حوار اليكتروني اشرف عليه وقدمه: عادل محمود

أمجد ناصرشاعر وكاتب وصحافي من مدينة المفرق الاردنية، ولد لعائلة بدوية وعاش جانبا من طفولته ومراهقته في مدينة الزرقاء، حيث بدأ اهتمامه بالشعر والكتابة باكرا من خلال الوسط الادبي الزرقاوي وخصوصا "نادي اسرة القلم الثقافي" الذي كان في السبعينات من القرن الماضي بؤرة الحياة الثقافية في المدينة الاردنية الثانية من حيث عدد السكان. عمل في التلفزيون الاردني منتصف سبعينات وانخرط في الوسط الشعري في العاصمة وبدأ اهتمامه بالسياسة في ظل الوضع العرفي الذي كان قائما انذاك.انتقل الى بيروت عام 1977 ملتحقا بالمقاومة الفلسطينية التي كانت تشكل قبلة الشباب العربي الثوري في تلك الفترة، واصبح محررا ثقافيا لمجلة "الهدف" التي اسسها الشهيد غسان كنفاني. اصدر في الثانية والعشرين من عمره عمله الشعري الاول"مديح لمقهى آخر" عن دار ابن رشد في بيروت وحظيت باكورة اعماله الشعرية باهتمام نقدي وصحافي انعكس في اهم الصحف اللبنانية مثل "النهار" و"السفير" و"النداء" التي تناول فيها عدد من النقاد والشعراء اللبنانيين والعرب ديوانه بترحيب كبير حيث وجدوا فيه فضاء شعريا مختلفا عما كان سائدا من شعر في تلك اللحظة، وقد قدم الديوان للقراء العرب الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف.

توالت أعمال أمجد ناصر بعد ديوانه الأول فأصدر ديوانه الثاني "منذ جلعاد" عام 1981 وشارك في صيف العام الذي يليه في جبهة الدفاع الثقافي عن بيروت مع عدد من المثقفين الفلسطينيين والللبنانيين والعرب في وجه الحصار الذي فرضه شارون على العاصمة اللبنانية واستمر ثلاثة اشهر. انتقل بعدها الى دمشق ثم الى قبرص حيث شارك في تأسيس اكثر من مطبوعة عربية وهناك كتب ديوانه الشعري "رعاة العزلة" الذي يعتبر علامة فارقة في قصيدة النثر العربية. ومن قبرص انتقل الى لندن حيث شارك في تأسيس صحيفة "القدس العربي" وعمل مديرا لتحريرها الى جانب اشرافه على القسم الثقافي فيها الى يومنا هذا..صدرت لأمجد ناصر ثمانية دواوين شعرية وكتابان في أدب الرحلة هما "خبط الاجنحة" و"تحت اكثر من سماء". شارك في عدد كبير من مهرجانات الشعر العربية والدولية مثل مهرجان جرش الاردني ومهرجان الشعر العربي في القاهرة ومهرجان لندن العالمي للشعر ومهرجان روتردام العالمي للشعر في هولندا ومهرجان برلين ومهرجان جنوا ومهرجان مديين في كولومبيا ومهرجان تراوا ريفير الدولي في كندا ومهرجان الدار البيضاء العالمي للشعر. ترجمت بعض اعماله الى الانجليزية والفرنسية والايطالية والالمانية والهولندية والاسبانية، كما اختير عضوا في عدد من لجان التحكيم الادبية والصحافية العربية والدولية ونال جائزة محمد الماغوط للشعر واصدرت المؤسسة العربية للدراسات والنشر اعماله الشعرية في مجلد قبل خمسة اعوام. قدم التلفزيون الاردني فيلما تسجيليا عن حياته واعماله في اطار عمان عاصمة ثقافية عربية كما حققت قناة "العربية" حوارا على حلقتين معه في اطار برنامج" روافد" الذي يعده ويقدمه الكاتب اللبناني أحمد علي زين. استهلم اعماله تشكيليا اكثر من فنان تشكيلي عربي مثل ضياء العزاوي وفوزي الدليمي ومحمد العامري وحكيم جماعين وصدرت هذه الاستلهامات التشكيلية في كتب فنية. ويعتبر النقاد الادبيون أمجد ناصر أحد ابرز شعراء جيله وله قدرة دائمة على التجديد وتقديم اقتراحات جمالية مفاجئة مثل كتابه الشعري الاخير "حياة كسرد متقطع" الصادر عن دار رياض الريس في بيروت الذي قدم فيه مغامرة شعرية في النثر والسرد واثار ضجة واسعة عند صدوره.

يحل أمجد ناصر ضيفا على الموقع الاليكتروني لصحيفة "العرب اليوم" في اطار زاوية "ضيف تحت المجهر" التي نستضيف من خلالها صناع الرأي السياسي والثقافي في العالم العربي والمهجر. نرحب بالقراء والمتدخلين في هذه الحلقة التي يجيبكم عليها مباشرة من لندن أمجد ناصر:

* لمياء المقدم/ شاعرة تونسية
أمجد ناصر من الاسماء المعروفة و البارزة على الساحة الأدبية العربية و ما من أحد يستطيع ان يشكك في ذلك ، لكن لي مؤاخذة عليك فيما يتعلق باشرافك على الصفحة الثقافية في صحيفة القدس العربي حيث نلاحظ اهتمامك بالنخبة المكرسة فقط من الأدباء العرب و عدم منحك الفرصة للناشئين على الرغم من أن البعض يتمتع بموهبة حقيقية تحتاج الى الدعم و التشجيع.

أمجد ناصر :
عزيزتي لمياء أجد قولك انني لا انشر الا للكتاب والشعراء المكرسين غريبا، فقد كنت اظن انني لم افعل على مدار نحو ثماني عشرة سنة سوى الاهتمام بما هو جديد على صعيد الاسماء والموضوعات، اي متصفح منصف للقسم الثقافي في القدس العربي يستطيع ان يرى اهتماما باسماء غير مكرسة وغير "كبيرة"، هذا فضلا عن ظني ان القسم الثقافي في القدس العربي قد يكون الوحيد بين الملاحق والصفحات الادبية في الصحف العربية المهاجرة الذي خرج من المركزية المشرقية واهتم بشكل جدي بالثقافة في الشطر الغربي من العالم العربي. ان حضور المغرب العربي شبه الدائم في القسم الذي اشرف عليه هو دليل على ان فكرة التكريس والمكرسين اشخاصا وادبا ومناطق ليست صحيحة على ما آمل. ولكن في كل حال اشكرك على اثارة هذه النقطة التي اعتبرها مهمة، لأن لا تجديد في الحياة الادبية العربية من دون الدماء الشابة، من دون مغامراتها واحلامها ونزقها ايضا، كنت ذات يوم شابا صغيرا وكنت اشكو نفس هذه الشكوى، يبدو ان الامور لا تتغير في نظر الشباب!

* صبري يوسف/ كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم:
الشاعر العزيز أمجد ناصر، قرأت لكَ الكثير من الدواوين والقصائد، وأتابعكَ عبر الصحف ومنها صحيفة القدس العربي، أهلاً بكَ يا صديقي، وأشكر الصديق العزيز عادل محمود على استضافته إيّاك ضيفاً تحت المجهر! تساؤلاتي تتمحور حول: 1 ـ كيف تستلهم نصّك الشعري وأنتَ غائص في معمعان العمل في الصحافة اليومية؟! 2 ـ ما الدوافع والمحرضات التي قادتك إلى عالم الشعر؟! 3 ـ متى وكيف تولد عندكَ القصيدة؟! 4 ـ كتب الأب الشاعر يوسف سعيد الكثير من القصائد في صفحة أدب وفن التي تشرف عليها، وأصدر الكثير من الدواوين، لماذا هناك اهمال وتعتيم من قبل النقاد والدارسين على تجربة الأب يوسف سعيد الرائدة في تحليقاتها وتجلياتها الجامحة نحو زرقة السماء؟!

أمجد ناصر
الاخ صبري يوسف: تحياتي وشكري لمشاركتك في هذا الحوار. انت لم تطرح سؤلا واحدا وانما سلسلة من الاسئلة التي يقود بعضها الى بعض. يحتاج المرء عمرا كاملا ليجيب على تلك الاسئلة، هذا ان وجد اجابات لبعضها. سأبدأ بما اظن انني قادر على الاجابة عنه. في بداياتي كانت القصيدة عندي تبدأ من دندنة ايقاعية ومن تصور غامض لموضوعها. كان الايقاع هو الذي يقود النص او على الاقل هو الذي يرسم عتبته. طبعا كان الاحتشاد الداخلي يساعد تلك الدندنة على السيولة والتدفق في اتجاه الحالة الشعرية الخاصة. بعد ثلاثين سنة من كتابة الشعر وانتقالي من طور في الكتابة الى طور اخر، لم تعد القصيدة تبدأ من تلك الدندنة الايقاعية والانفعال العاطفي المباشر. صارت القصيدة اكثر وعيا بنفسها وعالمها وصراعاتها في قضية الشكل والاسلوب حتى وان كان بشكل غير مباشر. صار لدي ما يشبه المشروع الشعري. وهذا تجلى في اكثر من كتاب تمثل موضعة واحدة، او موضوعة واحدة في عدة اوجه. حصل هذا في كتابي "سر من رآك" وفي "مرتقى الانفاس" والى حد ما في "الحياة كسرد متقطع". في هذه الكتب الموضوعات كانت واضحة نسبيا في ذهني، وكانت القصائد هي محاولا مقاربة لهذا الموضوع من جوانب متعددة. لكن كل كتاب شعري عندي هو محاولة للوصول الى القصيدة التي لا تكتمل للاسف. كل قصيدة هي قصيدة ناقصة مثلما كل رواية هي رواية ناقصة. لان النقصان هو قانون الحياة المؤكد، وما السعي البشري شعرا ادبا وفنا وفلسفة واديانا الا نحو اكتمال ما. نحو سد ثغرات النقصان الكبيرة في الحياة الانسانية. اظن ان هذا هو مسعى كل الفنون. ليس البحث عن الحقيقة ولكن عن الامتلاء بالعالم الذي يظل بدوره عصيا على الامساك والانحشار في زاوية، وكلما ظننا اننا وصلنا الى شيء من هذا الامتلاء اكتشفنا ان النقصان هو الذي ترجح كفته. يمكن لي ان اقول ان من اهداف الكتابة هو اكتشاف الذات وليس اكتشاف العالم فقط. فنحن عندما نكتب نحاول ان نكتشف انفسنا وان نرى الى موقعنا داخل العالم. انها ايضا محاولة لفك سر لغز الحياة الذي لا يقل صعوبة واستعصاء عن سر الموت. هذه افكار ودوامات شعورية تقلقني. وهذا رد على من سألوا عن علاقة الشعر بالواقع والشعر بالقضايا الكبرى. اظن على الشعر والشعراء والكتابة الادبية عموما ان تتحلى بشيء من التواضع وهي تتنطح لكل القضايا. ليست الاشياء كلها قابلة للتفسير، ليست واضحة وضوح اللونين الابيض والاسود. ليت الامور كانت كذلك لهانت وسهل فهمها. اظن كذلك ان اجابة كهذه قد ترضي الصديق الشاعر الاب سعيد الذي تشرفت بنشر عدد كبير من قصائده في المنبر الذي اشرف عليه.

