الحديث مع الروائية هدى بركات لا يحتاج إلى مناسبة، ولو أن زيارتها الحالية إلى بيروت بمناسبة عرض عملها المسرحي «فيفا لا ديفا» شكّل حافزا إضافيا، لحديث امتد وتشعب في محاولتنا الدخول إلى عوالم روايات بركات، والوقوف على تجربتها، عيشاً وفناً، في باريس حيث تقيم الآن. لهدى بركات حتى الآن ستة مؤلفات أدبية، عدا مسرحيتها «فيفا لا ديفا» (لعبتها رندة الأسمر على خشبة «مسرح بابل») إلى جانب مشاركتها في كتب جماعية، وقد منحها رئيس الجمهورية الفرنسي وسام الاستحقاق الوطني من رتبة فارس، لقاء إبداعاتها في الأدب والصحافة، ما أعطى الكاتبة دفعاً معنوياً خصوصاً أن الوسام لمن يكتبون بلغات أخرى غير الفرنسية، ذلك أن الكاتب باللغة العربية (بحسب الكاتبة) في فرنسا، يشعر بأنه ليس في متن الحياة الثقافية لتلك البلد، وهو أمر جيد ويعني أن الثقافة الفرنسية مفتوحة على لغات أخرى وأماكن أخرى، وموضوعات أخرى. الوسام الذي تقلدته بركات، هو الثاني بعد وسام وزارة الثقافة للفنون والآداب عام 2004. سبق لبركات أن حازت أيضاً على «جائزة نجيب محفوظ» لأفضل رواية عربية، في القاهرة العام 2000 عن روايتها «حارث المياه». كما ترجمت أعمالها أيضاً إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية ومن رواياتها «أهل الهوى» و»حجر الضحك» و»سيدي وحبيبي». بركات صاحبة مؤلف «رسائل الغريبة» نالت جائزة «أمالفي» الإيطالية عن أفضل كتاب مترجم إلى الإيطالية من بين لغات المتوسط.
لبركات وجهة نظرها بالجوائز، والكتابة، والأمكنة، والمنافي، وبيروت وباريس تحديداً، أي موطنها الأصلي ومكان إقامتها الحالية وعيشها. عن تجربتها الإبداعية، والمعيشية، وعن آلية عملها الروائي، بُناه ومناخاته، كان هذا الحديث:
* أود الدخول الى عالم رواياتك، جمالياتها؟ تصنيفاتها؟ هل هي اعترافاتك كمؤلفة. ما هي الخطة المعمارية التي تصنيعها لكتابة رواية؟
ـ أنا لا اضع خطة معمارية للرواية. وحتى في حال وضعت تصوّر ما، يبدو انني لا اتبع هذا التصوّر. ادخل في رواياتي بدافع شبه عاطفي، بإلحاح احساس ما. وحتى الأن هي تنبني حول الشخصية الرئيسية. والواقع انها تأخذ مني وقتاً طويلاً. العمل يأخذ قرابة 4 او خمس سنين. التطور السردي للرواية، يسير بطيئا بالتوازي مع هذا الوقت الطويل.
رواياتي ابعد ما يكون عن الاعترافات. كلمة اعتراف هي تأليف بالكامل. لكن السؤال الجوهري هو علاقة الكاتب باستنساخ الواقع او الذكريات، بمعنى ايهما أكثر «حقيقية»، واقع الحياة الخاصة ام الشخصية الروائية. مثلا حياتي الشخصية اذا اخذتها كأحداث او مراحل، هل أنا موجودة فيها اكثر، ام في شخصيات رواياتي. مثل ثاني على هذه المسألة، لنقل الشخصية الرئيسية في «أهل الهوى» عناصر هذا البطل، تكوّنه تعريفه لا علاقة لها بحياتي. هو رجل وأنا امرأة.
لكنني اشعر بأنه خارج من داخلي ويشبهني اكثر بتعريفاتي الاجتماعية اكثر مما العوامل الداخلية متشابهة. هواجسي وكل ما يعتمل في نفسي.
مونولوغات
* هناك حضور للمونولوغ الداخلي، كما للحوار في اعمالك. ايها اصعب من الناحية الفنية؟
ـ ليس من حوارات في الحقيقية في رواياتي. حتى حين تحضر هذه، تكون متخيلة. يعني بمعنى ما هي مونولوغات. طبعا هذا غير مقصود. لكن مجمل هذه الشخصيات تنطلق من عزلة ومن اعاقات في التواصل مع العالم. ربما لهذا السبب تبدأ رواية من حيث يتوقف حوارها مع العالم.
