قالت العرب: "يجوز الوجهان". لمَ لا تكون الأمور أكثر من هذا. لذلك، هذا النص بقلم عهد اسكندر (أو اسكندر عهد) وفاضل حبش (أو حبش فاضل)، أو ربما بقلم، إسكندر فاضل (أو فاضل اسكندر) وعهد حبش (أو حبش عهد)، وأيضا، قد يكون من كتبه هما، مثلما هو معروف لديكم: عهد فاضل وإسكندر حبش. |
فرغَ القصّاصون من قصصهم. أو ربما، لا أحد يعرف، إن كانوا قد بدأوا بروايتها بعد. منذ سنوات قليلة مرّت، قبيل سفر عهد فاضل إلى القاهرة، واسكندر حبش إلى باريس وقبل أن يقررا الرحيل مجددا، وربما بشكل نهائي هذه المرّة، إذ يرى عهد أن القاهرة هي المدينة التي تناسبه الآن وبخاصة حين يستدعي القول القديم "ادخلوها آمنين". أما الإسكندر، فبعد مراجعة للنفس – لم تطل – تذكر فيها المقدوني وتذكر فيها شعراء الجاهلية، قرر أن يعود إلى "بيزنطة"، وبالتحديد، إلى إحدى الجزر اليونانية. لقد اختار هذه الجزيرة بعد أن أرسلت له المترجمة التي نقلت مختارات من قصائده إلى لغة الإغريق، صورة عن المكان الذي ولدت فيه كما صورتها بالتأكيد. القصة أيضا، كانت قبل أن يرحل يوسف حداد إلى واشنطن بعدما اختطفَتْه قناة "الحرّة" من تلامذته في الجامعة الأميركية. كان هؤلاء يشربون "الغوتييه" دفعة واحدةً على طريقة أبطال أفلام "الويسترن" كان فعلا شرابا حقيقيا وليس مثل الترجمة العربية التي شاهدناها في أحد هذه الأفلام، القديمة والجميلة. إذ تقول الواقعة، إن "جون واين" دخل حانة ذات مرة وطلب كأسا من الويسكي، فما كان على المترجم الذي يعمل في إحدى المحطات العربية الفضائية إلا أن كتب في أسفل الشاشة ما قاله، على الشكل التالي: "أعطني كوب شاي". "الغوتييه" نوعٌ فاخرٌ من الكونياك يُؤخذ عبر "الشات" فتحترق الحنجرة ويتقافز القلب وتنفجر العينان لكن من السعادة والانتشاء، وحده الكونياك الكبير من يجعلك تشعر بذلك كله. رائحة "الغوتييه"، حميمة كأسماء الأصدقاء الموتى أو كصور الأبيض والأسود التي نسيناها معلقة على جدران منازلنا منذ عهود سحيقة. الآن، يجلس هؤلاء كشجر مقطوع يتناولون أنواعاً روتينية من الويسكي أو نوعا مغشوشا من الفودكا، مثلما يصرّ حبش على القول كلّما شربها (بعد أن انقطع عن شرب الويسكي نهائيا). من هنا نجد حبش وقد اختفت السعادةُ والرقص من أدائه ولم يعد يضحك إلا على مقالات بعض الصحافيين. أما فاضل فلم يعد يُعْرَف عنه إلاّ بأنه غارقٌ في كآبة مرَضية بلا حدود تشبه كآبة كتاب العصور الماضية الكبار. الدبّ الصغير، أو يوسف حداد، أو فيلسوفنا الصغير، ترك بيروت والفلسفة ونساءه الجميلات المكْلِفات كراتبه المرتفع في "الحرة". في كل هذا، بدا هؤلاء قادِمين من شاشات التلفزيون كما لو أنهم جزءٌ مما تعرضه هذه الآلة المعقدة والسحرية. ومخافة أن يضغط أحدٌ ما على "الريموت كونترول" فتختفي صور شارِبِي "الغوتييه" كانوا يكزون بأسنانهم على الصورة وبأيديهم على الإطار: رجاءً لا تعبثوا "بالريموت كونترول" من سيعرف عدد الميتين وأسماءهم؟
- 1-
فرغ القصاصون من قصصهم والمدينة آخر من يعلم (وهنا ثمة تساؤل حقيقي: هل كانت هي التي تعلم، أم أننا، نحن، الذين لا نعلم شيئا منذ البداية). كلّ الشعراء القادمين من الأرياف يتحدثون عن المدينة، بصفتها ملاذاً اختباريا عالياً، وأنها المكان الأصلح للتجربة. وما أن تقع هذه المدينة في الحرب حتى يهرب هؤلاء "المدنيون" إلى الجبال. هل هو إخلاصٌ للريف، في شكل سرّي؟! الذكور هم العناكب هذه المرة : يلتهمون المدينة ويبصقونها. يحبونها سمينةً ويكرهونها في الحرب. جريا على عادة المثل المصري: "أخدني لحم ورماني عضم". من هنا قرار رحيل حبش إلى جزيرة، إذ يرى التالي: لم لا يلتجئ الشعراء إلى الجُزر أحيانا، علّهم يكتبون منحى جديدا في قصائدهم. هذا الجديد الذي يريده، هو الفكاك من ثنائية المدينة/ الريف. وحتى من فكرة البحر، مثلما تطرق إليها أدب شعوب العالم.