* عمر أبو رصاع/ فلسطين
الاستاذ أمجد الناصر كنت تعبيرا شعريا عن احساس الثورة والمقاومة، التحمت تجربتك الشعرية بمقاربات الأديب الشهيد غسان كنفاني وغيره لتعبر عن روح الثورة، بعد هذه الرحلة ومآلات الثورة كيف يقيم أمجد الناصر النتائج وكيف يفسر الانقلابات التي نلمسها في أدب من كانوا بالأمس يعبرون عن روح هذه الثورة كالأستاذ محمود درويش و أمجد الناصر نفسه؟

أمجد ناصر:
الاخ عمر، لا شك ان هناك تغيرات طرأت على الخطاب الادبي والشعري تحديدا بعد فترة السبعينات والثمانينات، ولكن لا أرى أن هناك انقلابا على النفس او على القضايا التي يشتغل عليها الادب. علينا الا ننسى أن للأدب حقله المختلف عن السياسة، فهو لا يصدر من نفس المصدر الذي تصدر منه وليس له، على ما اظن نفس المرجعيات، فالادب يسعى الى تحقيق انتمائه الى لحظته من خلال قيم فنية وجمالية، الامر الذي يبعده عن المباشرة التي تسم الخطاب السياسي، ثم قد يكون الادب يسعى الى ادبيته فقط، من دون غائية واضحة او محددة سلفا. هناك حاجة الى الادب، لكنها ليست مثل حاجتنا الى الطعام والشراب. احيانا لا اعرف السبب الذي يسعى اليه الشعر. احيانا اعرف، ولكني اكتشف ان الشعر ذهب في اتجاه اخر غير ما عرفته وفكرت فيه. أرى ان محمود دوريش، على سبيل المثال، انتقل الى طور فني وجمالي مختلف، بالتأكيد، عما كان عليه في السبعينات والثمانينات ولكن العناصر الجوهرية التي تحكم نصه لم يطرأ عليها انقلاب. فما زال "الهم العام" موجودا ولكن ليس بنفس الاسلوب الشعري السابق ولا بنفس مقاربة الموضوع. من حق الشاعر، على ما أظن، ان يستلهم موضوعات وشؤونا قد لا تبدو "نضالية"، او لا تتعلق بالقضية العامة، ولكن اليس الدفاع عن الحب والجمال والخير والحياة هو دفاع بالعمق عن أكبر القضايا؟ هي قضية الوجود الانساني نفسه. في ما يخصني لم اكن قط "تعبيرا" عن الثورة، كنت اعبر عن نفسي وعن لحظتي ومشاغلها التي كانت مهجوسة بالتغيير غير ان فكرتي عن التغيير من خلال الشعر لم تكن مماثلة لما هو سائد في القصيدة الوطنية مثلا، بل كان تعبيري اقرب الى هامش الكتابة الشعرية العربية منه الى متنها. يمكنك العودة الى اعمالي الاولى للتأكد انها لم تنخرط، ربما من دون وعي، بذلك المهرجان الشعري المتواصل من قصيدة المقاومة والنضال المباشر.

* فواز قادري/ شاعر سوري
العزيز امجد ناصر: لا شك ان الحوار معك ممتع ويغري بالكثير من الاسئلة، ولكني سأوجز اسئلتي بسؤالين : في السنوات القليلة الماضية، جرى الحديث كثيرابإستخفاف، اشارة او تلميحا الى الشاعر المرتبط بموقف او قضية، ماهو التأثير السلبي او الايجابي لذلك برأيك على القصيدة، اولا بشكل عام (حبذا لو تأتي باسماء كأمثلة) وثانيا عى قصيدة امجد ناصر. قصيدة النثر شاغلة الناس، وانت من اهم رموزها، التي حاولت ان تذهب بها بعيدا في "حياة كسرد متقطع" ولا شك ان لهذا الشكل الشعر الكثير من الامكانيات غير المكتشفة.برأيك هل تحتاج هذه القصيدة من اجل اكتشاف هذه الامكانيات الى الناقد الذي يعيد قراءة المنجز الشعري المكتوب بالعربية لهذه القصيدة كما فعلت سارة برنار؟ ومن ثمّ يجد مقاربات جمالية لهذا المنجز لتساعد الشعراء على طرح اسئلتهم الجمالية الخاصة والتي ستتفرع عنها، كما اعتقد، تجارب سترفد القصيدة بالمتنوع والانهائي كما هي الحياة؟


أمجد ناصر:
أخي فواز قادري، تحياتي وشكرا على اسئلتك. ليس هناك شاعر، كما تعرف، بلا موقف. بل ليس هناك انسان بلا موقف حتى لو لم يعلن عنه لسبب او لاخر. انسان بلا موقف، يعني انسان لا يفكر، وليس هناك انسان لا يفكر، لان أبسط الفوارق بين الانسان والحيوان هو التفكير وما يترتب عليه من هموم وانحيازات. ان تفكر يعني ان تمحص، ان تقلب الامور على وجوهها، الامر الذي يؤدي بك الى الاقتناع بهذا او ذاك من المواقف والاراء والتصورات. هذا بديهي في الحياة الانسانية. الشاعر بوصفه عضوا في هذه الحياة الانسانية لا يختلف من هذه الناحية عن النجار والمدرس والعامل والطبيب والسياسي. لكن مسؤوليته (مسؤولية الكاتب وصاحب الفكر عموما) تختلف بعض الشيء. لانه يشتغل في حقل الكلمة والتعبير. انت تعرف ان الكلمة قادرة ان تميت وقادرة ان تحيي، وقادرة على البحث عن الحقيقة مثلما هي قادرة على التزييف. اتذكر قصة لبورخيس يدعو فيها ملك شاعرا الى قصره، ويطلب منه ان يصف ملكه، فيكتب الشاعر قصيدة قصيرة تثير رعب ذلك الملك فيأمر باعدامه ويقول له: لقد سلبتني مُلكي. القصة أطول من ذلك وذاكرتي التعيسة لا تحتفظ بمفاصل اكثر اهمية مما ذكرت تشير الى قدرة الكلمة السحرية على امتلاك مملكة وتجريد ملك من ملكه. هذا مجاز طبعا. فلم يجرد، على ما نعرف، شاعر ملكا من قصره وملكه قط، والمقصود من تلك الامثولة هو قدرة الشعر( بل قدرة الكلمة) على وصف الاشياء، على تسميتها، ومن ثم على امتلاكها. أعود الى سؤالك عن ارتباط الشاعر بقضية وهل هو امر حسن للشعر ام ضار. اقول يا عزيزي ان ما يحدد ذلك هو رؤية الشاعر وادواته. فهو عليه، انطلاقا من امثولة بورخيس، ان يمتلك القضية. يعني ان لا يصبح مجر بوق لها. مجرد شعار على بابها، ولكن عليه ان يتمثلها بالعمق. ان تذوب فيه ولا تبقى مجرد رواسم او يافطات تطفو على السطح. مثال آخر على ما ذكرت: كتب القاص العراقي الرائع محمد خضير قصة قصيرة بعنوان (الارجوحة) عن جندي يعود من جبهة حرب غير مسماة الى بيته في مكان عراقي غير مسمى ايضا. عندما قرأ غسان كنفاني تلك القصة قال انها افضل قصة قصيرة قرأها عن فلسطين! رغم ان اسم فلسطين لم يرد في القصة قط، ورغم ان نقادا عراقيين قالوا في ما بعد ان قصة خضير لم تكن عن فلسطين وانما عن جبهة الحرب في الشمال العراقي مع القوى الكردية! ما الذي جعل غسان كنفاني الكاتب والسياسي الملتزم يقول هذا الكلام؟ لانه احس، برأيي، ان قصة الجندي العائد الى بيته تلتقط جوهر قضية وحرب لا نراها. طبعا لم تكن عند غسان، ولا عند العرب يومذاك، قضية اخرى غير القضية الفلسطينية. أما بخصوص النقد المصاحب لقصيدة النثر، فليس هناك، على حد علمي، نقد اكاديمي بهذا الخصوص، حتى قصيدة الورن (التفعلية) لم تحظ بدراسات نقدية اكاديمية يعتد بها. ما يزال الشعر العربي الحديث مقصى من طرف الدرس الجامعي الذي لم يغادر،اغلبه، ضواحي الشرح والتفسير واجترار القديم. اهم نقاد قصيدة النثر العربية هم من الشعراء انفسهم. لقد قدمت الصحافة العربية (اللبنانية خصوصا) في اواخر السبعينات وطول عقدي الثمانيات والتسعينات نقودا مهمة على هذا الصعيد قام بها شعراء من أمثال بول شاؤول وعباس بيضون وبسام حجار وعبده وازن وعقل العويط ونوري الجراح وشاكر لعيبي وسواهم. والاحظ ان دور التغطية النقدية للنتاج الشعري الجديد في بيروت والقاهرة وبيروت ودمشق وعمان والدار البيضاء يقوم به شعراء من نفس الجيل، تابع الصحافة العربية ستجد ان من معظم من يكتب عن الاعمال الشعرية الجديدة هم شعراء من نفس الجيل او من نفس الفضاء الشعري. وهذا ليس سيئا في غياب الجامعة عن الحياة الثقافية، بل لعل فهم شعراء هذه القصيدة افضل من فهم النقاد انفسهم. طبعا هناك نقاد جيدون لعبوا دروا في اضاءة النتاج الشعري العربي الحديث، وخصوصا قصيدة النثر، من امثال صبحي حديدي وجمال باروت وحاتم الصكر ومحمد لطفي اليوسفي ورشيد يحياوي ويحيى بن الوليد ومحمد بدوي ومحمد الصالحي وفخري صالح وابراهيم خليل وكمال ابو ديب وصبري حافظ، ومحمد عبيد الله ورجاء بن سلامة وغيرهم ممن لا تسعفني الذاكرة في ذكر اسمائهم.

