شوقي عبدالأمير
(العراق)

شوقي عبدالأمير- قَالَ لِي القُرْمطِيُّ،

عَلَى صَهْوَةٍ ضَامِرَةْ
حَمَلْتُ حُدُودِي
بِلاَدِي انْقِضَاضٌ وَجُرْحِي قَوَافِلُ مَا تَرَكَتْ رَمْلَتِي
قَصَدتُ إِلَى هَجْرَ* أَنْ تَكُن الحقَّ
أوْ تَرْتَضِي مَأتَمِي
حَزَناً مُتَخَماً بِالقَبَائِلِ وَالغَزْوِ
كُلُّ الأَقَاصِيّ تَقْصُدُنِي
وَالقَداسَاتُ تقْرِضُ كَفْنِي
بَيْنَ حُلْمٍ أُكَابِدُ قبْلَ الرَّحِيلِ
وَقَبْرٍ بِلاَ جُثَّةٍ فِي صَهِيلِي

النِّفَايَاتُ أَعْمِدَةُ الحِكْمَةِ المُسْتَدِيرَةِ،
لُقْمَانُ قَالَ
وَكُنْتُ لَهُ شَفْرَةً،
كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرِّمَالِ
عُقُودٌ مِنَ السدْرِ وَالنَّخْلَ وَالبَدْوِ
أَنْثُرُهَا فِي سَديمٍ مِنَ القَوْلِ
أَوْ فِي عَرَاءٍ مِنَ الضَّوْءِ لاَ يَرْتَدى غَيْر شَمْسِي
أَنَا كَاهِلٌ لِلْمَسَاجِدِ قَاحِلَةً
يكْبُرُ البَدْوُ فِي الثَّكَنَاتِ
وَتَبْقَى الصَّحَارى،
نفقاً يصلُ الجثَة العربيّةَ
باللــهِ
تبقى الصحارى
رِدَاءَ النُبوّةِ فِي لَيْلَةِ العُرْسِ،
عَذْرَاءَ،
شَاهِدُهَا الجرْحُ
تَبْقَى الصحَارى
رِمَالاً لَبِسْتُ بِهَا العُرْيَ وَالضَّوْءَ

فِي مَوْكِبٍ قَاحِلٍ صَارَ وَجْهِي،
والصحَارى النبُوءَاتُ
مَا كَشَفَتْ سِرَّهَا لإِلَهٍ
هُوَ الصَّوْتُ يَبْدَأ بِالشَّفَتَيْنِ
وَيَسْقُطُ شلواً
تَظَلُّ القَبَائِلُ تَقْضُمُهُ بَيْنَ حِينٍ وَحينِ

- قَالَ لِي القُرمطِيُّ،

السَّوَادُ* ذِرَاعيَ
أَقْطَعُهَا
وَأَقُولُ وَدَاعاً
لِفُرْسَانِ هَذَا الهَزِيعِ الأَخِيرِ
فَلَنْ يَنْحَنِي الرمْحُ فَوْقَ الفَرِيسَةِ
إِذْ تَتَنَاسَلُ فِي الطَّعَنات
أَنَا الحَجَرُ الأَسْوَدُ المُتَخَثرُ

فِي وَطَنٍ شَائِخٍ هَدَّمَتْهُ القَبَائِلُ فِي رِحْلَةِ الأَنْبِيَاءِ
أَنَا الحَجَرُ المُتَمَدِّنُ كَالظلِّ فِي رَايَةٍ لِلْخَلِيفَه
أَنَا الفَرَسُ المُتَوَارِثُ أَصْهَلُ عَبْرَ المَدَائِنِ
عِنْدَ نِسَاءٍ سَمَرَقَنْد
أَلجنانُ التِي عَانَقَ البَدْوُ عَارِيَةٌ
وَالجَزِيرَةُ عَاقِرَةٌ
لَمْ يَعُدْ غَيْرَ وَجْهِي
بِيْرَقاً أسْوَداً وَقَافِلَةً وَأَبَابِيلَ

