حوار ـ محمد نجيم

حسين حبشحسين محمود حبش شاعر كردي من سوريا من مواليد 1970 في قرية''شيخ الحديد'' مقيم منذ سنوات في ألمانيا، له من الأعمال الشعرية ''غرق في الورد'' و''هاربون عبر نهر إفروس''. وبمناسبة صدور ديوانه الشعري الثالث ''أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال'' التقته الاتحاد وكان معه الحوار التالي:

* بمن تأثر الشاعر حسين حبش في قصائده الأولى؟

أنا مدين لكل من علَّمني الحياة بالكلام القليل، بالغموض والإشارات ولم يفصح عن كل شيء دفعة واحدة.
آمنت بالمقولة الكردية التي تقول: ''الكلام المفصَّل للحمقى فقط'' لذلك عشقت الكلام المتقشف الذي يومئ ولا يفصح كثيراً، يشير ولا يدل مباشرة، أنا مدين لوالديّ اللذين لا يفقهان من الشعر شيئا، بساطتهما ودفئهما علماني الكثير، مدين للطبيعة المدهشة التي أحاطت تكويني الأول، مدين للألم الكردي الذي لا ينتهي أبداً، مدين للقلق وعينيه الحادتين الشكاكتين في كل شيء، مدين لبطون الكتب الكردية ما تيسر منها، والعربية بغلبتها، مدين للتراث بشقيه الكردي والعربي، مدين للأسطورة والفلسفة أيضاً، مدين لكل الشعراء الذين قرأت لهم، وأفقدتْ قصائدهم ونصوصهم توازني، وجعلوني كائناً في بسالة اللايقين وخطاياه العميقة.

*هل تحسُّ بغربة وأنت تعيش في ألمانيا، أقصد '' تجربة شعرية''؟

نعم أحسُّ بالغربة بشكل أو بآخر، ورغم مساوئها من بعض الجوانب، أستطيع القول إنها منحتني حريات، أحلاماً وخيالات ورؤى ضرورية وجوهرية للكتابة الشعرية، لا يمكن الاستغناء عنها على الإطلاق، قادتني تلك الأشياء إلى عوالم مجهولة وجديدة ما كنت أحلم بها سابقاً، فتحتْ عيني على لغات وحضارات وثقافات متعددة أغنت وصقلت تجربتي الكتابية والحياتية وغيَّرت من طريقة تفكيري ونظرتي للأمور والأشياء، منحتني هذه الغربة فسحات كبيرة للعزلة والتأمل والشرود، وزرعت في داخلي حسّ الاستقصاء وعدم الركون والاسترخاء، وهذه الأمور ضرورية جداً للكتابة والاستمرار.

قراءة الشعر

* ما هي الكتب التي يقبل الألمان على قراءتها، وهل يحتل الشعر عندهم ما يحتله عندنا؟

من خلال مشاهدتي واحتكاكي اليومي المباشر بالألمان، أجدهم يميلون إلى قراءة الرواية أكثر من الشعر ومن أي صنف آخر من صنوف المعرفة، وهذا شيء طبيعي وبديهي ليس عند الألمان فقط، بل لدى جميع الشعوب الأخرى، لأن قرّاء الشعر دائماً وأبداً هم من النخبة أو نخبة النخبة، أما الرواية فتقرأ في كل مكان، في البيت، في الحافلة، في القطار وحتى أثناء العمل، بخلاف الشعر الذي يحتاج إلى تركيز أكثر وتأمل أكبر والبحث في عمق الكلمات، يقيني أن الشعر زاد الأقلية على مرِّ العصور، وهذا يعطيه قيمته الحقيقية ويحافظ على ألقه وألفته وديمومته.

سليم بركات

* ما الذي يمثله لك اسم الشاعر والروائي سليم بركات؟

سليم بركات مُعَلِّم من طراز نادر، قلما يتكرر له مثيل في الرواية العربية والشعر العربي على السواء، إنه يحوِّل التراب إلى ذهب، وينتمي إلى تلك القلة القليلة الذين أقف مصعوقاً ومشدوهاً أمام نصوصهم العميقة والمدهشة والثرية جداً. إنه هو سليم بركات ''عرَّاب'' المتاهات، وخيَّال الهاوية".

* هل تفكر في كتابة الرواية؟

لم أفكر في الأمر، ولن أجرؤ على ذلك، فالذي تقوله جملة شعرية حقيقية أهم عندي بكثير من تسويد صفحات كثيرة وسكب حبر غزير. وبالتالي فالرواية مهما صارت رشيقة وراعفة أو تعالت قامتها لا ترقى إلى مستوى الشعر الذي يغوص إلى أعماق النفس البشرية، ويسلِّط الضوء على الزوايا المعتمة والغامضة فيها، أكثر من أي شيء آخر مهما كان هذا الشيء مجنوناً أو رشيقاً أو مخترقاً، أو مباغتاً لن يصل إلى مستوى الشعر على الإطلاق.

