منصورة عبدالأمير
(البحرين)

الخان مع فريق تصوير آخر رحلة غوص في البحرين -
أغسطس 1964

يستعد الروائي والفوتوغرافي، حسين المحروس، لإطلاق رابع مشاريعه التي تُعنى بالتاريخ البصري للبحرين قريباً، هذه المرة عبر كتاب يحمل اسم «عبدالله الخان، معجم العين»، يقول المحروس، إن العد التنازلي للانتهاء منه بدأ بالفعل» ويضيف «فيه سيرة المصور الفوتوغرافي عبدالله الخان الفوتوغرافية، مقدَّمة بشكل جديد ومختلف فيما يطرح من كتب السيرة الذاتية».

الخان والمحروس وقّعا ثالث كتب مشروع «التاريخ البصري للبحرين» خلال أمسية نظمت في صالة الرواق أواخر شهر أبريل/ نيسان الماضي. حمل الكتاب اسم «دفتر اللؤلؤ»، اشتمل على 190 صورة تناولت قصة الغوص وتاريخه، اختارها المحروس من بين مئات الصور كان الخان قد التقطها عبر مراحل زمنية مختلفة، جمعت لتصف هيئة مهنة الغوص، تفاصيلها، صفاتها، الحركة فيها، هيئة الجلوس واللباس والسكن، عملية سحب الغواص وفتح المحار، قصص، مصطلحات، أغاني، تراث، احتجاجات، خرافات، سير غواصين، أماكن، كتب.. إلخ.

«الوسط» حاورت المحروس بشأن «دفتر اللؤلؤ»، ومشاريعه مع الخان التي تنطلق تحت مشروع «التاريخ البصري للبحرين» وبشأن عملية التوثيق في البحرين، ما لها وما عليها.

كيف كانت بدايات مشروع «التاريخ البصري للبحرين»، المشروع الذي يقف وراء هذه الكتب، وما الذي تحقق منه؟

- يتناول المشروع موضوعات بصرية مختلفة ويهتم بصور عبدالله الخان بالتحديد، فهذا الرجل هو الذاكرة البصرية العميقة الممتدة إلى الأربعينيات وهو يمتلك أرشيفين، أرشيفه الذي يبدأ من أول سنوات حمله للكاميرا في العام 1945 تقريباً حتى الآن، وأرشيف والده محمد الخان وهو مصور مهنته التصوير الفوتوغرافي بكل ما يعنيه التصوير الفوتوغرافي في تلك الفترة.

بدأ المشروع في العام 2005 بتمويل خاص من «بيت البحرين للتصوير» الذي أسسه الخان نفسه. أول كتاب عملنا عليه كان «المحرق لؤلؤة البحرين» وقد واجهتنا حينها بعض الصعوبات في التعامل مع الصورة القديمة. كانت علاقتي به جديدة وكان لابد من فهم متبادل لنبدأ بداية صحيحة. بداية تهتم بحركة الصورة في داخله واهتمامه بها وأهداف إطلاقه لمشروع من هذا النوع. كذلك كنت بحاجة لأن أقيس مدى قدرتي على أن أشتغل معه وأن أتعامل مع المخزون الكبير من الصور الفوتوغرافية التي يملكها. تذللت الأمور شيئاً فشيئاً عبر تواصل سليم وعملي جداً بسب خبرته في الحياة.

تجربة المحروس مع الخان بدأت منذ تنظيم المحروس لأول معرض لصور الخان تحت عنوان «الضوء عيون». كان ذلك في العام 2003، مركز الفنون احتضن المعرض، والمحروس بدأ حينها كتابته الأولية لسيرة الخان الذاتية لتصاحب المعرض. ضم المعرض بانوراما من الصور المختارة لمواقع مختلفة في البحرين.

يقول المحروس: «بعد المعرض، ظلت علاقتي بالخان عادية حتى العام 2005 عندما وجدته يستعين بي لفكرة المشروع الأول كتاب تاريخي بصري عن المحرق. «المحرق لؤلؤة البحرين»، الذي استغرق العمل فيه عامين».