- 2-
ضغطةٌ على "الريموت كونترول" ويصبح الحدث في الأردن: هناك ينتظر يوسف حداد موعد الطائرة لتقله إلى واشنطن. قال قبل أن يسافر: "يا للحظ العاثر، أتى سفري ومدينتي غارقة تحت القصف الإسرائيلي. هل سيظن الآخرون أنني هربت من الحرب؟" (ليس الأمر هكذا يا يوسف. كل هروبك لا نستطيع تف،ه سوى بيأسك من الانتصار على اسكندر في "الدارتس"، حيث تتعرض، في كل مرة تلتقيان، إلى أشد هزيمة، لا ينفع معها كل تشجيع "الحكم النزيه" – عهد فاضل – المشكلة أنك لا تصدق أنه يريدك أن تفوز ولو لمرة، من هنا إصرارك على اعتباره أنه ضدك ويشتت ذهنك. بينما الحقيقة، هو أنه حين ييأس منك يقول لاسكندر "عليك يا ملك "الدارتس" إصابة هذا الرقم ليتعلم دبنا الصغير كيفية اللعب"، فما يكون على حبش إلا أن ينهي اللعبة سريعا بحسب أوامر الحكم النزيه.) مسكينٌ هو يوسف حداد، ، ذهب للعمل في قناة الحرة في واشنطن، حاملاً اليونان والمتكلمين العرب إلى قلب الحدث. سيتحول لديه الحدث الفلسفي إلى خبر، هناك أسفل الشاشة لن يمر أفلاطون أو هيدغر أو فيورباخ. لقد نسيَ كلّ أبطال التراجيديات، كلّ منظري مدرسة فرانكفورت. لذلك، أي معتوه سيجرؤ الآن على فهم الفلسفة الآن إلا بصفتها فائضاً معكوساً للحرب. في الحقيقة برع اليونان في التفلسف، في الوقت الذي كان فيه الإسبرطيون يحتلّون الدنيا. وبينما كان العرب يتملكون بلاداً جديدة كان الشعراء والمتكلّمون يتحدثون عن سرقات أبي تمام والمتنبي. ما هو هذا السرّ الذي يُحول الفلسفة إلى فائض معكوس للحرب؟
آه منك أيتها الميثولوجيا، تحضرنا الأسماء: عوليس، جوكاست، أغاممنون، بينيلوب، كاليبسو، والكثير غيرهم، الذين حفروا القرون الماضية، ولا زالوا يحفرون هذا الوعي الحالي. من قال إننا خرجنا بعد من الفكر الإغريقي.
الحق يقال، لم نعد محظوظين، كشعوب. صرنا من أصحاب الحظ السيئ. وا أسفاه. سابقاً جاء الفرنسيون بالدبابات والجنود.. والشعراء والنقاد. وقبله اليونان والرومان كانوا يحتلون المشرق جزءا جزءا ويتزوجون نساءنا، إلا أن فائضهم الحربي الوجودي حوّل المشرق فلسفةً لم يحسم فيها الأثينيون وظيفة إسبرطة: هل الكينونة حركةٌ باتجاه الشاشة؟ ليس في الاسم خطاٌ يذكر. الشاشة، وقتذاك، كانت في تماثيل الآلهة والمسارح والشعراء والأساطير. وقتذاك لم تبخل اللغة بمنح الاسبرطيين الأثينيين أسماء، فخرجت أوروبا من هنا. لكن انتبهوا. لا علاقة بهذا الكلام، في ما يحاول بعض الفينيقيين التعلق به، إذ يرون أن "أوروبا"، ابنة الملك الفينيقي القديم، هي التي وصلت إلى هناك، وأعطت اسمها لهذه القارة الجديدة (يومها)، قبل أن تتحول إلى عالم قديم، بعد وصول كولومبس.