* سايو رجا / لبنان
في البداية أود أن أشكر من أهدى لنا هذه الفرصة، وأعني وجودك معنا مباشرة للحوار والسؤال هو: أستاذ أمجد هل ترى المرأة فقط كما تناولتها في شعرك ؟

أمجد ناصر:
الأخت سايو رجا، الشعر لا يصلح لاستنباط آراء ومواقف محددة، فهو ليس مقالة ولا دراسة توضح وتحلل الموضوع المتناول من جوانبه المختلفة ولا هو بيان اعلان نوايا. الشعر، كما أفهمه، هو أقرب الى الحدسي منه الى المعرفة العقلية او المنطق، فللشعر منطقه الخاص المستمد من بعده المجازي والدلالي والجمالي، وهذا لا يعني انه لا يمكن تحليل ماهيات الخطاب الشعري. طبعا يمكن ذلك ولكن ليس لاستخلاص موقف قاطع بخصوص قضية معينة، لنقل انها قضية المرأة. فما هو موقفي من المرأة؟ بالتأكيد موقف كل من يرى انها، حقوقيا، شريك كامل في الحياة، يعني المساوة الحقوقية والمدنية، جماليا هي الجمال بعينه سواء كانت اما اختا حبيبة زوجة. اكثر من ذلك انا من الذين يؤمنون ان المرأة هي الأصل على حد تعبير نوال السعداوي. ليس بلا دلالة ان الشعر اعطاها صورة الارض حينا صورة الجنة حينا آخر. فماذ ا يعنى ان تكون المرأة هي الارض (وليس ارضا)؟ يعنى بكل بساطة انها اصل الاشياء. سخرنا كثيرا من استعارة المرأة – الارض، انا لا اسخر من هذه الاستعارة الان على الاقل من هذه الناحية التي اجد انها تنطوي على دلالة عجيبة. جميل ان العربية انثت الارض، وجميل ان نتذكر قول ابن عربي: كل ما لا يؤنث لا يعول عليه. هل صورت المرأة كذلك في شعري؟ من يعود الى ديواني "سر من رآك"ِ يعرف انها اكتست اكثر من وجه بل كانت في وجوه عدة منها طبعا امرأة الحب. ولكن حتى هذه لها رائحة الارض والاشجار. معجم الديوان ينهل من عناصر الطبيعة والخوارق. هناك من قال طبعا ان الجانب الذكوري (والبعد الايروتيكي) غالب على الديوان، ولكن هذه قراءة من بين قراءات مختلفة للديوان. طبعا ليس كاتب الديوان امرأة، الذي كتبه رجل فمن المستبعد، والحال، ان يتخذ المعجم بعدا انثويا. هذا على الاقل ما اظن، واجد من الظلم ان يستنبط موقف لشاعر معين حيال قضية معينة من قراءة عجلى او خارجية لشعره. لا اجد هذا صحيحا. فالشعر ليس مدونة ولا هو، كما قلت، عرض حال. انه اكثر تعقيدا من ذلك. انه معقد الى درجة ان الشاعر نفسه لا يصلح ان يكون شارحا او مفسرا او متسنبطا فكرة من شعره.

* سليم البيك / كاتب فلسطيني مقيم في الامارات
الشاعر امجد ناصر المحترم. أولا أود أن اقول للمحاورين على أن الصفحات الثقافية في "القدس العربي" ليست مخصصة للأسماء "الكبيرة"، و أنت على كل حال ضد عقلية "الاسماء الكبيرة"، و مؤخرا كان لك مقال واضح و صادق في الموضوع. و انا كتابي الأول لم ينشر بعد، و مازلت في الـ 25، و لا علاقة شخصية بيني و بين السيد امجد ناصر- حتى اني لا اعرف ايميله- و لا علاقة لي باي محرر في "القدس العربي"، لكني تدرجت في النشر فيها من "منبر القراء" إلى "ادب و فن". سيدي الكريم، بالنسبة للقدس العربي، لماذا لا تكثرون من الاعلانات فيها و بالتالي يمكنكم تطوير الجريدة اكثر، من ناحية الشكل و المضمون، أي الطباعة و حتى الصفحات و الملاحق. و هذا بيت القصيد عندي: ملحق أدبي اسبوعي للجريدة. هل هناك موانع أخرى غير المانع المادي، تحول دون تأسيس ملحق ادبي اسبوعي؟ قرأت بأنك عملت في "الهدف" الفلسطينية. أطمع منك بكلمات في هذا الحوار عن تلك المرحلة، خاصة و أن المجلة عزيزة علي و تراجعها يحز كثيرا في نفسي.

أمجد ناصر:
أخي سليم البيك، الاعلان التجاري في الصحافة، خصوصا، التي لا تقيم في اوطانها له طابع سياسي. انه بالاحرى سلاح سياسي، القصد منه شراء الموقف او التأثير عليه، ولا يعكس، بالضرورة، انتشار وتأثير الصحيفة او المجلة المطبوعة بين القراء. هذا أمر صرت متأكدا منه تماما بعد عملي نحو عشرين عاما في الصحافة العربية في المهجر. كما ان الاعلان التجاري يكاد ان يكون محتكرا من قبل شركات الاعلان الخليجية او اللبنانية الوجه الخليجية القلب والتمويل. وكما ترى فان صحيفة كالقدس العربي ليست قريبة من تلك الدول خصوصا السعودية التي تحتكر شركات اعلانها الحصة الاكبر من الاعلان التجاري العالمي بوصفها من الدول ذات الاستهلاك السلعي العالي والاكثر قدرة مالية من سائر الدول العربية. الاعلان، عربيا، لا يتم بناء على دراسات تتعلق بالسوق والتوزيع، بل على القرب او البعد من هذا الخط السياسي او ذاك. اما بخصوص الملحق الثقافي فهو صعب للسبب الذي ذكرته انت: الوضع المالي. لكن القدس العربي هي الصحيفة العربية المهجرية الوحيدة التي صدرت بصفحتين ثقافيتين كل يوم اضافة الى صفحة المنوعات. سألتني كذلك عن عملي في مجلة "الهدف". نعم لقد عملت في مجلة الشهيد غسان كنفاني ولكن لسوء حظي ليس عندما كان رئيسا لتحريرها فقد التحقت بالمجلة بعد خمس سنين علي استشهاده وكان يرأس تحريرها "الرفيق" بسام ابو شريف. عملت فيها محررا للقسم الثقافي وبقيت في هذا الموقع حتى غادرت الجبهة الشعبية. طبعا ظلت المجلة تحتفظ بشيء من ألقها القديم فترة من الوقت حيث استقطبت اسماء عربية مهمة كعبد الرحمن منيف، سعد الله ونوس ، فصيل دراج، ممدوح عدوان وغيرهم وكان ذلك في الفترة التي انتقلت فيها المجلة الى دمشق بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان وخروج المقاومة من بيروت. في تلك الفترة كنت انتقلت الى قبرص وعملت في اكثر من مطبوعة عربية صدرت هناك. لا تشبه الهدف اليوم، للأسف، تلك المجلة العربية التي كان ينتظرها القراء العرب في امكنة عدة، لان الجبهة اليوم لا تشبه الجبهة في السبعينات والثمانينات. هذا ليس امرا خاصا بالجبهة الشعبية بل بسائر فصائل المقاومة الفلسطينية وخصوصا اليسارية منها. هذا زمن حماس وربما القاعدة، بل ستبدو حماس للذين يناهضونها اليوم حمامة سلام قياسا بما هو قادم. للأسف كل ما يجري اليوم يمهد لولادة القاعدة في فلسطين كما في غير مكان عربي.

* محمود الزرقاوي / الاردن
تحياتي للعزيز المبدع امجد ناصر وسؤالي ع السريع وبالطريقه الزرقاويه .... يا امجد متى سنراك في الزرقاء ومن على منبر نادي اسرة القلم الثقافي؟

أمجد ناصر:
أخي محمود ، اسرة نادي القلم هي بيتي الشعري الاول، خطوتي الاولى، وارجو ان اتمكن صيف هذا العام من الذهاب الى الزرقاء وربما تقديم قراءة شعرية في النادي. لدي دعوة من الاخوة في النادي للقراءة في ذكرى تأسيسه. قلبي يرتجف منذ الآن للعودة الى مطرح الخطوة الاولى، لشارع السعادة، شارع الجيش، سوق الحجاوي، مقهى الكوكب (سمعت انه لم يعد موجودا) الى سينما النصر (لم تعد موجودة)، مدرستي في المعسكر (قيد الهدم)، آمل ان نلتقي صيف هذا العام. وان كنت اشك انني سأجد الوجوه نفسها التي كانت تؤم النادي.