- سَيِّدِي القُرْمطِيّ،

أتَيْتُ إِلَى دكَّةٍ فِي تُخُومِ الصحَارى
وَكَانَتْ بَقَايَا بِلاَدٍ وَمَجْزَرَةً
مِنْ رُبُوعِ الخِلاَفَة

تُضِيءُ النذُورُ مَصَابِيحَهَا
وَأفْيَاؤُهَا جُزُرٌ كَالمَنَافِي
بَنَيْتُ لَهَا سُجُفاً وَأسْكَنْتُهَا عَقر دَارِي

- قَالَ لِي القُرْمطِيُّ،

رِدَائِيَ نَارٌ
وَصَوْتِي فَاتِحَةٌ لِلرَّمَادِ
وَلَكِنَّنِي خَرَسٌ يَرْتَدِي الأَبْجَدِيَةَ
وَالعَرَبِيَةُ لاَ تَقْرَأُ الحُلْمَ فِي الصَّلَوَاتِ
وَلاَ تَعْرِفُ السُمَّ فِي غَيْمَةٍ
صَدَأَتْ مِثْلَ سَيْفٍ مِنَ البَدْوِ والطعنَاتِ

- سَيِّدِي القُرْمطِيّ،

عَلَى هَيْكَلِ الحَرْفِ أُفْضِي إِلَى جَدَثٍ وَبِلاَدٍ
أكُونُ لَهَا شَجَراً
               وَهَجِيراً
عَلَى هَيْكَل الحَرْفِ أُسْنِدُ شَاهِدَتِي
أُمدّدُ هذا القتيل المسمى عراقا
وَأَجْثُو عَلَى جَمْرَةٍ مِنْ رِدَائِي عِنَاقاً
لِحَاءٌ عرَائِي

وَأَشْجَارُنَا فِي اليَدَيْنِ
وَمَا فِي السَّوَادِ عدَاكَ
دَمٌ لِلسَّوَادِ
مَا فِي المَدَائِنِ
لاَ سبيَ
لاَ غَنمَ
إلاَّ ضِبَاعٌ تَنَامُ عَلَى جَسَدٍ وَخَوَاءٌ
هُوَ الصَّوْتُ إذْ يَمَحِي مَا تَقُولُ
فَقُلْ قّدْ شَهَدْتَ القَتِيلَ
وَقُلْ قَدْ نَسَيْتَ الشهَادَةَ
قُلْ إِنَّكَ السفْحُ وَالسَّهْلُ والقَفْرُ
التضَارِيسُ تَبْدَأُ فِي الشَّفَتَيْنِ
وَقُلْ إنَّ دَارَكَ لاَ سَقْفَ لاَظِلَّ
بَابُكَ مُوصَدَةٌ فِي العَرَاءِ
وَلَكِنَّكَ القُرْمطِيُّ
قُرُونٌ مِنَ الغَضَبِ المُتَرَمِّلِ
تَابُوتُكَ المَشْرِقِيُّ

مَسَامِيرُهُ رُصِّعَتْ بِالنبُوءَاتِ
وَالشَّرْقُ حَائِطُكَ المُنْحَنِي
تَرْتَقِيهِ صَلِيباً وجنحاً
لَكَ المَوْتُ تعْوِيذَةٌ وَسَلاَمُ

- قَالَ لِي القُرْمطِيُّ،

صَعَدْتُ إِلَى مِئْذَنَة
وَبَادَلْتُهَا غَيْمَةً مُؤمِنَة
………………………
هُوَ الشَّرْقُ مِئْذَنَةٌ لِلْخَرَابِ
غِلاَلٌ
وَأَغْلاَلُ
مَا أَصْحَرَ الأُفُقَ مَوْتُ الطيُورِ
تَشِيخُ المَآذِنُ فِي خندقٍ
تَصِيرُ دِيَاراً، بَلاَداً، مَدَائِنَ لِلْفَتْحِ
وَالصَّوْتُ منفَاكَ
لَكِنَّكَ القُرْمطِيُّ قَرَأتَ وَصَلَّيْتَ لِليْلِ
دِيناً إِلَى الفَجْرِ