وربما ايضا يعود ذلك، الى ما اصبحت عليه شخصيتي ككاتبة وككائن اجتماعي. وربما قد بدأت الكتابة اساساً حين لم يعد يستوي الحوار. أي لم يعد هناك لديّ من أمل كبير في ان الحوار بشكل عام يغيّر من طبيعة الاشياء، ومن طبيعة العلاقات البشرية. أنا ككائن بحاجة عضوية للعزلة وعزّز ذلك طبيعة عملي التي تشغل وقتي كثيراً.
* سيدي وحبيبي لم تأخذ حظها لماذا برأيك على عكس حجر الضحك وأهل الهوى وسواها؟
ـ لا أدري. أنا بالنسبة لي لا تملك رواية «سيدي وحبيبي» مفاتيح سهلة للقراءة، او ما قدمت أعمالي السابقة من مفاتيح. وعملي على «سيدي وحبيبي» ذهب الى أبعد في مغامرتي الروائية. واعتقد ايضا ان «سيدي وحبيبي» تمت قراءته على مستوى اول احدهم كتب نقداً سلبياً ان هدى بركات تبحث عن معنى للحياة وتكتشف ان لا معنى للحياة. كيف تردين او تحاولين توضيح شيئا ما بصدد مقولة كهذه؟ منذ الإغريق يبحث الأدب وما زال عن معنى الحياة؟ كنت اتمنى ان أقرأ نقداً جدياً عن سبب عدم نجاح هذه الرواية. على أي حال، عدم نجاحها لا يزعجني لأن التلقي الايجابي المستمر، مقلق لأي كان.
بالمقابل، تمّ تلقي هذه الرواية في فرنسا مثلا، وفي اسبانيا على نحو خاص، بإيجابية استثنائية وتمّ الكتابة عنها بمديح عال، ليبراسيون (الصفحة الأولى بملحق الكتب) لوموند الصفحة الأخيرة بكاملها.
* أنت معروفة في الغرب، او مقرؤة في مصر بلد الرواية إذا صح التعبير كما في سائر الدول العربية. لماذا برأيك وهل هو سعيك الشخصي الى ترويج أعمالك الروائية وترجمتها؟
ـ حسناً تفعلين بالتوقف أمام «الترويج الشخصي». أنا لا أقوم بأي ترويج لا شخصي ولا غير شخصي. مطلقاً. أنا لا أعرف شخصياً أياً من النقاد الغربيين الذين كتبوا عني. أساساً هذا لا ينفع في الجرائد أو المجلات المحترمة.
وعلى فكرة، أنا نلت أوسمة من الدولة الفرنسية وللتوضيح، الجهة التي رشحتني هي جهة فرنسية من داخل وزارة الثقافة، لم أكن أدري بوجودها. اسمها: «مكتب الكتاب» le bureau du lire وفي مناسبة الوسام الثاني (الرئاسي) استغرق بحث دار النشر الفرنسية التي تترجم كتبي وقتاً لمعرفة الجهة التي رشحتني. ولعلك تتساءلين عن مدى حضوري في الوسط الثقافي الفرنسي، بما أنني مقيم في فرنسا: أنا غير موجودة بتاتاً في هذا الوسط، أعني كحضور اجتماعي ولا ألبي أياً من الدعوات الاحتفالية أو غيرها.
أما بالنسبة للانتشار في العالم العربي، فقرائي لا يعدّون بعشرات الألوف، ولا أسجل مبيعات عالية، لكن يفرحني جداً أن لي حيزاً من الاحترام والإعجاب، يملؤني. هناك قراء لا أعرفهم، ولكنهم يجدون طريقهم إليّ. وهذا يمنحني ثقة، فأنا أكتب بالعربية وقارئي الأول والأخير الذي يمنحني المصداقية هو القارئ العربي، بعد ذلك تأتي الترجمات... أو لا تأتي.
لو أردت الترويج وقصدته، من المفيد لي أكثر بكثير أن أكون كاتبة فرنكوفونية ما يفتح لي الأبواب على مصراعيها.
