك إلى قلة الدعم المادي المخصص لهذا الجانب. ومن جهة أخرى أعتقد أن الهجرات العربية القديمة كانت متمركزة في امريكا، وامريكا اللاتينية، لذلك تعرّفنا على أداب تلك المناطق. بينما الهجرة إلى كندا حديثة العهد وما يزال حضور المثقف العربي فيها محدوداً نوعا ما.

جريدة "الصحافة" السودانية
في 24 أغسطس 2007