منير بولعيش
(المغرب)

عبد اللطيف اللعبيعبد اللطيف اللعبي، الشاعر المغربي الكبير والمثقف والمعتقل السياسي السابق الذي أنفق في سجون النظام المغربي السالف ثماني سنوات من عمره (1972 - 1980) اختار أن يكون مرة أخرى في بؤرة الأحداث ويضرب للساحة الثقافية (قبل السياسية) مواعيد جديدة للمواجهة والتموقع في جبهات الرفض والحرية والديمقراطية، وكان التوقيت (العبقري) الذي اختاره صاحب (مملكة البربر) ليطل على المشهد الثقافي / السياسي المغربي بالبيان/ الصفعة توقيتا يناسب ما يعيشه المغرب من (حراك) سياسي يتجلى بالأساس في الإنتخابات البرلمانية التي يتصارع للفوز بها ما يناهز الثلاثين حزبا ليس بينهم سوى حزب إسلامي واحد (حزب العدالة و التنمية في نسخته المغربية) لكنه قد يكون وحسب الكثير من المراقبين والمتتبعين للمشهد السياسي المغربي، صاحب القاعدة الأوسع في الشارع المغربي، لذا يأتي هذا البيان اليوم ليدق أجراس الخطر ونواقيس (الفضيحة الثقافية و السياسية) التي يعيشها مغرب اليوم.

عبد اللطيف اللعبي اليساري العتيق، يحاول هذه المرة أن يرمي حجرا في البحر الميت للثقافة المغربية و يحاول أن يلفت الإنتباه إلى دور المثقف تجاه وطنه وعلى المسؤوليات التاريخية المفترض أن يضطلع بها هكذا مثقف بصفته رائيا وباعتباره التمثيل الأعلى لروح النقد التي يجب أن تسري في شرايين وطن أضحى يوما بعد آخر يسقط في مستنقعات الأصولية والإرهاب.
مما لا شك فيه أنه بعد خروج عبد اللطيف اللعبي و رفاقه من السجن، وصعود ما يسمى بـ(العهد الجديد) إلى السلطة، جرت مياه كثيرة تحت جسر السياسة المغربية، مياه حملت من بين الأشياء التي حملت صعود التيار الإسلامي إلى الواجهة السياسية المغربية، هذا التيار الإسلاموي الذي كان المراد منه حسب الإستراتيجية السياسية السابقة خلق نوع من التوازن السياسي، الذي كانت دفته آنذاك تميل إلى مصلحة يسار أضحى ومنذ سقوط جدار برلين نوعا من النوستالجيا المفتقدة بقوة في زمن المد الإرهابي
يومية المساء وفي صفحة التعليقات الساخرة تساءلت عن جدوى بيان كتب من باريس قبل أن تعود في عدد لاحق لتفرد صفحة كاملة له !! دون أن نعرف ما معنى أن تتساءل يومية في حجم المساء عن جدوى بيان كتب في باريس أو في الرباط ما دام أن كاتبه مثقف ومناضل في حجم عبد اللطيف اللعبي و مادام أنه يثير الكثير من الأسئلة الشائكة التي يتغاضى عنها الكثير من (المثقفين) المغاربة، وينكش بشكل أو بآخر رماد المسكوت عنه لا من طرف الجهات الرسمية فحسب، بل من جهة المثقفين المغاربة الذين ضيعوا بوصلة الجهر بالحقائق و التموقع في جبهات الرفض والنقد الجذري أمام خطاب رسمي يعرف كيف يرفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأيضا أمام مد أصولي أصبح يأخذ في طريقه الأخضر و اليابس.
إذن يعود عبد اللطيف اللعبي اليوم إلى أداء أدواره السابقة، أدوار المثقف العضوي الذي يعرف كيف يتحمل مسؤوليته التاريخية كاملة في زمن المذاهب المسلحة و الأديان المفخخة، يعود كي يضع المثقف المغربي وجها لوجه أمام واجباته التي طالما تغاضى عنها في وقت ما أحوجنا فيه إلى الكثير من فعل المواجهة و الوقوف ضد هذا المد الأصولي المرعب.