هربت إلى باريس
* حدثيني عن تجربتك الشخصية في الغرب، باريس تحديداً حيث تعيشين؟
ـ أنا لم أذهب إلى باريس بهدف فعل أي شيء في باريس. أنا هربت إلى حيث كان هناك سقف يؤويني مع ولديّ. أي بيت أختي الصغير التي كانت آنذاك طالبة. ولو كانت أختي تدرس في الكونغو، لكنت أقمت فعلاً في الكونغو. الهدف كان مغادرة باريس وليس الوصول إلى أي مكان. لذا لم تكن باريس بالنسبة لي قبلة مشاريع ثقافية، أو أي مشاريع من أي نوع. الهدف كان مكاناً آمناً. واستمرت الإقامة في هذا المكان الآمن بدون تخطيط. لكن في جانب حياتي الشخصية أمّنت لي باريس ما كنت أطلبه منها. فكان إقامة مسالم، حر، وعمل أقتات منه. وشيئاً فشيئاً بدأت أفيد من جوها العام في مشاهدة مسرحية، في الذهاب إلى السينما، في قراءة جرائدها بانتظام. لكنني وبهذا المعنى، حين تركت لبنان، لم أكن جاهلة بهذه الثقافة.
على أي حال، ما زلت أشعر بأنني غريبة بقوة عن ما يسمى بالحياة في باريس. أي تلك التي كانت تشبه حياتي في بيروت. أنا مثلاً ليس لي أصدقاء فرنسوية، ولا يؤلمني ذلك، إذ أساساً لا أريد الاندماج، لذا ربما ما زلت أكتب عن لبنان، ولم تدخل باريس في كتاباتي، باختصار، أنا لا أقيم، لا في باريس ولا في بيروت. بل أدور حولهما. كان ذلك يؤلمني في بحثي عن المكان ثم قررت أن الجغرافيا ليست مهمة وإنني أستطيع أن أنزّه روحي أينما كان سواء في كتاب أو في موسيقى، أو في العلاقة مع أولادي، لكن يهمني أن أقول لك، إني بعد أن أصبحت «جدة» يشقيني أن لا تحمل ابنة ابنتي ياسمين الجنسية اللبنانية، وستكون أول أسفارها إلى لبنان في الشهر المقبل.
* في رواياتك بعض من التأمل الشعري في الحياة، كما تحتوي على الحدث السياسي (الحرب الأهلية في لبنان) الذي يستنهض خوضك ككاتبة في أحوال اجتماعية وايديولوجية ايضا.
ـ لا أعتقد أن للجانب الاجتماعي أو الإيديولوجي بحسب تعبيرك، تلك الأهمية في رواياتي. بل إن هذا البعد، حين يكون منطلقاً للسرد لا يستمر بالثقل لوقت طويل. وقد يبدو في بعض الأحيان حجة أو مبرر لما يشغلني في الشرط الإنساني عموماً. ويطمئنني مثلاً أن الجهل بتاريخ بيروت الحديث أو لبنان الحديث لا يعيق القراءة عندما تُترجم الروايات، أو يتم التعليق عليها. لا يتساءل القارئ حول الوضعية الاجتماعية أو الإيديولوجية بل ربما ينظر مباشرة إلى ما هو أبعد من ذلك في ما ترمي إليه الرواية.
أما عن الجانب الشعري، فأنا لا أستطيع تحديد هذا الجانب، لكنني كقارئة حين أقرأ رواية تعجبني جداً، أشعر وكأنها تركت فيّ ما تتركه القصيدة العظيمة. هذا يحصل حين تميل الرواية أكثر إلى جانب الحياة الداخلية والهواجس والقلق والأسئلة، أكثر منها إلى عرض الأفكار او القناعات، والاستنتاجات أو الدفاع عن حقائق. وهذا ما تفعله إجمالاً الرواية الاجتماعية.
* هل من المهم لقارئ عربي معرفة تاريخ لبنان وأحداثه لفهم رواياتك؟
{ أعتقد بأنني أجبت عن شق من سؤالك. لكن الإحالات إلى تاريخ المكان عموماً قد تكفي منها الإشارات. أما نجاح النص الروائي، فهو تحديداً في ما يتجاوز هذه الإحالات إلى مناطق مشتركة مع القارئ، عربياً كان أو غير عربي. وإلا فهناك التأريخ والصحافة والريبورتاج وهذا ليس عمل الروائي.