عامان كاملان؟ هكذا أسأل المحروس فيقول: «يعتقد البعض أن مثل هذه الكتب لا تحتاج لأكثر من ستة شهور لكني احتجت تلك المدة ليس لإصدار الكتاب أو إعداده أو البحث في موضوعاته وإنما لخلق جو من التفاهم بيني وبين الخان أيضاً. كنا نؤسس لما يشبه الشراكة الإنسانية، كنا بحاجة لأن ندخل مجموعة من التجارب لتتضح هذه العلاقة التي أفتخر بها في حياتي. هذا ما يفعله التصوير في الإنسان يجعله قريباً من الناس، ولما في داخلهم. وكأنّ كلّ لقطة قريبة منهم».

ويواصل المحروس «استغرق العمل على الكتاب الثاني «ديمقراطية 73.. الشعب في التجربة» مدة اقصر لأني بدأت أعرف الخان جيداً وسارت لأمور بيننا بشكل واضح وبدأنا نتفاهم بشكل يجعلنا قادرين على إكمال مشروع ما، بشكل يجعلنا راضين عن هذا المشروع».

لهذا احتاج المحروس مدة أقل لإنجاز ثاني كتبه، قرابة العام والنصف، ويتذكر قائلاً: «كانت تجربة العمل على الكتاب الثاني جميلة جداً وفريدة. اضطلعت خلالها وللمرة الأولى على ملف بصري بهذا الحجم الكبير حول تجربة المجلس التأسيسي وتجربة برلمان 73».

يقول المحروس، إن اضطلاعه على هذه التجربة بهذا العمق «أزال عني كثيراً من البديهيات حول التجربة، لقد بدأ كثير من تقديسي للتجربة يتلاشي لأني قرأت مضابط المجلس التأسيسي كلها ومضابط البرلمان، وزالت عني فكرة اعتبار التجربة متكاملة وأنها لا تتكرر. سمعت الكثير عن هذه التجربة وحين اقتربت بدأت كل الأمور التقديسية حولها تزول. القرب يكشف دائماً. هذا مبدأ فوتوغرافي».

«دفتر اللؤلؤ»، وهو التجربة الثالثة للمحروس والخان، كانت تجربة أسرع، يقول المحروس: «استغرق العمل على الكتاب أقل من عام على رغم أن البحث فيه كان أكبر من الكتابين الأول والثاني، كما إن عملية القراءة والاطلاع فيه أكثر، فقد احتجت أن اطلع على الكثير من الكتب وأجريت العديد من اللقاءات واقتربت من عدد لا بأس به من التجارب الحية أو الميدانية بشكل أكبر بكثير مما فعلت في الكتابين الأوليين».

حال تسلم المحروس لملف صور مشروع ما مع الخان تبدأ لديه عملية الإعداد له والبحث فيه «أبحث في كيفية إخراج الصور بشكل مختلف تماماً عن أي مشروع بصري آخر، كما أعد الكيفية التي يمكنني من خلالها التركيز على الصورة أكثر من أي شيء آخر في هذه الكتب وذلك لإعطاء الصورة حقها وإعطاء الخان مكانته التي تليق به باعتباره مصوراً قديراً وخازناً للتاريخ البصري للبحرين. وفي الحقيقة فإن هذا الهاجس يلازمني بشكل دائم حين إعداد هذه الكتب، وهو أن هذا الرجل تمّ إهماله بشكل كبير من قبل المؤسسة الثقافية وللأسف الشديد بشكل متعمّد، والدليل على ذلك أنه حاول عدّة مرات أن يقيم علاقة مع المؤسسة الثقافية عبر رأسها وقدّم خدمات كثيرة لهذه المؤسسة بشكل واضح لا يمكن أن ينكره أحد وكان يبادر دائماً لتقديم مشاريع ينفق على بعضها مئات الدنانير، ويقدّمها لرأس السلطة الثقافية لكن ردة الفعل تأتي باردة مهملة وقد لا تأتي. إنهم لا يعرفون قدر هذا الانسان، ربما لأن وزيرة الثقافة منشغلة بلببنة الثقافة وفرنستها».