ما الفرق بين العسكري والشاعر؟ يقول الراحل الحزين كمال سبتي. بالمناسبة يا كمال: كان موتك قاسياً على كثير ممن يعرفونك هنا. في مطعم "الاسطمبولي" ثمة كرسيّك غارقاً ينتظر من يستضيف مغترباً شاعراً يحمل اسم كمال سبتي. كأسك كمال. كيف تقول ذلك بالهولندية؟ يا أخي، قلّها بالعراقية التي نحب، لأننا كنا سنقول ونحن نرفع الكأس "بصحتك" أي باللبنانية/ الشامية التي تحب. لكن الكلمة تبدو هنا، في هذه اللحظة، بلا معنى. فعلا، اللغة "تافهة" أحيانا، وتدعو إلى الاشمئزاز.
- 3-
ضغطةٌ على الريموت كونترول. أين هو شبيب الأمين؟ بالمناسبة كان يعتقد بأنه سكران بينما في الحقيقة كان عليه أن يقول أنا متيقّنٌ بأنني سكران. لكنه كيف سيعرف ذلك لو كان مخموراً؟ ربما لأنه لا يزال يخشى النساء والمطر. هنا نعود إلى الشاشة: على أحد ما أن يراك. على أحد ما أن يروي حكايتك. لو لم يتبق هناك ناجون لما بدأت الحكاية. توقف عن قيادة سيارتك التي تحبها أكثر من أي شيء آخر، لن تجعلك تشبه جاك كيرواك أبدا. لقد مضى عهد "البِيت"، وغينسبرغ رحل إلى غير رجعة ومعه وليم بوروز قبل أن يطلق النار على زوجته ذات يوم. شبيب الأمين توقف عن ال "جدل" مؤقتا. ثمة قناعةٌ راسخة لديه أن حانته الشعرية تعرضت لاستثمار سلبي: فهناك "جدلٌ بيزنطي" فعلي في البلاد يتحدث عن المسبب في الحرب هل هو أسر الجنديين الإسرائيليين أم أنه مخطط إسرائيلي مسبق؟ فإذ وقعت عيناه وأصاخ السمع لمثل جدل بيزنطي كهذا أقفل حانته الشعرية في كاراكاس قائلاً: "جدلنا البيزنطي أمرٌ لا تحسمه سوى "الشيفاز ريغال" وليس اختيار قطعة اللحم المفضلة من البقرة المذبوحة". شبيب الأمين حانةٌ بحد ذاته: شاعرٌ من طراز الكبار، وإنسانٌ غارق في المحبة حتى أذنيّ كل نسائه. ننصحكم قبل أن يتحول الريموت كونترول بأن تصادقوا شبيباً وتحرسوه فهو من الورثة الشرعيين لنموذج الشعر والشاعر في مدينة يتحول محبوها إلى كذبة قادمين من الأرياف لا يجيدون سوى علك البقدونس أو النعناع أو البصل الأخضر. تخيّلوا هذه الكذبة: محبو المدينة ريفيون من يصدق هذا؟ بالتأكيد لا أحد يصدق. أنت الذي تركت "الصوانة" تلهو وحدها وجئت تحلم "بقنينة حليب" وبحمار صبور يستطيع أن ينقل ما تبقى من سكارى الحانة في لآخر الليل. وحين لا يجد، يبدأ بفك الصور التي علقتها على حيطان "جدلك" لينقلها معه، كي لا يعود خاويا.