* زاهي الحسن / فلسطين
الاستاذ امجد ناصر سوال صريح: هل ولى زمن القومية العربية واصبحت القومية صفرا على الشمال = اليسار واصبح القومي العربي يخجل من نفسه لأن البعض يقول عنا ( قومجية) اي بلغة الاستهزاء واصبحنا نعيش زمن القطرية، وما هو السبب في رأي حضرتك؟

أمجد ناصر:
عزيزي زاهي الحسن، لا يبنغي للقومي ان يخجل من قوميته ولا للاسلامي ان يخجل من اسلاميته وكذلك الامر في ما يخص الماركسي والليبرالي. ولكن اي قومية واي اسلامية واي ماركسية واي ليبرالية؟ هذا هو السؤال. عندما لا تكون القومية ذات طبيعة شوفينية فهي ليست فكرة رجعية ولا تدعو للخجل، وفي العالم العربي تُفهم القومية (على الاقل في الخمسينات والستينات) بوصفها عملا تحرريا وليس انغلاقا على الذات ونبذا للاخرين. بينما القومية في اوروبا، لاسباب خاصة بالتطور الاجتماعي والاقتصادي، ينظر اليها بوصفها عدوانية وعنصرية، ورأينا نماذج منها متمثلة بالنازية والفاشية. فشل الفكرة القومية في العالم العربي يعود، في رأيي، بالدرجة الاولى الى الانظمة التي رفعت لواءها، ثم في عدم فهم المكونات البشرية في بعض بلدان العالم العربي. ففي حين يمكن لك ان تقول ان شبه الجزيرة العربية تتكون تقريبا من العنصر العربي لا تستطيع ان تقول الشيء نفسه عن البلدان المغاربية. لان هناك من لا يرى نفسه عربيا. هناك الاخوة الامازيغ وهم مسلمون غير انهم لا يعتبرون نفسهم، اثنيا، عربا. والحال نفسه في العراق وبدرجة اقل في سورية. فكيف يمكن ان تصنع نظاما قوميا عربيا في العراق وهناك نحو عشرين في المئة من السكان اكراد؟ وهذا ينطبق على الفكرة الاسلامية حيث لا يمكن ان تطبق الشريعة الاسلامية في السودان لان اكثر من ثلث السكان ليسوا مسلمين ولا في لبنان ولا في مصر وربما في غيرها من البلدان العربية. هذا سوى اولئك الذين لا يرغبون، اصلا، بحكم ديني حتى وان كانوا يتحدرون من عائلات مسلمة. هذه اشكالات مهمة على الفكرة القومية ولاسلامية ان تأخذها في الاعتبار، ان ارادت ان تتعايش سلميا مع الافكار والمعتقدات الاخرى.

* سعيد موسى / كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
اود اخي الفاضل امجد ان اتساء ل عن مدى تاثير الصحف العربية الصادرة في لندن على الرأي العام البريطاني؟ وهل هي مخصصة للناطقين بالضاد فقط، ام تحمل رسالة شاملة للرأي العام البريطاني الذي كانت بلاده اساس نكبتنا؟ فهل تسهم الصحف العربية في مخاطبة الضمير البريطاني بالشكل الذي ينتج عنه ايجابيات تؤثر على القضايا العربية عامة وعلى القضية الفلسطينية خاصة؟ لي سؤال اخر: كيف تنظر الى قضية عزمي بشارة؟

أمجد ناصر:
أخي سعيد موسى، الصحافة العربية المقيمة في لندن لم توجد من اجل مخاطبة الجمهور البريطاني، فهي اصلا ناطقة بالعربية وليس هناك، على حد علمي، اي طبعة انكليزية لها. قد تكون هناك بعض الترجمات لمقالات على مواقع هذه الصحف على الانترنت ولكن ليس هناك ما يمكن ان نسميه مخاطبة "الاخر" في اجندتها. الصحافة العربية المهجرية مصممة لمخاطبة العرب سواء في الاوطان ام في المهاجر. كلمة "مخاطبة" مضللة في الواقع، بصراحة اكثر، انها مصممة في العمق كي تزين صحفات انظمة معينة في عين القاريء العربي، اما لماذا هي موجودة في المهجر وليس في الوطن الام؟ الجواب، حسب ظني، يتعلق بمحاولة جهات التمويل العربي ان توحي ان هذه الصحف او المنابر الاعلامية (كالفضائيات) ليست تابعة لها، وبالتالي فهي ليست مسؤولة عما تكتبه او تبثه، خصوصا وانها لا تطبع على ارضها وفي ظل قوانينها الطباعية. اكثر من ذلك اظن ان هذه الصحف تلعب دور كشاف الضوء للقوى المتنفذة او تقوم بـ"جس النبض" في قضايا حساسة لا تستطيع الصحافة المحلية ان تقوم به لاسباب كثيرة. كما انها تقوم بدور استكشافي للمزاج العربي حول قضايا بعينها مثل التطبيع، الاصولية، الاندراج في ركب "الواقعية" السياسية الخ. اما قضية عزمي بشارة فثمة مشاعر متناقضة تنتابي حولها: من جهة اظن انه كان عليه ان يتحمل مسؤولياته امام الذين انتخبوه ورفعوه قائدا على الاكف. ان تكون قائدا يعني ان تتحمل المسؤولية مهما كانت النتائج حتى لو ادى بك ذلك الى السجن. فكم من قائد حقيقي زج في السجن بسبب موقفه وكم من قائد تعرض للتضييق والقمع. اما من جهة ثانية فعندي شعور ان الاسرائيليين كانوا يدبرون له قضية تحطمه تماما، وساعتها لن يكون لوجوده في السجن ذلك الالهام الذي يشع من قادة حبسهم الاحتلال او الانظمة. لا استطيع ان اقرر ما كان على عزمي بشارة فعله فهو اقدر على تقدير ظرفه وهو ادرى ان كان وجوده في السجن افضل لشعبه من وجوده في الخارج.

* ياسمين:
أيها الغامض الذي مسّدت جبينه في غفلة قصيرة سميتها حياتي، أمط قليلا لثامك لأرى علامة تدلُّ عليك. والسؤال هو طالما قلت ان الانتظار اكثرحواسك عملا، أود من فضلك أن أعرف ماذا تنتظر؟

- أمجد ناصر:
الاخت ياسمين: سؤالك مأخوذ، كما تعرفين، من قصيدة لي عن الانتظار. حسن، لقد كتبت عن الانتظار اكثر من مرة. في مقال لي كتبت عن الانتظار في الادب ليس بوصفه عطالة او انعدام ارادة بل كشيء يتحفز في اعماقنا. الادب اهدانا انتظارات كثيرة من هوميروس الى صموئيل بيكيت. هناك انتظار بنلوبي لعوليس عشرين عاما وهي تحوك وتفرط حياكتها في فعل ماكر لتضليل خطابها، هناك انتظار اوفيد شاعر روما العظيم عفوا من القيصر الذي نفاه الى منطقة تكفهر فيها الروح، هناك انتظار كولونيل ماركيز خمسين عاما رسالة لم تصل، هناك انتظار غودو الذي لا يأتي، هناك انتظار اهل اثينا للبرابرة ، وفي رواية للكاتب الايطالي دينو بوتزاتي ينتظر جنود قلعة امامية التتار الذين لا يتحركون من مواقعهم خلف التلال الى ان يطعنوا في الانتظار وتتعفن حياتهم. هناك انتظار اخر نعرفه كلنا: انتظار الفلسطينيين نحو ستين عاما للعودة الى بيوت لم تعد موجودة رغم ان مفاتيحها في ايديهم. كل البشر ينتظرون شيئا. ليس هناك من لا ينتظر. هناك كذلك من ينتظر ما لا يعرف. يعرف انه يتنتظر شيئا غامضا يتحفز في اعماقه ليس له اسم او سمت. يحس بثقله او خفته في داخله ولكنه لا يعرف ما هو. واحد من هؤلأ الناس هو انا. لو كنت اعرف ما انتظر لما قلت: ايها الغامض الذي مسدت جبينه في غفلة قصيرة سميتها حياتي، أمط قليلا لثامك لأرى علامة تدل عليك. الصوفيون يعرفون هذا الانتظار. الكشف عما هو وراء الحجاب. هل هذا ما انتظره: أن أرى ما هو وراء حجاب الاشياء؟ لا أدري، ولكن شكرا على سؤالك الذي حرك جمار قلقي مرة اخرى وجعل سؤال الانتظار غامضا اكثر.

* نادر قريط/ كاتب سوري:
عندما أقرأ لأمجد ناصر أسمع صدى العصور البعيدة ، القادمة من زاوية إحتقن فيها التاريخ باللازمن ، والقبور ..حينها لا يسعني إلا الصراخ : ياإلهي كيف يمكن لحياة واحدة أن تعبر كل الأزمنة وتصل عصر الإنترنت مع الحب والتقدير.

- أمجد ناصر
أخي نادر: اشكرك، ولا أدري ان كان ما قلته مدحا ام قدحا. ولكني، في كل حال، من الذين يرون ويشعرون بترابط الاشياء والازمنة. نحن ابناء الامس بقدر ما نحن ابناء اليوم. تردد في هذا الحوار صدى كتب واراء ورؤى وصور مر عليها غيرنا. لو اردنا ان نحيل كل كلمة كل صورة كل معنى كل فكرة الى اصحابها لم استطعنا سبيلا وذلك لكثرتهم. نحن ابناء اولئك الذين عبروا الازمنة بصمت او بصخب، وشومهم نحملها من دون ان ندري.