لكن كيف يشتغل المحروس على أرشيف الخان وكيف يتعامل معه؟

- مع الخان، يبدأ المشروع عادة باقتراح منه وقد يكون مني لكن لا يتم اقتراح المشروع إلا حين يكون هناك من الصور ما يرسم صورة تحيط بالفكرة. هو مصور توثيقي لكنه حين فعل ذلك ويفعل ينفي التفاته لما سيفعل بهذه الصور في المستقبل. حدثني قال: «لم أكن أعرف إنني في يوم من الأيام ستأتي هذه الصور على هيئة كتب أو سيكون لها شأن». الخان يدرك أهمية الأرشيف وأهمية الصور. نبدأ بجمع الصور التي قد تكون موجودة في ملف واحد مثل ملف كتاب البرلمان أو المجلس التأسيسي، نتدارس الفكرة، تليها مرحلة التفكير في الشكل الذي سيكون عليه المشروع. قد أضع أكثر من تصور يرجح واحد منها. وقد يحدث أن نبدأ في مشروع ما لكننا نوقف العمل عليه ونبدأ مشروعاً آخر، نتحمس له بشكل أكبر أو لأننا نعتقد أنه سيأخذ وقتاً أقصر أو لأن الوقت مناسب لتقديمه. بصراحة يشبه هذا العمل ممارسة الطبخ!

كتبك التوثيقية لأعمال الخان، هي توثيق لتاريخ معيّن يستتبعه توثيق للخان أو العكس. أيهما يهمّك بالدرجة الأولى، تاريخ الخان، أم تاريخ البحرين؟

- يحدث الاثنان معاً. ما يحدث هو إنني لا أحتاج لأن أتحدث عن تاريخ الخان وأدائه البصري، فالصور تحكي إنجاز هذا الرجل البصري. إن خروج الكتاب يمثل إنجازاً من إنجازات الخان البصرية وتبقى بعدها مساهمتى المتواضعة.

كيف تصف مشاريعك هذه، هل هي مشاريع بصرية أم إنها سرد تاريخي أو روائي لتاريخ البحرين من زوايا مختلفة؟

- يتوقف ذلك على طبيعة الصور المستخدمة وعلى كل مشروع، فالكتاب الأول كان توثيقياً بالدرجة الأولى وكان علينا أن نبحث عن أسماء الأشخاص والصور التي التقطها الخان في المحرق في الفترة ما بين العام 1945 والعام 2007. الكتاب كان يشبه كتابة سيرة المحرق بصرياً من أحياء وعمارة وتراث وعادات ومقاه ومهن، المحرق من الجو، تاريخ التعليم والصحافة فيها، الجسور والنخيل والمصايف. كان يتحدث عن المحرق بشكل بصري لذلك فإن اللغة التي يحتاجها هذا النوع من الكتب هي لغة توثيقية ليس أكثر. بالطبع يمكن طرق هذا الموضوع من جانب آخر لكني وجدت أن اللغة التوثيقية هي المناسبة.

الكتاب الثاني كان التركيز فيه على المفردات البرلمانية والسياسية، الكتابة من خارج المشروع كانت محدودة فيه، وقد اعتمدت على مضابط المجلسين والمضابط تضبط! وكل ما كتب في الصحافة في هذه الفترة. استخرجت كل الوثائق وحرصت على أن تكون كلها لديّ بقدر الإمكان في وقت الكتابة. تواصلت مع برلمانيي 73 وسجّلت تجاربهم أيضاً. وهكذا كانت لغة الكتاب سياسية ذات علاقة باللغة البرلمانية.

الكتاب الثالث مختلف تماماً في لغته، فهو يتحدث عن اللؤلؤ وهو مرتبط بمهنة صعبة جداً وبمواويل وأغان وخرافات وبالمرأة وعذابات الغيص. اللغة هنا مختلفة وهي أكثر سعة وقريبة ويمكن المزج فيها بين التوثيق واللغة الأدبية. في هذا الكتاب انطلقت بشكل أكبر من الكتابين السابقين؛ إذ شعرت أنه قريب جداً من الإنسان، ومن محنه وكدحه».
في هذا الكتاب، يشير حسين إلى أنه استفاد بشكل كبير من قدراته في كتابة الرواية. كان فيه روائياً بقدر ما كان باحثاً توثيقياً. أسأله إن كان لذلك أي علاقة باختيار للنصوص والمواءمة بينها وبين الصور، فيقول: «ربما للأمر علاقة باختياري النصوص وطريقة تركيبي لها على الصور»

ويضيف «لا أتصور روائياً ليس له علاقة بالبصريات، وفي رأيي أن الروائي إنسان بصري في الدرجة الأولى ولا معنى له من غير ذلك. الصورة معينه ومصدره الكتابي».