مثلاً، في لقاءات مع شبان في ضواحي فرنسا، حول رواية لي، يتوقفون كثيراً عند معالجتي للعنف وبأية لغة تمّ تناوله، ويستنسخون ما يعنيهم من النص دون أن يتوقفوا كثيراً عند حرب لبنان الأهلية، هذا على سبيل المثال.
ساخرة
* في الكتابة أنت افتراضية، مازجة او ساخرة، رغم كوارثية الوضع المتناول؟
ـ لا أعتقد أنني مازحة. ربما ساخرة. تلك السخرية القابعة في كثير من المرارة. مرارة من لم ينجح في تقبل او التأقلم مع ما تصنيفه «بالوضع الكارثي». ربما المسافة في ابتعادي عن لبنان تُجذّر عدم الرضا هذا، أو الغضب المشوب حتى ببعض الحقد. إذ اشعر باستمرار أن هناك من دفع بي دفعاً الى خارج بلدي، وورّطني في ظروف الغربة الشديدة الصعوبة والتعقيد. كأني من زاوية ما، لم أكن مضطرة للهجرة. والحقيقة انني حتى الآن لم أفهم ما الذي جرى، ولا أنجح في النسيان او التناسي. ومن يكتب بين مكانين بهذا الشكل لا يدرك أياً منهما ولا يقيم في أي منهما، فتبقى له الكتابة التي يعرف سلفاً أنها لن تؤدي الى طمأننية ولن تمنح سلاماً.
* هل تغارين من أعمال روائية عربية او أجنبية. تستفزك وتحفزك على الكتابة؟
ـ كلا، بل أفرح بالأعمال الجيدة كثيراً. خاصة بالأعمال العربية الجيدة. رواية وشعراً. وبالنسبة للتحفيز أعتقد أن النجاح يعمّ الجميع إذ هو يكثر من عدد القراء. خاصة إذا وصل هذا التحفيز الى جيل الشباب الذين لا يقرأون كثيراً وهم لمن يقرأ منهم، يقرأون باللغات الأجنبية وينظرون الى الأدب المكتوب بالعربية نظرة جهل فيها الكثير من سوء التقدير.
* ما هي المساحة التي تولينها للقراءة، ولمن تقرأين؟
ـ للقراءة بالضرورة مساحة واسعة في حياتي للمتعة وأيضاً للإضطلاع. أما لمن أقرأ فأنا قراءاتي غير منظمة وغير منهجية ولا تأتي عموماً تبعاً لانتشار ما. وقد أجد مقطعاً في رواية ذات مستوى متوسط، ما يُطربني. أما في التحفيز على الكتابة، فوزن الشعر والفلسفة وبخاصة الموسيقى، يرجّح هذا التحفيز على الكتابة الروائية تحديداً. للموسيقى فعلها فيّ.
* هل ما زالت تراودك أفكاراً عن العودة الى بيروت؟
ـ حتى الآن لم تعد بيروت لي بيروت. فإلى أي مدينة تريدين أن أعود؟ الوضع الأمثل هو أن أكثر من زياراتي، لكن الإرتباطات في العمل، تمنعني من التردد على بيروت. على أي حال أنا لا أشعر ببعد المنافي او بالإقصاء. لكن تصوّري لإقامة تعني العودة الى بيروت بات صعباً. فأنا لا وظيفة لي ولا بيت ولا ظروف تشجع على ذلك أصلاً. الى جانب ارتباطي العاطفي بولديّ المقيمين حتى الآن والى إشعار آخر في باريس.
* لماذا الكتابة المسرحية الآن «فيفا لاديفا» ما الذي لا تستطيعين قوله في رواية، فتقولينه في مسرحية. ما الفرق؟
ـ ربما المسرح أكثر مباشرة في الخطاب. في الحقيقة لا أدري لماذا خطرت لي الكتابة المسرحية. ذات مساء خرجت من مشاهدة مسرحية فرنسية وأخذت في رأسي «أُصحح» ما شاهدته، وأتخيّل نفسي كاتبة لهذا النص المسرحي. وحين بدأت أكتب انسحبت الى المسرحية شخصية كانت تدور في رأسي في فلك روائي. ولدى استغراقي في كتابة «ڤيڤا لا ديڤا» وجدت مرونة ما لديّ لم أعهدها فيّ من قبل، واستمتعت بذلك. على أي حال، لم أنتقل من الرواية الى المسرح فأنا حالياً، أعمل على رواية، آمل ألا يطول عملي عليها. لكنني أعمل أيضاً على مسرحية جديدة بحماس كبير. وتكتشفين في الكتابة المسرحية مع عرض ڤيڤا لا ديڤا على الخشبة، تواصلًا مع الناس لا يوفّره إصدار رواية. وأجمل ما في ذلك أنكِ ظاهرة وخفية في نفس الوقت، ككاتبة أعني.