* فاتن نور/ مهندسة مدنية عراقية
تحية طيبة وسؤال مقتضب..يخلط الكثير من مثقفي عالمنا العربي والأسلامي بين تداعيات ونتائج التخلف الحضاري وبين مسبباته، اذ غالبا ما يلجأ هؤلاء الى حصد وجمع تلك التداعيات والنتائج والتعامل معها كأسباب جوهرية اوصلتنا الى ما نحن عليه من فاقة علمية وانتاجية.. ومنها على سبيل المثال، الأستعمار وتداعياته، الأمية، هجرة العقول المفكرة، الاستبداد والحكومات الدكتاتورية..الخ..وهذا الخلط ، بتصوري، إن كان مقصودا فهو غش ثقافي،إن لم يكن فهو بؤس فكري عجز عن استنباط حلقة الوصل الجذرية بين العلة والمعلول او النتيجة والسبب.. لو تفوقنا على خلط كهذا.. ما هي الجذور السببية بتصوركم والتي تكمن وراء تقهقرنا الحضاري؟...لكم مني كل الود.

أمجد ناصر
الاخت فاتن نور: لست من الذين يعلقون اخفاقاتنا على شماعة الاستعمار والتدخل الاجنبي رغم اهمية هذا العنصر في مسلسل فشلنا على غير صعيد. ان فهما كهذا يعفي النفس من السؤال والمسؤلية ويحملها مرتاحة الى الاخرين. الاستعمار لا يؤسس ولا ينهض الامم التي يحتلها وليست هذه من مهامه حتى وان لهج بها كما فعلت استعمارات كثيرة عبر العصور بررت غزوها ونهبها للشعوب بحجة التمدن . وعندما نبحث عن الاسباب المؤسسة للتخلف العربي الراهن لا يمكن ازاحة التاريخ جانبا فكي نفهم الحاضر ينبغي ان نفهم الماضي وكي نفهم الذت ينبغي ان نفهم الاخر. الماضي العربي القريب كان مطبوعا بالاستعمار الاوروبي وقبله كانت هناك الامبراطورية العثمانية التي لم تخلفنا نحن فحسب بل خلفت نفسها ايضا. اخر عهدنا بتألق حضاري كان الخلافة العباسية. ومن ثم بدأ الانحدار. لتاريخ صعود الممالك وافولها قوانين حاكمة ولا اظن اننا كنا بمنجى من هذه القوانين او هذه الحتمية. لن اعود الى الجذور المؤسسة للتخلف العربي وسأكتفي بالحاضر. عندما تأسست الدولة الوطنية العربية من رحم الاستعمار الغربي( اي تقريبا منذ نصف قرن) كانت هناك آمال عربية عريضة بتحقيق نهضة شاملة: اجتماعية واقتصادية وعمرانية وثقافية. لكن الدولة الوطنية العربية التي واصلت الصراع مع الغرب لم تعط اهمية تذكر لبناء الانسان القادر ليس فقط على المواجهة وانما على الاعمار والابداع. هذا، على ما اظن، أحد أسباب فشل الدولة الوطنية في تحقيق الهدفين: الاستقلال الفعلي والتنمية البشرية الشاملة. أبحث عن أسباب التخلف الحضاري العربي الراهن بما هو مادي وليس في المتيافزيقيا. وليس في القول الخرافي الشائع. لاني لا اؤمن بعقل غربي متطور وعقل شرقي متحجر . العقل الانساني واحد. ظروفه هي المختلفة. ما يحيط به هو الذي يصعنه ويقولوبه. قد اشتط اكثر في القول لاصل الى حد اعتبار ثورة الغرب على الكنيسة وفصل الدين عن الدولة احد العوامل المؤسسة للنهضة الغربية. طبعا هناك الثورات الاجتماعية المتلاحقة لطبقات البرجوازية والعمال والقوى المتضررة من سيطرة الملكية او الكنيسة هي التي مهدت لولادة الديموقراطية، وفي المناخ الديمقراطي تتفتح ملايين الازهار. هذا لم يحصل عندنا للاسف. بل تقهقرت الدولة الوطنية وسقطت شعاراتها مع اكتمال المشروع الصهيوني في فلسطين وتحولت الى دولة تحافظ على كرسيها وتقاتل من أجل توريث هذا الكرسي الى الابناء. لعلنا نكون الأمة الوحيدة في العالم القادرة على تحويل النظام الجمهوري الى ملكية! سألخص لك رأيي: الديموقراطية، فصل الدين عن الدولة، المواطنة، تنمية الانسان لا الحجر هي السبيل الى استعادة سؤال النهضة. هذه ليست وصفة جاهزة للحل. فانا، ولا غيري، نملك وصفة جاهزة ولا حتى تشخيصا دقيقا لحالنا. انها تلمسات وطرح اسئلة ليس اكثر، هذا لا يمنعني من الاتفاق مع اسئلتك التي اعتبرها اسئلتي ايضا.

* خلف علي الخلف/ شاعر سوري
العزيز أمجد ليس لدي الكثير لأقوله.. لازلت أحب ( مديح لمقهى آخر ) رغم كل هذي السنين، ورغم كل ما كتبتَ بعده وما قرأته لك، وكلمة "أحب" ليست رأياً فنياً أو نقدياً بكل حال.. يوماً ما كنت في الثانوية أخذني أحد الاصدقاء الى الشاعر الراحل عبد اللطيف خطاب ليعرفني عليه وليصبح صديقي فيما بعد.. والذي أدين له للابد أني عرفت باكراً شعراء لم يكونوا نجوما، بل بعضهم لم يكن يعرفهم الا القليل، وبعضهم لازال لا يعرفهم إلا القليل.. أنتقى لي من مكتبته حزمة كتب... كان من بينها ديوانك هذا... اتذكر أني في ذاك الوقت ( حوالي عشرين عاما خلت) شغفت به، ولازلت أشم رائحة البراري فيه حينما اذكره ... بعدها داهمتنا المنافي وأصبحنا نقتات الحنين حتى وصلنا الى حنين مكتفٍ بذاته لا يدل على شيء ولا يحتوي شيئا ... والآن مالذي يمكنني أن أسألك عنه .. لا ادري! لكني قرأت لك مرة عن في انتظار البرابرة .. هذا النص الذي اتيح لي أن أقرأه بلغة كافافيس وأحفظه بها أيضاً .. أيُّ برابرة ينتظر الشاعر.. هل يحب البرابرة قراءة الشعر... هل يتبعنا البرابرة الى المنافي أيضاً ... هذه ليست أسئلة ... جئت لالقي تحية بيد موهنة مع محبتي لا غير.


أمجد ناصر
أخي خلف: شكرا على دخولك على خط هذا الحوار الاليكتروني، وانتهز الفرصة لابارك لك الحلة الجديدة لموقعكم الممتاز "جدار". البرابرة عند كفافي كانوا نوعا من حل. اظن اننا لا نختلف كثيرا عن الاثينيين الذين كانوا ينتظرون مجيء البرابرة. طبعا البرابرة موجودون عندنا. لقد وصلوا منذ وقت طويل. هناك برابرة الداخل وبرابرة الخارج. اخر البرابرة استدعاهم اثينيون عرب جدد. ظنوا ايضا انهم نوع من حل. ولم يكونوا حلا. وها نحن نرى صنيع ايديهم . اذا كان المقصود بالبرابرة الاعداء. فليس هناك برابرة يشكلون حلا، البرابرة يأكلون الاخضر واليابس في طريقهم كالجراد، أليس هذا ما نراه الان في العراق حيث انفتحت ارض الرافدين الى انواع شتى من البرابرة؟ بالمناسبة لست وحدك من لا يزال يذكر "مديح لمقهى آخر"، هناك اصدقاء لي واخرون اعرفهم يحبون ذلك الكتاب بل يرى بعضهم انه اهم اعمالي! انا افهم ذلك، خصوصا اولئك الذين اعتبروا مغادرتي قصيدة التفعلية "خرب" تطور الشعري، او بالاحرى، لم يطور مشروعي الشعري. هناك حنين دائما لما هو اول. انا شخصا احن لزمن ذلك الديوان وعندما اراه او اقلب، لأمر او آخر، صفحاته، تطالعني وجوه وروائح واسماء وامكنة شكلت ذاكرتي الاولى.