* * * *

المحروس: ثمة من يحصر التوثيق في مكان أو أشخاص

الوسط - منصورة عبدالأمير

الخان والمحروس وجلسة اختيار صور السيرة

وقَّع الروائي والفوتوغرافي، حسين المحروس ثالث كتب مشروع «التاريخ البَصَري للبحرين» خلال أمسية نظمت في صالة الرواق أواخر شهر أبريل/ نيسان الماضي. حمل الكتاب اسم «دفتر اللؤلؤ»، اشتمل على 190 صورة تناولت قصة الغوص وتاريخه، اختارها المحروس من بين مئات الصور كان الخان التقطها عبر مراحل زمنية مختلفة، جُمِعت لتصف هيئة مهنة الغوص، تفاصيلها، صفاتها، الحركة فيها، هيئة الجلوس واللباس والسكن، عملية سحب الغواص وفتح المحَّار، قصصاً، مصطلحات، أغاني، تراثاً، احتجاجات، خرافات، سير غواصين، أماكن، كتب... إلخ.

«الوسط» حاورت المحروس بشأن كتابه الأخير، ومشاريعه مع الخان التي تنطلق تحت مشروع: «التاريخ البَصَري للبحرين» وبشأن عملية التوثيق في البحرين، ما لها وما عليها.

روائي إذن، ومصور فوتوغرافي في الوقت ذاته، يعيش ذات الأجواء التي يعيشها الخان، هل للأمر علاقة بروعة تلك الكتب وحسن تنظيمها بل ودقة اختيار النصوص المصاحبة لصورها، هل لذلك علاقة بالصورة المتكاملة التي تبدو جلية في مشاريعه مع الخان بشكل خاص وفي كل مشاريعه الأخرى بشكل عام؟

- هذا ما يتحدث عنه الخان دائماً وهو أحد أسباب رفضه لأن يشتغل مع أي أحد آخر في هذه المشاريع. قُدم له أكثر من شخص ودائماً كان يرد ساخراَ بأن هناك زواجاً كاثيوليكياًّ بيني وبين المحروس وإنه لا يوجد طلاق في هذا الزواج. هو يعرف جيداً ماذا أفعل وأنا أعرف ماذا يريد وأفهم حساسيته للصورة».

لكن كيف يشتغل المحروس على صوره، وكيف يتعامل مع أي أرشيف بصري تقع عليه يداه كما حدث له مع أرشيف الخان؟

- «أعمل على الصور على أكثر من جهة، أيام عملي في إحدى الصحف المحلية، كنت أكتفي بأن أشتغل على الصور بأن أبدأ بشيء قريب من الصحافي ولكن بلغة أدبية. كانت الصور تسلط الضوء على المكان بوصفه الجزء البصري في سيرة الإنسان. المكان الذي نتصور دائماً أننا فيه حتى عندما نكبر ونغادره. أيضاً كان هناك اشتغال في ملفات صفحة «بروفايل» مع الصديقين علي الديري وباسمة القصاب حيث تأتي الكتابة أولاً ثمّ الصورة، وهي تجربة تحتاج إلى حديث خاص في يوم مَّا. كذلك تستهويني كتابة نص مكثف عن الصورة أو التعليق عليها أو البحث عن نص أدبي قديم وإلحاقه بالصورة، ثمّ نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ليست لدي طريقة واحدة للعمل على الصورة، هناك أكثر من طريقة، بعضها سريع والبعض يأخذ شكل مشاريع طويلة. فالصور أكبر من أن تحصر في مشروع معين. إنها تستمر في الاقتراحات».

مع الخان لا يحتاج إلا لوضع الفكرة ثم الإعداد للبحث فيها، ألا تحتاج صور الخان لأي تصحيحات أو تعديلات ومعالجة تقنية مَّا؟

- «الصور جميعها ذات جودة عالية وخصوصاً القديمة منها التي تعتمد على أفلام 120 ومصورة بكاميرات يدوية وليس رقمية. أنا فقط أختار الصور من بين عشرات الصور المتشابهة كصور رئيس البرلمان حسن الجشي مثلاً الذي وجدت له عشرات الصور، وقمت باختيار الصور ذات الحركة الأكثر والأنسب. وتتم عملية الاختيار بشكل مشترك بيني وبين الخان. بعدها يتم اختيار النص الذي يحدد طريقة الاختيار والصورة التي يتم اختيارها. عملية فرز الصور إذن تتم بثلاث مراحل، مرة يقوم بها الخان ومرة أقوم بها أنا ثم يفرز الكتاب الصور الأنسب فيتضح المشروع بشكل أكبر. هي عملية متعبة قليلاً لكنها لذيذة».