آمَنْتَ بِالميِّتينَ عَلَى سَجْدَةٍ فِي الصَّلاَةِ
وَبالأَرْضِ تُسْرَجُ
كَالصهَوَاتِ

سَأوقِدُ ظِلّكَ يَا سَيْدِي القُرْمطِيَّ
وَأَفْتَحُ نَافِذَتِي
لِلصَحارى وَلِلَّيْلِ تّدْخُلُ بَيْتِي
وَتَهْجُرُ خَارِطتِي العَرَبِية.

**********

حديث الحُلْم

"بَيْنَمَا فِي العُلَى"
عَادَنِي الحُلْمُ
أعلو كَطَيْرٍ عَلَى حَافَةِ اللَّيْلِ
مَا قَالَنِي،
ثُمَّ أَلْقَى إِلَى الحبْرِ أَشْيَاءهُ
فِي دَمِي بَعْضُ غَابَاتِهِ وَأَسَارِيرُهُ
تَعَلَّمْتُ أَنْ أَصْنَعَ الرِّيحَ خُوذَةَ أَسْفَارِهِ
وَأتْرُكُ فِي زّادِهِ غَيْمَتِي
نَسَيْتُ إِلَيْهِ تَعَاوِيذَ أزْمِنَتِي
وَسَمَاءً تُبَادِلُنِي حِكْمَةً بِالنهَارَاتِ
لاَ أَعْرفُ الحُلُمَ إلاًّ يّداً
تُعَانِقُ فِي غَيْبَتِي
شَجَراً نَاضِحاً بِالعَنَاءِ المُبَلَّلِ
بالْمَطَرِ الأُرْجُوَانِيِّ
تَغْسِلُ أَغْنِيَتِيّ

وَبَيْنِي وَفَجْرٍ أَتَى كَالطيُورِ المُضَاءةِ بِالنَّارِ
لَيْلٌ يُقَلِّدُنِي سَاعَة المُسْتَرِيبِ
يُرَاوِدُنِي أَنَّ أَشْيَاءهُ حُلمٌ
وَالعَرَاءَ المُلَبَّد بِالخَوْفِ سَاحَاتُهُ
أَوْ يُكَابِرُنِي أَنْ أُوَارِي
جَسَدَ الزَّمَنِ الرَّاعِفِ المُتَراكِضِ بَيْنِي وَبَيْنَ الجِدَارِ

وَلِي فِي المَدَارَاتِ إِذْ تَتَأبَّدُ
صَوْتُكِ يَرْتَجِلُ القَافِلَهْ
وَأُغْنِيَةٌ، البِلاَدُ لَهَا خَيْمَةٌ
وَالسِّنِينُ عَنَاءٌ
وامرأةٌ نَاحِلَة

أَرَاني

أرَى الحُلْمَ،
أرَى غَابَةً لِلطُّيُورِ السجِينَةِ فِي الرُوحِ،
صَبَاحاً يَؤوبُ لِقَرْيَتِهِ

تَوَجَّسُ رُوحِي التخُومَ وَتَسْكُنُها كَالحُدُودِ
المَدِينَةُ تَنْزَعُ أَشْجَارهَا وَتُهَاجِرُ عَبْرَ حُقُولٍ رَمَادِيَّةٍ
أَيُّ نَافُورَةٍ تَرْتَدِينِي تُرَابا
وَأَيُّ المَرَايَا سَأَكسرُ فِي وَحْشَةِ اللَّيْلِ بَابا
وَمَنْ يَرْتَوِ فِي الصَّبَاحِ عَلَى طَعْنَةِ اللاَّزوردِ اجْتِرَاحِي
نَاباً فَنَاباً