*ميثاق من أجل الديمقراطية:

خطا المغرب خلال السنوات الأخيرة، خطوات حقيقية على طريق الخيار الديمقراطية، وبعيدا عن اختلاف التقييمات بخصوص عمق وتجسيد هذه المكتسبات، والدور الحاسم لمختلف الفاعلين الذين اهموا في تجسيدها، لابد أن نسجل أنهم غيروا رأسا على عقب مناخ حياتنا السياسية. فرياح الحرية التي تهب على بلادنا أسقطت الكثير من الطابوهات التي لجمت، لمدة طويلة، النقاش الوطني. لقد ساهمت في بزوغ وعي مواطن جديد، وشجعت بشكل لم يسبق له مثيل مبادرات وإبداعات المجتمع المدني. ولكن هناك وجه آخر للعملة، فهذا النفس التحرري الحابل بالتجديد، يصطدم في توسعه برياح مضادة تهب منذ عشرات السنين، وتأخذ اليوم طابع عاصفة تهدد الأسس الإنسانية للبيت المغربي. ويحل اليوم المد الظلامي، محل الاستبداد الصارم الذي رهن المشروع الديمقراطي بالأمس. هذا المد الظلامي الذي يريد تأطير مجتمعنا وفق نموذج أكثر تخلفا يستهدف في المقام الأول كل القيم التي كافحت من أجلها الحركة التقدمية وقدمت في سبيلها تضحيات كبيرة منذ فجر الاستقلال. وهكذا، وفي الوقت الذي بدأنا نتلمس ضوءا في آخر النفق، ينشط أعداء الأمل في إغلاق نهايته. لقد آن الأوان لكل الديمقراطيين في بلادنا أن يقدروا هذا الخطر الداهم حق قدره، ويقيسوا الانعكاسات السلبية التي أحدثها داخل طبقات واسعة من السكان، دون الحديث عن الشك الذي ينجح في زرعه في صفوفهم (أي الديمقراطيين) في بعض الأحيان. إن الأمر لا يتعلق بتضخيم أو باللإستهانة بهذا الخطر، ولكن بالانخراط الفعلي في مهمة إنقاذ وطني تتمثل في إعادة إحياء شعلة المعركة الديمقراطية والقيم التي تؤطرها، معركة بإمكانها مواجهة وتفكيك أمواج التيئيس والتهويل والتباكي العقيم التي يغذيها من لهم مصلحة في تقديم المغرب كبلد يتراجع بدل أن يتقدم، والذين يستعدون للزج به في الفوضى مرتكزين على هذا التقييم الكاذب. إن اللحظة الآن هي لحظة صحوة، لحظة تعبئة الطاقات ولحظة الوحدة ليس فقط من أجل قطع الطريق على الجناح المحافظ خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ولكن أبعد من ذلك حتى يصبح المشروع الديمقراطي الحامل للحرية والتعددية والحداثة والتقدم المادي والأخلاقي، المشروع الوحيد القادر على أن يعيد لشعبنا كرامته، ويجيب بالملموس عن تطلعاته للعدالة والمساواة والأمن ويعيد له طعم مستقبل أفضل يعد بالرفاه له وللأجيال القادمة. طبيعة الحال فمعركة من هذا الحجم لا يمكن كسبها إذا ما دخلها الديمقراطيون بصفوف متشرذمة، فالصف الديمقراطي مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى استعادة زمام أموره لقطع الطريق على مسلسل تفتته، وسينجح في ذلك بكل تأكيد إذا ما انخرط، دون تأخير، في مهمة إعادة بناء هويته وإعادة إحياء فكره وممارساته. وسيربح من ذلك نظرة متجددة لواقعنا وتقييما أكثر موضوعية لمجموع القوى الحية القادرة على خلق انخراط المجتمع وتعبئته من أجل المشروع الديمقراطي. حينذاك يمكن لملامح الصف الديمقراطي أن تتوسع، وتفتح طريق التجميع على آفاق جديدة، وستكون الأحزاب السياسية والنقابات والفاعلون في المجتمع المدني والمثقفون والمبدعون قادرين على خلق تفاعل حقيقي فيما بينهم، جاعلين اختلاف معارفهم وتجاربهم ومواهبهم في خدمة نفس المعركة. لكن هذه الأماني المعبر عنها سيكون لها تأثير ومصداقية أكبر، إذا ما استطاعت هذه القوى بلورة ميثاق ديمقراطي فيما بينها يوضح القيم والمقترحات التي يلتزمون بالدفاع عنها بصوت واحد أمام الرأي العام. إن إعداد ميثاق الشرف هذا يكتسي طابعا استعجاليا، لكن هذا الأخير لن يربح شيئا إذا ما خرج جاهزا من أي جهة كانت. وحده النقاش العلني، الذي تنخرط فيه كل الطاقات، الكفيل بأن يضمن له وزن مصداقيته وقوة إقناعه. إنه ثمرة المثقف الجماعي، لاسيما وأنه سيلزم أكثر كل شريك في معركة هي معركته والتي يعي جيدا أن رهاناتها الأساسية هي إحباط المطامح الرجعية وانتصار الاختيارات الديمقراطية. لنعمل من أجل هذا الميثاق الموحد. لنعمل حتى تستعيد العائلة الديمقراطية عافيتها وترفع عاليا مشعل الأمل والقيم الإنسانية والتقدمية.

ايلاف
الإثنين 3 سبتمبر 2007