- 4-
مشهدٌ غير علني ينقلنا إليه الريموت. كلّ من لم يسأل عنّا، بعد مرور شهر على الحرب، نرجوه أن ينقطع عن مراسلتنا. لم يعد لدينا الوقت للإجابة، إذ نريد إحصاء قتلانا على مهل وبدون عجلة. ما فائدة الكذب المكشوف؟ قيمة الكذب أنه كامنٌ مستتر. أما أن تغلظ قلوب البعض، أصدقاء ومثقفين، إلى هذا الحد فهذا يؤكد أنهم يراهنون على قذيفة تسقط على رؤوسنا، لكي يتحقق لهم سببٌ دسمٌ لكتابة زاويتهم الصحافية، فيتباكون ويندبون، في الوقت الذي لم يكلفوا فيه أنفسهم بكتابة إيميل من بضع كلمات. ربما هناك من ينتظر موتنا ولا نعرف. أيها اللا أحبة بعد الآن، نعدكم، سنموت، إلا أننا سنحذف أسماءكم عن قائمة مراسلتنا، ومن قائمة القلب. وهكذا لن تضطروا إلى الكذب مرة أخرى، على غيرنا، حين تدبجون مراثيكم في حبنا.
- 5-
وعبر الريموت أيضاً. من يحب لبنان؟ قال خضر الآغا: لا أحد يحب لبنان. نشرها في "السفير" في الساعات الأولى لبدء إسرائيل المتوحشة بقصف أرض الأرز. خضر الآغا شاعر سوري من جيل التسعينات. من أكثر الناس ميلاً إلى السلم الأهلي والاجتماعي. خسرنا غرفته الشاعرية في "قدسيا" في أعالي جبال دمشق. (ينضغط الريموت وندخل إلى غرفته): باب معدني مصمم من العصر المملوكي. واطئٌ كما لو أنه بيت قدّيس. على اليسار صالونٌ حميم ضمّ جهاز ستيريو" مزوداً بريموت للتحكم بالصوت. وخضر كان يقدم جهازه بكل مودة كأنما يكتب قصيدة. في الغرفة أيضاً طاولة متقشفة تعلوها كؤوس "المتة" والسكر والشاي. أمّا سرير الآغا الذي يحتل وسط الصالون فهو غامضٌ كبعض العبارات التجريبية التي ترد في شعره. هذه جهة اليسار. أما اليمين ففيها المطبخ الكريم وبقية خدمات المنزل. خضر الآن مطلّق بعد زيجته الأولى ولديه ولد اسمه "آرام". الشاعر خضر الآغا أكثر شاعر سوري، على الإطلاق، تهذيباً وذوقاً ومحبة. لم يتأثر بفورة الفساد الشعرية التي ربطت الشعرية بالانحراف فكان يأخذ من "رامبو" شعره، ويترك الباقي. بينما غيره يأخذ الباقي ويترك شعر رامبو!. السبب أن كثيرا من الشعراء السوريين هم من الأرياف فكثيراً ما يخرّبون القيم المدنية الشامية تحت حجة الثورة أو الاختلاف. إلا أحمد اسكندر سليمان ، القاص والسيميولوجي العابق برائحة الآباء: فهو الموهوب الريفي الوحيد الذي لم يخرّب أي حجر في دمشق. بل على العكس حماها برموش عينيه. خضر الآغا هو الصديق التاريخي لأكرم قطريب، الأخير في "نيوجرسي" الآن يكتب شعراً جميلاً ويحن إلى درجة العذاب إلى بيوته التي استأجرها في دمشق. "كاسك يا خضر، ويا أكرم، ويا أحمد اسكندر. ضغطة الريموت قادتنا إلى بيوتكم المقدسة."
- 6-
فرغ القصاصون من قصصهم. هذه البيوت، التي كانت أيضا قصورا ذات يوم. "فبيت أبي بمنازل كثيرة"، مثلما قال الناصري ذات يوم. يأخذنا الريموت إلى "قصر السوريالية"، الواقع في منطقة "القابون" الدمشقية. لا نعرف من سمّاه هكذا. ربما أسعد الجبوري قبل أن يغادر إلى الدانمرك، حيث كان يحلم بقصر آخر، يستطيع أن يؤوي فيه "إمبراطوره". لكن عناءه كله، لم ينجب سوى هذا الكائن الافتراضي. أصبحنا كلّنا من الافتراضيين يا أسعد. حتى ليلة "قصر البلور"، في "باب توما"، تبدو اليوم وقد أصبحت افتراضية بدورها. ألم يتغير ذلك المكان القديم ليفقد كلّ سحره؟ كان اسكندر، يومها، خارجا من إحدى جولات الحرب اللبنانية، التي تبدو أنها ستعود مجددا، وفي القريب العاجل. ذهب إلى دمشق عند صديقه أسعد. شربا في ذلك المطعم، إلى أن أضاعا طريق العودة إلى المنزل.