- قَالَ لِي الحلمُ،
أُكَابِرُ أَنِّي ارتَوَيْتُ عَلَى شَاطِىءٍ فِي الذُرَى
وأَنَّ الريَاحَ طُفُولَةُ أُغْنِيَةٍ لاَ تَشِيخُ

وَمَا كَانَ لِي سَغَبٌ غَيْرُ مَائِي
وَبيَّارَتِي وَطَنٌ وَمَنَافِي
ارتَضَيْتُ لَهَا شَاطِئاً وَعَبَرْتُ لَهُ العُمْرَ

عَلَّمْتُهَا إِنْ تَكُنْ جَمْرَةً
لَنْ تَكُونَ سِوَاهَا.

لأُغْنِيَةٍ فَوْقَ جُرحكِ بَيْضَاءَ مِثْلَ الرَّمَادِ
لِصَوْتٍ عَلَى صَوْتِكِ المُتَرَامِي

للافتةٍ لَمْ تَكُنْ غَيْر نَارِي
لِصَمْتٍ هُوَ القسمَاتُ
لوَجْهٍ أتَى يَحْمِلُ السنَوَاتِ عَلَى صَهَوَاتِ انْتِظَارِي
أَلُمُّ القُرَى - غَابَةَ الأَمْسِ
أَوْ أَحْتفِي غَابَةً فِي اليَدَيْنْ
شَجَراً قَادِماً
وَدَماً مُورقاً
بَيْنَ سَبَّابَتَيْنْ

حُلُم (1)

- أرينِي دَمِي
سَأرِيكِ احْتِرَاقِي
وَلُمِّي دَمِي مِنْ رُوَاقِي

بَيْنَمَا لاَ أَرَى غيْرَ وَجْهِي
سَقَطْتُ شِهَاباَ عَلَى سِدْرَةٍ كَالطفُولَةِ
وَالرِّيحُ اسْمِي
أُعَانِقُهَا وَاصدُّ احتِمَالاَتِهَا بَيْنَ سُورٍ وَنَافِذَةٍ
أُسَمِّي لَهَا الوَجدَ شَمْساً
وَأُشْرقُ فَجْراً غَرِيبَا

حُلُم (2)

- أرينِي يَدِي
سَأُرِيكِ رَمَادِي
وَلُمِّي احتِضَارِيَ زَادِي

بَيْنَمَا لاَ أَرَى غَيْرَ وَجْهٍ
حَمَلْتُ إِلَى غَابَةِ الأَمْس سجَّادَةً
وَأَقَمْتُ غَرِيقاً عَلَى شَاطِىءٍ
أُجَفِّفُ مِثْلَ الردَاءِ المُبَلَّلِ أَزْمِنَةَ النَّهْرِ
حَيْثُ الفُرَاتُ نَحِيبٌ وَجُرْفُ
وَمَا كُنْتُ إلاَّ صَدًى وَكَلاَما
أُبَدِّلُ بِالجرْحِ جُرْحاً
وَبِالكَلِمَاتِ سَلاَما

أرِينِي يَدِي
كَيْ تَكُونَ السنِينُ يَداً
وَالجِرَاحُ اقْتِسَاما

******

حَدِيثُ الصَّحْرَاء

سَأَلْتُ الرَّمْلَ حُدُوداً
فَحَبَانِي الرِّيحْ.

سَأَلْتُ الرِّيحَ حُدُوداً
فَحَبَانِي الصَّوْتْ.

سَأَلْتُ حُدُودِيَ حَدّاً
فَعَرَفْتُ الصحْرَاء.

