خالد بيومي
(مصر)

جوزيف حرب من أبرز الأصوات الشعرية اللبنانية، وعندما نغوص في أعماق قصائده، نكتشف ذات الشاعر المؤرقة بهموم الوطن، كما نكتشف عمق التجربة الإنسانية التي يعيشها.
يكتب جوزيف حرب بالفصحى والعامية، فمن دواوينه باللغة الفصحى “شجرة الأكاسيا” و”مملكة الخبز والورد” و”الرقص والمزمار” و”السيدة البيضاء” و”شبح الغيم وعكازة الريح”، ومن دواوينه بالعامية اللبنانية: “مقص البحر” ومجموعة “طالع ع بالي فِل”.
هنا حوار معه:

* في مجموعتك “طالع ع بالي فِل” التي كتبتها باللغة المحكية.. ما العوامل التي ساعدتك على الاستفادة من العامية في تشكيل قصيدة خاصة تحولت فيها اللغة الدارجة إلى لغة شعرية غنائية على هذا المستوى؟

ثمة تلازم بين صياغة قصيدة الفصحى وقصيدة العامية، خصوصا عند الشاعر الذي يتقن هاتين القصيدتين، ثمة تقنيات وأساليب ووسائل في قصيدة الفصحى نستطيع أن نفيد منها ونحن نكتب قصيدة العامية، وهذا الأمر يتعلق بقدرة الشاعر على إتقانها وهذا هو الشرط الأول في كتابتها.
قلة هم الشعراء الذين كتبوا القصيدتين معاً ولكن جميع هؤلاء إذا قرأت قصيدة فصحى لهم وقرأت قصيدة العامية تلمس في الثانية الأساليب والطرق أو الوسائل التي اتبعت في كتابة قصيدة الفصحى.
أما عند الذين يكتبون العامية فحسب، فالأمر مختلف، حاولت في ديواني “طالع ع بالي فل” أن أعبر عن مشاعر وأحاسيس، وجدتها بالنسبة إليّ ألصق بالعامية منها بالفصحى، ربما لأنها وجدت لغتها مع حسها الإبداعي، أو ربما لأنها ذات خصوصية عالية، بحاجة إلى التعبير عنها بشكل يشعر به الجميع، يشكل لديهم شيئا من أحاسيسهم في لغتهم اليومية.

* جنوحك بالقصيدة بعيداً عن التعقيد هل هو أيضا موقف رافض للإغراق في الرمز؟

التعقيد غير الرمز، وكل قصيدة مهما كانت بسيطة تحمل شيئا من التعقيد، ولهذا السبب فقراءتها مفتوحة، وما يجده فيها قارئ الغد قد لا يجده فيها قارئ اليوم.
أما التعقيد الذي يعتمده بعض الشعراء من موقع الإغراق في التعمية والغموض فهذا أمر لا أحبه في الشعر.

* قصيدتك تتمتع بالوفرة الإيقاعية ما مصدرها؟

التباعد والاختلاف والأبعاد الكثيرة التي تصاب فيها الروح، من خلال علاقتها مع الأشياء، فكلما كثرت الأشياء والحالات كثرت إيقاعاتك، وكلما اختلفت هذه الأشياء والحالات اختلفت إيقاعاتك، وكثرة إيقاعاتي آتية من هذا الأمر، ليس لي موضوع خاص في الشعر، هناك محاولة للتعبير عن كل شيء، أي شيء، كل الأشياء، وهذا يقتضي أن تكون غنيا في الإيقاعات، لتكتشف القضايا والأشياء التي تكتب فيها وتمازج إيقاعاتك الداخلية وإيقاعاتها.

* عرفك الناس من خلال قصائدك العذبة التي غنتها السيدة فيروز، كيف تقيم هذه التجربة؟

حاولت مع السيدة فيروز أن أكتب من الشعر صيغته الغنائية التي تحتاج إلى الصوت والدفء حتى تكتمل، والصعوبة هنا والجمالية في آن معا هما أنك تكتب أغنية لفنانة رائعة، هي السيدة فيروز، وقد وجدت في كتابتي للأغنية إحساسا آخر في داخلي يستطيع أن يكتب نصا ليس هو بالشعر المقروء، وإنما هو بالشعر الذي تظهر جمالياته في غنائه وأعتقد أنني وفقت في ذلك.

* هل أفرزت الحرب الأخيرة تياراً أدبياً جديداً في لبنان؟

من الطبيعي أن تؤثر الحرب في الشعر وفي الرواية بقدر اكبر، وبات الشاعر والكاتب يعبر عما عاشته حياته اليومية وأعماقه الخاصة والعامة فترة الحرب، وهذا أمر يحدث لدى جميع الأدباء والكتاب.

* ألم تفجر قسوة مشهد الحرب طاقتك الإبداعية؟

لكي تكتشف الأبعاد الحقيقية لأي منظر عليك أن تبتعد عنه قليلا، لست ممن يرغبون في الكتابة المباشرة، أسعى دائما إلى إيجاد وقت طويل يكون فاصلا بين ما حدث في الواقع وبين طريقة نقله، إلى أن يتحول إلى نص إبداعي. من الطبيعي أن هذا التفجر في الواقع عليه أن يتبعه تفجر إبداعي في الكتابة، يعتمد أولاً وأخيراً القيمة الجمالية.

* تم طرح القضايا الكبرى التي أفرزها العصر في لبنان ثم ترحلت منه إلى بقية الأقطار العربية حتى قال طه حسين “لقد تحول النور من القاهرة إلى بيروت” هل توافق؟

لا أظن. هذا تضخيم لما يحدث على الساحة الأدبية العربية، صحيح أن بيروت دار النشر العربية الأولى، والأدباء العرب قد يمرون من خلالها ليصلوا إلى قرائهم، ولكن لكل قطر عربي أدباؤه الكبار، وكل قطر عربي بحاجة إلى اكتشاف تجربة أدباء الأقطار الأخرى، وهذا ما يحدث بين لبنان وبقية الوطن العربي، غير أن هذا الأمر ليس بمعزل إطلاقا عن الأدب العالمي، الذي يحاول دائما أن يشكل وجها من وجوه القيمة الأدبية لدى الكتاب العرب جميعا.

* مع صعوبة الوضع في لبنان ألم تراودك فكرة الاستقرار بعيداً عن الوطن الملتهب كما يفعل كثيرون؟

كلا، طالما أني سأحمل وطني أينما ذهبت فمن الأفضل بالنسبة إليّ أن أبقى فيه.

* الوضع في لبنان يبدو معقداً كيف ترى المستقبل بعين الشاعر؟

أراه صعباً، وأرى أن لبنان مقبل على مرحلة فيها شيء من التنافر السياسي والتخلف الاقتصادي والعودة إلى الأحاسيس الطائفية والعنصرية، وهذا أمر لا يشجع أي وطن على النهوض، أدوات لبنان التي تساعده على القيام وطناً متماسكاً وحراً وعصرياً هي أدوات من الصعب علينا أن نجدها في الواقع اللبناني ومستقبل لبنان غامض.

الخليج
2007-12-23