* ندى الشيخ / سوريا
الاستاذ امجد الناصر بعد مسيرتك الطويلة في الشعر والعمل الوطني، اسمح لي ان أطلب منك أن توضح لي مدى تأثير عام 1977 وكذلك عام 1982ا على رؤيتك ومعتقداتك؟

أمجد ناصر
الاخت ندى الشيخ: هذا تاريخان حاسمان، 1977 تاريخ حاسم في حياتي الشخصية لانه سيضعني في طريق مديدة من الهجرة والاغتراب والامكنة الاخرى لم اعد منها الى اليوم. انه العام الذي غادرت فيه بلدي لالتحق بالمقاومة الفلسطينية مثلما فعل كثير من الشباب العربي الذين تركوا بيوتهم وجامعاتهم واعمالهم المستقرة ليكونوا جزءا من عملية الانتصار لفلسطين وقضايا التحرر العربي عموما. ومن الطبيعي ان يؤدي ذلك التاريخ الشخصي الى صيف عام 1982 الذي حاصرت فيه قوات شارون بيروت الغربية من خمسة اتجاهات وحاولت تركيع ذلك المربع الصغير من الارض تحت وابل من القصف السجادي للبيوت والشواع والاحياء وكل ما كان يتحرك داخله. انه عام حاسم ففيه حاصرت قوات اسرائيل عاصمة عربية للمرة الاولى ومن ثم دخلتها بعد خروج قوات المقاومة رغم ان الاتفاقات الدولية كانت تنص على عدم دخول القوات الاسرائيلية الى بيروت بل الى انسحابها. ذلك تاريخ عربي حاسم لان اسرائيل تاكدت ان حصار عاصمة عربية ومن ثم احتلالها ليس امرا صعبا. صحيح انها اضطرت الى حصارها نحو ثلاثة اشهر ولكنها في الاخير دخلت بيروت واحتلتها ولم يحرك العرب ساكنا. يكفي ان تعرفي ان التظاهرات الضخمة الوحيدة التي قامت احتجاجا على حصار بيروت لم تجر في عاصمة عربية وانما في تل ابيب! لقد تأكدت اسرائيل ان هناك خرافة اسمها (التضامن العربي) وخرافة اكبر اسمها (الشارع العربي). وكشف هاتين الخرافتين هو الذي جعل الاحتلال الامريكي لبغداد ممكنا. كلما عدت الى تذكر ذلك الصيف الدامي الذي لم يؤرخ للاسف عاودتني مشاعر متناقضة من الانقباض والاعتزاز، من اليأس والرجاء، من الخوف والتحدي. كنت في تلك الايام اعمل في الاذاعة الفلسطينية التي ضرب مقرها في الايام الاولى للحصار واضطرت الى العمل المنتقل من مكتب الى اخر والى البث من خلال سيارات متنقلة كي لا تتمكن الطائرات الاسرائيلية من قصفها. يتذكر، بالتأكيد، اخي ورفيقي في تلك اللحظات طاهر العدوان رئيس تحرير هذه الجريدة (العرب اليوم) التي نتحاور الآن في فضائها الاليكتروني، فهو كان نائب رئيس الاذاعة. لقد كانت اياما لا تتكرر خصوصا على صعيد الاخوة التي طبعت علاقاتنا بعضنا ببعض نحن الذين علمنا في الاذاعة سواء كنا من طاقمها الاصلي او من الذين التحقوا بها اثناء الحصار لأن الاذاعة شكلت بؤرة استقطاب رئيسية للكتاب والمثقفين الفلسطينيين والعرب الذين كانوا يقيمون في بيروت. هناك أبطال مجهولون في عمل الاذاعة، يكفي ان اذكر الكاتب الاردني الكبير غالب هلسا والصحافي الجريء الشهيد ميشيل النمري والرجل الصلب طاهر العدوان ونعم فارس اللبنانية الجنوبية شهيدة الاذاعة والكاتب ذا الحضور الصاخب والجميل رشاد ابو شاور والشهيد حنا مقبل والعم عمر الذي كان رغم الحصار وانقطاع الماء والكهرباء وغياب السلع الرئيسية في الاسواق قادرا على ان يطبخ لنا ملوخية! لكن ايضا ينبغي ان تعرفي ان معظم العرب كان يتابع مبارايات المونديال. ففي الجزائر طافت الشوارع تظاهرات صاخبة ليس من اجل نصرة المحاصرين في بيروت ولكن للاحتفال بانتقال فريقهم الوطني الى الربع الاول من المونديال. هذا لا يعنى ان الجزائريين لم يكن يعنيهم الامر ولكني اريد ان اقول ان النظام العربي تمكن من تحويل بلاده الى جزر معزولة وتمكن من خلال قبضته الامنية واعلامه المحلي (ان لم اقل الاقليمي) من تجنب تأثيرات احداث مصيرية كهذه على ساحته المحلية. يمكنني القول ان ذلك الصيف اسس لعالم عربي هو الذي نراه اليوم.

* خليل راضي / مهندس مدني اردني
سعدت بمتابعة الحوار الشيق ومن خلال اجابتك على الشاعرة السورية ندى الشيخ وجدت انك شاهد على العصر من خلال تجربة الحصار : برأيك، ومن اجل الامانة المهنية وفي ظل هذا المناخ الالكتروني الفريد والذي لمست به الكثير من الحرية المفقودة في الاعلام العربي الورقي بالتحديد .. امجد ناصر انت تملك الكثير من اسرار عن رجالات الامة الذين كنا نتابعهم في بيروت من خلال احاديث الهاربيين من خيبات، الكثير ممن باعوا المقاومة .. السؤال المباشر : بعد تجربتك العميقة في فترة الحصار .. حين تلتقي او ترى رجالات كنا نظنهم اوفياء في المقاومة والان لربما على مقاعد التقاعد او المناصب كيف تنظر اليهم اليوم وانت الشاعر الذي يرفض الوسطية ما بين الخيانة والوفاء .. اتمنى لا تحتكر المعلومة والتي لا نريدها تشهير في احد ولكن اريد حكمك على مرحلة عصيبة هي احتلال عاصمة عربية .

أمجد ناصر
اخي خليل راضي: شكرا على مداخلتك وسؤالك. انت تسأل سؤال من يعرف الفترة والاشخاص والمصائر التي انتهوا اليها. للحروب ابطالها ولها تجارها، لها شهداؤها وخونتها، تلك هي طبيعة الاشياء. وليست معركة بيروت بمعزل عن هذا القانون. هناك شهداء مجهولون حاولت ان اذكر بعضهم، هناك جنود مجهولون ايضا لم اذكرهم لاننا لسنا في وراد التعداد وتقليب صفحات الذكرى. سأفعل ذلك في كتاب عكفت منذ فترة على كتابته عن تلك التجربة ولم افرغ منه بعد. الذين ذكرتهم صاروا وزراء ومسؤولين كبار في السلطة الفلسطينة وفي بعض الدول العربية المجاورة. هناك منهم من تغير رأيه مع مرور الوقت ومنهم من لم يتغير كثيرا. مثلا نبيل عمرو كان مدير الاذاعة صار سفيرا ووزيرا ومسؤولا كبيرا في السلطة وهناك طاهر العدوان(نائبه) ظل الى حد كبير كما كان عليه ايام الحصار رغم انني لم التقه كثيرا بعد بيروت. للانصاف فان نبيل عمرو كان يفكر، تقريبا، بالطريقة التي يفكر بها الان. اي انه لم يحصل انقلاب في طريقة تفكيره. وانما تدرج في نفس السياق. انا لا يزعجني كثيرا من يختلف عني في الرأي وكان نبيل عمرو، للحقيقة، يختلف في رأيه عنا، وكان طبيعيا ان يصل الى ما هو عليه اليوم. مشكلة رجل مثل نبيل عمرو انه يظن ان الواقعية هي تقبل الواقع مثلما هو عليه. اي الاندراج في هبوبه. وفي رأيي ليست الواقعية كذلك، انها في معرفة قوانين الواقع وشروطه ومحاولة تغييرها ان لم تكن في مصلحتك وليس تبرير اي شيء باسم الواقع. لكن نبيل عمرو كان واضحا في ارائه. غيره هو الذي انقلب على نفسه تماما. وصار بوقا للذرائعية والنفعية وتوريط بلاده من اجل اجندة خارجية. لن اسمي اسماء. الذين اقصدهم يعرفون انفسهم ويعرفهم من عاصر التجربة. حتى من لم يعش تلك التجربة يعرف ماذا يفعلون الآن. مرة اخرى اقول ان تغير الموقف ليس عيبا في حد ذاته. ولكن كيف وبأي درجة وفي اي اتجاه. لا شيء يبقى على ما كان عليه. سنة الحياة، كما تعرف، هي التغير الدائم ولكن هناك اشياء، على ما اظن، لا تتتغير: النزاهة لا تتغير، قضية العدل والظلم لا تتغير، نظافة اليد لا تتغير، الاحتلال لا يتغير، الاصغاء الى صوت الضمير لا يتغير. هذه اشياء لا تتغير ولا اظن انها قابلة للفهم والتفسير حسب كل مرحلة.

* نضال نعيسة/ كاتب سياسي سوري
أحيي الأستاذ أمجد وأشد على يديه وإلى مزيد من التألق والنجاح وأتشرف ككاتب وإعلامي سوري، وبدعوة كريمة وعزيزة من الأستاذ عادل محمود أن أشارك في هذا الحوار الذي أتمنى أن ينعكس فائدة على إنساننا المنكوب في هذه البقعة المظلمة. من المعلوم أستاذ أمجد إن القضايا العلمانية والإنسانية والتنويرية تحتل مكانا بارزاً في التيارات الفكرية المتصارعة على الساحة العربية، والتي تميل فيها الكفة لصالح القوى السلفية والأصولية، ويحتل فيه الخطاب العربي الفضفاض الدعوي التحريضي مكان الصدارة فيه، وهو لم يجلب لنا سوى الهزائم النكبات. ما هو نصيب مقارعة للفكر السلفي والأصولي والقومي في أعمال الأستاذ أمجد، وهل يعتقد أنه ما زال بالإمكان الرهان على النزوع العروبي والتيارات القومية في ظل هذا الانفتاح العولمي الكبير، وفي ضوء بروز معطبات هامة عن التنوع الثقافي والإثني والقومي والديني الذي يعيشه ما يسمى بالوطن العربي وهو ما حاول إخفاؤه الخطاب العروبي طيلة تلك السنين؟ وهل تعتقد أن الشعر يتراجع أمام ألوان أدبية وفنية وإعلامية أخرى، وأن الكلام الرومانسي الجميل لم يعد له مكان في عالم العلم الصارم بالغ التعقيد، وفي نمط ونبض الحياة المتسارعة التي تضغط على الإنسان وتجعله لا يلتفت كثيراً للحالة الشعرية طالما أنها أصبحت ضرباً من الخيال؟ أن أن الشعر ما زال يحتفظ بدوره الريادي الكبير؟ السؤال والعتب الأخير قمتم في أكثر من مرة بنشر بعض المقالات لي، وبعد ذلك عدلتم عن ذلك وأنا أعلم أن خطابي وأسلوبي وأفكاري لا تناسب سياسة الجريدة، ومقتنع بذلك، ولكن لم لا تجعلوا منها منبراً متنوعاً غير محصور على فئة واحدة ولون فكري وتنميطها بهذا المنظور الوحيد مما يجعلها قبلة ومحجة لأصحاب جميع التيارات الفكرية بدل اقتصارها كما اليوم على لونها اليتيم. بكل المودة والاحترام.