* تيمة المرأة حاضرة بقوة في ديوانك "أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال'' الذي صدر مؤخراً، لماذا المرأة؟

الديوان بشكل عام هو احتفاء بالمرأة من حيث كونها كائن الطمأنينة والجمال والعذوبة والحب بامتياز، احتفاء بالجسد، بالمرأة والسمو بها، احتفاء بالخطايا (أجمل الخطايا) التي تنبثق من الجسد بكل شهواته ورغباته وغرائزه ومفاتنه، احتفاء بالمرأة وجمالها الذي يرفع من قيمة الكون والوجود ويوقد جذوة الحبِّ فيهما، المرأة كائن الأمل، وزهرة السماء على الأرض، من دونها الحياة جيفة أو ضرب من ضروب الموت والعبث.

الشعر الكردي

* حدِّثنا عن الشعر الكردي الذي تكتبه المرأة الكردية ومن أبرز شاعرات عرفتهن؟

حسب متابعتي لما يكتب وينشر، أستطيع القول: إن هناك حركة دؤوبة ونشيطة للمرأة الكردية الشاعرة في كل أجزاء كردستان لكتابة نص شعري مختلف، خاص بها وبكيانها كإنسانة وكامرأة تنتج الفن والجمال، وهي حين تكتب قصيدتها تنسى كل شيء ما عدا القصيدة ومشاغلها، مشاعرها، أحاسيسها وعواطفها كلها تتقد لإنتاج نص شعري يليق بقامتها وبقامة الشعر الباسقة، أستطيع أن أجازف، وأقول بأن الشاعرة الكردية ـ الشابة بالأخص ـ تكتب حالياً نصاً شعرياً يتفوق على النص الذي يكتبه الشاعر الكردي من حيث سعة الخيال والعمق والجرأة وقوة التعبير، ومن أهم الأسماء التي تستحضرني الآن على سبيل المثال لا الحصر: جانا سيدا، دلشا يوسف، خلات أحمد، يلدز شاكار، فاطمة سافجي، كولالة نوري ، شرين ك، كزال خدر، وأسماء أخرى لا تقل أهميةً.

* كيف ترى الشعر الكردي المعاصر؟

الشعر الكردي حاله كحال الشعر في كل أنحاء العالم، فيه الغث والسمين، الجميل والرديء، نقاط الضعف ونقاط القوة، فيه الهدَّام وفيه المحافظ، إلى آخر هذه الثنائيات، رغم أن اللغة الكردية والثقافة الكردية بشكل عام تعرضت للقمع والمنع والاستقصاء وحتى الإبادة من قبل الأنظمة الغاصبة لكردستان، إلا أنها شقَّت طريقها بعناد وإرادة كبيرة، وأنتجت في حالة الكتابة الشعرية نصوصاً رفيعة وشعراء لهم قيمة كبيرة حتى على مستوى العالم، أغلب الشعر الكردي كتب ويكتب في ظروف غير طبيعية، في ظل انعدام الحرية والاستقرار، في ظل المنافي والسجون وعدم الاعتراف، وفي الخفاء غالباً، قبل سنوات قليلة كان مجرد التحدث باللغة الكردية يعرض صاحبه للسجن، ما بالك بكتابة الشعر بها، لكن رغم كل هذه الحالات الشاذة أرى، وبخلاف البعض، أن الشعر الكردي بخير ولا تنقصه الفتنة والمضاهاة.

* هل للشعر قضية؟

كل شعر له قضية وقضية الشعر الحقيقية الشعر نفسه أولاً وعلى رأس كل الأولويات، أما ما تبقى من القضايا الأخرى تعتبر بمثابة الروافد لنهره الجارف، حيث يتغذى النهر من تلك الروافد ويشق طريقه بتدفق المياه وقوتها، كل القضايا تصلح لأن تكون أدوات بيد الشعر إذا عالجها جمالياً ووضعها في خدمته بشكل صحيح، في كل القضايا الشعر مخدوم وليس بخادم. كل شيء يجب أن يكون طوع يديه، وإلا خسر نفسه، أستطيع أن أضيف أيضاً، أنه إذا كثرت القضايا الكبيرة في الشعر، نسيِّ الشعر نفسه وخفَّ منسوب العمق والجمال فيه.

الاتحاد الاماراتية


إقرأ أيضاً:-