ويشير «أرشيف الخان يضم الكثير من الصور وهذا ما يجعل من عملية الاختيار من بينها عملية صعبة تستغرق وقتاً طويلاً. كما أن كون عملية الاختيار تتم قبل وضع النص يجعلنا مضطرين أحياناً إلى العودة إلى ملف الصور لاختيار صور أكثر ملاءمة للنص التوثيقي الذي يصعب التدخل فيه، فعملية الاختيار عملية حية لا تتوقف عند تاريخ معين، ودائماً هناك حركة بين المصادر والنص».

تكمن أهمية المشروع البصري الذي ينجزه المحروس مع الخان في عملية التوثيق الدقيقة التي يقوم بها المحروس عبر بحثه في صور الخان لزوايا مهمة في تاريخ البحرين».

أساله عن جهود التوثيق في البحرين وإن كان هناك أي تنسيق بين مختلف الباحثين في هذا المجال، فيقول:
- «التوثيق بطيء جدًّا في البحرين، ابتداء من السلطات المعنية بالتوثيق إلى الجهات الخاصة المختلفة التي تتولى عملية التوثيق. وهو أيضاً ذو حساسية لا يمكن للباحث تجاهلها. إن أية نية لاستسهال هذه العملية تجعل من أي مشروع توثيقي رفيقاً للتسطيح. أكاد أجزم بأن العمل الفردي للتوثيق الذي يقوم به بعض الأشخاص لجمع الأراشيف المختلفة وتوثيقها وبعد ذلك الأخذ منها والنشر منها، هو أكثر حيوية من التوثيق الذي تقوم به الجهات المعنية به أو الجهات التي يفترض أن تكون مسئولة عن التوثيق. هناك أفراد يحرصون على جمع الأراشيف المختلفة وبعضهم يفتحون ملفات للشأن الذي يهتمون به ويجمعون كل ما يقال أو يكتب حول هذا الشأن. لكن لا أحد يعرفهم. إنّهم يفعلون ذلك بحماس ودافع فردي».

أسأله إن كانت البحرين استثناء في تقصيرها ذاك، إم إن تلك هي القاعدة في جميع الدول العربية، فيجيب:

- «لا يمكن التعميم. لا يمكن تعميمه على مصر مثلاً عبر مكتبة الاسكندرية. وفي السعودية أعجبتني بعض مشاريع التوثيق المحققة؛ بعضها مدعوم من الجهات الرسمية وهو ما تفعله مكتبة الملك فهد الوطنية. توثيق وأرشفة بصرية وكتابية أيضاً. هناك اهتمام بالتوثيق. فعن إصدارات دارة الملك عبدالعزيز صدرت كتب كثيرة في مجال التوثيق التاريخي، منها: كتاب الباحث والمحقق محمد بن سليمان الخضيري «تاريخ البلاد السعودية في دليل الخليج» أخذه عن كتاب «دليل الخليج» لجون لوريمر وهذا الكتاب متداول في السعودية على رغم أنّه برؤية بريطانية لا سعودية. الباحث الصديق عباس المرشد وضع كتاب «البحرين في دليل الخليج» وهو كتاب مطبوع وبجهد فردي غير مدعوم ويتمّ بيعه في الخفاء لأنّه لم يفسح له حتى الآن. ثمّة مَن يلملم التوثيق ويحصره في مكان أو أشخاص. هذه فكرة تقليدية لا تنجح.
الكتابة التوثيقية هي واحدة من أكثر انواع الكتابة خطورة وتعقداً، كيف يمكن أن نجري عملية تحقق من أي عمل توثيقي وكيف نقلل من خطورة تشويه مادة تاريخية؟ ألا تشعر أن هناك خطورة معينة في عملية التوثيق من قبل أشخاص قد لا يمتلكون الأمانة الكافية للتوثيق بشكل صحيح.