أمجد ناصر
عزيزي نضال: تحياتي واشكرك على المشاركة في هذا الحوار الذي نأمل ان يكون ذا فائدة وان يتحلى باكبر قدر من الصراحة، وانا، شخصيا، من الذين يقرأون لك سواء عندنا في الجريدة او في غيرها من المنابر، ولا اظن ان خطك يتناقض تماما مع في القدس العربي من تنوع في الاراء. فانا كمدير تحرير لا اشبه زميلي رئيس التحرير عبد الباري عطوان، لقد عبرنا عن هذا الاختلاف، في الرأي والفكر، في مناسبات كثيرة ومن يقرأ الجريدة يعرف ذلك، كما ان صبحي حديدي لا يشبه عبد الوهاب الافندي ولا محمد ذياب هو مثل علاء اللامي، هذا على سبيل المثال لا الحصر. وان كنت من الذين يتابعون القسم الثقافي في الجريدة ستلحظ، من دون عناء، انحيازه الى التقدم والحداثة ونقد الذات . ما ينشر في القسم الثقافي هو الاقرب الى هويتي الفكرية والثقافية، وهذا يعني ان هويتي اقرب الى الحداثة وافكار التقدم والتنوير منها الى الفكرة القومية، لم اكن من قبل في اي تيار قومي بل كنت في صفوف اليسار الفلسطيني. منذ وقت طويل لم تعد لي علاقة بالقوى السياسية ولكن ذلك لا يعني انني تخليت عن مشروعي الفكري او الثقافي. من المؤكد ان الفكرة القومية كما طرحتها الناصرية والبعث تحتاج الى مراجعة، اصلا هذه الانظمة التي حملت لواء الفكرة العروبية لم تكن بحجم فكرتها، ولم تطبق فكرتها، بل اخذتها السلطة عن اي شيء اخر. النظريات تمشي، دائما، في ركاب والتطبيق يمشي، للاسف، في ركاب اخر. هذا حصل مع الماركسية التي اساءت اليها الانظمة الشمولية الاشتراكية وعلي رأسها الاتحاد السوفيتي السابق، واحدة من مشاكل الفكرة القومية العربية التي حكمت فترة من الوقت انها ضربت صفحا عن وجود اثنيات متعددة داخل مجتماعتها، وقد تحولت قضية الاثنيات الى قنابل موقوتة في رحم هذه الانظمة. اما بخصوص الادب والشعر وان كان هذا زمناهما ام لا، فلا اعتقد اخي نضال ان هناك زمنا للسياسة وزمنا للادب. الادب، كما يحلو لي ان اتصور، ابقى واهم من السياسة، وهو المعبر الاعمق عن احلام المجموعات والافراد. لا يمكن لامة ان تنض من دون وجود ادب عظيم، اظن ان من الاسباب التي اطاحت الامبراطوية السوفيتية هو عدم وجود ادب عظيم فيها على غرار الادب الروسي الذي سبق الثورة. كل الثورات والتغيرات الكبرى في حياة الشعوب والامم ارتبطت بصورة او اخرى بالادب. فهو اما يهجس بالثورة والتغيير (الرواية الروسية التي سبقت الثورة فعلت ذلك، نجيب محفوظ مثال عربي ايضا) او انه يعمق المحتوى الانساني ويدافع عنه بعد التغيير ولكن من خلال ادبيته وادواته الادبية. هذا هو دور الادب والا تحول الى مجرد تسلية. نعم ما يزال، وسيبقى، له اهميته وتأثيره في عالمنا اليوم رغم سرعة ايقاعه ولهاثه. انه حاجة، كما قلت من قبل، انسانية مختلفة عن الاحتياجات المادية الضرورية ايضا، حاجة تشكل متعة ومعرفة وفهم للذات والعالم ومساءلة للطبائع والحالات الانسانية.

* علاء حبيب / صحافي عراقي
عزيزي سؤالي: ما هي رؤيتك لدور الاعلام العراقي وما مدى تاثيره بالساحة العراقية ؟ماهي قراءتك لمثقفي وصحفيي العراق ؟ خاصة مايسببه الاحتلال وعناصر القاعدة من قتل وتهجير لهؤلاء الاشخاص ؟ وكيف يتم تعامل مثقفين واعلاميين الدول المجاورة لهم ؟

أمجد ناصر
الاخ علاء حبيب: ليس هناك اليوم، كما نرى، اعلام عراقي واحد. هناك اعلامات، صحافات، وذلك بحسب المحاصصة الطائفية السائدة في البلد. وهذه الاعلامات تكاد ان تكون بلا قواسم مشتركة. لان صورة العراق اليوم، للأسف، ليست واحدة عند الجميع. الكل يتحدث عن العراق ولكن لكل، على ما يبدو، عراقه الذي ليس هو عراق الاخرين، الذين بدورهم لهم صورة خاصة بهم عنه. هذه هي المشكلة. الاعلام هو انعكاس، على نحو او اخر، للواقع، والواقع العراقي مشظى. يعني بصراحة اكثر، العراق عند القوى السياسية والدينية الشيعية ليس العراق نفسه عند القوى السياسية والدينية السنية. ولاكراد عراقهم وكذلك للتركمان. لسوء الحظ ليست هناك قوى سياسية عراقية مؤثرة وفاعلة ترى الى العراق من زواية كونه جسدا واحدا وبشره موطنيين بصرف النظر عن دينهم او مذهبهم او عرقهم. الفكرة الوطنية العلمانية الرشيدة هي الوحيدة القادرة على جمع العراق ولمه بعضه ببعض. هذه الفكرة موجودة ولكن الذين يؤمنون بها ويساندونها لا تأثير لهم في المعادلة العراقية اليوم. انهم اشبه بمن يصرخ في البرية. او من يرقص في الظلمة. من دون الخروج من نفق المحاصصة الطائفية والعرقية، ولكن مع الاعتراف بمكونات الشعب العراقي، لا يمكن ان نرى العراق الذي نطمح اليه: العراق الحر، المستقل، الوطني، الديموقراطي.. ناهيك عن العراق السعيد. الذين يظنون ان اجراء انتخابات هو الديموقراطية ولا شيء غيرها مخطئون. صناديق الاقتراع في بلد ممزق ومنقسم طائفيا وعرقيا لا تنتج الا صورة على شكله ومثاله. اي انها تعيد انتاج نفس الصورة البائسة. ما حصل في العراق، من وجهة نظري، ليس ديموقراطية ولا هو تغيير في اتجاه خير البلد ومستقبله. ما حصل هو تفكيك لمكونات البلد باسم الاعتراف بالواقع ومكونانه. بريطانيا مثلا مكونة من اربع قوميات هم الانكليز والاسكتلنديون الويلزيون والايرلنديون، ولكن نظام الحكم لا يقوم على اساس محاصصة بين هذه القوميات. انه نظام فوق القوميات، ولكل القوميات في آن. توني بلير ليس انكليزيا انه اسكتلندي وكذلك الامر غوردن بروان ولكن الشعب البريطاني لا ينظر اليهما بوصفهما من هذه القومية او تلك، وانما على اساس برامجهما وسياساتهما. هذا ما نريده نحن، واظن ان هذا ما يريده غالبية العراقيين المقسمين عنوة الى طوائف واعراق.

* حسن اليملاحي/ كاتب مغربي
الشاعر أمجد ناصر تحية ثقافية، انا من المتتبعن للشعر العربي قارئا ومتلقيا. طبعا قرات لك الكثير، واشعر انك من الشعراء القلائل الذين يسعون الى تطوير القصيدة العربية والارتقاء بها ، فالشعر كان ولا زال الفرصة الاخيرة للتعبير عن الجراحات والهزائم النفسية المتكررةوالمأساة التي طالت الأنا العربيه، والحال عليه أسال لماذا لم يستطع الشعر العربي ايقاف هذا النزيف، واستبداله بفضاءات تعيد للانسانية العربية لحظتها الهاربة? الى متى يظل الشاعر العربي جريحا هو الاخر امام هيمنه الخطابات السياسية التي تسعى الى االسيطرة على متخيله الشعري كمقدمه لسيطرة شاملة على جمالية الكون والطبيعة ببعدها الرمزي الدلالي؟ باعتباري مغربيا اريد رأيك في الشعر المغربي الحديث، قياسا على ما شهده في مراحل سابقة من تألق لافت، مع التحية والاحترام.