قُلْتُ سَأَعْدُو خَلْفَ الأَثَرِ المَهْجُورِ لخَطْوِي
سَأَمُدُّ حُدُودِيَ كَالضَّوْءِ الأَعْمَى
وَأُشَيِّدُ عَاصِمَتِي مِنْ رَمْلٍ وَسَمَاءْ

ليَدِي آثَارُ الجَسَدِ الملْقَى فِي حَرْفِي
وَجِرَاحِي أَفْئِدَةٌ وُلِدَتْ لِلتَوِّ
أَنَّى أُنْجِدُ
أَوْ أُتْهِمُ
أَوْ أُعْرِقُ فِي وَطَنِ الخُلَفاء

نَزَلَ العَرَبِيُّ إِلَى الغَارِ
رَأَى حَجَرَ الضَّوْءِ
فَقَالَ سَمِعتْ
طيناً يبْتَلُّ بِقَافِيَةِ النَّارِ
لِيَخْلُدَ أَوْ يَخْمُدَ
صَوْتاً يَطْعَنُنِي فِي الصَّوْتْ
وَهَذَا الجَبَلُ
مِدَادٌ لِلصَّمْتْ

قَالَ الجَمْرَةُ مَاءْ
لَوْ تَنْفُخَ عَنْهَا ثوبَ الرمْلْ
أَوْ تَقْشُطَ جِلْدَ الشُّهَدَاء

وَقَالْ،
لَهَبٌ جَسَدُ الحُلمْ
يُشْعِلُهُ الأَعْرَابُ رُعَاةُ المَلَكُوتِ
وَذِئْبٌ مَنْ يَتَقَرَّاهُ وَحِيداً
فِي جَوْفِ الصَّحْرَاءْ.

نَزَلَ العَرَبِيُّ إِلَى القَبْرِ
شَاهِدَةُ الجُثَّةِ مِئْذَنَةٌ
فَاحْفرْ اسْمَك بِالضَّادِ عَلَيْهَا وَامْضِ
فَوْقَ قُلُوصِ الغَيْبِ بَلاَ أرْضِ
لِفُرَاتِكَ سطْرٌ فِي إِنْجِيلِ حَمُورَابِي
وَالثُعْبَانُ الخَالِدُ كَفَّاكَ
فَاخْلَعْ جلْدَكَ أنّى شِئْتَ وَمُتْ فِيهَا
تَحْيَا فِيهَا

- قَالَ أرَى جَسَدي مُقْتَسِماً بَيْنَ الشَّرْقِ وَبَيْنَ الشفْرَةِ

- قَالَ هُوَ الوَعْدُ
- قَالَ الشفْرَةُ ضَوْئِي،
وَأَنَا أَقْتَسِمُ التفَّاحَةَ بَيْنَ الجُثَّةِ وَالكَلِمَاتْ
- قَالَ أَلاَ شَاهدَ غَيْرَ المَوْتْ
- قَالَ أَجَلْ؟
           هَذِي الصحْرَاءْ

خَرَجَ العَرَبِيُّ إِلى القَبْرِ
عَاقِرَةٌ وَلَدَتْ جُرْحاً
مِنْ دَمِهِ المَوْعُودِ
المَحْفُورِ
المَخْتُومِ
على رَمْلِ الصحْرَاءْ

*****

حَدِيثُ العُرْي

- قَالَ لِي جَسَدُ العُرْي؛

أَنَّ النَّوَافِذَ إِذْ تَرْتَدِي الرِّيحَ
تَعْرَى،
وَأَنَّ المَسَافَاتِ إِنْ وُلِدَتْ كَالأَجِنَّةِ
تَعْرَى،
وَأَنَّ القُرَى مَا استظلَّتْ بِلَيْلٍ وَطينٍ
سَتَعْرى
وَأَنَّ الخُطَى لَنْ تُبَاعِدَ إلاَّ
لِتَعْرَى
وَأَنَّ العُيُونَ عرَاءٌ
تَعَرَّى

- قُلْتُ هَاكَ انتِظَارِي

سَرَاوِيلَ عُرْيٍ
خَنَادِقَ مَحْفُورَةً بِالصَّهِيلِ
أَسَاوِرَ لِلتتَرِ النَّائمِينَ عُرَاةً عَلَى دَكَّةِ الحُلُمِ
طُيُوراً عَلَى حَافَةِ الأُفْقِ
حَيْثُ العَرَاءُ احتِمَاءٌ عَلَى جَدثٍ