هو قصر السوريالية. ذات يوم دعانا ناظم مهنا إلى هناك، لنتناول كأسا، في المساء. وصلنا، لكنه لم يفتح لنا. عرفنا في ما بعد أنه كان غارقا في عناق إحدى الجميلات. من يريد شعراء في هذه اللحظة المبجلة؟ كاسك يا ناظم، يا اسعد (جدنا الكبير)، يا حسن وسوف المغطى الآن ببياض القطن المتناثر، مثلما تناثر كلّ هؤلاء الثمانينيين الذين ولدوا في أتعس مرحلة.
- 7 -
ينحرف الريموت. حوارٌ جميل أجرته "البي بي سي" مع سامر أبو هواش. علّق في الحوار على الوحش الإسرائيلي، من باب النقل التلفزيوني، في الحقيقة أشار الشاعر إلى جانب مأسوي في عرض الحرب التلفزيوني وهو المستوى الدعائي الروتيني الذي جعل الحرب، بكل جبروتها ووحشيتها، تنافساً تلفزيونيا عاديا وحوّل الموت إلى صورة والدمار إلى صورة، ونهاية العالم إلى صورة. سامر أبو هواش من جيل التسعينات، يستولي على شعره حسّ طاغٍ بالافتقاد، وهو ماسمّي مرة بإحدى الدراسات عن شعره ب " سيكولوجيا الفقدان ".
ليست هي الإسكندرية التي تفتقدها مثل كافافي، بل هذا الشارع الذي "لم يعد صلبا". لا شيء صلبا أمام الأطنان التي تنهال علينا من السماء. لكن لا تظنن أنك فقدت الكثير. فقط كم زجاجة، في حانة مزوية، وكم رجفة كانت ستعتريك وأنت تستمع إلى أصوات القذائف الهادرة من فوق رؤوسنا.
- 8-
يرجعنا الريموت إلى مكانٍ ما، بسبب الكبرياء والتخفي لن يرد اسمه. في هذا المكان الصغير توقفت فتاةٌ عن إلقاء التحية على عهد فاضل، بحجة أنه وجّه ملاحظات " قاسية "و" غير مسبوقة " إلى نصها الشعري. لم يخفِ فاضل أنها بحقدها عليه ازدادت أنوثةً وجاذبية، لا بل صار يأتي المكان ذاته فقط ليتمتّع بحقدها الساحر. ولأن الكبرياء منعته من مجرد التعبير عن جاذبيتها، كتَب فاضل لها :
تختبئين وراء عينيكِ كشجرة يحجبها الضاب والظلام /أعرف أن قلبك قاسٍ أيتها السيدة /هذا الكلام لكِ ولن أقوله / سأحدث نفسي به ولن أقوله / وأعرف أنني خسرتُ شجرةً في الغابة / ولم يعد لي من مكان في حكاية كهذه /ووقتَ أعود إلى بيتي المسكون بخطأ تاريخي / أول ما أفعله : أمْسِكُ الكبرياء بيديّ هاتين / وأُطْلِق عليها النار !
- 9-
يتجه الكونترول أبعد وأقرب. ستتغير أسماء حراس الهيكل. قلنا لبعض المستجدّين في الحراسة: يليق بكم أن تكونوا من حراسه. الآن تغيرت الأمور. تسرّع بعض السدنة وقامر ووعد البعض بتنسيبه. حراس الهيكل ، سدنة المعنى البشري، سيتنقلون من مدينة لأخرى كاشفين سرّ الأسرار، حيث لم يعد الشعر لحظة انخطافٍ، بل صار كلاماً عاديا بلا آلهة .
- 10-
فرغ القصاصون من قصصهم، والحكاية تبدأ من " مقام الضاحية "، هناك بعد 12 تموز 2006 ، لم يعد ما تعرفه صالحاً للاستعمال. غيّر علبتَك أيها الولد. وعيناك لن تشطرا العالم قسمين. أنت ستموت ، قال مقام الضاحية . لكم المجد يا أهل هذا المقام.