أمجد ناصر:
أخي حسن اشكرك على حسن ظنك بي، وبكتابتي التي ما تزال، حسب ظني، تحاول الوصول الى معنى يكتنه الحياة التي نعيشها. اما بخصوص الشعر المغربي فانا اخالفك الرأي، ففي ظني ان الشعر المغربي اليوم يعيش فترة ازدهار من حيث التحقق الفني والتواجد الفاعل في الاطار العربي. لم يعرف العرب، وهذا تقصير مشترك، الشعر في المغرب الا منذ الثمانيات وطالعا، قبل ذلك كان الشعر المغربي حبيس فضائه الخاص يتأثر وقلما يؤثر، اليوم هناك مدونة شعرية مغربية تسهم في تقديم اقتراحات جمالية على القصيدة العربية. هناك تنوع في الكتابة وفي الاجيال بصرف النظر عما يمكن ان نسميه ب(الاستسهال) فهذه خاصية ترافق كل الاتجاهات والاجيال وليست حكرا علي بلد بعينه. من قبل كان العرب يعدون اسمين او ثلاثة اسماء شعرية مغربية ويتوقفون، وليس هذا هو الحال الآن حيث يمكن تعداد اسماء كثيرة مهمة ومن اجيال مختلفة في هذه المدونة. انها برأيي مدونة ثرية، حيوية، منفتحة بلا عقد السبعينات، تعيش نفس اسئلة الشعر العربي في اي مكان اخر، خصوصا ما يسمى ب(المركز) الثقافي العربي، الذي لم يعد قائما تماما. هناك شعراء مغاربة يعنيني شخصيا متابعة جديدهم وهناك اسماء شابة لا تقل وعدا عمن سبقوهم. لقد اتاح لي وجودي في منبر ثقافي مهجري ان اتابع على نحو متواصل تطور ما يمكن ان نسميه ب(شعريات الاطراف)، رغم تحفظي على هذه التسمية، واعتبر ان دما جديدا في الشعر العربي يضخ من هناك بعد حالة الانهاك التي اصابت (المركز).

* شه مال عادل سليم/ فنان تشكيلي كوردي
تحية طيبة الى الاستاذ امجد ناصر ...اريد ان اسألكم ...هل كتبتم عن محنة العراقيين في زمن النظام البائد ؟ هل كتبتم عن العراقي الذي اعتقل وذوب بالاسيد ورش بالمبيد وانتهك واغتصب وهجر وشرد ؟ واين شاعر الكلمات والمواقف من من تلك المشاهد والمجازر الرهيبة ؟ ولكم مني كل الحب والاحترام.

أمجد ناصر:
الاخ شه مال عادل سليم، سؤالك ينطوي على شبهة اتهام. لكني سأتعامل كسؤال بريء. لو كنت تعرف شيئا عن تاريخي الادبي والثقافي والشخصي المتواضع لكنت عرفت الجواب. كما لو انك من الذين يقرأون عمودي الاسبوعي في "القدس العربي" لعرفت الجواب. ولكن يا اخي لا افترض انك قرأته. جوابي نعم. لقد كتبت عديد المقالات عن النظام السابق في العراق وابان سطوته في "القدس العربي" نفسها. كما انني من الشعراء الذين لم يشاركوا قط في المربد ولم يلبوا قط دعوة من النظام العراقي. آخر زيارة لي الى بغداد كانت لرؤية سعدي يوسف في اواخر ايام الجبهة الوطنية، اي اثناء مشاركة الشيوعيين في سلطة البعث. بعد ذلك لم ازر بغداد عن موقف وليس مصادفة. هذا قد يوضح للك موقفي ورأيي. ولكن هذا لا يعني، في حال من الاحوال، ان اكون مع الاحتلال، ان ابرر للامريكيين ما فعلوه بالعراق والعراقيين. لقد تأكد لمن راهنوا على تغيير النظام عبر الدبابة الامريكية كارثية رهانهم. المحتل لا يحرر بلدانا ولا يحرر شعوبا. الشعوب هي التي تحرر نفسها. ليس هذا وقت التذكير بمواقف الماضي القريب او البعيد فذلك لا يجدي في تغيير الواقع الان شيئا. قلت من قبل في هذا الحوار الاليكتروني انني افتقد صوت المثقفين العراقيين في الدفاع عن بلدهم في مواجهة الانهيار شبه التام الذي تشهده الآن. هذه مهمة المثقفين العراقيين عربا واكرادا. لا بد من العودة الى القواسم المشتركة التي تربط العراقيين بعضهم ببعض. بغير ذلك لن يتحرر البلد ولن تتوقف كارثة القتل اليومي والتفتيت المستمر لمكوناته.

* محمد الصدوقي/ كاتب مغربي
شكرا لك اخي امجد على تلبية دعوة الجريدة في هذا الحوار المفتوح. - ماهو تقييمك للثقافة ودورالمثقف في العالم العربي اليوم؟ - كيف يمكن للعرب الاستفادة من ما يسمى بالعولمة،وتوظيف سلطها المختلفة(السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية...) في تحقيق مصالحها القومية والوطنية؟ مع تحياتي الأخوية.

أمجد ناصر
الاخ محمد الصدوقي: قلت ربما في جواب على سوال احد الاصدقاء المتدخلين ان هناك مشكلة في النخب العربية، سواء كانت سياسية ام ثقافية. وهناك من يحمل المثقفين مسؤولية ما وصلنا اليه من تسلط وكتم للحريات والتعبير وتأبيد للحاكم على كرسيه وتورثيه الكرسي لابنه بعد عمر طويل. اظن ان مسؤولية المثقف العربي عما يحدث في محيطه اساسية ولا يمكن التهرب منها كما ان استمالة السلطات للمثقف بحجة الدفاع عن قيم مدنية اثرت على مشروعه ان لم تكن افقدته مشروعه، فلا صار جزءا من مشروع السلطة نفسها ولا حافظ على مشروعه النقدي الاعتراضي. وانت تعرف تحديدا ما حصل في المغرب بعد ما سمي حكومة التداول ودخول احزاب رديكالية كحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في لعبة السلطة التي افقدته جمهوره الواسع الذي تكون معه على مدى سنوات المعارضة الطويلة، وكذلك هناك الحالة المصرية التي الحقت عددا من المثقفين الكبار في الجهاز الثقافي والاعلامي للنظام ففقدوا للأسف تأثيرهم ومشروعهم، ولم يستطيعوا ان يغيروا شيئا يذكر في توجهات النظام وسياساته العامة. اما استفادة العرب من العولمة فهذا امر حتمي. على الرغم من سوء استهدافات العولمة الاقتصادية والثقافية، الا انها على الصعيد التقني البحت مكنت اوساطا عديدة من امتلاك ادوات تعبير جديدة كهذا الانترنت الذي نتخاطب، الآن، من خلاله. العولمة بهذا المعنى مفيدة ومن شأنها ان تعمم الى حد كبير جادة المعلومات الهائلة التي تزخر بها وسائط الاتصال الحديثة. هذه عولمة تقنية وهناك صراع على محتوى، او لاقل، على ما تملأ به هذه الوسائط والادوات. لا شك ان العولمة المكتسحة للقوى الكبرى في العالم بحجة حرية الحركة والسوق، تحمل اخطارا كبيرة على الثقافات الاخرى التي تلحقها بركابها. هناك ثقافات ان لم تعرف كيف تتحصن في وجه هذا الاعصار ستدنثر. سنتقرض. ولكن التحصن لا يعني الانغلاق وسد الابواب ولكن الاستعداد لهذا الاستحقاق الحتمي. هناك خطر ثقافي حقيقي يواجه العالم العربي بوصفه متلقيا سلبيا. وليس من قبيل الصدفة ان يصرخ مجمع اللغة العربية في القاهرة، اخيرا، لانقاذ اللغة العربية من التفكك والطغيان الذي تمارسه اللغة الانكليزية ولغات الانترنت التقنية على لغتنا الأم. ويكفي ان اضرب لك مثلا مغربيا كي تدرك حجم الخطر الذي تتعرض اللغة العربية، بوصفها اللسان الاول لنا والحامل همومنا، فقد قرأت، اخيرا، خبرا عن تشكيل جمعية مغربية لحماية اللغة العربية في المغرب. حماية اللغة العربية؟ تصور! كأن الامر يتعلق بحيوانات او نباتات طبيعية موشكة على الانقراض.

* عماد صلاح الدين/ كاتب فلسطيني
سعيد ان يكون حظنا في المشاركة اليوم مع الاستاذ والشاعر أمجد ناصر ،مدير تحرير جريدة القدس العربي اللندنية ، واتوجه بالسؤال مباشرة الى الاستاذ امجد لاسأله عن رأيه في الشاعر الذي تحكمه المرحلة والظرف وليس الرؤية بعيدة النظر المبنية على الفهم الفلسفي والعلمي للامور والاشياء ؟؟ لدينا مثلا الشاعر الفلسطيني محمود درويش، فهو في موسم السلام مع السلام ، ويصبح السلام وادواته المعروفة في سياق الصراع العربي الاسرائيلي امرا بمثابة العقيدة ومرة اخرى يمتدح الانتفاضة ، فإلام يشير هذا برأيك؟

أمجد ناصر:
أخي عماد صلاح الدين، قصيدة محمود دوريش كما قلت، ردا على سؤال سابق، لم تتخل في العمق عن دفاعها عن الحق والجمال والارض والناس، قد تكون بعض مواقف درويش تغيرت وهذا أمر طبيعي. فليست هناك مواقف خالدة ومؤبدة، والموقف هو، بصورة او اخرى، انعكاس لواقع ما، او تطور معين داخل السياق العام. انا من الذين ظنوا، ايضا، ان طريق السلام يمكن ان تؤدي الى شيء ما في فلسطين. المشكلة ليست في السلام ولا في الحرب بل في استعدادنا للسلام او الحرب. نحن للاسف لم نحارب كما ينبغي وعندما لاحت، في لحظة معينة، فرصة لسلام (او لوهم سلام في الواقع) لم نحسن اختيار ادواتنا ولا اوراقنا. طبعا تبدى لاحقا ان اسرائيل، رغم كل ما قدمه الطرف الفلسطيني من تنازلات جوهرية للاسف، لم تتقدم خطوة واحدة باتجاه السلام. اسرائيل لن تعيد الارض ما دام الموقف العربي (مثلما هو معبر عنه في مبادرة السلام العربي) لا يملك الا خيارا واحدا. ليست هناك امة في العالم تجرد نفسها من كل الخيارات وتبقي على خيار واحد. وخيار تم رفضه مرة تلو اخرى من قبل اسرائيل.

العرب اليوم
الأردن- يونيو 2007