يَرْتَدِي الرمْحُ فِي الفَرِيسَةِ أَلْوَانَها
يرتَدِي الصهِيلٌ الخٌيٌولاَ

- قَالَ هَلْ تَرْتَدِي مِنْ دَمِي جَمْرَةً

وَتَرْفَع عَنْ عُنُقِي رَايَةَ الوَجْهِ
عَنْ شَفَتَيَّ العرَاءَ القَتِيلاَ؟

- قُلْتُ إنِّي أرانِي أرَاكَ
ومَا بيننا الهتافُ الذي لَن يُقالا.

أَحَاديث مَمْنُوعَة

جُغْرَافِية

خَارِطة (1)

لَوْ أَسْرقُ مِنْ خَارِطَةِ الْوَطَنِ الشَّاسِعِ قَبْراً أَوْ بَيت
لَوْ أِسْتَبِقُ الصّحْرَاءَ إلَيْهِ جَفَافَا
لَوْ أَعْبُرُ خَارطَتِي فِيهِ
لَوْ يَسْكُنُنِي… حَجَراً… حَجَراً
لِي أَنْهَارٌ فَلاَّحُونَ وَعُشْبٌ
أَسْرَى خَلفَ حُدودِ الوَطَنِ الشَّاسِعْ

فِي خَارِطَةِ الوَطَنِ
أعْرِفُ كُلَّ تَضَارِيسِ السكِّين
أحْلاَمَ الجثَّةِ
رَشَاشَ رِجَالِ الأَمْنِ المَحْشُوِّ بِأَسْمَاءِ الفُقَرَاءِ
وَذَاكِرَةِ المَعْدُومِينْ

حَيْثُ الشَّارِعُ رُمْحٌ يَخْتَرِقُ الشارِعْ
فِي مُدُنٍ مُغٍمَضَةِ العَيْنَيْنِ

لِي خَارِطَةٌ أُخْرَى
خَلْفَ حُدُودِ المَوْجَةِ تَعْبُرُ إِنْ تُمْحَى
أَوْ تَعْتَزلُ المَجْرَى
فَالنَّهْرُ يَدٌ لِلأَبَدِ
وَالنَّهْرُ يَدِي
غَرقاً كُنْتُ بِهِ
وَحَصىً فِي التيَّارْ.

خَارِطَةٌ لِلطِّينِ المَفْخُورِ بِصَوْتِي
خَارِطَةٌ لَلأَسْفَنْجِ المَائِيِّ القَاطِنِ فِي حُزْنِي
خَارِطَةٌ لِلشَّجَرِ اللاَّجِىء
خَارِطَةٌ لِلنَّهْرِ بِلاَ ضفَّه
خَارِطَةً لِطَرِيقٍ لاَ تَأْتِي

خَارِطَة (2)

ألرِّياحُ جَنُوبيَةٌ تَعْبُرُ البَحْرَ
ألرِّياحُ شَمَالِيَةٌ تَحْتَمِي بِالجِبَالِ

ألتَّضَارِيسُ تَبْدَأ بِالمقْبَرَهْ
ألرِّجَالُ يَؤوبُونَ عَبْرَ الْبَنَادِقِ وَالغَسقِ المُتَوَهّجِ
مَا بَيْنَ أَسْوَارِنَا وَالحَنِنينْ
وَبَيْنَ السمَاوَاتِ وَالجُرْحِ يَنْجِسُ النَّهْرُ
أَزْرَقَ
أَزْرَقَ
أَزْرَقَ
لاَ يُقْتَفَى

لِلطيُورِ التِي أُسْقِطَتْ بَيْنَ أَضْلاَعِنَا
لِلطيُورِ التِي هَاجَرَتْ بَيْنَ أضْلاَعِنَا
لِلطيُورِ التِي لاَ تُفَارِقُ أضْلاَعَنَا
سَنَقْتَسِمُ الخَارِطَة؛