- كيف نذهب للمادة التاريخية؟ كيف نتحقق من صحتها؟ ومَنْ سيقرر أنها صحيحة؟ هل الصحة تعني أنها وقعت؟ أم أنّها سُجلت؟ أيضاً مسألة الصحة نسبية في هذا الموضوع، المسألة تاريخية والتاريخ ظني الحدوث قطعي الدلالة، ربما حدث وربما لم يحدث، ربما حدث بهذا الشكل أو بشكل آخر. الحوادث التاريخية تمر عبر سياقات مختلفة وفي كتب مختلفة وعبر رواة لهم نفسياتهم ومنطلقاتهم لحظة التأريخ، وهكذا تتشكل بأشكال مختلفة من كتاب لآخر ومن سياق لآخر. يبدو لي أن بعد أو قرب الباحث عن الصحة في المسألة التوثيقية مسألة نسبية. أما التحقق من المعلومة التاريخية؛ فيتم بالرجوع إلى مصادر عديدة، بعضها مكتوب وبعضها شفهي. هذا جواب مبتسر جدًّا عن هذا الأمر.

في كتاب الغوص التقيت بمجموعة من الأشخاص الذين لهم علاقة بالغوص أو رأوا أجدادهم يغوصون، هناك غيص اسمه معراج من المحرق التقيته العام 2003 ولا أعرف إذا كان على قيد الحياة أم لا، وهو أحد الغواصين وقد حكى لي الكثير من حكايات الغوص، وحالة الغواصين. لم أكن أعرف حينها إن كان بإمكاني الاستفادة منها، الآن وضعت جزءاً منها في هذا الكتاب ولدي جزء آخر لا أعرف متى استخدمه. بقدر الإمكان يجب الاعتماد على مصادر مختلفة، شفوية أو مكتوبة أو صور فوتوغرافية. الصور تعين بشكل كبير على الرؤية وتساعد بشكل أكبر من أي شيء آخر، لذلك أعتقد أن صور الخان في هذه الفترة مهمة جدّاً وتكمن أهميتها في وجود المصور شاهداً مهماًّ بيننا عاش معهم ورأى لحظات عملية ومهمة في حياتهم. يمكن التحقق أيضاً من المعلومة بالرجوع إلى بعض الوثائق ويوجد منها نسخ حتى الآن. وهناك قصص مأخوذة من كتب تاريخية قديمة، في النهاية غالبية القصص والمعلومات المكتوبة في التاريخ كانت شفوية بشكل مَّا ثمّ كتبت.

لكن الباحث المجد لا يكتفي بهذه المصادر فقط، إذ يمكن أن تكون هذه المصادر موجهة لجهة معينة، كموضوع الغوص الذي يوجد فيه ظلم فاحش لقرى البحرين ونشاطها في الغوص، مثل السنابس وكرانة وجزيرة سترة والبلاد القديم. غواصو هذه المناطق لا تذكر أسماؤهم ولا مناطقهم فيما يتعلق بالغوص وهناك توجه لحصر موضوع الغوص عبر كتب أو محاضرات أو مشاريع مثل مشروع طريق اللؤلؤ، في منطقة واحدة وهي المحرق وهذا خطأ فاحش جداً. رأيت الكتب المدرسية تحصر الغوص في منطقة واحدة ولكن كون هذه المنطقة اشتهرت بالغوص لا يعني أن تنفي الآخرين أو لا تتحدث عنهم نهائيّاً. المضحك هو جعل هذا الموضوع للتباهي وكأنها مرحلة ذهبية من تاريخ البحرين والظن أنّ حصره في مكان واحد يمنح هذا المكان سمعةً لائقةً. لم أجد الغوص إلا تمثيلاً لأبشع صور المهانة للإنسان... وتاريخ الغوص هو تاريخ مليء بهموم العيش.

حاولت قدر الإمكان ألا يكون هذا الكتاب ضمن هذا الاتجاه الأعوج؛ لذلك تحريت في هذه المناطق عن الغواصين وقصصهم. الكتاب يحوي أسماء غواصين من الزلاق إلى المنامة والمحرق مروراً بقرى: البلاد القديم وكرانة وسترة وجنوسان وقرى ومناطق لم تذكر، مثل النعيم التي لم يتم التحدث عن علاقتها بالغوص أبداً على رغم أنها مصدر السفن الضخمة، وحالة بن سوار في المنامة وهي ثالث أو رابع منطقة من حيث عدد الغواصين وعدد مراكب الغوص الصادرة عنها للغوص.

ثمّة أمور حاول البعض إخفاءها في تاريخ الغوص ربّما ذكر بلجريف بعضاً منها في سيرته أو يومياته ولم تترجم للعربية إلا لاحقاً ووزعت في الخفاء أيضاً.

الوسط
28-5-2012