* هل تقرأين أحياناً او تعودين الى قراءة بعض رواياتك؟ هل تودين التعديل في هذا الموقع او ذاك؟
ـ نادراً ما أعود الى قراءة ما كتبت. وأنا بالفعل لا أحب ذلك. ودائماً يخطر لي أن أعدّل. فحين أدفع برواية الى النشر اصاب بالهُجاس، ويخطر لي مراراً أن أسحبها من المطبعة. أنا أعتقد ان غالبية الكتاب أو الشعراء أو المبدعين، يغالبون هذا الإحساس بإمكانية الإستمرار في العمل على النص أو العمل الفني. لا أعتقد أن كتاباً جديرين ينظرون الى أيّ من أعمالهم على أنها كاملة بلا تعصبات او إضافة، وربما هذا القلق بالذات هو الذي يدفع الى معاودة المحاولة والكتابة من جديد.
* لماذا اهتم الغرب بنتاجك خارج منظومة الجنس والدين؟
ـ ليس هناك غرب واحداً. الغرب متعدّد. سياسة النشر أيضاً في بعض الدور بحثٌ عن إثارة ترتد مبيعات كثيفة في الأسواق. بعضها الآخر يسعى هو أيضاً الى الربح طبعاً، لكن على مدى زمني أبعد، لا على الفورة الموسمية. حالياً أودّ أن أقول لك، أن هذه الموجة انحسرت الى حد ما، وانتقلت الى خبايا الخليج، تحديداً المجتمعات النسائية المقفلة في الخليج، والقارئ يميز بين حشرية الإضطلاع على الممنوعات في ما يشبه التلصص والتعرف، وبين ما يقرأه من أدب. وقد يكون هذا القارئ الفرد نفسه من يقرأ الكتابين.
في ما يعنيني، أنا أتقدم في السوق الفرنسية على الأرجح ببطء وثبات. لا أنا ولا دار النشر الفرنسية مثلاً ترسم لي خطة «أكثر مبيعاً» هذا غير وارد. حين أصل الى عشرة آلاف نسخة يكون عيداً عندي وعند دار النشر. وتجدر الإشارة الى أن المتابعة النقدية لا تتعامل سواء بسواء مع هذين النوعين من الكتابة. لكل نوع حيّزه وسياسة النشر الخاصة به، ولا مانع من تعايشهما.
* هل تعتبرين أعمالك في تصنيفات «الرواية الجديدة» أم ماذا؟
ـ أنا لست على اضطلاع بشأن هذه التصنيفات. لفظ «الجديدة» لا أعرف أين أضعه. اقرأ أن هناك رواية جديدة مأخوذة من عالم المدونات مثلاً، لكن كما في إجابتي السابقة، المشهد يتسع بانتظار أن يثبت الوقت مواقع هذه الكتابة التي يسمونها جديدة.
* هناك إحساس يراودني لدى قراءتك، هو حسّ الرواية، او محاكاة تهكمية لرواية، مع انها تحافظ دائماً على وحدة الموضوع.
ـ أنا أعتقد أن البدء بمشروع رواية هو بحد ذاته طموح لكسر أفق ما في ما سبق أن قرأتِهِ أو كتبتِهِ. هذا الطموح قد يتحقق وقد لا يتحقق ولكن ليس في الكتابة الروائية براسي نُظم أو مبادئ ينبغي الالتزام بها أو احترامها بصرامة. يعني موضوع الرواية، عالمها، مناخها، وخاصة لغتها، هو الذي يبينها أو يذهب بها في حدودها المأمولة. تنميط الكتابة الروائية هو كبح لها وتأطير وحصر وتطويع غير محمودين.
السفير
9 ابريل 20210