مَرَّةً فِي الوَجيفِ
وَثَانِيَةً فِي الرَّصَاصِ
وَثَالِثَةً فِي النَّزِيفِ

النَّوَافِذُ تُفْتَحُ فِي الخَارِطَهْ
الطيُورُ تحطُّ عَلَى الخَارِطَهْ
القطَارُ يُصَفِّرُ فِي الخَارِطَهْ

خَارِطَة (3)

هُوَ النَّهْرُ أمْوَاهُهُ وَالضفَافُ وَصَوْتٌ مِنَ الأَمْسِ أَخْضَرُ
يَنْأى وَرَاءَ القُرَى وَالعُيُون الخَفيضَةِ لاَ ضَفَّةٌ تُسْتَرَدُّ وَلاَ
مَوْجَةٌ تَكْتَفِي بِالعُبُورِ النَّخِيلُ ذُبُولٌ تَطَاوَلَ بِالأَحْمَرِ
المُتَخَثّرِ يُرْسَمُ صَمْتُ المَقَابِرِ نَافِذَةً.. والْحُدُودُ تَشُدُّ
جَدَارَكَ لِلْشَّمْسِ أُغْنِيَةُ النَّهْرِ بَيْضَاءُ… بَيْضَاءُ وَجْهُكَ
كَالجَمْرِ يَبْرُدُ يَنْأى رَمَاداً وَلاَ جَبَلٌ فِي الخَرِيطَةِ
يَعْتَزِلُ الغَيْمَ لاَ جُثَّةٌ فِي السمَاوةِ وَالنَّاصِرِيَّةِ تَعْبُرُ بَابَ
الجَنُوبِ الفُراتُ سِنينٌ يضَاءُ بِهَا الفَقْرُ وَالمَوْتُ

فَاسْتَمطِري غَيْمَةَ الجُرْحِ أَنّى انتَهَيْتِ فَأَنْتِ عَلَى جُثَّتِي
يَجُوبُ الخَرِيطَةَ حُزْنٌ قَدِيمٌ تَأَبَّدَ لاَ وَطَنٌ فِي المَنَافِيَ
يُدْرك أَسْرَارَهُ

عَبَرْتُ إِلَيْهِ صَحَارى وبَاعَدْتُ كَالصَّوْتِ قُلْتُ سَآوِي
إِلَى جَبَلِ أحْتَمِي وَأشدُّ إِلى غَيْمَةِ جَسَداً غَادَرتَني
النهَايَاتُ شَرخاً عَلَى جَبَلٍ؟… بِرْكَةٌ صَوْتُكَ المُتَبَقِّيَ

تَطْفُو بِهَا جُثَّةٌ
وَالطَّرِيقُ إِليْكَ إنْتَهَاءُ الطرِيق وخَلْفَ القُرَى
وَالريَّاحِ الجَنُوبِيَّةِ المُشْتَهَاةِ الخَرِيطَةُ تَبْعُدُ
تَبْعُدُ… تَبْعُدُ…

******

خَالِد الأَمِين

بَيْنَ قَصْر النهَايَةِ وَالناصِرِيَّةِ
تَحْمِلُ جُثَّتُكَ القادِمَة
إسْمُهَا المُسْتَعارْ

يَبْعُدُ النَّهْرُ بِضَعَ خُطىً، لَكْنَةٌ مِنْ هُنَاكَ الرطُوبَةُ عِنْدَ الغُرُوبِ
الْمَدِينَةُ تُوقِدُ آهَاتِهَا أللَّيْلُ ينْسَلُّ تَحْتَ الغِطَاء.
إنْ "عَكَد الهَوَى" يَسْتَفِيقُ، حَرِيقُ الطُفُولَةِ كُلُّ الأَغَانِي رِيَاحُ
السُمومِ تُعَانِقُنِي لفحَةً لفحةً، ثُمَّ تَدْنُو تَلُمُّ اشتهَاءاتِها
وَالضجِيجَ، جَميعَ الُوجُوهِ الأَزِقَّةَ وَالنَسوَةَ المُسْرِعَاتِ السوَادَ
المرَاوِحَ فِي السقْفِ حَتَّى الذُّبَابْ

خالد الأمين: شاعر عراقي استشهد في قصر النهاية بعد أن نقل الى مدينة الناصرية باسم مستعار وهو بين الحياة والموت.
عكَد الهوى: حي شعبي في مدينة الناصرية.

أيُّ مَوْتٍ يُسَاوِمُنِي وَرْدَةَ للطُّفُولَه؟
أيُّ طَيْرٍ يَحُطُّ عَلَى جُثَّتِي
بَيْنَ قَصْرِ النهَايَةِ وَالنَّاصِرِيَّة؟

حَجَراً استردُّ دَمِي
جَمْرَةً إشتهَائِي
بَيْنَ قَصْرِ النهَايَةِ وَالناصِرِيَّةِ نَهْرٌ مِنَ المَوْتِ
تَعْبُرُهُ جُثَّةٌ هَامدَةْ
………………………
طَلْقَةٌ وَاحِدَةْ
تَصِلُ الحُلُمَ
بِالشاهَدةْ

******

قصِيدة إِلى الفَجْر

هُوَ الفَجْرُ وَكْرٌ وَأَجْنِحَةٌ
لَهُ لَوْنٌ جُرْحِي
وَعُرْيُ الوِلاَدَةِ
والخْطْوَةُ الشاهِقَة

* * *

بَيْنَ فَجْرٍ يَغيبُ وَفَجْرٍ يَجِيءُ
نَهَصْتُ إِلَى لَيْلَةٍ مُسْتَحِيلة
لَيْلَةٍ فَجْرُها دَمُهَا
لَيْلَتي هذهِ القَتِيلَةْ

بَيْنَ فَجْرٍ قَدِيمٍ وَفَجْرٍ جَدِيدٍ
دَمٌ غَادَرتهُ المَدينَةُ فِي جُثَّة فَارِعَة
يُجَفِّفُهُ اللَّيْلُ سِرّاً
عَلَى القَارِعَةْ

* * *

بَيْنَ فَجْرٍ قَدِيمٍ وَفَجْرِ قَدِيمٍ
طُيُورٌ تَهَاوَى كَأحْجَارِ بِئرٍ سَحِيقْ
بَيْنَ نَافِذَةٍ مُوصَدَةْ
وَبَيْنَ الطرِيقْ
بَيْنَ فَجْرٍ وَفَجْرٍ
حَرِيقْ

فِي آخِر أنبَائِك

فِي آخر أنبَائِكَ،
مَا يَكْتُبُهُ الرمْحُ تَقْرَأُهُ الأَرْضُ
وَلاَ سيَّافَ بِلاَ رَأْسْ

أَنْتَ الطير
بِجَنَاحٍ أبْعَدَ مِنْهُ
أَنْتَ الحَجَرُ المَهْجُورُ عَلَى أرْضِ القِمَّةِ
أَنْتَ اللَّيْلُ العَائِدُ لِلَّيْلِ
كُلُّ خُطىً لَنْ تَأْتِي
تَعْبُرُكَ اللَّيْلَه
مَوْعِدُكَ القادِمُ لاَ يَعْرِفُهُ الخُفَرَاءْ

فِي آخِرِ أَنْبَائِك
ألْقَرْيَةُ كَالأَمْسِ تُرَدُّ إِلَى الغَائِبِ
وَالزَّوْجَةُ نَاحِلَةٌ عَذْرَاءْ

مِنْ أَجْلِ المَعْشُوقِ
مَعاً
سَقَطَ الغُرَمَاءْ
آهٍ،
لَوْ تَقدر أَنْ تَنْسَى اسمَكَ مَرَّهْ
لَتَعَلَّمْتَ جَمِيعَ الأَسْمَاءْ